كتاب الحج (للشاهرودي)

اشارة

نام كتاب: كتاب الحج

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى

تاريخ وفات مؤلف: 1394 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 5

ناشر: مؤسسه انصاريان

تاريخ نشر: ه ق

نوبت چاپ: دوم

مكان چاپ: قم- ايران

مقرر: شاهرودى، ابراهيم جناتى

تاريخ وفات مقرر: ه ق

ملاحظات: اين كتاب از روى نسخه اى كه در سال 1381 ه ق در چاپخانه قضاء در نجف اشرف به چاپ رسيده افست شده است

الجزء الأول

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[شرح] كتاب الحج [من العروة الوثقى]

[الفصل الأول في وجوب الحج]

[ركنية الحج]

قوله قده: (من أركان الدين الحجّ و هو واجب على كل من استجمع الشرائط الآتية من الرّجال و النّساء و الخناثى.

لا ينبغي الارتياب في وجوب الحج على كل أحد بعد تحقق جميع شرائطه من الزّاد و الرّاحلة و تخلية السّرب و غير ذلك من الشرائط الآتية، لعموم قوله تعالى (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) «1». و للنصوص الكثيرة الواردة في المقام- منها:

(1)- في الصحيح عن أبان عن الفضل أبي العباس عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قول اللّه تعالى (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ) قال: هما مفروضان «2».

(2)- في الصحيح عن عمر بن أذينة قوله- عليه السلام- في جواب السّائل عن قول اللّه عز و جل (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ.) يعنى به الحجّ و العمرة جميعا لأنهما مفروضان «3».

و نحوهما ما في باقي الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- في ذلك مضافا الى الإجماع عليه، بل في الجواهر: (بإجماع المسلمين بل ضرورة من الدّين يدخل من أنكره في سبيل الكافرين).

[في وجوبه مرّة واحدة]

قوله قده: (و لا يجب في أصل الشّرع إلا مرّة واحدة في تمام العمر.

يمكن الاستدلال على ذلك بوجوه:

______________________________

(1) سورة آل عمران، الآية 91.

(2) المروي في الوسائل ج 2، الباب الأول من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(3) المروي في الوسائل ج 2، الباب الأول من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 3

(الأول)- الإجماع قديما و حديثا، قال في المنتهى: (ان عليه إجماع المسلمين).

و في الجواهر: (إجماعا بقسميه من المسلمين فضلا عن المؤمنين). و في التهذيب: (انه لا خلاف فيه بين المسلمين).

و فيه: ان الإجماع المعتبر هو التعبدي منه الكاشف قطعيا عن صدور الحكم

عن المعصوم- عليه السلام- لا المدركى. و في المقام يحتمل أن يكون مدركه الأخبار و الأصل، فالعبرة حينئذ بالمدرك دون الإجماع.

(الثاني)- أنه ليس مقتضى الإطلاقات كتابا و سنة إلا لزوم تحقق الطبيعة في الخارج، و الطبيعة إنما تتحقق بالإتيان بها مرة واحدة، فلا شك لنا في أن المطلوب من أمره بها هو صرف الوجود منها، بحيث لو أتى بها في أي سنة من سنوات عمره يحصل بها غرض المولى لتحقق صرف الوجود من الطبيعة بأول الوجود منها، فيكفي إتيانها مرة واحدة إلا إذا قام دليل تعبدي على وجوبها ثانيا و لم يثبت، فإذا أتى بها أولا ثم شك في وجوبها ثانيا فبمقتضى الأصل يحكم بعدم وجوبها.

(الثالث)- الأخبار الخاصة الواردة في المقام- منها:

1- في صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ما كلّف اللّه العباد الا ما يطيقون، إنما كلفهم في اليوم و الليلة خمس صلوات. الى أن قال: و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك «1».

2- في خبر فضل بن شاذان عن الرضا- عليه السلام- قال: إنما أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك، لأن اللّه تعالى وضع الفرائض على أدنى القوة. «2».

3- في خبر محمد بن سنان أن أبا الحسن على بن موسى الرّضا- عليه السلام- كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله قال: علة فرض الحج مرة واحدة، لأن اللّه تعالى وضع الفرائض على أدنى القوم قوة، فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحدا، ثم رغب أهل القوة على قدر طاقتهم «3».

______________________________

(1) الوسائل ج 2، الباب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل ج 2، الباب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث

2

(3) الوسائل ج 2، الباب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 4

4- عن دعائم الإسلام: روينا عن جعفر بن محمد- عليهما السلام- إنه قال: و أما ما يجب على العباد في أعمارهم مرة واحدة فهو الحج، فرض عليهم مرة واحدة لبعد الأمكنة و المشقة عليهم في الأنفس و الأموال، فالحج فرض على الناس جميعا إلا من كان له عذر «1».

5- عن عوالي اللئالي عن الشهيد قال: روى ابن عباس قال: لما خطبنا رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- بالحج قام إليه الأقرع بن حابس: أفي كل عام؟ فقال: لا، و لو قلت لوجب، و لو وجب لم تفعلوا، إنما الحج في العمر مرة واحدة، فمن زاد فتطوع «2».

6- عن العوالي أيضا عنه- صلى اللّه عليه و آله- انه قال: كتب عليكم الحج، فقال الأقرع بن حابس: كل عام يا رسول اللّه؟ فسكت، ثم قال: لو قلت لوجب ثم إذا لا تسعون و لا تطيقون و لكنه حجة واحدة «3».

فما أفاده الأصحاب من (أنه لا يجب بأصل الشرع إلا مرة واحدة) متين، و قد ظهر مما ذكرناه ضعف ما نقل عن الصدوق في العلل: من وجوبه في كل عام على أهل الجدة [1] فإنه على فرض ثبوته شاذ و مخالف لاتفاق الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و مقتضى الأخبار المتقدمة و الأصل.

هذا و لكن قد ورد في بعض الأخبار ما يدل على أنه يجب في كل سنة، على أهل الجدة و هي بظاهرها معارضة بما تقدم من الأخبار- منها:

1- في خبر على بن جعفر عن أخيه موسى- عليه السلام- قال: إن اللّه عز و جل فرض الحج

على أهل الجدة في كل عام، و ذلك قوله عز و جل (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ.

وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ) قال: قلت: فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال:

لا، و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر «4».

______________________________

[1] الجدة- الغنى و الثروة.

______________________________

(1) المستدرك ج 2، الباب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

(2) المستدرك ج 2، الباب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4.

(3) المستدرك ج 2، الباب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4.

(4) الوسائل ج 2، الباب 2 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 5

2- في خبر حذيفة بن منصور عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: إن اللّه عز و جل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام «1».

3- في صحيح أبي جرير القمي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: الحج فرض على أهل الجدة في كل عام «2» الى غير ذلك من الروايات.

فهذه الروايات بظاهرها تدل على وجوب الحج في كل عام على المتمكن منه، فإذا تقع المعارضة بينها و بين الأخبار المتقدمة، و يمكن الجمع بين الطائفتين بوجوه.

(الأول)- حمل الطائفة الثانية من الأخبار الدالة على وجوبه في كل عام على أهل الجدة على الوجوب الكفائي كما هو خيرة (الوسائل)، حيث قال فيها في ذيل الروايات:

(و الأقرب ما قلناه من الوجوب الكفائي). و الشاهد على ذلك الأخبار الواردة الدالة على عدم جواز تعطيل الكعبة- منها:

1- في صحيح حماد عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: كان على- صلوات اللّه عليه- يقول لولده: يا بنى! انظروا بيت ربكم، فلا يخلوا منكم، فلا تناظروا

«3».

2- و في رواية [حنان بن] سدير عن أبيه قال: ذكرت لأبي جعفر البيت، فقال: لو عطلوه سنة واحدة لم يناظروا «4».

3- في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين في وصيته للحسن و الحسين- عليهما السلام- أوصيكما بتقوى اللّه. الى أن قال: اللّه اللّه في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا «5».

4- و عن دعائم الإسلام عن رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- أنه قال: إذا تركت أمتي هذا البيت أن تؤمه لم تناظروا «6» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

______________________________

(1) الوسائل ج 2، الباب 2 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل ج 2، الباب 2 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(3) الوسائل ج 2، الباب 4- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(4) الوسائل ج 2، الباب 4- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(5) الوسائل ج 2، الباب 4- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

(6) المستدرك ج 2، الباب 4 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 6

و يشهد على ذلك أيضا الأخبار الدالة على أن الناس لو تركوا الحج لوجب على الإمام- عليه السلام- كما في بعضها، و على الوالي كما في آخر: أن يجبر الناس على الحج و المقام عنده و زيارة الرسول- صلى اللّه عليه و آله- و المقام عنده و لو لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال- منها:

1- في صحيح عبد اللّه ابن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لو عطل الناس الحج لوجب على الامام- عليه السلام- أن يجبرهم على

الحج إن شاؤا و إن أبوا، فإن هذا البيت إنما وضع للحج «1».

2- في صحيح معاوية ابن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لو أن الناس تركوا الحج، لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك، و على المقام عنده، و لو تركوا زيارة النبي- صلى اللّه عليه و آله- لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك و على المقام عنده، فإن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين «2» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و يشهد ايضا على ذلك ما ورد: أن الناس لو تركوا الحج انزل عليهم العذاب- منها:

1- في خبر أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: أما أن الناس لو تركوا حج هذا البيت لنزل بهم العذاب و ما نوظروا «3».

2- و في رواية حسين الأحمسي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لو تركوا الناس الحج لما نوظروا العذاب، أو قال: انزل عليهم العذاب «4».

تقريب الاستدلال بها على الوجوب الكفائي، هو أن قضية عدم جواز تعطيل الكعبة مطلقا حتى لو فرض في سنة لم يكن بين الناس مستطيع صرورة أو غيره ممن يجب عليه الحج و لو بنذر أو شبهه كما هو مقتضى إطلاق هذه الأخبار. و وجوب إجبار الناس على الوالي، كذلك، هو وجوب الحج كفاية في كل عام على المسلمين، لكي لا تخلو الكعبة من زائر، و لو

______________________________

(1) الوسائل ج 2، الباب 5 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل ج 2، الباب 5 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) الوسائل ج 2، الباب 4 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

(4)

الوسائل ج 2، الباب 4 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 7

لم يفعلوا لأنزل عليهم العذاب.

غاية الأمر أنه كسائر الواجبات الكفائية يسقط بقيام من به الكفاية به في كل سنة و لا يسقط بدونه.

و يمكن المناقشة فيه، بأن الأخبار الواردة في عدم جواز تعطيل الكعبة لا تدل على وجوب الحج في كل عام كفاية، إذ عدم التعطيل كما يحصل بالحج، كذلك يحصل بالعمرة، فلا تتم دلالة تلك الأخبار على المطلوب.

و دلالة الأخبار الدالة على أن على الوالي إجبار الناس على الحج لو تركوه، و ما دل على أنهم لو تركوا الحج انزل عليهم العذاب!! قابلة للمناقشة أيضا.

لإمكان أن يقال: إنه لا يتفق عادة في سنة عدم وجود مستطيع صرورة في الأقطار حتى يثبت كون الأخبار في مقام البيان من هذه الجهة و يتحقق الإطلاق، فيحتمل كون وجوب الإجبار و نزول العذاب لأجل تركهم حجة الإسلام الواجبة عينا في تمام العمر مرة واحدة فبتركها يجب على الوالي إجبارهم عليه و ينزل العذاب عليهم لو لم يحجوا.

(الثاني)- حمل الطائفة الثانية من الأخبار الدالة على وجوبه في كل عام على أهل الجدة على الوجوب البدلي، بأن على الواجد بمقدار ما يحج به، الحج في العام الأول، فإن تركه ففي العام الثاني و هكذا و بالجملة فوجوبه في كل عام يكون على البدل و مترتبا على تركه في العام السابق، و هو خيرة الشيخ «قده» في التهذيب و العلامة «ره» (في المنتهى) على ما هو المحكي عنهما.

و فيه: أنه لا شاهد له فلا يصار اليه.

(الثالث)- حمل الطائفة الثانية على الاستحباب، كما حمله الشيخ «قده» على ذلك و هو خيرة المعتبر حيث قال:

(إن هذه الروايات محمولة على الاستحباب لأن ظاهرها مخالف لإجماع المسلمين كافة). و استحسنه في المدارك، و وافقهم صاحب الجواهر «قده» و استغرب حملها على الوجوب الكفائي الذي جعله صاحب الوسائل أقرب.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 8

فإذا أوجه الوجوه حملها على الاستحباب لما عرفت في الوجهين الأولين من الإشكال و الشاهد على ذلك الأخبار الدالة على استحباب الحج في كل سنة،- منها:

1- عن ابن أبي عمير، قال: سمعت جعفر بن محمد- عليهما السلام- يقول:

قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- تابعوا بين الحج و العمرة، فإنهما ينفيان الفقر، كما ينفى الكير [1] خبث الحديد «1».

2- في مرسلة الصدوق قال: قال الصادق- عليه السلام-: من حج حجة الإسلام فقد حل عقدة من النار من عنقه، و من حج حجتين، لم يزل في خير حتى يموت، و من حج ثلاث حجج متوالية ثم حج أو لم يحج، فهو بمنزلة مد من الحج «2».

3- مرسلته ايضا قال: روى أن من حج ثلاث حجج، لم يصبه فقر أبدا، و أيما بعير حج عليه ثلاث سنين جعل من نعم الجنة «3».

4- عن دعائم الإسلام، عن على- عليه السلام- و ان رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- قال في حديث: أيها الناس عليكم بالحج و العمرة فتابعوا بينهما، فإنهما يغسلان الذنوب كما يغسل الماء الدرن [2]، و ينفيان الفقر، كما تنفى النار خبث الحديد «4».

5- عن على بن الحسين عن أبيه عن على بن أبي طالب- عليه السلام- قال:

قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- تابعوا بين الحج و العمرة، فإنهما ينفيان الخطايا و يجلبان العبد الى الرزق «5» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم

السلام- و قد عقد في الوسائل بابا لهذا الحكم و ذكر فيه جملة كثيرة من الروايات.

______________________________

[1] زق- ينفخ فيه الحداد.

[2] الدرن- الوسخ.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2، الباب 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 13

(3) الوسائل- ج 2، الباب 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 14

(4) المستدرك- ج 2، الباب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2.

(5) المستدرك- ج 2، الباب 24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 9

و كيف كان فالأخبار الدالة بظاهرها على وجوب الحج في كل سنة لا تصلح لمعارضة الأخبار الدالة على وجوبه بنحو صرف الوجود و عدم وجوبه أكثر من مرة واحدة، و ذلك لأن الأخبار الدالة على عدم وجوبه إلا مرة واحدة، نص في ذلك، و الطائفة المعارضة لها ليست نصا في الوجوب فيمكن حملها على إرادة الاستحباب أو غيره.

و من المحتمل أن يكون المراد من لفظ الفرض الواقع في منطوق الروايات معناه اللغوي و هو الثابت، و معلوم أن الثبوت أعم من ان يكون بنحو الوجوب أو بنحو الاستحباب فصلاة الليل مثلا ثابتة على المسلمين، مع أنها ليست بواجبة.

[المسألة الأولى]
[في فورية وجوب الحج]
اشارة

قوله قده: (لا خلاف في ان وجوب الحج بعد تحقق الشرائط فوري.

قد تطابقت الفتاوى قديما و حديثا على وجوب البدار إليه في أول عام الاستطاعة كما في الجواهر و المدارك و المنتهى و التذكرة و محكي الناصريات و المختلف و شرح الجمل و غيرها، و هذا مما لا ينبغي الشك فيه من حيث الفتوى و لكن يقع الكلام في دليله

و يمكن الاستدلال على ذلك بوجوه:
(الأول)- الإجماع

كما ادعاه صاحب التذكرة و المنتهى، و فيه: أنه قد ذكرنا أن المعتبر من الإجماع هو التعبدي لا المدركى منه، و في المقام يحتمل أن يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه الآتية، فالعبرة حينئذ بها لا بالإجماع، و على فرض تسليم القطع بعدم استناد المجمعين في الحكم على تلك الوجوه.

نقول: إن من الواضح عدم كون الإجماع بنفسه حجة تعبدية في قبال الكتاب و السنة و لذا لم يلتزم بذلك أحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فالاعتماد عليه لا بد ان يكون من جهة كونه موجبا لحصول الاطمئنان بالحكم بل ربما يكون موجبا لحصول العلم بان المجمع عليه هو الواقع، و لو لم يكشف عن الحجة المعتبرة عندهم التي كانت حجة لنا ايضا لو ظفرنا بها، و لا عن سيرة أصحاب الأئمة- عليهم السلام- التي تكون كاشفة عن إمضاء الإمام- عليه السلام- كما ادعى هذان الوجهان في وجه حجيته، و نحن قد أثبتنا في محله عدم تمامية ما افادوه «قدس اللّه تعالى أسرارهم» من الوجهين أما عدم كشفه عن الحجة المعتبرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 10

عندهم «1» فلضرورة انه لو كان ذلك في البين لبان و لكان يصل إلينا يدا بيد، للقطع بعدم الداعي لهم إلى إخفائها و عدم نشرها، بل

الأمر بالعكس جزما، لما علم من اهتمامهم بضبط الروايات و كتبها و نشرها، بل أمر الإمام- عليه السلام- لهم بذلك، فكيف يرضى المنصف بان ينسب إليهم انهم كتموا رواية معتبرة يحتاج إليها عامة المكلفين بل اوصى كل منهم الى صاحبه بالكتمان، و عدم ضبطها بالكتب، لئلا تصل الى الطبقات المتأخرة؟! فإن هذا مما يعلم بفساده. فمن عدم وصولها منهم إلينا نقطع بعدم وجودها عندهم، فعلى هذا لا يبقى مجال للقول بكشفه عنها.

و أما عدم كشفه عن السيرة العملية للوسائط و المشايخ الكاشفة كشفا قطعيا عن عمل أصحاب الأئمة- عليهم السلام- فلأن المجمعين لم يدركوا جميع الوسائط حتى يطلعوا على أعمالهم. نعم، قد اطلعوا على أصولهم و كتبهم و رواياتهم، و هذا كما ترى أجنبي عما نحن بصدد إثباته من كشف الإجماع عن السيرة العملية المتصلة بزمان الامام- عليه السلام-، فالوجه في الاستدلال بالإجماع المحصل بل المنقول منه مع بعض الضمائم انما يكون من جهة كونه موجبا لحصول الاطمئنان بل ربما يوجب العلم بكون المجمع عليه هو الواقع. نظير انه ربما يتفق من التتبع في أحوال الرجال العلم بوثاقة الراوي مع عدم تمامية مدرك توثيقاتهم، فعليه يصح لنا ان نقول: بأن الفتاوى التي صدرت منهم في عدة من المسائل التي لم يوجد على طبقها مدرك عدي الإجماع، يحصل لنا الاطمئنان أو العلم بصحتها من ذلك الإجماع، و قد اطلع بعض المتتبعين على كثير من الفروع المسلمة التي لا مدرك لها سوى الإجماع.

ثم انه لو سلم كشف الإجماع عن السيرة العملية، و حصول العلم بأن أصحاب الأئمة- عليهم السلام- كانوا يأتون بالحج في أول عام الاستطاعة لقلنا إن استقرار السيرة العملية على الإتيان بالحج فورا لا يدل

على وجوب الفورية، لأن الفعل مجمل فلعله كان لاستحبابها أو لدواع أخر كالاستعجال في الاستراحة عن ثقل التكليف به فتدبر [1].

______________________________

[1] المؤلف: و لكنه دام ظله قرّب في بعض مباحثه أخيرا كون الإجماع كاشفا عن سيرة أصحاب الأئمة- عليهم السلام- الكاشفة عن إمضاء الإمام- عليه السلام- و توضيحه يحتاج الى بيان و تفصيل يضيق به المقام هنا،

______________________________

(1) بعد القطع بعدم فوتها قبل التصنيف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 11

(الثاني)- أن فورية وجوب الحج هي التي تقتضيها الأوامر الواردة في الشريعة،

و ذلك بتقريب أنه لا ينبغي الارتياب في أن فعلية كل حكم تابعة لفعلية موضوعه، فتكون نسبة الحكم إلى الموضوع كنسبة العلة إلى معلولها من حيث الترتب، فمع تحقق الموضوع جامعا للشرائط حدوثا بالوجدان و بقاء كذلك أو بالأصل يتحقق الحكم و لا ينفك الحكم ايضا عن البعث أو الزجر. و لا يخفى أن الحكم الفعلي البعثى أو الزجرى يقتضي الانبعاث أو الانزجار فعلا بحكم العقل، فلا ينفك الانبعاث أو الانزجار الفعلي عن فعلية الحكم، و لا يتأخر عنها، و إلا لزم الخلف، فحينئذ يجب فورا.

و ليس مرادنا بما ذكرنا من فعلية الانبعاث دلالة الأمر على الفور، حتى يقال إنه لا يدل على الفور و لا التراخي، كما ذهب إلى ذلك المحققون من الأصوليين، بل يدل على نفس الطبيعة من دون لحاظ خصوصية من خصوصياتها لا بمادته و لا بهيئاته، بل المراد هو أن العقل حاكم بلزوم الانبعاث من بعث المولى و لزوم الإطاعة و عدم جواز الإهمال.

و فيه: مضافا الى عدم التزام أحد به في غير المقام: أن فورية الانبعاث تابعة لكيفية البعث، فربما يكون مطلوب المولى من البعث إلى شي ء هو البعث إلى الإتيان به فورا فيحكم العقل بلزوم الانبعاث فورا، و إلا لزم

الخلف. و اخرى، يكون مطلوبه البعث إلى شي ء مطلقا بدون نظر الى الإتيان به فورا أو تراخيا، فحينئذ لا يحكم العقل بلزوم الانبعاث فورا، و كون مطلوب المولى فيما نحن فيه الفور أول الكلام فلا يمكننا إثبات الفورية بهذا الدليل.

(الثالث)- كون فورية وجوب الحج من مرتكزات المتشرعة قديما و حديثا،

بحيث يذمون تارك الحج في عام الاستطاعة مع عدم عذر مسوغ لتأخيره عن ذلك العام، و لا يرون لأحد ان يتسامح في المشي و المسير الى الحج بعد اجتماع شرائطه، و يسمى هذا الوجه بالإجماع الارتكازي.

و فيه: أولا- أن دعوى القطع بارتكازية ذلك في أذهانهم بحيث لا يجوزون التأخير بعد تحقق الموضوع حدوثا بالوجدان، و بقاء الى آخر الأعمال بالأصل عن عام الاستطاعة أول الكلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 12

و ثانيا- بعد تسليم القطع بثبوت هذا الارتكاز نقول: أن كونه ناشئا عن سيرة مستمرة إلى زمان الامام- عليه السلام- غير معلوم لاحتمال نشوه عن انس ذهنهم بالفتاوى قديما و حديثا، لتطابقها على وجوب البدار إليه في أول عام الاستطاعة كما عرفت آنفا.

(الرابع)- الأخبار الواردة في ان من بذل له المال للحج فليحج،

فإنها تدل بظاهرها على الفور، فنتعدى عن مورد البذل الى غيره بتنقيح المناط.

و فيه: أولا- أن دلالة الأمر الوارد في الاستطاعة البذلية على الفور أول الكلام، لأن وزان تلك الأخبار الواردة في الاستطاعة البذلية وزان أوامر الحج في الاستطاعة الملكية بلا فرق بينهما. نعم، يمكن الفرق بين المقامين، بأن يقال: إن الغالب في الاستطاعة البذلية، هو ارادة الباذل فورية الحج، و مع عدم قرينة على ارادة فوريته لا فرق بين الاستطاعة الملكية و البذلية في عدم وجوب الفور أو وجوبه أصلا.

و ثانيا- أنه على فرض التسليم فغاية ما يستفاد من تلك الأخبار هناك هو ثبوت الفور في حق المبذول له، و أما ثبوته في حق غيره- و هو من استطاع بغير البذل- فلا يستفاد منها ذلك، و لا يمكن لنا التعدي عن موردها الى غيرها، إلا إذا قام دليل تعبدي من الخارج على جواز التسرية، و هو لم يثبت، فلا بد من

الاقتصار على موردها.

و أما القول: بأنه يمكن التعدي عن موردها الى غيره بتنقيح المناط القطعي فلا يمكن المساعدة عليه، لأنه غير قطعي، بل غاية ما يحصل به، هو الظن و هو لا يغني عن الحق شيئا فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا لاحتمال خصوصية في الحج البذلى دون غيره.

نعم، إذا قطعنا بملاك الحكم و عدم مانع عن الجعل ايضا فلا محيص حينئذ عن التعدي منه الى غيره و لكنه مجرد فرض لا واقع له لعدم علمنا بالملاكات و موانعها كما لا يخفى.

(الخامس)- أن التأخير إلى سنة أخرى بلا عذر

- مضافا الى أنه في معرض الفوت، لاحتمال عدم التمكن من إفراغ ذمته في العام القابل- يوجب صيرورة صاحبه متهاونا و غير معتن بأمر المولى و تاركا للحج من غير عذر، مع أنه لو جاز التأخير عن العام الأول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 13

من الاستطاعة، لجاز التأخير عن العام الثاني منها ايضا، و هكذا حتى يظن بالفوت، كما هو قضية اتحاد حكم الأمثال بعد ان لم يكن لنا دليل على الفور في العام القابل ايضا.

و فيه: أن احتمال الفوت لو لم يكن عقلائيا لا اعتبار به، بل و كذا لو كان احتمال كل من الفوت و الدرك عقلائيا، و لم يحصل الاطمئنان بالفوت، لم يلزم المبادرة. نعم، مع الاطمئنان بالفوت لو أخر و لم يأت به في العام الأول، مع كونه واجدا لجميع شرائط الوجوب الى آخر أزمنة المناسك في العام الأول و اتفق عدم تمكنه أصلا كان مستحقا للعقوبة، بل و كذلك ايضا لو انكشف عدم بقاء شرائط وجوبه أو انكشف عدم حصول الفوت، و ذلك لتحقق ما هو المناط في استحقاق العقوبة في جميع هذه الصور- كما قد

حقق في محله.

و أما كون الترك في العام الأول تهاونا أو عدم اعتناء بأمر المولى، فمجرد دعوى لا شاهد عليها بعد عدم نهوض دليل على وجوب الفور، كما هو محل الكلام.

- و أما- دعوى صدق كونه تاركا للحج بمجرد التأخير عن العام الأول- مع فرض عدم العلم باستلزام التأخير للفوت- فممنوعة جدا.

و اما استلزام جواز التأخير عن العام الأول، لجواز التأخير عن العام القابل ايضا، باتحاد حكم الأمثال، فلا ضير فيه مع فرض عدم دليل على الفور في العام القابل، و لو متسكعا، فنلتزم بجواز التأخير عن العام القابل كالعام الأول.

و اما مع فرض ثبوت الدليل على المسارعة في العام القابل- إذا بقيت الشرائط في العام الأول إلى آخر أزمنة المناسك- فالملازمة ممنوعة لوجود الفارق و هو الدليل على ما هو المفروض.

(السادس)- ما ورد من اخبار التسويف الدالة على حرمة التسويف بلا عذر

- منها:

1- في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قول اللّه عز و جل (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) «1». قال: هذا لمن كان عنده

______________________________

(1) سورة آل عمران الآية 97.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 14

مال و صحة، فإن سوفه للتجارة فلا يسعه ذلك، و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذ ترك الحج و هو يجد ما يحج به. «1».

2- في الصحيح عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت له أ رأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج في كل عام، و ليس يشغله عنه الا التجارة أو الدين؟ فقال: لا عذر له يسوف الحج، ان مات، فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «2».

و نحوهما ما في الأخبار الواردة، و

قد عقد في الوسائل بابا واسعا للروايات المستفاد منها ذلك، و قد ذكر فيه جملة وافرة من الروايات، و ان كان غير واحد منها مما لا يمكن الاستشهاد بها، كالاخبار الناهية عن التسويف الى ان يموت.

و كيف كان، فالظاهر منهما كما ترى هو حرمة التسويف بلا عذر، و دلالة الأول أوضح من الثاني، فتأخير الحج من دون عذر يعذره اللّه حرام، فيجب الإتيان به فورا.

و يمكن المناقشة فيه بأن يقال: انه و ان كان لا إشكال في دلالة هذه الأخبار من حيث الكبرى- و هي حرمة التسويف و ان الشارع لا يرضى بالتسويف في الحج، لما فيه من الأهمية- الا انه يقع الكلام في الصغرى، و هي هل يصدق ذلك العنوان بمجرد التأخير عن العام الأول من الاستطاعة، كما يصدق بالتأخير في سنوات عديدة قطعا كي تنطبق الكبرى عليه أولا، فإن ثبت صدقه بمجرد التأخير عن العام الأول تدل تلك الأخبار على المدعى و إلا فمع الشك في الصغرى لا يمكن التمسك بالكبرى.

و لكن الإنصاف ان إنكار صدق التسويف بالتأخير و لو عاما واحدا في غير محله، فالأقوى تمامية هذا الدليل

السابع- الأخبار الدالة على وجوب الاستنابة فيما إذا لم يتمكن من الحج لعذر

من كبر أو مرض أو هرم أو غير ذلك من الأعذار، و الظاهر منها- على ما سيأتي في ذلك الباب- هو وجوب الاستنابة عليه. فلو لم يكن الحج واجبا فورا في أول عام الاستطاعة- فلم وجب التجهيز؟ فمن امره- عليه السلام- به يستكشف ان وجوبه فوري

______________________________

(1) الوسائل ج 2، الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل ج 2، الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 15

لأنه لا معنى للأمر بالاستنابة،

إذا جاز التأخير مع احتمال التمكن من الإتيان به مباشرة في العام القابل.

و فيه: ان تلك الروايات لا تشمل المحل المفروض، و هو ما إذا كان أول عام استطاعته، كي يستدل بها على وجوب البدار إليه في أول عام الاستطاعة، لانصرافها عنه، لأن موردها هو ما إذا تحققت شرائط الوجوب لشخص و استقر الحج عليه، و هو لم يتمكن من الإتيان به مباشرة لعذر يعذره اللّه فحكم الامام- عليه السلام- بوجوب ان يجهز رجلا ليحج عنه و لا كلام لنا في ذلك، و أما من كان أول عام استطاعته، و لم يستقر الحج عليه فلا تشمله الروايات، لانصرافها عنه.

و الحاصل: أن من استقر عليه الحج، و لم يتمكن من الإتيان به فورا لعذر- من كبر أو مرض- فمقتضى هذه الروايات وجوب الاستنابة عليه لسقوط قيد المباشرة حينئذ، و أما من لم يستقر عليه الحج، فلا يجب عليه التجهيز بل يصبر الى العام القابل، فإن بري ء من مرضه اتى به بنفسه، و الا فيستنيب، فيكون المفروض خارجا عن موردها. و سيأتي البحث عن هذه الجهة مفصلا إنشاء اللّه تعالى في مبحث النيابة.

(الثامن)- الروايات الدالة على حرمة نيابة من كان واجدا

بمقدار ما يحج به من الزاد و الراحلة و غيرهما من الشرائط في الحج عن غيره، و من الظاهر أن منع الشارع عن نيابته دليل على أن وجوب الحج بعد تحقق شرائطه فوري. و مال الى الاستدلال بها على فورية الحج: صاحب الجواهر «قده».

و فيه: أن غاية ما يستفاد من تلك الأخبار، هو عدم جواز نيابة من اشتغلت ذمته بالحج، قبل أن تفرغ ذمته من الحج الواجب عليه، فلا يجوز له أن يقع أجيرا لشخص.

لاشتغال ذمته بوجوب الحج عن نفسه، فيجب عليه أن يفرغ

ذمة نفسه أولا بمقتضى تلك الروايات.

و أما دلالتها على وجوب الإتيان بحج نفسه فورا، فهو أول الكلام، و من الممكن أن يكون الملاك في عدم جواز النيابة له شيئا آخر غير الفورية.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 16

مضافا الى عدم تمامية دلالة الروايات المشار إليها على حرمة نيابة من اشتغلت ذمته بالحج كما سيأتي في محله إنشاء اللّه تعالى.

(التاسع)- الأخبار الدالة على ان تركه كفر

- منها:

1- عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في ذيل رواية معاوية ابن عمار: و من ترك فقد كفر، و قال: و لم لا يكفر فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام. «1».

2- في صحيح حماد في وصية النبي- صلى اللّه عليه و آله- لعلى- عليه السلام- قال:

يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة الى أن قال: و من وجد سعة فمات و لم يحج، يا على تارك الحج و هو مستطيع كافر، لقول اللّه تبارك و تعالى (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ) «2» يا على من سوف الحج حتى يموت بعثه اللّه يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا «3» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و تقريب الاستدلال بهذه الأخبار أنها تدل على ان ترك الحج كفر و التأخير عن العام الأول من الاستطاعة بدون عذر يعذره اللّه مستلزم للترك، لعدم علمه ببقائه إلى العام القابل، على أنه مع علمه ببقائه إلى العام القابل ايضا يصدق عليه انه تارك للحج فعلا فتشمله الأخبار، فيجب الإتيان به فورا.

لكن التحقيق أن ترك الحج و ان أطلق عليه الكفر في هذه الأخبار بالمعنى المناسب لترك الواجب إلا أن كون التأخير عن عام الاستطاعة

هو ذلك الترك الموجب للكفر- و لو ببعض معانيه- ممنوع جدا، حتى مع الشك في البقاء الى العام القابل، فضلا عن الظن بالبقاء و التمكن منه في العام القابل، مع العزم على الإتيان به فيه، بل ربما يحصل لبعض القطع بذلك و لو كان حصوله من جهة العادة و المتعارف. و بالجملة التأخير عن العام الأول ليس من

______________________________

(1) الوسائل ج 2، الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 11

(2) سورة آل عمران الآية 91.

(3) الوسائل ج 2، الباب 7 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 17

الترك المستلزم للكفر بالمعنى المناسب مع عدم إنكار أصل وجوب الحج، فلا يبقى مجال للاستدلال بمثل هذه الروايات على وجوب الفورية كما لا يخفى.

(العاشر)- أنه لا إشكال في الجملة في عدم جواز تفويت الاستطاعة الشرعية

بعد تحققها، و القدر المتيقن من ذلك هو عدم جوازه حين خروج القافلة الأولى، و هو إجماعي و منه يستكشف أن وجوب الحج فوري، إذ لو لم يكن فوريا لم يكن وجه لحرمة تفويت الاستطاعة، فله تفويت الاستطاعة في هذه السنة و الحج في سنة أخرى، و فيه: أن من يقول: بحرمة تفويت الاستطاعة، فإنما يقول بذلك لأجل قوله بالفورية، و اما ان لم نقل بها فلا منع عن التفويت، فإثبات الفورية بعدم جواز التفويت مستلزم للدور.

(الحادي عشر)- ما دل على حرمة الاستخفاف بالحج.

فعن الفضل بن شاذان، عن أبي الحسن الرضا- عليه السلام- في كتابه إلى المأمون: الإيمان هو أداء الأمانة، و اجتناب جميع الكبائر، مثل قتل النفس، الى ان قال:. و الاستخفاف بالحج «1».

تقريب الاستدلال بهذا الحديث انه صريح في حرمة الاستخفاف بالحج، فهو دليل على الفورية، لأن في تأخيره نوعا من الاستخفاف، فلا بد من الإتيان به فورا، لئلا يلزم من تأخيره الاستخفاف.

و يمكن المناقشة فيه بأنه و ان كان لا إشكال في دلالته من حيث الكبرى، بل مع قطع النظر عن هذا الحديث ايضا نقول ان حرمة الاستخفاف بالحج مما لا يمكن إنكاره، فإن الاستخفاف بكل واجب من الواجبات- من الصلاة و الحج و غيرهما- حرام؛ من دون اختصاص ذلك بالحج، فالكبرى مسلمة في جميعها، لكن الكلام في الصغرى، لان صدق الاستخفاف- بمجرد التأخير عن العام الأول، خصوصا مع العزم على الإتيان به في العام القابل- قابل للمنع فانطباق الكبرى عليه غير معلوم. نعم، إذا كرر منه ذلك في كل عام؛ من دون عذر يعذره اللّه و أخره سنة بعد سنة؛ فلا إشكال في صدقه. هذا و لكن لا يبعد

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 46- من أبواب

جهاد النفس و ما يناسبه الحديث 33

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 18

دعوى تمامية هذا الدليل، و القول بصدقه بمجرد التأخير عن العام الأول.

هذه غاية ما يمكن ان يستدل بها على فورية وجوب الحج، و هذه الوجوه و ان كان غالبها قابلا للمناقشة، لكنه قد عرفت تمامية بعضها؛ و يكفي ذلك في إثبات المطلوب، فثبت أنه لو خالف و أخر مع وجود الشرائط بحيث يعد مستطيعا شرعا بلا عذر، يكون عاصيا.

[في أن المعاصي كلها كبيرة و منها ترك الحج]

و إذا ثبت كون تأخيره معصية، ثبت كونه كبيرة، لما قد حقق في محله: من أن المعاصي كلها كبيرة، و لكن بعضها أكبر و أنكر و أبغض عند اللّه تعالى من بعض، كما ورد في خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: ان أكبر الكبائر الشرك باللّه، و عقوق الوالدين، و التعرب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و أكل مال اليتيم ظلما، و الربا بعد البينة، و قتل المؤمن.] «1». و لذا قيل: (ان المراد بالصغيرة؛ الصغيرة بالإضافة إلى الأهم منها)؛ فترك كل واجب صغيرة بالإضافة إلى ترك الواجب الأهم منه، و كذلك فعل كل حرام صغيرة بالإضافة إلى فعل الحرام الأهم منه، كما جمع بين ما ورد في ضابط الكبيرة من انها ما أوعد اللّه تعالى عليها النار، و بين الرواية المصرحة بأن ترك كل واجب كبيرة و الروايات التي وردت في تعداد الكبائر: وعد فيها بعض ما ليس مما أوعد اللّه تعالى عليه النار؛ بأن المراد من الكبائر التي ذكر في ضابطها كونها مما أوعد عليها النار الكبائر التي وعد سبحانه و تعالى، انه لو تركها العبد، كفر عنه المعاصي و السيئات الأخر لأجل اجتنابه

عن تلك الكبائر، و الشاهد على ذلك الأخبار الواردة- منها:

1- رواية الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن قول اللّه عز و جل «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ» قال: من اجتنب ما أوعد اللّه عليه النار إذا كان مؤمنا كفر عنه سيآته، و أدخله مدخلا كريما، و الكبائر السبع الموجبات قتل النفس الحرام؛ و عقوق الوالدين: و أكل الربا؛ و التعرب بعد الهجرة؛ و قذف المحصنة؛ و أكل مال اليتيم؛ و الفرار من الزحف «2».

2- رواية على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر- عليه السلام- قال:

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 46- من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه الحديث 35

(2) الوسائل- ج 2، الباب 46- من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه الحديث 32

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 19

سألته عن الكبائر التي قال اللّه- عز و جل-: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ؛ قال:

التي أوجب اللّه عليها النار «1».

3- خبر محمد بن فضيل عن أبي الحسن- عليه السلام- [إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ] قال: من اجتنب الكبائر ما أوعد اللّه عليه النار، إذا كان مؤمنا كفر اللّه عنه سيئاته «2».

و قال الصدوق «ره»: (الأخبار في الكبائر ليست مختلفة؛ لأن كل ذنب بعد الشرك كبير بالنسبة الى ما هو أصغر منه؛ و كل كبير صغير بالنسبة إلى الشرك باللّه).

و بالجملة تأخير الحج عن عام الاستطاعة بدون عذر يعذره اللّه معصية كبيرة، كما صرح به جماعة من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- منهم المحقق «ره» في الشرائع، فذكر فيها (أن التأخير كبيرة موبقة). و في الجواهر في شرح قول المصنف: «قده» (كبيرة موبقة)

قال:

(كما صرح به غير واحد، و ان حج بعد ذلك، لكونه كذلك في نظر أهل الشرع، و لما رواه عن الفضل بن شاذان). و في المسالك: (بلا خلاف في ذلك عندنا). و في المدارك بعد ما ذكر ما في الشرائع و فورية وجوب الحج و غيرهما من الأحكام، قال: (هذه الأحكام كلها اجماعية على ما نقله جماعة منهم المصنف في المعتبر) و غيرهم من الفقهاء.

فظهر بما ذكرنا أن التأخير كبيرة، و لكنه ليس مما أوعد اللّه عليه النار، و قد وعد اللّه سبحانه و تعالى بأن من اجتنب مما أوعد عليه النار يكفر عنه المعاصي التي ليست كذلك، فعليه تكون معصية التأخير مما وعد اللّه تعالى تكفيرها بإتيان الحج، و لو في آخر عمره بل و لو بعد موته بنائبه، لو استفدنا كون عدم إتيانه بنفسه و بمباشرته و لا بنائبه مما أوعد عليه النار، فيكون الاجتناب عن ترك الحج مطلقا، اما بالإتيان به في حال حياته بنفسه أو بنائبه. و لو بعد موته كفارة لمعصيته التأخير عن عام الاستطاعة المحرز حدوثها بالوجدان و بقائها بالأصل إلى زمان اعتبار بقائه.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 46- من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه الحديث 21

(2) الوسائل- ج 2، الباب 46- من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 20

[المسألة الثانية في وجوب تهيئة ما يتوقف عليه الحج]

قوله قده: (لو توقف ادراك الحج بعد حصول الاستطاعة على مقدمات من السفر و تهيئة أسبابه وجب المبادرة إلى إتيانها على وجه يدرك الحج في تلك السنة.)

قد اتفقت الآراء على ذلك قديما و حديثا و هو مسلم من حيث الفتوى و لكن يقع الكلام في أنه كيف تجب المقدمة بدون وجوب

ذيها مع أن ذا المقدمة لم يجب بعد، فان وجوب ذيها بالنسبة إلى وجوبها كالعلة بالنسبة إلى معلولها. و من المعلوم أنه لا انفكاك بين العلة و المعلول زمانا و لو آنا واحدا، فبملاك استحالة تقدم المعلول على علته يستحيل وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها لأن وجوبها ناش عن وجوب ذيها.

و لا يخفى أن هذا الاشكال انما يتوجه بناء على عدم الالتزام بالواجب المعلق، و اما مع الالتزام به فلا إشكال أصلا، لأن المفروض وجوب الحج بمجرد تحقق الاستطاعة حدوثا بالوجدان و بقاء بالأصل لتحقق موضوعه، فوجوب المقدمة ليس مقدما على وجوب ذيها كي يلزم المحذور.

و منشأ هذا الاشكال هو ما يقال: من أن ظرف المتعلق لا بد ان يكون متحدا مع ظرف الحكم و موضوعه. و استحالة التفكيك الزماني بينها، كما انه لا إشكال في لزوم اتحاد ظرف الموضوع مع ظرف الحكم و استحالة التفكيك الزماني بينهما. (بدعوى) أن قضية البرهان الذي أقاموه على استحالة التفكيك الزماني بين الحكم و موضوعه هو امتناع التفكيك الزماني أيضا بين الحكم و متعلقة، فيتوجه الأشكال المتقدم بناء على القول بذلك. و قد فصلنا الكلام في ذلك في الأصول في طي بيان الأدلة التي ذكروها في تصحيح الواجب المعلق و كذلك في صحة الشرط المتأخر عن المشروط زمانا من الشروط التي كانت بوجودها الخارجي دخيلة في وجود المشروط لا بوجودها العلمي و لا بنحو آخر من أنحاء وجودها و بينا- ايضا عدم تمامية ما قربناه في مقام الرد على من استدل على صحة الواجب المعلق، و كذلك الشرط المتأخر بوقوعه في التدريجيات من انحلالية الخطابات المتعلقة بالمركبات التدريجية، فتتعدد الخطابات و تتدرج في الوجود حسب تعدد اجزاء المركب

و تدرجها في الوجود، فهناك خطابات ضمنية مترتبة بعدد الأجزاء- بعدم صحة التدرج و الانحلال الى خطابات ضمنية، ضرورة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 21

فعلية وجوب اجزاء المأمور به و تعلق الأمر بها دفعيا لا تدريجيا كيف و كل جزء قيد للأجزاء الأخر على ما هو معنى الارتباطي و المأمور به هو المقيد؛ فلا يمكن القول بانحلال الأمر في مثل الصلاة الى أوامر ضمنية متدرجة وجود اجزائها حسب تعدد متعلقاتها باجزائها، فضلا عن الارتباطي الذي يكون مثل الصوم و أمثاله مما لم يؤخذ الزمان قيدا للمتعلق، و لو قلنا بالانحلال فيه فاللازم كون الزمان مفردا، فكل آن صوم على حدة و هذا مما لا يمكن التفوه به و على هذا يجوز للقائل بالواجب المعلق ان يقول: بأن أدل الدليل على إمكانه هو وقوعه في المركبات التدريجية وجود اجزائها.

و هذا هو الوجه في التزام بعض المنكرين للواجب المعلق و الشرط المتأخر- بوقوعهما في المركبات التدريجية الوجود- قائلا: بمساعدة العرف و الاعتبار ايضا عليه (و ان أوردنا عليه): بأنه إذا جاز التفكيك بين زمان الحكم و الموضوع و زمان المتعلق بآن ما جاز التفكيك بينهما بزمان طويل ايضا بلغ ما بلغ لاستحالة التخصيص في الأحكام العقلية كأن يقال:

(اجتماع النقيضين أو الضدين محال عقلا) إلا في مورد خاص و انتفاء الوجود و العدم في مرحلة ذات الماهيات أجنبي عن ارتفاع النقيضين- فلا تغفل. و إذا قام البرهان و حكم العقل الضروري- الذي هو المعيار و الميزان في تمامية البرهان النظري و عدمها- باستحالة تعدد زمان فعلية الحكم و متعلقة كحكمه باستحالة التقدم و التأخر بالنسبة إلى الحكم و موضوعه، فكما انه يستحيل التخصيص بالنسبة إلى الحكم و

موضوعه كذلك يستحيل ذلك بالنسبة إلى الحكم و متعلقة. و لذا قالوا: (بأن ظرف الحكم و موضوعه و متعلقة واحد لا انفكاك بينها بحسب الزمان» و انما الترتب بينها بحسب الرتبة دون الزمان). (و الحاصل) انه لما التزموا باستحالة التفكيك بحسب الزمان بين الحكم و متعلقة كاستحالة التفكيك بين الحكم و موضوعه أوقعوا أنفسهم الزكية- رضوان اللّه تعالى عليهم- في الأشكال و صاروا بصدد اقامة الدليل على وجوب المسير قبل الموسم و وجوب إيجاد ما يتوقف عليه إتيان المناسك في أوقاتها من المقدمات التي لا يمكن تحصيلها الا قبل الموسم، مع انهم التزموا بأن فعلية الوجوب- كوجوب الحج و الصلاة و الصوم و غيرها- من الواجبات الموقتة موسعة كانت أم مضيقة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 22

مشروطة بوقت خاص و قد استراح من هذه الإشكالات من لم يلتزم- بمساواة المتعلق مع الموضوع في استحالة التخلف زمانا و منع من جريان برهان لزوم الخلف و المناقضة بالنسبة إلى الحكم و متعلقة كما هو كذلك جزما بالنسبة إلى سائر الشروط و القيود الوجودية، ضرورة ثبوت الأمر بذلك المقيد و ان لم يكن أوجد المكلف بعد تلك القيود اختيارا- مع بقائها على دخلها في حال الاختيار قطعا، و بداهة عدم صحة المقيد مع انتفاء قيده- فيكون عدم صحة الإتيان بالمتعلق الموقت قبل الوقت كعدم صحة المتعلق المقيد بغيره من القيود مع عدم رعاية قيده اختيارا. لا يقال: نعم، حال قيد الوقت- و ان كان كحال سائر القيود في عدم صحة المقيد بدونه- لكن الفارق بينه و بينها اختياريتها و تمكن المكلف من إيجادها، بخلاف الوقت لأنه خارج عن اختياره و لا يمكنه تحصيله، و لذا لا يكون

في حيز الخطاب، فلا يتعلق الخطاب بالمتعلق الا بعد وجوده كي يصير مقدورا للمكلف، فقبل الوقت المضروب للعمل لا وجود للحكم كما لا وجود له قبل وجود موضوعه. لأنه يقال: لا شك في أن الخطاب لا يتعلق الا بالمقدور، و من البديهي- أن الإتيان بالمتعلق في وقته مقدور و المعيار فيها هو المقدورية في وقت الواجب، فما لم يكن الوقت دخيلا في موضوع الحكم فلا مانع من فعلية الحكم بمجرد تحقق موضوعه الذي أخذ في لسان الدليل، كالاستطاعة التي فسرت في الاخبار بأمور ليس منها الموسم، و ظاهر الآية الشريفة، و كذا أخبار وجوب الحج على المستطيع كون الاستطاعة تمام الموضوع، فما لم يثبت دخالة شي ء آخر بدليل خاص لا نقول بدخالته فيه. فمهما تحقق الموضوع جامعا للشرائط يتحقق الحكم لاستحالة التخلف، و كذلك الحال في غير الحج من الصوم و غيره من العبادات، الا فيما إذا قام دليل تعبدي على أخذ الوقت قيدا في الموضوع، و لا يكون صرف عدم مقدورية جر الزمان كاشفا عن دخله في الموضوع.

فان قلت: فما فائدة فعلية الحكم قبل مجي ء وقت الواجب؟ قلت: فائدته وجوب تحصيل الأمور التي لها دخل في وجود الواجب و لا يمكن تحصيلها في وقت الواجب، و عدم تطرق الأشكال المعروف المبتني على القول بإمكان ثبوت الخطاب المولوي بالنسبة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 23

إلى ماله الدخل من المقدمات في مرحلة الإطاعة و الامتثال الذي لا مجال للتصرف فيه الا بنحو الإرشاد على ما سيجي ء بيانه في طي الاستدلال على وجوب المقدمات المفوتة إنشاء اللّه تعالى.

فان قلت: ان لازم فعلية الوجوب قبل وقت الواجب هو اشتغال ذمة المكلف بالمأمور به، فعلى هذا لو مات

قبل الوقت يجب تداركه مع انه لا يمكن التفوه بذلك. قلت:

لا يقولون بذلك لأنه بموته قبل وقت الواجب يكشف عن عدم وجود الموضوع له واقعا و قد مر في محله أن المعتبر بقاء الشرائط إلى وقت صحة الإتيان بالمأمور به بتمامه و كماله، و أن إحراز الموضوع و شرائط الوجوب يكون من حيث الحدوث بالوجدان و من حيث البقاء بالأصل، فمع الشك في بقاء الشرائط لا يكون في البين الا الحكم بترتب الأثر ظاهرا بحسب الاستصحاب، فلو انكشف الخلاف و عدم بقاء شرط من الشرائط يكشف عن عدم اشتغال ذمته بالحج واقعا (و ان أبيت) إلا عن دخل الأمور الغير الاختيارية في موضوع الخطاب و ان كان لها دخل في متعلق الخطاب ايضا. فعليه ينحصر دفع الاشكال المعروف المبتني على إمكان الخطاب المولوي بما لا مدخلية له في موضوع الخطاب و لا في متعلقة، و أن فائدته مجرد التمكن من الامتثال فقط بما ذكروه في دفعه من الوجهين:

(الأول)- التشبث بالخطاب المتمم للخطاب الأول، كما هو قضية عدم إمكان الوصول الى المطلوب بإنشاء واحد، و توقفه على تعدد الخطاب و الإنشاء بالتقريب الذي ذكر في محله، و بين ايضا- أن هذا القسم من الخطاب المتمم الذي لا ينتج إلا نتيجة الخطاب التولدى الذي لا يتعلق الا بما له دخل في حصول التمكن من الإتيان بالواجب في وقته، و ليس في متعلقة مصلحة- كغيره من المتمم للقصور الشمولي أو المتمم للقصور في المحركية، و هذا أجنبي عن تعدد الواجب و تعدد حكمه لأن المعيار في وحدة الحكم و الواجب و تعددهما هو تعدد الملاك و وحدته لا تعدد الإنشاء و وحدته و بين أيضا- في محله- أن

غير المتمم الشمولي لا يتصور فيه النفسية أصلا، فعلى هذا لا يبقى مجال أصلا لما قيل: من أن لازم نشو هذا الخطاب من اقتضاء حفظ الغرض و استيفاء المصلحة الملزمة كون المقدمة واجبة نفسية، كما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 24

لا يبقى مجال لتوهم تعدد الواجب ايضا لمكان وحدة الملاك. هذا كله بناء على ما هو المعروف من تصوير الخطاب المولوي بالنسبة إلى المقدمات الوجودية و الا فلا مجال لاستكشاف الخطاب المتمم أصلا، فينحصر الجواب بالوجه الثاني. و لكن غير خفي أن هذا الوجه على فرض تمامية ثبوتا و قيام الدليل عليه إثباتا أيضا إنما يفيد قبل وقت ذي المقدمة في خصوص المقدمات المفوتة و هي التي لها دخل في قدرة المكلف على فعل المأمور به في وقته بحيث لولاها لما كان قادرا عليه دون مثل «صوم ثلاثة أيام في الحج» الذي شرع بعد دخول شهر ذي الحجة إلى يوم عرفة؛ و عين وقته الفضلي من اليوم السابع الى يوم عرفة تارة بقوله- عليه السلام- آخرها يوم العرفة؛ و اخرى بقوله- عليه السلام-: أنها يوم قبل التروية و يوم التروية و يوم العرفة- في صورة العلم بعدم وجدان الهدى في أيام الذبح كما هو واضح. و لا يمكن الجواب عن هذا الإشكال إلا بالالتزام بالواجب المعلق و عدم كون وقت الواجب شرطا للحكم أو الالتزام بتعدد الموضوع و منع كون الصوم بدلا عن الذبح؛ فيكون حال الواجد للهدي و فاقده كحال المسافر و الحاضر لا مثل المتمكن من الطهارة المائية و غير المتمكن منها الذين لا يكونان كالمسافر و الحاضر بل يكونان من باب الأبدال الاضطرارية و مبدلاتها (و من هنا ظهر) عدم صلاحية

الوجه الثاني الآتي لدفع الإشكال في موارد تقدم البدل على المبدل على القول باستحالة الواجب المعلق- فلا تغفل.

(الثاني)- حكم العقل و لا بأس بتمهيد مقال فنقول: اعلم أن الشرائط مختلفة لأن بعضها من الشرائط العامة و بعضها من الشرائط الخاصة و لا شك في أن الشرائط العامة للتكليف ايضا مختلفة، لدخالة بعضها في أصل تحقق الملاك و الخطاب معا كالبلوغ و العقل، و دخالة بعضها في تحقق الخطاب دون الملاك كالقدرة- فإنه بدونها لا يعقل الخطاب لقبح خطاب العاجز مع وجود الملاك فيه- و دخالة بعضها في تنجز الخطاب بدون دخله في شي ء من الملاك و الخطاب كالعلم لتمامية الملاك و الخطاب بدونه غايته عدم تنجز الخطاب، و لذا لا يترتب العقاب على الترك في الجهل القصورى و بالجملة فلا يكون العلم من قيود التكليف على حذو قيدية البلوغ و غيره من الشرائط العامة و الخاصة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 25

فقد ظهر مما ذكرنا- من عدم دخل القدرة في الملاك و تماميته بدونها- لزوم حفظ القدرة عقلا فيعاقب على تفويتها بتعجيز نفسه بعد دخول الوقت عن إتيان الواجب، إذا المفروض تمامية الملاك و الخطاب الموجب لمطالبته لزوما في وقته و قد فوت الواجب على نفسه بسوء اختياره. نعم، بعد التعجيز لا يتوجه اليه الخطاب لعدم قدرته لكن قد حصل منه ترك الامتثال الذي هو تمام الموضوع لحكم العقل باستحقاق العقاب. فعلى هذا إذا تحقق له جميع شرائط الصلاة في الوقت مثلا و بعد القدرة عليها عجز نفسه- كما إذا عجز نفسه في الوقت عن الطهارة المائية و الترابية بسوء اختياره- فلا شك في أنه يعاقب- و كما إذا كان قادرا على الإتيان بالصلاة

قائما و عجز نفسه عن القيام فيها- و ذلك لجريان القاعدة المعروفة و هي قاعدة: (الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا و ان كان ينافيه خطابا).

هذا كله فيما إذا عجز نفسه في الوقت، و اما إذا عجز نفسه قبل دخول الوقت فقد يقال بصحة عقابه ايضا- كالفرض الأول- لجريان تلك القاعدة، إذ المفروض تمامية الملاك في ظرفه و عدم قصور فيه، فتفويته و لو بتفويت قدرته قبل الوقت تفويت له بالاختيار.

ان قلت: الملاك الغير المطالب ليس لازم الاستيفاء. قلت: هذا الملاك و ان كان كذلك فعلا بل العمل إذا جي ء به في هذا الزمان لم يكن فيه ملاك، لكن المفروض أن ملاك العمل في وقته تمام، فالخطاب في ظرفه ثابت الا ان يكتف العبد المولى بتعجيز نفسه بسوء اختياره حتى لا يتمكن له من توجيه الخطاب اليه من جهة قبحه، فهو ايضا يعد عند العقل تاركا للامتثال الذي هو تمام الموضوع لحكم العقل باستحقاق العقاب، فعلى هذا إذا كان قبل أو ان الموسم قادرا من تحصيل جميع المقدمات للحج- من الخروج و غيره- و عجز نفسه باختياره فالتكليف غير متوجه اليه لكنه يعاقب لأنه فوت القدرة اختيارا و بعد ما عرفت من أن القدرة ليست دخيلة في الملاك، فالعقل حاكم بلزوم حفظها و الإتيان بالمقدمات المفوتة قبل وقت الواجب، فعلى هذا لا فرق في نظر العقل بين ان يعجز

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 26

المكلف نفسه عن الحج في أيام الموسم و بين ان يعجز نفسه قبل ذلك بتركه السير، فإنه في كلا المقامين يستحق العقاب على ترك الحج.

و لكن مع ذلك يقع الكلام في إثبات عدم الفرق بين الصورتين بنظر العقل- اعنى تفويت

المقدمة بعد دخول وقت الواجب و تفويتها قبله- فحكم العقل في الأول بحرمة التفويت و استحقاق العقاب به مما لا ينبغي الريب فيه لجريان ما مر من القاعدة، و اما حكمه بحرمة التفويت في الفرض الثاني فمحل تأمل، و ذلك لأن في الأول تحقق الخطاب فتحقق موضوع الإطاعة و الامتثال، فالعقل يلزمه على الإتيان بالمقدمات لكي يحصل امتثال التكليف الفعلي في الوقت و اما في الثاني- فليس خطاب في البين- فلا يكون للامتثال و الإطاعة موضوع كي يحكم العقل بلزوم الإتيان بالمقدمة قبله من باب لزوم الإطاعة، فلا يجرى فيه القاعدة.

نعم. بناء على تمامية هذا الوجه لا مجال لاستكشاف الخطاب المولوي بالتقريب الذي تقدم ذكره في بيان الوجه الأول، لأنه بعد ان كان العقل حاكما بوجوب تحصيل المقدمات المفوتة قبل زمان الواجب- لأجل حفظ غرض المولى- لا نحتاج في إثبات وجوبها إلى إثبات أمر من الشارع، لأن الأمر انما هو لازم لأجل الانبعاث و التحريك الى نحو العمل، و هو على الفرض حاصل بحكم العقل بلزوم الإتيان بالمقدمات المفوتة الناشئ عن حكمه بلزوم الإطاعة الذي هو في سلسلة معلولات الأحكام، و لا يوجب أمر المولى إذا كان زيادة في الانبعاث، و إذا فرضنا ثبوت الأمر من طرف الشارع فهو انما يكون للإرشاد الى ما حكم به العقل لا مولويا، كما هو الشأن في مقام الإطاعة و العصيان الذي هو ميدان العقل. نعم، على تقدير عدم استقلال العقل في مفروض المقام لا بد من الالتزام بما مر من استكشاف إنشاء آخر متعلق بالمقدمات المفوتة، و ان كان قبل دخول وقت الواجب، و ذلك لأنه لو لم يجعل إنشاء آخر لزم منه فوت الغرض و عدم حصول

الملاك، فلا بد من إنشاء آخر متمم للجعل الأول فرارا عن لزوم لغوية إنشاء أصل الحكم و لكن التحقيق أنه إذا قلنا بتصوير الخطاب المولوي المقدمي بالنسبة إلى المقدمات فهو و الا فحكم العقل بلزوم الإتيان بالمقدمات المفوتة- و لو كان قبل وقت الواجب مع فرض عدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 27

إمكان الوصول الى ذلك الواجب إلا بالإتيان بها قبل وقته- غير قابل للإنكار، و ذلك لأن موضوع الحكم ثابت حدوثا بالوجدان و بقاء بالأصل، و الموسم الذي هو ايضا دخيل في الحكم و ان لم يتحقق لكنا نعلم بأنه سيتحقق، فعلى هذا لما تحقق الموضوع فالعقل حاكم بلزوم الإطاعة و الامتثال، و بان من ترك هذه المقدمات يعد تاركا لامتثال المولى الذي لا إشكال في كونه تمام الموضوع لحكمه باستحقاق العقاب و لا يفرق بنظره في حكمه بوجوب الإتيان بالمقدمات بين قبل دخول وقت الواجب و بعده، لأنه على المفروض نعلم ان امتثال التكليف و الإطاعة هنا منحصر بذلك.

و مما ذكرنا ظهر أن ما مر من محالية وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها ليس بصحيح، و تنظير ذلك بالعلل و المعلولات التكوينية ليس على ما ينبغي، فإن علة لزوم الإتيان بالمقدمات المفوتة قبل وقت الواجب انما هي إلزام الشارع على الوجه الأول و إلزام العقل على الوجه الثاني بذلك، و الغاية من إلزام الشارع أو العقل بذلك هو عدم فوت الواجب و الغرض، فالذي ينبغي انما هو تنظير ذي المقدمة و ملاكه بالعلل الغائية التكوينية، و كما لا محذور في تأخر حصول العلل الغائية التكوينية زمانا في الخارج و انما يقارن العلم بها مع زمان المعلول كذلك الأمر فيما نحن فيه.

قوله قده: (لو

تعددت الرفقة و تمكن من المسير مع كل منهم اختار منهم أوثقهم سلامة و إدراكا.

وقع الخلاف بين الفقهاء في ذلك، ذهب صاحب المدارك (ره) الى جواز التأخير عن الرفقة الأولى بمجرد الاحتمال من التمكن من السير مع رفقة أخرى و لم يشترط الوثوق حيث قال ما لفظه: (و لو تعددت الرفقة في العام الواحد قيل وجب السير مع أولها، فإن أخر عنها و أدركه مع التالية، و الا كان كمؤخره عمدا في استقراره) و به قطع جدي في الروضة، و جوز الشهيد في الدروس التأخير عن الأولى ان وثق بالمسير مع غيرها و هو حسن، بل يحتمل قويا جواز التأخير بمجرد احتمال سفر الثانية، لانتفاء الدليل على فورية المسير بهذا المعنى. و أطلق العلامة في التذكرة جواز التأخير عن الرفقة الأولى، لكن المسألة في كلامه مفروضة في حج النائب، و ينبغي القطع بالجواز إذا كان سفر الأولى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 28

قبل أشهر الحج، و قبل تضيق الوقت الذي يمكن إدراكه فيه لأنه الأصل، و لا مقتضى للخروج عنه- انتهى. و وافقه على ذلك صاحب المستند (ره) حيث قال: (و ان احتمل المسير مع كل واحد منها يجوز التأخير إلى الأخير وفاقا للمدارك).

و قد أشكل صاحب الجواهر (ره) على صاحب المدارك (قده) على قوله: (و ينبغي القطع بالجواز إذا كان سفر الأولى قبل أشهر الحج ما لفظه:) ثم إن ما ادعاه من القطع انما يستقيم لو كان وجوب قطع المسافة لتعلق الخطاب المنجز و هو باطل، و إلا لزم جواز التخلف عن الوفد الخارج قبل أشهر الحج مع الانحصار و عدم استقرار الحج في الذمة بالتمكن من الخروج قبلها و سقوطه عن البعيد

إذا كان بحيث لا يمكنه قطع المسافة في تلك المدة، و اللوازم كلها باطلة فكذا الملزوم، فتجب اناطة التكليف بالخطاب المعلق، و لا يختلف الحال بدخول أشهر الحج و عدمه كما هو ظاهر. ضرورة كونه حينئذ كباقي أفراد الواجب الموسع الذي يتضيق بخوف الفوات و منه محل الفرض باعتبار عدم الوثوق برفقة أخرى فيجب التقديم و هو المطلوب.)

و لا يخفى أن ما ذهب اليه صاحب الجواهر (ره) من القول بالواجب المعلق متين كما برهنا عليه آنفا، و لكن ما استشهد (ره) به على ذلك من قوله: «و إلا لزم جواز التخلف.»

غير صحيح، فان ما ذكره (ره) من اللوازم انما يتجه إذا كان الوجه في وجوب المقدمات المفوتة قبل الموسم منحصرا في القول بالتعليق، و اما بناء على ما مر من إمكان إثبات وجوبها بحكم العقل أو استكشاف إنشاء آخر فلا يلزم من إنكار التعليق ما ذكره من اللوازم كما لا يخفى. ثم بعد ذلك استدل صاحب الجواهر (ره)- على وجوب الخروج مع الوفد الأول و لو كان قبل أشهر الحج مع عدم الظن بالتمكن من الخروج مع الوفد اللاحق- بالتجري.

(و فيه): منع صدق التجري ما لم يكن مطمئنا بعدم تمكنه من الخروج مع الوفد اللاحق، كما أن التعليق ايضا لا يدل على وجوب خروجه مع الوفد الأول مع فرض عدم الاطمئنان بعدم تمكنه من الخروج مع الوفد اللاحق. فتحصل أنه لا دليل لنا على أنه لو أخر الخروج معه مع احتمال تمكنه من الخروج مع الوفد اللاحق كان عاصيا و مستحقا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 29

للعقاب. نعم، لو أخر و اتفق عدم تمكنه من الوفد اللاحق كان عاصيا و معاقبا بالنسبة إلى

تأخيره الحج عن تلك السنة، فالعقل يحكم بعدم تأخيره عن الوفد الأول حذرا عن ان يتفق عدم تمكنه من الوفد اللاحق، فيتحقق المعصية و يستحق العقاب لاستناد حصول تأخير الحج الى اختياره الا ان يكون مطمئنا بالتمكن من الخروج مع الوفد اللاحق فله التأخير، و لو أخر و اتفق عدم تمكنه كان معذورا لانه أخره عن اطمئنان.

[الفصل الثاني في شرائط وجوب الحج]

[الأول الكمال بالبلوغ و العقل]
اشارة

قوله قده: (أحدها- الكمال بالبلوغ و العقل.

اما اشتراط العقل فيه فمما لا ينبغي الارتياب فيه. و يدل عليه- بعد اتفاق جميع الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- الأخبار العامة الدالة على اشتراط العقل في جميع التكاليف. و اما اشتراط البلوغ فكذلك مما لا ينبغي التكلم فيه و يستدل له بعد دعوى الإجماع عليه كما في التذكرة و المعتبر: (عليه العلماء كافة). و في الجواهر: (إجماعا بقسميه و نصوصا). و في المستند: (إجماعا محققا و محكيا مستفيضا). بعموم الأدلة العامة الدالة على اعتبار البلوغ في مطلق الواجبات و عدم وجوب شي ء منها على الصبي. و خصوص الروايات الواردة في المقام.

1- في خبر إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن- عليه السلام-: عن ابن عشر سنين يحج؟ قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت «1».

2- خبر شهاب عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: في حديث قال: سألت عن ابن عشر سنين يحج قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم، و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت «2».

[في أن حج الصبي لا يجزي عن حجة الإسلام]

قوله قده: (و لو حج الصبي لم يجز عن حجة الإسلام.

قال في المنتهى: (لا نعرف فيه خلافا). و في الجواهر: (إجماعا بقسميه). و يدل على ذلك الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- منها:

1- خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال: لو

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 12- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2، الباب 12- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 30

أن غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الإسلام «1».

2- خبر ابان بن الحكم

قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام- يقول: الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر، و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق «2».

و لا تهافت بين القول بمشروعية عبادات الصبي و القول بعدم إجزاء حجه إذا اتى به عن حجة الإسلام كما لا يخفى.

[المسألة الأولى]
[في استحباب الحج للصبي المميز]
اشارة

قوله قده: (يستحب للصبي المميز أن يحج، و ان لم يكن مجزيا عن حجة الإسلام.

استحباب الحج للصبي المميز مما لا ريب فيه و لو لم يكن مجزيا عن حجة الإسلام، و قد نفى عنه الخلاف، و ظاهر التذكرة و المنتهى: (أنه لا خلاف فيه بين العلماء). و قد ادعى عليه الإجماع، كما في المستند و غيره. و لكن يقع الكلام في دليله بعد ثبوت الوفاق و الاتفاق على ذلك قديما و حديثا، و ما يمكن ان يستدل به على ذلك وجوه:

(الأول)- ما عرفته من الإجماع- و فيه: ما تكرر منا من أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الكاشف قطعيا عن صدور الحكم عن المعصوم- عليه السلام- لا المدركى منه، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه فلا عبرة به و انما تكون العبرة بها ان تمت.

(الثاني)- مقتضى الإطلاقات الدالة على ثبوت الأحكام لكل من البالغ و غيره، و قد حقق في محله أن الإطلاقات الأولية- الواردة في الشريعة الإسلامية كتابا و سنة- تشمل الصبي كشمولها للبالغ لكن رفع منه الإلزام من جهة الامتنان ففي فعله محبوبية كالمحبوبية الثابتة في فعل البالغ غاية الأمر أنه لا يكون ملزما بإتيانه.

هذا و لكنه غير خفي أن هذا لتقريب إنما يتم على القول بإطلاق المادة، أو الالتزام

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 13- من

أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل- ج 2، الباب 16- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 31

بالتركيب في مفاد الهيئات، أو الالتزام بالمراتب، و قد زيف التمسك بإطلاق المادة في محله، كما انه قد حقق في محله: بأن المفاهيم بأسرها من ابسط البسائط، فضلا عن معاني الهيئات و أثبتنا أيضا: عدم إمكان إنشاء المراتب حتى على القول: بأن مفاد الهيئة هو الطب فضلا عن القول: بأن المنشأ بالهيئة نفس النسبة بين الفعل و العبد حتى على القول بالإخطار دون الإيجاد في موطن الاستعمال الذي لازمه اتحاد موطن التحقق و التحصل.

(الثالث)- ما سيأتي- إنشاء اللّه تعالى- من الأخبار الدالة على استحباب إحجاج الصبي الغير المميز، بتقريب انه إذا كان إحجاج الصبي الغير المميز مستحبا فحج الصبي المميز مستحب بالأولوية القطعية، بل بعض تلك الاخبار شامل له، فلو نوقش في القطع بالأولوية كفانا منها ما يكون شاملا لحج المميز.

و هو ما في صحيح زرارة عن أحدهما قال عليه السلام: إذا حج الرجل بابنه و هو صغير، فإنه يأمره أن يلبى و يفرض الحج؛ فان لم يحسن ان يلبى لبوا عنه، و يطاف به، و يصلى عنه، قلت: ليس لهم ما يذبحون قال: يذبح عن الصغار، و يصوم الكبار، و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب، و ان قتل صيدا فعلى أبيه «1».

و ما عن ابان بن الحكم قال: سمعت أبا عبد عليه السلام يقول: الصبي إذا حج به، فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر، و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق «2».

أما شمول صحيح زرارة لحج الصبي فلقوله- عليه السلام-:

(فإنه يأمره ان يلبى و يفرض الحج، فان لم يحسن ان يلبى لبوا عنه.) فان هذا صريح في أنه انما يحج بالصبي ان لم يقدر على ان يحج بنفسه و الا حج بنفسه.

و أما شمول خبر ابان بن الحكم له فبقرينة قوله- عليه السلام- في ذيله: (و العبد إذا حج به.) فان مراده من إحجاج العبد هو امره بالحج كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 5

(2) الوسائل- ج 2، الباب 13- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 32

(الرابع)- مقتضى الأخبار الدالة على أن الصبي (لو حج لم يجز عن حجة الإسلام) حيث أن الظاهر منها هو أن أصل المطلوبية و الاستحباب ثابت في فعله الا أنه لا يحسب المأتي به حجة الإسلام، و ذلك لان الإمام- عليه السلام- لم ينف أصل حجه لكي يقال:

بعدم ثبوت الاستحباب في حقه بل نفى كونه حجة الإسلام، فيستكشف من تلك الاخبار أن حجه حج و يترتب عليه الأجر و الثواب و لكن لا يجزى عن حجة الإسلام.

(الخامس)- ما دل على أنه يكتب له الحسنات فعن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه قال- عليه السلام-: ان أولاد المسلمين موسومون عند اللّه شافع و مشفع فإذا بلغوا اثنى عشر سنة كتبت لهم الحسنات، فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات. «1» فإن ظاهر قوله- عليه السلام- (كتبت لهم الحسنات) استحباب فعله و مطلوبيته عند الشارع، و الا فلا وجه لصيرورة فعله منشئا لكتب الحسنات له.

(السادس)- ما أفاده في المستند من الاخبار الدالة على رجحان الحج و استحبابه فإنها بإطلاقها أو عمومها شاملة للصبي كشمولها للبالغين، و لا

يمكن تخصيصها أو تقييدها بأدلة «رفع القلم عن الصبي» لاختصاصها بالتكاليف الإلزامية لأنها الموجبة للكلفة و الثقل، فإن قضية تعدية الرفع بكلمة المجاوزة كون المرفوع ذا مشقة و ثقل، و عليه فيختص المرفوع في حديث (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم) بالتكاليف الإلزامية، إذ لا كلفة في غيرها، فعمومات استحباب الحج و كذا سائر المستحبات باقية على عمومها. و بالجملة استحباب الحج للصبي المميز مما لا ريب فيه.

انما الكلام في أنه هل يكون مستحبا حتى إذا كان مستلزما للعسر أو الحرج عليه أولا. يمكن ان يقال: باستحبابه عليه و ان كان عسريا أو حرجيا عليه، و ذلك لأن أدلة نفى العسر و الحرج مسوقة للامتنان و حصول الامتنان انما هو في رفع الحكم الإلزامي، و اما الاستحباب فلا امتنان في رفعه، فان الحكم الاستحبابي لا يوجب إلزاما على العبد حتى يكون رفعه فيما

______________________________

(1) الوسائل- ج 1، الباب 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 33

إذا استلزم العسر أو الحرج عليه امتنانا، فلا يرتفع الاستحباب في حق الصبي بأدلة نفى العسر أو الحرج. (و بعبارة أخرى) الامتنان إنما هو في الترخيص فكل حكم ينافي الترخيص يكون في رفعه الامتنان، و أما الاستحباب فلا ينافي الترخيص كما لا يخفى، فليس في رفعه الامتنان حتى يقال بارتفاعه فيما إذا صار موجبا للعسر أو الحرج عليه.

نعم، لو كان العسر أو الحرج في نفس الأعمال أمكن تقريب ارتفاع الاستحباب (بدعوى) أنه لم يجعل في الشرع حكم حرجي كما هو ظاهر قوله تعالى: «يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» «1» فتأمل. هذا كله في صورة ما إذا كان حجه مستلزما للعسر أو

الحرج عليه.

و أما إذا كان ذهابه الى الحج موجبا لإلقاء نفسه في التهلكة فالظاهر عدم شمول أدلة التشريع له.

[في عدم توقف حجه على إذن الولي]

قوله قده: (هل يتوقف ذلك على إذن الولي أولا.

فيه وجهان، و الأقوى في النظر عدم اعتبار إذن الولي في استحباب الحج عليه و صحته، للأصل و العمومات، وفاقا للمصنف «قده» و صاحب المستند (ره) و غيرهما، و لم يقم دليل خاص تعبدي على اعتباره في ذلك، كما لا دليل على اعتباره في سائر عباداته من الصوم و الصلاة و غيرهما.

نعم، إذا كان سفره مستلزما للخطر عليه- أو موجبا لهتكه أو هتك عشيرته أو مؤمن آخر أو نحو ذلك- كان على الولي أن يمنعه عن الحج إلا أن ذلك كله خلاف الفرض، لأنها عناوين ثانوية و لا دخل لها بالعناوين الأولية التي هي محط البحث و النزاع. و نسب الى المشهور القول باشتراط إذن الولي. بل ربما يستظهر من عبارة بعض أنه لا خلاف فيه بين الخاصة، و يستدل على ذلك بوجهين:

(الأول)- أن الحج عبادة متلقاة من الشارع مخالفة للأصل، فيلزم الاقتصار على القدر المتيقن و هو الصبي المأذون له. و ليس مثله من الشك في اعتبار قيد وجودي أو عدمي في الأعمال المشروعة حتى يقال بجريان الأصل لو لم يكن في البين إطلاق و لو كان مقاميا لكي يعول عليه في رفع الشك.

______________________________

(1) سورة البقرة: آية 180.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 34

و فيه: أنه قد حقق في محله عدم الفرق في جريان الأصل و التمسك بالإطلاقات المقامية بين ان يكون الشك في دخل شي ء في المتعلق أو متعلق المتعلق، و بين الشك في موضوع الخطابات.

(الثاني)- أن الحج ليس كسائر العبادات لانه مستلزم لصرف المال و

أما غيره من باقي العبادات فغير مستلزم لصرف المال، و هذا هو الفارق بينها و بينه فنقول باعتبار إذن الولي في مفروض البحث دون سائر العبادات إذ جواز التصرف المالي منوط بإذن الولي دون غيره كالصلاة و الصوم و نحوهما. و يمكن المناقشة في ذلك بوجوه:

(الأول)- أن حجه ليس مستلزما لصرف ماله مطلقا إذ قد يبذل مصارف حجه بعض أقاربه أو أصدقاء أبيه أو شخص آخر، فلا يكون حجه مستلزما لتصرفه في ماله كي يقال باعتبار الاذن، فالدليل أخص من المدعى.

(الثاني)- أنه سلمنا استلزامه لصرف ماله مطلقا إلا أنه لا مانع منه بعد إذن الشارع له كما هو قضية الإطلاقات الواردة في المقام فلا حاجة حينئذ إلى إذن الولي (و بعبارة أخرى) أن ثبوت الاستحباب مطلقا مستلزم لجواز صرف المال. و قد دل الدليل على الاستحباب كذلك كما ذكرنا فلا بد من كون الصبي مأذونا في التصرف في ماله بمقدار يحج به و إلا فلا معنى لتشريع الاستحباب في حقه بعد توقفه على صرف المال لعدم تمكنه من أداء هذا المستحب الا بذلك.

لا يقال: ان التصرف يسوغ له باذن وليه فلا يلزم لغوية جعل الاستحباب في حقه لأنه يقال: ان اذن الولي للطفل في كل تصرف مالي موقوف على كون ذلك التصرف غبطة له على ما ثبت في محله و إلا فلا يجوز له الإذن أصلا، و من المعلوم عدم كون الحج غبطة دنيوية للصبي غالبا، و لا دليل على تقييد إطلاق دليل الاستحباب بالفرد النادر و هو كون الحج مصلحة له فمقتضى إطلاقه اذن الشارع للصبي في التصرف في ماله بمقدار يحج به، و معه لا حاجة الى اذن الولي بل يدفع احتمال اعتباره

بهذا الإطلاق فتأمل.

(الثالث)- انه إذا حج بمال نفسه، فان كان صرف ماله في الحج ذا مصلحة دنيوية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 35

له فلا يحتاج الى الاذن و الا فلا يفيد الاذن.

و فيه: أنه انما يتم ذلك بناء على استقلال الصبي في التصرف في ماله في صورة المصلحة و الغبطة، و لكنه ليس الأمر كذلك حتى مع المصلحة و الغبطة لأن مجرد كون التصرف غبطة غير مسوغ له ذلك لقوة احتمال عدم أهلية الصبي شرعا للاستقلال في التصرف المالي و ان كان غبطة له.

فيما ذكرنا في الجواب عن الوجه الأول و الثاني ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب المدارك، و المعتبر؛ و المنتهى؛ و التذكرة؛ و التحرير؛ و الدروس؛ و المسالك؛ و الجواهر؛ و غيرهم ممن ذهب الى اعتبار الاذن في صحة حجه و استحبابه عليه.

[المسألة الثانية]
[في استحباب إحرام الصبي الغير المميز على الولي]

قوله قده: (يستحب للولي أن يحرم بالصبي الغير المميز.

هذا هو المشهور بين الأصحاب بل في الجواهر: (و يمكن تحصيل الإجماع عليه) و كيف كان فلا إشكال في أصل مشروعيته. و يدل عليه جملة من الأخبار الواردة في المقام- منها.

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو الى بطن مر يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدى منهم فليصم عنه وليه «1».

2- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال قلت له: إن معنا صبيا مولودا فكيف نصنع به؟ فقال: مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها فأتتها فسألتها كيف تصنع؟ فقالت: إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه و

جردوه و غسلوه كما يجرد المحرم وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه و احلقوا رأسه ثم تزوروا به البيت، و مري الجارية ان تطوف به بالبيت و بين الصفا و المروة «2».

3- صحيح زرارة عن أحدهما قال: إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره ان يلبى و يفرض الحج فان لم يحسن ان يلبى لبوا عنه، و يطاف به، و يصلى عنه. قلت: ليس لهم

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 3

(2) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 36

ما يذبحون. قال- عليه السلام-: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار، و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب، و ان قتل صيدا فعلى أبيه «1».

4- عن ابان بن الحكم قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر «2».

و الظاهر من النصوص و الفتاوى ان المراد بالإحرام به جعله محرما بفعله لا انه ينوب عنه في الإحرام. و من هنا صرح غير واحد بعدم الفرق في الولي بين كونه محلا أو محرما كما افاده صاحب الجواهر (ره).

و على كل حال فكيفيته أن ينوي الولي الإحرام بالطفل بالعمرة أو الحج. فيلبسه ثوبي الإحرام، و يقول: اللهم إني أحرمت هذا الصبي- إلى آخر الدعاء الذي يستحب عند النية، و يأمره بالتلبية و ان لم يكن قابلا للتلبية يلبى عنه، و بجنبه عن كل ما يجب على المحرم الاجتناب عنه و يأمره بكل فعل من أفعال الحج يتمكن منه، و ينوب عنه في كل فعل لا يتمكن

منه.

و في القواعد و غيره: أن كل ما يتمكن الصبي من فعله- من التلبية و الطواف و غيرهما- فعله، و الا فعله الولي عنه، و يطوف به، و يسعى به بين الصفا و المروة إن كان قادرا عليه و الا يفعله الولي به كحمله للطواف و السعى بين الصفا و المروة، و يقف به في عرفات و منى، و يأمره بالرمي و ان لم يقدر يرمى عنه، و هكذا يأمره بصلاة الطواف و ان لم يقدر يصلى عنه و هكذا جميع الأعمال و ذلك لدلالة الأخبار المتقدمة على ذلك.

ثم اعلم ان مقتضى إطلاق هذه الأخبار هو استحباب إحجاج الصبي مطلقا و ان كان مولودا من يومه فضلا عن من قضى من عمره سنة. الا أن هذه الإطلاقات تقيد بما دل على اشتراط الاثغار في استحباب الإحرام بالصبي على فرض تماميته من حيث السند. و هو رواية محمد بن فضيل قال: سألت أبا جعفر الثاني- عليه السلام- عن الصبي: متى يحرم به

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 5

(2) الوسائل- ج 2، الباب 13- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 37

قال: «إذا اثغر» «1» و مقتضى هذا التقييد اختصاص الاستحباب المزبور بما إذا اثغر الصبي لا مطلقا و ان كان مولودا من يومه.

و توهم عدم الوجه في هذا التقييد لكونهما مثبتين على نحو مطلق الوجود (فاسد) لان ذلك انما يصح فيما إذا لم يكن الدليل المقيد في مقام التحديد و الا فلا محيص عن التقييد كما قد حقق في محله. و من الواضح أن قوله:- عليه السلام-: «إذا اثغر» وارد في مقام التحديد فضابط

التقييد منطبق على المقام كما لا يخفى.

ثم انه ان أريد بالإثغار صيرورته (ذا ثغر) فالخارج من الإطلاقات هو ابن ستة أشهر فما دونه، و ان أريد به (هو سقوط ثناياه) فالخارج ابن خمس سنوات أو ست، فعلى الأول لا يشرع الإحجاج قبل ستة أشهر و على الثاني لا يشرع الإحجاج قبل ست سنين، و مع الشك يمكن ان يحج بالصبي الذي صار ذا ثغر و لم يسقط ثناياه بعنوان الرجاء.

و لا يخفى أن مقتضى ما مر من صحيح عبد الرحمن (ان معنا صبيا مولودا) هو حمل الاثغار في هذا الحديث على المعنى الأول، فإن الظاهر من قول الشخص (معى صبي مولود) أنه صغير جدا، و إذا كان ابن خمس سنوات أو ست سنوات لا يقال: معى صبي مولود فإنه مستهجن عرفا.

ثم انه لا يخفى أن هذا كله إنما يتم بالنسبة الى ما يمكن الجمع بين رواية محمد بن فضيل و بين الروايات السابقة (بالإطلاق و التقييد) و أما في صحيح حجاج المتقدم المصرح فيه بأن (معنا صبيا مولودا) فلا يمكن الجمع بينه و بين رواية محمد بن فضيل بالإطلاق و التقييد لمكان المعارضة، فيمكن حمل القيد المذكور فيه- و هو الاثغار- على تأكد الاستحباب، و لكن بناء على ذلك لا يبقى مجال للتفاصيل التي ذكرناها من انه ان أريد بالإثغار صيرورته ذا ثغر فالخارج من الإطلاقات هو ابن ستة أشهر فما دونه، و ان أريد به هو سقوط ثناياه فالخارج منها هو ابن خمس سنوات. إلخ و ذلك لشرعية الحج في حقه مطلقا و لو كان مولودا من يومه. و لكن هذا الجمع- و هو حمل القيد اى الاثغار على تأكد الاستحباب- مما لا

______________________________

(1)

الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 38

شاهد له فتبقى المعارضة بين رواية محمد بن فضيل و بين صحيحة حجاج على حالها، فالمرجع حينئذ هو المطلقات فان ثبت شمولها للصبي المولود من يومه فيحكم باستحبابه له و الا فلا فليتأمل.

[في حكم الصبية]

قوله قده: (بل و كذا الصبية و ان استشكل فيها صاحب المستند.

القدر المتيقن من الاخبار هو الصبي و الكلام في أنه هل تشترك الصبية معه في الحكم و يمكن الاستدلال على اشتراكها معه في الحكم بوجوه:

(الأول)- قاعدة الاشتراك. و فيه: أن القاعدة ان تمت فإنما هي مختصة بالأحكام الواردة بلسان الخطاب الى الذكور فيتعدى عن ذلك و يقال بثبوت تلك الأحكام للنساء ايضا و اما إذا ورد خطاب متوجه إلى الولي على الذكر فلا يتعدى منه الى الأنثى.

(الثاني)- أن الذكر و الأنثى على ما تفحصنا في سائر الأحكام المتعلق بهما يكونان متوافقين غالبا. و فيه ما لا يخفى.

(الثالث)- مرسلة دعائم الإسلام عن على- عليه السلام- انه قال في الصبي الذي يحج به و لم يبلغ قال: لا يجزى ذلك عن حجة الإسلام و عليه الحج إذا بلغ، و كذا المرأة إذا حج بها و هي طفلة «1» و لكن لإرسالها و عدم جبرها ليست صالحة لأن يعتمد عليها.

(الرابع)- موثق يعقوب حيث سأل المعصوم- عليه السلام-: ان معي صبية صغار و انا أخاف عليهم البرد فمن اين يحرمون؟ قال- عليه السلام-: ائت بهم العرج فليحرموا منها «2» وجه الاستدلال إطلاق السؤال و الجواب بناء على قراءة (يحرمون) مجهولا كي يكون واردا في الإحجاج و الا فليس مربوطا بما نحن فيه.

[المسألة الرابعة]
[في المراد من الولي الشرعي]

قوله قده: (المشهور على ان المراد بالولي في الإحرام بالصبي الغير المميز الولي الشرعي من الأب و الجد و الوصي لأحدهما و الحاكم و أمينه أو وكيل أحد المذكورين لا مثل العم و الخال و نحوهما و الأجنبي. نعم الحقو بالمذكورين الام و ان لم تكن وليا شرعيا للنص

______________________________

(1) المستدرك- ج 2، الباب 11- من أبواب

وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 39

الخاص فيها.

لا ينبغي الارتياب في ان المراد بالولي في إحرام الصبي الغير المميز و كذا اذنه في حج الصبي المميز- بناء على اشتراط الاذن فيه- هو الولي الشرعي كما افاده المصنف (قده) أما ولاية الأب على الصبي شرعا فواضح. و اما الجد فقد ادعى عدم الخلاف في مشاركته مع الأب في الحكم. و يمكن ان يستدل على ذلك بالإجماع- كما ادعاه بعض الفقهاء- و بأولوية ثبوت الولاية فيما نحن فيه من ثبوتها في باب التزويج الذي لا خلاف فيه و قد ورد نفوذ نكاح الجد معللا بان البنت و أباها للجد، و بقوله- عليه السلام-: (أنت و مالك لأبيك) فإنه يدل على أن الشخص و ماله لأبيه. و لكن لا يخفى عليك ان جميع هذه الوجوه قابلة للمناقشة.

و اما الحاكم فإذا أمكن إثبات الولاية المطلقة له من الأدلة كولاية الإمام بحيث يجوز له جميع التصرفات بأنحائها. فتثبت له الولاية في إحرام الصبي و اما إذا لم يمكن إثبات ذلك و قلنا باختصاص الولاية بحفظ نفسه و أمواله لا في جميع شؤونه و أطواره فليس له احجاجه و لا الاذن في حجه.

و أما الوصي فليس له ولاية الا على حفظ نفس الصبي و ماله و اما جواز كل تصرف مطلقا فلا فليس له الإحجاج و لا الاذن فيه الا ان تكون الوصية كذلك لدوران سعة ولايته و ضيقها مدار تعيين الموصى فلا بد من ملاحظة كيفية وصيته التي هي المعيار و عليها الاعتبار.

و أما الوكيل فكذلك فلا بد من ملاحظة تعيين الموكل فيه، فان

و كله في خصوص حفظ نفس الصبي و ماله فلا يجوز له الإحجاج و لا الاذن فيه، و ان وكله على نحو الإطلاق جاز له ذلك.

و أما الأعمام و الأخوال و الأقارب فليس لهم ذلك من جهة عدم دليل تعبدي على ثبوت الولاية لهم.

و ألحقوا بالمذكورين الأم لمصحح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سمعته يقول: مر رسول اللّه برويثة و هو حاج فقامت إليه امرأة و معها صبي لها فقالت

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 40

يا رسول اللّه أ يحج عن مثل هذا؟ قال: نعم و لك اجره «1» و لا شك ان إثبات الأجر لها متفرع على ان تكون من جهة أنها تحج به و إلا فلا وجه لثبوت الأجر لها بدون تحقق الإحجاج، فثبت جواز الإحجاج لها بنفسها أو بالاذن.

و فيه: أن ثبوت الثواب للام أعم من ثبوت الإحجاج لها، و الرواية انما تكون ناظرة إلى الصحة و إثبات الأجر و الثواب لها، و ذلك لا يمكن جعله دليلا على إثبات الولاية للأم على الصبي في الإحجاج فلعل ما فيه من ثبوت الثواب للام يكون نظير ما ورد في بعض الأخبار من أن الولد كل ما اتى بشي ء- من العبادات و المثوبات- كتب لأبويه الثواب و يرحمهما اللّه من أجل ما فعله الولد.

[في عدم اختصاص استحباب إحجاج الصبي للولي]

قوله قده: (لا يبعد كون المراد الأعم منهم و ممن يتولى أمر الصبي و يتكفله و ان لم يكن وليا شرعيا.

و يشهد له إطلاق قوله- عليه السلام- في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة و هو: (انظروا من كان معكم من الصبيان.) حيث ان ظاهرها عدم الاختصاص بالولي بل جواز الإحجاج لكل من يتولى

امره من الولي و الأقارب و غيرهم كما اختاره في المستند الا انه لما ثبت بالأدلة عدم جواز التصرف في نفسه و لا في ماله إلا بإذن الولي فلا بد لغير الولي من الاستيذان منه في ذلك، فيكون نظير تجهيز الميت الواجب على كل أحد لكن مع وجود ولى الميت لا بد من الاستيذان منه بحيث لا يجوز لأحد تولى أموره بدون اذن وليه.

و بالجملة أصل الاستحباب ثابت لكل أحد الا أنه ان كان المحج به غير الولي فلا بد له من الاستيذان منه.

ثم ان ما ذكرنا من ثبوت أصل الاستحباب لكل أحد و اعتبار اذن الولي من دليل خارجي انما يصح إذا لم نقل بانصراف الإطلاق إلى الأولياء و لا يبعد القول بذلك، و على فرض تسليم عدم الانصراف انما يتجه بناء على كون الإطلاق مسوقا لبيان هذه الجهة

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 20- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 41

و الحق خلافه لكونه واردا مورد حكم أخر و هو أصل استحباب الإحرام به من الميقات و كذا احجاجه و يشهد بعدم إطلاقه من هذه الجهة ليشمل غير الولي ما في ذيل الصحيحة من قوله عليه السلام: (و من لا يجد الهدى منهم فليصم عنه وليه) فليتأمل.

[المسألة الخامسة النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي]

قوله قده: (النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي إلا إذا كان حفظه موقوفا على السفر به أو يكون السفر مصلحة له.

لا إشكال في أنه يشترط في تصرفات الأب و الجد و منها الإحجاج أن تكون غبطة للصبي و مصلحة له في ماله أو نفسه فلا يجوز شي ء من التصرفات التي لا غبطة فيها للصبي.

و

بالجملة المعيار في جواز كل تصرف يرجع الى الصبي هو كونه مصلحة له و بدونها يكون حراما. و المراد من الغبطة هي المصلحة الدنيوية، فلا بد حينئذ من كون إحجاجه و صرف ماله و كذلك اذنه للحج مع توقفه على صرف المال من نفسه ذا مصلحة دنيوية للصبي كما إذا كان بقاؤه في المحل و عدم خروجه مفسدة له و ضررا عليه.

و اما إذا لم يترتب على احجاجه أو اذنه في الحج مصلحة دنيوية فلا بد من احتساب الزائد على نفقته الحضرية على الولي بخلاف الصورة الأولى فإن جميع المال الذي يحج به يكون على الصبي.

فإن قلت: ليس للصبي مال حتى يكون ما يحج به عليه لما ورد: (من أن مال الولد لوالده).

قلت: هذا باطل قطعا و ذلك لضرورة أن الصبي يملك كالبالغ للروايات الواردة في الأبواب المتفرقة، كالبيع، و استحباب الزكاة في ماله، و الخمس، و غير ذلك من الأحكام المتفرعة على مالكيته، فيكفي دليلا على مالكية الصبي ترتب هذه الآثار، و الا فلا معنى لجعل تلك الأحكام له، فمن جعلها يستكشف ان الصبي يملك هذا و لا يجوز للولي التصرف في مال الصبي كيف ما أراد، و قد دلت الروايات على قصر جواز اكله من مال ولده على مواقع الضرورة كخبر الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: (ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال: قوته بغير سرف إذا اضطر اليه) فلو كان له التصرف كيفما شاء لم يكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 42

وجه لهذا التقييد، فدلالته على عدم جواز تصرفه كيفما أراد، واضحة و عليه يحمل ما ورد من (أن مال الولد لوالده) فتأمل.

(فائدة): ما ذكرنا

من كون الزائد على المؤنة الحضرية على الولي انما هو فيما إذا حج به أو أذن له في الحج و اما إذا حج الصبي بنفسه بدون اذن الولي فليس شي ء من نفقة حجه على الولي بل جميعها من ماله لما تقدم من أنه مأذون التصرف في ماله بمقدار مؤنة الحج من قبل الشارع بمقتضى إطلاق أدلة الاستحباب من دون احتياج إلى اذن الولي.

[المسألة السادسة يجب على الولي]
[الهدي]

قوله قده: (الهدى على الولي.

لا كلام لنا في ذلك و الظاهر انه لا فرق في كون الهدى عليه بين احجاجه و اذنه في الحج، و يمكن الاستدلال على ذلك بوجهين:

(الأول)- ما عرفت من انه يشترط في تصرفات الولي في ماله كونها غبطة دنيوية للصبي و لا غبطة دنيوية في الإحرام الموجب للهدي- و إن فرضنا كون أصل سفره و إخراجه من محله غبطة و مصلحة له- لا مكان إخراجه من محله و إدخاله إلى مكة بدون الإحجاج و لا أمره بالحج لئلا يلزم عليه هدي الصبي، فإذا أحجه أو أذن له في الحج فيجب عليه هديه لا محالة.

(الثاني)- مصحح إسحاق بن عمار: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا الى عرفات بغير إحرام؟ قال: قل لهم: يغتسلون ثم يحرمون و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم «1» (بدعوى) ظهوره في كونه من مال الولي لا من مال الصبي كما هو قضية إطلاق التشبيه تكليفا و وضعا فتأمل.

ثم أنه انما يكون الهدى على الولي إذا حج به أو أذن له فيه، و أما إذا حج الصبي بنفسه بدون اذنه فلا دليل على كونه على الولي و لا يشمله مصحح إسحاق.

[و كفارة الصيد]

قوله قده: (و كذا كفارة الصيد.

هذا هو المشهور بينهم قديما و حديثا، و يدل عليه قوله- عليه السلام- في ذيل صحيح

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 43

زرارة المتقدم: «و إن قتل صيدا فعلى أبيه».

[و اما الكفارات الأخر]

قوله قده: (و اما الكفارات الأخر.

الأقوى عدم وجوب الكفارة بارتكاب شي ء من محظورات الإحرام على الصبي غير الصيد كما حكى: عن التحرير؛ و المختلف؛ و المنتهى؛ و غيرهم. و يمكن الاستدلال لذلك بوجوه:

(الأول)- دعوى انصراف أدلة الكفارات عنه. و فيه: منع الانصراف، بعد فرض كونه محرما و ممنوعا عن ارتكاب ما يحرم على المحرم فإطلاق أدلة الكفارات شامل له لأن موضوعها هو المحرم- سواء كان بالغا أم لا.

(الثاني)- ما قد يترائى في بادئ النظر من كون إحرام الصبي صوريا لا حقيقيا حتى تجب الكفارة عليه بارتكاب شي ء من محظورات الإحرام، فلذلك يحكم بعدم ثبوت الكفارة عليه إذا ارتكب أحد محظورات الإحرام، و لكنه خلاف ظاهر الروايات إذ المستفاد منها هو كونه محرما حقيقة فيترتب عليه جميع آثار الإحرام.

(الثالث)- خبر على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليه السلام.

و سألته عن الصبيان هل عليهم إحرام و هل يتقون ما يتقى الرجال؟ قال: يحرمون و ينهون عن الشي ء يصنعونه مما لا يصلح للمحرم ان يصنعه و ليس عليهم فيه شي ء «1» هذا الخبر يحتمل أن يكون واردا في حج الصبي بنفسه و يحتمل أن يكون واردا في الإحجاج، و ذلك لأنه إذا قرئ «يحرمون»- بالبناء للفاعل- فهو وارد في حج الصبي، فيدل على صحة إحرامه و لزوم اتقائه من محظورات الإحرام، و لكنه مع ذلك إذا أتى ببعض المحرمات لا

تلزم الكفارة. و أما إذا قرئ «يحرمون»- بالبناء للمفعول- كما هو الظاهر بقرينة قوله: «ينهون» فيكون مورده الإحجاج، فيحكم بعدم ترتب الكفارة على فعل الصبي المحرم الذي يحج به.

و بالجملة المدعى هو عدم لزوم الكفارة مطلقا من دون فرق بين الحج و الإحجاج، و هذا الخبر ظاهر في خصوص الإحجاج فهو مثبت لبعض الدعوى لإتمامها فيكون أخص من المدعى

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 18- من أبواب المواقيت الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 44

(الرابع)- قوله عليه السلام: (عمد الصبي و خطأه واحد) و لا شك في كون خطإ الصبي كخطإ البالغ في عدم ترتب الكفارة على ما صدر عنه خطأ من الأفعال المحرمة الموجبة للكفارة على البالغ إذا صدرت عمدا إلا الصيد كما يأتي في محله- إنشاء اللّه تعالى- و عليه فلا تترتب الكفارة على ارتكاب الصبي لشي ء من محظورات الإحرام لكون عمده خطأ كما دل عليه النص و لذلك تمسك الحلي (ره) في السرائر على عدم ثبوت الكفارة على الصبي و لا على الولي: بهذا الخبر. و قال: لأن (عمده خطأ) فكل ما يصدر عنه عمدا بمنزلة الصادر عن البالغ خطأ في عدم ترتب الكفارة عليه، و أما تضمين الصبي في باب الضمانات فلدلالة أدلة الضمان على عدم الفرق فيه بين البالغ و الصبي و العمد و الخطأ لصدق الإتلاف الموضوع للضمان في قوله:- عليه الصلاة و السلام- (من أتلف مال الغير فهو له ضامن) على الجميع كما هو واضح.

و أما قولنا في باب الجنايات بأن ضمانها على العاقلة فلدلالة قوله: (عمده كخطأه تحمله العاقلة) و بالجملة يفرض في كل باب عمد الصبي كالخطإ، فإن كان يترتب على الخطأ أثر- كما في

البابين المتقدمين و هما باب الجنايات و باب الضمانات- فلا شبهة في أنه يترتب على عمده ايضا ذلك الأثر، و اما إذا لم يكن الخطأ ذا أثر- كما في المقام- فلا يترتب على عمده أثر أيضا لأن عمد الصبي كخطأه، فكما لا كفارة في ارتكابه محظورات الإحرام غير الصيد خطأ كذلك في ارتكابه لها عمدا، إلا إذا قلنا بانصراف هذا الحديث الى باب الجنايات- كما ذكره الأصحاب في ذلك الباب أيضا- فحينئذ يحكم بثبوت الكفارة على الصبي بمقتضى الإطلاقات الدالة على ثبوت الكفارة على المحرم و لكن الانصراف ممنوع أولا، و على فرض ثبوته بدوي ثانيا، فإذا ارتكب عمدا شيئا من محظورات الإحرام فلا كفارة فيه غير الصيد.

لا يقال: ان القول بعدم ترتب الكفارة مساوق للقول بعدم صيرورته محرما و الا فلا بد من ترتيب أحكام المحرم التي منها وجوب الكفارة عليه.

فإنه يقال: يكفي في ترتب حكم الإحرام عليه انه يجنب عن المحظورات. و عدم ترتب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 45

الكفارة في غير الصيد لأجل دليل تعبدي لا ينافي كونه محرما و وجوب منع الولي له عن ارتكاب محرمات الإحرام. و بالجملة فقد ظهر مما ذكرنا انه لا كفارة في فعل الصبي لا عليه و لا على الولي.

ثم لو سلمنا ثبوت الكفارة فهل هي على الولي أم على الصبي؟ الأقوى هو الثاني لأن مقتضى الإطلاقات وجوب الكفارة على المحرم دون غيره فتثبت على الصبي لا على الولي إلا إذا قام دليل تعبدي على ثبوتها على الولي.

و يمكن الاستدلال على وجوب الكفارة على الولي بوجهين:

(الأول)- أنه السبب في ترتب الكفارة فعليه أدواؤها. و فيه: أن سببيته ان كانت فإنما هي في صورة الإحجاج لا

مطلقا، بل لا يكون الولي سببا مطلقا لا في الإحجاج و لا في الحج، اما في الثاني فظاهر و أما في الأول فلأنه ليس سببا في ارتكابه لمحظورات الإحرام كي يقال بثبوتها عليه لسببيته في ذلك بل يكون سببا في تلبسه بالإحرام. و غاية ما يستفاد من أدلة الإحجاج هو وجوب منع الولي له عن ارتكاب ما لا يسوغ للمحرم ارتكابه، فلو كان مانعا و لكنه ارتكب في الإحرام لغفلة الولي بعض ما يوجب الكفارة فليس هو السبب، و على فرض كونه السبب لا وجه لأن تكون الكفارة عليه لأن ما يستفاد من أدلة الكفارات هو ثبوتها على المحرم الذي ارتكب المحظور، فالمعيار في ترتبها هو الارتكاب في حال كونه محرما، فعلى فرض تسليم سببية الولي في ارتكاب الصبي لا يمكن القول بثبوت الكفارة عليه لعدم تحقق موضوعه- و هو الارتكاب في حال الإحرام- فإن المحرم المرتكب هو الصبي لا الولي.

(الثاني)- قوله عليه السلام: (عمد الصبي كخطأه تحمله العاقلة) و فيه: أن غاية ما يدل عليه هذا الحديث هو ان كل ما يكون خطأه على العاقلة فعمد الصبي فيه أيضا يكون عليها، و ليس في المقام ما يدل على ان الكفارة في صورة الخطأ على العاقلة حتى يقال أن عمد الصبي كذلك، فهذا الحديث مختص بباب الديات لوجود الأثر في خطأه فيها الثابت على العاقلة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 46

[المسألة السابعة في أدلة إجزاء حج الصبي إذا أدرك المشعر بالغا]
اشارة

قوله قده: (قد عرفت انه لو حج الصبي عشر مرات لم يجزه عن حجة الإسلام بل يجب عليه بعد البلوغ و الاستطاعة، لكن استثنى المشهور من ذلك ما لو بلغ و أدرك المشعر فإنه حينئذ يجزى عن حجة الإسلام.

لا يخفى ان مقتضى القاعدة هو

عدم الإجزاء، و ذلك لان مقتضى إطلاق دليل الشرطية هو اعتبار البلوغ في جميع أجزاء الحج فلا يجزى حج الصبي و ان بلغ قبل المشعر عن حجة الإسلام، فما أتى به من أعمال الحج قبل البلوغ يكون مستحبا و أجزاء المستحب عن الواجب منوط بتعبد شرعي، إذ مقتضى القاعدة عدم الإجزاء كما لا يخفى.

هذا بالنسبة إلى الحج و كذا الكلام بالنسبة إلى العمرة، فلو اتى بجزء منها قبل البلوغ لا تجزى بمقتضى الأخبار و الروايات الدالة على اشتراط البلوغ فيها، فإن العمرة المتمتع بها- حسب ما يستفاد من الأخبار- ليست من العبادات المستقلة بل تكون تابعة للحج فتكون العمرة و الحج من قبيل الجزئين للصلاة، فيكون حكم كليهما واحدا فيعتبر البلوغ فيها بعين اعتباره في الحج كما يعتبر الطهارة في الركوع بعين اعتبارها في القيام. هذا كله بحسب القاعدة مع قطع النظر عن دليل خاص، و لكن المشهور بين الأصحاب ان الصبي لو تلبس بالحج تمتعا أو قرانا أو إفرادا ندبا ثم بلغ قبل الوقوف بالمشعر أجزأه عن حجة الإسلام بل هو حجة الإسلام.

و يمكن الاستدلال على ذلك بوجوه:

(الأول)- الإجماع

كما ادعاه في محكي التذكرة: و الخلاف؛ و غيرهما. و فيه: ما قلنا مرارا من أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الكاشف عن رأى المعصوم- عليه السلام- لا المدركى منه، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض الوجوه الآتية، مضافا الى ان المحصل منه غير حاصل و المنقول منه ليس بحجة فلا عبرة به.

(الثاني)- ما ذكره بعض المحققين (قده) من كون الإجزاء على طبق القاعدة،

تقريبه أن الفعل المأمور به بالأمر الندبي عين الفعل المأمور به بالأمر الإيجابي من دون تفاوت بينهما أصلا، لواجدية كل من الفعلين للملاك و المصلحة غاية الأمر ان الاختلاف في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 47

لون الأمر المتعلق بهما لا في أصل المصلحة و الغرض، فمقتضى القاعدة الإجزاء إذا بلغ بعد الفراغ عن الحج فضلا عما إذا بلغ في أثنائه، و لذا يحكم بعدم لزوم إعادة الصلاة إذا صلى الصبي و بلغ في أثنائها أو بعدها قبل خروج الوقت.

نعم بمقتضى الأخبار المتقدمة لا بد لنا من رفع اليد عن مقتضاها في خصوص ما نحن فيه فيما إذا بلغ بعد العمل، و اما إذا بلغ في الأثناء فنمنع شمول الإطلاقات المتقدمة له، فيثبت الإجزاء.

و هنا تقريب آخر لإثبات مدعاه، و هو أن الإطلاقات الأولية تشمل كلا من الصبي المميز و البالغ على نهج واحد، فالمطلوب من البالغ و غيره طبيعة واحدة، فلا فرق بينهما إلا في ارتفاع الإلزام عن غير البالغ بالأدلة الامتنانية و هذا لا يوجب تفاوتا في نفس الطبيعة المطلوبة من البالغ و الصبي. و عليه فإذا شرع في العمل قبل البلوغ و بلغ في الأثناء يجب عليه الإتمام، و حينئذ لا يبقى موضوع للأمر بها ثانيا فيجزي لا محالة. نعم إذا بلغ بعد العمل فقد عرفت انه لا

بد من الأخذ بالروايات المتقدمة و رفع اليد بها عن مقتضى القاعدة.

و فيه: مضافا الى ما يرد على خصوص التقريب الثاني من منع ارتفاع الإلزام و بقاء أصل الطلب بالأدلة الأولية- كما تقدم سابقا- أن تمامية القاعدة من أصلها ممنوعة، لعدم العلم بوحدة الطبيعة المطلوبة من البالغ و الصبي من حيث الملاك لعدم الإحاطة بالملاك لغير علام الغيوب، فيحتمل دخل البلوغ في أصل الملاك و المصلحة بحيث لو لم يرد دليل خاص على مطلوبية العمل من الصبي أيضا لاحتملنا عدم كون العمل قبل البلوغ ذا ملاك أصلا فضلا عن وحدة الملاك، فلا مجال لما افاده بعض المحققين (قده)- سواء قلنا بوجود الملاك في عمل الصبي أم لا- اما على الثاني فواضح و اما على الأول فلأنه و ان كان عمله ذا ملاك كعمل البالغ لكن لا سبيل لنا إلى إحراز وحدة الملاك الموجود في عمل البالغ و الصبي، فمن المحتمل تعددهما بالبلوغ و هذا لاحتمال جار في جميع العبادات من الصلاة و غيرها.

و قد يقال في وجه عدم لزوم إعادة الصلاة فيما إذا بلغ في أثنائها أو بعدها: أنه لحصول الاطمئنان بأنها طبيعة واحدة في حق البالغ و الصبي و العلم بأن الماهية المأمور بها البالغ عين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 48

الماهية المأمور بها الصبي. و اما في المحل المفروض فلم يحصل لنا الاطمئنان، بذلك، و ذلك للروايات المتقدمة الدالة على انه لو حج الصبي عشر حجج لا يكفي عن حجة الإسلام، فبهذه الروايات يستكشف ان العمل الصادر من البالغ غير العمل الصادر من الصبي و له ملاك غير ملاكه: بل لو احتملنا كونهما كذلك لكفى في عدم الإجزاء- فتأمل.

(الثالث)- الروايات الدالة على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج،

مثل ما عن

جميل قال: من أدرك المشعر يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ «1» و غيره مما سيأتي من الأخبار في محله إنشاء اللّه تعالى.

بتقريب أن المستفاد منها ان كل من أدرك المشعر جامعا للشرائط فقد أدرك الحج، فإذا بلغ الصبي قبل الوقوف بالمشعر فقد أدرك الحج بالغا، فيجزي حجه عن حجة الإسلام بل هو حجة الإسلام.

و فيه: ان هذه الروايات ليست مسوقة لبيان أن المدار في إدراك الحج الواجب هو ادراك المشعر، بل هي مسوقة لبيان ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج، فان كان واجبا فقد أدرك الحج الواجب و ان كان مستحبا فأدرك الحج المستحب، و إذا لم يكن بالغا من أول الأعمال فمن أين يثبت وجوب حجة كي يقال: بأنه أدرك حجا واجبا بإدراك المشعر.

هذا مضافا الى ان أخبار من أدرك الحج واردة فيمن فاته الحج و أتى مكة في وقت الوقوف بالمشعر فهي أجنبية عما نحن فيه فالحق ان هذه الروايات لا تدل على إجزاء حج الصبي الذي أدرك المشعر بالغا عن حجة الإسلام كما هو المدعى.

(الرابع)- الروايات الدالة على إجزاء حج العبد عن حجة الإسلام إذا أعتق قبل المشعر

فنتعدى عنه الى ما نحن فيه بتنقيح المناط- منها:

1- عن شهاب عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له؟

قال: يجزى عن العبد حجة الإسلام، و يكتب للسيد أجران ثواب العتق و ثواب الحج. «2»

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 23- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9

(2) الوسائل- ج 2، الباب 17- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 49

2- عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام- مملوك أعتق يوم عرفة؟ قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج

«1». و نحوهما غيرهما مما سنذكره- إنشاء اللّه تعالى- في حج العبد، فنتعدى عن موردها الى المحل المفروض (بدعوى) تنقيح المناط.

و في القول بأن ملاكهما واحد- و هو حصول الكمال قبل الوقوف بالمشعر- فكما يحصل ذلك للعبد فيما إذا أعتق قبل المشعر كذلك يحصل للصبي إذا بلغ قبله- تأمل، بل إشكال ضرورة: توقف التعدي عن مورد النصوص و هو المملوك على أحد أمرين: اما العلة المنصوصة، و اما القطع بالمناط. و من المعلوم انتفاء كليهما.

اما الأول: فلعدم انطباق ضابط العلة المنصوصة التي يكون الأخذ بعمومها أخذا بظاهر اللفظ على المقام كما هو واضح.

(و اما الثاني): فلعدم سبيل الى القطع بالمناط بعد احتمال دخل خصوصية المورد في الحكم، و مجرد اشتراك المملوك و الصبي في الكمال بالانعتاق و البلوغ لا يوجب العلم بكون مناط الحكم هو مطلق الكمال حتى نتعدى من المملوك المعتق قبل المشعر إلى الصبي الذي بلغ كذلك، و بدون العلم بالملاك لا يخرج التعدي عن المورد عن القياس المسدود بابه و الممنوع استشمامه.

هذا مضافا الى أنه لو القى الخصوصية و كان المناط فيه هو الشروع قبل الكمال- بصيرورة الفاقد قبل الوقوف بالمشعر كاملا- كان اللازم هو الالتزام بالإجزاء فيمن حج متسكعا ثم حصل له الاستطاعة قبل الوقوف بالمشعر، لأنه قبل المشعر صار كاملا- مع أنهم لا يلتزمون به و يقولون بعدم إجزاء حجه عن حجة الإسلام، لفقدان الاستطاعة المعتبرة فيه حدوثا و بقاء من أول الأعمال إلى آخرها قبل الوقوف بالمشعر.

ثم انه لا يلزم مما ذكرنا ان يقال: أن الأصحاب عملوا بالقياس في المحل المفروض مع أنهم أجل شأنا من ذلك، بل كل من قال بالإجزاء إذا بلغ قبل الوقوف فاما أن يكون

مدركه غير هذا الوجه من الوجوه الأخرى، أو يكون ذلك و لكن حصل له القطع بوحدة المناط فعمل

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 17- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 50

بقطعه لا بالقياس و لا شك في ان الإنسان إذا اعتقد بشي ء و حكم على طبق اعتقاده لوضوح المناط عنده لا يعد ذلك قياسا، لكنا لم يحصل لنا القطع بوحدة المناط فلا يمكننا التعويل على هذا الوجه.

[المسألة التاسعة إذا حج باعتقاد أنه غير بالغ]

قوله قده: (إذا حج باعتقاد أنه غير بالغ ندبا فبان بعد الحج أنه كان بالغا فهل يجزى عن حجة الإسلام أولا؟ وجهان اوجهما الأول.

لا ينبغي الإشكال في أن الواجد لشرائط وجوب الحج- من الزاد و الراحلة و تخلية السرب و غير ذلك من الأمور المعتبرة فيه- إذا اعتقد فقدان بعض الشرائط كالبلوغ و غيره، فحج باعتقاد الاستحباب كان حجه مجزئا عنه، لما حققناه في الأصول من عدم لزوم قصد الوجه في تحقق الماهية المأمور بها، و ليس عنوان الوجوب و الاستحباب و عنوان حجة الإسلام من العناوين المنوعة حتى يقال: أنه إذا قصد الحج الندبي و كان عليه حجة الإسلام لا يجزى عنها، لكونه قاصدا لنوع مغاير للنوع الذي في ذمته.

نعم، إذا كان قصده للحج الندبي على نحو التقييد بأن يقول مثلا: إن كان هذا الحج ندبيا فأنا أحج و إلا فلا، فحينئذ لا يجزى ذلك عن حجة الإسلام. لكن هذا لا يصدر من عاقل، فان الشخص لا يعاند نفسه بأن يقصد الحج على فرض استحبابه و لا يقصده على فرض وجوبه عليه كما هو واضح.

و الحاصل: أن ما أتى به من الحج لا ينقص عن حجة الإسلام بشعرة، فالانطباق قهري

و الإجزاء عقلي. زائد و يأتي تمام الكلام في ذلك- إنشاء اللّه تعالى- عند ذكر المصنف لعين هذا الفرع في الشرط الثالث من شرائط حجة الإسلام إلى هنا.

[الشرط الثاني الحرية]
اشارة

قوله قده: (من الشروط الحرية فلا يجب على المملوك و ان اذن له مولاه و كان مستطيعا من حيث المال.

هذا هو المشهور بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا، بل في الجواهر:

(للإجماع بقسميه منا و من غيرنا) و في محكي المعتبر: (ان عليه إجماع العلماء). و يدل عليه الروايات الواردة في المقام- منها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 51

1- عن فضل بن يونس عن أبي الحسن موسى- عليه السلام- قال: ليس على المملوك حج و لا عمرة حتى يعتق «1».

2- عن فضل بن يونس قال: سألت أبا الحسن فقلت: يكون عندي الجواري و انا بمكة فآمرهن ان يعقدن بالحج يوم التروية فأخرج بهن فيشهدن المناسك أو أخلفهن بمكة؟ فقال: ان خرجت بهن فهو أفضل و ان خلفتهن عند ثقة فلا بأس، فليس على المملوك حج و لا عمرة حتى يعتق «2».

3- عن آدم بن على عن أبي الحسن- عليه السلام- قال: ليس على المملوك حج و لا جهاد و لا يسافر إلا بإذن مالكه «3».

4- عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: ان معنا مماليك و قد تمتعوا علينا ان نذبح عنهم؟ قال: فقال: المملوك لا حج له و لا عمرة و لا شي ء «4» حمله الشيخ «قدس سره» على عدم اذن مولاه له، و يحتمل حملها على نفي الوجوب عنه، و لكن أقرب المحامل هو الأول و دلالة هذه الأخبار على المدعى واضحة.

[في مالكية العبد و عدمها]

قوله قده: (بناء على ما هو الأقوى من القول بملكه.

قد وقع الخلاف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- في أنه هل يملك العبد مط أولا يملك مط، أو التفصيل بين بعض الأموال دون بعض، على

أقوال: قال في الشرائع: (العبد لا يملك، و قيل يملك فاضل الضريبة و هو المروي، و أرش الجناية على قول، و لو قيل يملك مط لكنه محجور عليه بالرق حتى يأذن له المولى كان حسنا).

و قال في الجواهر: (لا يملك عينا و لا منفعة مستقرا و لا متزلزلا، من غير فرق بين ما ملكه المولى و فاضل الضريبة و أرش الجناية و بين غيرها عند أكثر علمائنا كما في التذكرة.

بل في السرائر: عندنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه كالمحكي عن الانتصار، و كفارات المبسوط. بل في زكاة الخلاف، و نهج الحق الإجماع عليه. بل الأول منهما صريح في نفي

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 15، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل- ج 2- الباب 15، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(3) الوسائل- ج 2- الباب 15، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(4) الوسائل- ج 2- الباب 15، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 52

الملك لما ملكه مولاه. بل في شرح الأستاد: أنه المشهور في غاية الاشتهار بين المتقدمين و المتأخرين المدعى عليه الإجماع معبرا عنه بلفظه الصريح من جماعة، و بما يفيده بظاهره بعبارات مختلفة من نقلة متعددين كمذهب الإمامية و مذهب أصحابنا و عندنا. و في الرياض:

(أنه الأشهر بين أصحابنا كما حكاه جماعة منا، و هو الظاهر من تتبع كلماتهم جدا حيث لم أقف على مخالف لهم في ذلك الا نادرا).

و قال في الجواهر أيضا في شرح قول المحقق- طاب ثراه- (و قيل يملك فاضل الضريبة): خاصة التي يضربها عليه مولاه، الا انى لم أعرف القائل به بالخصوص، و ان نسب

الى الشيخ في النهاية، و القاضي، الا ان الذي عثرت عليه في الأول مع عدم اختصاصه بفاضل الضربة صريح في إرادة ملك التصرف، كما حكاه عنه في الدروس لا الرقية قال:

(المملوك لا يملك شيئا من الأموال ما دام رقا، فان ملكه مولاه شيئا ملك التصرف فيه بجميع ما يريده، و كذلك إذا فرض عليه ضريبة يؤديها اليه و ما يفضل بعد ذلك يكون له جاز ذلك فإذا أدى الى مولاه صريبته كان له التصرف فيما بقي من المال، و كذلك إذا أصيب العبد في نفسه بما يستحق به الأرش كان له ذلك، و حل له التصرف فيه، و ليس له رقبة المال على وجه من الوجوه،) و نحوه عن القاضي، و لذا نسبه إليهما في المحكي عن المهذب. نعم، قيل: ان القول بذلك محكي: عن الصدوق و الإسكافي حيث قالا: يملك العين لكن لا مستقرا و فيه: انه ايضا غير خاص بفاضل الضريبة).

و قال في الجواهر في شرح قول المحقق: «و أرش الجناية على قول»: (خاصة أو مع فاضل الضريبة خاصة «على قول آخر» لم أعرف القائل بكل منهما كالقول: بأنه يملك ما ملكه مولاه خاصة، أو مع أرش الجناية خاصة، أو مع فاضل الضريبة فقط، أو الثلاثة، و ان حكى جميع ذلك شيخنا: في شرحه بل و غيرها، فإنه قال- بعد ان حكى اخبار عدم الملك و استدل عليه-: فلا وجه للقول بأنه يملك مط و نسب إلى الأكثر في رواية، و الى ظاهر الأكثر في أخرى، أو يملك فاضل الضريبة فقط، أو أرش الجناية كذلك. و نسبا الى الشيخ و اتباعه، أو ما ملكه مولاه، و ربما عد منه فاضل الضريبة و ما

اذن له في ملكه، أو المركب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 53

منها على اختلاف أقسامه أو يملك ملكا غير تام أو التصرف خاصة. و يمكن ان يكون المراد من ذلك الأعم من القول و الاحتمال).

و قال أيضا في شرح قول المحقق- طاب ثراه-: «و لو قيل يملك مط لكنه محجور عليه بالرق حتى يأذن له المولى كان حسنا»: (بل ظاهر الشهيد في الحواشي اختياره و قد سمعت أن الأستاد حكى نسبته: إلى الأكثر في رواية، و الى ظاهر الأكثر في أخرى، لكن الذي عثرت عليه من ذلك ما في الدروس و المسالك ففي الأول اختلف في كون العبد يملك فظاهر الأكثر ذلك و في النهاية يملك ما ملكه مولاه. إلخ) و في المسالك: القول بالملك في الجملة للأكثر و هما معا ليس في الملك مط).

و منشأ الاختلاف في ذلك اختلاف الأخبار الواردة في المقام و قبل ذكرها و الخوض في ما يستفاد منها ينبغي التنبيه على انه لا مجال لإنكار قابليته العبد للمالكية عقلا، ضرورة:

عدم كونه كالبهائم، و هو من هذه الجهة كالحر، فدعوى الاستحالة من الدعاوي الغير المسموعة، فالمانع من القول بالمالكية- لو كان- لا بد و ان يكون من جهة أدلة التشريع فلا بد لنا من ملاحظتها كي يتضح الأمر فنقول- و من اللّه التوفيق-: ان مقتضى التحقيق هو مالكية العبد كما يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيحة عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل أراد ان يعتق مملوكا له و قد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة فرضي بذلك، فأصاب المملوك في تجارته ما لا سوى ما كان

يعطى مولاه من الضريبة؟ قال: فقال: إذا أدى الى سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك. ثم قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: قد فرض اللّه على العباد فرائض فإذا أدوها اليه لم يسألهم عما سواها؟

قلت له: فللمملوك أن يتصدق مما اكتسب و يعتق بعد الفريضة التي كانت يؤديها إلى سيده؟

قال: نعم و أجر ذلك له. قلت: فإن أعتق مملوكا مما كان اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء المعتق؟ فقال: يذهب فيتولى الى من أحب فإذا ضمن جريرته و عقله كان مولاه و ورثه.

قلت له: أ ليس قال رسول اللّه «الولاء لمن أعتق»؟ فقال: هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 54

مثله. قلت: فان ضمن له هذا الذي أعتقه جريرته و حدثه يلزمه ذلك و يكون مولاه و يرثه؟

فقال: لا يجوز ذلك لا يرث عبد حرا «1».

2- موثق إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر فيقول: حللني من ضربي إياك و من كل ما كان مني إليك و ما أخفتك و أرهبتك، فيحلله و يجعله في حل رغبة فيما أعطاه ثم أن المولى بعد أن أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع قد وضعها فيه العبد فأخذها المولى إحلال هي؟ فقال: لا. فقلت له: أ ليس العبد و ماله لمولاه؟ فقال: ليس هذا ذاك. ثم قال- عليه السلام-: قل له: فليردها عليه فإنه لا يحل له فإنه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة و القصاص يوم القيامة «2».

3- في قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليه

السلام- قال: سألته عن المملوك الموسر أذن له مولاه في الحج هل عليه أن يذبح؟ و هل له أجر؟

قال: نعم فإن أعتق أعاد الحج «3». وجه دلالة هذا الحديث على المدعى هو إطلاق الموسر على العبد الظاهر في مالكيته.

4- صحيح زرارة عن أحدهما في رجل أعتق عبدا له و له مال لمن مال العبد؟ قال:

إن كان علم أن له مالا تبعه ماله و إلا فهو للمعتق «4».

5- صحيحة الآخر: سألت أبا جعفر- عليه السلام-: عن رجل أعتق عبدا و للعبد مال لمن المال؟ فقال- عليه السلام-: إن كان يعلم إن له مال تبعه ماله و إلا فهو له «5».

6- صحيحة الآخر ايضا عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه و هو يعلم إن له مالا و لم يكن استثنى السيد المال حين أعتقه فهو للعبد «6».

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 9 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 2- الباب 9 من أبواب بيع الحيوان الحديث 3.

(3) الوسائل- ج 2- الباب 16، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

(4) الوسائل- ج 3- الباب 24، من أبواب كتاب العتق الحديث 2.

(5) الوسائل- ج 3- الباب 24، من أبواب كتاب العتق الحديث 4.

(6) الوسائل- ج 3- الباب 24، من أبواب كتاب العتق الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 55

7- صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

سألته: عن رجل أعتق عبدا له و للعبد مال و هو يعلم ان له مالا فتوفي الذي أعتق العبد لمن يكون مال العبد، يكون للذي أعتق العبد أو للعبد؟ قال- عليه السلام-: إذا أعتقه و هو يعلم

إن له مالا فماله له و إن لم يعلم فماله لولد سيده «1».

8- خبر إسحاق بن عمار عن جعفر- عليه السلام- عن أبيه: أن عليا أعتق عبدا فقال له: إن ملكك لي و لك و قد تركته لك «2».

9- صحيح سعد بن سعد عن أبي جرير قال. سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل قال لمملوكه: أنت حر ولي مالك. قال- عليه السلام-: لا يبدأ بالحرية قبل المال يقول: لي مالك و أنت حر برضى المملوك فان ذلك أحب إلى «3». و هذه الأخبار- و إن كان بعضها مختصا بفاضل الضريبة أو غيره- لكنه يكفينا في إثبات المدعى إطلاق الباقي منها. و يمكن المناقشة في إطلاقها بأنها ليست مسوقة لبيان ما نحن بصدده بل هي مسوقة في مقام بيان حكم آخر، و هو أن مال العبد بعد عتقه له، أو لمولاه أو ان العبد الموسر لا يجزى حجة، فلا إطلاق لها من الجهة التي نقصدها هنا فتدل على مالكتيه في الجملة، و لكن يكفينا في إثبات المقصود- و هو مالكيته مط- إطلاق أدلة سببية الأسباب الموجبة للملك التي لم يفرق فيها بين الحر و العبد.

هذا، و في قبال ذلك كله أخبار أخر يمكن الاستدلال بها على عدم قابليته للمالكية- منها:

1- صحيح ابن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: مملوك في يده مال أ عليه زكاة؟ قال: لا. قال: قلت و على سيده؟ فقال: لا لأنه لم يصل اليه و ليس هو للملوك «4».

وجه الاستدلال به هو أن الظاهر من نفي الملكية لما في يده عنه هو عدم قابليته للمالكية لا نفي مالكية العبد لذلك المال بالخصوص، فان سؤال السائل لم يكن راجعا الى

______________________________

(1) الوسائل- ج 3- الباب 24- من أبواب كتاب العتق الحديث 6.

(2) الوسائل- ج 3- الباب 24- من أبواب كتاب العتق الحديث 7.

(3) الوسائل- ج 3- الباب 24- من أبواب كتاب العتق الحديث 5.

(4) الوسائل- ج 2- الباب 4- من أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 56

تشخيص الصغرى و انما سأل عن الحكم الكلي الشرعي.

إن قلت: ان ما فيه من التعبير بقوله «في يده مال» دون «له مال» إيماء الى أن ذلك المال لم يكن ملكا له، فما فيه من تعليل عدم الزكاة عليه بعدم ملكيته له لا يدل على أن العبد ليس قابلا للمالكية بل خصوص ذلك المال لم يكن ملكا له، فذكر- عليه السلام- أنه ليس عليه الزكاة لعدم مالكيته له. و هذا كما ترى أجنبي عما نحن فيه.

قلت: قد دلت أخبار أخرى على عدم تعلق الزكاة بمال العبد إلا أن يعمل له فيه كما عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سأله رجل و أنا حاضر عن مال المملوك أ عليه زكاة؟ فقال: لا و لو كان له ألف ألف درهم. «1»

و ما عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: ما تقول في رجل يهب لعبده الف درهم أو أقل أو أكثر. الى أن قال: قلت فعلى العبدان يزكيها إذا حال عليه الحول؟ قال: لا الا أن يعمل له فيها. «2»

و بالجملة لا إشكال في الجملة في عدم تعلق الزكاة بماله، و قد علل ذلك فيما مضى من صحيح ابن سنان بعدم مالكيته له، فهو دليل على عدم قابليته للمالكية و ليس

المقصود منه عدم مالكيته لخصوص ذلك المال الذي كان في يده، لعدم اختصاص عدم تعلق الزكاة بذلك المال، فالإنصاف أنه ظاهر في عدم مالكيته.

و لكن التحقيق: أنه لا يقبل المعارضة مع ما تقدم من الأخبار التي كانت في قوة التصريح بالمالكية، فمقتضى الجمع بينه و بينها أن يقال: ان المراد مما فيه من عدم المالكية هو تحجيره و عدم جواز استقلاله بالتصرف في ماله بدون اذن مولاه، و الشاهد على ذلك الأخبار الدالة على تحجير العبد كما عن عبد اللّه ابن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لا يجوز للعبد تحرير و لا تزويج و لا عطاء من ماله إلا بإذن مولاه «3» فقوله- عليه السلام-:

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 4، من أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه. الحديث 3

(2) الوسائل- ج 2- الباب 4، من أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه. الحديث 6

(3) الوسائل- ج 3- الباب- 21- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 57

«من ماله» ظاهر في مالكيته لذلك المال لكنه محجور في التصرف الاستقلالي و جاز له التصرف باذن مولاه.

2- صحيح محمد بن قيس عن أبى جعفر- عليه السلام- انه قال في المملوك ما دام عبدا: فإنه و ماله لأهله لا يجوز له تحرير و لا كثير عطاء و لا وصية إلا أن يشاء سيده «1».

و هذا الحديث كما ترى ليس له دلالة ظاهرة في نفى مالكيته، فإنه و ان كان قوله- عليه السلام- «لأهله» ظاهرا في كون ماله ملكا لأهله- لكن اضافة المال إلى الضمير الراجع الى العبد في قوله «ماله» ظاهر في كونه

ملكا له. و الإنصاف انه أيضا لا يخلو عن ظهور ما في عدم مالكيته و أن ماله لمولاه، لكن مقتضى الجمع بينه و بين ما تقدم من الأخبار الدالة على مالكيته حمله أيضا على نفى السلطنة على التصرف بدون إذن مولاه.

3- صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سألت الرضا- عليه السلام- عن الرجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها بغير طيب نفسها من خدم، أو متاع أ يجوز ذلك له؟ فقال: نعم إذا كانت أم ولده «2» ان قلت: انه لا يدل على نفى مالكيته، لأنه من المحتمل كون ما فيه من الهبة هبة لغير ذي رحم قبل التصرف فيجوز للواهب الرجوع.

قلت: لو كان كذلك جاز للواهب الرجوع- و لو فرض حرية الموهوب له- فيلزم أن يكون تقييده- عليه السلام- بقوله: «إذا كانت أم ولده» لغوا، فان الرجوع في الهبة جائز و لو كان وهبه لغير أم ولده كما لا يخفى.

نعم، يمكن المناقشة في دلالته بأن جواز أخذ المولى من مال عبده لا يستلزم عدم مالكية العبد له، بل تقرير الإمام- عليه السلام- لما ذكره السائل من هبة المال لام الولد دليل على قابليتها للملك، و الألم يصح الهبة كما لا يخفى، فهذا الحديث دليل على الخلاف.

و منها الأخبار الدالة على أن العبد إذا مات و ترك ما لا كان لمالكه:

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 78 من أبواب كتاب الوصايا الحديث 1

(2) الوسائل ج 3- الباب 1 من أبواب الاستيلاء.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 58

1- موثق عمار الساباطي عن أبى عبد اللّه- عليه السّلام- في مكاتبة بين شريكين يعتق أحدهما نصيبه كيف يصنع بالخادم؟ قال: تخدم الباقي يوما و تخدم نفسها يوما

قلت: فان ماتت و تركت مالا؟ قال- عليه السلام-: المال بينهما نصفان بين الذي أعتق و بين الذي أمسك «1» 2- عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- ان مكاتبا اتى أمير المؤمنين فقال: ان سيدي كاتبني و شرط على نجوما في سنة فجئته بالمال كله ضربة واحدة فسألته أن يأخذه كله ضربة و يجيز عتقي فأبى علىّ، فدعاه أمير المؤمنين فقال: صدق. فقال له: ما لك لا تأخذ المال و تمضى عتقه؟ فقال: ما أخذ إلا النجوم التي شرطت و اعترض من ذلك لميراثه. فقال له أمير المؤمنين: فأنت أحق بشرطك «2» 3- عن محمد بن قيس عن أبى جعفر- عليه السلام- في مكاتب كانت تحته امرأة حرة فأوصت عند موتها بوصيته فقال أهل الميراث: لا نجيز وصيتها له أنه مكاتب لم يعتق و لا يرث، فقضى أنه يرث بحساب ما أعتق منه «3».

و التحقيق عدم دلالتها على عدم مالكية العبد، لإمكان أن يكون ما فيها من الحكم- و هو إن مال العبد بعد موته لمالكه- حكما تعبديا من دون استلزام القول بأن العبد لم يكن مالكا لذلك المال من أول الأمر.

و منها الأخبار الدالة على منع العبد عن الإرث كما عن محمد بن حمران عن أبى عبد اللّه- عليه السلام-: لا يتوارث الحر و المملوك «4» و ما عن الفضيل بن يسار عن أبى عبد اللّه- عليه السلام-: العبد لا يرث و الطليق لا يرث «5» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و التحقيق عدم دلالتها أيضا على عدم قابليته للمالكية، و انما ثبت بها تعبدا أن الرقية مانعة عن الإرث، و لا يستلزم ذلك عدم قابليته للمالكية

كما لا يخفى. و يشهد لذلك ما في

______________________________

(1) الوسائل- ج 3، الباب 24- من أبواب موانع الإرث.

(2) الوسائل- ج 3، الباب 24- من أبواب موانع الإرث.

(3) الوسائل- ج 3، الباب 19- من أبواب موانع الإرث.

(4) الوسائل- ج 3، الباب 16- من أبواب موانع الإرث.

(5) الوسائل- ج 3، الباب 16- من أبواب موانع الإرث.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 59

الحديث الثاني من إلحاق الطليق بالعبد في عدم الإرث مع أنه لا إشكال في مالكية الطليق.

و منها الأخبار الدالة على عدم إمضاء الوصية للعبد و عدم إمضاء وصيته:

1- صحيحة محمد بن قيس عن أبى جعفر- عليه السّلام- قال: قضى أمير المؤمنين في مكاتب كانت تحته امرأة حرة فأوصت له عند موتها بوصيته فقال أهل الميراث: لا يجوز وصيتها لأنه مكاتب لم يعتق، فقضى أنه يرث بحساب ما أعتق منه و يجوز له من الوصية بحساب ما أعتق منه. قال: و قضى- عليه السلام- في مكاتب أوصى له بوصيته و قد قضى نصف ما عليه فأجاز له نصف الوصية، و قضى في مكاتب قضى ربع ما عليه فأوصى له بوصيته فأجاز له ربع الوصية. و قال في رجل أوصى لمكاتبته و قد قضت سدس ما كان عليها فأجاز لها بحساب ما أعتق منها «1».

2- ما ورد عنه أيضا عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قضى أمير المؤمنين- عليه السّلام- في مكاتب قضى بعض ما كوتب عليه أن يجاز من وصيته بحساب ما أعتق منه، و قضى في مكاتب قضى نصف، ما عليه فأوصى بوصيته فأجاز نصف الوصية و قضى في مكاتب قضى ثلث ما عليه فأوصى بوصيته فأجاز ثلث الوصية «2».

3- عن عبد الرحمن بن الحجاج عن

أحدهما عن أبى عبد اللّه- عليه السّلام- في حديث قال: قلت له: رجلا ترك عبدا لم يترك مالا غيره و قيمة العبد ستمائة درهم و دينه خمسمائة درهم فأعتقه عند الموت كيف يصنع فيه؟ قال: يباع فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم و يأخذ الورثة مائة. قال: قلت: أ ليس قد بقي من قيمة العبد مائة عن دينه؟ قال:

بلى. قلت: أ ليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء؟ قال: بلى. قلت: أ ليس قد أوصى للعبد بثلث ماله حين أعتقه؟ قال: فقال: إن العبد لا وصية له إنما ماله لمواليه «3»

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 80- من أبواب كتاب الوصايا الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 2، الباب 81- من أبواب كتاب الوصايا الحديث 1.

(3) الوسائل- ج 2، الباب 79- من أبواب كتاب الوصايا الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 60

4- عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أحدهما انه قال: لا وصية لمملوك «1».

5- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألني أبو عبد اللّه- عليه السّلام- هل يختلف ابن أبى ليلى و ابن شبرمة؟ فقلت: بلغني أنه مات مولى لعيسى بن موسى فترك عليه دينا كثيرا و ترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم فأعتقهم عند الموت، فسألهما عيسى بن موسى عن ذلك، فقال ابن شبرمة: أرى أن تستعيهم في قيمتهم فتدفعها الى الغرماء فإنه قد أعتقهم عند موته، فقال ابن ابى ليلى: أرى أن أبيعهم و ادفع أثمانهم إلى الغرماء، فإنه ليس له أن يعتقهم عند موته و عليه دين يحيط بهم، و هذا أهل الحجاز اليوم يعتق الرجل عبد، و عليه دين كثير فلا يجيزون عتقه إذا كان عليه دين كثير، فرفع ابن شبرمة يده الى السماء فقال:

سبحان اللّه يا ابن ابى ليلى متى قلت بهذا القول و اللّه ما قلته إلا طلب خلافي! فقال أبو عبد اللّه: فعن رأي أيهما صدر؟ قال: قلت: بلغني انه أخذ برأي ابن ابى ليلى و كان له في ذلك هوى فباعهم و قضى دينه. فقال: فمع أيهما من قبلكم؟ قلت له مع ابن شبرمة و قد رجع ابن ابى ليلى إلى رأى ابن شبرمة بعد ذلك، فقال: أما و اللّه أن الحق لفي الذي قال ابن ابى ليلى و ان كان قد رجع عنه. فقلت له: هذا يتكسر عندهم في القياس. فقال: هات قايسني! قلت: انا أقايسك؟ فقال: لتقولن بأشد ما تدخل فيه من القياس. فقلت له:

رجل ترك عبدا لم يترك مالا غيره و قيمة العبد ستمائة درهم و دينه خمسمائة درهم فأعتقه عند الموت كيف يصنع؟ قال: يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم و يأخذ الورثة مائة درهم.

فقلت: أ ليس قد بقي من قيمة العبد مائة درهم عن دينه؟ فقال: بلى: أ ليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء؟ قال: بلى. قلت: أ ليس قد أوصى للعبد بالثلث من المائة حين أعتقه؟ قال:

أن العبد لا وصية له انما ماله لمواليه. فقلت له: فان كان قيمة العبد ستمائة درهم و دينه أربعمائة؟

فقال: كذلك يباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة درهم و يأخذ الورثة مائتين و لا يكون للعبد شي ء قلت: فإن قيمة العبد ستمائة درهم و دينه ثلاثة مائة درهم؟ فضحك فقال: من ههنا اتى أصحابك جعلوا الأشياء شيئا واحدا و لم يعلموا السنة إذ استوى مال الغرماء و مال الورثة أو

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم

- ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 1، ص: 60

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 78- من أبواب كتاب الوصايا الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 61

كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتهم الرجل على وصيته و أجيزت وصيته على وجهها فالآن يوقف هذا فيكون نصفه للغرماء و يكون ثلثه للورثة و يكون له السدس «1» و التحقيق عدم دلالتها ايضا على نفى المالكية عنه، فان عدم إمضاء وصية العبد و كذا وصية الغير له حكم تعبدي ثبت من جانب الشارع و هو غير مستلزم لعدم مالكيته. نعم، قوله:

- عليه السّلام- في الخبر الأخير: «إنما ماله لمواليه» ظاهر في عدم مالكيته، و لكن هذا أيضا- في مقام الجمع- يحمل على ارادة عدم جواز التصرف له الا بإذن مولاه.

و منها الأخبار الدالة على أن من باع عبده و كان له مال فان كان المولى عالما به و لم يستثنه في البيع كان ذلك المال للمشتري و الا كان للبائع و هي:

1- عن جميل بن دراج عن زرارة قال: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: الرجل يشترى المملوك و له مال. لمن ماله؟ فقال: ان كان علم البائع ان له مالا فهو للمشتري، و ان لم يكن علم فهو للبائع «2» 2- عن زرارة عن ابى جعفر و ابى عبد اللّه- عليهما السلام في رجل باع مملوكا و له مال.

قال: ان كان علم مولاه الذي باعه ان له مال فالمال للمشتري، و ان لم يعلم به البائع فالمال للبائع «3» 3- ما عن أبى العلاء عن أبى عبد اللّه- عليه السلام- عن أبيه قال: من باع عبدا و كان للعبد مال فالمال للبائع الا

ان يشترط المبتاع، أمر رسول اللّه بذلك «4» 4- ما عن سالم عن أبيه قال: قال: رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله-: من باع عبدا و له مال فماله للبائع الا ان يشترط المبتاع «5» 5- ما عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا قال: فقال: المال للبائع إنما باع نفسه إلا ان يكون شرط عليه ان ما كان له من مال أو متاع فهو له «6» و الإنصاف ان هذه الطائفة من الأخبار أظهر ما في الباب من أدلة القول بعدم مالكيته

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 39- من أبواب كتاب الوصايا الحديث 5

(2) الوسائل- ج 2، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان

(3) الوسائل- ج 2، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان

(4) الوسائل- ج 2، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان

(5) الوسائل- ج 2، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان

(6) الوسائل- ج 2، الباب 7 من أبواب بيع الحيوان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 62

و لكن هي أيضا قابلة للحمل- في مقام الجمع- على ارادة كون تصرفاته في ماله متوقفة على اذن مولاه.

مضافا الى أنه يمكن الجمع- بين الطائفتين- بالترتب و الطولية ان يقال: ان العبد يملك ثم بعد ذلك ينتقل من ملكه الى ملك الولي ثم قد ظهر من جميع ما ذكرنا عدم التعارض بين الأخبار الواردة في المقام لقبولها الجمع، فلا يبقى مجال لحمل ما دل على مالكية العبد على التقية، لذهاب جماعة من العامة الى ذلك كما نقل مالك، و الشافعي في قوله القديم، و أهل الظاهر و احمد بن حنبل، فان الترجيح فرع المعارضة و قد عرفت عدمها.

مضافا الى ذهاب جماعة

أخرى منهم الى عدم مالكيته كأبي حنيفة، و الثوري، و إسحاق، و احمد، في إحدى الروايتين، و الشافعي في قوله الجديد، فحمل الطائفة الأولى على التقية ليس بأولى من حمل الطائفة الثانية عليها، ان لم نقل بأن حمل الطائفة الثانية عليها أولى لموافقتها لقول أبي حنيفة المعلوم شدة التقية منه.

و ايضا ظهر أنه لا وجه لترجيح الطائفة الثانية بموافقتها للكتاب، أعنى قوله تعالى:

[ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ وَ مَنْ رَزَقْنٰاهُ مِنّٰا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ.] «1» و قوله تعالى ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ شُرَكٰاءَ فِي مٰا رَزَقْنٰاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوٰاءٌ. «2»

فإنك قد عرفت عدم التعارض بين الأخبار الواردة حتى تصل النوبة إلى الترجيح بموافقة الكتاب، و الطائفة الثانية محمولة على ارادة نفى تسلط العبد في التصرف في أمواله استقلالا، و الآيتان الشريفتان ايضا لم تكونا ظاهرتان في المدعى حتى تكونا مرجحا أو مرجعا على تقدير تعارض الروايات و قد أثبتنا في بيع الفضولي عدم صحة الاستدلال بها على عدم مالكيته.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في إثبات مالكية العبد على الإطلاق، و لكن مع ذلك كله

______________________________

(1) سورة النحل:- الآية- 77.

(2) سورة الروم:- الآية- 27.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 63

فالإنصاف أن حمل بعض أخبار عدم مالكيته على الإطلاق كالطائفة الأخيرة من الأخبار على نفى التسلط بدون اذن المولى في غاية الاشكال.

و أما ما تقدم من الأخبار الدالة على مالكيته فكثير منها قابلة للمناقشة، فإن ما مر من الأخبار الدالة على أن من أعتق عبده و علم بأن له مالا و لم يستثنه كان المال لعبده و

الا كان للعتق لا يدل على مالكية العبد، لأن كون ماله له بعد العتق في خصوص صورة العلم حكم تعبدي، و من المعلوم أنه بعد العتق قابل للمالكية و لا يستلزم ذلك كونه قبل العتق أيضا قابلا لها كما لا يخفى.

نعم، ما فيها من نسبة المال الى العبد باللام ظاهرة في الملكية، و لكن حمل الطائفة الثانية على ارادة نفى التسلط الاستقلالي ليس بأولى من حمل ما في تلك الأخبار من نسبة المال الى العبد على ارادة ضرب من الاختصاص و الملابسة، ان لم نقل بأولوية الثاني لا ظهرية بعض اخبار نفى المالكية فيها.

فعلى هذا يمكن ان يقال: انه- و ان كان مقتضى إطلاق أدلة سببية الأسباب مالكية العبد على الإطلاق- لكنها مقيدة ببعض الأخبار التي هي كالصريح في نفى مالكية فنقول بمقتضى تلك الاخبار: أن كلما يكتسبه العبد فهو لمولاه و ليس هو مالكا له الا في موردين: (أحدهما) فاضل الضريبة، لصراحة ما مر من صحية عمر بن يزيد في مالكيته له فتقدم على اخبار عدم المالكية بالتخصيص. (و ثانيهما) ما وهبه المولى له أما عوضا عما أورده من الجنايات كما في موثق إسحاق بن عمار المتقدم الصريح أيضا في مالكيته له، أو مط كما يدل عليه صحيح محمد بن إسماعيل المتقدم لما فيه من تقرير ما فرضه السائل من هبة المولى مالا لام ولده. فهذان الخبران ايضا يقدمان على اخبار نفى مالكية العبد بالتخصيص.

فالمتحصل من الجمع بين جميع الأخبار هو قابلية العبد للمالكية فلو ملكه المولى شيئا ملكه، و كذلك يملك فاضل الضريبة و منافع ذلك يصير ملكا له بمقتضى أدلة سببية الأسباب للملك. و أما ما اكتسبه العبد بعمله فهو لمولاه بمقتضى

ظاهر كثير من الأخبار المقدم على إطلاق أدلة سببية الأسباب للملك بالأخصية.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 64

هذا، و يمكن أن يقال: ان الأخبار الدالة على نفى المالكية عنه و بعض الأخبار الدالة على قابليته لها كلتاهما قابلتان للحمل في مقام الجمع، و ليس حمل إحداهما بأولى من حمل الأخرى، فالمرجع إطلاق أدلة سببية الأسباب للملك التي لم تفرق فيها بين الحر و العبد، فتثبت مالكيته مط.

ثم أعلم انه استدل على عدم المالكية مع قطع النظر عن الأخبار بوجوه استحسانية يمكن المناقشة في جميعها قال في الجواهر: (و في الرياض انه الأشهر بين أصحابنا كما حكاه جماعة منا، و هو الظاهر من تتبع كلماتهم جدا حيث لم أقف على مخالف لهم في ذلك إلا نادرا للأصل في كثير من الموارد، مؤيدا بأنه مملوك فلا يكون مالكا لان مالكيته لغيره فرع مالكيته لنفسه، و بأن ما يكتسبه العبد من فوائد ملك المولى فيكون تابعا له، بل قيل: انه لا يعقل ملك المملوك على وجه يختص به دون مولاه لأن نفسه و بدنه و صفاته التي من جملتها سلطانه مملوكة، فسلطان السلطان غالب عليه. و اليه يرجع ما عن المختلف: من أنه لو ملك لما جاز للمولى أخذه منه قهرا و التالي باطل إجماعا).

و فيه: أن الأصل منقطع بما عرفت من الدليل على المالكية في الجملة أو مط، و التأييد- بأنه مملوك فلا يكون مالكا- صرف استحسان لا يصغى اليه، و أما عدم معقولية مالكيته فقد عرفت ما فيه، و أما غلبة سلطان المولى فإنما يوجب حجر العبد في تصرفاته و توقفها على رضى المولى دون عدم قابلية مالكيته كما لا يخفى، و كون ما يكتسبه العبد

من الفوائد ملك للمولى لا ينافي عقلا صيرورته مالكا فلا بد إذا من النظر الى الأخبار الواردة في المقام و قد عرفت أن المستفاد منها هو المالكية في الجملة أو مط.

و كيف كان لا يخفى أنه من التأمل في الروايات الواردة في هذه المسألة لظهر فساد ما توهم في المقام من عدم صلاحية الإطلاقات لدفع الشك الناشئ عن قابلية العبد للمالكية و عدمه، كما أنه لا مجال للتمسك بالأخبار التي تمسكوا بها للقول بعدم مالكيته مط، و هذا القول نسبه بعض إلى الأكثر و بعض الى المشهور و بعض ادعى الإجماع عليه، و كما أن من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 65

التأمل فيها، يتضح الحال في التفاصيل المذكورة في المسئلة و من أراد الاطلاع عليها فليراجع الجواهر و مفتاح الكرامة في باب لواحق بيع الحيوان.

(فائدة) لو قلنا بعدم قابلية العبد للمالكية- أصلا- أمكن ان يقال: إن الحرية في الحقيقة ليست شرطا على حدة بل اشتراطها راجع الى اشتراط الاستطاعة المالية، فعدم وجوب الحج عليه انما يكون من جهة عدم مالكيته للزاد و الراحلة لا من جهة كونه عبدا، لكن يمكن المناقشة في ذلك بأنه لو لم تكن الحرية شرطا على حدة للزم القول: بأنه لو بذل المولى لعبده جميع مصارف حجه وجب عليه الحج، لأنه حينئذ- و ان لم يكن مالكا لما يبذله له- لكنه يستطيع الحج بالاستطاعة البذلية، و هذا مناف لإطلاق أدلة عدم وجوب الحج على العبد، فيعلم من هذا أن الحرية شرط على حدة و ان قلنا بعدم مالكية العبد. نعم، لو قلنا بعدم مالكيته مطلقا فكون الحرية شرط على حدة أوضح.

[في اعتبار إذن المولى في صحة حج العبد]

قوله قده: (نعم لو حج بإذن مولاه صح بلا

إشكال.

لا ينبغي الكلام في ذلك و لكن يقع الكلام: في أنه هل يكون اذن المولى شرطا في صحة حجه فلو حج بدون إذنه لم يصح أولا؟ كأنه قد تسالم الأصحاب على اشتراطه فيها. و يمكن الاستدلال لذلك بوجهين:

(الأول)- عموم أدلة عدم استقلاله في أموره قال اللّه تعالى: (ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ) «1» فكل ما صدر عنه بغير اذن مولاه فهو بمنزلة العدم و حرام عليه.

و يمكن المناقشة في ذلك: بأنه و ان دلت الآية الشريفة، و الروايات على أنه لا يقدر على شي ء، و لكنها منصرفة إلى الأفعال، و الأعمال التي تعد تصرفا في سلطنة المولى فالدليل أخص من المدعى.

و اما إذا لم يكن موجبا لتصرفه فيها، فلا مانع منه، لعدم شمول الأدلة الدالة على حرمة عمله بدون الاذن له، فإنه يمكن ان يتفق عدم كون حجه تصرفا في سلطنة المولى،

______________________________

(1) سورة النحل: الآية- 77.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 66

كما إذا ذهب مولاه الى الحج و خرج العبد معه ليخدمه في طريقه الى البيت و لبس مع مولاه ثوبي الإحرام، فلا مانع من ان يعمل كيفما شاء من الأعمال و الأفعال و الأقوال، فإذا لا يلزم من إتيانه بالحج تصرف في سلطنة المولى لا من نيته، و لا من تلبيته، و لا من لبسه ثوبي الإحرام، و لا من كل شي ء من اعماله. و لو لم نقل بهذا الانصراف للزم ان يكون جميع ما يصدر منه- من الأفعال و الأقوال و غيرهما- متوقفا على اذن مولاه- حتى مثل الصلوات على محمد و آل محمد، و الصلاة ركعتين مستحبا- فلا يجوز له أمثال ذلك إلا بإذن مولاه و لم يلتزم

به أحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فالأقوى جواز كل ما يكون من هذا القبيل له كالنظر الى السماء مثلا، و التكلم بكلام لا يضر مولاه و نحوها. و عليه ثبوت الوفاق و الاتفاق قديما و حديثا، و السيرة المستمرة كما لا يخفى.

و لكن التحقيق أن الحج ليس مثل الصلوات على محمد و آل محمد و نحوها، و ليست الإطلاقات الدالة على حرمة فعله بدون اذن مولاه منصرفة عنه لعدم كون الحج بأدون من الطلاق الذي حكم الامام- عليه السلام-: فيه بأنه ليس له الطلاق بدون اذن مولاه، مستشهدا بقوله تعالى: «ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا. إلخ» فقال الراوي: «أ فشي ء الطلاق؟» قال- عليه السلام-: نعم، هذا و الإطلاقات انما تكون منصرفة عن الأمور التي تعد عرفا أمورا جزئية بحيث لا يقال لها شي ء، كالنظر الى السماء، و الى الأرض، و كمكالمته مع شخص، و كالصلوات على محمد و آل محمد، و كالأذكار و الأوراد الواردة في الشريعة، و نحو ذلك من الأمور. و اما الأمور الغير الجزئية- كالحج و نحوه مما ليس بأدون من الطلاق- فانصراف الإطلاقات عنها ممنوع.

(الثاني)- الأخبار الخاصة- الواردة في خصوص ما نحن فيه- منها:

1- عن آدم بن على عن أبي الحسن موسى- عليه السلام- قال: ليس على المملوك حج و لا جهاد و لا يسافر إلا بإذن مالكه «1».

و لكن يمكن المناقشة في هذا الخبر: بأن القدر المتيقن من الاستثناء المتعقب به

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 15- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 67

- الجمل المتعددة- هو رجوعه إلى الجملة الأخيرة، خصوصا مع تغيير العبارة فيها حيث قال: (و لا يسافر) و لم

يقل: (و لا سفر) فان هذا يصلح للقرينية على رجوع الاستثناء المذكور فيه الى الجملة الأخيرة.

2- عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليه السلام- قال: سألته عن المملوك الموسر اذن له مولاه في الحج هل عليه أن يذبح؟ و هل له أجر؟ قال: نعم. فإن أعتق أعاد الحج «1».

بتقريب: أن الظاهر من قوله: (المملوك الموسر اذن له مولاه في الحج) أنه كان اشتراط اذن المولى مسلما عنده و قرره الامام- عليه السلام- على ذلك. و هذا الحديث أيضا في الجملة قابل للمناقشة و بالتأمل تعرف.

3- عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: إن معنا مماليك و قد تمتعوا علينا ان نذبح عنهم؟ قال: فقال: المملوك لا حج له و لا عمرة و لا شي ء «2» هذا الحديث و ان كان ظاهره في بادى النظر بطلان حجه حتى مع الاذن لكن ظاهره غير مراد قطعا، فلا بد من حمله، و أقرب المحامل هو ان يقال أنه لا حج له بدون اذن المولى لا مع الاذن.

[في عدم إجزاء حج العبد و لو مأذونا]

قوله قده: (و لكن لا يجزيه عن حجة الإسلام.

هذا هو المشهور بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر: (بالإجماع بقسميه منا و من غيرنا). و في محكي المنتهى: (و هو قول كل من يحفظ عنه العلم). و يدل عليه جملة من الاخبار الواردة في المقام- منها:

1- عن مسمع بن عبد الملك عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- قال: لو أن مملوكا حج عشر حجج ثم أعتق كانت عليه حجة الإسلام إذا استطاع الى ذلك سبيلا «3».

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 16- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

(2) الوسائل- ج 2-

الباب 15- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(3) الوسائل- ج 2، الباب- 16- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 68

2- عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام قال: ان المملوك ان حج و هو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق فإن أعتق فعليه الحج «1» 3- عن ابان بن الحكم قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر، و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق «2» 4- عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليه السلام- قال: المملوك إذا حج ثم أعتق فإن عليه اعادة الحج «3» 5- عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم- عليه السلام- عن أم الولد تكون للرجل و يكون قد أحجها أ يجزي ذلك عنها من حجة الإسلام؟ قال: لا قلت لها أجر في حجها؟ قال: نعم «4» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

[في إجزاء حج العبد مأذونا لو انعتق قبل المشعر]

قوله قده: (لو حج باذن مولاه ثم انعتق قبل إدراك المشعر أجزأه عن حجة الإسلام.

قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع بقسميه كما في الجواهر، و يدل عليه جملة من الروايات الواردة في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: مملوك أعتق يوم عرفة؟ قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج «5».

2- خبر شهاب عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له؟ قال:- عليه السلام-: يجزى عن العبد حجة الإسلام، و يكتب للسيد أجران ثواب العتق و ثواب الحج

«6».

3- خبر عنه أيضا في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له أ يجزي عن العبد حجة الإسلام؟ قال: نعم «7».

4- عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- في مملوك أعتق يوم عرفة؟

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 16، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 2- الباب 16، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2.

(3) الوسائل- ج 2- الباب 16، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3.

(4) الوسائل- ج 2- الباب 16، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6.

(5) الوسائل- ج 2- الباب 17، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2.

(6) الوسائل- ج 2- الباب 17، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

(7) الوسائل- ج 2- الباب 17، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 69

قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج، و ان فاته الموقفان فقد فاته الحج و يتم حجه و يستأنف حجة الإسلام فيما بعد «1» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- و دلالتها على المدعى واضحة.

[يبقى الكلام في أمور]
[أحدها عدم اعتبار تجديد النية له بعد الانعتاق]

قوله قده: (هل يشترط في الاجزاء تجديد النية للإحرام بحجة الإسلام بعد الانعتاق، فهو من باب القلب أولا بل هو انقلاب شرعي؟ قولان مقتضى إطلاق النصوص الثاني و هو الأقوى.

هذه المسألة مبتنية على أنه هل يكون عنوان حجة الإسلام من العناوين القصدية التي يكون قصدها دخيلا في تحقق الماهية المأمور بها، نظير عنوان غسل الجنابة أو لا؟ فعلى (الأول) لا بد أن يقال باشتراط تجديد النية كما لا يخفى و (على الثاني) لا بد من القول بحصول الاجزاء و لو لم يجددها. بل يحصل الانقلاب

قهرا، أو نستكشف من انعتاقه قبل المشعر أن حجه كان حجة الإسلام من أول الأعمال.

و تنقيح البحث أن يقال: إن في عالم الثبوت كما يمكن أن يكون عنوان حجة الإسلام من العناوين القصدية، كذلك يمكن أن لا يكون منها، ففي عالم الإثبات لا بد من الرجوع الى الإطلاقات ان كانت، و إلا فإلى الأصول العملية. فنقول: إن ما تقتضيه إطلاقات النصوص المتقدمة الدالة على أنه إذا أدرك المشعر معتقا حصل الاجزاء هو عدم وجوب تجديد النية، فإنه لو كان قصد العنوان الخاص- و هو عنوان حجة الإسلام- معتبرا في الاجزاء و قيدا في تحقق الماهية المأمور بها، لكان اللازم على الشارع البيان، و حيث لم يبين تقيدها بشي ء فيستكشف عدم دخالته في ماهية الواجب و أنه يتحقق و لو اتى به بدونه. و على فرض عدم تمامية الإطلاقات يمكن إثبات عدم اعتبار تجديدها بمقتضى الأصل العملي و هو البراءة، فبمقتضاها يحكم بعدم وجوب تجديد النية.

فالحاصل: أن الأقوى في تنظر هو عدم اشتراط تجديد النية، فبعد الانعتاق ينقلب ما تلبس به ندبا الى حجة الإسلام قهرا و ليس عليه تجديدها كما أفاده المصنف (قده) فإذا ظهر

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 17، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 70

ضعف ما ذهب اليه صاحب الدروس (ره)، و بعض آخر من وجوب تجديدها لما عرفت آنفا.

[الثاني في اعتبار الاستطاعة للعبد المعتق قبل المشعر]

قوله قده: (هل يشترط في الاجزاء كونه مستطيعا حين الدخول في الإحرام، أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق، أو لا يشترط ذلك أصلا؟ أقوال. أقواها الأخير لإطلاق النصوص و انصراف ما دل على اعتبار الاستطاعة عن المقام.

اختار الأول: صاحب الدروس (ره) حيث قال فيها: (و

لو أعتق قبل الوقوف اجزء عن حجة الإسلام بشرط تقدم الاستطاعة و بقائها) و اختار الثاني: صاحب كشف اللثام (قده) حيث قال: (و من المعلوم أن الاجزاء عن حجة الإسلام مشروط بالاستطاعة عند الكمال). و اختار الثالث: صاحب المدارك- طاب ثراه- و قال بعدم اعتبار الاستطاعة أصلا لا سابقا و لا لاحقا، و جعله مما ينبغي القطع به، حيث قال: (و ينبغي القطع بعدم اعتبار الاستطاعة هنا مطلقا لإطلاق النص) و وافقه المصنف (قده) و صاحب الجواهر (ره) حيث حكم: بأن النصوص ظاهرة أو صريحة في إدراك حجة الإسلام بذلك و إن لم يكن مستطيعا).

يمكن أن يقال ان صرف انعتاقه قبل المشعر لا يكفي في صيرورة حجه حجة الإسلام، بل لا بد من تحقق سائر الشرائط أيضا له، فلو أعتق قبل المشعر لكنه لم يكن مستطيعا و واجدا للمال و حج متسكعا لم يجز حجه عن حجة الإسلام، و ذلك لإطلاق قوله تعالى: (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.) «1» و لإطلاق النصوص الدالة على اعتبارها في حجة الإسلام الشامل لمن كان حرا و من انعتق قبل المشعر فكما نقول بعدم اجزاء حج الحر عنها فيما إذا حج متسكعا فكذلك نقول بذلك في العبد المعتق قبل المشعر، لإطلاق الأدلة الدالة على اعتبارها فيها فحال العبد المعتق قبل المشعر حال سائر المكلفين من الأحرار في جميع ما يعتبر في حجة الإسلام بلا فرق.

و أما ما ذكره المصنف (قده): من انصراف الإطلاقات- الدالة على اعتبارها فيها عن العبد المعتق قبل المشعر- فممنوع، و على فرض ثبوته بدوي يزول بأدنى تأمل.

______________________________

(1) سورة آل عمران: الآية- 91.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 71

و أما ما

ذكره المصنف (قده): من إطلاق النصوص- الواردة في اجزاء حج المعتق قبل المشعر- ففيه: أن تلك النصوص انما وردت في مقام بيان أنه و ان كانت الحرية من شرائط حجة الإسلام و يعتبر فيها من أول الأعمال إلى آخرها، لكن يكفي تحققها من حين الوقوف بالمشعر. و ليست في مقام البيان من حيث تحقق سائر الشروط و عدمه حتى يقال بمقتضى إطلاقها بالاجزاء مطلقا فما ذكره (قده)- من عدم اشتراط الاستطاعة في اجزاء حجة- ضعيف و لا يمكن المساعدة عليه. و يتلوه في الضعف القول بكفاية الاستطاعة من حين الانعتاق و هو القول الثاني الذي أفاده كاشف اللثام (قده) (و وجه الضعف) أن الدليل على اشتراط الاستطاعة في العبد المعتق قبل المشعر ليس إلا إطلاق أدلة اشتراط الاستطاعة في حجة الإسلام كما عرفت. و من الواضح: أن إطلاق أدلة اشتراطها إنما يدل على اشتراط ثبوتها من أول الأعمال إلى آخرها- بحيث لو فقدت في جزء منها لم يجز عنها لا من حين الانعتاق. فان قلنا بانصراف إطلاقها عن العبد المعتق قبل المشعر كما ذهب اليه المصنف قدس سره، فلا بد من القول بعدم اشتراط الاستطاعة في حقه حتى من حين الانعتاق و ان قلنا بعدم الانصراف فلا بد من القول باشتراطها من أول الأعمال إلى آخرها فعلى هذا لا يبقى مجال لما أفاده صاحب كاشف اللثام و هو القول باشتراطها من حين الانعتاق فظهر مما ذكرنا أن الأقوى في النظر هو القول الأول.

ثم لا يخفى: أنه يكفي في اجزاء حجه عن حجة الإسلام كونه مستطيعا من الميقات و لا يشترط استطاعته من البلد لأن طي الطريق الى الميقات ليس داخلا في الحج لا شرطا و

لا شطرا و انما هو مقدمة وجودية لا أثر لاقترانها بالاستطاعة و عدم اقترانها بها فيكفي تحققها من أول الأعمال كما لا يخفى. و لا فرق في جميع ما ذكرنا بين أقسام الحج من التمتع و القران و الافراد فإن الكلام في كل واحد منها عين الكلام في الآخر و دليل الاجزاء مطلق و يشمل جميع الأقسام الثلاثة.

[المسألة الأولى في جواز رجوع المولى عن إذنه و عدمه]

قوله قده: (إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبس به، ليس له أن يرجع في إذنه لوجوب الإتمام على المملوك، و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 72

هذه المسألة مبتنية على أن إذن المولى شرط في صحة حجه، حدوثا فقط، أو حدوثا و بقاء؟ فعلى (الأول) ليس له الرجوع عن إذنه، و لا تأثير لرجوعه عنه، لوجوب الإتمام عليه لأن المفروض تحقق الشرط و هو الإذن حدوثا، و (على الثاني) له الرجوع و إذا رجع بطل حجه، لفقدانه شرط الصحة و هو وجود الإذن بقاء. و هل يبطل من حينه، أم من أصله؟ فيه احتمالان. و يتفرع عليهما أمران:

(الأول)- انه لو قلنا ببطلان حجه من أصله، بصرف رجوع المولى عن الإذن فلا يحرم عليه محرمات الإحرام لكشف رجوعه عن إذنه عن عدم كونه محرما من الأول و اما إذا قلنا ببطلان حجه من حينه فهو باق على إحرامه فيجب عليه الاجتناب عما يحرم على المحرم من محرمات الإحرام إلى أن يموت أو يعتق، فيأتي بتمام الحج أو يأذن له المولى فيتم إحرامه.

(الثاني)- أنه على القول ببطلان حجه من أصله لا يترتب على ارتكابه لمحظورات الإحرام كفارة. و اما على القول ببطلانه من حينه، فلا إشكال في ترتبها إذا ارتكبها لبقاء إحرامه. (و

من هنا) يشكل القول بجواز رجوعه عن إذنه، ان قلنا ببطلان حجه من حينه. لأن وجوب اجتنابه عن محظورات الإحرام حرج عظيم عليه، خصوصا لو قلنا بثبوت الكفارة عليه، لا على مولاه.

هذا كله بناء على شرطية الإذن في صحة حجه. و اما بناء على مانعية نهيه فبرجوعه عن إذنه لا يبطل حجه لكن لو نهاه تأتى فيه جميع الاحتمالات السابقة، من أنه يبطل حجه من حينه، أو من أصله، أو يكون حجه صحيحا و عليه الإتمام. هذه غاية ما يتصور من المحتملات في المسألة. و لنذكر أولا ما يقتضيه الأصل في المسألة، لنرجع اليه، عند الشك و عدم إمكان استظهار أحد الاحتمالات السابقة من الدليل فنقول:

لا إشكال في أنه مهما شككنا في وجوب الإتمام عليه، كان مقتضى الأصل البراءة.

سواء كان منشأ الشك في ذلك الشك في كون الاذن شرطا حدوثا فقط، أو حدوثا و بقاء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 73

أم كان منشأ الشك في أنه هل الإذن شرط في صحة حجه، أو المنع مانع عنها، كما أن مقتضى الأصل هو البراءة عن الحرمة و الكفارة، فيما إذا شككنا في أنه برجوعه عن إذنه هل يبطل حجه من حينه، حتى يقال ببقائه على إحرامه، و حرمة محظورات الإحرام عليه، و ثبوت الكفارة لو ارتكبها. أو يبطل من أصله حتى يقال بعدم حرمة محظورات الإحرام عليه، و عدم ترتب الكفارة على ارتكابها، لأنه يستكشف برجوع المولى عن إذنه، عن أنه لم يكن محرما من أول الأمر بناء على القول بارتباطية مناسك الحج و جزئية الإحرام للأعمال لا شرطيته لها كالوضوء للصلاة. و كيف كان فالأصل في المسألة متحد من حيث النتيجة، مع القول باشتراط الإذن

حدوثا و بقاء، و بأنه بمجرد رجوعه عن إذنه يستكشف بطلان إحرامه من أول الأمر بناء على القول بالجزئية كما تقدم. فان قام دليل تعبدي على خلاف الأصل، فترفع اليد عن مقتضاه، و إلا فلا بد من العمل على طبقه.

و ما يمكن أن يجعل دليلا على خلافه هو قوله- عليه السلام-: (لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق). و لا شك في أنه مع قطع النظر عن لزوم إطاعة المولى على العبد كان المتعين عليه إتمام حجه، فلو رفع اليد عن ذلك من جهة إطاعة مولاه، كان ذلك إطاعة للمخلوق في معصية الخالق. فيجب عليه الإتمام، لأنه لا يزاحم رضى المخلوق مع رضى المولى الحقيقي فلا أثر لرجوع المولى عن إذنه لوجوب الإتمام عليه كما أنهم ذهبوا إلى عدم جواز رجوع من يشترط إذنه عن إذنه في بعض الفروع التي لم يرد فيه دليل تعبدي بالخصوص، بل الظاهر أن الدليل فيها منحصر في قوله- عليه السلام-: (لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق)- منها:

1- ما إذا أذن شخص لأحد أن يدفن ميتة في ملكه و دفن، فليس له بعد الدفن الرجوع عن إذنه، لحرمة النبش المستلزم لهتك المؤمن.

2- ما إذا أذن لأحد أن يصلى في ملكه، فشرع في الصلاة، فليس له أيضا الرجوع عن إذنه لحرمة قطع الصلاة. و كيف كان فالدليل على خلاف الأصل في المحل المفروض منحصر في قوله: (لا طاعة للمخلوق. إلخ).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 74

و لكن هذا الدليل قابل للمناقشة. بيان ذلك: أنه لا إشكال في أن الظاهر من الأدلة العامة- الدالة على أن العبد كَلٌّ عَلىٰ مَوْلٰاهُ لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ- أنه يجب عليه أن يكون كالمحبس في يد المولى

و ليس له الاكتفاء بصرف عدم منعه له عن العمل الفلاني ما لم يكشف ذلك عن رضائه به، بل اللازم عليه الاستئذان منه في غير ما مر استثناؤه سابقا من مثل الصلوات على محمد و آل محمد مما يكون الدليل منصرفا عنه. و كذلك الظاهر من تتبع الأخبار الخاصة- الواردة في المحل المفروض- أنه يكون إذن مولاه شرطا لصحة حجه، لا أن منعه مانع. هذا. و لو أغمضنا النظر عن قوله: (لا طاعة. إلخ) فلا إشكال في أن مقتضى الأدلة العامة اشتراط الإذن في صحة حجه حدوثا و بقاء لأن المستفاد منها هو وجوب كونه مطيعا لمولاه في جميع الآنات و عدم اختصاصه بآن دون آن كما لا يخفى. فمقتضى تلك الأدلة هو أنه مهما رجع المولى عن اذنه في عمل فليس له المضي فيه و إتمامه فلا بد له من رفع يده عنه سواء كان حجا أم غيره من الأعمال التي شرع فيها باذنه، و لا موجب للإغماض عن ذلك سوى قوله: (لا طاعة.)، و أنت خبير بأن صارفيته مستلزم للدور لأنه لو كان الإذن شرطا حدوثا و بقاء و رجع المولى عن أذنه في أثناء الأعمال لم يكن رفع يده عن إتمام الأعمال معصية للخالق، فكون ذلك معصية موقوف على عدم اشتراط اذنه بقاء فإثبات عدم اشتراط الإذن بقاء بذلك يستلزم الدور كما لا يخفى. و (بعبارة أخرى) أن الكبرى و هي أنه (لا طاعة.)

مسلمة لكن الصغرى ممنوعة لأن انطباقها على المورد غير معلوم، و على هذا فمقتضى القاعدة جواز رجوع المولى عن اذنه، و لكنه مع ذلك لا يمكننا القول به، لأن الظاهر تسالم الأصحاب على خلافه فلا أقل من الاحتياط.

هذا و

الحاصل: أن ما افاده (قده)- من عدم جواز رجوع المولى عن اذنه بعد تلبس العبد بالإحرام- إنما يتم بناء على القول بوجوب إتمام العمل عليه شرعا، و هو ايضا موقوف على القول بكفاية مجرد الإذن في صحة العمل حين شروعه فيه بحيث كان شروعه مع الاذن في العمل كافيا في صحة العمل و الحكم بوجوب الإتمام عليه و عدم دخل الإذن في صحة العمل في كل جزء، جزء منه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 75

و لكن انى لنا إثبات ذلك بعد عدم قيام دليل تعبدي عليه. و من الواضح أن مع عدم وجوب الإتمام عليه لا يبقى مجال للتمسك بمثل (لا طاعة. إلخ) و ذلك لعدم انطباق هذه الكلية على المورد كما لا يخفى.

نعم بناء على القول بأن المناسك عبارة عن اعمال مستقلة لا من المركبات الارتباطية فحينئذ كل عمل أتى به العبد مع الإذن يقع منه صحيحا و ما أتى به بدون الإذن فلا لعدم انطباق المأمور به عليه، فعليه لا موجب لإتيانه بتمام العمل بعد رجوع المولى عن إذنه.

و قياس المقام بالحج الفاسد- مضافا الى أن المراد منه هو الحج الناقص الفاقد للكمال كما هو قضية كونه حجة الإسلام و أن ما هو الواجب عليه في العام القابل إتيانه هو العقوبة و كفارة لما ارتكبه قبل أعمال منى بالتفصيل الذي سيأتي في محله- إنشاء اللّه تعالى- قياس محض بل هو قياس مع الفارق كما هو واضح.

هذا و لكن يمكن أن يقال: إن الظاهر من قوله- عليه السلام-: (لا طاعة للمخلوق. إلخ)، هو أن كل عمل كان بطبعه الاولى و بعنوانه الأولى- أعنى مع قطع النظر عن اطاعة المخلوق- معصية لا يكون عنوان اطاعة

المخلوق مجوزا له. مثلا، ترك صوم شهر رمضان أو ترك الصلاة الواجبة مع قطع النظر عن اطاعة المخلوق معصية، فإذا صار ذلك معنونا بعنوان اطاعة المخلوق كما إذا أمر المولى بتركهما لم يكن هذا العنوان مجوزا للترك و مخرجا له عن كونه معصية. و من المعلوم أيضا- أن العبادات على أنحاء ثلاثة:

لأنه (تارة): تكون واجبة ابتداء و استدامة، كالصوم في شهر رمضان و الصلوات الخمس اليومية. و (اخرى): لا تكون واجبة لا ابتداء و لا استدامة كالصلاة المستحبة.

و (ثالثة): لا تكون واجبة ابتداء، و لكن تجب استدامة و إتماما، كما في الحج لأنه بالنسبة الى حالة الشروع مستحب و بالنسبة الى حالة البقاء و الاستمرار واجب.

فان كانت العبادة من النحو الأول، فلا إشكال في أنه يتأتى فيها قوله: لا طاعة. إلخ، لما عرفت من أن كل عمل كان بطبعه الأولى واجبا فعنوان إطاعة المخلوق لا يغيره عن ذلك فيجب عليه الإتيان بها استدامة من دون اعتبار إذن أحد فيها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 76

و إن كانت من النحو الثاني: فلا إشكال في أنه لا يتأتى فيها قوله- عليه السلام-: (لا طاعة. إلخ) فلو ترك الصلاة الاستحبابية إطاعة لمولاه لم يكن ذلك تقديما لرضى المخلوق على رضاء الخالق.

و إن كانت من النحو الثالث: فلا إشكال في أنه بالنسبة الى حالة الشروع ملحق بالقسم الثاني و أما بالنسبة الى حالة البقاء و الاستمرار فهو ملحق بالقسم الأول، لأن الإتمام يكون بطبعه الاولى واجبا، و قد عرفت أن كل ما يكون بطبعه الاولى واجبا لا يغيره عن ذلك عنوان اطاعة المخلوق. إذا عرفت ذلك، فنقول:

لا إشكال في أنه لو لا لزوم إطاعة المولى على العبد لكان عليه

إتمام حجه فإتمام حجة عليه بطبعه الأولى أي مع قطع النظر عن لزوم الإطاعة واجب و تركه بطبعه الأولى معصية، و قد دل قوله (لا طاعة. إلخ) على ذلك. و بينا: دلالتها على ذلك فثبت أن انتفاء اذن المولى بل و صدور النهى منه لا يكون مجوزا لأن يرفع يده عن إتمام حجه، و لا يرد على هذا التقريب ما ذكرناه سابقا من لزوم الدور، فإن وجوب الإتمام بطبعه الأولى و مع قطع النظر عن إطاعة المخلوق مما لا ريب فيه، و لا يكون متوقفا على شي ء حتى يستلزم الدور.

و لكن هذا التقريب إنما يتم لو سلمنا كون الإذن شرطا حدوثا و بقاء و كان ارتفاع الاذن في الأثناء موجبا لبطلان العمل من حينه و أما لو قلنا: إن الاذن شرط حدوثا و بقاء و لكن كان ارتفاعه في الأثناء كاشفا عن البطلان من أصله، فلا يتأتى هذا التقريب، و ذلك لأن الكبرى و هي وجوب الإتمام بطبعه الأولى و ان كانت مسلمة و لكن الكلام في الصغرى و من البديهي أنه بناء على اعتبار الإذن في صحة حجه حدوثا و بقاء الى آخر العمل و كون اعمال الحج من المركبات الارتباطية- بحيث لو ترك شي ء منها عمدا يبطل الحج كما في بعض أفعال الحج أو عمدا و سهوا و عن غير اختيار كما في بعض آخر و لذا قيل: بأنه بناء على جزئية الإحرام للحج يحكم بخروجه عن الإحرام لبطلانه ببطلان الحج. نعم بعض اعمال الحج يكون من قبيل الواجب في واجب كما سيجي ء تفصيل ذلك كله في محله عند تعرض المحقق- طاب ثراه- في الشرائع إنشاء اللّه تعالى- فلا يمكن توجيه ما أفاده

(قده) إلا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 77

بمنع اعتبار اذن المولى بقاء و القول باعتبار إذنه حدوثا فقط فإذا دخل في العمل مشروعا يحكم بوجوب الإتمام عليه فعليه لا يمكنه منعه من ذلك، و لكن لا لما قيل من إتمام الحج الفاسد قياسا بما ورد في ارتكاب بعض المحرمات على المحرم في وقت مخصوص لما عرفت من أنه قياس.

قوله قده: (نعم لو أذن له ثم رجع قبل تلبسه به لم يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه و إذا لم يعلم برجوعه و تلبس به هل يصح إحرامه و يجب إتمامه أو يصح و يكون للمولى حله، أم يبطل.؟ وجوه، أوجهها الأخير.

لا إشكال في ما ذكره (قده) من عدم جواز تلبسه بالإحرام، إذا علم برجوع المولى عن إذنه قبل الإحرام. إلا إذا قلنا بمانعية نهى المولى لا شرطية إذنه فحينئذ يتجه أن يقال: إنه إنما يحرم عليه أن يتلبس بالإحرام لو نهاه المولى و علم بنهيه. و أما صرف رجوعه عن إذنه فلا يوجب حرمة الإحرام عليه. لكنك قد عرفت أن التحقيق شرطية الإذن لا مانعية النهى.

و أما إذا لم يعلم برجوع المولى عن إذنه فأحرم، فهل يصح إحرامه أم لا؟ إن قلنا بمانعية نهيه، فقد عرفت إن صرف رجوعه عن إذنه لا يوجب بطلان حجه. و إن قلنا إن الإذن شرط، فيتجه بطلان إحرامه، لفقد شرط الصحة و هو الإذن. لكن ذهب صاحب الجواهر (ره) إلى الصحة حيث قال ما لفظه: (لو رجع السيد قبل التلبس و لم يعلم العبد به حتى أحرم، وجب الاستمرار في أقوى الوجهين، لأنه دخل دخولا مشروعا، فكان رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف و لم يعلم الوكيل،

فما عن الشيخ- من أنه يصح إحرامه و للسيد ان يحله- واضح الضعف.).

و فيه: أنه و ان كان دخوله في الإحرام مشروعا،- إما لأنه كان معتقدا ببقاء الإذن، أو لأنه كان مقتضى الاستصحاب بقائه- لكن الإذن شرط واقعي لصحة إحرامه و لا دخل لعلم العبد و جهله في ذلك، فإنه إذا قام دليل على شرطية شي ء، فظاهره الشرطية الواقعية، إلا أن يكون هناك قرينة متصلة أو منفصلة على أنه شرط على و هما مفقودان فيما نحن فيه، فالإذن ليس شرطا علميا لصحة إحرامه حتى يقال بصحة حجه في صورة جهله

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 78

برجوع المولى عن إذنه بل هو شرط واقعي، فالتحقيق هو البطلان.

و أما صحة تصرفات الوكيل قبل علمه برجوع الموكل عن التوكيل فإنما هي لأجل نصوص خاصة وردت في ذلك الباب. منها:

1- عن معاوية بن وهب و جابر بن زيد، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنه قال:

من وكل رجلا على إمضاء أمر من الأمور، فالوكالة ثابتة أبدا حتى يعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها «1». و غير ذلك من الأخبار. و لا يمكننا التعدي من باب الوكالة إلى غيره لكون الحكم على خلاف القاعدة، فلا بد من الاقتصار على موردها. نعم، إذا حصل لنا تنقيح المناط القطعي أو قام دليل تعبدي على جواز التعدي فيمكن تسرية الحكم منها الى مفروض المسألة و لكن كليهما غير حاصل، فلا يخرج ذلك عن كونه قياسا. ثم، لو سلمنا صحة إحرامه لأنه تلبس بالإحرام على وجه مشروع- كما أفاده صاحب الجواهر (ره)- فهل للمولى حله كما أفاده الشيخ (ره) أم لا؟ التحقيق: أنه مع تسليم صحة إحرامه يكون الأمر كما إذا رجع

المولى عن إذنه بعد تلبس العبد بالإحرام فيتأتى فيه جميع ما قلنا في المسألة السابقة، لأنه بعد تسليم صحة إحرامه لا وجه للتفصيل بين المسئلة المفروضة و بين المسألة السابقة.

[المسألة الثانية صحة بيع المملوك المحرم]

قوله قده: (يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم باذنه و ليس للمشتري حل إحرامه.

هذا مما هو المعروف بين الفقهاء قديما و حديثا.

و في المدارك: (لو أحرم العبد باذن مولاه ثم باعه صح البيع إجماعا.). و في الجواهر: (للمولى بيع العبد في حال الإحرام قطعا.).

و كذا كلام غيرهما من الفقهاء. و لا كلام لنا فيه، لعدم ورود دليل خاص تعبدي على مانعية الإحرام عن صحة البيع، و ليس إحرامه مانعا عن التسليم كي يقال ببطلان البيع من جهة فقدان شرط التمكن من التسليم فنتمسك في الحكم بصحة البيع بالإطلاقات كقوله تعالى (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ)، و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و غير ذلك. و بالجملة أصل صحة

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 1- من كتاب الوكالة الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 79

البيع مما لا إشكال فيه.

ثم إن كان المشترى عالما بذلك فلا خيار له. و لكن إذا كان جاهلا كان له الخيار بناء على ما مر من عدم بطلان حجه بانتفاء إذن المولى، و ليس للمولى حله فيكون حال العبد الواجب عليه إتمام الحج كحال العبد الذي آجره مولاه لعمل قد بقي منه شي ء يسير و اما بناء على القول ببطلان حجه، بانتفاء إذن المولى فلا خيار له، لبطلان حجه لعدم تحقق الإذن من المولى الثاني. كما أنه بناء على القول: بأن للمولى حله لم يكن له الخيار أيضا، لتمكنه من الحل، فلا يتوجه اليه ضرر، فينحصر ثبوت الخيار فيما إذا قلنا بعدم بطلان حجه بانتفاء إذن

المولى و أنه ليس له الحل، فحينئذ له الخيار مع طول الزمان الموجب لتضرره و فوات بعض منافعه. و أما إذا كان الزمان قصيرا، بحيث لم يكن في البين ضرر و فوات حق لم يكن له الخيار، و المدار في قصر الزمان و عدمه هو نظر العرف. فان كان الزمان بحيث لا يتساح فيه العرف أعم من أن يكون قصيرا أو طويلا يثبت له الخيار. و أما إذا كان الزمان قصيرا بنظره بحيث لا يرى فيه ضررا من جهة قصره فلا خيار له.

ثم إنه قد أثبتنا في محله: أن الخيار في أمثال هذا الموارد ليس عبارة عن حق ثابت بقاعدة لا ضرر، بل هو في الحقيقة يرجع الى أن تمام البيع يكون برضى المشترى و الجاهل لم يكن راضيا بذلك لمكان الشرط الضمني، فإن تعقب الرضى تم البيع. و إلا فلا.

[المسألة الرابعة في كفارات العبد]

قوله قده: (إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفارة، فهل هي على مولاه أو عليه و يتبع بها بعد العتق، أو ينتقل الى الصوم فيما فيه الصوم مع العجز، أو في الصيد عليه، و في غيره على مولاه؟ وجوه: أظهرها كونها على مولاه.

قد وقع الخلاف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- في ذلك، فذهب بعضهم كصاحب الجواهر (ره) الى ثبوتها على العبد مطلقا، صيدا كان أو غيره حيث قال:

(للأصل السالم عن المعارض المعتضد بظاهر قوله تعالى وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ.)

و ذهب بعض آخر كصاحب المعتبر (قده) الى ثبوتها على مولاه مطلقا، حيث قال على ما حكاه صاحب المدارك: (ان جناياته كلها على السيد لأنها من توابع إذنه في الحج. و لما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 80

رواه الشيخ، و

ابن بابويه- رضى اللّه عنهما- في الصحيح عن حريز عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-، قال: كلما أصاب العبد و هو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له في الإحرام) «1». و ذهب ثالث منهم كالمفيد- رحمه اللّه- الى التفصيل بين الصيد و غيره في الحكم بثبوت كفارة الصيد على مولاه، دون باقي الكفارات. على ما حكاه صاحب المدارك.

و كيف كان فتحقيق المسألة موقوف على بسط الكلام في مقامين: (المقام الأول) في البحث عن ثبوت كفارات العبد على المولى مطلقا، صيدا كان أو غيره، و عدمه. (المقام الثاني) في أنه بعد فرض عدم كون كفاراته على مولاه هل تكون خصوص كفارة الصيد على المولى أولا؟.

أما الكلام (في المقام الأول) فنقول: لا اشكال أن مقتضى القاعدة بحسب الإطلاقات الواردة- الدالة على أن المحرم إذا ارتكب أحد محظورات الإحرام كان عليه الكفارة- هو ثبوتها على العبد دون المولى، كما أفاده صاحب الجواهر (ره) و ذلك لانه المحرم، و هو الذي أتى بموجبها. و لم يكن مولاه محرما و لا مرتكبا للمحظورات حتى يحكم بثبوت الكفارة عليه، هذا كله بحسب مقتضى القاعدة، و يقع الكلام في أنه هل ورد دليل في خصوص العبد على أن كفاراته على المولى مطلقا حتى ترفع اليد عن مقتضى القاعدة أولا؟

فنقول: ما يمكن الاستدلال به على ذلك وجوه:- (الأول)- ما مر في كلام صاحب المعتبر (قده) من قوله: (لأنها من توابع إذنه في الحج). و فيه: منع كونها كذلك فان اذن المولى له في الحج ليس إذنا له في ارتكاب المحظورات حتى تكون كفاراتها من توابعه كيف و من الممكن أن يكون قد أذنه في الحج و لم يكن راضيا بارتكابه

المحظورات بل يسخط عليه بذلك. ثم، بعد فرض كون إذنه له في الحج إذنا في ارتكابه لها، نقول: لا يستلزم ذلك أيضا ثبوت الكفارة عليه، فان ارتكابه لها ليس مسببا توليديا لفعله، و الموضوع المأخوذ في لسان الأدلة هو المحرم المرتكب

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 56- من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 81

لمحرمات الإحرام، و هذا العنوان انما يكون منطبقا على العبد دون المولى كما لا يخفى.

(الثاني) أنه بناء على عدم قابليته للمالكية، فلا مال له حتى يقال بثبوت الكفارة عليه و من المعلوم ثبوت كفارة في ارتكابه المحظورات، فهي على مولاه.

ان قلت: مع عدم تمكنه من أداء الكفارة ينتقل فرضه الى الصوم، و ليس على مولاه شي ء.

قلت: (أولا): ليس الصوم بدلا عن جميع كفارات الحج، و إنما ثبت بدليته عن بعضها.

و (ثانيا): أنه كما لا يتمكن من أداء الكفارة كذلك لا يتمكن من الصوم فيما إذا منعه المولى، فإن إذنه له شرط في صحة صومه.

و فيه: (أولا): منع أصل المبنى فإنه قد أثبتنا سابقا في صدر المبحث مالكيته.

و (ثانيا): لو سلمنا ذلك أو فرض عدم تمكنه من أداء الكفارة لأجل عدم وجود المال حينئذ ففيما يكون الصوم بدلا عنها لا بد له من أن يصوم و ليس للمولى منعه، فإنه (لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق).

و (ثالثا): لو فرضنا عدم تمكنه من الصوم أيضا لأجل منعه المولى، تبقى الكفارة في ذمته، يتبع بها بعد العتق و لا وجه لانتقالها إلى ذمة المولى.

و (رابعا): أنه لو فرضنا عدم تمكن العبد من إعطاء الكفارة، و لا الصوم الى آخر العمر، فيتجه القول بسقوط التكليف منه لانتفاء شرط الخطاب

و هو القدرة و لا معنى لانتقالها إلى ذمة المولى (بدعوى) العلم بثبوت كفارة في البين، و أى ربط للمولى بتكليف عبده الذي كان عاجزا عنه.

(الثالث):- ما مر من صحيحة حريز في كلام صاحب المعتبر (ره) في صدر المبحث و هو قوله- عليه السلام- كلما أصاب العبد و هو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له في الإحرام، (بدعوى) أن إطلاقه يشمل الصيد و غيره. و فيه: أن صحيح حريز ورد على نحوين: (أحدهما) ما تقدم و هو قوله: «كلما أصاب العبد و هو محرم. إلخ» و (ثانيهما): «المملوك كلما أصاب الصيد. إلخ» و لم يثبت كونهما روايتين و لا حجة لنا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 82

على ذلك، فمن المحتمل كونهما رواية واحدة اختلفت النسختان منها. و من المعلوم أنها بناء على النسخة الثانية لا تشمل غير الصيد و لم يثبت أن الصحيح هي النسخة الأولى، و إن أمكن تقويتها بأنها ذكرت في الاستبصار، و الفقيه، و الكافي، بخلاف النسخة الثانية المذكورة في خصوص الاستبصار.

هذا مضافا الى تعدد سند النسخة الأولى بخلاف الثانية، لكن هذه كلها ليست أمارة قطعية على أنه على فرض كونهما رواية واحدة، فالصحيح هي النسخة الأولى دون الثانية.

و على أنه بناء على النسخة الأولى أيضا شمول قوله- عليه السلام-: (كلما أصاب العبد و هو محرم. إلخ) لغير الصيد غير معلوم. و لا يبعد كونه مجملا، ان لم نقل إن الظاهر منه خصوص الصيد.

(الرابع):- حديث محاجة أبي جعفر- عليه السلام- في مجلس المأمون مع يحيى ابن أكثم و هو كما في الاحتجاج عن الريان بن شبيب في حديث: أن القاضي يحيى بن أكثم استأذن المأمون أن يسئل أبا

جعفر الجواد- عليه السلام- عن مسألة: فأذن له فقال: ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال أبو جعفر- عليه السلام-: قتله في حل أو حرم؛ عالما كان المحرم أم جاهلا؛ قتله عمدا أو خطأ؛ حرا كان المحرم أو عبدا؛ صغيرا كان أو كبيرا؛ مبتدأ بالقتل أم معيدا؛ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيره؛ من صغار الصيد كان أم من كبارها مصرا كان أو نادما؛ في الليل كان قتله الصيد أم بالنهار؛ محرما كان بالعمرة إذ قتله أم بالحج كان محرما؟ فتحير يحيى بن أكثم. الى أن قال فقال المأمون لأبي جعفر- عليه السلام-: إن رأيت جعلت فداك تذكر لنا الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم! لنعلمه و نستفيده: فقال أبو جعفر: إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير و كان الطير من كبارها، فعليه شاة. و إن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، و إذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل فطم من اللبن، و إذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ. و إن كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة. و إن كان نعامة فعليه بدنة. و إن كان ظبيا فعليه شاة و إن كان قتل من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة. و إذا أصاب المحرم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 83

ما يجب عليه الهدى فيه و كان إحرامه بالحج نحره بمنى، و إن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة و جزاء الصيد على العالم و الجاهل سواء، و في العمد عليه المآثم و هو موضوع عنه في الخطأ. و الكفارة على الحر في نفسه، و على

السيد في عبده، و الصغير لا كفارة عليه و هي على الكبير واجبة و النادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة و المصر يجب العقاب في الآخرة «1» و الشاهد على المدعى قوله- عليه السلام- في ذيله: (و الكفارة على الحر في نفسه و على السيد في عبده) و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الصيد و غيره، فيحكم بثبوت كفارات العبد على المولى مطلقا. و (فيه): أن هذا الحديث من أوله الى آخره وارد في خصوص الصيد و لا يبقى لهذه الجملة الواقعة في أثناء الحديث ظهور في الإطلاق، كما لا يخفى.

نعم، رواه في تحف العقول مرسلا و زاد فيه شيئا يكون قرينة على أن هذه الجملة مطلقة تشمل غير الصيد و إن كان أصل الحديث واردا في خصوص الصيد، و هو قوله- عليه السلام-: (.، و كلما أتى به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شي ء عليه إلا الصيد، فان عليه فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم، بخطإ كان أم بعمد، و كلما أتى به العبد فكفارته على صاحبه مثل ما يلزم صاحبه، و كلما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شي ء عليه، فان عاد فهو ممن ينتقم اللّه منه. إلخ) «2». فذكره- عليه السلام- الحكم الكلى بقوله: «و كلما أتى به المحرم»- ثم استثنائه عنه الصيد- قرينة على أن قوله: (و كل ما أتى به العبد. إلخ) أيضا ليس مختصا بالصيد. فيحكم بثبوت كفاراته كلها على مولاه مطلقا صيدا كان أو غيره لكن قوله- عليه السلام- «فهو ممن ينتقم اللّه منه» صالح للقرينية على الخلاف، فإنه بحسب الظاهر إشارة إلى قوله تعالى: (وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ) «3» الواردة في خصوص الصيد، فهو

قرينة على أن قوله: «و كلما أتى به العبد. إلخ»، وارد في خصوص الصيد.

هذا مضافا الى أن ما زاده في تحف العقول- الذي قلنا إنه قرينة على عدم اختصاص الحكم بالصيد- لم يذكر في سائر النسخ و انما هو مذكور في تحف العقول. و ما قيل: من

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 3- من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 2، الباب 3- من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 2.

(3) سورة المائدة: الآية- 97.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 84

أنه مهما دار الأمر بين الزيادة و النقيصة فمقتضى الأصل حصول النقص لا الزيادة- لوقوع الاشتباه غالبا في النقص لا الزيادة- ليس إلا صرف استحسان لا يمكن الاتكاء عليه و لا يورث الاطمئنان بذلك حتى يكون حجة.

هذا كله مع ما عرفت من أن تحف العقول إنما ذكر الحديث مرسلا بل هذا الحديث و إن ذكره جماعة، لكن كلهم نقلوه عن الريان بن الشبيب مرسلا. و في تحف العقول أسقط ذكر الريان أيضا. و رواه بالإرسال عن الإمام- عليه السلام- فهذا الحديث لا سند له حتى يعتمد عليه. و إن أمكن أن يقوى بملاحظة متن الحديث صدوره عن الإمام- عليه السلام- مضافا الى شهرته. و كيف كان فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث، على عدم اختصاص الحكم بالصيد. فظهر بما ذكرنا أنه لا يمكن إثبات كفارات العبد على المولى مطلقا صيدا كان أو غيره، بما رواه تحف العقول.

و أما الكلام (في المقام الثاني): و هو أنه هل يصح أن يقال في ثبوت خصوص كفارة صيده على مولاه، أولا؟ فنقول: أنه قد عرفت مما مضى أن العمدة في ذلك صحيح حريز، لأن حديث محاجة الإمام-

عليه السلام- مع يحيى بن أكثم، كان ضعيفا سندا. و صحيح حريز و إن كان قد ورد على نحوين كما مر و لكن استفادة الحكم في خصوص الصيد متيقن منه قطعا، و قد عرفت أن كلمة «أصاب» في النسخة الأولى محتملة لإرادة خصوص الصيد و إرادة مطلق محرمات الإحرام، و أن الحديث على النسخة الثانية وارد في خصوص الصيد فعلى جميع الصور يثبت أن كفارة الصيد على المولى. لكن يعارض هذا الصحيح ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي نجران، قال: سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن عبد أصاب صيدا و هو محرم هل على مولاه شي ء من الفداء؟ فقال: لا شي ء على مولاه «1». فيقع التعارض بين خبر ابن أبي نجران- الدال على عدم ثبوت كفارة الصيد على مولاه- و بين صحيح حريز الدال على ثبوت كفارة صيده على مولاه. و لكن خبر ابن أبي نجران إنما يكون واردا على طبق القاعدة.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 56، من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 85

بخلاف صحيح حريز لوروده على خلاف القاعدة.

و التحقيق: أن ترجيح خبر ابن أبي نجران بالمقررية، أو ترجيح صحيح حريز بالناقلية ليس بصحيح، فان المرجح لا بد من أن يكون حجة حتى يكون مرجحا، و ليست المقررية و الناقلية من المرجحات المنصوصة و قد ذكرنا مرارا إن الاستحسانات العقلية مما لا يمكن الاعتماد عليها. فعلى هذا لا بد لنا من رفع التعارض من بينهما، فنقول: يمكن الجمع بينهما بوجوه:

(الأول)- أن يقال بأخصية صحيح حريز عن خبر ابن أبي نجران بناء

على كونه واردا في خصوص الصيد، كما ورد خبر ابن أبي نجران في خصوصه فان صحيح حريز مقيد بثبوت الإذن من المولى، و خبر ابن أبي نجران مطلق من هذه الجهة، فنقيده به. فيتجه التفصيل بينهما إذا كان مأذونا من قبل المولى في خصوص الإحرام و بينما إذا لم يكن مأذونا. فعلى (الأول) تكون كفارته على المولى، و على (الثاني) تكون كفارته على نفسه.

و فيه: ما عرفت من أن إذن المولى شرط في صحة إحرامه و بدون إذنه لا يكون محرما، حتى يقال إن كفارته عليه أو على مولاه، فخبر ابن أبي نجران و ان لم يذكر فيه كلمة الإذن، لكن لا بد من القول بأن المراد منه هو صورة الإذن، و إلا لم يكن العبد في الحقيقة محرما.

(الثاني)- أن يقال: إن الظاهر من قوله في صحيح حريز: «إذا أن له في الإحرام» هو كونه مأذونا في الإحرام بالإذن الخاص، و خبر ابن أبي نجران مطلق من هذه الجهة فنقيده به فيتجه التفصيل ايضا بينما إذا كان مأذونا في الإحرام بالإذن الخاص، و بينما إذا لم يكن كذلك- كما إذا أعطاه إذنا عاما في مطلق المستحبات فاختار الحج. فعلى (الأول) تكون كفارة الصيد على المولى، و على (الثاني) تكون على نفسه. و فيه: منع ظهور صحيح حريز في الإذن الخاص فإن الإذن العام أيضا إذن في الإحرام و يشمله قوله «إذا أذن له. إلخ» و انصرافه- الى الإذن الخاص- ممنوع.

(الثالث)- أن يقال إن خبر ابن أبي نجران أخص من صحيح حريز بناء على عدم اختصاص صحيح حريز بالصيد بحسب النسخة الأولى و هو قوله: «كلما أصاب العبد و هو محرم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص:

86

إلخ» و خبر ابن أبي نجران وارد في خصوص الصيد فيقيد الأول به فيتجه التفصيل بين كفارة الصيد و غيرها، فكفارة الصيد على العبد و سائر الكفارات على المولى. لكن هذا مما لم يقل به أحد. و قد عرفت أنه لم يثبت كون صحيح حريز مطلقا و ذلك لاختلاف النسختين و عدم حصول العلم بكونهما روايتين مع احتمال كون كلمة (أصاب) ظاهرا في خصوص الصيد.

فتحصل أنه لا يمكن لنا الجمع بينهما، فيتعارضان فيتساقطان.

هذا كله بناء على صحة سند خبر ابن أبي نجران كما نقول بذلك في حديث حريز و أما بناء على القول بضعف سنده فيبقى صحيح حريز بلا معارض، فيتجه القول بكون خصوص كفارة الصيد على المولى لصحيح حريز. و لكن الظاهر صحة سند خبر ابن أبي نجران أيضا، و ذلك لأن إسناد الشيخ (ره) الى سعد بن عبد اللّه صحيح، و محمد بن الحسن هنا هو الصفار، لأن من مميزاته رواية سعد بن عبد اللّه عنه و المراد من سعد بن عبد اللّه هنا هو الأشعري لأنه الذي يروى عن الصفار و لا إشكال في وثاقتهما، و محمد بن الحسين هنا هو ابن أبي الخطاب لأن من مميزاته رواية الصفار عنه و هو أيضا ثقة و عبد الرحمن بن أبي نجران لا إشكال في وثاقته، فعلى هذا يكون الحديث صحيحا، فيقع التعارض بينهما، و يتساقطان، و بعد التساقط ترجع إلى الإطلاقات- الدالة على ثبوت كفارة الصيد على المحرم- فتثبت الكفارة على العبد لا على مولاه، فيتجه ما ذهب اليه صاحب الجواهر (ره)- من أن جميع الكفارات على العبد بدون تفصيل بين الصيد و غيره.

هذا و لكن يمكن أن يقال: إنه بعد تساقطهما

ليس المرجع الإطلاقات- الدالة على ثبوت الكفارات على المحرم- بل المرجع هو الأصل العملي و ذلك لأن الخاص في آن تعارضه مع الخبر الآخر بالتباين يعارض مع العام أيضا بالأخصية، فعلى هذا يقع التعارض بين الحديثين و بين الإطلاقات، فيحكم بتساقط جمعها. فما اشتهر من أنه إذا كان المخصص مبتلى بالمعارض كان المرجع عموم العام ليس بصحيح فان العام ليس في مرتبة متأخرة عن الخاص و معارضه، حتى تصل النوبة إليه بعد تساقطهما بل يتساقط الجميع في مرحلة واحدة فلا يمكن القول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 87

بثبوت كفارة الصيد على العبد بعد تعارض الحديثين و الإطلاقات و تساقط الجميع بمقتضى الإطلاقات لسقوطها بالتعارض، فيرجع الأمر حينئذ إلى الشك في كونها على مولاه أو عليه؟ و نعلم إجمالا بثبوتها على أحدهما و مقتضى القاعدة الأصولية أن يقال بعدم تنجيز العلم الإجمالي في مفروض المقام لتردده بين شخصين فكل منهما يجرى البراءة بالنسبة إلى نفسه فبناء عليه لا تثبت الكفارة لا على المولى و لا على العبد هذا بحسب مقتضى القاعدة و لكنه مما لا يمكن الإفتاء على طبقه كما لا يخفى. نظيره، أنه إذا كان الميت خنثى مشكلة و لم ندر أنه ملحق بالذكر حتى يحكم بوجوب غسله كفاية على الذكور أو ملحقة بالأنثى كي يحكم بوجوب غسلها كفاية على النساء فنعلم إجمالا بوجوب غسلها إما على الرجال و إما على النساء مقتضى القاعدة الأصولية هو عدم وجوب غسلها على الرجال و النساء لعدم كون العلم الإجمالي منجزا فيما إذا كان مرددا بين شخصين على ما تقرر في محله فيجري كل منهما البراءة بالنسبة إلى نفسه لتحقق موضوع الأصل و هو الشك في أصل

التكليف كما هو واضح.

و لكنك خبير بعدم إمكان الالتزام بمفاد الأصل لا هناك و لا في مفروض المقام فكما لم يلتزم أحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بسقوط الغسل من أصله هناك كذلك لا يمكن الالتزام بسقوط الكفارة من أصلها في مفروض المقام فلا تغتر بقاعدة تذكر في الأصول و يشيد أركانها فإنه رب مورد لا يمكن إجرائها فيه فلا تغفل.

و على هذا فالمتجه في مسألة الخنثى الاحتياط: بان يغسل مرتين بالجمع بين غسل الرجل له و بين غسل المرأة لها كذلك في مفروض المقام أيضا يتجه الاحتياط و لكن لا حاجة فيه الى الجمع بين إعطاء المولى الكفارة و بين إعطاء العبد لها أيضا بل يكفي بإعطاء واحد منهما بنية أنها ان كانت ثابتة عليه فمن قبل نفسه و ان كانت ثابتة على صاحبه فمن قبل صاحبه.

هذا كله بناء على ما مر من تعارض الخبرين مع الإطلاقات جميعا و تساقطها في مرحلة واحدة و لكن (التحقيق:) أن المرجع بعد تساقطهما هو الإطلاقات و ذلك لأن الخاص الذي لم يشمله دليل الاعتبار لابتلائه بالمعارض لا يكون حجة حتى يعارض الإطلاقات فالمرجع بعد تساقطهما هو الإطلاقات.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 88

[المسألة الخامسة لو أفسد المملوك حجه بالجماع قبل المشعر]

قوله قده: (لو أفسد المملوك حجه بالجماع قبل المشعر فكالحر في وجوب الإتمام و القضا.).

لا كلام لنا في ذلك لعموم أدلة الإتمام و القضاء الشاملة للعبد كشمولها للحر بلا فرق.

قوله قده (و أما البدنة ففي كونها عليه أو على مولاه فالظاهر ان حالها حال سائر الكفارات على ما مر و قد مر ان الأقوى كونها على المولى الأذن له في الإحرام.

قد عرفت فيما مر ان الأقوى ثبوت جميع الكفارات على العبد غير كفارة

الصيد التي وقع الاشكال فيها.

قوله قده: (و هل يجب على المولى تمكينه من القضاء لأن الاذن في الشي ء اذن في لوازمه، أولا، لأنه من سوء اختياره؟ قولان أقواهما الأول، سواء قلنا إن القضاء هو حجه أو أنه عقوبة أو أن حجه هو الأول.

اختار الأول على ما هو المحكي: الخلاف؛ و المبسوط؛ و السرائر؛ و وافقهم المصنف (قده)، و مال الى الثاني صاحب المدارك (ره)، حيث قال في ذيل كلماته ما لفظه: (و ان كان القول بعدم وجوب التمكين لا تخلو من قوة). و تعبه صاحب الجواهر (ره) حيث قال: (لعل ذلك هو الأقوى).

و الأقوى هو القول الأول و لكن لا لما ذكره المصنف (قده): من (أن الاذن في الشي ء إذن في لوازمه) بمعنى ان إذن المولى له في الحج يقتضي الالتزام بجميع ما يترتب عليه شرعا لكونه دعوى بلا شاهد. بل لوجوب القضاء على العبد بمقتضى الإطلاقات فعليه الإتيان به و لا يمكن للمولى منعه لقوله- عليه السلام-: (لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق)، و قد يفصل بين القول أن الحج الأول هو الفرض، و الثاني هو العقوبة و بين القول بأن الأول هو العقوبة، و الثاني هو الفرض، فعلى (الثاني) يجب على المولى التمكين لأنه من أول الأمر إنما كان اذن المولى له في الفرض، و قد تبين ان الفرض هو الثاني و قد وجب بالشروع في الحج الأول، و (على الأول) لا يجب على المولى التمكين، لأنه من أول الأمر لم يكن اذنه له

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 89

متناولا لهذا الحج و إنما كان أذنه له في الحج الأول و قد أتى به لا في الحج العقوبتى، فله منعه عنه.

و (يرد

عليه): ما أورده صاحب الجواهر (ره) أن من المعلوم عدم تناول الإذن للحج ثانيا و إن كان هو الفرض و إنما تعلق إذنه بالأول. و (الحاصل) أنه لا يفترق الأمر في ذلك بين القول بكون الأول فرضا و الثاني عقوبة و بالعكس بل لا بد إما (من القول): بوجوب التمكين على المولى مطلقا و إما (من القول) بعدم وجوب ذلك عليه مطلقا فعلى هذا لا يبقى مجال لهذا التفصيل لانه على القول بالعكس لم يدخل في الحج كي يقال: بأن الثاني هو الفرض (فائدة): مرادنا من فساد الحج بالجماع هو انتفاء كماله لا بطلانه حقيقة و إلا فلا معنى للإتمام كما لا يخفى.

قوله قده: (و ان كان مستطيعا فعلا ففي وجوب تقديم حجة الإسلام أو القضاء وجهان مبنيان على أن القضاء فوري أولا فعلى الأول يقدم لسبق سببه و على الثاني تقدم حجة الإسلام لفوريتها دون القضاء.

لا يخفى: أن جريان هذا البحث مبتن على القول بان الفرض هو الأول، و الثاني هو العقوبة فبناء على ذلك و المفروض أنه قد أعتق بعد المشعر فيقع الكلام في أنه مع استطاعته هل يقدم الحج العقوبتى أو يقدم حجة الإسلام؟ و أما بناء على القول: أن الأول عقوبة و الثاني فرض فلا يبقى مجال لهذا البحث لأن ما يأتي به من الحج بنفسه حجة الإسلام و المفروض اجتماع جميع شرائطها و ليس حجا عقوبتيا كي يقال أنه هل يقدم الحج العقوبتى أو حجة الإسلام و ذلك واضح.

و الأقوى ان الفرض هو الأول و الثاني عقوبة دون العكس، لصحيح زرارة قال:

سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة؟ قال: جاهلين، أو عالمين؟ قلت: أجبني في الوجهين جميعا، قال: ان

كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا على حجهما، و ليس عليهما شي ء و ان كانا عالمين، فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما و يرجعا الى المكان أصابا فيه ما أصابا قلت: فأي الحجتين لهما؟ قال: الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، و الأخرى عليهما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 90

عقوبة «1». و لعله يأتي البحث عن ذلك مع رد دليل القائل بالخلاف في محله- إنشاء اللّه تعالى- و كيف كان فبناء على أن الثاني عقوبة نقول: إذا كان مستطيعا فهل يقدم الحج العقوبتى أو يقدم حجة الإسلام؟. قال في الجواهر ما لفظه: (وجب عليه أن يقدمها على القضاء كما في محكي (عد) و (ف) و (ط) لفوريتها دونه و لأنه آكد لوجوبها بنص القرآن، الى أن قال. قلت: بل في كشف اللثام: (الأظهر عندي تقديم القضاء لسبق سببه و عدم الاستطاعة لحجة الإسلام إلا بعده) قلت: هو كذلك مع فورية القضاء بل و مع عدمها في وجه).

و التحقيق: أن يقال إنه بناء على عدم فورية القضاء لا إشكال في تقديم حجة الإسلام عليه لفوريتها، و قول صاحب الجواهر (ره) «بل و مع عدمه في وجه» لم يظهر المراد منه و لعل نظره الى خصوص صورة ما لو أتى بحجة الإسلام في هذه السنة و لم يتمكن من الحج العقوبتى في السنوات اللاحقة، فيقع التزاحم بينهما حينئذ و يقدم الحج العقوبتى لتقدم سببه و فيه: ما لا يخفى، لعدم كونه من المرجحات و أما بناء على فورية القضاء كما هو الظاهر مما ورد في أخبار

فساد الحج بالجماع من قوله: «عليه الحج من قابل» فيقع المزاحمة بين حجة الإسلام و الحج العقوبتى و في الحقيقة ليست المزاحمة بينهما بل بين فوريتهما. إلا إذا فرضنا أنه لو أتى بواحدة منهما لا يتمكن من الآخر في السنوات اللاحقة، فتقع المزاحمة بين نفس الحجتين حينئذ، و كيف كان، فقد يقال بتقديم الحج العقوبتى على حجة الإسلام و يستدل لذلك بوجهين:

(الأول)- هو أن القدرة المأخوذة في الحج العقوبتى قدرة عقلية و لا بد له من إتيانه بأي نحو كان و لو تسكعا و هذا بخلاف القدرة المأخوذة في حجة الإسلام، و هي مشروطة بعدم استلزامها لترك واجب لأن القدرة المأخوذة فيها قدرة شرعية فيقدم الحج العقوبتى عليها، و مهما دار الأمر: بينما هو مشروط بالقدرة العقلية و بينما هو مشروط بالقدرة الشرعية لا بد من تقديم الأول. و فيه: ما قد حققناه في الأصول بما لا مزيد عليه من منع كون ذلك من

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 3- من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 91

مرجحات باب التزاحم و لم يدل دليل على ان من شرائط وجوب حجة الإسلام عدم استلزامها لترك واجب و سيجي ء الكلام فيه في بيان موضوع وجوب الحج- إنشاء اللّه تعالى.

(الثاني)- أن سبب الحج العقوبتى- و هو إفساده الحج- مقدم على سبب حجة الإسلام أعنى الاستطاعة فما هو المقدم سببا يقدم. و فيه: أنه قد أثبتنا في الأصول أيضا ان تقدم السبب لا يصلح مرجحا لأحد المتزاحمين على الآخر فإذا وجب عليه مثلا في صلاته سجدتا السهو مراتا عديدة لتعدد السبب لم يكن عليه تقديم ما هو المقدم سببا لعدم الدليل على ذلك.

نعم،

إذا كان بين نفس المتزاحمين ترتبا زماني فلا إشكال في تقديم ما هو المقدم زمانا، (مثاله): ما إذا لم يكن قادرا على القيام في كلا ركعتي الصلاة و انما كان قادرا على القيام في ركعة واحدة منها، فلا إشكال في أنه يأتي بالركعة الأولى قائما و بالثانية جالسا دون العكس. و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل فالمتجه حينئذ في المحل المفروض هو ملاحظة الأهم منهما، فان كان الأمر بحجة الإسلام أهم فيقدم على الحج العقوبتى، و ان كان الأمر بالحج العقوبتى أهم، فهو يقدم عليها، و إلا فالمرجع التخيير، و ما ذكره صاحب الجواهر (ره)- من أن حجة الإسلام آكد لوجوبها بنص القران- ليس بشي ء، فإن ثبوت الوجوب بنص القرآن ليس فيه دلالة على أهميته على ما ثبت وجوبه من الأخبار. (و الحاصل): ان ثبت أهمية حجة الإسلام من الأخبار فهو يقدم، و ان ثبت أهمية الحج العقوبتى فهو يقدم و إلا اتجه التخيير.

ثم إنه على فرض تمامية هذه الكلية- و هي تقدم ما ثبت وجوبه بالكتاب على ما ثبت وجوبه بالسنة و لم نقتصر على موارد خاصة التي دل الدليل على تقدم الفرض على السنة- لو فرضنا أنه عصى و أتى في العام الأول بالحج العقوبتى فهل يصح ذلك منه أو لا؟

قال صاحب الجواهر (ره): (و حينئذ فلو قدم القضاء لم يجز عن أحدهما أما القضاء فلكونه قبل وقته، و أما حجة الإسلام فلأنه لم ينوها، خلافا للمحكي عن الشيخ فصرفه الى حجة الإسلام. لكن عن مبسوط احتمال البطلان قويا. و استجوده في المدارك بناء على مسألة الضد و الا اتجه صحة القضاء و ان أثم بتأخير حجة الإسلام).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1،

ص: 92

و التحقيق: ان ما أتى به- بعنوان الحج العقوبتى- صحيح و لم يقع ما أتى به بعنوانه قبل وقته بل وقع في وقته و ذلك لأن وجوب تقديم حجة الإسلام عليه انما كان من جهة أهميتها أو من جهة فوريتها و هذا غير مستلزم لأن يقال بوقوع الحج العقوبتى في غير وقته و قد حققنا في الأصول أن ترك الواجب الأهم و الاشتغال بالمهم لا يوجب بطلان المهم، و كذلك ترك الواجب الفوري و الاشتغال بالواجب الموسع لا يوجب بطلانه فتبقى حجة الإسلام في ذمته و قد حقق في الأصول أن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده.

هذا، و لا وجه أيضا لما حكى عن الشيخ (ره) من صرفه الى حجة الإسلام.

بيان ذلك: أنه لا إشكال في اشتغال ذمته بحجتين (أحدهما) حجة الإسلام و (ثانيهما) العقوبتى، و لا مائز بينهما إلا بالنية، فوقوع هذا الحج الذي أتى به حجة الإسلام أو الحج العقوبتى تابع لنيته فإذا لو أتى بالنسك و الأعمال بنية القضاء و العقوبة فلا وجه للقول بانصرافها الى حجة الإسلام بعد تعنونها بالقضاء بالنية. الا ان يقال بعدم حلول وقت الحج العقوبتى، لكن قد عرفت بطلانه. هذا كله بناء على القول بوجوب تقديم حجة الإسلام و أما بناء على القول بوجوب تقديم الحج العقوبتى عليها فعصى بتأخيره و أتى بحجة الإسلام، فنقول:

إن كان المدرك في تقديم الحج العقوبتى- عليها- من جهة تقدم سببه بعد تسليم ثبوت الاستطاعة له فأيضا لا إشكال في صحة عمله و يقع حجة الإسلام لأنها التي نواها و قد مر أن المائز بينهما هو النية و المفروض أنه أتى بالأعمال بنية حجة الإسلام، و قلنا ان ترك

الواجب الأهم لا يوجب بطلان المهم.

و أما ان كان المدرك في ذلك هو أن حجة الإسلام مشروطة بعدم استلزامها لترك واجب فمع اشتغال ذمته بالحج العقوبتى لا يكون مستطيعا لحجة الإسلام فلا يقع ما أتى به لها سواء نوى القضاء أو لا؟ لأن المفروض أنه لم يتحقق له الاستطاعة جامعا للشرائط، فليس في ذمته حجتان و انما يكون في ذمته حج واحد و هو الحج العقوبتى فيقع ما أتى به ذلك و ان لم ينوه بل و لو نوى خلافه الا ان يكون قصده تقييديا فيبطل حينئذ عمله.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 93

[المسألة السادسة في عدم اختصاص الحكم بالعبد القن]

قوله قده: (لا فرق فيما ذكر من عدم وجوب الحج على المملوك و عدم صحته إلا بإذن مولاه و عدم اجزائه عن حجة الإسلام إلا إذا انعتق قبل المشعر بين القن؛ و المدبر؛ و المكاتب؛ و أم الولد؛ و المبعض؛ إذا إذا هاياه مولاه و كانت نوبته كافية مع عدم كون السفر خطريا فإنه يصح منه بلا إذن.

قد نسب ذلك الى الأصحاب، و لا ينبغي الإشكال فيه لإطلاق الأدلة- الدالة على عدم وجوب حجة الإسلام على العبد- نعم يقع الكلام في خصوص العبد المبعض الذي هاياه مولاه و كانت نوبته كافية لحجة الإسلام فذهب بعض: الى وجوب حجة الإسلام عليه، إذا كان له مال بمقدار ما يحج به. و استغرب من هذا القول صاحب الجواهر (ره) حيث قال: (و من الغريب ما ظنه بعض الناس من وجوب حجة الإسلام عليه في هذا الحال.

ضرورة: منافاته للإجماع المحكي عن المسلمين الذي يشهد له التتبع على اشتراط الحرية المعلوم عدمها في العبد المبعض). و استغرب المصنف (قده) من هذا الاستغراب الذي أفاده صاحب الجواهر

(ره) و استغرب المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- من استغراب المصنف.

و التحقيق: أنه و إن كان الحق عدم وجوب حجة الإسلام عليه. و لكن استغراب صاحب الجواهر (ره) و كذلك المحقق النائيني ليس في محله، فإنه يمكن إثبات حجة الإسلام عليه بأحد وجهين:

(الأول)- دعوى انصراف أدلة- الدالة على اعتبار الحرية في وجوب حجة الإسلام- عن العبد المعبض فهو في نوبته كالحر.

(الثاني)- دعوى أن أدلة- الدالة على عدم وجوب حجة الإسلام على العبد- مجملة حيث أنه لا يعلم أنها هل تشمل هذا القسم من العبد أولا؟ و إجمال المخصص المنفصل المردد بين الأقل و الأكثر مفهوما، لا يسري إجماله إلى العام، فنتمسك بالإطلاقات- الأولية الدالة على وجوبه على كل مكلف مستطيع- كقوله تعالى: (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) «1» فعلى هذا يحكم بوجوب الحج عليه إذا كان له مال بمقدار ما يحج به

______________________________

(1) سورة آل عمران: الآية- 91.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 94

فيما إذا كان بينه و بين مولاه نوبة بمقتضى الإطلاقات.

و (التحقيق): أن الانصراف الحقيقي غير ثابت. و غاية ما يمكن أن يقال انما هي دعوى إجمال المخصص، و الحق كما حققناه في الأصول، عدم جواز التمسك بالعام مع إجمال المخصص و لو كان مفهوميا من غير فرق بين القول: أن الأخذ بالظواهر إنما يكون من باب الكشف عن المراد- كشفا نوعيا أو شخصيا على الخلاف فيه- و بين القول بأن الأخذ بها إنما يكون من باب أصالة عدم القرينة و قد مر توضيحه- في محله- مفصلا فعلى هذا يتجه عدم وجوب حجة الإسلام على العبد.

[الشرط الثالث الاستطاعة]
[المسألة الأولى في اعتبار الراحلة]

قوله قده: (الثالث الاستطاعة من حيث المال و صحة البدن و

قوته و تخلية السرب و سلامته.

هذا هو المشهور بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا. بل في الجواهر:

(بإجماع المسلمين و النص في الكتاب المبين و المتواتر من سنة سيد المرسلين- صلى اللّه عليه و آله- بل لعل ذلك من ضروريات الدين كأصل وجوب الحج و حينئذ فلو حج بلا استطاعة لم يجز عن حجة الإسلام لو استطاع بعد ذلك قطعا). و في الحدائق: (إجماعا نصا و فتوى). و يدل على ذلك قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» «1» و الأخبار المتواترة الواردة في المقام- منها:

1- صحيح محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر- عليه السلام-: قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. إلخ» قال: يكون له ما يحج به «2».

2- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قول اللّه تعالى: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. إلخ» ما السبيل؟ قال: أن يكون له ما يحج به «3». الى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي ذكرها- إنشاء اللّه تعالى.

قوله قده: (لا خلاف و لا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحج

______________________________

(1) سورة آل عمران:- الآية- 91.

(2) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(3) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 95

بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية و هي كما في جملة من الأخبار الزاد و الراحلة.

قد اتفقت الآراء على ذلك قديما و حديثا و عليه الإجماع من جميع الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل هو من ضروريات الفقه و لا غبار عليه. و ظاهر الآية الشريفة- لو لا الأخبار الواردة المفسرة

لها- و إن كان هو القدرة العقلية لكن لا بد من صرف النظر عن ظهورها لما سيأتي- إنشاء اللّه تعالى- من الأخبار المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة.

قوله قده: (هل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصا بصورة الحاجة إليها لعدم قدرته على المشي، أو كونه مشقة عليه، أو منافيا لشرفه، أو يشترط مطلقا و لو مع عدم الحاجة إليه؟ مقتضى إطلاق الأخبار و الإجماعات المنقولة الثاني.

قال في المنتهى على ما حكاه في المدارك: (و انما يشترط الزاد و الراحلة في حق المحتاج إليهما لبعد مسافته أما القريب فيكفيه اليسير من الأجرة بنسبة حاجته و المكي لا يعتبر الراحلة في حقه، و يكفيه التمكن من المشي). ظاهر هذا الكلام عدم اشتراط الراحلة لمن لا يحتاج إليها، بلا فرق بين القريب و البعيد.

و قال في المدارك- بعد نقله لكلام المنتهى- ما لفظه: (و نحوه قال في التذكرة، و صرح بأن القريب إلى مكة لا يعتبر في حقه وجود الراحلة إذا لم يكن محتاجا إليها. و هو جيد، لكن في تحديد القرب الموجب لذلك خفاء و الرجوع الى اعتبار المشقة و عدمها جيد إلا أن اللازم منه عدم اعتبار الراحلة في حق البعيد أيضا إذا تمكن من المشي من غير مشقة شديدة، و لا نعلم به قائلا). ظاهر قوله و (لا نعلم به قائلا) أن المعروف بين الأصحاب عدم الفرق في اشتراط الراحلة في حق البعيد بينما إذا كان محتاجا إليها و ما إذا لم يكن محتاجا إليها فعليه إذا لم يكن البعيد واجدا للراحلة لا يتحقق له الاستطاعة الشرعية الموجبة لوجوب حجة الإسلام عليه، و إن فرضنا كون المشي أروح له من الركوب و لم يكن عدم ذهابه مع

الراحلة منافيا لشأنه و شرفه. و قال في المستند: (يمكن استفادة التفصيل بين المحتاج إلى الراحلة و غيره من كلام جماعة قيدوها بالاحتياج و الافتقار). و ادعى جماعة منهم الشيخ رحمه اللّه- في الخلاف- الإجماع على عدم الفرق بين من أطاق المشي و غيره في اعتبار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 96

الراحلة و كيف كان فالأخبار الواردة في ذلك على طائفتين:

(الأولى)- ما دلت على اشتراط الراحلة في صدق الاستطاعة الشرعية المقتضية بإطلاقها عدم الفرق في اعتبار الراحلة بين من كان محتاجا إليها- لأجل عدم تمكنه من المشي أو لحفظ شرفه- و بين من لم يكن كذلك- منها:

1- صحيح محمد بن يحيى الخثعمي، قال: سأل حفص الكناسي أبا عبد اللّه- عليه السلام- و أنا عنده عن قول اللّه عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد و راحلة، فهو ممن يستطيع الحج. أو قال: ممن كان له مال. فقال له الحفص الكناسي: فإذا كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، و له زاد و راحلة، فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج؟

قال: نعم «1».

2- خبر السكوني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سأله رجل من أهل القدر فقال: يا بن رسوله أخبرني عن قول اللّه تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. إلخ»، أ ليس قد جعل اللّه لهم الاستطاعة؟ فقال: ويحك إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة ليس استطاعة البدن. الحديث «2».

3- خبر الفضل بن شاذان عن الرضا- عليه السلام- في كتابه إلى المأمون قال:

و حج البيت فريضة على من استطاع اليه سبيلا و السبيل الزاد و الراحلة مع

الصحة «3».

4- صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قوله عز و جل:

«وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. إلخ،» ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة «4».

5- عن عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قوله تعالى: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. إلخ»؟ قال: من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة فهو

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 8، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(2) الوسائل- ج 2- الباب 8، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

(3) الوسائل- ج 2- الباب 8، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

(4) الوسائل- ج 2- الباب 8، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 97

مستطيع للحج «1».

(الثانية) ما دلت على عدم اشتراط الراحلة لمن لا يحتاج إليها- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل عليه دين أ عليه أن يحج؟ قال: نعم، ان حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين و لقد كان أكثر من حج مع النبي- صلى اللّه عليه و آله- مشاة و لقد مر رسول اللّه بكراع الغميم فشكوا اليه الجهد و العناء فقال شدوا أزركم و إن استبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم «2» 2- رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: قول اللّه عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟ قال: يخرج و يمشي إن لم يكن عنده قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: يمشى و يركب قلت: لا يقدر على ذلك؟

أعني المشي قال:

يخدم القوم و يخرج معهم «3» و لا يضر في الاستدلال به عدم عمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بذيله و هو قوله: (يخدم القوم و يخرج معهم) و منها أحاديث وردت في الاستطاعة البذلية الدالة- أيضا- على كفاية أطاقه المشي.

1- صحيح محمد بن مسلم في حديث. قال: قلت لأبي جعفر- عليه السلام- فان عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع الحج و لم يستحيى و لو على حمار أجدع أبتر قال: فان كان يستطيع أن يمشى بعضا و يركب بعضا فليفعل «4».

2- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال: قلت: له من عرض عليه ما يحج به، فاستحيى من ذلك أ هو ممن يستطيع اليه سبيلا؟ قال: نعم ما شأنه يستحيي و لو يحج على حمار أجدع أبتر فإن كان يضيق أن يمشى بعضا و يركب بعضا فليحج «5».

3- عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قلت: له من عرض عليه الحج فاستحيى أن يقبله أ هو ممن يستطيع الحج؟ قال: مرة فلا يستحيى و لو على حمار أبتر و إن

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

(2) الوسائل- ج 2- الباب 11- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(3) الوسائل- ج 2- الباب 11- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(4) الوسائل- ج 2، الباب 10- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(5) الوسائل- ج 2، الباب 10- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 98

كان يستطيع أن يمشى بعضا و يركب بعضا فليفعل «1».

4- عن أبي أسامة

بن زيد عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قوله: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. إلخ» قال: سألته ما السبيل؟ قال: يكون له ما يحج به قلت: أ رأيت أن عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك؟ قال: هو ممن استطاع اليه سبيلا قال: و إن كان يطيق المشي بعضا و الركوب بعضا فليفعل قلت: أ رأيت قول اللّه تعالى و من كفر أ هو في الحج؟

قال: نعم، قال: هو كفر النعم؟ و قال: من ترك «2» و هذه الأخبار و إن وردت في خصوص الاستطاعة البذلية لكن الظاهر منها أنها مفسرة للاستطاعة و لا فرق في الاستطاعة بين كون المنشأ لحصولها و تحققها هو البذل أو غيره فلا عبرة بخصوصية المورد. و بالجملة هذه الاخبار تعارض مع الطائفة الأولى- الدالة بإطلاقها على عدم الفرق في اشتراط الراحلة بين من أطاق المشي و غيره- و بما أن الطائفة الثانية مختصة بمن أطاق المشي فالمتجه تقديمها على الطائفة الأولى بالأخصية و حمل الطائفة الأولى على ما هو الغالب من عدم أطاقه المشي.

و (من هنا) يعلم أنه لا وجه لحمل الطائفة الأولى على التقية- من جهة ذهاب كثير من العامة إلى اشتراط الراحلة مطلقا- فان الحمل على التقية فرع المعارضة و بعد الجمع بالإطلاق و التقييد لا تصل النوبة الى ذلك كما لا يخفى. و أيضا لا وجه لحمل الطائفة الثانية على محامل بعيدة كحملها على من استقر عليه الحج أو حملها على خصوص القريب أو حملها على الاستحباب كما هو المحكي عن الشيخ (ره) و كيف يمكن حملها على الاستحباب! مع أن في بعضها كلمة «عليه» و كثير منها واردة في تفسير الآية الشريفة فالمراد منها

هو الحج الواجب قطعا لأن الآية الشريفة إنما هي في الحج الواجب.

اللهم إلا أن يقال إن كلمة (على الناس) في الآية الشريفة إنما تكون لمطلق المحبوبية و المطلوبية أعم من أن يكون على نحو الاستحباب أو الوجوب و أن الاستطاعة أيضا أعم من الاستطاعة للحج الواجب و الاستطاعة للحج المستحب و أن الطائفة الأولى- الدالة على

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 10، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 9

(2) الوسائل- ج 2- الباب 10، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 99

اعتبار الراحلة في تحقق الاستطاعة الشرعية- مفسرة للاستطاعة للحج الواجب و الطائفة الثانية- الدالة على عدم اعتبارها- مفسرة للاستطاعة للحج المستحب فحينئذ في الاستطاعة للحج الواجب يشترط كونه واجدا للراحلة بخلاف الاستطاعة للحج المستحب فيكفي فيها أطاقه المشي و (فيه): ما لا يخفى من البعد جدا.

مضافا الى أنه بعد تسليم كون المراد من الاستطاعة في الآية الشريفة أعم من الاستطاعة للحج الواجب و الاستطاعة للحج المستحب من أين نعلم أن الطائفة الأولى- الدالة على اشتراط الراحلة- إنما وردت في بيان الاستطاعة للحج الواجب و الطائفة الثانية- الدالة على كفاية أطاقه المشي- وردت في بيان الاستطاعة للحج المستحب و لا سبيل لنا إلى إثبات هذا المدعى بل لا حاجة الى الحمل على هذه المحامل بعد ما عرفت من أنه لا تعارض في الحقيقة بين الأخبار لأن النسبة بينهما العموم و الخصوص المطلق فيقيد إطلاق ما دل على اشتراط الراحلة بما دل على عدم اشتراطها في صورة أطاقه المشي فلا حاجة الى هذه المحامل إلا من جهة الفرار عن مخالفة المشهور في الفتوى على نحو لا يوجب طرح الأخبار

و أنت خبير أن هذه المحامل عين الطرح. نعم، ربما يتوهم معارضة الطائفة الثانية- الدالة على عدم اعتبار الراحلة، و كفاية أطاقه المشي على نحو التباين- مع ما مر من حديث السكوني و هو- قوله السلام- في ذيله: (إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة ليس استطاعة البدن) هذا بناء على كون المراد من استطاعة البدن- الذي ذكر في منطوق الرواية- هو استطاعة المشي فقد نفى- عليه السلام- كفاية استطاعة المشي بقوله: «. ليس استطاعة البدن» فيقع التعارض بينه و بين الطائفة الثانية.

و فيه: أن الظاهر كون المراد من استطاعة البدن صحته بأن يتمكن من الركوب و السفر بدون أن يلزم منه مشقة لا يمكن تحمله عادة فقوله- عليه السلام- في حديث السكوني:

«. ليس استطاعة البدن» نفى لكفاية صحة البدن في وجوب الحج لا نفى لكفاية أطاقه المشي فيه و لا أقل من احتمال ذلك.

و بالجملة لو لا مخالفة المشهور كان المتجه التفصيل بين من أطاق المشي و غيره بلا اشكال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 100

لكن الإشكال إنما نشأ من جهة مخالفة المشهور فان ثبت لنا على نحو الجزم كون مخالفتهم من جهة الإعراض عن الطائفة الثانية- لوقوفهم على خلل في سندها المستلزم لخروجها عن أهلية التكافؤ مع الطائفة الأولى- فلا بد لنا من متابعتهم و صح الإفتاء على طبق الطائفة الأولى و هو الحكم بلزوم اعتبار الراحلة في تحقق الاستطاعة بلا إشكال، لصيرورتها بلا معارض لسقوط الطائفة الثانية حينئذ عن درجة الحجية بإعراضهم لكن لم يثبت ذلك- و من أين لنا العلم بذلك لأنه علم بالغيب الذي لا يعلم الا هو- فإنه من المحتل كون الوجه في افتائهم على طبق الطائفة الأولى هو

أنهم لم يروا الطائفة الثانية قابلة للمعارضة مع الطائفة الأولى لأجل ما مر من الاحتمالات و من المعلوم أن فهمهم ليس حجة لنا بحيث وجب علينا متابعتهم في ذلك هذا و لكن مع ذلك كله لا يحصل لنا اطمئنان القلب بمفاد الطائفة الثانية بعد عدم عمل المشهور على طبقها مع ما يحتمل قويا من كون ذلك إعراضا لهم عنها لا اعتمادا على تلك المحامل البعيدة فحينئذ لا يمكن الإفتاء بوجوب الحج على من ليس له راحلة إذا أطاق المشي لكن نقول أنه لا يترك الاحتياط بإتيان الحج و ان كان ماشيا إذا أطاق ذلك.

هذا كله على تقدير عدم التعارض بين الطائفتين من الاخبار كما بيناه من الجمع العرفي و أما على تقدير المعارضة بينهما كما هو قضية مفسرية أخبار البذل في خصوص الراحلة حتى مع المهانة و المشقة الشديدة بحيث يكون حمل المطلق على المقيد عدم المورد للمطلقات أصلا أو كونه نادرا جدا فلا يمكن الجمع بينهما فيقع التعارض و التكاذب بينهما فلا بد من الأخذ بذي المرجح منهما ان كان موجودا و الا فالمرجع هو المطلقات فتدبر.

[المسألة الثانية أدلة عدم اعتبار الراحلة في حق القريب]

قوله قده: (لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب و البعيد.

نسبه كشف اللثام: إلى إطلاق الأكثر على ما هو المحكي عنه. لكن قال: في المدارك (أنه اعترف الأصحاب في حق القريب بعدم اعتبار الراحلة له إذا أطاق المشي). و قال في المنتهى على ما حكاه صاحب المدارك: (المكي لا يعتبر الراحلة في حقه و يكفيه التمكن من المشي)، و لعل مراده من المكي مطلق القريب و كذا كل من عبر بهذا التعبير. و أيضا حكى فيه عن التذكرة: (أنه صرح بأن القريب إلى مكة لا يعتبر

في حقه وجود الراحلة إذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 101

لم يكن محتاجا إليها).

قال في المدارك: (و هو جيد، لكن في تحديد القرب الموجب لذلك خفاء و الرجوع الى اعتبار المشقة و عدمها جيد الا أن اللازم منه عدم اعتبار الراحلة في حق البعيد أيضا إذا تمكن من المشي من غير مشقة شديدة و لا نعلم به قائلا).

و في الجواهر بعد اختياره عدم اعتبار الراحلة للقريب إذا أطاق المشي من دون مشقة يعتد بها قال: (بل أجد فيه خلافا).

و كيف كان فالتحقيق أن يقال: بعدم الفرق في اعتبار الراحلة بين القريب و البعيد كما أفاده المصنف (قده) فان قلنا في حق البعيد بالتفصيل بين من أطاق المشي و غيره- في الحكم بعدم اعتبار الراحلة في الأول دون الثاني- قلنا بذلك أيضا في حق القريب و أما إن لم نقل به في حق البعيد- لطرح ما دل على ذلك التفصيل من الروايات أو حملها على الاستحباب أو على من استقر عليه الحج- فلا بد في حق القريب أيضا من الالتزام باعتبارها مطلقا و ذلك لإطلاق الأدلة المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة و لكن يمكن الاستدلال على الفرق بينهما بوجهين:

(الأول)- دعوى انصراف الأخبار- الدالة على اعتبار الراحلة- إلى البعيد و فيه: منع ثبوته أولا و على فرض تسليمه فبدوى ثانيا فلا عبرة به لأن الانصراف انما يقبل إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرح بخروج المنصرف عنه عن تحت الإطلاق كان توضيحا للواضح و مفروض المقام ليس كذلك قطعا كما لا يخفى.

(الثاني)- دعوى أن مقتضى الجمع بين الأخبار- الدالة على اعتبار الراحلة- و الأخبار الدالة على كفاية أطاقه المشي- هو حمل الطائفة الأولى

على البعيد و الطائفة الثانية على القريب فيتجه ما مضى من الفرق- بين القريب و البعيد- في الحكم بعدم اعتبار الراحلة في حق القريب دون البعيد. و فيه: ما عرفت مفصلا من أن الطائفة الأولى مطلقة دون الطائفة الثانية لاختصاصها بمن أطاق المشي فمقتضى الجمع بينهما تقييد الطائفة الأولى بالطائفة الثانية كما حققنا في الفرع السابق فيتجه التفصيل بين من يطيق المشي و من لا يطيقه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 102

في الحكم باعتبار الراحلة في حق الأول دون الثاني بلا فرق بين القريب و البعيد فعلى ذلك لا يبقى مجال بحمل الطائفة الثانية على القريب كما لا يخفى.

ثم لو شك في اعتبارها في حق القريب بالخصوص أو في حق مطلق من أطاق المشي و فرض عدم قيام دليل تعبدي بالخصوص على اعتبارها فهل المرجع هو الإطلاقات أو البراءة.

يمكن القول بالثاني بتقريب: أن الاستطاعة في الآية الشريفة- مع قطع النظر عن الاخبار المفسرة لها- ظاهرة في الاستطاعة العقلية كما بيناه سابقا و لكن بالنظر الى الأخبار المفسرة لها يعلم أن المراد منها هو الاستطاعة الشرعية و لو لا بيان الشارع لها لكانت مجملة كما لا يخفى و على هذا فكل ما بينه الشارع دخالته في تحققها فيأخذ به و كل ما لم يبين دخالته فيها و لا عدم دخالته فيها فحينئذ في صورة العلم بعدم دخالته فيها فلا كلام.

و أما في صورة الشك فلا يمكن رفعه و الحكم بوجوب الحج بالتمسك بإطلاقات أدلة الاستطاعة لكونها مجملة فالمرجع حينئذ هو البراءة لرجوع الشك في ذلك الى الشك في أصل وجوب الحج عليه و عدمه و مقتضى البراءة عدم وجوبه عليه كما لا يخفى.

لكن التحقيق: أن

هذا التقريب إنما يتم إذا كانت الأخبار المفسرة لها مجملة أيضا ففي مورد الشك لا يمكن التمسك بإطلاق أدلة وجوب الحج على المستطيع لكونه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

لكن الأخبار المفسرة لها ليست مجملة فمهما شككنا في دخالة شي ء زائدة في الاستطاعة كان المرجع إطلاق نفس الأخبار المفسرة لها و لا تصل النوبة الى الأصل العملي المتأخرة عن الأصل اللفظي كما لا يخفى.

و كيف كان ففي خصوص ما نحن فيه قد عرفت ما قلنا من أن مقتضى الجمع بين الأخبار التفصيل بين من أطاق المشي و غيره بلا فرق بين القريب و البعيد.

[المسألة الثالثة عدم اعتبار وجود عين الزاد و الراحلة]

قوله قده: (لا يشترط وجودهما عينا عنده بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من المال.

بلا خلاف في ذلك، لصدق الاستطاعة المفسرة بأن يكون له ما يحج به و كما يصدق عنوان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 103

المستطيع على من كان واجدا لهما عينا، كذلك يصدق على من كان واجدا لأعيان لو باعها كفى ثمنها لهما ذهابا و إيابا. و نظير ذلك، ما إذا توقف سفره على جواز السفر، فان تحصيله لا يعد تحصيلا للاستطاعة، بل هو من المقدمات الوجودية كتحصيل المركب و نحوه و ذلك كله واضح.

[المسألة الرابعة عدم ملاحظة الشرف بالنسبة إلى الراحلة]

قوله قده: (و اللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوة و الضعف بل الظاهر اعتباره من حيث الضعة و الشرف كما و كيفا.

قال في الجواهر بعد ذكر كلام المحقق (ره): «و المراد في الراحلة راحلة مثله»:

(كما في (عد) و ظاهرهما اعتبار المثلية في القوة؛ و الضعف؛ و الشرف؛ و الضعة؛ كما عن (كرة) التصريح به. لكن في كشف اللثام: الجزم بها في الأولين دون الأخيرين، لعموم الآية، و الأخبار، و خصوص قول الصادق- عليه السلام- في صحيح أبي بصير (من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى، فهو مستطيع). و نحوه غيره.

و لأنهم- عليهم السلام- (ركبوا الحمير و الرزامل). و اختاره في (ك) كذلك أيضا.

بل هو ظاهر (س) قال: (و المعتبر في الراحلة ما يناسبه و لو محملا إذا عجز عن القتب، فلا يكفي علو منصبه في اعتبار المحمل و الكنيسة فإن النبي- صلى اللّه عليه و آله و سلم- و الأئمة- عليهم السلام- حجوا على الرزامل). إلا أن الإنصاف عدم خلوه عن الإشكال مع النقص في حقه إذ فيه من

العسر و الحرج ما لا يخفى و حجهم- عليهم السلام- لعله كان في زمان لا نقص فيه في ركوب مثل ذلك).

التحقيق: أنه لا إشكال في مراعاة حال الشخص بالنسبة إلى الراحلة قوة و ضعفا بحيثية لا يوجب الحرج عليه، و ذلك لحكومة أدلة نفي العسر و الحرج على الإطلاقات، فان تعسر عليه الركوب على الراحلة مثلا بدون المحمل- لضعفه- اعتبر في استطاعته أن يكون واجدا له عينا أو قيمة كما أنه لا إشكال في مراعاة حال الشخص قوة و ضعفا بالنسبة إلى الزاد لما عرفت من حكومة أدلة نفى العسر و الحرج.

و أما مراعاة حاله ضعة و شرفا بالنسبة إلى الراحلة فالظاهر عدمها، لما تقدم من الأخبار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 104

المصرحة: بأنه (ما شأنه يستحيي و لو على حمار أجدع أبتر) على ما عرفت من أنها و إن كانت واردة في مورد البذل لكن الظاهر منها أنها واردة في مقام بيان مفهوم الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج و لا يختلف الحال باختلاف منا شي ء حصولها.

و أما حمل تلك الاخبار على محامل بعيدة- كحملها على بيان فضل الحج و استحبابه، أو على من استقر عليه الحج،- فقد مر مفصلا أنه ليس على ما ينبغي و نحو ذلك حملها على فرض عدم كون ركوبه على حمار أجدع عسريا عليه، فان تلك الاخبار كالصريح في خلاف ذلك و (من هنا) يعلم أنه لا يصح التمسك- على اعتبار ملاحظة حاله ضعة و شرفا- بأدلة نفى العسر و الحرج لأنها مخصصة بهذه الأخبار الخاصة الدالة على ثبوت الحكم حرجيا-

[المسألة الخامسة إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوبا]

قوله قده: (إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوبا يمكن تحصيله بالكسب في الطريق لأكله و

شربه و غيرهما من بعض حوائجه، هل يجب عليه أو لا؟ الأقوى عدمه و ان كان أحوط.

في هذه المسألة وجهان بل قولان.

(أحدهما):- ما ذهب اليه المصنف (قده) من عدم وجوب الحج عليه لأنه لا يتحقق الحكم إلا بعد تحقق موضوعه جامعا للشرائط و المفروض عدم وجود الزاد له بالفعل و وجوده فعلا يكون دخيلا في صدق الاستطاعة فإنها قد فسرت في الاخبار المتقدمة- الواردة في تفسيرها- بالزاد و الراحلة فلا تصدق الاستطاعة الفعلية على مثل هذا الشخص الذي كون واجدا للقوة التي يتمكن بها أن يحصل الزاد في طريقه الى الحج و تحصيلها غير واجب، فتكون المسألة خارجة عن مورد الآية الشريفة و الاخبار.

و (ثانيهما): ما ذهب اليه صاحب المستند (ره) من وجوبه عليه لصدق الاستطاعة و الوجه في ذلك: هو أنه و ان لم يكن واجدا لعين الزاد فعلا لكنه على أى حال يحصل الزاد في طريقه الى الحج في كل يوم لأكله، و شربه، و غيرهما، بلا فرق في ذلك بين كونه في الحضر، أو السفر على ما هو المفروض، ففي كل زمان هو واجد لزاد خصوص ذلك الزمان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 105

الى آخر الأعمال و الى أن يرجع الى وطنه هذا بالنسبة إلى الزاد.

و (أما الراحلة) فالمفروض أنه واجد لها- كما أن المفروض تحقق باقي الشرائط له أيضا فعليه الحج و هذا هو الأحوط كما أن الأحوط إعادة الحج عليه إذا حصلت له الاستطاعة بعد ذلك إلا أن يفرض انه كان من أول الأعمال واجدا للزاد بلا احتياج الى الكسب و ان كان في الطريق محتاجا إليه.

[المسألة السادسة في عدم اعتبار الاستطاعة من البلد]

قوله (قده): (إنما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده.).

لا كلام لنا

في ذلك لعدم دخل المكان في تحقق الموضوع لا على نحو السببية التامة و لا على نحو جزء السبب، بل المدار إنما هو على حصول المكنة و الاستطاعة فلو حصل له ذلك العنوان- في أي مكان و لو قبيل الميقات- وجب عليه الحج لتمامية الموضوع، فالعراقي إذا استطاع و هو في الشام وجب عليه و ان لم يكن عنده بقدر الاستطاعة من العراق فما أفاد المصنف (قده) متين جدا.

و أما إذا استطاع بعد الإحرام و كان أمامه ميقات آخر فهل يكون حجة حجة الإسلام لتحقق الاستطاعة له أولا؟ الحق هو الثاني و ذلك لأن صيرورة حجه حجة الإسلام موقوف على تحقق الاستطاعة له من أول الأعمال إلى آخرها لعدم كون صرف الوجود من المال و لو في أثناء الأعمال موضوعا للوجوب كي يحكم بالأجزاء فيما إذا حصلت له الاستطاعة بعد إحرامه فلا يكون حجة حجة الإسلام لأن المفروض عدم كونه مستطيعا حين إحرامه و لا فائدة في وجود ميقات آخر أمامه، فإنه ليس له تجديد إحرامه في الميقات الثاني، لأنه (لا إحرام في إحرام) نعم لو قلنا إن الإحرام شرط للحج- لا جزء من أعماله- أمكن القول بالأجزاء بلا فرق بينما إذا كان أمامه ميقات آخر أولا فهذا نظير من حصل له بعض شرائط صحة الصلاة قبل تمامية شرائط وجوبها ثم تمت شرائط وجوبها.

[المسألة السابعة إذا كان من شأنه ركوب المحمل]

قوله (قده): (إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة و لم يوجد سقط الوجوب.).

هذه المسألة إلى آخرها ساقطة لما عرفت فيما تقدم من عدم اعتبار الشأن و الشرف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 106

في الراحلة.

[المسألة التاسعة في اعتبار نفقة العود كاعتبار الزاد]

قوله (قده): (لا يكفي في وجوب الحج وجود نفقة الذهاب فقط بل يشترط وجود نفقة العود الى وطنه إن أراده.).

قال في الشرائع: (و المراد بالزاد قدر الكفاية من القوت و المشروب ذهابا و عودا).

و قد صرح في التذكرة و المنتهى بلزوم اعتبار نفقة العود على ما حكاه صاحب المدارك طاب ثراه- محتجا: (بأن في التكليف بالإقامة في غير الوطن مشقة شديدة و حرجا عظيما فيكون منفيا) و استحسنه في المدارك مع فرض تحقق المشقة.

و تحقيق الكلام في هذا المقام أن يقال إنه لو كان المدرك في هذا الحكم- و هو لزوم اعتبار كفاية العود في تحقق الاستطاعة- خصوص قاعدة نفى العسر و الحرج صح القول بلزوم اعتبارها مع فرض الحرج و المشقة في الإقامة في غير بلده. و أما إذا أمكنه الإقامة في مكة من دون أن يلزم بقائه فيها الحرج و المشقة فلا يشترط ذلك. لكن الحق أن الدليل في هذا الحكم- ليس منحصرا في أدلة نفى العسر و الحرج بل نفس الأخبار الواردة- الدالة على لزوم اعتبار الزاد و الراحلة في تحقق الاستطاعة- تدل على لزوم اعتبار نفقة العود، و ذلك لأن الأخبار المفسرة للاستطاعة- بالزاد و الراحلة- مطلقة لم يقيد اعتبارهما بخصوص الذهاب دون الإياب و أنت ترى أنه لو قال المولى لعبده: (اذهب الى السفر الكذائي ان كان لك الزاد و الراحلة) فالمتفاهم العرفي من ذلك إنما هو وجدانه للزاد و الراحلة ذهابا و

إيابا لا ذهابا فقط و على هذا فلو أراد الرجوع الى وطنه يعتبر في وجوب الحج عليه أن يكون واجدا لنفقة العود أيضا سواء كان تركه للرجوع الى وطنه حرجا عليه أم لا.

نعم، لو لم يرد الرجوع فلا يعتبر ذلك في حقه. و أما لو أراد الرجوع من مكة و لكن لا الى وطنه بل الى بلد آخر فحينئذ ان كان مصرف رجوعه الى البلد الآخر أقل من مصرف الرجوع الى بلده أو مساويا له كفى كونه واجدا له و ان كان أزيد فإن كان حرجا عليه اشترط أيضا كونه واجدا له، و الا فيكفي كونه واجدا لمؤنة العود الى وطنه و ان لم يكن واجدا لمؤنة الذهاب الى ذلك البلد.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 107

[المسألة العاشرة مستثنيات الحج]

قوله (قده): (لكن يستثني من ذلك ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه فلاتباع دار سكناه اللائقة بحاله و لا خادمه المحتاج اليه و لا ثياب تجمله اللائقة بحاله.

هذا هو المشهور بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل ادعى عليه الإجماع كما عن المعتبر؛ و التذكرة؛ و المنتهى؛ و يمكن الاستدلال عليه بوجهين:

(الأول)- ما ورد في بعض الأخبار من ذكر عنوان اليسار، و يأتي ذكره- إنشاء اللّه تعالى- في مبحث اعتبار الرجوع الى الكفاية.

و لكن يمكن المناقشة في ذلك بان الأخبار الواردة في تفسير الاستطاعة- المفسرة لها بالزاد و الراحلة في الحقيقة- مفسرة لليسار بها فإن الأخبار يفسر بعضها بعضا، فيكون المراد من اليسار- بالنظر الى تلك الأخبار- هو الزاد و الراحلة دون غيرهما ما لم يقم دليل على الخلاف و منه يعلم المناقشة أيضا في التمسك بما في حديث أبي الربيع الشامي الآتي ذكره- إنشاء اللّه تعالى- في

مبحث اعتبار الرجوع الى الكفاية من ذكر عنوان (السعة).

نعم، المراد من السعة في ذلك الحديث ما يشمل قوت عياله قبل رجوعه عن الحج و بعده على ما هو مورد الحديث و مفروضه و أما استفادة استثناء المستثنيات منه فيشكل بما عرفته.

(الثاني)- قاعدة نفى العسر و الحرج و هذا الوجه لعله أخص من الوجه الأول لدلالته على استثنائها في خصوص ما إذا لزم العسر و الحرج من عدم استثنائها و أما استثناء مطلق ما يكون لائقا بحاله- من الثياب و الخادم و غيرهما- و لو مع عدم لزوم العسر و الحرج فلا. و لكن، لو تم الوجه الأول لأمكن القول باستثناء مطلق ما يكون لائقا بحاله لدخوله في مفهوم اليسار و السعة كما لا يخفى.

ثم إن تمام الكلام في استثناء ما ذكروه من المستثنيات بقاعدة نفى العسر و الحرج يكون بذكر أمور:

(الأول)- أن من الواضح أنه لو توقف حجه على بيع بعض المستثنيات لم يكن نفس الحج حرجيا عليه لإمكانه أن يبيع بعضها و يحج بثمنه مع كمال الراحة. نعم، ذلك مستلزم لأمر حرجي و هو فقده لما يحتاج إليه في معيشته فالحرج ليس ثابتا في أصل حجة بل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 108

يكون ثابتا في لازمه كما هو واضح.

و (من هنا) يشكل الأمر في التمسك بقاعدة نفى العسر و الحرج في إثبات عدم وجوب الحج عليه. و ذلك لان ما ثبت في الشريعة هو نفى الحكم الحرجي و المفروض أن وجوب الحج ليس حكما حرجيا عليه حتى يكون منفيا بها و إنما الحرج في لازمه، و هذا الإشكال سار في كل ما إذا كان الحج مستلزما لأمر حرجي. نعم إذا كان نفس أعمال

الحج حرجيا عليه يندفع وجوبه بها. و بالجملة، بعد أن لم يكن نفس الحج حرجيا عليه لا يمكن رفع وجوبه بقاعدة نفى العسر و الحرج من جهة توقفه على صرف بعض المستثنيات، أو الرواح متسكعا، أو استلزامه لأمر آخر حرجي، لما عرفت من أن ما تعلق به الحكم غير حرجي و ما هو حرجي لم يتعلق به الحكم.

و (الجواب) عن الإشكال: هو أن قاعدة نفى العسر و الحرج و ان لم نقل بجريانها بالنسبة إلى نفس وجوب الحج لما ذكر، و لكن لا إشكال في جريانها بالنسبة إلى صرف ما احتاج اليه من المستثنيات و يحكم بعدم وجوب صرفها فيه لكون المفروض أن صرفها فيه يوجب الحرج عليه فينفى بقاعدة نفى العسر و الحرج- كما تجري أيضا تلك القاعدة بالنسبة إلى نفس الذهاب متسكعا- و جريانها بالنسبة إلى صرف المستثنيات دليل على أن المراد مما في الأخبار من اشتراط كونه واجدا للزاد و الراحلة في وجوب الحج هو وجدانه لهما زائدا على ثمن المستثنيات لأن شمول الزاد و الراحلة لثمنها- بان يجعل ثمنها زادا أو راحلة- مناف لجريان قاعدة نفى العسر و الحرج بالنسبة إلى تلك المستثنيات كما لا يخفى.

و إن شئت (قلت): إن صرف ما يكون محتاجا اليه من المستثنيات، أو الذهاب متسكعا يكون مقدمة للحج و كلاهما حرجي، و قاعدة نفى العسر و الحرج إنما تجري فيما يكون رفعه بيد الشارع و وجوب المقدمة و ان لم يكن بنفسه قابلا لأن يرفعه الشارع لكن يكون رفعه بيد الشارع برفع منشئه و هو وجوب ذي المقدمة.

(الثاني)- أنه لا إشكال في أن المراد من العسر و الحرج هو الزائد على أصل مشقة السفر و الحج،

و إلا فجميع التكاليف فيها مقدار ما من المشقة. و لا إشكال أيضا في أنه ليس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 109

المراد منهما هو المرتبة العليا بحيث يصل الى حد انتفاء القدرة، بل المراد منهما هو مقدار من المشقة زائدا على أصل مشقة التكليف بحيث يعد ذلك عرفا عسرا و حرجا. و له مراتب مختلفة و ربما يحصل الشك في صدق العسر و الحرج فان جميع المفاهيم العرفية قد يقع الشك في بعض مواردها، كما ترى ذلك (في الماء) الذي هو من أوضح المفاهيم عند العرف. هذا. و لا يمكن تحديد مقدار العسر و الحرج بما في حديث عبد الأعلى الوارد في مسح من انقطع ظفر إصبعه و وضع عليه المرارة- لأنه لا يدل على عدم تحقق العسر و الحرج فيما إذا كانت المشقة فيه أقل مما في مفروض الحديث من المشقة.

و منه يعلم أنه لا يمكن أيضا تحديد مفهوم العسر و الحرج بالنظر الى الأحكام الحرجية الثابتة في الأمم السابقة- المنتفية في هذه الشريعة المقدسة- فإن ذلك لا يدل على عدم ارتفاع ما يكون أقل من تلك الأحكام مشقة كما لا يخفى.

و الحاصل: أن مفهوم العسر و الحرج لم يثبت له تحديد خاص فربما يقع الشك فيه و إذا وقع الشك فيه فيقع الكلام في أنه هل يمكن التمسك بإطلاق ما دل على وجوب الحج على من كان واجدا للزاد و الراحلة أو لا؟

تنقيح هذا مبتن على أنه هل يصح التمسك في صورة الشك بالعام إذا كان المخصص المنفصل مرددا مفهوما بين الأقل و الأكثر أو لا؟ و قد أثبتنا في محله: أن الحق هو الثاني لما حققناه من أن مرجع التخصيصات العنوانية

في الشريعة إلى التقييد و ان سميت بالتخصيص و على هذا فالمرجع في صورة الشك هو البراءة من وجوب الحج.

(الثالث)- أنه إذا لم يكن له زاد و راحلة زائدا على المستثنيات و لكن مع ذلك صرف بعضها منها في زاد السفر و راحلته و تحمل ما توجه عليه من العسر و الحرج في صرف ما يحتاج إليه في معيشته في مصرف حجه فهل يكون حجه كذلك مجزيا عن حجة الإسلام أو لا؟

ان قلنا ان حج غير المستطيع مجز عن حجة الإسلام- إلا في الصبي و العبد لورود النص فيهما- فلا إشكال في الإجزاء فيما نحن فيه لكن الكلام انما هو بناء على أن حج غير المستطيع غير مجز عن حجة الإسلام كما هو الحق و أنه مع ذلك هل يصح الالتزام بالأجزاء في الحج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 110

المفروض أو لا؟.

يمكن أن يقال بالأجزاء، و ذلك لأن استثناء المستثنيات في الحج انما ثبت بدليل نفى العسر و الحرج و دليل نفى العسر و الحرج امتنانى فلا ينفى به الا الإلزام و أما الملاك فهو ثابت في عمله. و إلا فلم يكن في انتفاء الوجوب امتنان له و الحكم بوجوب الإعادة عليه خلاف الامتنان كما لا يخفى فإذا لو حج و استلزم صرف ما يحتاج إليه في معيشته فلوجود الملاك في عمله يحكم باجزاء حجه عن حجة الإسلام فهذا نظير ما إذا كان الوضوء حرجيا عليه و تحمل الحرج بناء على ما هو الحق من صحة وضوئه هذا.

يمكن أن يقال أنه فرق بين المحل المفروض و مسألة الوضوء و هو أنه لا إشكال في أن وجدان الزاد و الراحلة حسب ما يستفاد من الأخبار

المتقدمة موضوع لوجوب حجة الإسلام و قد مر: أن جريان قاعدة نفى العسر و الحرج في المستثنيات دليل على أن المراد من وجدانهما هو وجدانهما مع قطع النظر عنها و بضم هاتين المقدمتين يتحصل أن موضوع حجة الإسلام ليس مطلق الزاد و الراحلة بحيث يشمل الزاد و الراحلة الحاصلين من ثمن المستثنيات بل الموضوع هو الزاد و الراحلة زائدا عليها فمن لم يكن له ذلك ليس حجة حجة الإسلام لانتفاء موضوعها. نعم، لو كان الحرج في نفس أعمال الحج صح تنظيره بمسألة الوضوء.

هذا و لكن فيما ذكرنا من تقريب عدم الإجزاء إشكال سيأتي بيانه- إنشاء اللّه تعالى- عند ذكر المصنف (قده) لمسألة إجزاء حج الغير المستطيع عن حجة الإسلام و عدمه

[المسألة الحادية العشرة لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه]

قوله قده: (لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه و كان عنده دار مملوكة فالظاهر وجوب بيع المملوكة إذا كانت وافية لمصارف الحج أو متممة لها.

لا إشكال في صدق عنوان المستطيع عليه الا إذا فرض احتياجه إلى إجارة داره المملوكة للرجوع إلى الكفاية أو فرض أن انتقاله منه الى داره المملوكة حرج عليه و ذلك واضح كما أن من الواضح عدم وجوب نفس بيع داره المملوكة عليه فله أن يحج متسكعا لما بينا سابقا ان صرف المال في الحج ليس واجبا فلو لم بيع داره و حج متسكعا لم يكن عليه أثم و كان حجه مجزيا و على هذا فما ذكره المصنف (قده)- من قوله: «الظاهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 111

وجوب بيع داره المملوكة»- بظاهره غير صحيح. و الظاهر مراده ما ذكرنا من أنه داخل في عنوان المستطيع فلو فرضنا أنه لا يمكنه الحج إلا ببيع داره المملوكة وجب ذلك عليه

من باب المقدمة الوجودية.

[المسألة الثانية عشرة لو كانت المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب القيمة]

قوله (قده): (لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها لكن كانت زائدة بحسب القيمة و أمكن تبديلها بما يكون أقل قيمة مع كونه لائقة بحاله أيضا فهل يجب التبديل للصرف في نفقة الحج أو لتتميمها؟ قولان من صدق الاستطاعة، و من عدم زيادة العين عن مقدار الحاجة و الأصل عدم وجوب التبديل. و الأقوى الأول إذا لم يكن فيه حرج أو نقص عليه و كانت الزيادة معتدا بها الى. أن قال: نعم لو كانت الزيادة قليلة جدا بحيث لا يعتنى بها، أمكن دعوى عدم الوجوب و ان كان الأحوط التبديل أيضا.).

ما اختاره المصنف (قده) من صدق عنوان المستطيع على مثل هذا الشخص فحكم بوجوب الحج عليه مما لا إشكال فيه لكونه واجدا لما يحج به و أما ما ذكره (قده) في ذيل المسألة من التفصيل- بينما إذا كانت الزيادة قليلة جدا بحيث لا يعتنى بها فيمكن القول بعدم وجوب الحج عليه و ما إذا لم يكن كذلك- فغير صحيح و ذلك لأن بعد فرض كون تلك الزيادة القليلة متممة لنفقة الحج على ما هو مفروض المسألة لا إشكال في كونه واجدا لما يحج به.

[المسألة الثالثة عشرة عدم جواز شراء المستثنيات و ترك الحج]

قوله قده: (إذا لم يكن عنده من الأعيان المستثنيات لكن كان عنده ما يمكن شراءها به من النقود أو نحوها ففي جواز شرائها و ترك الحج إشكال. بل الأقوى عدم جوازه، إلا أن يكون عدمها موجبا للحرج عليه. فالمدار في ذلك هو الحرج و عدمه، و حينئذ فإن كانت موجودة عنده لا يجب بيعها إلا مع عدم الحاجة. و ان لم تكن موجودة لا يجوز شراءها إلا مع لزوم الحرج في تركه و لو كانت موجودة و باعها

بقصد التبديل بآخر لم يجب صرف ثمنها في الحج فحكم ثمنها حكمها و لو باعها لا بقصد التبديل وجب بعد البيع صرف ثمنها في الحج إلا مع الضرورة إليها على حد الحرج في عدمها.،

قد عرفت فيما تقدم أن المدرك في استثنائها هو قاعدة نفى العسر و الحرج و بناء عليه لا فرق في الحكم بذلك بينما إذا كان واجدا لأعيان المستثنيات أو كان واجدا لثمنها فإن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 112

الأمر بناء عليه دائر مدار لزوم العسر و الحرج فكما يحكم باستثنائها بالنسبة الى من كان واجدا للأعيان في صورة ما إذا كان بيعه لها مستلزما للحرج عليه دون صورة عدمه كذلك يحكم بذلك بالنسبة الى من كان واجدا لثمنها لو كان تركه لشراء الأعيان مستلزما للحرج عليه دون صورة عدمه و ذلك لكون المدرك في كليهما واحد فما أفاده المصنف (قده) من التفصيل- بينما إذا كان واجدا للأعيان أو كان واجدا لثمنها فعلى (الأول) تكون الأعيان مستثناة بمجرد تحقق الحاجة إليها و على (الثاني) لا يكون ثمنها مستثناة ما لم يصل الى حد الحرج- ليس بصحيح فان الميزان في كليهما واحد و هو لزوم الحرج و عدمه. ثم، لو كان واجدا للأعيان و باعها ففي ثمنها أيضا يتأتى عين هذا الكلام فيكون ثمنها أيضا مستثناة مع لزوم الحرج و عدمه مع عدم لزومه بلا فرق في ذلك بينما إذا كان بيعه لها بقصد التبديل أو لم يكن كذلك فما أفاده المصنف (قده) من التفصيل بينهما- بأنه لو كان باعها بقصد التبديل كان ثمنها مستثناة بمجرد تحقق الحاجة و لو لم يكن باعها بقصد التبديل فيجب صرف ثمنها في الحج الا مع لزوم

الحرج، أيضا- غير صحيح. و العجب من المصنف (قده) حيث أنه تمسك في أصل مسألة استثناء المستثنيات بقاعدة نفى العسر و الحرج و في هذه المسألة فصل بين الفروع مع أن المدرك في الجميع واحد سواء تمسكنا بقاعدة نفى العسر و الحرج كما فعله المصنف (قده) و اخترناه أم تمسكنا بما في بعض الأخبار من عنوان اليسار و السعة.

[المسألة الرابعة عشرة تقديم الحج على النكاح]

قوله قده: (إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحج و نازعته نفسه الى النكاح صرح جماعة بوجوب الحج و تقديمه على التزويج. بل قال بعضهم و ان شق عليه ترك التزويج و الأقوى وفاقا لجماعة أخرى عدم وجوبه مع كون ترك التزويج حرجا عليه، أو موجبا لحدوث مرض، أو للوقوع في الزنى و نحوه.

قال في الشرائع: (لو كان معه قدر ما يحج به فنازعته نفسه الى النكاح لم يجز صرفه فيه و ان شق عليه تركه و كان عليه الحج).

و قال في الجواهر بعد نقل كلام المحقق- طاب ثراه-: (كما في القواعد؛ و محكي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 113

المبسوط؛ و الخلاف؛ و التحرير؛ لصدق الاستطاعة المقتضية لوجوب الحج الذي لا يعارضه النكاح المستحب. بل في الثلاثة الأخيرة: و إن خاف العنت خلافا لبعض العامة في الأخير.

بل في محكي (ير): (أما لو حصلت المشقة العظيمة فالوجه عندي تقديم النكاح). و نحوه في (س)، و محكي (هي). بل في المدارك عنه تقديمه في المشقة العظيمة التي لا تتحمل في العادة و في الخوف من حدوث مرض، أو الوقوع في الزنا. و هو جيد كما هو خيرة السيد المزبور. وجده. و الكركي على ما قيل، لما تقدم من نفى الضرر و الضرار و الحرج و نحو ذلك).

و

لا يخفى: أن مع فرض لزوم العسر و الحرج من تركه الظاهر أنه لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج عليه. و أما لو فرضنا عدم لزوم العسر و الحرج من تركه للنكاح و لكن كان له العلم بأنه لو لم يصرف أمواله في مصرف النكاح لوقع في الزنا اختيارا فهل يتعين عليه الحج أو له تركه و صرف أمواله في النكاح فرارا عن الوقوع في الزنا؟

الأقوى في النظر هو الأول لأن المفروض عدم كون ترك النكاح حرجا عليه.

و أما وقوعه في الزنا فهو مستند الى سوء اختياره كما لا يخفى. فلا وجه لسقوط وجوب الحج عنه فعليه أن يحج كما أن عليه ترك الزنا.

هذا كله بعد فرض تحقق جميع شرائط وجوب الحج له. و أما لو لم يكن كذلك لفقد بعض شرائطه غير وجدان المال و فرض أنه صرف أمواله في مصرف النكاح ثم بعد ذلك حصل له ذلك الشرط فلا إشكال في عدم وجوب الحج عليه حينئذ لفقده الاستطاعة المالية كما لا يخفى. و لو كانت له زوجة دائمة و نفقتها تمنع عن ذهابه الى الحج لعدم وفاء ماله لمؤنة حجه و نفقة زوجته معا لم يجب عليه طلاقها و ان لم يكن في طلاقها حرج عليه فان ذلك يعد تحصيلا للاستطاعة و هو غير واجب.

[المسألة الخامسة عشرة فيما إذا كان له دين بمقدار مؤنة الحج]

قوله قده: (إذا لم يكن عنده ما يحج به و لكن كان له دين على شخص بمقدار مؤنته أو ما تتم به مؤنته فاللازم اقتضائه و صرفه في الحج إذا كان الدين حالا و كان المديون باذلا لصدق الاستطاعة حينئذ.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 114

قال في الشرائع: (لو كان له دين و هو قادر على اقتضائه

وجب عليه).

توضيح المقام هو أن دينه (تارة) يكون حالا و (اخرى) يكون مؤجلا أما الأول:

(فتارة) يكون أخذه منه مستلزما للعسر و الحرج فلا إشكال في عدم وجوب الحج عليه و (أخرى) لا يكون أخذه منه مستلزما لذلك و حينئذ (تارة) يتوقف أخذه منه على صرف المطالبة و السؤال من دون مشقة و (اخرى) يكون فيه مقدار من المشقة الذي لم يبلغ الى حد العسر و الحرج كما إذا استلزم المرافعة إلى حاكم الشرع بلا حرج في ذلك و كذا إذا توقف استيفائه على الرجوع الى حاكم الجور بناء على ما هو الحق من جواز الرجوع اليه لاستنقاذ الحق الثابت لا لإثبات الحق و الأقوى في النظر في كلتا الصورتين وجوب الحج عليه وفاقا للمصنف و صاحب المدارك- قدس سرهما- و ذلك لصدق الاستطاعة فإنها قد فسرت في النصوص الواردة في تفسيرها بأن يكون له ما يحج به و في كلتا الصورتين لا إشكال في صدق أن له ذلك لعدم الفرق في شمولها بينهما إذا كان ما يتوقف عليه الحج موجودا عنده، أو كان عند غيره أو كان في ذمة غيره و لكن كان أخذه منه محتاجا إلى المطالبة و ليس طلب ماله منه تحصيلا للاستطاعة كما لا يخفى بل هو كأخذ ماله من صندوقه مقدمة وجودية للواجب و فرض توقفه على مشقة في بعض الأحيان ليس إلا كفرض توقف أخذ المال الموجود في صندوقه على وجدان المفتاح بالفحص بأن فرضنا أنه قد ضل و يكون في الفحص عنه أو تحصيل مفتاح آخر مقدار من المشقة. و لم يقل أحد بعدم وجوب الحج في هذا المثال، فكذلك في المحل المفروض بلا فرق، و كما إذا كان

له مال في بلد آخر و توقف أخذه إلى الحوالة مع مقدار من المشقة، فيحكم في المحل المفروض بوجوب الحج عليه، لصدق عنوان المستطيع عليه فلا يقاس ما نحن فيه بالاستيهاب كما هو واضح.

هذا كله إذا كان الدين حالا. و أما إذا كان مؤجلا فالأقوى عدم وجوب الحج عليه حينئذ و لا يجب مطالبته عليه حتى مع فرض عدم استلزامها العسر و الحرج. بل مع فرض عدم لزوم المشقة و لو قليلا، و ذلك لأن المطالبة منه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب. و الفرق بين الصورتين هو أن في الصورة السابقة كان له السلطنة شرعا على أخذ ماله من المديون و لو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 115

جبرا، فيصدق عليه عنوان أن «له ما يحج به» و أما في هذه الصورة فليس له شرعا ذلك.

و قد عرفت أن الاستطاعة قد فسرت في النصوص بكونه واجدا لما يحج به، و هذا الشخص و ان يصدق عليه أن له مالا لاشتغال ذمة المديون بماله، لكنه لا يصدق عليه عنوان أنه واجد لما يحج به، لعدم السلطنة له شرعا على ذلك المال و لو كان قادرا على المشي و عدم صرف المال، و ذلك لأن المعتبر في تحقق الاستطاعة الموجبة لوجوب الحج هو وجود مال يحج به، و ليس صرفه دخيلا في تحققها و قد مر تحقيقه في محله مفصلا و قلنا: إن لزوم صرف المال في صورة توقف المسير عليه إنما هو من باب المقدمة الوجودية. و هذا بخلاف واجديته لنفس المال لدخله في موضوع الحكم كما هو واضح. نعم، في مثل مفروض المقام مع الوثوق بتمكن المديون من الأداء يمكن القول بوجوب الاقتراض في

فرض توقف المسير على صرف المال لتوقف الإتيان بالواجب عليه، فيصير الاقتراض حينئذ من المقدمات الوجودية لا من المقدمات الوجوبية كما لا يخفى، لأن العرف يرونه متمكنا و واجدا حينئذ. فعلى هذا لا يبقى مجال لما قيل في المقام: بأنه بعد مطالبة ماله من المديون و أخذه منه يحصل له السلطنة عليه و جواز التصرف، و لكنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب. نظير المحجور عن التصرف الذي لا كلام فيه أن رفع الحجر عن التصرف يكون من تحصيل الاستطاعة.

و (من هنا يعلم) صحة ما قيل: إن المديون لو بذل المال قبل حلول الأجل، فالظاهر وجوب الحج عليه، لتحقق موضوعه. نعم، أن ما قيل إنما يتم في الموارد التي يتوقف تحصيل المال على عمل حتى مثل القبول في الهبة.

[المسألة السادسة عشرة لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال]

قوله قده: (لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال و إن كان قادرا على وفائه بعد ذلك بسهولة لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب.

بلا كلام في ذلك قال في الشرائع: (و لا يجب الاقتراض للحج إلا أن يكون له مال بقدر ما يحتاج إليه زيادة عما استثناه). و وافقه صاحب الجواهر و غيره فعلى هذا لو اقترض و حج لم يجز حجه عن حجة الإسلام سواء كان واثقا بأدائه أم لا و ذلك لعدم صدق عنوان المستطيع عليه كما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 116

قوله قده: (نعم لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلا، أو مال حاضر لا راغب في شرائه، أو دين مؤجل لا يكون المديون باذلا له قبل الأجل، و أمكنه الاقتراض و الصرف في الحج ثم وفائه بعد ذلك، فالظاهر وجوبه لصدق الاستطاعة حينئذ

عرفا. إلا إذا لم يكن واثقا لوصول الغائب أو حصول الدين بعد ذلك.

قال في الشرائع: (و لا يجب الاقتراض للحج، إلا أن يكون له مال بقدر ما يحتاج إليه زيادة عما استثناه). و قال في المدارك: (و لقد أحسن الشهيد (ره) في الدروس حيث قال: (و يجب الاستدانة عينا إذا تعذر بيع ماله و كان وافيا بالقضاء و تخييرا إذا أمكن الحج بماله و يستفاد من وجوب الاستدانة إذا تعذر بيع ماله أنه لو كان له دين مؤجل يكفي للحج و أمكنه اقتراض ما يحج به كان مستطيعا و هو كذلك لصدق التمكن من الحج).

و وافقه في ذلك صاحب الجواهر (ره). و خالفهم في ذلك صاحب المنتهى- رضوان اللّه تعالى عليه- على ما يظهر من محكي كلامه حيث قال: (من كان له مال فباعه قبل وقت الحج مؤجلا الى بعد فواته سقط عنه الحج لأنه غير مستطيع).

لا كلام لنا في ذلك لكونه الموافق للقواعد المستفادة من النصوص الواردة في تفسير الاستطاعة و أما ما أفاده صاحب المنتهى- رضوان اللّه تعالى عليه- فقابل للمناقشة لعدم تمامية ما قيل من الوجه حتى في صورة الاطمئنان و الوثوق بإمكان الأداء و العلم ببقاء المال الى زمان الذي استفدنا لزوم بقاءه من الروايات مثل الاستطاعة البدنية و غيرها مما له الدخل في تمامية موضوع وجوب الحج حدوثا و بقاء إلى مدة معينة حسب ما بينا في محله من الاختلاف فيها فمع فرض وجود المال على النحو الذي اعتبرناه فلا إشكال في فعلية الموضوع مع فرض وجود جميع الشرائط، فلا يكون الاقتراض حينئذ في مثل مفروض المقام إلا لأجل تحصيل المقدمة الوجودية المنحصرة لو لم يتمكن من المسير ماشيا أو

بنحو آخر. أو الغير المنحصرة لو تمكن من المسير بنحو آخر فما أفاده المصنف (قده) و غيره من وجوب الاقتراض هو الصحيح مع فرض الاطمئنان و الوثوق ببقاء الموضوع إلى مدة معينة.

[المسألة السابعة عشرة إذا كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين]
اشارة

قوله قده: إذا كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين ففي كونه مانعا عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 117

وجوب الحج مطلقا سواء كان حالا مطالبا به أو لا أو كونه مؤجلا أو عدم كونه مانعا إلا مع الحلول و المطالبة أو كونه مانعا إلا مع التأجيل أو الحلول مع عدم المطالبة أو كونه مانعا إلا مع التأجيل و سعة الأجل للحج و العود أقوال؟ و الأقوى كونه مانعا إلا مع التأجيل و الوثوق بالتمكن من أداء الدين إذا صرف ما عنده في الحج.

قال المحقق- طاب ثراه- في الشرائع: (و لو كان له مال و عليه دين بقدره لم تجب إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم بالحج). و استدل على ذلك في المنتهى على ما حكاه صاحب المدارك: (لعدم تحقق الاستطاعة مع الحلول و توجه الضرر مع التأجيل). و استجود في الجواهر: القول بالوجوب في المؤجل دون الحال و ان لم يطالب به صاحبه الذي قد خوطب المديون بوفائه قبل الخطاب بالحج ثم أمر بالتأمل، و في المدارك: فصل بين ما إذا توجه اليه الضرر- فلا يجب عليه الحج- و بينما لم يتوجه اليه الضرر كما إذا كان الدين مؤجلا أو حالا لكنه غير مطالب به و كان المديون وجه للوفاء بعد الحج فيجب عليه الحج و قال في محكي كشف اللثام: (و للشافعية في المؤجل بأجل وجه بالوجوب و لا يخلو من قوة). و فصل صاحب المستند: بين صورة

التعجيل أو عدم سعة الأجل مع عدم رضى الدائن بالتأخير فهو مخير بين الحج و أداء الدين و ما إذا لم يكن كذلك بان كان مؤجلا مع سعة الأجل أو رضى الدائن بالتأخير فعليه الحج معينا لعدم المزاحم له.

لا ينبغي الإشكال في وجوب الحج عليه إذا كان دينه مؤجلا و كان بحيث يفي أيام الأجل مقدار درك الحج و رجوعه و كان واثقا بالتمكن من الأداء بعد الحج و كذا إذا كان الدائن راضيا بالتأخير و ذلك لأن صرف وجود الدين مع عدم وفائه غير رافع لموضوع وجوب الحج- أعنى الاستطاعة- كما سيظهر لك ذلك و أما إذا كان حالا و لم يكن الدائن راضيا بالتأخير أو كان مؤجلا لكنه غير واثق من الأداء بعد الحج فحينئذ يقع الكلام في أنه هل يقدم الدين أو الحج أو ما هو الأقدم سببا أو التخيير في ذلك؟ وجوه:

الوجه الأول أن يقال بتقديم الدين.
اشارة

و ما يمكن الاستدلال به على ذلك أمور:

(الأول)- أهمية حق الناس من حق اللّه تعالى،

فيقدم الدين عليه من باب الأهمية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 118

و فيه: أنه و إن اشتهر ذلك عند المتشرعة لكنه لم يرد دليل تعبدي بالخصوص على أهمية حق الناس من حق اللّه تعالى على الإطلاق، و عقولنا قاصرة عن إدراك الملاكات الثابتة للأحكام لعدم إمكان الاطلاع عليها بدون بيان من الشارع و ذلك لعدم الإحاطة بالملاكات لغير علام الغيوب كما هو واضح فرب حق للّه تعالى يكون ملاكه و مصلحته أشد و أقوى بمراتب من ملاك حق الناس و يوجب ذلك تقديمه عليه.

(الثاني)- أن من كان عليه دين و لم يكن ماله وافيا بأداء دينه و حجه معا لم يصدق عليه أنه موسر عرفا

و قد فسر في بعض الأخبار- الواردة في تفسير الاستطاعة الموجبة لوجوب الحج- باليسار كما في خبر عبد الرحيم القصير الذي سيأتي ذكره- إن شاء اللّه تعالى- في البحث عن اعتبار الرجوع الى الكفاية و عدم اعتبارها و (من هنا) ربما يتجه القول بعدم وجوب الحج عليه، لعدم تحقق موضوعه له و هو الاستطاعة جامعا للشرائط و لو مع تأجيل الدين أو مع رضى الدائن بالتأخير لكونه غير موسر.

و فيه (أولا): بعد تسليم صحة سند ذلك الخبر أنه بناء على القول بعدم وجوب أداء الدين عليه و الحج معه، نمنع عدم صدق عنوان اليسار و إنما لا يصدق ذلك العنوان بناء على القول بوجوب اختيار أداء الدين.

و (ثانيا): قد عرفت أن الأخبار الأخر- الواردة في تفسير الاستطاعة بالزاد و الراحلة- في الحقيقة مبينة للمراد من اليسار في ذلك الخبر فالمراد منه بناء عليه ليس إلا الزاد و الراحلة و المفروض وجدانه لهما.

(الثالث): أن من مرجحات باب التزاحم على ما تقرر في محله هو كون القدرة في أحدهما شرعية و في الآخر عقلية

و ما نحن فيه من هذا القبيل و ذلك لأن وجوب الحج مشروط بالقدرة الشرعية، و هذا بخلاف وجوب أداء الدين لكونه مشروط بالقدرة العقلية فيقدم الدين عليه.

و فيه (أولا): أنه لم يرد آية و لا رواية على تقديم ما هو مشروط بالقدرة العقلية على ما هو المشروط بالقدرة الشرعية و ما ذكروه في الأصول في وجه التقدم لا يخلو عن المناقشة و الإشكال.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 119

هذا مضافا الى ما قلنا في محله: بأن المشروط بالقدرة الشرعية بعد تحقق جميع ما له الدخل في تحقق موضوعه يخرج عن كونه مشروطا بالقدرة الشرعية و مفروض المقام يكون كذلك لأن الحج و إن كان مشروطا بالقدرة الشرعية و هي الاستطاعة المذكورة في

الآية الشريفة التي قد فسرت في الأخبار الواردة بالزاد و الراحلة و تخلية السرب و لكن المفروض أن المديون واجد لها فموضوع الوجوب المشروط بالقدرة الشرعية قد تحقق بجميع أجزائه و شرائطه و ليس بعد مشروطا بشي ء آخر إلا بالقدرة العقلية فحال وجوب الحج بعد تحقق موضوعه حال الدين فلا ترجيح لأحدهما على الآخر لكون المفروض أن القيد الزائد المأخوذ في وجوب الحج قد تحقق.

(الرابع)- أن الدائن كما يكون مطالبا لدينه قبل الحج،

كذلك يطالبه بعد الرجوع عنه ان لم يعطه المال قبله فيلزمه أن يعطيه دينه بعده و إذا أدى دينه لم يبق له الرجوع الى الكفاية الذي هو من قيود الاستطاعة فهو غير مستطيع.

و لا يخفى: أنه إنما يتم فيما إذا لم يثق بالتمكن من الأداء بعد الحج فعليه لا إشكال في عدم وجوب الحج عليه و لكن لا من جهة تقدم الدين على الحج بل من جهة فقدان قيد آخر من قيود الاستطاعة و هو الرجوع الى الكفاية. و أما إذا فرضنا وثوقه بذلك مع وجود الرجوع الى الكفاية فصرف كون الدائن مطالبا للأداء قبل الحج مع فرض كون الدين حاليا لا يوجب عدم وجوب الحج عليه بل يقع التزاحم حينئذ بينهما و المدار في التقديم فيها هو الأهمية و (من هنا) يظهر أنه لا يصح القول بالتخيير في صورة التأجيل و ذلك لأنه إما واثق بالتمكن من الأداء بعد الحج مع ثبوت الرجوع الى الكفاية أولا، فإن وثق بذلك كان عليه الحج معينا لكونه بلا مزاحم و إن لم يثق بذلك كان عليه أداء الدين معينا لعدم واجديته للرجوع إلى الكفاية.

(الخامس)- صحيح معاوية بن عمار

و سيأتي ان شاء اللّه تعالى ذكره و تقريب الاستدلال به و دفعه في الوجه الثاني.

(الوجه الثاني):- أن يقال بتقديم الحج على الدين.
اشارة

و ما يمكن الاستدلال به على ذلك أمور:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 120

(الأول)- أهميته من الدين

و يستكشف ذلك من التشديدات الكثيرة الواردة في تركه و تسويفه و لا أقل من صيرورتها منشأ لاحتمال الأهمية و قد حقق في محله: أنه يكفي في ترجيح أحد المتزاحمين على الآخر احتمال الأهمية.

و فيه (أولا): أن مثل مفروض المقام يكون من التزاحم في مرحلة الجعل و التشريع لا من تزاحم الخطابين الذي قلنا فيه بتقدم ما هو الراجح منهما بأحد المرجحات المخصوصة المرجحة لأحد الخطابين الذين تزاحما في أخذ قدرة المكلف و إشغاله بنفسه على الآخر، و دون المرجحات التي ترجح بها احدى البينتين على الأخرى. و غير المرجحات التي يرجح بها إحدى اليدين على الأخرى. و غير المرجحات التي ذكروها في ترجيح أحد الخبرين على الآخر كما لا يخفى.

و (ثانيا): لو فرضنا كون المقام من تزاحم الخطابين. أو قلنا بأن المرجحات باب تزاحم الخطابين خصوصا الترجيح بالأهمية منها التي هو المرجح الحقيقي في باب التزاحم هو المرجح في مقام الجعل و التشريع أيضا. دون ما ذكر من المرجحات الأخر و لكنه ليس لنا طريق الى استكشاف الأهم و المهم ضرورة: ان ما يمكن أن يكون طريقا اليه و صالحا لكشف الأهم منحصر في ثلاث.

(الأول)- كون أحدهما من الكبائر المكفرة بالكسر و الآخر من الكبائر المكفرة بالفتح.

(الثاني)- كون أحدهما في عداد ما بنى عليه السلام دون مزاحمة.

(الثالث)- من أشدية تبعات عصيان أحدهما على تبعات عصيان الآخر.

(الرابع)- من ناحية حق اللّه تعالى و حق الناس و لكن جميعها قابلة للمناقشة و الإشكال أما (في الأول): فلأنه لو سلمنا تقدم المكفرة بالكسر على المكفرة بالفتح كبرويا إنما يفيدنا ذلك في المقام بناء

على تسليم كون ترك الحج من الكبائر المكفرة بالكسر و ترك أداء الدين من الكبائر المكفرة بالفتح فلا بد أولا من إثبات الكبرى ثم إثبات أن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 121

أيا منهما من الكبائر المكفرة بالكسر فلا تغفل.

و أما (في الثاني): فلما هو المسلم من أهمية بعض الواجبات على بعض ما عد مما بنى عليه الإسلام.

و أما (في الثالث): فلعدم كون التشديد و تبعات ترك الحج الواجب أشد مما ذكر في ترك أداء الدين مع مطالبة الدائن و يسار المديون كما لا يخفى.

و أما (في الرابع) فقد تقدم ما فيه فلا نعيده.

(الثاني)- خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه

عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: الحج واجب على الرجل و إن كان عليه دين «1».

و نحوه صحيحة معاوية بن عمار: سألت أبا عبد اللّه عن رجل عليه دين أ عليه أن يحج قال- عليه السلام-: نعم ان حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، و لقد كان أكثر من حج مع النبي مشاة. «2». أما دلالة الحديث الأول على المطلوب فواضح لتصريحه- عليه السلام- فيه بوجوب الحج عليه مع اشتغال ذمته بالدين كما هو المفروض و أما دلالة صحيح معاوية بن عمار فتقريب الاستدلال به على المدعى هو إن قوله- عليه السلام- (نعم أن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي) مفاده كما ترى هو وجوب الحج عليه إذا أطاق المشي و لو كانت ذمته مشغولة بالدين. فمفهومه أنه مع وجود الدين لو لم يطق المشي كان عليه الرواح الى الحج مع الراحلة، فهذا دليل على تقديم الحج على الدين.

و (فيه): أنه لو سلمنا مفهوما لهذا الصحيح فمفهومه ليس ما ذكر في

تقريب الاستدلال بل مفهومه أنه لو لم يطق المشي لم يجب عليه الحج لحكمه- عليه السلام- بوجوب الحج إذا أطاق المشي، فمقتضى الأخذ بالمفهوم أن يقال: إنه لو لم يطق المشي لم يذهب الى الحج، بل عليه أن يؤدى دينه تعيينا، فجعل هذا الصحيح دليلا على تقديم الدين على الحج كما مرت الإشارة إليه أولى من العكس كما لا يخفى. و أما إيجاب الحج ماشيا مع وجود الدين كما هو صريح

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 50- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(2) الوسائل- ج 2- الباب 11- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 122

المنطوق فلعدم مزاحمته مع أداء الدين و يمكن أن يكون هذا قرينة على ارادة المعنى اللغوي من الوجوب لا الاصطلاحي.

هذا كله إذا لم يكن مفروض السؤال هو واجدية الرجل لجميع شرائط وجوب الحج حتى الاستطاعة المالية أيضا. و إلا لصح القول: بأن الصحيحة في مقام بيان ان ما هو الشرط في الاستطاعة المالية هو واجديته فقط لا الصرف في مصرف الحج، فإذا كان له الزاد و الراحلة و مقدار نفقة العيال و الرجوع الى الكفاية بناء على القول به يجب عليه الحج و لو كان ماشيا إذا أطاق المشي و إبقاء الراحلة و غيرها على حالها و صرفها في مصارفه اللازمة و الواجبة و غيرها بعد رجوعه عن الحج بناء على اعتبار بقاء هذا الشرط الى زمان أداء المناسك و رجوعه الى وطنه بحسب طبعه و عليه فالصحيحة أجنبية عن المقام و إنما هو من الطائفة الدالة على عدم اشتراط الراحلة في حق من أطاق المشي و تقدم ذكره في تلك الأخبار،

و مما ذكرنا يظهر ما في دلالة خبر عبد الرحمن لاحتمال أن يكون المراد من قوله- عليه السلام- (و ان كان عليه دين) هو عدم اختصاص وجوب الحج بمن كانت له الاستطاعة المالية من جميع الجهات بل ربما يتوجه الوجوب الى من ليس كذلك بان لا يكون واجدا للراحلة، لكنه فيما إذا أطاق المشي، فلا يتم الاستدلال به.

و أما ما ورد من صحيح الكناني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت له:

أ رأيت الرجل ذا المال حين يسوف الحج كل عام و ليس يشغله منه إلا التجارة أو الدين؟

فقال: لا عذر له يسوف الحج إن مات و قد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1» فالظاهر من قوله: (الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل عام) هو كون الرجل ذو سعة و ثروة بمقدار لم يكن دينه مانعا عن الحج في كل عام و إنما هو متوان في الحج و يكون اعتذاره بالدين فرارا عن الحج تهاونا كاعتذاره بالتجارة.

و أما ما ورد عن معاوية بن وهب عن غير واحد قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام- يكون على الدين فتقع في يدي الدراهم فان وزعتها بينهم لم يبق شي ء فأحج بها أو

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 123

أوزعها بين الغرماء؟ فقال: تحج بها و ادع اللّه أن يقضى عنك دينك «1». و نحوه في الصحيح عن العطار، فهو قضية في واقعة لم يعلم أنه هل كان دين الراوي حالا أو مؤجلا؛ يرضى الدائن بالتأخير أو لا؛ كان حجه استحبابيا أو وجوبيا.

(الثالث)- الأخبار الدالة على أن دين اللّه أحق أن يقضى

- منها:

1- عن ابن عباس ان

امرأة من جهينة جائت إلى النبي- صلى اللّه عليه و آله و سلم- فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أ فأحج عنها؟ قال: نعم حجى عنها أ رأيت لو كان على أمك دين أ كنت قاضيته اقضوا اللّه فاللّه أحق بالوفاء «2».

2- ما رواه في الذكرى عن البخاري، و غيره عن ابن عباس، قال رجل: أن أختي نذرت أن تحج و إنها ماتت، فقال النبي- صلى اللّه عليه و آله-: لو كانت عليها دين أ كنت قاضيته؟ قال نعم، فاقض دين اللّه، فهو أحق بالقضاء «3».

3- ما رواه أيضا في الذكرى عن كتاب غياث سلطان الورى [1]، أن امرأة خثعمية سألت رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- أن أبي أدركه فريضة الحج، شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج ان حججت أ ينفعه ذلك؟ فقال لها: أ رأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أ كان ينفعه ذلك؟ قالت نعم، قال: فدين اللّه أحق بالقضاء «4». و ذكر نحوه في مستدرك الوسائل عن تفسير أبي الفتوح، و في ذيله «فدين اللّه أحق» «5» و ذكر نحوه في التذكرة في مسألة عدم وجوب الحج على الفقير و الزمن و في ذيله «فدين اللّه أحق أن يقضى».

و هذه الأحاديث بعد غمض العين عن سندها لا دلالة لها على المطلوب، أما الأولان منها فلأن قوله- صلى اللّه عليه و آله- في خبر ابن عباس: «أحق بالوفاء» و قوله «أحق

______________________________

[1] للسيد سعيد رضى الدين أبي القاسم بن على بن الطاوس الحسيني رحمة اللّه تعالى عليه.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 50، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10.

(2) الحديث- 2320- من كتاب المنتقى لعبد

السلام بن تيمية الحراني نقلا عن البخاري.

(3) في الذكرى في الحكم الخامس من أحكام الأموات.

(4) في الذكرى في الحكم الخامس من أحكام الأموات.

(5) المستدرك- ج 2، الباب- 18- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 124

بالقضاء» ليس مفاده كون حق اللّه تعالى أهم من حيث الملاك من حق الناس- بان يكون الملاك الموجود في حقوق اللّه أقوى و أكثر و أشد من الملاك الموجود في حقوق الناس، حتى يكون ذلك موجبا لتقدم حق اللّه تعالى عند التزاحم مع حق الناس، و أيضا ليس مفاده ترجيح حق اللّه تعالى على حق الناس من جهة كون ترك حقوق اللّه الواجبة معصية للّه تعالى، كيف و ترك حقوق الناس الواجبة أيضا معصية للّه تعالى- بل يكون مفاده قضية ضرورية عند العقل: و هي أن من له اهتمام بحقوق الناس و لا يهتم بحقوق اللّه تعالى كان ذلك كاشفا عن أن اللّه (جلت عظمته) صغير في عينه و لا يعتنى به بمقدار اعتنائه بالناس و كان الخالق عنده أحقر من المخلوق و هذا كما ترى غير مربوط بمسألة ترجيح حق اللّه الواجب على حق الناس الواجب من جانب اللّه ايضا عند المزاحمة. و أما الحديث الثالث فان المقصود من قوله: «فدين اللّه أحق بالقضاء» أنه أحق أن يصح قضائه بقرينة كون السؤال عن ذلك، حيث قال: «أ ينفعه ذلك؟» فعدم دلالته على المقصود في غاية الوضوح و إلا فمفاده مفاد الحديثين الأولين كما هو واضح و قد عرفت عدم دلالتهما على المقصود.

(الوجه الثالث) أن يقال بتقديم ما هو الأسبق سببا

فان حصلت له الاستطاعة للحج أولا ثم عرض عليه دين بأن أتلف مال الغير أو أورد الدية مثلا، فالحج يقدم عليه.

و

كذلك إن كان عليه الدين ثم صار واجدا لمقدار ما يحج به فالدين يقدم و ذلك (بدعوى) أن نفس أقدمية السبب من المرجحات و (فيه): أنه لم يرد لنا دليل على كون ذلك من المرجحات بل هما واجبان ثابتان في الذمة و لا ترجيح لأحدهما على الآخر ما لم تثبت الأهمية. و هذا نظير ما إذا سهى الرجل في الصلاة مرتين فلم يقل أحد بوجوب تقديم سجدتي السهو الأول على سجدتي السهو الثاني من جهة تقدم سببه كما أنه لم يقل أحد بذلك في الديون الخلقية بأن فرضنا أنه استدان أولا من زيد ثم استدان ثانيا من عمرو و فرض أن الأجل قد تم بالنسبة إلى كليهما، فلم يقل أحد بوجوب تقديم أداء دين زيد على أداء دين عمرو و ان فرضنا أنه غير متمكن من أداء كليهما.

(الوجه الرابع) أن يقال بالتخيير

و هذا هو الحق في خصوص ما إذا كان الدين حاليا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 125

أو مع عدم سعة الأجل مع فرض عدم رضاء الدائن بالتأخير وفاقا لصاحب المستند (ره) حيث قال: (فالوجه أن يقال أن مع التعجيل أو عدم سعة الأجل هو مخير بين الحج و وفاء الدين سواء علمت المطالبة أم لا.) و يظهر وجه ذلك مما مر من إبطال ترجيحات أحدهما على الآخر و كذا ترجيح ما هو الأقدم سببا. نعم، لو فرضنا أن تركه لأداء الدين يوجب الحرج عليه فلا ينبغي الإشكال من وجوب أداء دينه معينا لعدم استطاعته حينئذ لاستلزامه العسر و الحرج و لكن هذا مما ينبغي جعله خارجا عما نحن فيه كما لا يخفى.

هذا و قد عرفت أيضا إنما يتجه التخيير لو كان واثقا بالتمكن من الأداء بعد

الحج و إلا فدينه يضر برجوعه إلى الكفاية فيخرج أيضا عن عنوان المستطيع من جهة فقدان الرجوع الى الكفاية و ينبغي عد هذا خارجا عما نحن فيه. ثم، إن ما ذكرنا من التخيير بين أداء دينه و بين حجه يأتي أيضا فيما كان الحج مستقرا عليه فيما إذا فرضنا انه لا يتمكن من الذهاب الى الحج متسكعا فهو مخير بين الواجبين.

ثم ان من مصارف الدين نفقة الزوجة فيترتب عليها حكم سائر الديون بلا فرق إلا إذا تمسكنا في استثناء نفقتها بخبر أبي الربيع الشامي بناء على تمامية سنده و يأتي ذكره ان شاء اللّه تعالى في مبحث الرجوع الى الكفاية فبناء على هذا نقول أنه إذا كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه نفقة العيال الواجبي النفقة و دار الأمر بينهما لعدم وفاء ماله لكليهما بلزوم صرفها في مصارف نفقة عياله لعدم صدق عنوان المستطيع عليه. و عليه يبتنى ما مر سابقا من أنه ليس عليه طلاق الزوجة التي لا حاجة له إليها و لا حرج له في طلاقها فرارا عن النفقة ليذهب الى الحج و إنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب و أما بناء على المناقشة في سند الحديث كما هو الظاهر و سيأتي بيانه- إن شاء اللّه تعالى- فأيضا لا نقول بوجوب الطلاق عليه لكن حكم نفقتها حكم سائر الديون بلا فرق.

[المسألة التاسعة عشرة إذا كان عليه خمس أو زكاة و كان عنده مقدار ما يكفيه للحج]

قوله (قده): (إذا كان عليه خمس أو زكاة و كان عنده مقدار ما يكفيه للحج لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة لأن المستحقين لهما مطالبون فيجب صرفه فيهما و لا يكون مستطيعا.).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 126

(تارة): نفرض تعلقهما بعين المال و (أخرى) بالذمة. فإن كانا متعلقين بعين

المال فلا إشكال في تقدمهما على الحج بل ذكر عنوان التقدم مسامحة، فإنه من المعلوم أن الشخص إنما يستطيع بملكه الطلق لا بغيره فلا يجب عليه الحج، لعدم كونه مالكا لما يحج به مطلقا.

بلا فرق في ذلك: بين الأقوال المتعلقة بكيفية تعلق الخمس أو الزكاة من إيجابهما قصر سلطنة المالك لتعلق حق السادة أو الفقراء بالمال مع بقائه على ملكه و من حصول الشركة بنحو الإشاعة أو الكلي في المعين، فعلى جميع الأقوال لا ينبغي الإشكال في أن عليه إعطاء الخمس و الزكاة و (من هنا) يعلم أنه لو كان عليه الخمس و الزكاة و الحج و الدين فعليه إعطائهما ثم يدور الأمر بين أداء الدين و الحج إن تمكن من أحدهما و قد مضى حكمه مفصلا و لا نعيده.

هذا كله إذا كانا متعلقين بعين المال. و أما إذا كانا متعلقين بالذمة بأن فرضنا أن العين التي تعلق بها الخمس أو الزكاة قد تلفت بتقصير» أو أتلفها، فلا إشكال في صيرورة ذلك دينا عليه، و قد مر مفصلا حكم دوران الأمر بين الدين و الحج فلا نعيده.

[المسألة العشرين تقديم الحج على الدين المؤجل]

قوله قده: (إذا كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جدا كما بعد خمسين سنة فالظاهر عدم منعه عن الاستطاعة.

الظاهر أنه لا ينبغي الإشكال في وجوب الحج عليه معينا لعدم كون الدين في هذه الصورة مزاحما لحجة و لا مضرا برجوعه إلى الكفاية كما لا يخفى.

[المسألة الحادية و العشرين أدلة وجوب الفحص عن الاستطاعة إذا شك فيها]

قوله قده: (إذا شك في مقدار ماله و أنه وصل الى حد الاستطاعة أو لا هل يجب عليه الفحص أو لا؟ وجهان أحوطهما ذلك.

هذه الشبهة و ان كانت موضوعية لكن يمكن الاستدلال على عدم جريان البراءة في خصوص ما نحن فيه و نحوه بوجهين:

(الأول)- هو أن الدرجة الأولى من الاستطاعة يتوقف العلم بها غالبا على النظر في أمواله لكون الاستطاعة غالبا تدريجية الحصول، فلو فرضنا عدم وجوب ذلك يلزم منه لغوية تشريع فورية الحج.

(الثاني)- أن ما نحن فيه إنما يكون من قبيل: ما إذا فرضنا ان رجلا يكون جالسا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 127

على السطح مقابلا للأفق و هو يتسحر غامضا عينيه- لئلا يرى الفجر- حتى يستحب بقاء الليل ما لم يحصل له العلم بطلوع الفجر كي لا يحرم عليه الأكل و الشرب و غيرهما مع أن هذا الفعل ليس بصحيح لعدم صدق «عنوان الفحص» على فتح عينيه و نظره الى الفجر حتى يقال بعدم وجوب ذلك. و كذلك فيما نحن فيه لا يصدق عنوان الفحص على نظره الى أمواله حتى يقال بعدم وجوب ذلك عليه. و ليس المراد أن مناط الحكم في جريان البراءة و عدمه صدق عنوان الفحص و عدمه- حتى يقال: إن عنوان الفحص غير مذكور في الأخبار- بل المراد أن موضوع البراءة هو الشك و عدم العلم و أدلتها منصرفة إلى الشك المستقر، و

في صورة عدم صدق الفحص لا يكون شكه مستقرا فلا يمكن إجراء البراءة في حقه- و هذان الوجهان و ان كان كلاهما لا يخلو عن المناقشة مضافا: الى أنه كثيرا ما يتفق توقف العلم بالاستطاعة على محاسبة أمواله التي يصدق عليها الفحص قطعا كما إذا فرضنا أن له أموالا متفرقة و كانت قيمتها غير معلومة فلا ينبغي الإشكال في كونه شاكا حقيقة و مورد الجريان البراءة، و لكن مع ذلك كله لا يترك الاحتياط بالفحص.

ثم، إنه إذا لم يتفحص و ترك الحج ثم تبين كون ماله بمقدار الاستطاعة فلا إشكال في استقرار الحج عليه حينئذ لأن الاستطاعة موضوع للوجوب بوجودها الواقعي لا بوجودها العلمي حتى يقال بعدم استقراره في مثل المفروض لعدم علمه. فعليه أن يحج و لو متسكعا كما أنه إذا تخيل عدم استطاعته فأتى بالحج ندبا ثم تبين استطاعته فلا إشكال في الإجزاء ان لم يكن بنحو التقييد بل بنحو الخطأ في التطبيق لأن المأتي به هو حجة الإسلام بعد وضوح عدم دخل العلم و لا اعتقاده في تحققها.

[المسألة الثالثة و العشرين في جواز إتلاف الاستطاعة و عدم جواز إتلافها]

قوله قده: (إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج يجوز له قبل أن يتمكن من المسير أن يتصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة و اما بعد التمكن منه فلا يجوز و إن كان قبل خروج الرفقة و لو تصرف بما يخرجه عنها بقيت ذمته مشغولة به.

قال في الدروس: (و لا ينفع الفرار بهبة المال أو إتلافه أو بيعه مؤجلا إذا كان عند سير الوفد).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 128

و قال في المستند بعد بيان تقديم الحج على النكاح إذا لم يستلزم الحرج و ابتناء ذلك على وجوب إبقاء مقدمة الواجب ما لفظه: (و

يلزمه عدم جواز وقفه و هبته و بيعه بثمن قليل ينتفي معه الاستطاعة و انه لو فعله لبطل الوقف بل الهبة و البيع أيضا على القول باستلزام النهي في المعاملات للفساد كما هو التحقيق).

و قال في الحدائق: (قد صرح جملة من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بأنه لو كان عنده ما يحج به فنازعته نفسه الى النكاح لم يجز صرفه في النكاح.).

و قال في الخلاف: (إذا وجد الزاد و الراحلة و لزمه فرض الحج و لا زوجة له، بدء بالحج دون النكاح. دليلنا قوله تعالى: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» و هذا قد استطاع.). و هذا كما ترى صريح في عدم صحة الفرار عن الحج بتفويت الاستطاعة بعد توجه الخطاب بالحج.

و قال في المنتهى على ما حكاه صاحب المدارك: (من كان له مال فباعه قبل وقت الحج مؤجلا الى ما بعد فواته سقط عنه الحج لأنه غير مستطيع، و هذه حيلة يتصور ثبوتها في إسقاط فرض الحج عن الموسر، و كذا لو كان له مال فوهبه قبل الوقت أو أنفقه فلما جاء وقت الخروج كان فقيرا لم يجب عليه و جرى مجرى من أتلف ماله قبل حلول الحول).

قال في المدارك بعد نقل هذا الكلام عن المنتهى: (و ينبغي أن يراد بالوقت وقت خروج الوفد الذي يجب الخروج معه).

و قال في الجواهر: (و لا يخفى أن تحريم صرف المال في النكاح إنما يتحقق مع توجه الخطاب بالحج و توقفه على المال، فلو صرفه فيه قبل سير الوفد الذي يجب الخروج معه و أمكنه الحج بدونه انتفى التحريم قطعا). و نحو ذلك ما في كشف اللثام.

تحقيق الكلام في هذه المسألة يقتضي البحث

في جهتين:

(الجهة الأولى) في أنه إذا تصرف في ماله بما يخرجه عن الاستطاعة، فهل يكون ذلك متعلقا للنهي الشرعي مطلقا، أو في خصوص أشهر الحج أو في أول آن تمكنه من المسير و هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 129

أول خروج الرفقة، أو في آخر أزمنة تمكنه من المسير الى الحج و هو آخر خروج الرفقة، أو ليس متعلقا للنهي الشرعي مطلقا؟

(الجهة الثانية)- في أنه إذا فعل ذلك فهل يكشف عن عدم وجوب الحج عليه لاشتراطه بالاستطاعة بقاء كاشتراطه بها حدوثا، أم لا؟ أما الكلام (في الجهة الأولى):

فنقول أنه لا ينبغي الإشكال في عدم حرمة تصرفه في ماله مطلقا لعدم وجوب الحج عليه بعين ذلك المال فله أن يحج متسكعا أو بالخدمة مثلا، فليس حجه متوقفا على صرف ذلك المال في الحج حتى يقال بحرمة التصرفات المنافية، بل نقول: إنه إذا اتفق توقف حجه على صرف ذلك المال بان لم يتمكن من الذهاب متسكعا أو بالخدمة لا يجب عليه ذلك بالوجوب الشرعي لأن المقدمة الواجب كما بينا في محله مفصلا ليست واجبة شرعا و إنما وجوبها يكون عقليا و بعد تسليم ذلك نقول: أن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده كما بينا ذلك أيضا في محله حتى يحكم بحرمة التصرفات المنافية عليه و (من هنا) ظهر أنه لو تصرف بأحد التصرفات المنافية- كالهبة و نحوها- كان صحيحا لما عرفت من عدم تعلق النهى به حتى يقال: إنه هل تعلق ذلك بالنتيجة كي يحكم بالفساد أو تعلق بالفعل كالبيع في وقت النداء كي يحكم بعدم فسادها. و أما الكلام (في الجهة الثانية): فنقول إنه لا ينبغي الإشكال أيضا أن مقتضى القاعدة ما لم يرد

دليل تعبدي على خلافها ان إتلاف المال كاشف عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر مطلقا و يتضح ذلك بالالتفات إلى أمور ثلاثة:

(الأول)- أن الزاد و الراحلة حسب ما يستفاد من الأخبار- المتقدمة في صدر المبحث المفسرة للاستطاعة- موضوع لوجوب الحج و لذلك لم يتوهم أحد وجوب تحصيلهما على من كان فاقدا لهما.

(الثاني)- أنهما كما يكونان موضوعا لوجوب الحج حدوثا كذلك يكونان موضوعا له بقاء و ليس تحققها آنا ما موجبا لتحقق الحكم، و لذلك لا إشكال في أنه إذا تلف ماله في أثناء الأعمال كشف عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر.

(الثالث)- أن إذهاب الموضوع ليس حراما في حد نفسه ما لم يرد دليل خاص

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 130

على حرمته. و لذا لم يتوهم أحد كون مقتضى القاعدة حرمة السفر في شهر رمضان مع أنه إذهاب لموضوع وجوب الصوم و هو الحضر و كذلك يكون إذهابا لموضوع وجوب التمام و معلوم أن السفر ليس حراما مع قطع النظر عن النصوص الخاصة و السر في ذلك أن إثبات لزوم حفظ الصغرى بالكبرى من المحالات فقوله: (يجب الصوم و التمام على الحاضر) لا يدل على لزوم حفظ عنوان الحضر و كذلك قوله: (يجب الحج على المستطيع) لا يدل على لزوم حفظ عنوان الاستطاعة و لذلك قلنا: إن التصرفات المنافية ليست حراما و على فرض تسليم ذلك نقول: إنه لو عصى و أتلف الموضوع انتفى الحكم قهرا لأن وجود الحكم حدوثا و بقاء- على ما تقتضيه القاعدة- دائر مدار وجود موضوعه حدوثا و بقاء فلو أتلف ماله و لو مع تسليم حرمة الإتلاف نقول: إن مقتضى القاعدة عدم وجوب الحج عليه لعدم

وجود الموضوع بقاء لكون الاستطاعة كما كانت وجودها موضوعا له حدوثا كذلك تكون موضوعا له بقاء فبانتفاء المال بقاء ينتفي وجود الحكم بقاء كما لا يخفى.

هذا كله في صورة عدم ورود دليل خاص على عدم انتفاء الوجوب بإتلاف الموضوع بقاء و الا فلا بد من الأخذ به و ما يمكن الاستدلال به على ذلك وجوه:

(الأول)- الإجماع. و فيه: أنه و ان كان ثابتا في الجملة لكن قلنا مرارا أن الإجماع المعتبر هو التعبدي لا المدركى و في المقام من المحتمل أو من المقطوع أن يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه فلا اعتماد عليه، (الثاني)- الاخبار التي مرت في الدليل الثاني من أدلة تقديم الحج على الدين بناء على تمامية دلالتها فإنه لو كان ينتفي الوجوب بإتلاف المال عمدا لم يكن وجه لتقديم الحج على الدين لإمكانه أن يؤدى دينه بماله و يكون ذلك إذهابا للموضوع فيكشف به عدم وجوب الحج عليه فبتلك الأخبار تكشف عدم انتفاء وجوب الحج بإتلاف ماله و قد مر الإشكال في دلالة تلك الأخبار سابقا.

(الثالث)- هو أنه لو جاز للمستطيع إتلاف المال لكان تشريع وجوب الحج لغوا لجواز إخراج كل مستطيع نفسه عن دائرة الاستطاعة الموجب للغوية تشريع الوجوب حينئذ و فيه: أن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 131

هذا نظير أن يقال: أنه يحرم السفر في وقت أداء الصلوات الرباعية لأنه لو لم نقل بذلك لزم لغوية جعل التمام أو يقال: أنه يحرم كون الشخص في وقت أداء الصلاة الرباعية في الحضر لأنه لو لم نقل بذلك لزم لغوية جعل حكم القصر.

و الجواب الحلي: هو أنه لا يحصل لكل أحد من المستطيعين الداعي الى إتلاف ماله فرارا عن وجوب

الحج حتى يقال: إنه يلزم من الحكم بجواز الإتلاف لغوية تشريع الحج.

(الرابع)- الالتزام بوجوب المقدمات المفوتة بأحد التقريبين اللذين مر ذكرهما سابقا فيقال: إنه إذا توقف حجه على صرف المال وجب عليه حفظه ليصرفه في مصارفه لكون حفظه له من المقدمات المفوتة التي لولاها لما كان قادرا على الواجب في وقته و فيه: أنه قد تقدم في المباحث السابقة أن الاستطاعة موضوع لوجوب الحج حدوثا و بقاء و ليس صرف وجودها موضوعا له و القول بوجوب المقدمات المفوتة إنما يتأتى بعد فرض ثبوت الموضوع حدوثا و بقاء كان نفرض تحقق الاستطاعة حدوثا بالوجدان و بقاء بالأصل ثم نستدل على وجوب تهية المقدمات بأحد التقريبين الدالين على وجوبها. و أما حفظ نفس الموضوع فلا يمكن إثبات وجوبه بالمقدمات المفوتة و هذا نظير أن يستدل على وجوب حفظ عنوان الحضر بوجوب المقدمات المفوتة، و لعمري أن بين مسألة حفظ الموضوع و بين مسألة وجوب المقدمات المفوتة بونا بعيدا.

(الخامس)- قد مر سابقا أن الحق هو صحة الواجب المعلق فبمجرد تمامية الاستطاعة و تحققها جامعة للشرائط يحكم بوجوب الحج عليه و لو كان في أول السنة، لأن الوقت بناء على هذا المبنى ليس دخيلا في موضوع وجوب الحج كما مر بيانه مفصلا، فيحكم بوجوب حفظ ماله لتحقق موضوعه مقدمة للعمل إذا توقف الحج عليه. و أما إذا لم يتوقف حجه على صرف المال بان تمكن من الحج متسكعا، أو بالخدمة، فجاز له الإتلاف و لكن عليه الحج متسكعا.

و فيه: أنه انما يتم لو فرضنا عدم موضوعية الزاد و الراحلة لوجوب الحج و كونهما من قبيل متعلق المتعلق. و اما إذا سلمنا موضوعيتهما فلا يتم ذلك. و هذا نظير ما

ذكره المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- من أنه إذا دخل وقت الصلاة و كان متطهرا جاز له نقض الطهارة و لو مع فرض فقدانه الماء و أما إذا لم يكن متطهرا لكن كان عنده مقدار من

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 1، ص: 132

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 132

الماء و انحصر الماء بذلك، أو لم يكن واجدا للماء و كان عنده مقدرا من التراب و لكن لم يكن له تراب غيره، فلا يجوز له إتلاف ذلك الماء أو ذلك التراب.

و الفرق بين المسألتين: هو إن عنوان المتطهر موضوع للحكم فلا يحرم إذهابه. و اما الماء و التراب فليسا موضوعين له حتى يقال بجواز إتلافهما بل هو متعلق لمتعلق الوجوب هذا. و تحقيق ما ذكره المحقق النائيني صحة و سقما موكول الى محله. و المقصود هنا أن الموضوع لا يحرم إذهابه و لا يجب إبقائه و لو في وقت الوجوب و الواجب المعلق ليس بأولى من الواجب التنجيزي و لم يتوهم أحد كون مقتضى القاعدة حرمة السفر في وقت وجوب الصوم أو الصلاة مع ان وجوبهما تنجيزي. و بالجملة قد تقدم أن الكبرى لا يدل على لزوم حفظ الصغرى و لا فرق في ذلك بين تسليم الواجب المعلق و إنكاره.

(السادس)- أن الظاهر من أدلة اعتبار الاستطاعة في وجوب الحج هي الاستطاعة التي لو لم يتلفها عمدا لكانت تبقى بلا احتياج الى صرفه في الضروريات و الواجبات كمؤنة العيال و أداء الدين و النذر و الكفارات و الديات و غيرها مما يعد من مؤنته و يكون صرفه من

شؤونه من هدايا و ضيوف و نحوها و المفروض أن الاستطاعة بهذا النحو ثابتة فاذهابها ليس إذهابا للموضوع حتى يحكم بسقوط وجوب الحج عنه، لأن الموضوع على المفروض لم يكن هو الاستطاعة الباقية في الخارج الى آخر الأعمال أو الى زمن عوده الى وطنه، بل الموضوع هو الاستطاعة التي لو لم يتلفها لكانت تبقى بالطبع فمهما حصل له الزاد و الراحلة و ثبت بقائهما بالاستصحاب فقد تم الموضوع فيحكم بوجوب الحج عليه، سواء أتلفه أم لا! و إتلافه عمدا ليس إذهابا للموضوع، لأن بقاء المال لم يكن دخيلا فيه على الإطلاق و إنما الدخيل فيه هو بقاء المال بنفسه لو لم يتلفه عمدا و حينئذ، لو فرضنا توقف ذهابه الى الحج على بقاء المال- بأن لم يتمكن منه متسكعا أو بالخدمة- صح التمسك في إثبات وجوب حفظ المال بما مر من لالتزام بالواجب المعلق أو وجوب المقدمات المفوتة بأحد التقريبين السابقين لأن إبقاء المال حينئذ مقدمة وجودية للواجب المطلق كما لا يخفى.

(السابع)- الأخبار الدالة على عدم جواز إتلاف المال و أنه لو أتلفه كان الحج ثابتا في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 133

ذمته مثل صحيح الحلبي عز أبي عبد اللّه- عليه السلام-: إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1».

و الظاهر من قوله: «ثم دفع ذلك» هو دفع ما حصل له من المال المذكور في قوله:

(قدر الرجل على ما يحج به). و نحوه ما عن على بن حمزة عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنه قال: «من قدر على ما يحج به و جعل يدفع ذلك و ليس له

شغل يعذره اللّه فيه حتى جاء الموت فقد ضيع شريعة من شرائع الإسلام» «2» فهذان الحديثان يدلان على عدم جواز ترك الحج بواسطة إتلاف المال و لو في العام الأول من الاستطاعة و حملها على من استقر عليه الحج خلاف الظاهر.

و فيه: أنه ليس المراد من (دفع ذلك) هبة المال أو إتلافه بل المراد أنه دفع هذا الحكم و لم يعمل به من غير عذر كما يشهد له قوله (و ليس له شغل يعذره اللّه) و قوله في الرواية الأخرى (جعل يدفع) أى جعل بسوف و يؤخر و قد تقدم التمسك بهما لحرمة تسويف الحج و فوريته.

(بقي الكلام) في أنه بعد أن ثبت أن بإتلاف المال لا يسقط وجوب الحج يقع الكلام في أنه هل يقال بذلك الحكم من أول السنة، أو يقال باختصاصه بأشهر الحج، أو بزمان سير القافلة الأولى، أو الثانية؟ وجوه:

(الأول)- أن يقال باختصاص ذلك بزمان سير القافلة الأخيرة و ذلك لما عرفت من ان مقتضى القاعدة هو انتفاء الوجوب بإتلاف المال مطلقا و لو كان عن عمد فلا بد في مخالفة القاعدة من الاقتصار على القدر المتيقن و هو ما إذا تضيق الوقت بسير القافلة الأخيرة فإن عدم انتفاء الوجوب بالإتلاف بعد ان ضاق الوقت إنما يكون من ضروريات الفقه فلا محيص عن مخالفة القاعدة في ذلك.

و فيه: أنه قد بينا في الدليل السادس أنه لا يكون مقتضى القاعدة انتفاء الوجوب بإتلاف المال عمدا و ان الموضوع للوجوب هو وجود المال الذي بطبعه يبقى لو لا الإتلاف العمدي فعدم انتفاء الوجوب بإتلاف المال يكون على القاعدة فنقول به مطلقا من أول تحقق الموضوع و أول توجه الخطاب بالحج و لا نقتصر

على القدر المتيقن.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

(2) الوسائل- ج 2، الباب 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 134

نعم، يبقى الكلام في وجوب حفظ المال لو لم يتمكن من المشي بدون المال بنحو التسكع أو أن يكون أجيرا أو بالخدمة و نحوه. و قد تقدم أنه يكون من المقدمات الوجودية و إن الحفظ يكون لازما عقلا أو شرعا على الاختلاف في المقدمات المفوتة و غيرها و قد مر مفصلا فلا نعيد البحث.

(الثاني)- أن يقال باختصاص ذلك بزمان خروج القافلة و إن كانت هي القافلة الأولى فلو أتلف المال قبل ذلك يحكم بعدم وجوب الحج عليه، و هذا بخلاف ما إذا أتلفه عند خروج القافلة الأولى فإنه يحكم بوجوب الحج عليه. و هذا هو المشهور و هو إنما يتم بناء على ما ذكره صاحب الجواهر (ره): من أن استقرار الحج في الذمة إنما يكون بالتمكن من الرفقة الأولى كمن وجبت الصلاة عليه و مضى وقت بمقدار يمكن أن يفعلها فيه و لم يفعلها و مات. إلخ.

ثم إنه هل يختص ذلك بما إذا كان خروج سير القافلة الاولى في أشهر الحج أو لا بل يعم ما إذا كان سيرها قبلها؟ ذهب صاحب الجواهر (ره) الى الثاني بناء على مبناه من صحة الواجب المعلق، و لا يخفى عليك أن أساس صحة الواجب المعلق هو أن يقال: إن التمكن من العمل من أول زمان الوجوب غير لازم بل إنما يكفي التمكن منه في زمان الواجب و وقته و أنه لا وجه للقول بلزوم اتحاد ظرف الحكم و ظرف الامتثال و إذا قلنا بذلك

كما حققناه سابقا فلا ينبغي أن يقال بان الخطاب بالحج إنما يتوجه في أول سير القافلة الأولى كما أفاده صاحب الجواهر (ره) بل لا بد من أن يقال بأنه مهما حصلت الاستطاعة المفسرة بالزاد و الراحلة و تخلية السرب و صحة البدن وجب الحج و تحقق الخطاب به و لو حصل له ذلك في أول السنة، غاية الأمر ان ظرف الواجب متأخر فلا يبقى مجال لما أفاده صاحب الجواهر (ره) من اختصاص الحج الحكم بسير القافلة الأولى.

(الثالث)- أن يقال باختصاص ذلك بأشهر الحج و ذلك إنما يتم بناء على القول بان الخطاب بالحج إنما يتوجه فيها لا قبلها و منشأ توهم ذلك بطلان الواجب المعلق و قد بينا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 135

سابقا صحته بما لا مزيد عليه.

(الرابع)- أن يقال بأن إتلاف المال لا يوجب الحكم بسقوط الحج و لو كان ذلك في أول السنة و وجه ذلك هو ما عرفته سابقا من أن موضوع الوجوب هو الاستطاعة الباقية بذاتها مع قطع النظر عن إتلافها و الخطاب بالحج متوجه من أول زمان حصول الاستطاعة لا من زمان خروج القافلة أو من زمان حلول الموسم لكنك قد عرفت إنه بناء على بطلان التعليق لا يتحقق الوجوب حتى في أشهر الحج نعم يجب السير مع القافلة الأخيرة من باب المقدمة المفوتة.

[المسألة الخامسة و العشرين فيما إذا كان غافلا أو جاهلا عن الاستطاعة]

قوله قده: (إذا وصل ماله الى حد الاستطاعة لكنه كان جاهلا به أو غافلا عن وجوب الحج عليه، ثم علم أو تذكر بعد أن تلف ذلك المال فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه إذا كان واجدا لسائر الشرائط حين وجوده و الجهل و الغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة غاية الأمر أنه معذور في ترك ما

وجب عليه.

لا ينبغي الإشكال في ذلك لما قلنا مرارا من إن الاستطاعة بوجودها الواقعي شرط لا بوجودها العلمي و الموضوع على المفروض تحقق جامعا للشرائط و صار الحكم فعليا لأن فعلية كل حكم تابعة لفعلية موضوعه واقعا سواء كان عالما به أم جاهلا و سواء كان ملتفتا إليه أم غافلا عنه غاية الأمر أن جهله أو غفلته بالموضوع يمنع عن تنجز التكليف عليه و يوجب العذر في ترك ما وجب عليه إتيانه فورا، فعلى هذا يحكم بوجوب الحج عليه بعد الذكر و الالتفات و لو تسكعا كما نقول بذلك في من استطاع و لم يحج من جهة عدم مبالاته بالدين و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه المحقق القمي- رضوان اللّه تعالى عليه- من عدم وجوب الحج عليه بعد ذكره و التفاته.

[المسألة السادسة و العشرين فيما إذا اعتقد انه غير مستطيع و حج ندبا]

قوله قده: (إذا اعتقد انه غير مستطيع و حج ندبا فان قصد امتثال الأمر المتعلق به فعلا و تخيل أنه الأمر الندبي أجزأ عن حجة الإسلام لأنه حينئذ من باب الاشتباه في التطبيق و ان قصد الأمر الندبي على وجه التقييد لم يجز عنها.

قد تقدم حكم هذه المسئلة في آخر حج الصبي.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 136

[المسألة السابعة و العشرين كفاية الملكية المتزلزلة في تحقق الاستطاعة]

قوله قده: (هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد و الراحلة و غيرهما، كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى مدة معينة، أو باعه محاباة كذلك وجهان اقويهما العدم لأنها في معرض الزوال.

الملكية المتزلزلة تتصور على قسمين:

(الأول)- ما يبقى على تزلزله و لو مع تصرف المالك كما إذا فرضنا أنه صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى مدة معينة فإن خياره لا يسقط بتصرف المصالح له في تلك المدة.

(الثاني)- ما يصير لازما بتصرف المالك كما في الهبة من غير ذي رحم، أما الكلام (في القسم الأول): فذهب المصنف (قده) إلى عدم حصول الاستطاعة به معللا ذلك بكون هذه الملكية في معرض الزوال إلا إذا كان واثقا بأنه لا يفسخ.

و فيه: أن الاستطاعة صادقة في هذا الفرض بلا شبهة و ذلك لأنها قد فسرت في الأخبار المتقدمة في صدر المبحث بالزاد و الراحلة و هو على الفرض واجد لهما حدوثا بالوجدان و بقاء بالأصل و لو أغمضنا عن هذا الأصل فاللازم القول في الملكية اللازمة بعدم وجوب الحج عليه أيضا في العام الأول من الاستطاعة إذا الملكية و ان كانت لازمة لكن احتمال التلف موجود فيها وجدانا و لا دافع له سوى الاستصحاب فكما يدفع احتمال التلف هناك بالاستصحاب فكذلك فيما نحن

فيه فعلى هذا يثبت بالاستصحاب عدم رجوع المصالح عن صلحه فيجب الحج على المصالح له لإحراز الموضوع حدوثا بالوجدان و بقاء بالأصل.

نعم، لو رجع المصالح عن صلحه في الأثناء كشف عن عدم استطاعته كما نقول بذلك فيما إذا تلف المال في أثناء الأعمال أو قبلها أو بعدها.

و أما الكلام (في القسم الثاني): فتردد المصنف (قده) فيه بين القول بعدم حصول الاستطاعة له به لما ذكر في القسم الأول و بين القول بحصول الاستطاعة له به لأن الهبة و ان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 137

كانت متزلزلة لكنها تلزم بالتصرف. و (فيه): أنه بعد تسليم كون التزلزل مانعا عن الاستطاعة لا بد من الحكم بعدم وجوب التصرف لرفع التزلزل لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب. و لكن الحق ما عرفت في القسم الأول من أن التزلزل لا يصلح لأن يصير مانعا عن صدق الاستطاعة فيحكم بوجوب الحج عليه كما قلنا به في القسم الأول.

[المسألة التاسعة و العشرين إذا تلف بعد تمام الأعمال مؤنة عوده]

قوله قده: (إذا تلف بعد تمام الأعمال مؤنة عوده إلى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بناء على اعتبار الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة فهل يكفيه عن حجة الإسلام أو لا؟ وجهان لا يبعد الإجزاء.

قال في المدارك على ما حكاه صاحب الجواهر و إليك نص عبارته: (فوات الاستطاعة بعد الفراغ من أفعال الحج لم يؤثر في سقوطه قطعا، و الا لوجوب اعادة الحج مع تلف المال في الرجوع أو حصول المرض الذي يشق السفر معه و هو معلوم البطلان).

و قال في الجواهر بعد نقل هذا الكلام: (قلت قد يمنع معلومية بطلانه بناء على اعتبار الاستطاعة ذهابا و إيابا في الوجوب).

لا ينبغي الإشكال بحسب ما هو الظاهر

من الآية الشريفة و هو قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» «1» و الأخبار المفسرة لها أن الاستطاعة شرط حدوثا و بقاء بحيث لو لم يكن واجدا لها في أثناء العمل أو بعده يستكشف عدم تحقق الموضوع من أول الأمر. و على هذا فمقتضى القاعدة هو القول: بأنه إذا تلف بعد تمام الأعمال مؤنة عوده الى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بعد فراغه عن إعماله أو في الأثناء لم يجز حجه عن حجة الإسلام، و ذلك لدخولهما في الاستطاعة.

أما مؤنة العود الى وطنه فإن الأخبار المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة مطلقة تشمل حالة الإياب و ليست مختصة بخصوص الذهاب.

و أما اعتبار وجدانه لما به الكفاية فإما يكون لأجل النص، و اما لأجل قاعدة نفي العسر و الحرج على ما سيأتي تحقيقه- إنشاء اللّه تعالى- في مبحث اعتبار الرجوع إلى الكفاية هذا.

______________________________

(1) سورة آل عمران الآية 91

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 138

و لا يخفى أنه ليس المقصود من وجدانهما صرف وجدانهما قبل العود بحيث لو علم بتلفهما من أول الأمر بعد إتمام الأعمال لكان الحج واجبا عليه فان هذا واضح البطلان إذ مؤنة العود انما اشترط ليتمكن منه و ما به الكفاية إنما اشترط لئلا يتعسر عليه الأمر بعد الرجوع فلا معنى لان يقال إن الشرط إنما هو وجودهما إلى آخر الأعمال لا إلى رجوعه إلى وطنه.

فظهر أن بقائهما شرط إلى ان يرجع الى وطنه و على هذا فلو تلف أحدهما أو كلاهما بعد العمل لم يحصل الإجزاء فضلا عما إذا تلف في الأثناء و ان كان من أول الأمر لا يعلم بتلفهما بعد

العمل لعدم دخل العلم و الجهل في ذلك بل المدار على الواقع. فظهر أنه إذا تلف أحدهما أو كلاهما بعد الفراغ عن الأعمال أو في أثنائها يستكشف بها عدم استطاعته من أول الأمر و عدم إجزاء حجه عن حجة الإسلام. خلافا لما افاده صاحب المدارك، و المصنف (قد سرهما).

هذا كله بحسب ما تقتضيه القاعدة. و يمكن الاستدلال على الإجزاء بما ورد من الحكم به في حق من مات بعد الإحرام و دخول الحرم و تأتي اخباره- إنشاء اللّه تعالى- في محله.

و غاية ما يمكن ان يقال في تقريب الاستدلال بتلك الأخبار هو انه لا ينبغي الإشكال في الحكم بالإجزاء على ما يستفاد من تلك الاخبار فيمن مات بعد الإحرام و دخول الحرم مع أنه في هذا الفرض زالت الاستطاعة البدنية و المالية معا. أما انتفاء (الأول) فواضح و أما انتفاء (الثاني) فلانتقال أمواله بمجرد موته إلى الورثة خصوصا مع عدم وصيته بالثلث فان جميع الأموال تخرج عن ملكه فلو فرض إجزاء الحج مع انتفاء الاستطاعة البدنية و المالية معا فإجزائه في صورة انتفاء الاستطاعية المالية فقط يكون اولى و على هذا لا بد من تخصيص الحكم بما إذا تلف مؤنة عوده بعد دخول الحرم لا قبله.

و فيه: (أولا): أن انتفاء استطاعة المالية في فرض الموت مستند الى انتفاء الاستطاعة البدنية لا الى انتفاء المال لعدم احتياجه بعد الموت الى ما يعود به إلى وطنه و الى الرجوع الى الكفاية و الاخبار الدالة على اعتبارهما في الاستطاعة موردها الإحياء أو منصرفة إليهم فانتفاء الاستطاعة المالية في هذا الفرض انما هو مستند الى انتفاء القدرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 139

البدنية و من المحتمل التفكيك في

الحكم بين انتفاء الاستطاعة البدنية و بين انتفاء الاستطاعة المالية بأن يقال باجزاء حجه هناك دون المحل المفروض بمقتضى تلك النصوص. فالقول بالإجزاء فيما نحن فيه بمقتضى تلك الاخبار قياس لورودها فيمن مات بعد دخول الحرم.

و (ثانيا): على فرض تسليم استناد انتفاء الاستطاعة بعد الموت إلى انتفاء المال و القدرة البدنية معا لكن مع ذلك لا يمكن القول بالإجزاء فيما نحن فيه تشبثا بتلك الاخبار لعدم خروجه عن القياس المحرم كما يرشدك اليه مجرد الالتفات إلى قضية ابان فلعل للموت خصوصية فتسرية الحكم من موردها الى ما نحن فيه منوطة بتنقيح المناط القطعي و هو غير حاصل كما لا يخفى هذا و يمكن الإشكال في أصل اعتبار الرجوع الى الكفاية في المقام بناء على عدم شمول الأخبار المفسرة للاستطاعة له و ان اعتباره انما هو لأجل العسر و الحرج و ذلك لأن دليل نفي العسر و الحرج امتنانى و شموله للمفروض خلاف الامتنان.

[المسألة الثلاثين في عدم اعتبار الملكية في الزاد و الراحلة]

قوله قده: (الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد و الراحلة فلو حصلا بالإباحة اللازمة كفى في الوجوب.

لا ينبغي الإشكال في ذلك لاندراجه تحت الإطلاقات الكثيرة كقوله- عليه السلام- هذه لمن كان عنده مال و صحة. و في صحيح الحلبي «إذا كان يقدر على ما يحج به». و في صحيح معاوية «إذا كان عنده ما يحج به» أو «يجد ما يحج به» و غيرها من الإطلاقات التي تقدم ذكرها سابقا فلو ملك ما لا بهبة أو غيرها و كان بمقدار ما يحج به يحكم بوجوب الحج عليه إلا ان يقال ان هذه الإطلاقات مقيدة ببعض الأخبار الظاهرة في اشتراط الملكية في الزاد و الراحلة كقوله- عليه السلام-: في حديث حفص الكناسي في تفسير

الاستطاعة من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة. إلخ بدعوى ظهور اللام، في قوله- عليه السلام- «له زاد و راحلة» في الملكية لكنها غير مسموعة، لظهورها في مطلق الاختصاص فارادة الملكية منوطة بقرينة مفقودة في المقام و لا أقل من إجمالها فالإطلاقات- الدالة على كفاية مطلق اختصاص الزاد و الراحلة و إن كان على نحو الإباحة اللازمة أو غيرها في وجوب الحج- محكمة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 140

ثم إن المصنف (قده)- لما فصل فيما مضى بين الملكية اللازمة و الملكية غير اللازمة- ذكر هذا التفصيل أيضا فيما نحن فيه فقال بتحقق الاستطاعة بالإباحة اللازمة و عدم تحققها بالإباحة غير اللازمة، و الجواب الجواب، فلا نعيده.

[المسألة الثانية و الثلاثين إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين عليه السلام]

قوله قده: (إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين- عليه السلام- في كل عرفة ثم حصلت لم يجب عليه الحج.

في تقديم النذر مطلقا أو الحج مطلقا أو التفصيل أو تقديم ما هو المقدم سببا وجوه:

ذهب المصنف (قده) الى التفصيل بينما إذا تحقق الوجوب بالنذر قبل حصول الاستطاعة و ما إذا تحقق بعد حصولها فعلى (الأول) قدم على الحج لأن وجوب زيارة الحسين- عليه السلام- في يوم عرفة- مانع شرعي عن الحج و المانع الشرعي كالمانع العقلي، لأن الناذر بعد الوفاء بنذره غير قادر على الحج فيكون العمل بمتعلق نذره منافيا لتحقق موضوع وجوب حجة الإسلام فليس عليه ذلك لفقد شرطه و هو الاستطاعة، و هذا بخلاف ما إذا تحقق بعدها لوقوع المزاحمة حينئذ بين الخطاب بالوفاء بالنذر و بين وجوب امتثال الخطاب بالحج، فيتجه التخيير إن لم يكن في البين أهمية، و إلا فالأهم يقدم. هذا خلاصة ما يمكن تقريبه لما ذهب اليه المصنف

(قده).

و لكن يمكن القول بعدم الوجه لهذا التفصيل و ذلك لأن النذر على فرض تقدمه على الاستطاعة لو قلنا بمانعيته عنها كذلك لا بد من القول بمانعيته عنها على فرض تأخره عنها بلا فرق بينهما بيان ذلك: أنك قد عرفت أن المانع الشرعي كالمانع العقلي و انعقد النذر لرجحان متعلقة في نفسه و لو فرض حصوله بعد الاستطاعة فهو مانع شرعي عن الحج.

و النواهي الواردة في حق تارك الحج و مسوفه مختصة بما إذا لم يكن ذلك من جهة عذر يعذره اللّه كما وقع التصريح بذلك في بعض الأخبار. كما في صحيح الحلبي «إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّه فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» «1».

و لكن التحقيق: هو أن المانع الشرعي و إن كان كالمانع العقلي لكن النذر إنما يكون

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 141

مانعا شرعيا عن الحج لو فرض أهميته منه و مع فرض ذلك لا ينبغي الإشكال في كونه كالمانع العقلي و أما مع فرض عدم أهميته. بل أهمية الحج منه، فكونه مانعا شرعيا عن الحج أول الكلام، فعلى هذا لا يمكننا الالتزام بتقديم النذر على الحج سواء كان مؤخرا عن الاستطاعة أم مقدما عليها.

و الحاصل: أن تفصيله (قده) بين حصول النذر قبل الاستطاعة و بعدها في الحكم بتقديم النذر على الأول و بوقوع التزاحم على الثاني مما لا وجه له بل اللازم إما (القول) بتقديم النذر عليه مطلقا كما عرفت تقريبه. و إما (القول) بوقوع التزاحم بينهما مطلقا كما هو المختار و سيظهر لك وجهه.

ذهب المحقق

النائيني- رضوان اللّه تعالى- الى تقديم الحج على النذر مطلقا لانحلال نذره مطلقا سواء حصل النذر قبل الاستطاعة أم بعدها و ذلك لاشتراط صحة النذر بعدم كونه مزاحما لواجب و فيه: أنه لم يدل دليل على اعتبار ذلك في انعقاد النذر و صحته.

و أما ما ورد عن عبد اللّه بن سنان «1» و أبي الربيع الشامي «2» عن أبى عبد اللّه- عليه السلام- لا يجوز يمين في تحليل حرام؛ و لا تحريم حلال؛ و لا قطيعة رحم بناء على شموله للنذر فليس المراد منه، أن لا يكون مستلزما لفعل حرام أو ترك واجب و إنما المراد منه أنه إذا كان نفس متعلق النذر حراما أو كان نفس النذر محرما للمتعلق الحلال لم يصح نذره و هذا كما ترى أجنبي عما نحن فيه حتى يستدل به على اعتبار عدم مزاحمة متعلق النذر لواجب في انعقاده.

فلا إشكال في صحة النذر من هذه الجهة و لا من جهة ما قيل من مرجوحية متعلق النذر في المحل المفروض بالنسبة الى ذلك الواجب و هو الحج سواء كان مقدما عليها أم مؤخرا عنها، لأن الذي يكون شرطا في صحة النذر- و انعقاده- انما هو رجحانه بالنسبة الى تركه لا بالنسبة إلى شي ء آخر، و إلا لزم عدم عدم صحة نذر الصلاة في غير المسجد الجامع من سائر المساجد لأن المسجد الجامع أفضل منه و عدم صحة نذر الصلاة في مسجد الجامع لأن مسجد الكوفة أفضل منه. بل يلزم أن لا يصح النذر إلا إذا تعلق بأفضل الأعمال. و هذا

______________________________

(1) الوسائل- ج 3- الباب 11- من أبواب اليمين الحديث 7.

(2) الوسائل- ج 3- الباب 11- من أبواب اليمين الحديث 6.

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 142

كما ترى بديهي البطلان.

و بالجملة المعتبر في صحة النذر على ما يستفاد من أدلته هو رجحان متعلقة بالنسبة الى تركه لا بالنسبة إلى شي ء آخر، كما انه لا يعتبر فيه عدم مزاحمته لواجب، فينعقد النذر إذا كان متعلقة راجحا بالنسبة إلى عدمه سواء كان مرجوحا بالنسبة إلى واجب آخر مزاحما له أم لا فاتضح أيضا ضعف القول بتقديم الحج على النذر مطلقا كما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى- لا لأجل كفاية صرف وجود الرجحان في متعلقة حين النذر حتى يقال: أن المعتبر في انعقاد النذر هو الرجحان حين العمل. بل لأجل منع دخل ترك الحج في رجحان متعلق النذر و هو الزيارة و الحج و إن كان موضوعه حسب ما يستفاد من الأخبار المفسرة للاستطاعة الزاد و الراحلة و ليس ترك ضده من القيود العدمية المأخوذة في موضوعه و لا في ملاكه و لكن النذر أيضا كذلك لا يكون عدم مزاحمته لواجب آخر دخيلا في ملاكه. نعم، بعد تحقق موضوع كلا الخطابين و تمامية ملاكهما يقع التزاحم بينهما فأين المقام من المزاحمة في الملاك. فعلى هذا لا مجال لمنع انعقاد النذر. كما إنه لا مجال لاحتمال مانعيته عن أصل الخطاب بالحج لعدم تحقق موضوعه و هو الاستطاعة و الحاصل لا مجال للقول بانحلال النذر لأجل صيرورته مرجوحا، و يمكن أن يقال بتقديم ما هو المقدم سببا بتقريب: أنه إذا كان النذر مقدما و تحقق الوجوب فقد حصل المانع الشرعي عن وجوب الحج و المانع الشرعي كالمانع العقلي كما قرر في محله. و إذا كانت الاستطاعة مقدما فحينئذ قد وجب الحج فقد تحقق المانع الشرعي عن انعقاد تحقق النذر و

هو كالمانع العقلي.

و فيه: إن كون المانع الشرعي كالمانع العقلي و إن كان من حيث الكبرى صحيحا و لكن الكلام في الصغرى و هي كون أحدهما مانعا شرعيا عن الآخر إلا إذا ثبت أهمية أحدهما من الآخر فيكون مانعا و يقدم على المهم و إن كان مؤخرا عنه من حيث السبب. كما إذا فرضنا إن هناك غريقا يجب إنقاذه حين خروج الوفد الأخير بحيث يكون إنقاذه مزاحما للخروج معهم فيفوته الحج إذ المفروض عدم وفد آخر حتى يخرج معهم فلا شبهة حينئذ في تقديم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 143

إنقاذ الغريق على الحج لأجل الأهمية، و لم يقل أحد أن الاستطاعة الحاصلة قبل ذلك مانع شرعي عن إنقاذ الغريق كما لا يخفى. فالمدار في التقديم ليس إلا الأهمية، فلو كان المسبوق أهم يقدم على السابق المهم. و إن كان السابق أهم يقدم على المسبوق المهم.

إن قلت: إنه إذا حصل النذر قبل الاستطاعة و فرض إن الحج أهم فتقديم الحج عليه على فرض وجوبه مما لا إشكال فيه لمكان الأهمية. و لكن الإشكال في أصل وجوبه مع انعقاد النذر و كذلك إذا كانت الاستطاعة مقدمة على النذر و فرض أهمية النذر فتقديمه على الحج على فرض انعقاده مسلم لمكان الأهمية و لكن الكلام في أصل انعقاد النذر مع تحقق الاستطاعة.

قلت: إنه لا ينبغي الإشكال في انعقاد النذر و تحقق وجوب الحج و ذلك لعدم كون موضوع الحج حسب ما يستفاد من الاخبار المفسرة للآية الشريفة إلا الزاد و الراحلة و تخلية السرب و الاستطاعة البدنية و كذلك سعة الوقت بحكم العقل و الفرض تحقق جميع تلك الشرائط في مفروض البحث سواء كان النذر مقدما عليها

أم لا فوجب الحج عليه و لم ينهض دليل تعبدي على اعتبار عدم تقدم نذر عليها في موضوع وجوب الحج حتى يقال ان تقدم النذر مانع عن وجوبه و (بعبارة أخرى) أنه لم يشترط في وجوب الحج حسب ما يستفاد من أدلته عدم مزاحمته لواجب آخر. نعم، إذا قام دليل تعبدي على اعتبار ذلك فلا بد من الالتزام بعدم وجوب الحج مع حصول النذر و لكنه مفقود. فعلى هذا يكون الحج بعد تحقق جميع شرائطه من الزاد و الراحلة و غيرهما واجبا و لو كان مزاحما لواجب آخر، و كذلك لا يمكن إنكار انعقاد أصل النذر و ان كان مؤخرا عن حصول الاستطاعة و ذلك لان شرط انعقاده ليس الا رجحان متعلقة و هو مفروض التحقق و لم يدل دليل تعبدي على كون عدم تقدم الاستطاعة من شرائط انعقاده. نعم هو مرجوح بالنسبة إلى الحج. و لكن قد عرفت أن الرجحان المعتبر في انعقاد النذر هو رجحان المتعلق بالنسبة الى تركه لا بالنسبة الى جميع الأضداد المتصورة له.

فالتحقيق: ان كلا من الحج و النذر فيما نحن فيه واجب لتمامية موضوعه سواء تقدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 144

النذر أم الاستطاعة فيتحقق المزاحمة بينهما فلا بد من ملاحظة الأهمية و المهمية بينهما فإن أحرز أهمية أحدهما من الآخر فهو يقدم و إلا فيتجه التخيير فعلى هذا لا يبقى مجال لما أفاده المصنف (قده) من تقديم النذر على الحج فيما إذا تقدم النذر على الاستطاعة. و ما أفاده المحقق النائيني، من تقديم الحج على النذر و كذلك لا يبقى مجال للقول بالتفصيل و تقديم ما هو المقدم سببا. ثم إنه لا ينبغي الإشكال في أن تشخيص

الأهمية إنما يكون بنظر الشارع لا بنظر العرف لأن عقولنا قاصرة عن إدراك الملاكات الثابتة في متعلقات الأحكام فلا بد لنا من مراجعة الأخبار يمكن أن يقال باستفادة أهمية النذر من الحج لثبوت العقاب و الكفارة معا في ترك النذر بخلاف ترك الحج لثبوت العقاب فقط في تركه و هذا كاشف عن أهمية النذر من الحج.

(و فيه): أن من الممكن واقعا ان يكون في ترك المهم كفارة و لم يكن ذلك في ترك الأهم فلعل في الحج تكون مصلحة أقوى من المصلحة الموجودة في النذر و لم نطلع عليها لعدم علمنا بالغيب و ثبوت الكفارة في النذر لعله تابع لمصلحة أخرى لا لأهمية مصلحته كي توجب تقدمه على الحج. و يمكن أن يقال في خصوص نذر زيارة عرفة: بأنه أهم من الحج لما ورد من أن اللّه تعالى ينظر الى زوار الحسين- عليه السلام- في يوم عرفة قبل أن ينظر الى الحجاج.

و فيه: ان هذا انما يدل على أكثرية ثواب زيارته في يوم عرفة من ثواب الحج و العبرة في ترجيح أحد المتزاحمين ليست بأكثرية الثواب بل يكون بأهمية الملاك. و الثواب غير الملاك كما لا يخفى. فان الثواب ما يترتب على امتثال الحكم و الملاك هو ما يترتب عليه الحكم و كيف يكون زيارة الحسين- عليه السلام- مع قطع النظر عن النذر أهم من حجة الإسلام مع أنها واجبة و هو مستحب و الواجب لا شك في كونه أهم ملاكا من المستحب و لا ينافي ذلك أن يكون ثواب المستحب أكثر من ثواب الواجب كما في السلام الذي يكون ثوابه أكثر من ثواب رده مع ان رد السلام واجب و نفس السلام مستحب و

ما يترتب على ترك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 145

رد السلام من المفسدة لا يترتب على ترك السلام كما لا يخفى.

و يمكن أن يقال بأهمية الحج من النذر لأن التوعيدات التي تضمنتها الروايات في ترك الحج كما ورد: من أنه يقال لتارك الحج (فليمت يهوديا أو نصرانيا). و ما ورد من إطلاق عنوان الكافر عليه لم ترد شي ء من ذلك في ترك المنذور فيستكشف من تلك الأخبار أن الحج أهم من النذر فيقدم عليه و لا أقل من احتمال أهميته من النذر و هو كاف في تقديمه عليه فتقديم الحج عليه ليس من باب ما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- بل من جهة أهميته و إن لم نقل بأهمية الحج فالمرجع التخيير.

[المسألة الثالثة و الثلاثين في تقديم الحج على النذر]

قوله قده: (النذر المعلق على أمر قسمان تارة يكون التعليق على وجه الشرطية كما إذا قال إن جاء مسافري فلله علي أن أزور الحسين- عليه السلام- في عرفة، و تارة يكون على نحو الواجب المعلق كان يقول للّه علي أن أزور الحسين- عليه السلام- في عرفة عند مجي ء مسافري فعلى الأول يجب الحج إذا حصلت الاستطاعة قبل مجي ء المسافر و على الثاني لا يجب.

ما ذكره (قده) على مبناه صحيح فان مبناه على ما عرفت هو أنه لو توجه اليه الخطاب بالوفاء بالنذر قبل الاستطاعة منع ذلك عن تحقق الاستطاعة. بخلاف ما إذا كانت الاستطاعة مقدمة عليه و على هذا يتجه التفصيل بينما إذا كان نذره على نحو التعليق. و ما إذا كان على نحو الشرطية. و المفروض على أى حال أن أصل النذر مقدم على الاستطاعة بحصول المعلق عليه أو الشرط مؤخر عنها فان كان نذره على نحو التعليق فتحقق

المعلق عليه في الخارج كاشف عن أن الخطاب بالوفاء كان ثابتا قبل تحققه بمجرد النذر، فهو مانع عن حصول الاستطاعة. و هذا بخلاف ما إذا كان على نحو الشرطية لأنه قبل تحقق الشرط لم يجب عليه شي ء حتى بصير مانعا عن حصول الاستطاعة. و أورد المحقق النائيني على المصنف بان النذر على نحو التعليق ليس قسيما للنذر على نحو الشرطية بل النذر على نحو التعليق أيضا قسم من النذر على نحو الشرطية.

و (فيه): أن مقصود المصنف (قده) أيضا ليس جعله قسيما له و إن كان ربما يوهمه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 146

العبارة. بل هو قسم منه لكن في هذا القسم يكون الوجوب متحققا قبل تحقق الشرط، فيمنع عن حصول الاستطاعة على مبناه بخلاف ما إذا لم يكن كذلك. فان الوجوب حينئذ يتحقق حين تحقق الشرط فقبله لا وجوب حتى يمنع عن حصول الاستطاعة فيختلف الحكم فيهما و ان كان النذر في كليهما مشروطا.

[المسألة الرابعة و الثلاثين في الاستطاعة البذلية]

قوله قده: (إذا لم يكن له زاد و راحلة و لكن قيل له حج و علي نفقتك و نفقة عيالك وجب عليه.

و يدل عليه بعد الإجماع المحكي عن الخلاف؛ و الغنية؛ و ظاهر التذكرة؛ و المنتهى؛ بالنصوص الكثيرة الواردة في المقام منها:

1- صحيح محمد بن مسلم المروي في كتاب التوحيد سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن قول اللّه عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟ قال: يكون له ما يحج به قلت: فمن عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع الحج «1» 2- خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: فان كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيى و

لم يفعل، فإنه لا يسعه إلا أن يخرج و لو على حمار أجدع أبتر «2» 3- حسنة الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت له من عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك أ هو ممن يستطيع اليه سبيلا؟ قال: نعم ما شأنه يستحيي و لو يحج على حمار أجدع أبتر، فإن كان يستطيع أن يمشى بعضا و يركب بعضا فليحج «3» 4- صحيح هشام بن سالم عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج «4».

5- عن أسامة بن زيد عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» قال: سألته ما السبيل؟ قال: يكون له ما يحج به

______________________________

(1) صدره في الوسائل- ج 2، الباب 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه في حديث 1 و ذيله في الوسائل- ج 2، الباب 10- من أبواب وجوب الحج و شرائطه في حديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب 10، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3.

(3) الوسائل- ج 2- الباب 10، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5.

(4) الوسائل- ج 2- الباب 10، من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 8.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 147

قلت: أ رأيت ان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك؟ قال: هو ممن استطاع اليه سبيلا قال:

و إن كان يطيق المشي بعضا و الركوب بعضا فليفعل قلت: أ رأيت قول اللّه و من كفر أ هو في الحج؟ قال: نعم هو كفر النعم و قال:

من ترك «1».

6- خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قلت: له من عرض عليه الحج فاستحيى أن يقبله أ هو ممن يستطيع الحج؟ قال: مره فلا يستحيى و لو على حمار أبتر و ان كان يستطيع أن يمشى بعضا و يركب بعضا فليفعل «2».

7- عنه أيضا قال: قلت لأبي عبد اللّه رجل كان له مال فذهب ثم عرض عليه الحج فاستحيى فقال: من عرض عليه الحج فاستحيى و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فهو ممن يستطيع الحج «3». و غير ذلك من الأخبار. الظاهر من جملة أخبار الباب عدم ملاحظة الشرف بالنسبة إلى الراحلة و أن استلزم العسر و الحرج فمقتضى القاعدة تخصيص أدلة نفي العسر و الحرج بهذه الأخبار. و قد بينا سابقا أنه لا وجه لحمها على محامل بعيدة كحملها على من استقر عليه الحج بالبذل أو بالاستطاعة المالية أو غيرهما من المحامل، فيحكم بوجوب الحج على المبذول له و لو على حمار أجدع أبتر الذي ينافي شرفه و شخصيته.

إن قلت: كيف يمكن القول بوجوبه بالبذل بهذا المقدار من التوسعة مع أن السفر على حمار أجدع أبتر ذلة عظيمة للمؤمن و مخالف للعقل السليم الحاكم بأن اللّه تعالى لا يرضى بذلك كما لا يخفى على من له أدنى التفات الى مذاق الشارع المقدس الذي يهتم بعزة المؤمن و حفظ حرمته. و من المعلوم أن حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة كما في الخبر فكيف يتصور وجوبه عليه على حمار أجدع أبتر بذلة و حقارة و مشقة.

قلت: هذه استحسانات لا يمكن الاعتماد عليها في قبال هذه الأخبار الصريحة الدالة على وجوب الحج عليه و لو على حمار أجدع أبتر.

و بالجملة

لا تجري قاعدة نفي العسر و الحرج بالنسبة إلى الضعة و الشرف في خصوص الراحلة لتخصيصها بهذه الأخبار.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 10- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

(2) الوسائل- ج 2، الباب- 10- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 9

(3) الوسائل- ج 2، الباب- 10- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 148

هذا و لكن مع ذلك في النفس شي ء و هو يلجئنا الى حمل صحيح هشام المتقدم الدالة على وجوب الحج بالبذل و لو على حمار أجدع أبتر المطابق مضمونه لغيره من الضعاف الواردة في المقام على بعض المحامل التي أشرنا إليه سابقا في المباحث المتقدمة فعليه لم يبق في البين إلا صحيح محمد بن مسلم و لكنه أيضا لا يدل إلا على أن بالبذل يتحقق الاستطاعة فيكون مضمونه مطابقا لما هو ظاهر معقد الإجماع المدعى في المقام.

نعم، تجري بالنسبة إلى القوة و الضعف و كذا بالنسبة إلى الزاد بحسب القوة و الضعف و بحسب الضعة و الشرف.

ثم لا يخفى: أن مقتضى إطلاق الأدلة عدم الفرق في وجوب الحج على المبذول له بمجرد البذل بين أن يكون البذل بالإباحة و بالتمليك و لا بين كون البذل واجبا على الباذل بنذر و شبهه و عدمه، و لا بين بذل عين الزاد و الراحلة و أثمانهما، و لا بين كون الباذل موثوقا به و عدمه.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه ابن إدريس على ما حكاه صاحب الجواهر و صاحب الدروس (قد سرهما) من تخصيص الحكم بصورة التمليك. و كذا ضعف ما ذهب اليه المحقق الكركي في جامع المقاصد من تخصيص الحكم بصورة وجوب البذل

بنذر و شبهه. و كذا ضعف ما ذهب اليه الشهيد الثاني من تخصيص الحكم بما بذل عين الزاد و الراحلة دون أثمانهما.

و قال في المدارك: (لا يبعد اعتبار الوثوق بالباذل لما في التكليف بالحج بمجرد البذل مع عدم الوثوق بالباذل من التعرض للخطر على النفس المستلزم للحرج العظيم و المشقة الزائدة فكان منفيا.

و مال الى ذلك صاحب الجواهر حيث قال: (قد يقال باعتبار الطمأنينة بالوفاء أو بعدم الظن بالكذب حذرا من الضرر و الخطر عليه).

و التحقيق في ذلك أن يقال: مع عدم وثوقه بوفاء الباذل بالبذل (تارة) يكون في رواحة إلى الحج خوف تلف نفسه و (أخرى) لا يكون كذلك فعلى (الأول) لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج عليه و على (الثاني) يمكن القول بالوجوب لإطلاق نصوص الباب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 149

و يمكن القول بعدم وجوب الحج عليه لعدم كون قول الباذل: (حج و على نفقتك) موضوعا لوجوب الحج عليه بل الموضوع هو البذل الفعلي حدوثا و بقاء لا حدوثا فقط كما لا يخفى. و لذا لو فرضنا أن المبذول له علم من أول الأمر بعدم وفاء الباذل ببذله بقاء أو لم يعلم بذلك و لكن رجع الباذل عن بذله في الأثناء فلا إشكال في عدم وجوب الحج عليه في هاتين الصورتين لكشف عدم وفاء الباذل بقاء عن عدم الاستطاعة التي هي موضوع الوجوب.

و بالجملة فلا إشكال في أن موضوع وجوب الحج هو البذل المستمر الى آخر الأعمال و الى أن يرجع الى وطنه فإذا كان واثقا و عالما برجوعه عن بذله فلا إشكال في عدم وجوب الحج عليه. و إذا كان واثقا بعدم رجوعه فلا ريب في وجوبه عليه.

و أما

مع الشك في البقاء فلا يمكن إثبات الوجوب بالإطلاقات لكونه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فحينئذ يتجه القول بأنه مع عدم الوثوق بالوفاء نشك في وجوب الحج عليه فيجري فيه البراءة.

نعم، لو لم يحج لعدم وثوقه بوفاء الباذل ببذله ثم تبين وفائه به كشف عن ذلك استقرار وجوب الحج عليه. و مما ذكرنا من التفصيل- بين صورة الوثوق و عدمه في الحكم بالوجوب في الصورة الأولى دون الثانية- يتجه أيضا التفصيل بين صورة وجوب البذل بنذر و شبهه، و عدمه و ذلك لاحتمال رجوعه عن بذله في الأثناء إذا لم يكن البذل واجبا عليه. و قد عرفت أنه مع هذا الاحتمال لا يجب عليه قبول البذل.

و لا يخفى ما فيه لأنه إذا كان صرف احتمال الرجوع في البذل غير الواجب موجبا للحكم بعدم وجوب الحج عليه، لكان اللازم الالتزام بعدم وجوبه في البذل الواجب أيضا، لوجود هذا الاحتمال كسابقه لاحتمال رجوعه عنه عصيانا، فالتفصيل بين البذل الواجب و غيره مما لا وجه له، فالعبرة في الوجوب و عدمه بالوثوق و عدمه فإذا كان واثقا بوفاء الباذل ببذله فلا إشكال في وجوب الحج عليه و إلا فلا كما أفاده صاحب المدارك (ره).

و لكن التحقيق: أن هذا التفصيل أيضا مما لا وجه له، و ذلك لأنه كما يتصور في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 150

الاستطاعة البذلية احتمال رجوع الباذل عن بذله كذلك يتصور في الاستطاعة المالية احتمال تلف المال و موت المستطيع في الأثناء، و من المعلوم أن الاستطاعة ليست بوجودها الحدوثى موضوعا لوجوبه عليه، بل بوجودها الحدوثى و البقائى كما عرفت سابقا.

فعلى هذا إذا قلنا بعدم وجوب الحج عليه بصرف عدم وثوقه بوفاء

الباذل ببذله و احتمال رجوعه عنه في الأثناء فيلزم به عدم وجوب الحج على أحد في العام الأول من الاستطاعة المالية أيضا لعدم وثوقه بقاء المال الى آخر الأعمال و بطلان ذلك بمكان من الوضوح فوزان الاستطاعة البذلية وزان الاستطاعة المالية فكما يحكم هناك بوجوب الحج في العام الأول مع الشك في بقاء المال الى آخر زمان يعتبر بقائه فيه استنادا الى استصحاب بقائه فكذلك في الاستطاعة البذلية فمع الشك في وفاء الباذل بالبذل يحكم بوجوب الحج على المبذول له لاستصحاب البذل و من هنا ظهر ضعف ما مال اليه صاحب المدارك و صاحب الجواهر: من التفصيل بين صورة بوفاء الباذل و عدمه في الحكم بالوجوب في الصورة الأولى دون الثانية. نعم، لو خرج الى الحج و رجع الباذل عن بذله في الأثناء و لم يكن للمبذول له ما يتم به الحج كشف ذلك عن عدم وجوب الحج عليه كما لا يخفى.

قوله قده: (و كذا لو لم يبذل نفقة عياله.

يقع الكلام: في أنه هل يشترط في الاستطاعة البذلية بذل نفقة العيال أو لا؟ مقتضى إطلاق النصوص الواردة في المقام هو عدم اعتبار ذلك في تحقق الاستطاعة البذلية لعدم ذكر دلالتها على اعتبارها فيها خلافا لما ذهب اليه المصنف (قده) و لكن يمكن الاستدلال على اعتبار ذلك بوجهين:

(الأول)- ما يختص بالعيال الواجبي النفقة و هو وجوب نفقتهم عليه المزاحم لوجوب الحج. لكن فيه: أن هذا الوجه لا يثبت شرطية بذل مؤنة العيال في الاستطاعة البذلية بناء على ما هو الحق من أنه ليس من قيود الموضوع و هو الاستطاعة عدم مزاحمته لواجب آخر. و قد بينا سابقا أن موضوع وجوب الحج يتحقق و لو مع مزاحمته

لواجب آخر فلا نعيده.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 151

و أما بناء على ما ذهب اليه بعض الفقهاء من اعتبار ذلك في تحقق موضوع وجوب الحج و القول: بأن وجوب عمل آخر غير الحج مانع عن وجوبه و رافع لموضوعه فمن الواضح انه لا يبقى مجال للقول بوجوب الحج عليه فيما إذا لم يبذل نفقة عياله و لم يكن متمكنا من إعطاء نفقتهم لو خرج الى الحج، لأن المفروض أن وجوب نفقة عياله مع مزاحمتها للحج مانع عن وجوبه و لو كان منشئا وجوبه الاستطاعة البذلية.

اللهم إلا أن يقال أن اعتبار عدم مزاحمته لواجب إنما يختص بالاستطاعة المالية و لا يعم الاستطاعة البذلية فعليه ليس وجوب نفقة العيال مانعا عن وجوب الحج عليه لتحقق موضوعه و هو بذل الزاد و راحلة. و أما عدم مزاحمته لواجب فلأن المفروض عدم جعله من قيود موضوعية الاستطاعة البذلية لوجوب الحج.

و فيه: أن غاية ما يستفاد من نصوص المقام هي سعة الدائرة في ما نحن فيه بالنسبة إلى الراحلة و أما بالنسبة إلى باقي الجهات فلا لما عرفت سابقا من أن هذه النصوص الدالة على عدم كون خسة الراحلة مانعة عن الاستطاعة في مقام بيان ماهية الاستطاعة سواء تحققت بالبذل أو غيره.

و بالجملة لا فرق بين الاستطاعة البذلية و المالية في شرطية عدم مزاحمتهما لواجب آخر و عدم شرطيته لهما فان قلنا باشتراط ذلك في حصولها، اتجه عدم وجوب الحج عليه مع المزاحمة لمؤنة العيال الواجبي النفقة، و إن قلنا بعدم اشتراط ذلك في حصولها كما هو الحق لما تقدم سابقا تقع المزاحمة بين وجوب الحج و وجوب النفقة فلا بد في التقديم من ملاحظة الأهمية فإن كان وجوب

نفقة العيال أهم قدم على الحج قطعا و كذا العكس و إلا فالمرجع التخيير.

(الثاني)- ما يعم العيال الواجبي النفقة و غيرهم و هو أن ترك نفقة العيال أمر حرجي فيرتفع به وجوب الحج عملا بمقتضى أدلة نفي العسر و الحرج.

و لا يخفى أن هذا الدليل إنما يتم فيما إذا استلزم ترك نفقة العيال الحرج على المبذول له كما هو كذلك لغالب الناس و إلا وجب عليه الحج و إن استلزم الحرج على العيال و لم يكن حرجا على المبذول له كما في بعض الأفراد.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 152

ثم، لو فرض عدم تمكن المبذول له من نفقة عياله على أى حال من دون فرق بين الذهاب الى الحج و عدمه لعدم قدرته على التكسب فلا إشكال في عدم كونه مانعا عن وجوب الحج عليه بالاستطاعة البذلية، لما عرفت من أن النصوص الواردة في المقام مطلقة و لم يذكر فيها قيد وجدان نفقة العيال. فعلى هذا يحكم بوجوب الحج على المبذول له و إن لم يبذل نفقة عياله و لا يجري في ذلك ما تقدم من حكم مزاحمة الحج لواجب آخر و هو وجوب نفقة عياله لأن المفروض عدم وجوب نفقة عياله عليه لعدم قدرته على تحصيلها، فعلى هذا لا يبقى مجال للقول بأنها رافعة لموضوع الاستطاعة كما لا يصح هنا رفع وجوب الحج بقاعدة نفي العسر و الحرج لأن المفروض عدم تمكنه من نفقة عياله فالحرج موجود حتى مع ترك الحج.

[المسألة الخامسة و الثلاثين لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية]

قوله قده: (لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية. نعم، لو كان حالا و كان الديان مطالبا مع فرض تمكنه من أدائه لو لم يحج و لو تدريجا ففي كونه مانعا أو

لا وجهان.).

التحقيق أنه مع مزاحمة الحج للدين المطالب يتجه التخيير، لوجوب كليهما عليه، و لا ينفى موضوع الاستطاعة كما تقدم تفصيله.

[المسألة السادسة و الثلاثين لا يشترط الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة البذلية]

قوله قده: (لا يشترط الرجوع الى كفاية في الاستطاعة البذلية.).

مقتضى إطلاق الأدلة ذلك، و هذا الإطلاق محكم فيما إذا لم يتفاوت عدم وجدانه للكفاية بعد الحج بين قبوله البذل و عدمه. و أما مع التفاوت كما إذا فرض أنه لو لم يحج لظفر بمال بتجارة أو غيرها بخلاف ما إذا حج لعدم ظفره حينئذ بتلك التجارة أو غيرها فيرجع فاقدا للكفاية و يقع في العسر و الحرج، فلا ينبغي الإشكال حينئذ في عدم وجوب قبول البذل عليه.

و بالجملة حكم الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة البذلية حكم مؤنة العيال فيها فكما لم يرد دليل تعبدي بالنسبة إلى اعتبار الرجوع الى كفاية في تحقق الاستطاعة البذلية كذلك لم يرد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 153

دليل تعبدي بالنسبة إلى اعتبار مؤنة العيال فيها فلا بد من التكلم فيهما على ما تقتضيه القاعدة و مقتضاها عدم وجوب الحج مع استلزامه العسر و الحرج بدون نفقة العيال و الرجوع الى الكفاية أو المزاحمة لواجب آخر و إلا فلا شبهة في وجوب الحج عليه.

فعلى هذا لا وجه لما يظهر من عبارة المصنف (قده)- من التفصيل بين مؤنة العيال و الرجوح إلى الكفاية- في الحكم باعتبار الأول في تحقق الاستطاعة البذلية دون الثاني.

[المسألة السابعة و الثلاثين لو وهبه ما يكفيه للحج]

قوله قده: (و كذا لو وهبه و خيره بين أن يحج به أو لا.).

التحقيق كما إختاره المصنف (قده) هو أنه كما يحكم بوجوب الحج على المبذول له فيما إذا وهبه ذلك للحج تعيينا. كذلك يحكم بوجوبه عليه فيما لو وهبه المال و خيره بين أن يحج به أو يزور الحسين- عليه السلام- مثلا:

و الوجه في ذلك هو أنه كما لا إشكال في الواجبات التخييرية في صدق عنوان الواجب

على كل عدل منها غاية الأمر أن الإتيان بأحد الأبدال موجب لسقوط العدل الآخر عن ذمته كذلك لا إشكال في البذل التخييري في صدق عنوان البذل على كل عدل منهما، فيصدق عليه في هذه الصورة أنه عرض عليه الحج و بذل له المال للحج، و يصدق أيضا إنه عرض عليه زيارة الحسين- عليه السلام- مثلا. فعلى هذا لا ينبغي الإشكال في وجوب الحج عليه في هذه الصورة، و ذلك لأن المدار في الحكم بوجوب الحج عليه هو صدق عنوان البذل و عرض الحج عليه اللذين هما موضوع الوجوب في النصوص المتقدمة فمقتضى إطلاقها الحكم بوجوب الحج عليه معينا.

هذا كله لو وهبه المال و خيره بين الحج و غيره. و أما لو وهبه و لم يذكر الحج لا على نحو التعيين و لا على نحو التخيير فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب القبول عليه لعدم صدق عنوان عرض الحج عليه و مع القبول لا شبهة في خروجه عن الاستطاعة البذلية و دخوله في الاستطاعة المالية، فيعامل معه معاملة الاستطاعة المالية فإن كان بمقدار ما يحج به يجب الحج و إلا فلا.

[المسألة التاسعة و الثلاثين لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا أو زكاة]

قوله قده: (لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا أو زكاة و شرط عليه أن يحج به

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 154

فالظاهر الصحة و وجوب الحج عليه إذا كان فقيرا. أو كانت الزكاة من سهم سبيل اللّه.)

لا ينبغي الإشكال فيما أفاده المصنف (قده) في آخر كلامه من صحة شرط الحج عليه فيما لو إعطاء الزكاة من سهم سبيل اللّه و عليه القبول، لأن تعيين مصرفه إنما يكون بيد من عليه ذلك فله التعيين بنفسه إن كان عارفا بمصارفه و إلا فعليه الرجوع الى من يكون

عارفا بذلك.

و أما لو أعطاه من الزكاة أو الخمس لا من سهم سبيل اللّه بل باعتبار كونه فقيرا فهذا يتصور على قسمين:

(أحدهما) أن يكون ما أعطاه بمقدار ما يحج به و مؤنة العيال و الرجوع الى الكفاية بحيث يتحقق له الاستطاعة المالية.

و (ثانيهما) أن لا يكون كذلك بان كان بمقدار نفقة الحج فقط.

أما القسم الثاني فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج عليه لعدم تحقق موضوعه لا بالاستطاعة المالية و لا بالاستطاعة البذلية. أما عدم تحقق الاستطاعة المالية فلفقدانه بعض شرائطها و هو مؤنة العيال و الرجوع الى الكفاية. و أما عدم تحقق الاستطاعة البذلية، فلأن مقدار الخمس أو الزكاة ليس ملكا للمعطى بل هو ملك للفقير و إنما يعطيه حقه و ليس لمن عليه الخمس أو الزكاة ولاية على اشتراط مصرف بالخصوص فهذا القسم من إعطاء المال خارج عن مسألة البذل. نظير، أن يعطى مال زيد له مشترطا عليه بان يحج به فكما لا يصح ذلك هناك و لا يصدق البذل فكذلك فيما نحن فيه فلا يجب على مستحق الخمس أو الزكاة الوفاء بشرط الحج.

هذا كله فيما إذا كان ما أعطاه من الخمس أو الزكاة أقل من الاستطاعة المالية. و أما القسم الأول و هو كون ما أعطاه خمسا أو زكاة بمقدار الاستطاعة فيقع البحث في ذلك من جهات ثلاث:

(الجهة الأول) في أنه هل يجوز إعطاء الخمس للفقير بمقدار الاستطاعة المالية للحج أم لا؟

لا ينبغي الإشكال في عدم جواز إعطائه منه أزيد من مؤنة سنته فجواز إعطائه منه بمقدار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 155

الاستطاعة المالية للحج متوقف على دخول نفقة حجه في مؤنة سنته، فان قلنا به جاز ان يعطيه ذلك و

صح، و إلا فلا. و الظاهر هو الأول و ذلك لأنه ليس سفر الحج الا كسفر زيارات الأئمة- عليهم السلام- و من المعلوم عند العرف أنه إذا ذهب الفقير إلى زيارة الحسين- عليه السلام- أو الى زيارة النبي- صلى اللّه عليه و آله- أو غيرهما من المعصومين- عليهم السلام- لا يقال: إنه صرف ما لا يكون أزيد من مؤنة سنته. نعم، من الواضح اختلاف الغنى و الفقير شرفا و ضعة في مقدار صرف المال بحسب جودة المركب و ردائته و نحو ذلك من الأمور.

فلو صرف مالا كثيرا في الزاد و الراحلة و هيئ منصبا ما يناسب حال الأغنياء صدق عرفا أنه صرف أزيد من مؤنة سنته و لكن صدق ذلك ليس من جهة ذهابه إلى زيارة الإمام- عليه السلام- بل من جهة صرفه في سفره أزيد مما يليق بشأنه و حاله. إذا عرفت ذلك ظهر جواز إعطاء الفقير من الخمس بمقدار الاستطاعة المالية فإذا أعطى ذلك وجب عليه الحج و إذا حج أجزأه عن حجة الإسلام إذا اجتمع فيه جميع ما يعتبر في وجوبها من تخلية السرب، و صحة البدن، و غيرهما من الشرائط.

هذا كله في الخمس.

و أما في الزكاة فلا إشكال في جواز إعطائه أزيد من مؤنة سنته مرة واحدة بلغ ما بلغ فلا يفترق الأمر فيها بين القول بأن الحج يكون من مؤنة سنته، و بين القول بعدمه، فإذا أعطاه منها بمقدار الاستطاعة المالية، يحكم بوجوب الحج عليه إذا كان واجدا للشرائط الآخر، و لو حج أجزأه عن حجة الإسلام و لو تركه حتى زالت عنه الاستطاعة يجب عليه الحج و لو متسكعا. ما أفاده (قده)- من جواز إعطاء سهم الفقراء للحج و

الزيارة مناف لما أفاده في باب الزكاة من عدم جواز إعطائه.

(الجهة الثانية) أنه هل تكون هذه المسألة من البذل أو لا؟

التحقيق: أنه لا ربط لها بمسألة البذل و ذلك لأنه في البذل إنما يعطيه المال بعنوان السير الى الحج بإباحة أو بتمليكه إياه لأجل الحج لكون الباذل صاحب المال و مالكا له. و أما فيما نحن فيه فليس ما يعطيه بهبة و لا بإباحة لعدم كون المعطى مالكا له بل إنما يعطى الفقير حقه لأن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 156

الفقير شريك مع الغنى فيما تعلق به الخمس أو الزكاة على ما حققناه في محله. و قلنا بتعلق حقه بعين المال بنحو الإشاعة، و ليس الخمس أو الزكاة صرف حكم تكليفي. فعلى هذا يمكن للفقير أن لا يأخذ من الخمس أو الزكاة بمقدار الاستطاعة المالية لأن لا يتحقق له الاستطاعة، لأن قبوله تحصيل لها، و هو غير واجب بالاتفاق. و هذا بخلاف البذل إذ بمجرد عرض الحج عليه يحكم بوجوبه عليه من دون توقفه على القبول.

(الجهة الثالثة) في أنه هل يترتب على اشتراط الحج عليه أثر أم لا؟

قد تقدم أنه ليس له الولاية على هذا الشرط، و حيث أن المفروض تحقق الاستطاعة المالية بأخذه الخمس أو الزكاة فيحكم بوجوب الحج عليه، سواء شرط عليه الحج أم لا (فائدة): لو أعطى الخمس أو الزكاة لغير المستحق و شرط عليه أن يحج به (فتارة) يكون المعطى عالما بعدم استحقاقه له و (أخرى) يكون جاهلا بالموضوع أو الحكم فان كان عالما فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج على الآخذ، لعدم تحقق الاستطاعة بعد فرض عدم استحقاقه للخمس أو الزكاة. هذا إذا قصد المعطى عنوان الخمس أو

الزكاة على تقدير تمشي هذا القصد منه. و أما إذا لم يقصد المعطى ذلك، لعلمه بعدم استحقاق الآخذ، فيندرج في مسألة البذل، لكون المبذول حينئذ مال نفس المعطى لا خمسا أو زكاة، و يجرى عليه أحكام الاستطاعة البذلية. و إن كان جاهلا بالموضوع أى عدم استحقاق الآخذ أو الحكم فقصد المعطى الخمس أو الزكاة فعدم وجوب الحج على الآخذ في غاية الوضوح، إذ المفروض عدم استحقاقه المانع عن تملكه للخمس أو الزكاة، فلا وجه لوجوب الحج عليه.

هذا كله في صورة عدم تعين مقدار الخمس أو الزكاة فيما أعطاه له قبل الإعطاء و أما إذا تعين في ذلك فلا فرق حينئذ في عدم وجوب الحج على الآخذ بين صورة العلم و الجهل لأنه قد أعطى مال الفقير لغير صاحبه و هذا نظير البذل بالمال المغصوب فلا يجرى عليه أحكام البذل الصحيح أصلا لعدم مالكيته للمبذول. ثم لو حج غير المستحق بهذا المال فهل يصح حجه أو لا؟ و على فرض صحة حجه هل يجزى عن حجة إسلامه أو لا؟

تفصيل الكلام في ذلك هو أن المعطى ان كان عالما بعدم استحقاق الآخذ و لم يتمشى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 157

منه قصد الخمس أو الزكاة فقد عرفت دخول في الاستطاعة البذلية و عدم الإشكال في صحة حجه و حينئذ ان كان الآخذ مستطيعا سابقا أو صار مستطيعا بأخذ هذا المال فلا إشكال في الإجزاء أيضا و لا أثر لاشتراط الحج عليه، و إلا فهو داخل في المسألة الآتية من أنه هل الحج البذلى مجز عن حجة الإسلام أم لا؟ و سيأتي الكلام فيه- إنشاء اللّه تعالى.

هذا كله فيما إذا كان المعطى عالما بعدم استحقاقه و لم

يتمش منه قصد الخمس أو الزكاة و إن كان جاهلا بذلك أو كان عالما به و لكن تمشي منه قصد الخمس أو الزكاة فلا ينبغي الإشكال في عدم صيرورة الآخذ مالكا له، فلو كان الأخذ عالما بعدم استحقاقه ففي صحة حجه إشكال لعدم جواز تصرفه في ثوبي الإحرام لعدم كل من الملك و الإباحة إلا إذا كان ثوبا الإحرام من مال نفسه فلا إشكال حينئذ في صحة حجه فان كان سابقا مستطيعا و لم يحج أجزأ عما استقر في ذمته و إلا فلا و لو كان الآخذ جاهلا بذلك فلا إشكال في صحة حجه و إن فرض أنه قد اشترى ثوبي الإحرام من ذلك، فهو و إن لم يملكه، إلا أنه لا يضر بحجه لكونه جاهلا بأنه مال الغير. فهو نظير ما إذا صلى في ساتر مغصوب جاهلا بغصبيته فإنه لا ينبغي الإشكال في صحة صلواته لأن قوام التزاحم بالعلم و كذا الحال فيما نحن فيه فلا إشكال في صحة حجه في هذه الصورة فحينئذ إذا كان مستطيعا بالاستطاعة المالية أجزأ حجه عن حجة الإسلام و إلا فلا.

و أما ثمن هديه فلا إشكال في أنه لو كان من ذلك المال فذبحه غير مجز فإنه يكون نظير ذبح هدى الغير لانه يعتبر في الهدى أن يكون مالكا له و إذا اشتراه بعين مال الغير لم يملكه فلا يحسب له ذلك من دون تفاوت في ذلك بين صورة العلم و الجهل هذا لكن بطلان هديه لا يضر بصحة حجة، بل الهدى يبقى في ذمته، فان كان واجدا لثمن الهدى من مال نفسه فعليه ذبح هدى آخر، و لو لم يكن يخلف الثمن، و إن لم يكن واجدا

لثمنه أيضا تعين عليه الصوم. نعم، لا يكون معاقبا في تركه مع الجهل العذري كما لا يخفى.

[المسألة الأربعين الحج البذلى مجز عن حجة الإسلام]

قوله قده: (الحج البذلى مجز عن حجة الإسلام فلا يجب عليه إذا استطاع مالا بعد ذلك على الأقوى.).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 158

هذا مما هو المعروف قديما و حديثا. و يدل على ذلك غالب أخبار الباب- الظاهرة في كون حجه حجة الإسلام- بعد ضم ذلك الى ما ورد من الروايات الدالة على أن حجة الإسلام ليست في العمر الإمرة واحدة و أظهر أخبار الباب الدالة على فتوى المشهور هو ما عن معاوية ابن عمار قال: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- رجل لم يكن له مال، فحج به رجل من أخوانه، هل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال- عليه السلام-: بل هي حجة تامة «1» و لو كنا نحن و هذه الأخبار لكنا نحكم بعدم وجوب الحج عليه ثانيا. و لكن ورد في قبالها ما يدل على عدم إجزاء حج المبذول له عن حجة الإسلام و الحكم بوجوب الحج عليه ثانيا إذا حصل له الاستطاعة المالية بعده و هو موثقة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سألته عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه أقضى حجة الإسلام؟ قال: نعم قال: فإن أيسر بعد ذلك، فعليه أن يحج قلت: هل تكون حجة تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله؟ قال- عليه السلام-: نعم قضى عنه حجة الإسلام و تكون تامة ليست بناقصة و إن أيسر فليحج «2».

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لو أن رجلا معسرا أحجه رجل

كانت له حجته، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه أن يحج «3» فعلى هذا يقع التهافت بينهما و بين الأخبار الواردة في المقام لدلالتهما على وجوب إعادة الحج بعد اليسار و التمكن منه، و هذا بخلاف الأخبار الواردة في المقام لدلالتها على عدم وجوب إعادة الحج على المبذول له إذا حج بالاستطاعة البذلية جامعا للشرائط.

و الأقوى عدم الإجزاء و عليه الحج ثانيا إذا حصل له الاستطاعة المالية، و ذلك لأن الطائفة الثانية مفسرة للطائفة الأولى بيان ذلك: أن الظاهر من الطائفة الأولى هو أن حجه حجة الإسلام إلى آخر عمره فبمقتضاها لا بد من أن يحكم بعدم وجوب الحج على المبذول له ثانيا

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 10 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل- ج 2- الباب 10 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

(3) الوسائل ج 2- الباب 21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 159

إذا استطاع و لكن الطائفة الثانية تدل على أنه و إن كان حجه حجة الإسلام لكن ليس كذلك الى آخر عمره، بل هو حجة الإسلام ما دام لم يحصل له الاستطاعة المالية، فان مات قبل حصول ذلك كان حجه حجة الإسلام و إلا كان عليه الحج ثانيا.

و هذا نظير ما ورد في حق الصبي و المملوك من ان الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر. و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق «1» و بالجملة مقتضى الاحتياط وجوبا وجوب الحج عليه ثانيا إذا حصلت له الاستطاعة المالية بعد الحج البذلى.

ثم أنه لا وجه لرفع اليد عن الطائفة الثانية استنادا إلى

إعراض المشهور عنها و ذلك لأنه لم يثبت كون إعراضهم عنها لأجل سندها لاحتمال كونه لأجل ما رواه من التعارض بين الأخبار فجمعوا بينها بحمل الطائفة الثانية على الاستحباب، أو على الحج النيابي، أو على الوجوب الكفائي.

نعم إذا حصل العلم بكون إعراضهم عنها لأجل سندها لا من جهة المعارضة فلا مانع من القول بمقالة المشهور و هو الاجزاء إلا أنه لا سبيل لنا الى العلم بذلك و لكن مع ذلك كله لا يمكننا المخالفة من حيث الفتوى للمشهور شهرة عظيمة بل قيل: إنه لم يوجد خلاف في المسألة إلا عن الشيخ (قده) في الاستبصار، و هو رجع أيضا عن قوله فعلى هذا لا يمكن الإفتاء بوجوب اعادة الحج على المبذول له بعد حصول الاستطاعة جزميا. نعم، الاحتياط حسن لكنه غير الإفتاء بالوجوب.

[المسألة الحادية و الأربعين يجوز للباذل الرجوع عن بذله]

قوله قده: (يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام و في جواز رجوعه عنه بعده وجهان.).

أعلم أن بذل الباذل (تارة) يكون بنحو الهبة و (أخرى) بنحو الإباحة. و الهبة (تارة) تكون لذي رحم و قد حصل القبض أو لغيره و قد حصل التصرف و (أخرى) ليس كذلك فان كان هبته على نحو الأول و هو ما إذا لزمت بالقبض أو التصرف فلا

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 16- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 160

إشكال في عدم جواز رجوعه عنه و هو خارج عن المبحث كما يخفى.

و أما إذا كان بذله على نحو الإباحة أو على نحو الهبة و لكن لم يحصل اللزوم بالقبض أو التصرف فيقع الكلام في جواز رجوعه عن بذله و عدمه فنقول و به نستعين: ان جواز الرجوع و عدمه

مبنيان على أنه هل يجب الوفاء بالشرط الابتدائي أم لا؟ فإنه قد شرط الباذل على نفسه أن يحج المبذول له شرطا ابتدائيا فإن قلنا بوجوب الوفاء به فلا إشكال في عدم جواز رجوعه عن بذله من دون فرق في ذلك بين كونه قبل تلبسه بالإحرام و بين كونه بعده و ان قلنا بعدم وجوب الوفاء به ففي جواز رجوعه عنه مطلقا أو قبل تلبسه بالإحرام وجهان أقواهما الأول لأن الظاهر كون الشرط الابتدائي مصداقا حقيقيا للشرط فيشمله إطلاق ما دل على وجوب الوفاء بالشرط المقتضى لعدم جواز رجوعه عنه مطلقا ان لم نقل بانصرافه غاية الأمر ان ذهاب المشهور الى عدم وجوب الوفاء به يوجب التوقف في الفتوى و الأخذ بالاحتياط.

ثم، إنه ان قلنا بمقالة المشهور فهل يختص جواز رجوعه بما إذا لم يتلبس بعد بالإحرام أم لا؟

يمكن أن يقال بالأول لأنه بعد تلبس المبذول له بالإحرام يتعين عليه الإتمام فيجب على الباذل إبقاء بذله و هذا بخلاف ما إذا لم يتلبس به إذ لا يجب عليه الإتمام حتى يحكم بلزوم إبقاء بذله و نظائره في الفقه كثيرة منها:

1- جواز رجوع المولى عن اذنه في حج عبده قبل دخوله في الإحرام لا بعده.

2- جواز رجوع المالك عن اذنه فيما إذا أذن لأحد أن يصلى في ملكه قبل دخوله في الصلاة لا بعدها.

3- جواز رجوع المالك عن اذنه فيما إذا أذن بدفن ميت في ملكه قبل الدفن لا بعده 4- جواز رجوع المالك عن اذنه قبل الرهن لا بعده فيما إذا أذن لشخص في رهن ماله لنفسه لا للمالك.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 161

و لكن التحقيق: أنه بناء على عدم وجوب الوفاء بالشرط الابتدائي جاز

للباذل الرجوع عن بذله و إن كان المبذول له قد تلبس بالإحرام.

و أما القول: بأن وجوب الإتمام عليه موجب لحرمة رجوع الباذل عن إذنه (فمدفوع) بأن المبذول له إن كان متمكنا من إتمام الحج بنفسه مع قطع النظر عن بذل الباذل وجب عليه الإتمام. و ان لم يكن متمكنا منه فلا يجب عليه ذلك فوجوب الإتمام عليه لا يوجب حرمة رجوع الباذل عن بذله. نعم، جواز أخذ المبذول له من الباذل مؤنة حجه و نفقة عوده الى وطنه من باب قاعدة: (المغرور يرجع الى من غره) جهة أخرى يأتي الكلام فيها- ان شاء اللّه تعالى- في المسألة الآتية. فعلى هذا لا مانع من القول بجواز رجوع الباذل عن بذله و لو بعد تلبس المبذول له بالإحرام. نعم، إذا قام دليل تعبدي بالخصوص على عدم الجواز فهو المعول و لكنه لم نظفر الى الآن به.

و أما النظائر المقيس عليها فبعضها غير صحيح و بعضها صحيح لكن قياس ما نحن فيه عليه باطل.

أما بطلان قياس المقام: بمسألة عدم جواز رجوع المولى عن إذنه بعد تلبس العبد بالإحرام، فلأن عدم جواز رجوع المولى عن إذنه في حج العبد بعد تلبسه بالإحرام فهو إنما يكون لأجل ما ورد من قوله- عليه السلام-: (لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق) بالتقريب الذي تقدم ذكره في حج العبد. و لكن قد تقدم فيه عدم تمامية الاستدلال به للقول المذكور فراجعه. و أما المحل المفروض فلم يرد فيه دليل تعبدي على ذلك حتى يحكم بعدم جواز رجوع الباذل عن بذله بعد تلبس المبذول له بالإحرام. و تسرية الحكم منه الى المقام قياس و هو باطل.

و أما عدم جواز رجوع المالك عن إذنه بعد

شروع المأذون له في الصلاة فهو (ممنوع) لأن قطع الصلاة و ان كان حراما على المصلى، لكن بعد رجوع المالك عن إذنه و العلم به تبطل صلاته، للعلم بارتفاع إباحة المكان، فلا صلاة حتى يحكم بحرمة قطعها فعلى هذا لا يكون الحكم ثابتا في المقيس عليه حتى يقاس عليه المقام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 162

و أما بطلان قياس المقام بمسألة عدم جواز رجوع صاحب الأرض عن إذنه بعد دفن الميت فيها، فلأن عدم جواز رجوعه عنه إنما يكون لأجل ما يستلزمه من هتك حرمة الميت الذي يهتم الشارع المقدس بحفظ حرمته. و أما المحل المفروض فليس كذلك فإجراء ذلك الحكم منه الى ما نحن فيه قياس باطل. و أما إذا لم يستلزم رجوعه هتك الميت بالنبش فلا مانع من القول بجواز الرجوع عن إذنه هناك أيضا و ان لم يمكن الفتوى به لتسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على خلافه.

و أما عدم جواز رجوع المالك عن إنه في رهنه بعده: فلأجل أن الرهن وثيقة قد تعلق حق المرتهن به. فعدم جواز رجوعه عن إذنه إنما يكون من جهة تعلق حق المرتهن بالعين المرهونة فعلا، و لا يسقط هذا الحق إلا بوفاء الدين الموجب لافتكاك العين المرهونة أو بإذن المرتهن في أخذه. فعلى هذا لا ربط لما نحن فيه بذلك كي يجري الحكم الثابت فيه فيما نحن فيه.

هذا مضافا الى أنه يمكن أن يقال ببطلان هذا الرهن من أصله، لأن المفروض ان المال المرهون ليس ملكا للراهن كي يجرى عليه فائدة باب الرهن بل هو ملك لشخص آخر جعله الراهن رهنا لنفسه باذن مالكه و كون إذن مالكه مصححا لذلك غير معلوم.

بيان ذلك أن حق

الرهانة ليس كحق الجناية، و الفرق بينهما أن حق الجناية إنما يتعلق برقبة العبد الجاني أين ما كان، و لا ينفك عنه ببيعه، فلو باعه مالكه من شخص آخر أو وهبه و كذا باعه مالكه الثاني أو وهبه و هكذا الى مرات عديدة، تبعه الحق ثابت عليه فرقبة العبد محقوقة بالحق في ملك أى شخص كان و لذلك لا يكون حق الجناية مانعا عن بيعه و هبته و نحو ذلك.

و أما حق الرهانة فلا يتعلق بالمال المرهون بما هو مال بل إنما يتعلق به بما أنه ملك للراهن و لذلك يكون حق الرهانة مانعا عن بيع المالك للعين المرهونة و كذلك يكون مانعا عن هبته و غير ذلك من موجبات انتقال العين بدون إذن المرتهن لتعلق حقه به و حيث ان المفروض فيما نحن فيه عدم كون العين المرهونة ملكا للراهن فيكون الرهن باطلا من أصله

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 163

و لكنه لا يخلو من التأمل.

[المسألة الثانية و الأربعين إذا رجع الباذل في أثناء الطريق]

قوله قده: (إذا رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود عليه أو لا وجهان.).

تحقيق الكلام في هذا المقام أن يقال انه ان قلنا بوجوب الوفاء بالشرط الابتدائي كان على الباذل نفقة عوده الى وطنه بناء على ما هو الأقوى من أن وجوب الوفاء بالشرط الابتدائي ليس صرف حكم تكليفي بل يستتبع الحكم الوضعي أيضا فعليه نفقة عوده الى وطنه مع باقي مصارف حجه و لو عين مقدارا خاصا من المال له كان عليه أن يعطيه ذلك المقدار و ان لم نقل بوجوب العمل بالشرط الابتدائي أو قلنا بأنه يوجب الحكم التكليفي دون الوضعي فحينئذ تكون المسألة مبتنية على جريان قاعدة: (المغرور يرجع الى من غره)

و عدمه فان قلنا بجريانها في مفروض البحث فنحكم بضمانه و الا فلا.

و بسط الكلام في ذلك أنه ان قلنا إن قاعدة: (رجوع المغرور الى من غره) ليست قاعدة مستقلة بل هي قاعدة أقوائية السبب أو المباشر و انهما قاعدة واحدة فلا إشكال في عدم جريانها فيما نحن فيه، فان ذهاب المبذول له الى الحج لم يكن مسببا توليديا لبذل الباذل حتى يقال بأقوائية السبب و الحكم بضمانه نفقة عوده الى وطنه.

اللهم الا أن يقال: أن بذل الباذل قد أوقعه في هذا المحذور و لم يكن له الامتناع من الرواح الى الحج بحسب الحكم الشرعي و المانع الشرعي كالمانع العقلي، فكلما يصدر من المبذول له من الأفعال مسبب توليدي له لباعثية الباذل في تحقق الأفعال منه بواسطة بذله فعلى هذا يحكم بضمانه.

و فيه: أن كون المانع الشرعي كالمانع العقلي في ذلك (ممنوع) و معلوم أنه لم يكن ذهاب المبذول له الى الحج خارجا عن حيز قدرته تكوينا بحيث لو لم يرده لصدر عنه بلا اختيار، حتى يدخل تحت قاعدة أقوائية السبب من المباشر عند كون المسبب فعلا توليديا له، فعلى هذا جميع الأفعال التي تصدر منه مستندة الى نفسه لا الى الباذل لتحقق الاختيار له تكوينا هذا.

و لكن التحقيق: أن قاعدة (المغرور يرجع الى من غره) قاعدة مستقلة و لا ترجع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 164

إلى قاعدة أقوائية السبب من المباشر و لذلك ترى ان كثيرا ما يفترقان من حيث المورد مثلا إذا أجرى الماء الى دار شخص و خربت الدار جرت قاعدة أقوائية السبب و يحكم بضمان مرسل الماء من جهة تلك القاعدة و لم تجر القاعدة الغرور و إذا فرضنا أن

الباذل بذل مالا غصبيا لأن يحج المبذول له بذلك المال و فرضنا أن المبذول له كان جاهلا بغصبيته فصرفه في مصارف حجه كان قرار الضمان على الباذل لجريان قاعدة الغرور لا لجريان قاعدة أقوائية السبب.

و الحاصل: أنهما تفترقان في كثير من الموارد كما لا يخفى على المتتبع هذا و قد عرفت عدم جريان قاعدة اقوائية السبب في ما نحن فيه و لا قاعدة لا ضرر كما هو واضح.

و الحاصل ان قاعدة الغرور قاعدة مستقلة أجنبية عن المسبب التوليدي و عن قاعدة اقوائية السبب لو كانت قاعدة مستقلة مستفادة عن مدرك على حدة و لم يكن المدرك لها هو كونها من المسبب التوليدي. نعم، إنما الكلام في مدرك هذه القاعدة و قد حققنا في محله ان عمدة المدرك لها هو الإجماع و تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على وجه يقال بعدم الاحتياج إلى ملاحظة المدارك لا قوله- عليه السلام-: (المغرور يرجع الى من غره). و لا عدة من الروايات الواردة في الموارد المتفرقة التي قد ذكرت في بعض حواشي المكاسب في أواخر بيع الفضولي و ذلك لإرسال الأول و عدم معلوميته استناد الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- اليه. و عدم خلو الروايات أيضا عن المناقشة سندا و دلالة معا أو سندا فقط أو دلالة فقط و كيف كان إنما الكلام في ما نحن فيه في انه هل يصدق الغرر فيما نحن فيه حتى تجري القاعدة و يحكم بضمان الباذل نفقة العود. نظير، ما عرفت من بذل المال المغصوب أم لا يصدق الغرور بل يعد ذلك من قبيل إحداث الداعي للمبذول له نظير، ما إذا فرض أنه دعا شخصا الى داره للعزيمة من مكان بعيد و

بعد مجيئه منه رجع عن الدعوة فرجع المدعو الى محله مع توقف رجوعه على بذل مال كاجرة السيارة أو نحوها مثلا؟

فالظاهر انه من قبيل إحداث الداعي له لا من موارد قاعدة الغرور فجريانها هنا مشكل و لكن التحقيق: انه يختلف الحكم باختلاف الموارد مثلا إذا أدى المديون دينه و لم يقل للدائن أنه دينك و أخذه الدائن و تخيل أنه من الحقوق المنطبقة عليه مثلا فصرف تمامه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 165

في ذلك اليوم لعدم علمه بأنه ماله و لو كان له العلم بذلك لكان يصرفه في خلال شهرين أو أزيد فيقع الكلام: في أنه هل يحكم بضمانه له لقاعدة الغرور أم لا؟

قد يقال بالتفصيل بينما إذا كان من عادة المديون إعطاء الحقوق لهذا الشخص و مع ذلك لم يقل للدائن ان هذا مالك و كان مقتضى ظاهر الحال كونه من الحقوق المنطبقة عليه فأخذه الدائن بهذا الاعتقاد فلا إشكال في صدق الغرور و تجري القاعدة و يحكم بضمان المديون له لأنه أوقعه في هذا الأمر فيكون المديون غارا و ضامنا. و بين ما إذا لم يكن كذلك فلا إشكال في عدم صدق الغرور فلا يحكم بضمان المديون للمال الذي صرفه الدائن في ذلك اليوم.

و نظيره، ما إذا أعطى ماء مثلا لأحد فشربه بتخيل أنه بلا عوض و بعد الشرب طلب منه قيمة الماء عوضا عنه، فيقال: إنه لو كان عليه أمارات تدل على أنه بائع الماء لا باذلا له مجانا، فلا بد للشارب من إعطاء الثمن، لعدم صدق الغرور حينئذ. و اما ان لم يكن كذلك و اقتضى ظاهر الحال مجانيته فليس عليه ذلك، لصدق الغرور. و كيف كان فهل يكون ما

نحن فيه من الموارد التي يصدق الغرور عليها، أم يكون من الموارد التي تعد من قبيل إحداث الداعي للمبذول له؟

يمكن أن يقال بكونه من قبيل الثاني، و ذلك لأنه لو لا استصحاب بقاء الباذل على بذله لما وجب على المبذول له اجابته حتى يقع في هذا المحذور، فالذي أوقعه فيه هو الاستصحاب و لا ربط لذلك بفعل الباذل كي يحكم بضمانه لنفقة عوده الى وطنه. و هذا بخلاف صورة بذل المال الغصبي فإن الذي أوقعه في هذا المحذور هو نفس بذله فلذا يقال فيه باستقرار الضمان على الباذل لصدق الغرور. و أما في المقام فليس الأمر كذلك.

و فيه: أنه لا شبهة في أنه لو لا بذل الباذل لم يكن للاستصحاب موضوع و جريانه لا يوجب عدم صدق الغرور، و إلا ففي صورة بذل المال الغصبي أيضا نقول: إن الذي أوقعه في هذا المحذور أعنى صرف مال الغير هو جهله بالغصب لا بذل الباذل و لو صح هذا لم يبق مورد لقاعدة الغرور أصلا و بطلان ذلك بمكان من الوضوح.

و تحقيق الكلام فيما نحن فيه أن يقال: انه يتصور فيه صور متعددة و يختلف الحكم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 166

باختلافها (فتارة) يصرح الباذل حين بذله باحتمال رجوعه عنه في أثناء الطريق و (أخرى) لا يصرح بذلك و حينئذ (تارة) يحصل للمبذول له الاطمئنان بعدم رجوعه و (أخرى) لا و (ثالثة) يصرح بعدم رجوعه عنه في الأثناء حين البذل و حينئذ (تارة) يحصل للمبذول له الاطمئنان بقوله و (أخرى) لا يحصل ذلك فللمسألة صور ثلاث.

فان صرح باحتمال رجوعه عنه فالظاهر أنه لا إشكال في عدم صدق الغرور فلا يحكم بضمانه لنفقة عوده الى وطنه. بل

لعله مع تصريحه بذلك لا يصدق عنوان البذل و عرض الحج عليه فلا يجب الحج عليه و لعله لا يصدق الشرط الابتدائي أيضا حتى يحكم بوجوب الوفاء به.

و ان صرح بعدم رجوعه عنه و فرض أنه حصل له الاطمئنان بقوله، فالظاهر أنه لا إشكال في صدق عنوان الغرور و عليه مؤنة حجه و ذهابه و عوده الى وطنه. و أما في باقي الصور ففي صدق عنوان الغرور عليها إشكال. ثم، إنه لو أنكرنا صدقه، و أنكرنا أيضا وجوب العمل بالشرط الابتدائي أو قلنا أنه لا يستتبع الحكم الوضعي فمعلوم أنه ليس على الباذل نفقة العود.

نعم، لو فرضنا توقف حفظ نفس المبذول له على إعطائه ذلك، فلا إشكال في وجوبه عليه، و هذا الحكم ليس مختصا به بل يجب على كل أحد من المكلفين حفظ نفسه بإعطاء نفقة عوده و لا يخفى أنه لا يجب إعطاء ذلك مجانا بل يجوز أن يعطيه بعنوان القرض فتشتغل ذمته بذلك الى أن يتمكن الأداء.

[المسألة الثالثة و الأربعين إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة]

قوله قده: (إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية، فلو ترك الجميع استقر عليهم الحج فيجب على الكل، لصدق الاستطاعة بالنسبة إلى الكل. نظير ما إذا وجد المتيممون ماء يكفي لواحد منهم فان تيمم الجميع يبطل.).

ان كان مراده (قده) من الوجوب الكفائي هنا هو الوجوب الكفائي الاصطلاحي ففيه: ما لا يخفى و ذلك لان في الواجب الكفائي لا يجب على كل واحد من آحاد المكلفين المبادرة و السبقة على الآخر. فلو علم أن زيدا مثلا يقوم بهذا الواجب جاز للباقين منهم عدم الاشتغال به اعتمادا على إتيانه به. و هذا بخلاف ما نحن فيه، لأنه بعد تسليم صدق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1،

ص: 167

عرض الحج على كل واحد منهم لا بد من الحكم بوجوب مسابقة كل فرد منهم على الآخر و لو علموا يسبق واحد منهم عليهم.

نظير ما ذكره (قده) من مثال التيمم فإنه لو وجد جماعة متيممون ماء لا يفي إلا لوضوء واحد منهم وجب على كل فرد منهم المبادرة إلى أخذه و الوضوء به حذرا من سبق الآخر عليه فلو تسامح الجميع و ترك ذلك يحكم ببطلان تيمم جميعهم لتبدل حكمهم بوجدان الماء نعم، لو تسابقوا و ازدحموا عليه بحيث أراد كل واحد منهم السبقة على الآخر و بادر واحد منهم اليه بطل تيمم السابق و صح تيمم الباقين، لانكشاف عدم وجدانهم الماء و لو تسابقوا و ازدحموا على الماء فاريق من جهة الازدحام بدون تقصير يحكم بصحة تيمم الجميع.

و فيما نحن فيه أيضا كذلك في جميع ما ذكرنا في المثال فيجب على كل واحد منهم المبادرة بالقبول لصدق عنوان عرض الحج على كل واحد منهم، و إذا تركوا و لم يقبل واحد منهم، استقر الحج على الجميع. و ان تسابقوا إلى أخذ المال من الباذل و غلب واحد منهم في أخذه يحكم بوجوب الحج عليه فقط دون الباقين، لانتفاء موضوع الوجوب بالنسبة إلى الباقين بغلبة واحد منهم. و ان تسابقوا و ازدحموا على السيارة مثلا ليسبق كل واحد منهم الآخر و ذهبت السيارة و لم يظفر واحد منهم بها لم يجب الحج. على أحد منهم و لكن ما نحن فيه انما يكون من قبيل اباحة التصرف في مقدار من الماء الذي لا يفي إلا لوضوء واحد من المشمولين للإذن في جميع فروض المسألة لا في وصول عدة من المتيممين الى الماء المباح دفعة

واحدة حيث أنهم في هذا الفرض يشتركون في حيازة المباح و يصير ملكا لجميعهم و ليس لأحدهم التصرف فيه فلا يبطل تيمم أحد منهم.

هذا كله إذا قلنا بصدق عنوان عرض الحج على كل واحد منهم و أما إذا أنكرنا ذلك، لأنه لم يخاطب شخصا معينا بالبذل و انما خاطب الجميع ببذل واحد فلا يصدق عرض الحج على كل فرد منهم فتنظيره بمسألة التيمم غير صحيح كما لا يخفى.

لكن التحقيق: هو صدق عنوان عرض الحج على كل واحد منهم إلا إذا فرض افراد الجماعة كثيرين بحيث لا يساعد العرف على صدق هذا العنوان كما إذا فرض ان الباذل قال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 168

(علي مؤنة حج شخص من أهل البلد) هذا و كلما شك في صدق هذا العنوان فالمرجع البراءة للشك في أصل توجه التكليف.

[المسألة الرابعة و الأربعين]
[ثمن الهدى على الباذل]

قوله قده: (الظاهر ان ثمن الهدى على الباذل.).

قد يقال بدخول ما ليس له البدل في إطلاق كلام الباذل و هو قوله: (حج و علي نفقتك) و أما ماله البدل فلا. فالمبذول له إذا كان متمكنا من ثمن الهدى فيحكم بثبوته عليه و الا يبدل عنه بالصوم فلا يجب على الباذل أن يعطيه ثمنه لكونه مما له البدل.

و لكن الأقوى دخوله في إطلاق كلام الباذل، لشمول قوله: (حج و علي نفقتك) ماله البدل و ما ليس له البدل فثمن الهدى لو صرح بدخوله في إطلاق كلامه كان تأكيدا فما أفاده المصنف (قده) متين.

نعم، لو صرح الباذل من أول الأمر بعدم بذل ثمنه فلا إشكال في أنه ليس عليه ذلك كما أنه لو قلنا بجواز رجوعه عن بذله يحكم بعدم لزوم إعطائه عليه.

[و أما الكفارات]

قوله قده: (و أما الكفارات فان أتى بموجبها عمدا اختيارا فهي عليه و إن أتى بها اضطرارا أو جهلا أو نسيانا فيما لا فرق فيه بين العمد و غيره ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان.).

قد يقال بدخولها في إطلاق كلام الباذل و هو (حج و على نفقتك) لأنها من مؤنة حجه الذي وقع فيه ارتكاب محرمات الإحرام. مضافا الى أن الالتزام بالشي ء التزام بلوازمه.

لكن التحقيق: عدم دخولها في إطلاق كلامه لعدم كونها من نفقة حجة بل هي أحكام ترتبت على فعل من ارتكب محرمات الإحرام في حال الإحرام.

و أما كون الالتزام بالشي ء التزاما بلوازمه (فممنوع) صغرى و كبرى هذا و قد تقدم الكلام في المباحث السابقة.

و قد يتوهم التفصيل بين الكفارات ففي خصوص كفارة الصيد الثابتة على الصائد مطلقا و ان لم يكن عامدا بثبوتها على الباذل لأنه السبب في وقوعه في هذا

المحذور. أو لقاعدة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 169

الغرور و في غيرها من سائر الكفارات المختصة بصورة العمد بثبوتها عليه لا على الباذل لأنه أتى بموجها عمدا و بسوء اختياره فعليه كفارته.

و لكن الأقوى ثبوت كفارة الصيد مطلقا و لو غير عمدي أيضا عليه لا على الباذل كما نقول بذلك في صورة عمده. و أما القول بثبوتها على الباذل لأجل صدق الغرور الذي مدركه رواية: (المغرور يرجع الى من غره) أو لكون فعله مسببا توليديا لفعل الباذل، فهو واضح البطلان لعدم صدق الغرور. و أجنبيته عن المسبب التوليدي. و قد مر أيضا في المباحث المتقدمة أن مدرك قاعدة الغرور هو المرسلة لا ما توهم في المقام و غيره.

[المسألة الثانية و الخمسين]
[لو بذل له مالا للحج فبان أنه مغصوب]

قوله قده: (لو بذل له مالا ليحج به فتبين بعد الحج انه كان مغصوبا ففي كفايته للمبذول له عن حجة الإسلام و عدمها وجهان أقوائهما العدم.).

لا ينبغي الإشكال في ذلك حتى على ما اختاره المصنف (قده) من كفاية الحج البذلى عن حجة الإسلام و ذلك لأن أخبار الباب- الدالة على الإجزاء- على فرض تسليم ذلك تختص بما إذا بذل الباذل المال المباح له، كما في صورة كون المال المبذول ملكا أو مباحا له بالإباحة المطلقة. و أما بذل المال المغصوب، فلا تشمله إطلاق أخبار الباب فلا يتحقق موضوع وجوب الحج ببذل المال المغصوب حتى يقال باجزائه فما أفاده المصنف (قده) متين جدا.

هذا كله فيما إذا بذل مال الغير بدون رضاه. و أما إذا بذله برضاه فلا إشكال في صحة بذله و يحكم بوجوب الحج على المبذول له. و أما إذا بذل المال المجهول المالك للحج فالظاهر أيضا عدم شمول أخبار الباب له، فلا يدخل في الاستطاعة

البذلية. نعم، لو كان المبذول له مستحقا له و كان بمقدار الاستطاعة المالية و قلنا بكون مصارف حجه من مؤنة سنته أيضا كان عليه الحج لحصول الاستطاعة المالية له به. و كذلك يقع الكلام في صدق البذل و عدمه فيما إذا أعطى شخصا من الأموال الموقوفة و كان ذلك الشخص من الموقوف عليهم و الظاهر أيضا خروجه عن الاستطاعة البذلية، لعدم شمول الأخبار له.

[لو قال حج و على نفقتك ثم بذل له مالا فبان كونه مغصوبا]

قوله قده: (أما لو قال حج و على نفقتك ثم بذل له مالا فبان كونه مغصوبا فالظاهر صحة الحج و اجزائه عن حجة الإسلام.).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 170

الظاهر أنه لا وجه لما أفاده المصنف (قده) من اجزائه عن حجة الإسلام و ذلك لأن الموضوع في وجوب الحج البذلى ليس صرف كلام الباذل و هو قوله: (حج و على نفقتك). و لذا لو اكتفى الباذل بقوله و لم يبذل المال يحكم بعدم وجوب الحج عليه.

فالعبرة في تحقق الوجوب بالبذل إنما هي بالصرف الفعلي، و إذا كان كذلك فما عرفت من اعتبار عدم كون البذل بالمال المغصوب يتأتى في نفس صرف المال، فلا فرق في عدم وجوب الحج على المبذول له بين أن يبذل له ابتداء المال المغصوب و يقول له: حج به. و بين أن يقول له: (حج و على نفقتك) من المال المغصوب و بين أن يقول: (حج و على نفقتك) ثم يبذل له المال المغصوب و بين أن يصرح بأنه: على نفقتك من المال غير المغصوب ثم يبذل له المال المغصوب، لما عرفت من كون العبرة بالصرف الفعلي و المفروض أنه إنما بذل المال المغصوب فتصريحه أولا بإعطاء المال غير المغصوب أو إطلاق كلامه لا يوجب صدق الاستطاعة

البذلية كما لا يخفى.

قوله قده: (قرار الضمان على الباذل.).

هذا إذا كان المبذول له جاهلا بغصبية المبذول لصدق الغرور. و أما إذا كان عالما بها فلا ينبغي الإشكال في أن قراره عليه لا على الباذل، لعدم صدق الغرور حينئذ.

[المسألة الرابعة و الخمسين عدم وجوب إيجار نفسه للخدمة في الحج]

قوله قده: (إذا استؤجر أى طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعا لا يجب عليه القبول،.).

بلا إشكال في ذلك لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب.

و لكن فيه كلام و هو أنه هل يكون عمل الأجير ما لا قبل الإتيان به أم لا؟ فان قلنا بالأول لزم الحكم بوجوب الحج على من يكون قادرا على عمل ان كان هناك مستأجر و كفى مال الإجارة بنفقة الحج بمقدار الاستطاعة المالية و كان المستأجر يعطيه الأجرة قبل رواحة إلى الحج، فعلى هذا لا بد من الحكم بوجوب إيجار نفسه للخدمة، لكون ذلك حينئذ من المقدمات الوجودية للحج و ليس ذلك تحصيلا للاستطاعة، لمالكيته لعمله الذي هو مال فيكون مستطيعا قبل الإجارة. و لزم أيضا القول بضمان الحابس لمنافع المحبوس و إن لم يكن المحبوس أجيرا.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 171

و ان قلنا بالثاني أعني عدم مالية العمل قبل إيجاره- لزم بطلان إجارة الأشخاص على الأعمال إذ يعتبر في صحة عقد الإجارة أن يكون متعلقة مالا و ملكا و إنكار ذلك في مفروض المسألة يوجب إنكار الملكية بالتتبع فكيف تصح الإجارة. و أما بعد إتيانه بالعمل فلا معنى لصيرورته أجيرا كما لا يخفى. و يلزم بناء على ذلك عدم ضمان من حبس أجيرا امتنع بسبب الحبس صدور العمل المستأجر عليه عنه لما فوته على الأجير من المنافع إذ المفروض عدم مالكيته لمنافع نفسه.

و يمكن حل الإشكال (بدعوى)

أن منافع الإنسان لا تكون ما لا قبل وقوع العقد عليها و لكنها تصير مالا حينه فالعقد مقوم لماليتها.

فعلى هذا لا يجب عليه إيجار نفسه حتى يحج بمال الإجارة لعدم كونه حينئذ من المقدمات الوجودية فايجار نفسه على هذا تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب.

(و من هنا) يصح التفصيل في ضمان الحابس لأجرة العمل الفائت من الشخص المحبوس بين كون المحبوس أجيرا و عدمه.

و فيه: بعد تسليم توقف صحة العقد على مالية العمل أن نفس العقد لا يصحح المالية و إلا لزم الدور و (بعبارة أخرى) أن المالية تكون بمنزلة الموضوع و صحة العقد بمنزلة الحكم و لا إشكال في امتناع إثبات الموضوع بالحكم كما هو واضح.

فالتحقيق في حل الإشكال: هو الالتزام بعدم دخول إيجار النفس حقيقة في باب الإجارة بل هو تضمين و قابلية الذمة للضمان أمر بديهي. كما اتفق الفقهاء و غيرهم على الضمان بإتلاف مال الغير. و لا يخفى أنه ليس صحة التضمين متوقفة على صدق عنوان المال على العمل، فعلى هذا يمكن الالتزام بعدم مالية عمله قبل حصول التضمين الذي يسمى بإيجار النفس. و اما بعد حصوله، فيصدق عليه عنوان المالية لاعتبار العرف ماليته حينئذ.

و (من هنا) يصح ما مر من التفصيل في ضمان الحابس بين كون المحبوس أجيرا و عدمه و (من هنا) يصح أن يقال بعدم وجوب إيجار نفسه عليه، لأنه على هذا تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب. فلو طلب منه أن يقع أجيرا للخدمة بما يصير به مستطيعا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 172

لا يجب عليه القبول كما افاده المنصف (قده).

[المسألة السابعة و الخمسين أدلة اعتبار مؤنة العيال في الاستطاعة]

قوله قده: (يشترط في الاستطاعة مضافا الى مؤنة الذهاب و الإياب وجود ما يمون به

عياله حتى يرجع فمع عدمه لا يكون مستطيعا.).

يمكن الاستدلال على ذلك بوجوه:

(الأول)- الإجماع. و فيه: ما عرفت سابقا من أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الكاشف عن السنة لا المدركى، و في المقام من المحتمل أن يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه الآتية فلا عبرة به.

(الثاني)- الأخبار التي سيأتي ذكرها في المسألة الآتية- إن شاء اللّه تعالى- و لكن كثيرها أو جميعها قابلة للمناقشة دلالة أو سندا كما سيتضح لك- ان شاء اللّه تعالى.

(الثالث)- أن حفظ نفس العيال متوقف على إعطاء نفقتهم و لا شك في أنه أهم من الحج فهو مقدم عليه.

و لا يخفى أن هذا الوجه إنما يتم في صورة فرض توقف حفظ نفوسهم على ذلك بحيث لو لم ينفق عليهم نفقتهم إنجر ذلك الى تلفهم. و لكن المدعى أعم من ذلك، لأن المقصود إثبات اعتبار نفقة العيال في تحقق الاستطاعة مطلقا سواء لزم من عدم الإنفاق عليهم تلف نفوسهم أم لا.

(الرابع)- أنه لا ريب في أن نفقة العيال واجبة فلا بد من الحكم بعدم وجوب الحج عليه لمزاحمته لواجب آخر.

و فيه: ما بيناه في المباحث السابقة مفصلا من أن مزاحمته لواجب آخر لا توجب سقوط وجوب الحج عنه، لعدم دخالته في تحقق موضوع الاستطاعة، لما ذكرنا سابقا إلا ان يكون ذلك الواجب أهم من الحج فيقدم عليه، و إلا فالمرجع التخيير إلا أن يكون أحدهما محتمل الأهمية فيقدم.

(الخامس)- أدلة نفي العسر و الحرج و هذا كما ترى غير مختص بالعيال الواجبي النفقة، بل يشمل مطلق ما يصدق عليه العيال عرفا و إن كان مستحبى النفقة، و ليس هذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 173

داخلا في باب مزاحمة الواجب مع المستحب حتى

يقال بتقديم الواجب، و ذلك لأن التزاحم إنما يكون فيما إذا كان الواجب و المستحب في عرض واحد فيقدم الواجب عليه و هذا بخلافه في مفروض البحث. لان الواجب يكون في طول المستحب و يكون ذلك رافعا لموضوعه.

و بالجملة فالعمدة في دليل اعتبارها في تحقق الاستطاعة هو دليل نفي العسر و الحرج، و على هذا لو فرضنا عدم لزوم ذلك من ترك نفقتهم فلا بد من الحكم بعدم اعتبارها، لعدم دليل تعبدي على اعتبارها مطلقا. هذا كله بناء على المناقشة في جميع ما سيأتي من الأخبار، و الا فلا بد من القول باعتبارها مطلقا.

ثم، إن مؤنة العيال على فرض اعتبارها مطلقا لا يعتبر وجود ثمنها دفعة واحدة بل لو كان له مثلا بستان يفي بنفقة عياله من منافعه تدريجا كفى.

[المسألة الثامنة و الخمسين أدلة اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة]

قوله قده: (الأقوى وفاقا لأكثر القدماء اعتبار الرجوع الى كفاية.).

قد اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في اعتبار الرجوع الى الكفاية و عدم اعتبارها على قولين:

(الأول)- ما ذهب اليه صاحب المبسوط- رضوان اللّه تعالى عليه- حيث قال: (و الزاد و الراحلة شرط في الوجوب و المراعى في ذلك نفقته ذاهبا و جائيا و ما يخلفه لكل من يجب عليه نفقته على قدر كفايتهم و يفضل معه ما يرجع اليه يستعين به على أمره، أو صناعة يلتجئ إليها، فإن كان ضياع، أو عقار، أو مسكن يمكنه أن يرجع إليها، و يكون قدر كفايته لزمه. إلخ).

و وافقه على ذلك صاحب المستند (قده) حيث قال: (الحق اشتراط الرجوع الى ضيعة، أو بضاعة، أو عقار، أو نحوها مما يكون فيه الكفاية عادة، بحيث لا يحوجه صرف المال في الحج إلى السؤال بعد العود. وفاقا للشيخين؛ و الحلبي؛ و

القاضي؛ و بنى زهرة؛ و حمزة و سعيد، و هو ظاهر الصدوق أيضا. و في المسالك: أنه مذهب أكثر المتقدمين. و في الروضة: أنه المشهور بينهم. و في المختلف: ذلك نقله السيد عن الأكثر. و عن الخلاف، و الغنية: إجماع الإمامية عليه).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 174

(الثاني)- ما ذهب اليه صاحب المعتبر (ره) حيث قال: (الرجوع الى الكفاية ليس شرطا. و به قال: أكثر الأصحاب. و قال الشيخ (ره): هو شرط في الوجوب لنا قوله تعالى (مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) و الاستطاعة هي الزاد و الراحلة مع الشرائط التي قدمناها فما زاد منفي بالأصل السليم عن المعارض. إلخ) و وافقه على ذلك صاحب الحدائق (قده) حيث قال: (و لو قيل: إن مقتضى عموم الآية أيضا حصول الاستطاعة بالزاد و الراحلة و ان لم يجد النفقة إلى عياله مدة غيبته قلنا:

نعم الأمر كذلك، و لكن قام الدليل كما تقدم على وجوب ذلك فيخصص به عموم الآية.

و أما هنا فلم يقم دليل على ذلك كما سيتضح ذلك- ان شاء اللّه تعالى. و يدل عليه أيضا الروايات المتقدمة في الشرط الثالث مثل صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي المشتملة على ان كل من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع الحج).

و قال به أيضا صاحب قواعد الأحكام حيث قال: (ليس الرجوع الى الكفاية شرطا) و قال المحقق الكركي (قده) في جامع المقاصد في شرح قوله: (ليس الرجوع الى كفاية شرطا): و الأصح انه لا يشترط ذلك لصدق الاستطاعة.).

يمكن الاستدلال على اعتبار الرجوع الى الكفاية بوجوه:

(الأول)- الإجماع. (و فيه): بعد منعه لوجود المخالف كما عرفت أنه مدركي.

و قد ذكرنا مرارا أن الإجماع المعتبر

هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم- عليه السلام- لا المدركى. و في المقام يحتمل أن يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه الآتية فلا عبرة به و العبرة إنما تكون على المدرك ان تم.

(الثاني)- منع صدق الاستطاعة بدون الرجوع الى الكفاية و (فيه): أنها قد فسرت في كثير من الأخبار المتقدمة في صدر المبحث بالزاد و الراحلة و مقتضى إطلاقها عدم دخالة شي ء آخر في تحققها ما لم يقم دليل تعبدي آخر على دخالة شي ء آخر فيها.

(الثالث)- أصالة البراءة النافية لوجوب الحج لو شك في وجوبه عليه بدونه و (فيه):

أنه لا تصل النوبة الى الأصل مع وجود دليل اجتهادي فالمرجع في صورة الشك إطلاق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 175

الأخبار المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة المقتضي لعدم دخالة قيد آخر سوى القيود المذكورة فيها إذا لم يرد دليل على التقييد.

(الرابع)- جملة من الأخبار التي يمكن الاستدلال بها على المطلوب- منها:

1- عن العياشي في تفسيره عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن قوله تعالى (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) قال:

الصحة في بدنه، و القدرة في ماله «1» قال و في رواية حفص الأعور عنه قال: القوة في البدن و اليسار في المال «2» 2- عن عبد الرحيم القصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سأله حفص الأعور و أنا أسمع عن قوله عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» قال: ذلك القوة في المال و اليسار قال: فان كانوا موسرين فهم ممن يستطيع الحج؟ قال:

نعم «3» وجه الاستدلال بها هو دلالة ما فيها من عنوان

القدرة في المال و اليسار على اعتباره في تحقق الاستطاعة كدلالتها على اعتبار نفقة عياله فيه، إذ بدون ذلك لا يصدق عنوان القدرة في المال و اليسار و (فيه): بعد الإغماض عن سندها أن عنوان القدرة في المال و اليسار أمر مشكك ذو مراتب، و الأخبار المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة لو لم يكن دليل آخر على اعتبار أزيد منها تصير قرينة على كون المراد من اليسار و القدرة في المال هو وجدانه للزاد و الراحلة، فإن الأخبار تفسر بعضها بعضا.

3- عن الأعمش عن جعفر بن محمد- عليهما السلام- في حديث شرائع الدين قال:

(و حج البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا) و هو الزاد و الراحلة مع صحة البدن و أن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله و ما يرجع اليه بعد حجه «4» و هذا الحديث كما ترى صريح في اعتبار مؤنة العيال و الرجوع الى الكفاية و لكن سنده ضعيف فلا عبرة به. و جبر

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 12

(2) الوسائل- ج 2، الباب 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 13

(3) الوسائل- ج 2- الباب 9 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(4) الوسائل- ج 2- الباب 9 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 176

ضعفه بعمل الأصحاب غير معلوم، لعدم إحراز استنادهم اليه.

4- عن أبي الربيع الشامي و قد اختلفت نسخه فرواه المشايخ الثلاثة- رضوان اللّه تعالى عليهم- مسندا عنه هكذا: سئل أبو عبد اللّه- عليه السلام- عن قول الله عز و جل:

«وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» فقال:

ما يقول الناس؟ قال: فقلت:

له الزاد و الراحلة قال: فقال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: قد سئل أبو جعفر- عليه السلام- عن هذا؟ فقال: هلك الناس إذا لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغنى به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه، لقد هلكوا إذا فقيل: له فما السبيل؟ قال: فقال:

السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا لقوت عياله. أ ليس قد فرض اللّه الزكاة فلم يجعلها الا على من يملك مأتي درهم «1» و رواه المفيد في المقنعة مثله الا أنه زاد بعد قوله: (و يستغنى به عن الناس يجب عليه أن يحج بذلك. ثم يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذا! ثم ذكر تمام الحديث، و قال فيه: يقوت به نفسه و عياله. هذا و النسخة الثانية كما ترى صريحة في اعتبار مؤنة العيال و الرجوع الى الكفاية.

و أما النسخة الأولى ففي قوله «و يبقى بعضا لقوت عياله» احتمالان:

(الأول)- أن يكون المراد منه إبقاء مقدار من المال لقوت عياله حتى لما بعد رجوعه عن الحج فالمقصود حينئذ ليس إبقاء قوت عياله فقط بل قوت عياله و قوت نفسه و عليه فيدل على اعتبار الرجوع الى كفاية كما يدل على اعتبار مؤنة العيال.

(الثاني): أن يكون المراد منه إبقاء قوت عياله فقط في مدة غيبته، و عليه يدل على اعتبار مؤنة العيال دونه، فالحديث بناء على النسخة الأولى مجمل ان لم نقل بظهوره في الاحتمال الثاني فلا يمكن الاستدلال به على المطلوب بناء عليها (لا يقال): إن قوله: «السعة في المال» ظاهر في المطلوب (لأنا نقول): إن السعة في المال أمر مشكك و قد فسرها بقوله:

«إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا لقوت عياله». و قد عرفت آنفا أن فيه احتمالين، فلا يتجه الاستدلال به على النسخة الأولى.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 9- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1 و 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 177

و أما النسخة الثانية فإن كانت في الحقيقة رواية على حدة، فيمكن القول بمعارضتها مع الرواية الأولى لدلالتها على اعتبار الرجوع إلى الكفاية. و هذا بخلاف الرواية الأولى لدلالتها على عدم اعتباره بناء على ظهورها في الاحتمال الثاني، فإنه حينئذ لم يذكر فيها اعتباره، و لورودها في مقام التحديد تدل على عدم اعتباره.

و لكن التحقيق: عدم التعارض بينهما بعد تسليم كونهما روايتين، و ذلك لإطلاق الرواية الأولى القابل للتقييد فيقيد بالرواية الثانية- الدالة على اعتبار الرجوع إلى الكفاية- فلا تعارض بينهما أصلا. لكنه مع ذلك لا يمكن الاستدلال به على المطلوب، لإرسال الرواية الثانية.

و أما بناء على كونهما رواية واحدة و اختلفت النسخة فبعد تسليم عدم كون النسخة الثانية مرسلة (بدعوى) أن المفيد (ره) انما ذكر الحديث الذي ذكره الآخرون بالإسناد و هو (ره) حذف الاسناد فهي في الحقيقة مسندة نقول: إنه لا يمكن الاستدلال به على اعتباره إذا المفروض اختلاف النسخ و عدم العلم بصحة إحداهما بالخصوص. و ترجيح احتمال النقيصة على احتمال الزيادة- كما هو دأب أهل الدراية نظرا إلى أن الغالب هو النقصان دون الزيادة. أو إلى أن الناقص مقرر و الزائد ناقل- غير صحيح إذا المرجح لا بد من كونه حجة عند الشارع، و هذه المرجحات ليست إلا اعتبارات و استحسانات فلا عبرة بها.

هذا كله مضافا إلى أن أصل سند هذا الحديث ضعيف بوجود أبي الربيع الشامي هو

و ان قيل: إنه حسن لكن فيه كلام. و بالجملة ان أمكن إثبات كون أبي الربيع داخلا في عداد الحساب أو حصل الوثوق به- من جهة نقله المشايخ الثلاث و من جهة أن في سنده ابن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع- صح الاستدلال به على اعتبار مؤنة العيال فقط دون الرجوع إلى الكفاية، و إلا لا يتم الاستدلال به لشي ء منهما فعلى اى حال لا يمكن الاتكال عليه في إثبات المطلوب.

3- صحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: من مات و لم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 178

يحج حجة الإسلام و لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه، فليمت يهوديا أو نصرانيا «1» وجه الاستدلال به هو دلالته على أن الحاجة التي تجحف به مانعة عن وجوب الحج عليه لقوله: (و لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به).

و من المعلوم أنه لو لم يكن له مقدار الرجوع إلى الكفاية زائدا على نفقة الحج كان ذلك إجحافا به و (فيه): أن الإجحاف أمر مشكك دو مراتب. نظير ما مر من عنوان القدرة في المال و اليسار و السعة، و ما ورد من تفسير الاستطاعة بالزاد و الراحلة في الحقيقة مفسر لهذه العناوين، فيعلم من الأخبار المفسرة للاستطاعة أن المراد من عدم حصول الإجحاف هو كونه واجدا للزاد و الراحلة لو لم يرد دليل تعبدي آخر على اعتبار وجدانه زائدا من ذلك.

4- صحيح هارون بن حمزة الغنوي في رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة؟ قال: هم أحق بميراثه إن شاؤا أكلوا و

إن شاءوا حجوا عنه «2».

5- صحيح معاوية بن عمار أو حسنه عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل توفى و اوصى أن يحج عنه؟ قال: ان كان صرورة في جميع المال أنه بمنزلة الدين الواجب و إن كان قد حج فمن ثلثه، و من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحق بما ترك، فان شاؤا أكلوا و إن شاؤا حجوا عنه «3» وجه الاستدلال بهما هو صراحتهما في عدم وجوب الحج عنه على الورثة في صورة عدم تركه المال إلا بقدر نفقة الحج، فيعلم من ذلك أنه يعتبر في وجوب الحج عنه على الورثة. وجدانه أمرا زائدا عليها و هو الرجوع إلى الكفاية. و لكن يعارضهما في بادى النظر صحيح ضريس الكناسي قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذرا في

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 7- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب 14 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(3) الوسائل- ج 2، الباب 25- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 179

شكر ليحجن به رجلا إلى مكة فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام و من قبل ان يفي بنذر الذي نذر؟ قال: إن كان ترك ما لا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قد و في بالنذر، و إن لم يكن ترك مالا إلا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك و يحج عنه وليه حجة النذر

إنما هو مثل دين عليه «1» وجه المعارضة أن هذا الحديث كما ترى قد أمر بالحج عنه مع فرض عدم تركه المال إلا بقدر ما يحج به و هذا بخلاف الحديثين الأولين.

لكن التحقيق: عدم المعارضة بينه و بينهما، لكون مورد الحديث الأخير هو خصوص صورة استقرار الحج عليه بقرينة قوله: «رجل عليه حجة الإسلام» و هذا بخلاف الحديثين الأولين، لكونهما مطلقين، فيقيدان بالحديث الأخير، و يكون المحصل بعد التقييد عدم اعتبار الرجوع إلى الكفاية في صورة الاستقرار دون صورة عدم استقراره فيعتبر فيه.

و لكن التحقيق: عدم دلالتهما ايضا على اعتباره، و ذلك لأن غاية ما يدلان عليه هي أن وجدانه لنفقة الحج فقط لا يكفي في وجوب الحج عليه بل يعتبر وجدانه للزائد من ذلك و أما اعتبار وجدانه لمقدار الرجوع إلى الكفاية فلا دلالة لهما عليه، فلعله يكفى كونه واجدا لمئونة العيال إلى زمان عوده إلى وطنه زائدا على نفقة حجه.

6- ما ذكره صاحب مجمع البيان في ذيل قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» مرويا عن أئمتنا- عليهم السلام- أنه الزاد و الراحلة و نفقة من تلزم نفقته، و الرجوع إلى كفاية، إما من مال، أو ضياع، أو حرفة، مع الصحة في النفس و تخلية السرب من الموانع و إمكان المسير «2» و لكن بطلان الاستدلال به على المدعى في غاية الوضوح و ذلك لأن الظاهر عدم كون هذا الكلام بنفسه رواية بل هو استنباط منه «ره» كذلك من الأخبار و بعد تسليمه لا يمكن الاعتماد عليه ايضا، لا رسالة.

و قد ظهر من جميع ما ذكرناه عدم إمكان إثبات اعتبار الرجوع إلى الكفاية بالأخبار

______________________________

(1) الوسائل- ج 2،

الباب 29- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2، الباب 9- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 180

لكون بعضها ضعيفا سندا و بعضها ضعيفا دلالة و بعضها ضعيفا سندا و دلالة.

و (دعوى) انجباره بعمل الأصحاب ممنوعة لعدم العلم باستنادهم في مقام الفتوى إلى الاخبار التي تكون دلالتها تامة عندنا، فلعله كان استنادهم في ذلك بما قلنا بضعفه منها من حيث الدلالة، أو كان استنادهم بقاعدة نفي العسر و الحرج، أو ببعض ما مر من الوجوه.

ان قلت: إنه لو كان استنادهم في الحكم باعتبار الرجوع الى الكفاية قاعدة نفي العسر و الحرج لكان عليهم الالتزام باعتباره أيضا في الاستطاعة البذلية، فمن حيث أنهم التزموا باعتباره في الاستطاعة المالية، فقط دون البذلية، فيعلم أن مستندهم في اعتباره في الاستطاعة المالية هو الاخبار لا غير، لعدم الفرق في هذا الحكم بين الاستطاعة المالية و البذلية.

قلت: (أولا): أنه يحتمل ان يكون مستندهم في اعتبار ذلك في الاستطاعة المالية قاعدة نفي العسر و الحرج و مع ذلك لم يعتبروا ذلك في الاستطاعة البذلية لوجهين:

(أحدهما) أنه لعلهم استفادوا من ظاهر رواياتها كفاية بذل نفقة الحج في وجوبه من دون احتياج إلى بذل الرجوع إلى الكفاية.

(ثانيهما) أن الإتيان بالحج البذلى و تركه لا يفترقان في ثبوت الحرج و عدمه غالبا، فإنه لو كانت معيشته حرجية فمع تركه ايضا حرجية و لو لم تكن حرجية لا يوجب إتيانه به صيرورتها حرجية، لعدم كون حجه بمال نفسه، بل يحج بما يبذله الباذل للحج.

و (ثانيا): أنه على فرض تسليم كون مستندهم في ذلك هو الأخبار لكن قد ذكرنا احتمال استنادهم في الحكم إلى ما

لا يتم دلالته عندنا و قد ذكرنا مرارا عدم حجية فهمهم لنا.

(الخامس)- قاعدة نفي العسر و الحرج و هي تختلف بحسب اختلاف الأشخاص و يثبت بها وجوب الحج على من كان واجدا لمقدار الرجوع إلى الكفاية على نحو لا يقع في العسر و الحرج بحسب حاله المختلف بحسب اختلاف شؤن الأشخاص و مصارفهم.

ثم اعلم أنه لو كان المستند في اعتبار الرجوع إلى الكفاية هو الأخبار المشتملة على عنوان السعة و اليسار و نحو ذلك لم يكن المستفاد منها إلا ما يستفاد من قاعدة نفي العسر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 181

و الحرج. بل مهما كان للشخص مقدار للاعاشة بحيث لم يلزم من وجوب الحج عليه عسر و حرج صدق عنوان أنه في سعة و يسار و أن له ما يستغنى به عن الناس فلا فرق من هذه الجهة في النتيجة بين ما إذا كان المستند في اعتبار الرجوع إلى الكفاية هو الاخبار، أو قاعدة نفي العسر و الحرج.

نعم يتضح الفرق بينهما في أن من يعيش أمره بالوجوه المنطقة عليه كطلبة العلم من السادة و غيرهم، و كذا الفقير الذي عادته أخذ الوجوه و لا يقدر على التكسب إذا حصل له مقدار مؤنة الذهاب و الإياب، فهل يحكم بوجوب الحج عليه أم لا؟ و ذلك لأنه إن كان المستند في اعتبار الرجوع إلى الكفاية هو الأخبار اتجه القول بعدم وجوبه عليه، لعدم واجديته له لا بالفعل و لا بقوة التكسب. و إن كان المستند فيه هو قاعدة نفي العسر و الحرج اتجه القول بوجوبه عليه، لعدم لزوم الحرج من وجوب الحج عليه، بل حاله قبل الحج و بعده سواه.

و (من هنا) يمكن الجمع بين كلام

القائلين بعدم اعتباره، و بين كلام القائلين باعتباره أن مراد القائلين بعدم اعتباره هو في صورة ما إذا لم يكن حجه مستلزما للعسر و الحرج، و مراد القائلين باعتباره هو في صورة ما إذا استلزم العسر و الحرج بدونه. و لكن لا بد من إمعان النظر في كتب القوم و كلماتهم حتى يعلم أن كلماتهم تلائم هذا الجمع أولا و كيف كان لا يهمنا ذلك (بقي الكلام) في شي ء: و هو أنه بعد أن ثبت اعتباره فهل يعتبر وجدانه لضياع أو كسب، أو عقار، و نحوها مما يكفيه لا عاشته إلى آخر السنة، أو أقل، أو أزيد، أو إلى آخر العمر؟

يمكن أن يقال: إنه لما كان مقتضى الإطلاقات كما عرفت عدم اعتباره الرجوع إلى الكفاية أصلا فبعد أن ثبت اعتبارها فإذا شك في مقدار اعتباره بحسب الزمان فلا بد من الاقتصار على القدر المتقين و الرجوع إلى الإطلاقات في مورد الشك، و إذا شككننا في اعتبار ذلك إلى ما بعد السنة فبمقتضى الإطلاقات يحكم بعدم اعتباره إلى ما بعدها، فيكفي كونه واجدا له إلى آخرها. بل قد يقال: إن اعتبارها إلى آخرها ايضا غير معلوم و لا بد من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 182

الأخذ بقدر المتقين لكن تمييز المتقين مشكل.

يمكن أن يقال باعتبارها الى آخر العمر و ذلك لتقييد الإطلاقات النافية لاعتبارها بدليل اعتبارها كما هو المفروض و المقيد مجمل مفهوما من حيث المدة و قد حققنا في الأصول عدم جواز التمسك بالمطلق في مورد إجمال المقيد و لو كان منفصلا و كان مجملا مفهوما لسراية إجمال المقيد إلى المطلق خلافا لما هو المشهور في عصرنا و عند من قارب عصرنا.

و الوجه في

ذلك أن المطلق بعد التقييد يعنون بعنوان المقيد مثلا إذا قال: أكرم العلماء و لا تكرم الفساق منهم، و تردد مفهوم الفاسق بين خصوص مرتكب الكبيرة أو الأعم منه و من مرتكب الصغيرة فحينئذ لا يمكن إثبات وجوب إكرام العالم المرتكب الصغيرة بقوله أكرم العلماء، لكشف دليل المخصص عن عدم كون موضوع الحكم هو عنوان العالم فقط حتى يتمسك في إثبات وجوب إكرامه بالعام، بل الموضوع هو العالم غير الفاسق، و مع الشك في الصغرى لا يمكن التمسك بالكبرى و تفصيل ذلك موكول الى محله، و المقصود في ما نحن فيه أنه بعد أن ثبت تقييد المطلقات باعتبار الرجوع الى الكفاية و شككنا في مفهوم المقيد من حيث الزمان لا يمكن إثبات الوجوب بالإطلاقات فلا بد من القول باعتبار وجدانه له إلى آخر العمل لأنه القدر المتقين في وجوب الحج عليه، و لو لم يكن كذلك و شككنا في وجوبه عليه فالمرجع هو البراءة.

و لكن التحقيق: سقوط هذا البحث من أصله بناء على ما اخترناه من أن الدليل على اعتبار الرجوع إلى الكفاية هو قاعدة نفي العسر و الحرج، لعدم إجمال دليل نفي العسر و الحرج من حيث الزمان حتى يتأتى هذا البحث إذا المستفاد منه هو اعتبار كونه ذا صناعة، أو كسب، أو عقار، أو ضياع، و نحو ذلك حتى لا يصير الحج سببا لوقوعه في العسر و الحرج، و أما اعتبار بقاء ذلك الضياع أو الكسب، أو الصناعة إلى آخر العمر، أو إلى سنة، أو إلى يوم واحد، مثلا فلا وجه له فلو فرضنا في يوم رجوعه عن الحج تلف ضياعه، أو انتفاء قدرته على التكسب، لا يكشف ذلك عن عدم كون حجه

حجة الإسلام، إذ ليس الموقع له في العسر و الحرج هو الحج، بل تلف ماله أو غيره مما عرفت

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 183

كما لا يخفى، بل يجرى هذا ايضا بناء على كون المستند في اعتباره هو الأخبار، و ذلك لأنه بعد فرض تسليم تماميتها سندا و دلالة لا يستفاد منها إلا كونه واجدا بعد الحج لما يكفيه لا عاشته من مال يتكسب به، أو ضياع يستفيد منها، أو نحو ذلك، و أما اعتبار بقاء ذلك إلى مدة، أو إلى آخر العمر فهو مما لا يدل عليه النصوص لا صراحة و لا ظهورا كما لا يخفى.

[المسألة التاسعة و الخمسين لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج]

قوله قده: (لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج.).

هذا هو الأشهر بل المشهور على ما في الجواهر. و حكى عن النهاية؛ و الخلاف، القول بوجوب ذلك إذا كان الوالد فقيرا و الولد غنيا. و عن المهذب القول بجوازه. و المحكي عن التهذيب أنه يأخذ من مال الولد و هذه العبارة كما ترى تلائم كل من الوجوب و الجواز.

و كيف كان فيدل على وجوب ذلك أو جوازه صحيح سعيد بن يسار سئل الصادق- عليه السلام- الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير؟ قال: نعم يحج منه حجة الإسلام قال: و ينفق منه؟ قال: نعم. ثم قال: مال الولد لوالده، أن رجلا اختصم هو و والده الى رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- فقضى أن المال و الولد للوالد «1».

قد يقال بدلالته على الوجوب، و وجه الاستدلال به عليه أن قوله- عليه السلام-:

(نعم يحج منه حجة الإسلام) جملة خبرية فهي أدل على الوجوب من صيغة الأمر.

و قد يقال بدلالته على الجواز و وجه الاستدلال به عليه

ورود قوله- عليه السلام- (نعم يحج منه) في مقام توهم الحذر فلا يستفاد منه الوجوب. و كيف كان فهذا. الصحيح لا يعارضه الأخبار الدالة على عدم جواز تصرف الوالد في مال الولد زائدا على مقدار الضرورة، فإن تلك الأخبار مطلقة قابلة للتقييد بهذا الصحيح كما لا يخفى هذا و لا وجه لحمله في مقام الجمع بينه و بينها على محامل بعيدة، كالحمل على الاقتراض من ماله مع الاستطاعته من مال نفسه. أو على ما إذا كان فقيرا و كانت نفقته على ولده و لم يكن نفقته في السفر الى الحج أزيد من نفقته في الحضر، أو نحو ذلك. و العمدة إعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 36 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 184

عليهم- عنه، فهو موهون به و كلما ازداد صحة ازداد وهنا.

و لكن الإنصاف عدم الجزم بالإعراض، لقوة احتمال أن يكون عدم أخذهم به من باب التخيير، بعد ما رأوا التعارض كما يشهد تكافئهما من حيث الترجيح.

أما من حيث الشهرة، فلان كليهما مشهوران.

و أما من حيث الموافقة للكتاب و مخالفة العامة، فلان أحدهما موافق للكتاب و الآخر مخالف للعامة. و كيف كان فلا موجب للأخذ بهذا الخبر إما للاعراض. و إما لرجحان الأخذ بما هو موافق لفتوى المشهور.

فما افاده المصنف «قده» هو المختار فعلى هذا لا مجال لحمله على تلك المحامل من باب التورع التي عين الطرح فتدبر فما افاده المصنف قده متين جدا.

[المسألة الحادية و الستين يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية]

قوله قده: (يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية فلو كان مريضا لا يقدر على الركوب، أو كان حرجا عليه و لو على المحمل، لم يجب و كذا لو

تمكن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مؤنته. و كذا لو احتاج الى خادم و لم يكن عنده مؤنته).

قال في الشرائع: (فلو كان مريضا بحيث يتضرر بالركوب لم يجب الحج).

و قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه. بل عن المنتهى: كأنه إجماعي. بل عن المعتبر: اتفاق العلماء عليه).

و قال في المستند: (فغير الصحيح لا يجب عليه الحج بالإجماع، و عدم صدق الاستطاعة و انتفاء الحرج، و كثير من الاخبار المتقدمة). و يدل على ذلك جملة من الاخبار و هي:

1- صحيح بن يحيى الخثعمي قال: سأل حفص الكناسي أبا عبد اللّه- عليه السلام- و انا عنده عن قول اللّه عز و جل (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع الحج أو قال: ممن كان له مال. فقال له حفص الكناس: فإذا كان صحيحا في بدنه مخلى سربه و له زاد و راحلة فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج؟ قال: نعم «1».

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 185

2- خبر الفضل بن شاذان عن الرضا- عليه السلام- في كتابه إلى المأمون قال:

و حج البيت فريضة على من استطاع اليه سبيلا و السبيل الزاد و الراحلة مع الصحة «1».

3- صحيح هشام عن أبي عبد اللّه في قوله عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «2»» ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد و راحلة «3».

4- عن عبد الرحمن عن أبي عبد

اللّه في قوله: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» «4» قال: من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة فهو مستطيع للحج «5».

5- عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّه عن قول اللّه عز و جل:

«وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ. «6» إلخ»؟ قال: الصحة في بدنه و القدرة في ماله «7» قال: و في رواية حفص الأعور عنه قال: القوة في البدن و اليسار في المال «8».

6- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه في قول اللّه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ. «9» إلخ» قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة، فإن سوفه للتجارة فلا يسعه ذلك و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام. «10».

و لا يعارض هذه الأخبار ما في خبر السكوني عن أبي عبد اللّه قال: سأله رجل من أهل القدر فقال: يا بن رسول اللّه أخبرني عن قول اللّه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» «11» أ ليس قد جعل اللّه لهم الاستطاعة؟ فقال: ويحك إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة، ليس استطاعة البدن. و ذلك لأن الظاهر أن السائل توهم أن مقتضى الآية الشريفة هو وجوب الحج بمجرد صحة البدن، فالإمام- عليه السلام- يكون

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

(2) سورة آل عمران: الآية- 91.

(3) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

(4) سورة آل عمران: الآية- 91.

(5) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

(6) سورة

آل عمران: الآية- 91.

(7) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 12

(8) الوسائل- ج 2، الباب- 8- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 13

(9) سورة آل عمران: الآية- 91.

(10) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(11) سورة آل عمران: الآية- 91.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 186

في مقام بيان عدم كفاية صحة البدن في وجوب الحج، و اعتبار وجدان الزاد و الراحلة فيه ايضا، و لا أقل من حمله على ذلك جمعا بينه و بين ما عرفت من الأخبار، هذا كله مضافا إلى ما فيه من ضعف السند.

[المسألة الثانية و الستين و يشترط الاستطاعة الزمانية]

قوله قده: (و يشترط أيضا الاستطاعة الزمانية فلو كان الوقت ضيقا لا يمكنه الوصول إلى الحج، أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب.).

قال الشهيد (ره) في الدروس: (و سادسها) التمكن من المسير بسعة الوقت، فلو ضاق، أو احتاج إلى سير عنيف ليطوي المنازل و عجز سقط في عامه، و كذا لو قدر عليه بمشقة لا تتحمل عادة).

و قال النراقي (قده) في المستند: (للإجماع، و فقد الاستطاعة، و لزوم الحرج و العسر، و كونه أمرا يعذره اللّه تعالى فيه، كما صرح به في بعض الأخبار).

لا ينبغي الإشكال في ذلك، غاية الأمر أن ضيق الوقت إذا كان بحيث لا يتمكن من الحج أصلا فاعتبار عدمه شرط عقلي، و إذا كان بحيث يتمكن من الوصول اليه لكن بمشقة شديدة لا تتحمل عادة فيدل على اعتبار عدمه أدلة نفي العسر و الحرج.

[المسألة الثالثة و الستين و يشترط الاستطاعة السربية]

قوله قده: (و يشترط أيضا الاستطاعة السربية بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات، أو إلى تمام الأعمال، و إلا لم يجب.).

هذا هو المشهور بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا. بل ادعى عليه الإجماع.

قال النراقي (قده) في المستند: (و اشتراطها مجمع عليه محققا و محكيا). و يدل على اعتبارها غالب الأخبار المتقدمة الدالة على اشتراط صحة البدن فلا نعيدها.

[المسألة الرابعة و الستين]
[إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف ماله في بلده]

قوله قده: (إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف ماله في بلده معتد به لم يجب).

هذا الكلام مما لا إشكال فيه إن استلزم ذلك العسر و الحرج.

[و كذا إذا كان هناك مانع شرعي من استلزامه ترك واجب فوري]

قوله قده: (و كذا إذا كان هناك مانع شرعي من استلزامه ترك واجب فوري

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 187

سابق على حصول الاستطاعة أولا حق مع كونه أهم من الحج، كإنقاذ غريق، أو حريق و كذا إذا توقف على ارتكاب محرم كما إذا توقف على ركوب دابة غصبية أو المشي في الأرض المغصوبة).

هذا من صغريات التزاحم فلا بد في التقديم من ملاحظة الأهمية و المهمية سواء كان ذلك التكليف المزاحم سابقا على الاستطاعة أم لاحقا لها. و ما أفاده المصنف (قده) من لزوم ملاحظة أهمية المزاحم في خصوص ما إذا كان مؤخرا عن الاستطاعة. و أما إذا كان سابقا عليها قدم عليه مطلقا فقد عرفت ما فيه سابقا.

و يمكن الاستدلال على انتفاء وجوب الحج بمزاحمته مع تكليف آخر وجوبي أو تحريمي و لو لم يكن ذلك التكليف أهم بما في صحيح حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1» و بما عن على بن أبي حمزة عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- قال: من قدر على ما يحج به و جعل يدفع ذلك و ليس (له) عنه شغل يعذره اللّه فيه حتى جاء الموت فقد ضيع شريعة من شرائع الإسلام «2». وجه الاستدلال بهما هو جعل عدم شغل يعذره اللّه به فيهما شرطا لوجوب الحج عليه، و يصدق على التكليف المزاحم أنه شغل يعذره

اللّه به فعلى هذا يقدم الواجب المزاحم للحج عليه و لو لم يكن أهم و (فيه): أن كونه شغلا يعذره اللّه به هو عين الدعوى و لا نسلمه إلا في صورة أهميته على الحج. و أما إذا كان الحج أهم لم يكن ذلك شغلا يعذره اللّه به في ترك الحج، و إذا تساويا اتجه التخيير، و قد تقدم سابقا أن تمييز الأهمية و المهمية ليس بيدنا، لقصور عقولنا عن إدراك المصالح، بل لا بد من استفادة ذلك من الاخبار إن أمكن ذلك، و إلا فإن كان أحدهما محتمل الأهمية دون الآخر قدم و إلا كان مخيرا.

[المسألة السادسة و الستين]
[إذا اعتقد كونه مستطيعا فحج ثم بان خلافه]

قوله قده: (إذا اعتقد كونه بالغا أو حرا مع تحقق سائر الشرائط فحج ثم بان أنه كان صغيرا أو عبدا، فالظاهر بل المقطوع عدم اجزائه عن حجة الإسلام).

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(2) الوسائل- ج 2- الباب 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 188

هذا مما لا اشكال فيه. إذا البلوغ و الحرية بحسب ظاهر الأخبار شرط واقعي من دون دخل للعلم و الجهل في ذلك، لعدم الدليل عليه بل الدليل و هو الإطلاق يقتضي عدم دخل شي ء منهما فيه.

قوله قده: (و إن اعتقد كونه مستطيعا مالا و أن ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحج، ففي إجزائه عن حجة الإسلام و عدمه وجهان: من فقد الشرط واقعا. و من أن القدر المسلم من عدم اجزاء حج غير المستطيع عن حجة الإسلام غير هذه الصورة.)،

أوجههما عدم الاجزاء، بل لا ينبغي الارتياب في ذلك، إذا لا اثر للاعتقاد هنا.

بيانه: أن الدليل الدال على عدم اجزاء

حج غير المستطيع مالا ليس هو الإجماع فقط حتى يقال: إن القدر المتيقن منه هو غير صورة اعتقاده بكونه مستطيعا، لمدركية الإجماع.

بل الدليل هو القاعدة و هي عدم اجزاء غير الواجب عن الواجب و سيأتي البحث عن ذلك ان شاء اللّه تعالى.

فان تمت تلك القاعدة ثبت عدم الاجزاء بلا فرق بين اعتقاده لكونه مستطيعا أولا و إلا اتجه الاجزاء بلا فرق بين الصورتين ايضا.

قوله قده: (و إن اعتقد عدم الضرر، أو عدم الحرج فحج فبان الخلاف فالظاهر كفايته).

التحقيق في هذه المسألة أيضا عدم دخالة الاعتقاد في الحكم بل لو قلنا في صورة علمه بلزوم الحرج بالاجزاء اتجه الاجزاء في صورة اعتقاده، لعدم الحرج ايضا. و لو قلنا بعدم الاجزاء في تلك الصورة اتجه عدم الاجزاء هنا أيضا. فالعمدة البحث عن أصل كون الحرج مانعا عن الاجزاء و عدمه، و سيأتي الكلام فيه- ان شاء اللّه تعالى- في المسألة الآتية.

قوله قده: (و ان اعتقد المانع من العدو، أو الضرر، أو الحرج، فترك الحج فبان الخلاف، فهل يستقر عليه الحج أو لا؟ وجهان، و الأقوى عدمه، لأن المناط في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 189

الضرر الخوف و هو حاصل.).

ما افاده (قده) من كون المناط في الحكم هنا الخوف (ممنوع) فان المذكور في اخبار الباب هو عنوان تخلية السرب و هو عنوان واقعي، غير تابع للعلم، أو الجهل، أو الخوف أو غير ذلك.

قوله قده: (و ان اعتقد عدم مانع شرعي فحج فالظاهر الاجزاء إذا بان الخلاف.).

لا إشكال في كون سقوط وجوب الحج بمزاحمته لواجب آخر متوقفا على العلم بذلك الواجب، لأن قوام التزاحم بالعلم كما قد حقق ذلك في الأصول، فلو اعتقد عدمه و حج اجزء بلا اشكال.

بل لو علم بالمزاحمة و فرضنا أهمية المزاحم منه و مع ذلك عصى و حج فالظاهر الإجزاء ايضا إما للترتب و إما للملاك.

[حكم ما إذا حج فاقدا لبعض الشرائط]

قوله قده: (إذا ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمدا، أو حج مع فقد بعضها كذلك، أما الأول فلا إشكال في استقرار الحج عليه مع بقائها إلى ذي الحجة، و أما الثاني فإن حج مع عدم البلوغ، أو مع عدم الحرية، فلا إشكال في عدم إجزائه، إلا إذا بلغ، أو انعتق قبل أحد الموقفين على اشكال في البلوغ.).

أما إذا ترك الحج مع تحقق جميع شرائط الوجوب فلا إشكال في استقراره عليه و لا يحتاج الى البحث. و أما إذا حج فاقدا لبعض الشرائط، فإن كان الشرط المفقود هو الحرية، أو البلوغ فلا إشكال في عدم الاجزاء كما افاده المصنف (قده) للنصوص الخاصة المتقدمة. نعم، لو أعتق العبد قبل المشعر اجزء عنه للنصوص الخاصة الدالة على ذلك و لا وجه لإلحاق الصبي به في ذلك. و قد تقدم تفصيله في حج الصبيى فراجع. و ان كان الشرط المفقود غير البلوغ و الحرية من الشرائط، كما إذا حج بدون الاستطاعة المالية أو مع العسر و الحرج قبل الشروع في المقصود نقول: لا ينبغي الإشكال في أن حجة حجة الإسلام فيما إذا حج مع فقدانه لشرط من الشروط المعتبرة في وجوب الحج الى الميقات ثم حصل له ذلك منه فلو لم يكن بالغا في الطريق و بلغ قبل الميقات كفى ذلك في الاجزاء، و كذا لو لم يكن واجدا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 190

للراحلة و كان طي الطريق ماشيا حرجيا عليه و لكن مع ذلك كله مشى الى الميقات و تحمل الحرج و فرضنا

أنه وجد الراحلة من الميقات أو لم يكن المشي من الميقات إلى مكة عسريا عليه فلا ينبغي الإشكال في الاجزاء. هذا كله بناء على كون الإحرام جزءا للأعمال لا شرطا لها. و اما بناء على كونه شرطا لها كفى في حصول الاجزاء اجتماع الشرائط له قبل الأعمال و لو بعد الميقات كما لا يخفى.

و أما إذا فقد حين الأعمال بعض الشرائط فإن كان الشرط المفقود هو عدم المزاحمة لواجب أهم فلا إشكال في حصول الإجزاء. أما للترتب. و إما لوجود الملاك كما مر آنفا و (بعبارة أخرى) أن عدم المزاحمة في الحقيقة ليس شرطا لتحقق حجة الإسلام و قد حققنا ذلك سابقا و انما يقدم الواجب المزاحم عليها بالأهمية فلو عصى ذلك الواجب و حج صح و اجزء عن حجة الإسلام، لاجتماع جميع شرائط الوجوب له. هذا كله مما لا اشكال فيه انما الإشكال فيما إذا حج مع فقد شرط آخر غير مسألة عدم المزاحمة، و غير الحرية، و البلوغ فهل يجزى ذلك عن حجة الإسلام أو لا؟.

يمكن الاستدلال على الاجزاء بوجوه:

(الأول)- ما يتأتى بالنسبة الى جميع الشرائط الأخر، و هو أن الحج الواجب و المستحب ليسا ماهيتين مختلفتين بل حقيقتهما واحدة، فإذا أتى به و لو مع فقد بعض الشرائط يجزى عن الواجب.

ان قلت: كيف يكون كذلك مع ما بينهما من الاختلاف بحسب الآثار، فإنه تترتب على الحج الواجب آثار لا تترتب على الحج المستحب- و هي:

1- استحقاق العقاب على تركه بدون عذر يعذره اللّه تعالى به.

2- أن تركه بلا عذر، ترك لشريعة من شرائع الإسلام، كما في الاخبار.

3- أنه لو منعه مانع عن الحج كان عليه الاستنابة مطلقا، أو في صورة الاستقرار.

4- أنه

لو تركه مع اجتماع الشرائط استقر عليه الحج.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 191

5- أنه لو تركه الى أن مات يخرج من أصل تركته.

و هذه الآثار لا تترتب على الحج المستحب، و من المعلوم أن الاختلاف بينهما بحسب الآثار يدل على تعددهما، ماهية.

قلت: كون هذه الآثار آثارا مترتبة لنفس الحج الواجب حتى تدل على تعدد الماهية (ممنوع) لأنها آثار لنفس وجوبه. و أما ذات الحج الواجب مع ذات الحج المستحب فلا فرق بينهما ماهية و ملاكا أصلا فعلى هذا يجزى الحج المستحب عن الواجب. و هذا نظير ما إذا صلى الصبي المميز صلاة الظهر مثلا ثم بلغ لم يكن عليه اعادة صلاته بناء على مشروعية عباداته و ليس ذلك إلا لأجل وحدة الطبيعة و الملاك الثابت لفعله قبل البلوغ و بعده. غاية الأمر أنه خرج حج الصبي و المملوك عن حيز هذه القاعدة بالنصوص الخاصة التي تقدم ذكرها في محلها. هذا غاية ما يمكن أن يقال في إثبات كون مقتضى القاعدة إجزاء المستحب عن الواجب.

لكن و فيه: أن موضوع الوجوب بجميع حدوده و قيوده دخيل في الملاك قطعا كيف و الملاك مناط موضوعية الموضوع، و الا لزم اللغوية في فعل الحكيم تعالى، فبانتفاء قيد من قيود موضوعه ينتفي الملاك و هذا كاف في عدم حصول الاجزاء، لعدم كون المأتي به متعلقا للأمر الوجوبي، و لا واجدا لملاكه و ان لم نقل بتعدد الماهية بالمعنى الذي ربما يتوهم من كون عنوان حجة الإسلام أو الواجب من العناوين المنوعة بحيث احتاج في النية إلى قصد هذا العنوان.

ثم لو فرض الشك في تحقق ملاك الواجب و عدمه كفى ذلك في القول بعدم اجزاء الحج المستحب عن الواجب، لظهور

دليل ذلك الواجب في توجه الأمر الى من وجد الشرائط و لم يأت به، و المفروض حصولها له و عدم إتيانه بالواجب. و اجزاء ما أتى به ندبا قبل اجتماع الشرائط عن الواجب محتاج إلى دليل مفقود في المقام.

و اما قياس ذلك بما إذا بلغ الصبي بعد صلاة الظهر (ففيه):

(أولا): عدم تسليم الحكم في المقيس عليه، لأنه محل الكلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 192

و (ثانيا): بعد تسليمه أنه قياس مع الفارق. بيان ذلك أن الحج في الشريعة الإسلامية قد شرع في كل عام مرة واحدة فمع الاستطاعة يشرع الوجوب و بدونها يشرع الاستحباب. كما أن صلاة الظهر قد شرعت وجوبا أو ندبا في كل يوم مرة واحدة. أما الوجوب فموضوعه البالغ. و أما الاستحباب فموضوعه الصبي المميز، لمشروعيته عباداته على ما حقق في محله.

فكما لو فرض أنه صلى الصبيى في يوم ثم بلغ في اليوم اللاحق يحكم بوجوبها عليه في ذلك اليوم، لاستحباب ما اتى بها في اليوم السابق و اجزائها عن الصلاة الواجبة في اليوم اللاحق محتاج الى الدليل الخاص و هو مفقود، فكذلك في الحج لو حج غير المستطيع في عام ثم صار مستطيعا في العام اللاحق يحكم بوجوبه عليه في عام الاستطاعة بمقتضى الإطلاقات، لأن ما أتى به في العام السابق كان مستحبا، و اجزائه عن الحج الواجب في العام اللاحق محتاج الى دليل خاص و هو مفقود.

و بالجملة لو أريد قياس باب الحج بباب الصلاة فالمتجه قياسه بالصلاة في يوم و البلوغ في يوم آخر، لأن المفروض أنه حج في عام بدون الاستطاعة و حصلت له في عام آخر.

لا قياسه بالصلاة في يوم و البلوغ في ذلك اليوم. و (بعبارة

أخرى) نقول: أنه لو صلى الصبي صلاة الظهر ثم بلغ في ذلك اليوم أمكن القول بالأجزاء لعدم تشريع صلاة الظهر لشخص واحد في يوم واحد الإمرة واحدة، و المفروض أنه أتى بها. و اما استحباب إعادة الصلاة لمن صلاها فرادى ثم أدرك الجماعة فهو لأجل النص الخاص.

و الحاصل: أن صلاة الظهر المشروعة في يوم واحد بنفسها ليست إلا مرة واحدة و لو كان المفروض عدم تشريع الحج في تمام العمر إلا مرة واحدة- لا واجبا و لا مستحبا- اتجه قياس الحج في عام و حصول الاستطاعة في عام آخر بالصلاة في يوم و تحقق البلوغ في ذلك اليوم. فنقول: إن الحج لم يشرع الإمرة واحدة و المفروض أنه أتى به و لو مستحبا فلا وجه لأن مأتي به ثانيا بعد الاستطاعة، لكن ليس كذلك. بل الحج شرع في كل عام فما أتى به في العام السابق كان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 193

مستحبا لذلك العام و إجزائه عن الحج الواجب لعام الاستطاعة محتاج الى الدليل و هو مفقود.

(الوجه الثاني) ما لا يتأتى إلا بالنسبة إلى الشرائط التي يكون مدرك اعتبارها قاعدة نفي العسر و الحرج نظير استثناء المستثنيات، و الرجوع الى الكفاية، و غير ذلك. و هو أنه و ان تقدم آنفا أن كل قيد من قيود موضوع الوجوب دخيل في الملاك بلا إشكال لكن القيد المستند إلى قاعدة نفي العسر و الحرج لا ملاك له إلا الامتنان و لا ربط له بأصل ملاك العمل، فعلى هذا لو حج مع لزوم العسر و الحرج يحكم باجزائه عن حجة الإسلام لاستيفائه جميع ملاك الحج الواجب و إنما لم يكن واجبا عليه بملاك الامتنان، و من

المعلوم أنه لا يقع الكسر و الانكسار بين ملاك الامتنان و ملاك أصل العمل. و ذلك نظير قوله: (رفع عن أمتي ما لا يعلمون) فإنه امتناني و له ملاك غير ملاك الوقع، و لا يقع الكسر بين ملاكه و بين ملاك الواقع و لذا يكون الاحتياط في مورد جريان البراءة حسنا و لو احتاط أدرك ملاك الواقع قطعا.

ان قلت: إنه و ان كانت قاعدة نفي العسر و الحرج و أصل البراءة كلاهما امتنانيين إلا أن بينهما فرقا واضحا من جهة أخرى و هي أن أصل البراءة لا ترفع الواقع، و الا لزم التصويب، و هذا بخلاف قاعدة نفي العسر و الحرج لأنه بناء على القول بذلك فيها لم يلزم منه التصويب.

و أما ما ذكر من عدم مزاحمة ملاك الامتنان لملاك ذات العمل فهو مسلم، و لكن الكلام في أصل وجود الملاك للواجب و هو الحج بعد رفع إلزامه بالامتنان، فان العلم بوجوده مع لزوم العسر و الحرج في الواجب علم بالغيب الذي لا يعلمه إلا هو فيشك في أن ما أتى به من الحج مع لزوم العسر و الحرج واجد لملاك حجة الإسلام أو لا، و ذلك لانتفاء كاشفة و هو الأمر، فعلى هذا الاكتفاء بالحج الموجب للعسر و الحرج في مقام الامتثال مشكل.

هذا كله مضافا الى ظهور دليل نفي العسر و الحرج في كون انتفائه دخيلا في أصل ملاك العمل نظير سائر القيود التي لا إشكال في أن ظاهر دليلها دخالتها في أصل الملاك.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 194

قلت: عدم لزوم التصويب من القول بكون قاعدة نفي العسر و الحرج مغيرة للواقع مسلم بل لا إشكال في تغير الواقع بها بمعنى انتفاء الوجوب،

لكن الفرق بين هذا القيد و سائر القيود في غاية الوضوح بعد تسليم كون القاعدة امتنانية، و ذلك لأنه و إن لم يكن الأمر الوجوبي موجودا حينئذ حتى ينكشف به ثبوت الملاك لكن يستكشف ثبوته من نفس امتنانية القاعدة، إذ لو لم يكن ملاك الوجوب ثابتا فلا امتنان في رفعه، لارتفاعه بانتفاء الملاك لا للقاعدة، فتسليم امتنانيتها مساوق لتسليم ثبوت الملاك على حاله.

و الإنصاف أن إنكار كون مثل قوله تعالى «يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» «1» و قوله تعالى «رَبَّنٰا وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا» «2» واردا في مورد الامتنان مكابرة.

ظهر مما ذكرنا أنه لو حج مع فقد شرط من الشروط التي يكون مدرك اعتبارها قاعدة نفي العسر و الحرج أجزأ حجه عن حجة الإسلام، لوجود الملاك في عمله و هذا نظير ما هو المختار في باب الوضوء من أنه لو توضأ مع الحرج صح وضوئه و جاز له الدخول في الصلاة و غيرها من الغايات بل ثبوت الحكم فيما نحن فيه أولى من تلك المسألة، لأن فيها يتأتى شبهة: و هو أنه كيف يمكن أن يجتمع البدل و المبدل في عرض واحد و هذا الشخص الذي يكون الوضوء حرجيا عليه يتبدل تكليفه بالتيمم فلا يصح منه الوضوء و إلا يلزم كون التيمم الذي هو في طول الوضوء في عرضه و هذا بخلاف فيما نحن فيه كما لا يخفى. فلو حج مع عدم وجدانه لمقدار الرجوع الى الكفاية، أو لنفقة العيال، أو المستثنيات، أو كان الوقت ضيقا وجد في المسير حتى أدرك الحج بمشقة، أو كان الحج حرجيا عليه، أجزأ حجه عن حجة الإسلام.

إن قلت:

إن هذا الكلام إنما يصح في مثل ما إذا كان الحرج في نفس الأعمال، أو كان ذلك في بقائه في مكة للأعمال من جهة حرارة الهواء مثلا. و أما إذا كان ذلك ناشئا من عدم وجدانه للرجوع إلى الكفاية، أو لمؤنة العيال، أو المستثنيات، فلا يمكن القول

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية- 185.

(2) سورة البقرة: الآية- 286.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 195

باجزاء حجه حينئذ و ذلك لأن وجدان الزاد و الراحلة حسب ما يستفاد من الأخبار المفسرة للاستطاعة موضوع لحجة الإسلام و جريان قاعدة نفي العسر و الحرج بالنسبة إلى الرجوع الى الكفاية، و المستثنيات، و مؤنة العيال، قرينة على كون المراد من وجدان الزاد و الراحلة هو وجدانهما مع قطع النظر عنها، فيتحصل أن موضوع حجة الإسلام ليس مطلق الزاد و الراحلة و لو تملكهما المكلف بثمن المستثنيات، أو من نفقة العيال، أو من مقدار الرجوع الى الكفاية، بل الموضوع هو الزاد و الراحلة زائدا عليها فمن لم يكن له ذلك فهو في الحقيقة ليس واجدا للزاد و الراحلة المعتبرين في حجة الإسلام، فلا يحصل الاجزاء، لعدم الدليل حينئذ على ثبوت الملاك.

و (بعبارة أخرى) أن عدم وجوب الحج عليه بهذا التقريب مستند الى عدم وجدانه للزاد و الراحلة لا إلى قاعدة نفي العسر و الحرج حتى يقال: أن نفي العسر و الحرج امتناني لا يرتفع به الملاك.

قلت: لو لا القاعدة لكنا نقول بكفاية وجدانه لمطلق الزاد و الراحلة في وجوب الحج عليه و لو كانا حاصلين من ثمن المستثنيات لكن القاعدة مانعة عن ذلك، فعدم وجوب الحج عليه مستند إلى قاعدة نفي العسر و الحرج و المفروض كونها امتنانية و من المعلوم عدم وقوع

الكسر و الانكسار بين المصلحة الامتنانية و المصلحة الواقعية و نفس كون امتنانية القاعدة دليل على بقاء الملاك الواقعي على حاله و عدم صلاحية مزاحمة المصلحة الامتنانية له فلو أتى به مع تحمل العسر و الحرج فقد أدرك الملاك بتمام مراتبه من دون تفويت شي ء منه لكون القاعدة ترخيصية لا إلزامية.

(الوجه الثالث)- ما لا يتأتى إلا بالنسبة الى من كان مستطيعا من حيث المال لكنه كان فاقدا لشرط آخر غير ما مر من البلوغ، و الحرية، كصحة البدن، أو لزوم العسر و الحرج و هو أنه قد دلت بعض الأخبار على وجوب الاستنابة لمن كان واجدا لمقدار ما يحج به لكنه منعه مانع من مرض، أو غيره، عن الحج. و هذا دليل على ثبوت حجة الإسلام عليه إذ لو لم يكن الحج واجبا عليه لما وجب عليه الاستنابة كما لا يخفى. فوجوبه عليه مسلم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 196

غاية الأمر أنه سقط عنه قيد المباشرة لأجل المانع و من المعلوم أن سقوط قيد المباشرة ترخيصي لا عزيمى، لان من الواضح أنه لو تحمل المرض، أو الحرج و حج مباشرة لم يرتكب حراما ما لم يصل ذلك الى حد الضرر المنهي عنه، و على هذا فلا وجه لعدم الاجزاء، لما عرفت من ثبوت حجة الإسلام عليه. و سقوط قيد المباشرة لم يكن عزيميا، فانطباق حجة الإسلام على المأتي به قهري و الاجزاء عقلي كما اتضح في محله.

و ما ذكرناه واضح بناء على وجوب الاستنابة عليه. و أما بناء على استحبابها فنقول أيضا أن ظاهر الأخبار هو إتيان النائب بما على المنوب عنه من جهة الاستطاعة المالية وجوبا، لا إتيانه بالحج المستحب عنه، لكون الاستحباب

بناء على القول به في محله صفة للاستنابة لا للحج الذي يأتي به نيابة عنه و سيتضح تحقيق ذلك في مبحث الاستنابة- إن شاء اللّه تعالى- فعلى أى حال تكون تلك الأخبار دليلا على ثبوت حجة الإسلام عليه مع فاقديته لشرط الصحة سواء قلنا بوجوب الاستنابة عليه أم باستحبابها فله ترك الاستنابة و الصبر الى زوال العذر، أو الى زمان الموت، لو استمر العذر، فيخرج من أصل المال. و بعد ضم ذلك أعنى ثبوت حجة الإسلام عليه الى ما عرفت من كون سقوط قيد المباشرة ترخيصيا لا عزيميا يتضح وجه الإجزاء لو حج بنفسه و سيأتي ذكر تلك الأخبار- إن شاء اللّه تعالى.

قوله قده: (إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرم لم يجز عن حجة الإسلام و إن اجتمع سائر الشرائط لا لأن الأمر بالشي ء نهى عن ضده، لمنعه أولا و منع بطلان العمل بهذا النهى ثانيا لأن النهي متعلق بأمر خارج بل لأن الأمر مشروط بعدم المانع و وجوب ذلك الواجب مانع و كذلك النهى المتعلق بذلك المحرم مانع و معه لا أمر بالحج.).

قد تقدم حكم ذلك في المباحث السابقة، و قلنا: إن استلزام الحج لترك واجب، أو فعل حرام، داخل في باب التزاحم، لا أن استلزامه لذلك رافع لموضوع الاستطاعة، فالأقوى في النظر هو الاجزاء.

[المسألة السابعة و الستين إذا كان في الطريق عدو طالب للمال]

قوله قده: (إذا كان في الطريق عدو لا يندفع إلا بالمال فهل يجب بذله و يجب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 197

الحج أو لا؟ أقوال: ثالثها الفرق بين المضر بحاله و عدمه، فيجب في الثاني دون الأول.).

إختار الأول المحقق (طاب ثراه) في الشرائع حيث قال: «و لو قيل يجب التحمل مع المكنة كان حسنا». و وافقه

على ذلك صاحب المدارك حيث قال: (و الأصح ما إختاره المصنف (ره) من وجوب بذل المال مع القدرة مطلقا، لتوقف الواجب عليه كأثمان الآلات).

و إختار الثاني: الشيخ (ره) و جماعة على ما حكاه صاحب المدارك (قده) لانتفاء الشرط و هو تخلية السرب و لأن المأخوذ على هذا الوجه ظلم فلا ينبغي دفعه إليه لأنه إعانة عليه.

و إختار الثالث: في المعتبر حيث قال: (و الأقرب أنه إن كان المطلوب مجحفا لم يجب دفعه عليه و إن كان يسيرا وجب بذله و كان كاثمان الآلات) و وافقه على ذلك المصنف (قده).

و تحقيق الكلام في هذا المقام أن يقال: إنه (تارة) يكون ما يأخذه العدو من المال مجحفا بحاله. فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج عليه كما أفاده المصنف (قده) و صاحب المعتبر (ره)، لما مر في صحيح المحاربي من قوله: «. حاجة تجحف به» و نظير ذلك ما إذا استلزم حجه تلف مقدار معتد به من ماله بحيث يوجب الضرر عليه فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج عليه و القدر المتيقن من ذلك كله هو صورة لزوم العسر و الحرج من دفع المال الى العدو.

و (أخرى) لا يكون كذلك، و حينئذ قد يكون المال الذي يأخذه العدو منه رافعا للاستطاعة المالية، فلا إشكال حينئذ في عدم وجوب دفع المال اليه، و قد لا يكون كذلك و هذا يتصور على نحوين:

(الأول)- أن لا يكون قصد العد من منعه سد الطريق عليه بل يكون قصده أخذ مقدارا من المال منه بحيث لو لم يعطه المال لوقع النزاع بينهما، فيصير ذلك قهرا مانعا عن الحج، ففي هذه الصورة لا بد من الحكم بوجوب دفع المال اليه. نظير المال

الذي يدفعه الى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 198

الظالم، لتحصيل جواز العبور، و نحو ذلك مما هو مقدمة وجودية للحج لا وجوبية.

(الثاني)- أن يكون قصده ذلك لكن دفع المال اليه يكون من قبيل إيجاد الداعي له لرفع يده عن منعه، فالظاهر عدم وجوب دفع المال إليه، لأن خلو السرب حسب ما يستفاد من الأخبار المتقدمة في الشرط الثالث يكون دخيلا في تحقق الاستطاعة كالزاد و الراحلة و صحة البدن، فكما لا يجب تحصيل الاستطاعة المالية كذلك لا يجب تحصيل خلو السرب، لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب.

اللهم إلا أن يقال: إن خلو السرب من المقدمات الوجودية لا الوجوبية، لكنه خلاف ظاهر الأخبار المتقدمة الواردة في تفسير الاستطاعة جدا، لكونها في مقام شرح الاستطاعة التي هي موضوع الوجوب.

و يمكن أن يستدل على كون ذلك من المقدمات الوجودية: بأنه لو فرضنا عدم حصول خلو السرب له يحكم بوجوب الاستنابة عليه لو كان ذلك حاصلا لغيره، بناء على القول بوجوب الاستنابة على المستطيع من حيث المال لو كان له عذر من الذهاب الى الحج، و هذا دليل على ثبوت حجة الإسلام عليه و لو لم يكن خلو السرب حاصلا له، و إلا فلا معنى لوجوب الاستنابة عليه كما لا يخفى فعلى هذا يكون خلو السرب من المقدمات الوجودية لا من المقدمات الوجوبية.

لكن التحقيق: كونه من المقدمات الوجوبية بمقتضى ما تقدم من الأخبار المصرحة بكون ذلك دخيلا في الاستطاعة، غاية الأمر أنه بناء على القول بوجوب الاستنابة عليه في ذلك الفرض كان خلو السرب مقدمة وجوبية لقيد المباشرة لا لأصل الحج و بالجملة فلا ينبغي الارتياب في كون ذلك مقدمة وجوبية اما للحج، و اما لقيد المباشرة،

و من المعلوم أن تحصيل الموضوع غير واجب بالاتفاق، فلا يجب عليه دفع المال الى العدو في تلك الصورة إلا أن يقال بعدم كون المانع عن وجوب الحج مطلق العدو بل العدو الذي لا يندفع بالمال لكنه كما ترى مخالف لإطلاق الأدلة.

و بالجملة مهما كان العدو سادا للطريق و توقف دفعه على إعطاء مقدار من المال، أو على منازعة، أو مخاصمة، بحيث لم يصدق عنوان خلو السرب لم يجب دفعه بالمال، نعم، لو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 199

فرضنا اندفاعه بكلمة وعظ، و إنذار مثلا، أو بإعطاء مال قليل غير معتد به عند العقلاء بحيث يقال عرفا أنه واجد لخلو السرب، و ان هذا العدو لا يعد سادا للطريق، فلا إشكال في وجوب الحج عليه مباشرة.

[المسألة السبعين إذا استقر عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة]

قوله قده: (إذا استقر عليه الحج و كان عليه خمس، أو زكاة، أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها، و لا يجوز له المشي إلى الحج قبلها، و لو تركها عصى.

و أما حجة فصحيح، إذا كانت الحقوق في ذمته لا في عين ماله. و كذا إذا كانت في عين ماله و لكن كان ما يصرفه في مؤنته من المال الذي لا يكون فيه خمس، أو زكاة أو غيرهما، أو كان مما تعلق به الحقوق، و لكن كان ثوب إحرامه، و طوافه، و سعيه، و ثمن هديه من المال الذي ليس فيه حق، بل و كذا إذا كانا مما تعلق به الحق من الخمس و الزكاة إلا انه بقي عنده مقدار ما فيه منهما، بناء على ما هو الأقوى من كونها في العين على بنحو الكلي في المعين لا على وجه الإشاعة.)

الحق على ما أثبتنا في محله هو

أن الخمس و الزكاة يكون في العين بنحو الإشاعة فالمال مشترك بين المالك و بين السادة، و الفقراء، و على هذا فلو كان ثوب إحرامه من المال الذي تعلق به الخمس أو الزكاة يحكم ببطلان إحرامه، و كذلك لو كان ثمن هديه من ذلك و لو طاف أو سعى في ذلك الثوب كان طوافه و سعيه فيه نظير الصلاة في الثوب الغصبي.

[المسألة الثانية و السبعين مسائل الاستنابة]
اشارة

قوله قده: (إذا استقر الحج عليه و لم يتمكن من المباشرة، لمرض لم يرج زواله أو حصر كذلك، أو هرم بحيث لا يقدر، أو كان حرجا عليه، فالمشهور وجوب الاستنابة عليه بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه و هو الأقوى و إن كان ربما يقال بعدم الوجوب و ذلك لظهور جملة من الأخبار.).

يقع الكلام في هذه المسئلة من جهات كثيرة:

(الأولى)- في إثبات صحة أصل الاستنابة

في الجملة على الحر البالغ المستطيع من حيث المال إذا لم يتمكن من الإتيان بالحج مباشرة، لعذر يعذره اللّه به فنقول، لا يخفى أن الاستنابة إنما تكون على خلاف الأصل، لأن إطلاق الدليل الأولى في كل واجب من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 200

الواجبات يقتضي المباشرية، كما يقتضي العينية و التعينية، و النفسية، و التوصلية، على ما حققناه في الأصول، و ذلك أعني اقتضائه للمباشرة لوجوه ثلاثة:

(الأول)- أن فعل النائب لا يكون مصداقا لفعل المنوب عنه و لو بنحو المسبب التوليدي و لا يتعلق قدرة الشخص بفعل الغير، و الأمر المتوجه اليه لا يتعلق بفعل غيره، لعدم قدرته عليه و لا شك في قبح التكليف بغير المقدور، فعلى هذا اجزائه عن فعله محتاج إلى دليل ثانوي فإذا قام ذلك على الإجزاء فهو و إلا فلا وجه للإجزاء.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 1، ص: 200

(الثاني)- أن جعل الاستنابة عدلا لفعل هذا الشخص الذي صار واجدا للشرائط يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا و إثباتا فمقتضى الإطلاق عدمه ما لم يقم دليل تعبدي على ذلك:

(الثالث)- أنه مع قطع النظر عن الصناعة العلمية لا ينبغي الإشكال في أنه لو قال المولى

لعبده حج، أو صل مثلا لا يفهم العرف منه إلا إتيان العبد، بالعمل مباشرة كما لا يخفى إذا عرفت ذلك فنقول، لا إشكال في ثبوت خروج النيابة عن الميت عن حيز هذه القاعدة بالنصوص الخاصة الواردة في المقام بلا فرق بين الحج الواجب و المندوب، كما لا إشكال في صحة النيابة عن الحي المتمكن أيضا في الحج المندوب. و أما في الحج الواجب بالنسبة إلى الحي فإن كان متمكنا من الإتيان به مباشرة بدون العسر و الحرج فلا إشكال في عدم مشروعية النيابة عنه و انما الإشكال في صحة الاستنابة في الحج الواجب عن الحي الممنوع عن المباشرة لعذر يعذره اللّه فنقول، لا إشكال في مشروعية النيابة في حقه أيضا في الجملة إجماعا و نصا لدلالة جملة من النصوص على ذلك- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: إن عليا رأى شيخا كبيرا لم يحج قط، و لم يطق الحج من كبره فأمره أن يجهز عليه رجلا فيحج عنه «1».

2- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال: و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض، أو حصر، أو أمر يعذره اللّه تعالى فيه، فان عليه

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 201

أن يحج من ماله صرورة لا مال له «1».

3- في المقنعة عن الفضل بن العباس قال: أتت امرأة من خثعم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال: إن أبي أدركته فريضة الحج و هو شيخ كبير لا يستطيع أن يلبث على دابته؟ فقال: لها رسول اللّه فحجي عن

أبيك «2».

4- خبر على بن أبي حمزة قال سألته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّه تعالى فيه؟ فقال:- عليه السلام- عليه ان يحج رجلا من ماله صرورة لا ماله له «3».

5- صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: كان على- عليه السلام- يقول: لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض، أو خالطه سقم، فلم يستطع الخروج فليجهز رجلا من ماله، ثم ليبعثه من مكانه «4».

6- صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: إن أمير المؤمنين- عليه السلام- أمر شيخا كبيرا لم يحج قط و لم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلا يحج عنه «5».

7- خبر سلمة أبي حفص عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أن رجلا اتى عليا عليه السلام- و لم يحج قط فقال: إني كنت كثير المال و فرطت في الحج حتى كبرت سني؟ فقال فتستطيع الحج؟ فقال: لا فقال له على- عليه السلام-: إن شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك «6».

8- خبر عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي جعفر- عليه السلام- عن أبيه أن عليا- عليه السلام- قال الرجل كبير لم يحج قط إن شئت أن تجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك «7».

(الجهة الثانية)- في إثبات وجوب الاستنابة عليه في الجملة

.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(3) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

(4) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

(5) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب

الحج و شرائطه الحديث 6

(6) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(7) الوسائل- ج 2، الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 202

و هذا هو المشهور بل ادعى الإجماع عليه كما عن المسالك، و الروضة، و المفاتيح، على ما حكاه صاحب المستند (قده) و يدل على ذلك ظاهر كثير ما تقدم من الأخبار في الجهة الاولى و لكن يعارضها ما تقدم من حديثي سلمة أبي حفص و عبد اللّه بن ميمون القداح المشتملين على كلمة (ان شئت) الظاهر بل الصريح في عدم وجوب الاستنابة، لأنه علق الاستنابة فيهما على المشية، و هو قرينة على عدم وجوبها، و حمله على أن المراد أنه إن شئت أن تعمل بتكليفك فجهز رجلا و نحو ذلك ليس على ما ينبغي لكونه في الحقيقة طرحا لهما لا جمعا بين الأخبار المذكورة، و ذلك لأن مقتضى الجمع بينها أن يقال: إن هذين الخبرين صريحان في عدم وجوبها بخلاف تلك الأخبار، لظهورها في الوجوب، فلا بد من رفع اليد عن ظاهرها تحكيما للاظهر على الظاهر، فعلى هذا لا بد أن يحكم باستحباب الاستنابة بمقتضى الجمع بينها و بين الخبرين هذا إذا لم نقل بأن لفظ (عليه) الواقع في تلك الأخبار نصا في الوجوب، و إلا يقع التعارض بينها.

هذا كله على فرض تسليم صحة سندهما، لكنهما ضعيفان سندا، مع عدم انجبار ضعفهما بالعمل، فلا يقاومان الأخبار المتقدمة- الدالة على وجوب الاستنابة- و حملهما على بعض المحامل البعيدة جمع تبرعي كما لا يخفى.

فما افاده المصنف (قدس سره) من الحكم بوجوب الاستنابة عليه متين.

ثم إن صاحب المستند (قده) ذهب إلى عدم

وجوب الاستنابة مطلقا، و أورد على الاستدلال بالأخبار على ذلك بإيرادات غير مرضية، و أمتنها أنه جعل تلك الأخبار بعد تسليم دلالتها على وجوب الاستنابة معارضة لصحيح محمد بن مسلم- الدال على عدم وجوبها عليه- حيث قال فيه: «لو ان رجلا أراد الحج فعرض له مرض. فليجهز رجلا» و هذا يدل على عدم الوجوب، لأنه علق الاستنابة فيه على صورة إرادة الحج، و مقتضى مفهومه عدم وجوبها عليه على تقدير عدم ارادة الحج و مقتضى الإجماع المركب عدم التفصيل في وجوب الاستنابة بين صورة إرادة الحج و عدمها فنحمله على استحباب الاستنابة لمن أراد الحج، لأن من أراد خيرا ينبغي له فعله بأي نحو أمكن. و (فيه): أن هذا الحديث

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 203

لا يقتضي تعليق وجوب الاستنابة على ارادة الحج حتى يتم ما افاده (قده) فإنه نظير أن يقال إن من أراد الصلاة فليتوضأ. أو يقال مثلا: أن من أراد الطواف و لم يتمكن فليستنب و ليس معناه دخالة إرادة الصلاة في وجوب الوضوء، أو دخالة إرادة الطواف في وجوب الاستنابة و انما يقال ذلك من جهة أن من لا يريد الصلاة لا حاجة له إلى الوضوء، و كذا من لا يريد الطواف لا حاجة له إلى الاستنابة و هذا تعبير شائع في العرف، فما في هذا الحديث من تعليق الاستنابة على ارادة الحج لا يدل على عدم وجوبها كما افاده صاحب المستند (قده) نعم لو علقت الاستنابة على ارادة نفس الاستنابة كما عرفت في حديثي قداح، و ابى حفص، لكان ذلك دالا على عدم الوجوب، و لكن الأمر ليس كذلك كما هو واضح.

و بالجملة صحيح محمد بن مسلم الذي جعله

صاحب المستند (قده) معارضا للأخبار الدالة على وجوب الاستنابة لا ينفى وجوبها، و غاية ما في الباب هو القول بإجماله، فلا يصلح صارفا لظهور باقي الأخبار في الوجوب، فعلى هذا لا يبقى مجال لما ذهب اليه صاحب المستند (قده) من عدم وجوب الاستنابة، لما عرفت.

(الجهة الثالثة)- في أنه هل يحكم بوجوب الاستنابة على المستطيع المعذور مطلقا،

أو يقال بالتفصيل، و التفاصيل التي ظفرنا بها في كلمات الأصحاب في المحل المفروض ثلاثة:

(الأول) التفصيل بين صورة استقرار الحج عليه و عدمه، فيحكم بوجوب الاستنابة على الأول دون الثاني. كما هو المحكي عن جماعة من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- منهم الحلي، و المفيد، و العلامة، في القواعد.

و لكن الأقوى في النظر هو الحكم بوجوبها مطلقا من دون فرق بين صورة استقرار الحج عليه و عدمه وفاقا للإسكافي، و الشيخ، و أبي الصلاح، و ابن البراج، و الحسن في ظاهر، و الفاضل في (السرائر) على ما حكاه صاحب الجواهر. و يدل على ذلك إطلاق ما تقدم من الأخبار من صحيح الحلبي أو حسنه، و مضمرة على بن حمزة، و كذا صحيح محمد بن مسلم لو قلنا بتمامية دلالته على الوجوب. و لكن ما يمكن الاستدلال به على التفصيل وجوه:

(الأول)- دعوى انصراف الإطلاقات المتقدمة- الدالة على وجوب الاستنابة- إلى صورة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 204

الاستقرار، و (فيه): أنه لو سلمناه، فهو بدوي.

(الثاني)- أن ذلك مقتضى الجمع بين الأخبار الدالة على الوجوب، و بين ما دل على عدمه، و هو ما تقدم من حديث القداح، فنحمل الطائفة الأولى- الدالة على الوجوب- على صورة استقرار الحج عليه و الخبر على صورة عدم استقراره عليه.

و (فيه) أن هذا الجمع بلا شاهد بل الشاهد على عكس ذلك- اعنى القول بوجوب الاستنابة على

من لم يستقر الحج عليه و عدم وجوبها على من استقر عليه الحج- و ذلك لأن خبر أبي حفص صريح في عدم وجوبها على الرجل الكثير المال الذي فرط في الحج حتى كبر سنه بحيث لم يستطع الحج، و مقتضى الجمع بينه و بين الأخبار الدالة على الوجوب مطلقا هو تقييد إطلاقها بذلك، فيتجه القول بوجوب الاستنابة على من لم يستقر عليه الحج و عدم وجوبها على من استقر عليه الحج بمقتضى الإطلاق و التقييد بينها.

فظهر أنه لو أريد التفصيل في الحكم بوجوب الاستنابة بين صورة الاستقرار و عدمه فاللازم هو القول بوجوب الاستنابة في الثاني دون الأول و هذا كما ترى لم يقل به أحد.

و التحقيق ما عرفت من وجوب الاستنابة مطلقا و قلنا: إن حديث القداح ضعيف السند.

(الثالث)- أن يقال إن هذا مقتضى الجمع بين الأخبار الواردة في تفسير الاستطاعة- الدالة على أن صحة البدن، و تخلية السرب، و انتفاء الاعذار و الموانع، دخيلة في وجوب الحج، و بدونها يحكم بعدم وجوب الحج عليه، و بين الأخبار الواردة في المقام- الدالة على وجوب الاستنابة- و ذلك لاختصاص ما دل على، أن تلك قيود للموضوع و هو الأخبار المفسرة للاستطاعة بالسنة الأولى و لا إشكال في الحكم بوجوب الحج عليه تحقق الشرائط له في السنة الاولى، فلو تركه استقر عليه الحج و لو مع انتفاء بعض الشرائط في السنوات اللاحقة كما. لا يخفى و ما دل على وجوب الاستنابة مطلق يشمل صورة الاستقرار و عدمه.

و الحاصل: أن الأخبار الواردة في تفسير الاستطاعة أخص من الأخبار الواردة في المقام الدالة- على وجوب الاستنابة- لاختصاص تلك الأخبار بالسنة الأولى، فيقدم عليها بالأخصية، فعلى هذا يفصل في

الحكم بوجوب الاستنابة بين صورة الاستقرار و عدمه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 205

و يقال باختصاص وجوبها بمن استقر الحج عليه دون غيره.

و (فيه): أن الجمع بينهما بالتخصيص يكون متفرعا على المعارضة بينها.

و التحقيق: عدم المعارضة بينهما، فان المستفاد من الأخبار المفسرة للاستطاعة- الدالة على اعتبار صحة البدن و غيرها في الاستطاعة- هو أن الواجد لتلك الشرائط يجب عليه الحج مباشرة كما لا يخفى، فتلك شروط لوجوب الحج مباشرة، و أما عدم وجوب الحج عليه بالاستنابة مع فقدان بعض تلك الشروط فلا يدل عليه تلك الأخبار بل هي ساكتة عن هذه الجهة، و أخبار الاستنابة كما ترى صريحة في وجوبها مطلقا سواء استقر عليه الحج أم لا فنأخذ بإطلاقها لكونه بلا معارض، فعلى هذا لا وجه للتفصيل بين صورة الاستقرار و عدمه في الحكم بوجوب الاستنابة في الأول دون الثاني إذ لا معارضة بين الأخبار حتى يجمع بينها بذلك.

ان قلت: انه لا شبهة لأحد في أن أصل هذا التكليف الذي هو من أهم التكاليف- اعنى وجوب حجة الإسلام- مشروط بالاستطاعة و أن الاستطاعة دخلية في أصل الوجوب لا في خصوصية المباشرية كما هو ظاهر الآية، و كذا الأخبار فهذا التكليف انما يتوجه الى المستطيع لا غير و عليه فكلما فسرت الاستطاعة به يكون هو دخيلا في أصل الوجوب لا في المباشرية فكما أن وجود الزاد و الراحلة اللذين فسر بهما الاستطاعة دخيل في أصل الحكم فكذلك صحة البدن و خلو السرب خصوصا مع عطفهما في تفسير الاستطاعة على الزاد و الراحلة فلا مجال لإنكار ظهور الأخبار المفسرة للاستطاعة في كونهما دخيلين في أصل الوجوب إن لم نقل بكونها نصا فيه فيتعارضان و تصل النوبة

إلى التخصيص.

يمكن أن يقال في رفع التعارض من بينهما بجعل الطائفة الثانية شارحة للأخبار المفسرة للاستطاعة، لدلالة تلك الأخبار على كون صحة البدن دخيلة في أصل وجوب الحج مطلقا لجزئيتها لموضوعه. و أما أخبار الاستنابة فهي متكفلة لكيفية الدخل لدلالتها على عدم جزئيتها في الاستنابة و إلا فلا يبقى للأخبار الاستنابة مورد.

(الثاني)- التفصيل بين المرض غير مرجو الزوال و غيره في الحكم بوجوب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 206

الاستنابة في الأول دون الثاني. قال في الجواهر: (قد صرح غير واحد بان الوجوب على تقدير القول به إنما هو فيما لم يرج زواله. و أما ما يرجى زواله فلا تجب الاستنابة فيه بل عن المنتهى: دعوى الإجماع عليه. و ربما يشهد له التتبع، بل في المدارك: (لو حصل له اليأس بعد الاستنابة وجب عليه الإعادة، لأن ما فعله أولا لم يكن واجبا فلا يجزى عن الواجب. إلخ).

هذا و لكن الأقوى في النظر هو الحكم بوجوب الاستنابة مطلقا بدون فرق بينما إذا كان المرض مرجو الزوال و غيره، و ذلك لإطلاق بعض ما مر من الأخبار الواردة في المقام بل نقول: إن حملها على صورة ما إذا كان المرض غير مرجو الزوال حمل على الفرد النادر، فان المرض غالبا يكون مرجو الزوال. نعم، الأخبار الواردة في استنابة الشيخ الكبير ليس لها إطلاق. و ذلك لأن الشيخوخة ليست مما يرجى زواله، فتلك الأخبار مختصة بالمرض غير مرجو الزوال. لكن هذا كما ترى لا يصلح مقيدا للاخبار المطلقة- الدالة على وجوب الاستنابة مطلقا-، لكونهما مثبتين و لا تنافي بينهما، و أما القول بانصراف الإطلاقات إلى ما إذا كان المرض غير مرجو الزوال (فمدفوع) لأنه على فرض ثبوته بدوي

فلا عبرة به. بل قد ذكرنا أن كون المرض غير مرجو الزوال فرد نادر و كيف يمكن دعوى انصراف الإطلاقات إلى الفرد النادر بل الحصر غالبا مظنون الزوال.

فظهر أن مقتضى إطلاق الأخبار- الواردة في المقام- عدم الفرق بين المرض المرجو الزوال و عدمه خلافا لما ذهب اليه صاحب الجواهر، و صاحب المنتهى (قدس سرهما) من التفصيل لكنه لما ذهب المشهور إلى عدم وجوبها فيما إذا كان المرض مرجو الزوال و نقل الإجماع عليه ايضا لا نقول بخلافه بل ينبغي الاحتياط.

(الثالث)- التفصيل بين المرض العارضي و المرض الخلقي في الحكم بالوجوب في الأول دون الثاني.

قال في الشرائع: (و لو كان لا يستمسك خلقة قيل سقط الفرض عن نفسه و عن ماله و قيل يلزمه الاستنابة و الأول أشبه).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 207

و في المدارك و الحدائق: القول بالوجوب و لو كان عذره بحسب الخلقة خلافا للمحقق (قد) على ما حكاه صاحب الجواهر (ره) و قال صاحب الجواهر (ره) بعد إنكاره لأصل وجوب الاستنابة مطلقا: (و أما على الوجوب فيه فالمتجه الاقتصار على المنساق من النصوص المزبورة المخالفة للأصل بل صحيح محمد بن مسلم منها كالصريح في ذلك و (دعوى) ظهور صحيح الحلبي و خبر ابن أبي حمزة في العموم (ممنوعة). إلخ).

و لكن التحقيق: أن صحيح الحلبي و خبر ابن أبي حمزة مطلقان يشملان المرض الأصلي كشمولهما للمرض العارضي. و أما القول بانصرافهما عما إذا كان المرض بحسب الخلقة (فمدفوع)، و ذلك لأنه على فرض تسليمه بدوي لا عبرة به. و أما بعض الأخبار المختصة بالعذر الطارئ فهو لا تصلح لتقييد إطلاقهما، لكونهما مثبتين و لا تنافي بينهما.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه

صاحب الشرائع (قده) و صاحب الجواهر (ره) من اختصاص وجوب الاستنابة بما إذا لم يكن المرض خلقيا لما عرفت من إطلاق بعض الأخبار.

(فائدة): لا يخفى أن ظاهر قوله- عليه السلام- «أمر يعذره اللّه» هو مطلق العذر المسوغ لتأخير الحج عن عام الاستطاعة الرافع لمؤاخذة ترك الفورية و ان كان ذلك للمزاحمة مع واجب أهم أو لغير ذلك من الأعذار كالعسر و الحرج فمقتضى هذا الإطلاق عدم خصوصية للمرض و الكبر، و ما وقع التصريح به في منطوق الروايات من خصوص بعض الأعذار انما هو من باب المثال لا لأجل دخله في الحكم.

(الجهة الرابعة) في أنه هل يجزى حج النائب عنه لو زال عذره

فلا يجب عليه الإتيان به ثانيا مع بقاء الاستطاعة أم لا؟ قال في الشرائع: (فإن أحج نائبا و استمر المانع فلا قضاء. و إن زال و تمكن وجب عليه ببدنه و لو مات بعد الاستقرار و لم يؤد قضى عنه).

و قال في المدارك بعد ذكر كلام المحقق- طاب ثراه-: (أما سقوط القضاء مع استمرار المانع فلا ريب فيه لتحقق الامتثال. و أما وجوب الحج مع زوال المانع و التمكن منه فعزاه المصنف في المعتبر الى الشيخ في النهاية؛ و المبسوط؛ و ظاهر العلامة في التذكرة؛ أنه لا خلاف فيه بين علمائنا. و استدل عليه: بأن ما فعله كان واجبا في ماله و هذا يلزمه في نفسه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 208

و مرجعه إلى إطلاق الأمر بالحج المتناول لجميع المكلفين ممن لم يحج، و من استناب في الحج لا يصدق عليه أنه حج حقيقة فيتناوله الإطلاق. و احتمل بعض الأصحاب عدم الوجوب كما لو لم يبرء للأصل، و لأنه أدى حج الإسلام بأمر الشارع، فلم يلزمه حج ثان كما لو حج بنفسه

و هذا الاحتمال غير بعيد إلا أن الأول أقرب تمسكا بإطلاق الأمر).

و إختار في الجواهر: (أنه إن قلنا بوجوب الاستنابة اتجه الاجزاء. و إن قلنا باستحبابها فلا). و حيث أنه ذهب الى عدم وجوب الاستنابة في غير صورة استمرار العذر مع استقرار الحج عليه إختار (قده) هنا عدم الاجزاء وفاقا للمحقق- طاب ثراه.

و لكن الأقوى في النظر هو الاجزاء مطلقا وفاقا للمنصف (قده) و خلافا لصاحب الجواهر، و المدارك، و الشرائع، و غيرهم من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- و ذلك لأن الظاهر من الاخبار الواردة في المقام أن حج النائب هو الذي كان واجبا على المنوب عنه و اشتغلت ذمته به و هو حجة الإسلام فإذا اتى به النائب فقد حصل ما كان واجبا على المنوب عنه من حجة الإسلام، فعلى هذا يتجه الاجزاء إلا إذا قام دليل تعبدي على وجوبه ثانيا عليه مباشرة و هو مفقود.

إن قلت: أن مقتضى الإطلاقات- الدالة على وجوب الحج على المستطيع مرة واحدة مباشرة- هو لزوم الإعادة على من زال عذره. قلت: هذا الإطلاق مقيد بالأخبار الواردة في المقام- الدالة على وجوب الاستنابة- لما عرفت من دلالتها على الاجزاء لان الظاهر منها هو إتيان النائب بما على المنوب عنه من حجة الإسلام.

هذا و غاية ما يمكن أن يستدل به على عدم الاجزاء هو إنكار أصل الاستنابة كما أفاده صاحب الجواهر (ره)، فيقال: إنه لما لم تكن الاستنابة واجبة بل هي مستحبة فلا وجه للاجزاء لان المستحب لا يجزى عن الواجب، فالإطلاقات الدالة على وجوب الحج مباشرة مع التمكن باقية على حالها فإذا زال عذره يحكم بوجوب الحج عليه مباشرة.

و فيه: (أولا): ما عرفت من وجوب الاستنابة بمقتضى ظاهر

الاخبار الواردة في المقام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 209

و (ثانيا): أنه على فرض تسليم عدم وجوبها نقول: إن نفس الاستنابة مستحبة و أما الحج الذي يأتي به النائب فليس إلا الحج الثابت على المنوب عنه بمقتضى ظاهر الاخبار فهذا الشخص المعذور موسع عليه في التأخير كتأخير الصلاة عن وقت الفضيلة لكنه بمقتضى ظاهر الاخبار يستحب له الإسراع في إفراغ الذمة و إتيان ما عليه بالاستنابة كإتيان الصلاة في وقت الفضيلة فالعمل الذي استنيب فيه هو حجة الإسلام الثابتة في الذمة و إن كان نفس الاستنابة مستحبا و هذا هو الذي يوجب الاجزاء لا نفس الاستنابة حتى يقال: إنها لما كانت غير واجبة مطلقا فيحكم بعدم الاجزاء فيما إذا زال عذره أو يقال إن زوال العذر يكشف عن عدم وجوبها و أن المستحب لا يجزى عن الواجب.

و من هنا ظهر ضعف ما أفاده صاحب الجواهر (ره) بقوله: إنه إن قلنا بوجوب الاستنابة اتجه الاجزاء و إن قلنا بعدم وجوبها فلا، و حيث إختار عدم وجوبها ذهب الى عدم الاجزاء، و ذلك لانه بناء على ما ذكرنا يحكم بالاجزاء فيما إذا زال عذره سواء قلنا بوجوب الاستنابة كما هو المختار أو قلنا باستحبابها [1].

(الجهة الخامسة)- في أنه إذا زال عذر المنوب عنه في أثناء عمل النائب،

أو قبل شروعه في الإحرام فهل تنفسخ الإجارة أم لا؟ و على تقدير عدم الانفساخ هل يجزى عمل النائب حينئذ إذا أتمه عن المنوب عنه أم لا؟

قد مال المصنف (قده) الى عدم انفساخها بارتفاع عذر المنوب عنه، و الى إجزاء حج النائب عن المنوب عنه.

و ذهب المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- الى انفساخها بمجرد زوال عذره

______________________________

[1] و لكنه دام ظله اختار في حاشيته على العروة الوثقى عدم اجزاء حج النائب

عنه لو زال عذره و ذكر دام ظله وجهه في أفعال الحج في مبحث الرمي فيما إذا لم يكن متمكنا منه مباشرة و استناب ثم زال عذره.

و بيانه بتوضيح و تفصيل يضيق به المقام هنا و نحن نذكره في ذلك المبحث- ان شاء اللّه تعالى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 210

لانتفاء موضوعها و هو عذر المنوب عنه، لأن وجوده شرط في صحتها و المفروض زواله فيحكم ببطلانها نظير ما إذا آجر شخصا لقلع ضرسه المولم و قبل قلعه ارتفع عنه الألم فتنفسخ الإجارة فيه، لانتفاء موضوعها و هو قلع الضرس المؤلم.

تحقيق الكلام في هذا المقام: أن يقال: إنه (تارة) يزول عذر المنوب عنه في سعة الوقت و (أخرى) في ضيقه بحيث لا يتمكن من الحج لضيق الوقت. لا ينبغي الإشكال في صحة الإجارة و إجزاء حجه عن المنوب عنه في الصورة الثانية، لأن نفس ضيق الوقت أيضا عذر يعذره اللّه فيه فهو و ان ارتفع إلا أن له عذر آخر فلا يبقى مجال للقول بانفساخ إجارته لتبدل عذره و هو المرض مثلا بعذر آخر و هو ضيق الوقت و لا شك في أن ضيق الوقت أيضا عذر من الأعذار المسوغة للاستنابة فاستنابته لحجة الإسلام مشروعة في حقه بمقتضى ما تقدم من الإطلاقات الواردة في المقام كما لا ينبغي الإشكال في عدم إجزاء حج النائب عنه في الصورة الأولى، لأن ارتفاع عذره في سعة الوقت يكشف عن عدم كونه مأمورا بالاستنابة لحجة إسلامه، و من المعلوم أن مجرد اعتقاده بكونه مأمورا بها لا يوجب الاجزاء كما لا يخفى.

و من هنا يمكن القول بانفساخ الإجارة حينئذ، لعدم كون ما يأتي به النائب حجة الإسلام الثابتة في ذمة

المنوب عنه فبارتفاع عذره قد انتفى الموضوع كما في مثال قلع الضرس فيحكم بانفساخها.

و لكن الأقوى في النظر عدم انفساخها في هذا الفرض كالفرض الأول وفاقا للمصنف (قده) لعدم كون حجة الإسلام كما بيناه سابقا عنوانا منوعا حتى يقال باعتبار ذلك العنوان لكون النائب أجيرا للإتيان بالأعمال المخصوصة في الأزمنة الخاصة و ليس موضوع الإجارة إلا تلك الإعمال و بعد ارتفاع عذره لا مانع من الإتيان به عن المنوب عنه و معلوم عدم اعتبار قصد ذلك العنوان في حجة الإسلام، فعلى هذا لا مجال للقول بانفساخ الإجارة و غاية ما في الباب أن المنوب عنه قد اعتقد وجوب الحج عليه على هذا الوجه و كون عمل النائب حج إسلامه و بعد ارتفاع عذره تبين أن عمل الأجير كان حجا ندبيا له على وجه النيابة و ان الاستنابة كانت مستحبة له لا واجبة، فهو يكون من باب الاشتباه في التطبيق و لا ينافي ذلك صحة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 211

الإجارة. و هذا نظير ما إذا استأجر أحدا لزيارة الحسين- عليه السلام- بتخيل وجوبها عليه بنذر أو شبهه و تبين له بعد الإجارة بطلان النذر لفقدان شرط من شرائطه ففيما نحن فيه إذا تخيل أن عليه حجة الإسلام و كان معذورا عن الإتيان بها مباشرة فاستناب ثم تبين خلافه، لفقدان شرط من الشروط فالإجارة صحيحة و الاستنابة مستحبة و الزيارة و الحج يقعان عن المنوب عنه ندبا و ما نحن فيه أيضا كذلك. و هذا بخلاف مسألة قلع الضرس لا مكان القول ببطلان الإجارة فيها مطلقا. أما بناء على قيدية الوجع للموضوع- أعنى الضرس- فواضح لانتفاء الموضوع بزوال الألم.

و أما بناء على داعويته لاستيجاره لقلعه

فلانتفاء بعض شرائط صحة الإجارة و هو عدم انتفاع المستأجر بعمل الأجير فقياس المقام بتلك المسألة قياس مع الفارق ففي ما نحن فيه تكون الإجارة صحيحة بعد ارتفاع عذر المنوب عنه لوجود الركن الثاني من أركان الإجارة فيه كالركن الأول منها و غيرهما من الأمور التي لها دخل في صحة الإجارة.

نعم، لو فرضنا وقوع الإجارة على حجة الإسلام بنحو التقييد كما إذا قال استأجرتك على المناسك مقيدة بكونها حجة الإسلام، أو فرضنا وقوعها على عنوان إفراغ ذمة المنوب عنه فلا إشكال في انفساخ الإجارة، لانتفاء موضوعها بزوال العذر. فما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- إنما يتم فيما إذا فرضنا وقوع الإجارة كذلك. و أما مطلقا كما أفاده المصنف (قده) فلا يمكن المساعدة عليه.

هذا و لكن المتعارف خلافه حيث أنه لا يستأجر أحد بعنوان إفراغ الذمة، أو للأعمال على نحو التقييد بل يستأجر للأعمال و يكون تخيل استمرار عذره من قبيل الداعي لهذا الاستيجار لا قيدا للعمل المستأجر عليه و تخلف الداعي لا يضر بصحة الإجارة كما لا يخفى.

نظير ما إذا باع داره بتخيل أشرافها على الخراب ثم تبين كونها في غاية الاستحكام أو باعها بزعم انحطاط قيمة المنازل فيما بعد فاتفق ارتفاعها و غلو أسعارها. و نظير، ما إذا تخيل عدم استطاعته فحج بداعي الاستحباب ثم تبين كونه مستطيعا أو بالعكس.

(الجهة السادسة) [دلالة الأخبار على وجوب الاستنابة]

في أنه لا شبهة و لا إشكال في دلالة الأخبار الواردة في المقام على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 212

وجوب الاستنابة مع عدم التمكن من المباشرة في الحج الواجب بالاستطاعة المالية كما لا يخفى كما أنه لا إشكال أيضا في شمول أخبار الباب للحج الإفسادى بناء على القول بكونه حجة الإسلام

و الأول عقوبة.

انما يقع الكلام في شمولها للحج الواجب بالنذر و شبهه و كذا الحج الافسادى بناء على القول بأنه عقوبة و الأول حجة الإسلام و عدمه.

قال في محكي الدروس: (و لو وجب عليه الحج بإفساد، أو نذر، فهو كحجة الإسلام بل أقوى). و وافقه على ذلك صاحب المستند (قده) حيث نقل عنه أنه ادعى: (ان الظاهر عدم الخلاف في عدم اختصاص الحكم بحجة الإسلام).

و اختار في الجواهر خلافه تبعا لصاحب المدارك حيث قال: (انه غير واضح في النذر بل و لا الإفساد أيضا ان قلنا إن الثاني عقوبة، لأن الحكم بوجوب الاستنابة على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على مورد النص و هو حج الإسلام و النذر و الإفساد إنما اقتضيا وجوب الحج مباشرة و قد سقط بالعذر). و وافقه على ذلك المصنف (قده)، و لكن الأقوى في النظر عدم شمول الأخبار الواردة في المقام للحج النذري و الإفسادى بناء على كون الثاني عقوبة وفاقا. لصاحب المدارك، و صاحب الجواهر، و المصنف (قدس سرهم) و ذلك لورود غالب ما مر من الأخبار في خصوص حجة الإسلام فلا بد من الاقتصار على موردها، لكون الحكم على خلاف الأصل كما أفاده صاحب المدارك (ره) و لكن قد يدعى إطلاق حديثين منها:

(الأول)- في صحيح محمد ابن مسلم لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض، أو خالطه سقم، فلم يستطع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه من مكانه «1».

(الثاني)- خبر على بن أبي حمزة سألته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّه تعالى فيه؟ فقال- عليه السلام-: عليه أن يحج رجلا من ماله صرورة لا مال له «2».

______________________________

(1) الوسائل- ج 2-

الباب 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

(2) الوسائل- ج 2- الباب 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 213

و (فيه): أنه يمكن دعوى انصرافهما الى حجة الإسلام مضافا الى ما في (الأول) من إمكان المناقشة في دلالته على الوجوب باشتماله على كلمة «أراد» بناء على أنها توجب الإجمال لاشتراك الإرادة بين الحج الواجب و المستحب و لو كان المراد خصوص الواجب لكان المناسب ان يقال لو أن رجلا كان عليه الحج و ما (في الثاني) من ضعف السند مع الإضمار و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب الدروس و صاحب المستند (قدس سرهما) من عدم اختصاص الحكم بحجة الإسلام. لكن الانصراف بدوي، و لفظ أراد أيضا لا يوجب الإجمال كما مر سابقا فإذا ما ذهبا اليه هو الأقوى فتدبر.

(الجهة السابعة)- أنه لو كان الحج مستقرا عليه قبل طرو العذر عن المباشرة

ثم طرء العذر عنها فلا إشكال في بقاء الاستقرار عليه سواء تمكن من الاستنابة و سامح فيها الى أن زال تمكنه منها أو لم يتمكن منها و أنه لو مات خرج من أصل ماله. و أما إذا طرء عليه العذر من المباشرة قبل استقرار الحج عليه فان فرضنا حصول التمكن له من الاستنابة و مع ذلك تركها عمدا فلا إشكال أيضا في استقرار الحج عليه كما هو مقتضى الأخبار الواردة في المقام- الدالة على وجوب الاستنابة- حيث أنه يستفاد منها أن التمكن من المباشرة لبس شرطا في أصل وجوب الحج، و إنما هو شرط في وجوبه عليه مباشرة، فلو مات بعد تمكنه من الاستنابة و مضى زمان يمكن إتيان الأعمال فيه فلا إشكال في خروج مؤنة حجه من أصل ماله. هذا كله مما لا

كلام لنا فيه، و إنما الكلام في فرعين:

(الأول)- ما إذا طرء العذر قبل الاستقرار و تمكن من الاستنابة و مات قبل مضى زمان يكفي لتمام الأعمال فهل يخرج نفقة حجه من صلب ماله أم نكشف عن عدم وجوب شي ء عليه أصلا؟

يمكن أن يقال بالأول (بدعوى) أنه يكفي في الحكم بوجوب الاستنابة التمكن منها ابتداء لا ابتداء و استدامة.

ان قلت: كيف يمكن القول بذلك مع أن الاستنابة انما تجب على المستطيع، و من قيود الاستطاعة الحياة حدوثا و بقاء، فعلى هذا لو مات قبل مضى وقت يمكن الإتيان بجميع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 214

الأعمال فيه يكشف عن عدم استطاعته من أول الأمر فيكشف عن عدم وجوب الاستنابة عليه كذلك من أول الأمر.

قلت: لم يدل دليل على اعتبار الحياة حدوثا و بقاء في الحكم بوجوب الاستنابة. نعم العقل حاكم باعتبارها حدوثا و بقاء في وجوب الحج مباشرة، لعدم تمكنه من الإتيان بالحج مباشرة لو انتفت بقاء. و أما اعتبارها حدوثا و بقاء في وجوب الاستنابة فلا دليل عليه نعم، العقل حاكم بأنه يعتبر في وجوب الاستنابة التمكن منها الناشئ عن حياته حين الاستنابة فحينئذ إذا لم يستنب الى أن مات وجب إخراج الحج من أصل ماله إذ المفروض تمكنه من الاستنابة و موته قبل مضى زمان يكفي لتمام الأعمال.

و الحاصل: أنه فرق بين الحج المباشري و الاستنابى في اعتبار الحياة فيهما بنظر العقل و هو أن التكليف بالحج مباشرة مع عدم بقاء الحياة ممتنع عقلا، لتوقف المباشرة على بقائها و أما التكليف بالاستنابة فلا يتوقف عقلا على بقائها، فلو فرضنا أنه أمر المولى من تمكن الاستنابة للحج مع علمه بعدم بقاء حياته الى آخر ما

يأتي به النائب من الأعمال لم يكن فيه محذور عقلي فثبوت اعتبار بقاء حياته في وجوب الاستنابة موقوف على ورود دليل تعبدي بالخصوص و هو مفقود. و لكن المسألة بعد لا تخلو من التأمل.

(الثاني) ما إذا طرء عليه العذر قبل الاستقرار مع عدم تمكنه من الاستنابة الى أن مات فهل يكون الحج مستقرا عليه و يخرج من أصل المال أم لا؟ وجهان:

أما (وجه الأول) فلأن المفروض أنه تحقق له الاستطاعة بجميع اجزائها و شرائطها من الزاد؛ و الراحلة؛ و البلوغ؛ و الحرية؛ و العقل، و غير ذلك من الأمور المعتبرة فيه.

و أما التمكن من الإتيان به مباشرة فهو على الفرض ليس شرطا في أصل وجوب الحج و إن كان ظاهر أدلة الاستطاعة اشتراطه لو لا أدلة الاستنابة و لكن بواسطة أخبار الباب نقول: إن التمكن من المباشرة شرط في وجوبه مباشريا لا في أصل وجوب الحج.

و أما كون مطلق التمكن أعم من الحج مباشرة و استنابه شرطا لوجوب الحج فلم يقم عليه دليل تعبدي، فيصير ما نحن فيه نظير ما إذا اقترض أحد من شخص ما لا و لم يتمكن من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 215

الأداء فهو و ان لم يكن مخاطبا بالوفاء لعدم القدرة لكن لا إشكال في اشتغال ذمته بالدين و استقراره عليه و خروجه بعد الموت من أصل المال فاتجه استقرار الحج في ذمته و خروجه من أصل التركة مطلقا، أو في خصوص ما إذا مات بعد مضى زمان يفي بتمام الأعمال.

فظهر بما ذكرنا أن عدم تمكنه من الحج مباشرة و استنابة لأجل العذر في الأول و لفقد النائب في الثاني يكون من الأعذار المسوغة لتأخير الحج عن عام الاستطاعة.

و أما أصل الحج فيكون ثابتا في ذمته.

و الأقوى هو الثاني- أعني عدم استقرار الحج في ذمته- فان التكاليف و ان اشتملت على الوضع أيضا لكنه فرق بين الأحكام الوضعية و الأحكام التكليفية إذ المجعول في (الأول) هو الوضع المستتبع للتكليف و في (الثاني) هو التكليف المستتبع للوضع- أعنى اشتغال الذمة- فوجوب الصلاة و الصوم و الحج أوجب اشتغال الذمة بها فلو لم تجب لم تستقر في الذمة بخلاف الدين و سائر الضمانات فان اشتغال الذمة بها أولا استتبع التكليف- أعنى وجوب الأداء. و من الواضح ان كل تكليف مشروط بالقدرة سواء قلنا بدخل القدرة في الملاك أم قلنا بدخلها في حسن الخطاب و توجهه اليه فلا نحتاج الى دليل خاص على اشتراط الحج على المباشرة أو الاستنابة كي يقال بعدم ورود الدليل و المفروض أنه لم يتمكن لا من المباشرة و لا من الاستنابة فلا تكليف و لا اشتغال و لا استقرار للحج و لا خروج من الأصل.

ان قلت: إن القضاء تابع لفوت الملاك لا التكليف.

قلت: إنه مع عدم التكليف لا كاشف لنا عن وجود الملاك.

[المسألة الثالثة و السبعين موت الحاج]
[إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق بعد الإحرام]

قوله قده: (إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق فان مات بعد الإحرام و دخول الحرم اجزء عن حجة الإسلام.).

و يدل عليه مضافا إلى الإجماع المحكى عن المنتهى جملة من النصوص الواردة في المقام- منها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 216

1- صحيح ضريس عن أبي جعفر- عليه السلام- قال في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق؟ فقال: إن مات في الحرم فقد اجزئت عن حجة الإسلام. و أن مات دون الحرم فليقض عنه وليه «1».

2- صحيح بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام-

عن رجل خرج حاجا و معه جمل، و زاد، و نفقة، فمات في الطريق؟ قال:- عليه السلام- إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد اجزء عنه حجة الإسلام. و إن كان مات و هو صرورة قبل إن يحرم جعل جمله، و زاده، و نفقته، و ما معه في حجة الإسلام. إلخ «2».

3- مرسلة المقنعة قال: قال الصادق- عليه السلام-: من خرج حاجا فمات في في الطريق فإنه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج، و ليقض عنه وليه «3».

[و ان مات قبل ذلك]

قوله قده: (و ان مات قبل ذلك وجب القضاء عنه و إن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى خلافا للشيخ و ابن إدريس فقالا بالإجزاء حينئذ أيضا و لا دليل لهما على ذلك إلا إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي.).

قد تقدم ذكر الصحيحة و مقتضى مفهوم ذيلها حيث يقول: «و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام» انه لو كان أحرم ثم حصل له الموت لم يكن عليه حجة الإسلام و لو لم يدخل في الحرم، و هذا كما ترى معارض لمفهوم صدرها حيث يقول فيه: «إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد اجزء عنه حجة الإسلام» و مقتضى مفهومه أنه لو حصل له الموت قبل دخوله في الحرم لم يجز عنه حجة الإسلام و ان كان قد أحرم، كما أنه تقع المعارضة أيضا بين مفهوم ذيلها- الدال على الاجزاء فيما إذا مات بعد الإحرام و لو لم يدخل الحرم- و بين سائر الأخبار الدالة على اعتبار الدخول

في الحرم في الحكم بالاجزاء إذا مات فيه و لكن لما كانت صحيحة بريد العجلي مجملة، لتعارض

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب- 26- من أبواب وجوب الحج و شرائطه، الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2، الباب- 26- من أبواب وجوب الحج و شرائطه، الحديث 2

(3) الوسائل- ج 2، الباب- 26- من أبواب وجوب الحج و شرائطه، الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 217

مفهوم ذيلها، و مفهوم صدرها فترفع اليد عنها و يتعين الأخذ بمقتضى الأخبار الدالة على اعتبار الدخول في الحرم في الحكم بالاجزاء، لأنها بلا معارض بل نقول: إنه لا تعارض أصلا لا بين مفهوم ذيلها و صدرها و لا بين مفهوم ذيلها و الأخبار الدالة على اعتبار الدخول في الحرم، لدلالتها ايضا على اعتبار الدخول في الحرم، و ذلك لأن قوله: «قبل ان يحرم» كما يمكن ان يراد به «قبل الدخول في الإحرام» كما هو المتبادر منه في بادى النظر لو لا القرينة كذلك يمكن أن يراد به قبل الدخول في الحرم كما يقال أنجد اى دخل في النجد و أنجف اى دخل في النجف، و أيمن اى دخل في اليمن و هذا و ان كان خلاف الظاهر لو لا القرينة لكن نلتزم به من جهة أن مفهوم صدرها- الدالة على اعتبار الدخول في الحرم- قرينة على أن المراد من كلمة قبل أن يحرم في ذيلها هو المعنى الثاني- أعني الدخول في الحرم- فلا إجمال في البين و لا تعارض، فعلى هذا يقال إنه إذا مات في الحرم فيحكم بالاجزاء و إذا مات بعد الإحرام قبل الدخول في الحرم فلا.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه الشيخ و ابن إدريس- قدس سرهما-

من كفاية الموت بعد الإحرام في الحكم بالاجزاء.

[و لا يعتبر دخول مكة]

قوله قده: (و لا يعتبر دخول مكة و ان كان الظاهر من بعض الاخبار ذلك.).

مراده (قده) من بعض الأخبار صحيح زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام- إذا أحصر الرجل بعث بهديه. إلى ان قال: قلت فان مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة؟

قال:- عليه السلام-: يحج عنه إن كان حجة الإسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه «1» و هذا كما ترى معارض بما مر من الأخبار الدالة على كفاية الإحرام و دخول الحرم في الحكم بالاجزاء و لو لم يدخل في مكة، لدلالة هذا الصحيح على الإجزاء فيما إذا مات بعد دخول مكة.

و يمكن الجمع بينهما بوجوه:

(الأول)- حمل المطلق على المقيد. بتقريب: أن يقال إن ما مر في الأخبار

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 26 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 218

- الواردة في المقام من قوله: «مات في الحرم» الدال على الإجزاء- مطلق يشمل صورتي دخول مكة و عدمه، و هذا بخلاف صحيح زرارة لدلالته على اعتبار دخول مكة في الحكم بالاجزاء فنقيد به تلك الإطلاقات فنتيجة هذا الجمع اعتبار دخول مكة في الحكم بالاجزاء.

(الثاني)- حمل المطلق على المقيد أيضا بأن يقال: إن قوله في صحيح زرارة: «قبل ان ينتهي إلى مكة»- الدال على عدم الاجزاء- مطلق يشمل صورتي الدخول في الحرم و عدمه فيقيد هذا الإطلاق بالأخبار الدالة على كفاية الدخول في الحرم في الحكم بالاجزاء فيحمل هذا الصحيح على صورة عدم دخوله في الحرم هذا.

و لكن الإنصاف أن هذين الجمعين مما لا يساعد عليه العرف، لورود قوله: «قبل أن أن ينتهي إلى مكة» في

مقام التحديد بلا اشكال فهو كالمصرح باعتبار دخول مكة في الحكم بالاجزاء كورود قوله في تلك الأخبار: «مات في الحرم» في مقام التحديد فهو كالمصرح بكفاية الدخول في الحرم في الحكم بالاجزاء و عدم اعتبار دخول مكة في ذلك خصوصا بمقتضى ما في صدر بعضها من قوله: «مات في الطريق» فعلى هذا تبقى المعارضة على حالها.

(الثالث)- حمل الانتهاء إلى مكة- الواردة في صحيح زرارة- على الانتهاء إلى قريب مكة- اعنى الحرم- كما قد يطلق عرفا على من قرب من النجف الأشرف أنه انتهى إلى النجف، لشمول عنوان النجف لخارجه كشموله لنفس البلد.

و الإنصاف ان هذا الجمع ايضا مما لا يساعد عليه العرف و لا شاهد له خصوصا مع انه لو مات في أول الحرم لم يكن قريبا من مكة حتى يصدق عليه أنه مات في مكة كما لا يخفى» و يمكن أن يقال برفع اليد عن صحيح زرارة- الدال على اعتبار دخول مكة في الاجزاء- لإعراض الأصحاب عنه لعدم إفتاء أحد بمضمونه، و كلما ازداد صحة ازداد و هنا هذا و أن كان قابلا للمناقشة لأنه لم يثبت أن عدم افتائهم بمضمونه كان لأجل إعراضهم عنه بل لعله كان نظرهم إلى الجمع الثاني، أو الثالث، أو اختاروا ما دل على عدم الاعتبار من باب الأخذ باخبار التخيير.

و لكن الإنصاف أنه بعد عدم إفتاء أحد بمضمونه لا يبقى لنا وثوق به فيخرج عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 219

حيز دليل الاعتبار و يبقى غيره من الأخبار المتقدمة بلا معارض فيحكم بالاجزاء فيما إذا مات في الحرم و لو لم يدخل مكة.

[اختصاص حكم الإجزاء بحجة الإسلام]

قوله قده: (ثم الظاهر اختصاص حكم الإجزاء بحجة الإسلام فلا يجرى الحكم في الحج

النذري و الإفساد.).

لا ينبغي الإشكال في عدم شمول أخبار الباب للحج النذري. و أما شمولها للحج الإفسادى و عدمه فهو مبنى على كون الثاني حجة الإسلام أو الحج العقوبى فعلى (الأول) لا إشكال في شمولها له و على (الثاني) لا إشكال في عدم شمولها له كما لا يخفى هذا.

و مقتضى إطلاق أخبار الباب عدم الفرق في الحكم بالاجزاء- إذا مات بعد دخول الحرم و عدم الاجزاء إذا مات قبل دخول الحرم- بين ما إذا كان حجة إسلامه بالاستطاعة المالية و بين ما إذا كانت بالاستطاعة البذلية.

[من مات مع عدم استقرار الحج عليه]

قوله قده: (و هل يجرى الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحج عليه فيجزيه عن حجة الإسلام إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم، و يجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك؟ وجهان بل قولان.).

تحقيق الكلام في هذا المقام أن يقال إن من ذهب إلى الحج في العام الأول من الاستطاعته و مات بعد الدخول في الحرم فمقتضى القاعدة كشف موته عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر كما لو مات قبل خروجه من بلده لا انه كان عليه الحج و سقط وجوبه بموته في الحرم إلا أن يقوم دليل تعبدي على خلاف ذلك و قد قام على خلافها و هو إطلاق ما عرفت من الأخبار- الدالة على الحكم بالاجزاء فيما إذا مات بعد الدخول في الحرم- فان مقتضى إطلاقه عدم الفرق في الحكم بالاجزاء بين من استقر عليه الحج و غيره و كيف كان فلا يترتب على ذلك ثمرة عملية، لعدم الفرق من حيث النتيجة بين القول بكشف موته في الحرم عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر و بين القول بكون الحج عليه و

لكنه سقط بالموت و إنما تظهر النتيجة فيمن مات في العام الأول من استطاعته قبل دخوله في الحرم فمقتضى القاعدة كشف موته قبل دخوله في الحرم عن عدم وجوب الحج عليه فلا يجب القضاء عنه و لكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 220

قد ورد دليل تعبدي على خلاف مقتضى القاعدة و هو الإطلاقات الدالة على أنه لو مات قبل الدخول في الحرم فيجب القضاء عنه لأنها بإطلاقها تشمل من مات في العام الأول من استطاعته كما افاده صاحب المستند (قده) حيث قال: (لو مات المستطيع في طريق الحج فان كان قبل الإحرام و دخول الحرم وجب القضاء عنه بشرط استقرار الحج في ذمته سابقا على المشهور و مطلقا على الأقرب المنصور).

إلا أن يقال بانصرافها الى من استقر عليه الحج. و التحقيق: أنه بدوي ناش عن انس الذهن بالفتاوى و من استبعاد وجوب القضاء عمن مات في العام الأول من استطاعته و لا عبرة بهما. كما يمكن دعوى انصرافها الى خصوص من مات في العام الأول من استطاعته.

و التحقيق أن كلا من الانصرافين بدوي، و الإطلاقات- الدالة على وجوب القضاء- محكمة سواء مات بعد استقرار الحج عليه أم لا.

و ذهب المصنف (قده) الى أن الأمر بالقضاء هنا للقدر المشترك بين الوجوب و الاستحباب، ففي صورة استقرار الحج يكون الحكم وجوبيا و في صورة عدم استقراره يكون الحكم استحبابيا.

و (فيه): (أولا): أن الأمر انما هو لإنشاء النسبة. أما الوجوب فهو أمر ينتزعه العقل من ظهور كلام المولى في كون إنشائه بداعي الجد لا بداع آخر، و في المحل المفروض لا بد من الأخذ بظاهر أمر المولى من كونه بداعي الجد مطلقا من غير فرق في ذلك

بين صورة الاستقرار و عدمه، الا أن تقوم قرينة على الخلاف و لم يثبت ذلك في ما نحن فيه.

ان قلت: قامت القرينة على الخلاف في صورة عدم الاستقرار و هي أن مقتضى القاعدة عدم وجوب القضاء عنه، لأن الحياة شرط عقلي في وجوب الحج حدوثا و بقاء فمع عدم بقائها يكشف عن عدم وجوب شي ء عليه حتى يقضى عنه.

قلت: إن الحياة و ان كانت شرطا حدوثا و بقاء الى زمان يفي بتمام الأعمال في صحة توجه الخطاب و لكن لا مانع عقلا من قيام دليل تعبدي على كفاية حياته الى ما قبل دخول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 221

الحرم مع استطاعته في اشتغال ذمته بالحج و من الحكم بوجوب القضاء عنه و قد قام ذلك الدليل و هو إطلاق الأخبار.

و (ثانيا): ان صحيحتي ضريس و بريد صريحان في أن ما يؤتى به عن هذا الميت هو حجة الإسلام. و مرسلة المقنعة أيضا في قوة التصريح بذلك، فعلى هذا كيف يمكن أن يحمل الأمر فيها على القدر المشترك بين الوجوب و الندب كما افاده المصنف (قده) فيحكم بوجوب القضاء عمن مات قبل الدخول في الحرم و لو كان العام الأول من استطاعته خلافا للقاعدة بمقتضى إطلاقها.

[المسألة السادسة و السبعين حج المرتد]

قوله قده: (لا تجري فيه [يعني في حق المرتد] قاعدة الجب لأنها مختصة بالكافر الأصلي بحكم التبادر.).

لا يخفى أن مقتضى إطلاق أخبار الجب عدم الفرق بين كون الكفر أصليا و عارضيا الا أن يدعى انصرافها عن المرتد ان لم نقل: إنه بدوي إذ لا يعتد بالانصراف إلا إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرح بخروج المنصرف عنه عن دائرة الإطلاق كان توضيحا للواضح. و هذا في

المقام غير معلوم. هذا بالنسبة الى ما صدر عنه من مخالفة التكاليف في حال ارتداده.

و أما بالنسبة الى ما صدر عنه من العمل بالتكاليف في حال إسلامه ثم ارتد فهذا الارتداد الواقع بعد العمل ليس مبطلا لأعماله الصادرة عنه سابقا في حال إسلامه بلا اشكال و آية الحبط- المختصة بمن مات على ارتداده- لا دلالة فيها على البطلان، لانه غيره و معنى الحبط هو ان ما فعله من الأعمال قبل ارتداده يجعله كان لم يكن بمعنى عدم ترتب الثواب عليها، و ليس له في الآخرة من خلاق لا بمعنى اشتغال ذمته بتلك التكاليف كما هو واضح.

ثم إنه لو ارتد في أثناء العمل و لم يأت بما بقي منه حتى تاب فأتمه تائبا صح ذلك.

نظير، ما إذا شرع في حال الإسلام ثم ارتد في أثنائها و تاب قبل إتيانه بالباقي.

و ما إذا لو غسل وجهه في الوضوء مثلا ثم ارتد و تاب قبل فوات الموالاة، و قبل طرو سائر القواطع من الحدث، و غيره، فغسل اليدين، و مسح المسحين، في حال الإسلام، و ما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 222

إذا ارتد بعد التجاوز من الميقات ثم تاب قبل شروعه في الأعمال و هكذا صح جميع ذلك لوقوع جميع أجزاء العمل على المفروض في حال الإسلام و لم يقم دليل تعبدي على مبطلية الارتداد الحاصل في الأثناء ما لم يكن مخلا بما هو المعتبر فيه جزء أو شرطا.

و الحاصل: أن الارتداد الحاصل في أثناء العمل في العبادات الارتباطية لا يخرج السابق من الأجزاء عن قابلية لحوق اللاحق به. و ما ذكرنا مبتن على ما هو الحق من قبول توبة المرتد كما حقق في محله، و الا

فيحكم ببطلان عمله كما لا يخفى، لعدم مقارنة باقي الأجزاء مع الإسلام الصحيح

[المسألة السابعة و السبعين حج المخالف]

قوله قده: (إذا حج المخالف ثم استبصر لا يجب عليه الإعادة بشرط أن يكون صحيحا في مذهبه و ان لم يكن صحيحا في مذهبنا من غير فرق بين الفرق.).

يقع الكلام هنا في مقامين:

(الأول) انه هل الولاية شرط لصحة العبادات أم لا؟

(الثاني) أنه على فرض الاشتراط لو أتى بها في حال ضلالته ثم استبصر و أقر بالولاية هل يكون عليه إعادتها أم لا؟

أما (المقام الأول) فنخبة الكلام فيه أن الظاهر من أخبار الباب هو كونها شرطا لصحتها و بدونها تقع باطلة و لا بأس بذكر بعض تلك الأخبار تيمنا و استشهادا بها على المقصود- و هو:

1- صحيح محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر- عليه السلام- يقول: كل من ذان اللّه عز و جل بعبادة يجهد فيها نفسه و لا إمام له فسعيه غير مقبول، و هو ضال متحير و اللّه شانئ لأعماله. الى أن قال: و إن مات على هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق. و اعلم يا محمد ان أئمة بالجور و أتباعهم لمعزولون عن دين اللّه، قد ضلوا و أضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شي ء ذلك هو الضلال البعيد «1».

______________________________

(1) الوسائل- ج 1، الباب 29- من أبواب مقدمات العبادات الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 223

2- صحيح زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام- في حديث قال: ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضى الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته. أما لو أن رجلا قام ليله، و صام نهاره، و تصدق بجميع ماله، و

حج جميع دهره، و لم يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه و يكون جميع أعماله بدلالته اليه ما كان له على اللّه حق في ثوابه و لا كان من أهل الإيمان «1».

3- رواية عبد الحميد ابن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه في حديث قال: و اللّه لو أن إبليس سجد للّه بعد المعصية و التكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك و لا قبله اللّه ما لم يسجد لآدم كما أمره اللّه عز و جل أن يسجد. و كذلك هذه الأمة العاصية المفتونة بعد نبيها- صلى اللّه عليه و آله و سلم- بعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيهم لهم، فلن يقبل اللّه لهم عملا، و لن يرفع لهم حسنة حتى يأتوا اللّه من حيث أمرهم، و يتولوا الإمام الذي أمرهم اللّه بولايته، و يدخلون من الباب الذي فتحه اللّه و رسوله لهم «2».

4- عن حمزة الثمالي قال: قال لنا على بن الحسين- عليه السلام-: أى البقاع أفضل؟ فقلنا: اللّه و رسوله و ابن رسوله أعلم. فقال: أفضل البقاع لنا ما بين الركن و المقام و لو أن رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار و يقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي اللّه بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا «3».

5- عن المعلى بن خنيس قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: لو أن عبدا عبد اللّه مائة عام ما بين الركن و المقام يصوم النهار و يقوم الليل حتى يسقط حاجباه على عينيه هرما جاهلا بحقنا لم يكن له ثواب «4».

6- عن ميسر عن أبي جعفر- عليه السلام- في حديث قال: إن أفضل البقاع ما بين الركن و المقام

و باب الكعبة و ذات حطيم إسماعيل. و اللّه لو أن عبدا صف قدميه في المكان و قام الليل مصليا حتى يجيئه النهار و صام النهار حتى يجيئه الليل و لم يعرف حقنا و حرمتنا أهل البيت لم يقبل اللّه منه شيئا أبدا «5»

______________________________

(1) الوسائل- ج 1، الباب- 29- من أبواب مقدمات العبادات الحديث 2

(2) الوسائل- ج 1، الباب- 29- من أبواب مقدمات العبادات الحديث 5

(3) الوسائل- ج 1، الباب- 29- من أبواب مقدمات العبادات الحديث 12

(4) الوسائل- ج 1، الباب- 29- من أبواب مقدمات العبادات الحديث 13

(5) الوسائل- ج 1، الباب- 29- من أبواب مقدمات العبادات الحديث 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 224

7- عن محمد بن حسان السلى عن محمد بن جعفر عن أبيه- عليه السلام- قال: نزل جبرئيل على النبي- صلى اللّه عليه و آله- فقال: يا محمد السلام و يقرئك السلام و يقول:

خلقت السموات السبع و ما فيهن و خلقت الأرضين السبع و من عليهن و ما خلقت موضعا أعظم من الركن و المقام. و لو أن عبدا دعاني منذ خلقت السموات و الأرضين ثم لقيني جاهد الولاية على لأكببته في سقر «1».

8- عن سليمان الديلمي عن أبيه عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال:

أى البقاع أعظم حرمة؟ قال: اللّه و رسوله و ابن رسوله أعلم. قال: يا ميسر بين الركن و المقام روضة من رياض الجنة و ما بين القبر و المنبر روضة من رياض الجنة. و و اللّه لو أن عبدا عمره اللّه ما بين الركن و المقام و ما بين القبر و المنبر يعبده الف عام ثم ذبح على فراشه مظلوما كما يذبح الكبش الأملح ثم

لقي اللّه بغير ولايتنا لكان حقا على اللّه عز و جل أن يكبه على منخريه في نار جهنم «2».

9- عن المفضل بن عمر أن أبا عبد اللّه- عليه السلام- كتب اليه كتابا فيه أن اللّه لم يبعث نبيا قط يدعوا إلى معرفة اللّه ليس طاعة في أمر و نهى و انما يقبل اللّه من العمل بالفرائض التي افترضها اللّه على حدودها مع معرفة من دعا اليه، و من أطاع و حرم الحرام ظاهرة و باطنة و صلى و صام و اعتمر و عظم حرمات اللّه كلها و لم يدع منها شيئا عمل بالبر كله و مكارم الأخلاق كلها و تجنب شينها و زعم أنه يحل الحلال و يحرم الحرام بغير معرفة النبي- صلى اللّه عليه و آله- لم يحل للّه حلالا و لم يحرم له حراما. و أن من صلى و زكى و حج و اعتمر و فعل ذلك كله بغير معرفة من افترض اللّه طاعته عليه فلم يفعل شيئا من ذلك.

الى أن قال: ليس له صلاة و ان ركع و ان سجد و لا له زكاة، و لا له حج، انما ذلك كله يكون بمعرفة رجل من اللّه على خلقه بطاعته و أمر بالأخذ عنه «3».

10- عن محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال:

من لم يأت اللّه عز و جل يوم القيامة بما أنتم عليه لم يتقبل منه حسنة و لم يتجاوز له عن سيئة «4» 11- عن إسماعيل بن نجيح عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال: الناس سواد و أنتم الحاج «5».

______________________________

(1) الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 15

(2)

الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 16

(3) الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 18

(4) الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 3

(5) الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 225

12- عن فضل عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: أما و اللّه ما للّه عن ذكره حاج غيركم و لا يتقبل إلا منكم «1».

13- عن معاذ بن كثير انه قال لأبي عبد اللّه في حديث أن أهل الموقف لكثير فقال غثاء يأتي به الموج من كل مكان لا و اللّه ما الحج إلا لكم لا و اللّه ما يتقبل اللّه إلا منكم «2».

إلى غير ذلك من الأخبار و هذه الأخبار و إن كان بعضها لا يدل على نفي صحة العمل بدون الولاية، لنفيه الثواب عليه، و يحكم بأنه معاقب عند اللّه لكن بعضا منها ظاهرة في نفي صحته بدونها.

و لكن مع ذلك ذهب جمع كثير من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- إلى عدم كون الولاية شرطا لصحة الأعمال و إنما هي شرط لقبولها، اقتصارا على ما هو صريح هذه الأخبار من نفي القبول. و هذا إنما يصح بناء على الالتزام بان القبول غير الصحة بأن يقال: إن الصحيح هو ما يكون تام الإجزاء و الشرائط بحيث كان المأتي به مطابقا للمأمور به، و تفرغ الذمة بذلك سواء كان محبوبا و مطلوبا للمولى بحيث يوجر عليه أم لا و أما القبول فهو عبارة عن وقوع العمل محبوبا و مطلوبا له، بحيث يقرب صاحبه إلى اللّه تعالى زلفى، و يستحق الثواب عليه.

و لكن التحقيق: أن صحة العمل و

موافقتها لما أمر به المولى ايضا تعد عند العرف مرتبة من القبول، فلو قال المولى: أن ما اتى به عبدي من العمل صحيح عندي- و موافق لما أمرته به- صدق عرفا و لغة أنه قبل هذا العمل من عبده كما لا يخفى.

و أما تخصيص مفهوم القبول بما إذا كان العمل بحيث يقربه إلى اللّه تعالى زلفى،- و يثاب عليه- فهذا مما اشتهر في لسان كثير من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و كون المراد منه في لسان الأخبار ايضا ذلك غير معلوم.

نعم، مهما قامت قرينة- حالية، أو مقالية- على كون المراد من القبول مرتبة

______________________________

(1) الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 8

(2) الوسائل- ج 1- الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 226

اخرى غير الصحة قلنا به كما في قوله تعالى «إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» «1» لو قلنا بان المراد من التقوى ترك الفسق، فان من ضروريات الفقه أن ترك الفسق ليس من شرائط صحة العمل. و أما في ما نحن فيه فلم تقم قرينة على كون المراد من القبول مرتبة اخرى غير الصحة. و قد فهم صاحب الوسائل و جملة من المحدثين أو كثير منهم من هذه الأخبار اشتراط الولاية في صحة العبادات.

ثم لو سلمنا دلالتها على نفي مرتبة القبول و هي غير مرتبة الصحة فلا ينبغي الإشكال في الحكم بصحة عباداته لو أتى بها على طبق مذهب أهل الحق مع فرض تمشي قصد القربة منه. و أما لو اتى بها على وفق مذهبه بحيث كان عند مذهب أهل الحق فاقدا لشرط أو جزء فمقتضى القاعدة هو البطلان إلا إذا قام دليل تعبدي

على سقوط ذلك الجزء أو الشرط عنه، و لم يرد ذلك هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما (المقام الثاني) فملخص الكلام فيه أنه لا إشكال في الجملة في عدم لزوم إعادة اعماله السابقة بعد استبصاره و هذا هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا. و يدل عليه جملة من النصوص- منها:

1- عن بريد بن معاوية العجلي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث قال:

كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم من اللّه تعالى عليه، و عرفه الولاية، فإنه يؤجر عليه، إلا الزكاة، لأنه وضعها في غير مواضعها، لأنها لأهل الولاية. و أما الصلاة، و الحج و الصيام، فليس عليه قضاء «2».

2- عن زرارة و بكير و الفضيل و محمد بن مسلم و بريد العجلي كلهم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليه السلام- انهما قالا: في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية، و المرجئة، و العثمانية، و القدرية، ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه أ يعيد كل صلاة صلاها

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية- 30.

(2) الوسائل- ج 2، الباب 3- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1 و في ج 1- الباب 31- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 227

أو صوم أو زكاة، أو حج، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة فلا بد أن يؤديها، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها، و انما موضعها أهل الولاية «1».

3- عن عمار الساباطي قال: قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللّه- عليه السلام-:

و انا جالس انى منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم

صلاتين أقضى ما فاتنى قبل معرفتي؟

قال: لا تفعل، فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة «2».

4- ما في الذكرى نقلا من كتاب على بن إسماعيل الميثمي عن محمد بن حكيم قال:

كنا عند أبي عبد اللّه- عليه السلام- إذ دخل عليه كوفيان كانا زيديين فقالا: إنا كنا نقول بقول، و أن اللّه من علينا بولايتك فهل يقبل شي ء من أعمالنا؟ فقال: أما الصلاة و الصوم، و الحج، و الصدقة، فإن اللّه يتبعكما ذلك و يلحق بكما. و أما الزكاة فلا، لأنكما أبعدتما حق امرء مسلم و أعطيتما غيره «3».

و هذه الأخبار كما ترى صريحة في عدم لزوم اعادة عباداته التي أتى بها في حال مخالفته بعد استبصاره إلا الزكاة فتجب عليه إعادتها. هذا مما لا كلام لنا فيه و لكن يقع الكلام في أمور:

(الأول)- أن في هذه الأخبار بالنسبة إلى الأعمال التي اتى بها في حال مخالفته احتمالين:

(الأول): أنه باستبصاره يحكم بصحة ما اتى به منها على نحو الشرط المتأخر، و هذا هو الظاهر منها. و أما إشكال الشرط المتأخر فهو الإشكال المعروف السيال في جميع الموارد فيدفع في المقام بما يدفع به في سائر المقامات.

(الثاني): أنه ببركة استبصاره يعفو اللّه تعالى عنه عما سلف من إتيانه بالعبادات باطلا تفضلا منه تعالى عليه، لأنه كان في حال مخالفته فاقدا لما هو أعظم من بطلان عباداته

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 3- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2.

(2) الوسائل- ج 1، الباب 31- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 4.

(3) الوسائل- ج 1، الباب 31- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 228

فإذا عفى عن ما هو أعظم منه،

فيعفى عما دونه. و هذا هو الذي أفاده صاحب الحدائق تبعا لصاحب المدارك على ما نقل في الجواهر. و كيف كان فلا تترتب ثمرة عملية على هذين الاحتمالين.

(الثاني)- أنه قد علل في هذه الأخبار لزوم إعادة الزكاة عليه بأنه «وضعها في غير موضعها» فلو فرضنا أنه وضعها في موضعها كما إذا أعطاها لمستحقيها من أهل الولاية مع فرض تمشي قصد القربة منه فليس عليه أعادتها.

(الثالث)- أنه يقع الكلام فيما هو المنساق من هذه الروايات في أنه هل يختص بما إذا اتى بها على طبق مذهبه، أم بما إذا اتى بها على طبق مذهب أهل الحق، أم يعمهما بل يشمل ما إذا كان عمله مخالفا لكليهما؟ وجوه:

(الأول)- أن يقال باختصاص هذه الأخبار بما لو اتى بالأعمال على طبق مذهبه (بدعوى) انصرافها إلى خصوص ذلك.

و (فيه): أنه ممنوع أولا و على فرض ثبوته بدوي ثانيا.

(الثاني)- أن يقال باختصاصها بما إذا اتى بها على طبق مذهب أهل الحق مع تمشي قصد القربة منه، و ذلك لورودها في مقام تصحيح عمل المخالف الفاقد لشرط الولاية المتعقب بها. و ليست في مقام نفي اعتبار سائر الشرائط أيضا حتى يستفاد منها أن اعماله و أن كانت فاقدة لشرائط آخر غير الولاية لكنها تصح بالولاية المتحققة بعدها.

و الحاصل: أنها ناظرة إلى التوسعة بالنسبة إلى خصوص شرط واحد و هو الولاية لا بالنسبة إلى كل شرط و جزء، فمعنى هذه الأخبار أنه لو اتى المخالف بعمل جامع لجميع الأجزاء و الشرائط سوى الولاية يحكم بصحتها إذا لحقته الولاية. و هذا بخلاف ما لو كان عمله مخالفا لمذهب أهل الحق فهو باطل، لفقد ان بعض الأجزاء أو شرائط غير الولاية و إن كان عمله

موافقا لمذهبه.

و (فيه): أنه لو قلنا بذلك لزم حملها على مورد نادر، لأن المخالف إنما يأتي بالعمل غالبا على طبق مذهبه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 229

(الثالث)- أن يقال بعدم الفرق بينما إذا كان عمله موافقا لمذهبه، أو موافقا لمذهب أهل الحق، أو مخالفا لكليهما، لعدم ذكر التقييد فيها.

و (فيه): عدم ثبوت الإطلاق لها بهذا المقدار من التوسعة، لما عرفت في الوجه الثاني من ورود هذه الأخبار في بيان كفاية تحقق شرط الولاية بعد العمل، و ليست ناظرة إلى سائر الشرائط و الأجزاء، و لهذا ربما يتراءى في النظر اختصاص مفادها بخصوص ما إذا اتى بالعمل على طبق مذهب أهل الحق لكن قد عرفت انه يلزم من ذلك اختصاصها بالمورد النادر فالأقوى في النظر هو شمولها لموردين:

(الأول): صورة مطابقة عمله لمذهبه.

و (الثاني): صورة مطابقة عمله لمذهبنا، و لا تشمل ما إذا اتى بعمل لم يكن موافقا لمذهبه و لا لمذهب أهل الحق، لأنه لو اتى به كذلك ففي الحقيقة لم يأت بعمل، و انما هو معلق في الهواء نظير ما إذا أتى بصورة الركوع من باب اللهو و اللعب.

(الرابع)- قد اختلفت الأخبار في أنه لو استبصر بعد الحج فهل عليه حجة الإسلام ثانيا أم لا؟ فطائفة منها تدل على عدم لزوم الإعادة عليه. و تلك الطائفة على قسمين:

(الأول): ما عرفت من الأخبار الدالة على اجزاء مطلق اعماله من الحج، و الصلاة و الصوم، و غيرها، سوى الزكاة فإنها تشمل الحج أيضا.

(الثاني): الأخبار الخاصة الدالة على عدم لزوم اعادة خصوص الحج عليه صريحا و هو ايضا على قسمين:

(الأول): ما دل على صرف عدم لزوم اعادة الحج عليه من غير تعرض لاستحباب الإعادة عليه و عدمه، كصحيح

بريد العجلي، و مصحح الفضلاء، المتقدم ذكرهما.

(الثاني): ما دل على استحباب الإعادة عليه كصحيح بريد العجلي قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل حج و هو لا يعرف هذا الأمر ثم من اللّه تعالى عليه بمعرفته و الدينونة به أ عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال: قد قضى فريضته و لو حج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 230

لكان إلى أحب. إلى أن قال: و سألته عن رجل حج و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من اللّه عليه فعرف هذا الأمر يقضى حجة الإسلام؟ فقال:

يقضي أحب. الحديث «1».

و حسنة عمر بن أذينة قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه- عليه السلام- اسأله عن رجل حج و لا يدرى و لا يعرف هذا الأمر ثم من اللّه تعالى عليه بمعرفته و الدينونة به أ عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضة اللّه؟ قال: قد قضى فريضة اللّه، و الحج أحب إلى «2».

و المتحصل من جميع هذه الأخبار أنه إذا حج ثم استبصر لا يجب عليه إعادته و لكن يستحب له ذلك و لكن قد ورد في قبال هذه الأخبار ما يدل على وجوب الإعادة عليه بعد استبصاره و هو خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- لو أن رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة فأن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج. و كذلك الناصب إذا عرف، فعليه الحج و ان كان قد حج «3».

و خبر سهل عن على بن مهزيار قال كتب إبراهيم إلى أبي جعفر- عليه السلام- انى حججت و انا مخالف و كنت صرورة فدخلت متمتعا بالعمرة إلى الحج؟ قال: فكتب إليه

أعد حجك «4».

هذا و التحقيق عدم صلاحيتهما للمعارضة مع ما تقدم من الأخبار، لعدم صراحتهما في وجوب الإعادة كما لا يخفى. هذا مع الإغماض عن اختصاص الأول منهما بالناصب فعلى فرض القول بلزوم الإعادة في الناصب لا يمكن تسرية الحكم إلى سائر أضاف المخالفين الا بالنظر إلى الحديث الثاني، و هو مكاتبة إبراهيم الظاهرة أن موضوع الحكم بلزوم الإعادة كونه مخالفا في حال إتيانه بالعمل بلا فرق بين أصناف المخالفين، فيقع التعارض بينه و بين ما دل على

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 23- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب 23- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) صدره في الوسائل- ج 2 الباب 21- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5 و ذيله في الباب- 23- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

(4) الوسائل ج 2- الباب 23 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 231

عدم لزوم الإعادة. إن لم نقل بكونه قضية في واقعة و ليس فيه كبرى كليه و لعل السائل كان قبل استبصاره ناصبا، و الا فلا تعارض في البين.

و لا يخفى أنه لو كانت الأخبار المعارضة له منحصرة في القسم الأول- أعني المطلقات- لكان مكاتبة إبراهيم مقدما عليها بالأخصية لاختصاصه بالحج دونها لكن العمدة في المعارضة هو القسم الثاني- أعني الأخبار المصرحة في خصوص الحج بلزوم إعادته عليه.

و يمكن الجمع بين ما دل على عدم وجوب إعادته عليه و بين ما دل على وجوبها بحمل ما دل على وجوب إعادته على ما لو كان أخل بركن، فان استبصاره حينئذ لا يكون مصححا لعمله هذا و

لا يفترق الأمر بين كون المراد من الإخلال بالركن هو الركن عند مذهبه، أو الركن عند مذهب أهل الحق، و ذلك لعدم الاختلاف في الحج بين مذهب أهل الحق، و بين مذهبه في ركنية الأركان، فكل ما هو ركن عند أهل الحق يكون ركنا عندهم و بالعكس.

و أما طواف النساء و صلاته و إن كان واجبا على مذهب الخاصة لا على مذهب العامة لكنهما ليسا من اجزاء الحج و مقوماته بحيث حتى يبطل حجه بتركهما بل هما خارجان عن الحج و موجبان للخروج عن الإحرام الموجب لحل النساء.

و كيف كان فهذا الجمع مما لا شاهد له. فان كلتا الطائفين مطلقة من حيث الإخلال بالركن و عدمه و بأدنى تأمل يعلم أن موضوع الكلام في كلتا الطائفين هو صورة عدم الإخلال بالركن، لما مضى من أن هذه الأخبار غير ناظرة إلى صورة بطلان العمل من جهة أخرى، و انما يكون نظرها إلى صورة فقدان الولاية التي هي شرط الصحة، أو القبول مع كونه قد أتى بالعمل على طبق مذهبه، أو على طبق مذهب أهل الحق، فعلى هذا لا يرتفع التعارض من بينهما.

و لكن التحقيق: أن يقال إن ما دل على عدم وجوب اعادة الحج عليه صريح في ذلك لقوله- عليه السلام-: «لو حج لكان أحب» و قوله- عليه السلام-: «أما الصلاة، و الحج، و الصيام، فليس عليه قضاء» و غير ذلك من الأخبار المتقدمة و هذا بخلاف ما دل على وجوب الإعادة عليه لأن قوله- عليه السلام-: «أعد حجك» في مكاتبة إبراهيم لا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 232

يدل على وجوب الإعادة إلا بالنظر إلى ظهور الأمر في كونه بداعي الجد فترفع اليد عن هذا

الظهور بواسطة تلك النصوص، فلا يبقى معارضة في البين و نحوه الكلام في قوله في حديث ابى بصير «عليه الحج» لو سلمنا عدم خصوصية للمورد و هو الناصب، فحاصل الجمع حمل هذين الحديثين على الاستحباب كما فعله الشيخ (قده).

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ضعف ما حكى عن ابن الجنيد، و البراج: من وجوب الإعادة مطلقا و ان الحق ما ذهب إليه الشرائع، و محكي الدروس، و القواعد، و المعتبر، و المنتهى، و التحرير، من التفصيل بين الإخلال بالركن و عدمه في وجوب الإعادة على الأول، و عدمه على الثاني بل في المدارك نسبه الى الشيخ و أكثر الأصحاب.

ثم لا يخفى عدم إمكان الجمع بين ما دل على عدم وجوب الإعادة و حديث أبي بصير- المختص بالناصب- بتقييدها به. بان يقال بوجوب الإعادة على المخالف إذا كان ناصبا و بعدمه إذا كان من سائر أضاف المخالفين، و ذلك لان في بعض ما مر من الأخبار التصريح بعدم وجوب الإعادة على الناصب فالجمع الصحيح هو ما عرفت من حمل ما دل على وجوب الإعادة على الاستحباب.

[المسألة الرابعة و السبعين حج الكافر]
[الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع]

قوله قده (الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع.).

لا إشكال في أن الكفار مكلفون بالفروع كما هو المعروف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم قديما و حديثا. بل ادعى عليه الإجماع بقسميه، لشمول أدلة الفروع له، فلا مجال للإشكال في ذلك، و اختصاص بعض الخطابات بالمؤمنين كقوله تعالى «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ.» «1» لكن هذا كما ترى لا ينهض مخصصا أو مقيدا لما دل بالعموم أو الإطلاق على وجوب الصوم على كافة البالغين بلا فرق بين المسلم و الكافر و ذلك لأنهما من المثبتين اللذين لا تنافي

بينهما.

هذا مضافا الى أن ما في ذيل الآية الشريفة من قوله تعالى «كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ»

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية- 179.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 233

يدل على تعميم الحكم فتأمل.

[أدلة شرطية الإسلام لصحة العبادات]
اشارة

قوله قده: (و لكن لا يصح منه ما دام كافرا كسائر العبادات و ان كان معتقدا لوجوبه و آتيا به على وجه قصد القربة، لأن الإسلام شرط في الصحة.).

قد تطابقت فتاوى الإمامية على ذلك قديما و حديثا فلا كلام فيه من حيث الفتوى و إنما الكلام في دليله و مدركه. و ما يمكن الاستدلال به على ذلك وجوه:

(الأول)- الإجماع.

(و فيه): أنه قد تكرر منا أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم- عليه السلام- و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه الآتية فلا عبرة به.

(الثاني)- عدم تمشي قصد القربة منه

و من المعلوم اعتباره في العبادات بل تقومها به و (فيه): أن وزان عبادات الكافر الموحد وزان عبادات العامة، فكما يتمشى منهم قصد القربة و يحكم بصحة عباداتهم مع كونهم فاقدين لا عظم أركان الإسلام و هو الولاية كما في الخبر، فكذلك يتمشى من الكافر المعتقد بآلة العالم- عظمت كبريائه كاليهودي و النصراني- قصد القربة فالقول بصحة عبادات الكافر من ناحية قصد القربة وجيه.

ان قلت: إنه لا يفرض في حقه الإتيان بالعمل صحيحا، لأنه لو اتى به على وفق مذهبه فغير صحيح، و لو أتى به على طبق مذهبنا لم يتمش منه قصد القربة، لاعتقاده ببطلانه.

قلت: قد يفرض إتيانه به مع تمشي قصد القربة منه، من جهة عدم قطعه ببطلانه، أو يفرض أنه اعتقد في عمل بان الصحيح هو أن يأتي به على طبق مذهبنا، أو يفرض أنه أتى به على طبق مذهبنا نسيانا، أو بتخيل أنه على طبق مذهبه و تمشي منه قصد القربة.

(الثالث)- عدم كونه أهلا للكرامة و التقرب فلا تصح عباداته

. و (فيه): أنا لا نقول بان عمله يوجب كرامة له عند اللّه تعالى، أو أنه يقربه من اللّه تعالى زلفى حتى يقال عدم كونه قابلا للكرامة و التقرب، بل نقول بعدم ورود دليل تعبدي على اشتراط الإسلام في صحة الأعمال، فمقتضى كون انطباق المأمور به على المأتي به

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 234

قهريا و الاجزاء عقليا هو أجزاء أعمالها العبادية و سقوط أوامرها عقلا و لو لم يحصل له من ذلك كرامة عند اللّه تعالى، كما أنه لا إشكال في اجزاء اعماله التوصلية التي ليست مشروطة بقصد القربة و سقوط أوامرها. و قد عرفت أن الاشتراط بذلك لا يصلح فارقا في هذه الجهة.

مضافا الى أنه لو قلنا

ببطلان أعماله العبادية لكونه غير قابل للكرامة و التقرب، لتأتي عين هذا الكلام في حق العامة، لكونهم أيضا كذلك و لا فرق بينهما من هذه الجهة مع أن المشهور لم يلتزموا بذلك.

(الرابع)- الأخبار الدالة على اعتبار الايمان في قبول العبادات،

و سنذكرها في حج المخالف- ان شاء اللّه تعالى- فتبطل عبادات الكافر لانتفاء الايمان فيه، بناء على ارادة البطلان من عدم القبول. و لكن المشهور بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- هو أن المراد بالقبول و عدمه ليس هو الصحة و البطلان بل القبول هو ترتب الثواب على العمل فيكون فوق مرتبة الصحة و الايمان شرط لمرتبة القبول لا لمرتبة الصحة، و لهذا قالوا بصحة عبادات العامة.

هذا لكن الإنصاف أن التأمل في بعض النصوص يعطى شرطية الايمان في الصحة كما سيتضح لك ذلك في حج المخالف- ان شاء اللّه تعالى- عند ذكر الأخبار.

و الحاصل: أنهم فرقوا بين مرتبة الصحة و القبول بأن الصحة عبارة عن مطابقة المأتي به للمأمور به الموجبة للإجزاء سواء بلغ العمل الى تلك الدرجة من المحبوبية التي يترتب عليها الأجر أو لم يبلغ الى تلك الدرجة فلا يترتب عليه الثواب أصلا.

و أما القبول فهو عبارة عن وقوع العمل محبوبا و مرضيا عند المولى جل شأنه بالدرجة العليا أو دونها على حسب اختلاف مراتب القبول الموجب لاختلاف مقدار الثواب أيضا. و الحاصل: ان لسان الأخبار الواردة فيما نحن فيه هو لسان كثير من الاخبار الواردة في بيان شرائط قبول الأعمال- كحضور القلب و غيره- فبانتفاء بعض تلك الشرائط يسقط العمل عن درجة القبول مع بقاء صحته و حصول الاجزاء به بلا إشكال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 235

غاية الأمر أن لعدم القبول درجات مختلفة و عمل الفاقد للايمان واقع

في أدنى الدرجة، فلا يترتب عليه شي ء من الثواب، و لا يقربه من اللّه تعالى زلفى، و هذا لا ينافي صحة عمله و اجزائه.

فظهر أن هذه الوجوه كلها قابلة للمناقشة. و لكن مع ذلك كله لا ينبغي الإشكال في شرطية الإسلام لصحة العمل لتسالم جميع الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على ذلك و هو يوجب الوثوق و الاطمئنان بالحكم و ان لم نقف على دليل تعبدي عليه. مع أنه من البعيد جدا استنادهم في ذلك الى عدم تمشي قصد القربة من الكافر، لوضوح إمكان تمشيه منه، أو الى عدم قابليته للإكرام و التقرب، مع وضوح اندفاعه أيضا. أو الى أخبار عدم قبول العمل بدون الايمان مع كون المراد بالقبول عند المشهور ما عرفت.

و بالجملة الإجماع بنفسه و ان لم يكن حجة تعبدية في قبال الكتاب و السنة كما بيناه سابقا لكنه مهما صار منشأ لحصول الاطمئنان بالحكم- و لو بضميمة المؤيدات- لا إشكال في حجية ذلك الاطمئنان.

ثم إنه مع الغض عن جميع ذلك نقول: لا إشكال في أن الكافر لا يمكنه الإتيان ببعض اعمال الحج صحيحا، ضرورة: أن الطواف كصلاته مشروط بالوضوء و هو لا يتمكن منه صحيحا، لكونه نجسا. و من الواضح أن من شرائط صحة الوضوء طهارة أعضائه و كذلك الكلام بالنسبة إلى صلاة الطواف، لأن من اجزاء صحة الصلاة الشهادتين و هو لا يشهد بأن محمدا عبده و رسوله.

إلا أن يقال إنه و ان لم يتمكن مباشرة من الطواف و صلاته على الوجه الصحيح الا أنه متمكن من ذلك تسبيبا، إذ له أن يستنيب مسلما فيهما بناء على صحة نيابة المسلم عن الكافر.

و (فيه): أنه قد ذكرنا سابقا أن النيابة انما تكون

على خلاف الأصل، فلا بد من الاقتصار فيها على مورد الدليل، و لم يرد دليل تعبدي على جواز النيابة فيما نحن فيه.

[في أن الإسلام يجب ما قبله]
اشارة

قوله قده: (و لو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه، و كذلك لو استطاع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 236

بعده و لو زالت استطاعته ثم أسلم لم يجب عليه على الأقوى، لأن الإسلام يجب ما قبله، كقضاء الصلاة، و الصيام. حيث أنه واجب عليه حال كفره كالأداء و إذا أسلم سقط عنه).

قال في الجواهر: (لو أسلم وجب عليه الإتيان به إذ استمرت الاستطاعة، و إلا لم يجب ايضا و ان فرض مضى أعوام عليه مستطيعا في الكفر، لأن الإسلام يجب ما قبله).

و هو خيرة العلامة (ره) في التذكرة على ما حكاه صاحب المستند (قده).

قال في المدارك: (لو أسلم وجب عليه الإتيان بالحج مع بقاء الاستطاعة قطعا و بدونها في أظهر الوجهين). و وافقه على ذلك النراقي (قده) في المستند حيث قال:

(و لو أسلم وجب عليه الإتيان بالحج ان بقيت الاستطاعة إجماعا و الا فعلى الأظهر، للاستصحاب وفاقا للذخيرة و صاحب المدارك).

اعلم أن الاخبار الواردة بهذا المضمون- اعني الإسلام يجب ما قبله- كثيرة و كلها مرمية بضعف السند لكنه منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فنعلم إجمالا بورود هذا المضمون عن المعصوم- عليه السلام- منها:

1- ما نقل عن المناقب انه جاء رجل الى عمر فقال: إني طلقت امرأتي في الشرك تطليقة، و في الإسلام تطليقتين، فما ترى؟ فسكت عمر فقال له الرجل: ما تقول؟ قال: كما أنت حتى يجي ء علي بن أبي طالب- عليه السلام- فجاء علي- عليه السلام- فقال: قص عليه قصتك فقص عليه القصة فقال علي- عليه السلام-: (هدم الإسلام ما

كان قبله هي عندك على واحدة) «1».

يمكن المناقشة في دلالته بأن قوله- عليه السلام-: (هدم الإسلام ما كان قبله) فيه احتمالان:

(أحدهما) ما هو المقصود و هو أن الكافر إذا أسلم فقد جب عنه ما كان قبله من التكاليف الثابتة عليه في حال كفره فيكون المراد من الإسلام إسلام الشخص.

______________________________

(1) المروي في البحار- ج 9- في باب قضايا أمير المؤمنين- عليه السلام- نقلا عن المناقب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 237

(ثانيهما) انه بعد ان شرع النبي- صلى اللّه عليه و آله- من اللّه تعالى الإسلام انهدم ما كان صدر من الناس قبل تشريعه من طلاق، و غيره، فليس المراد من الإسلام إسلام الشخص بل المراد هو تشريع الإسلام و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و (فيه): أن الاحتمال الثاني، خلاف الظاهر إذ الظاهر أن المراد بالإسلام هو إسلام الشخص لا تشريع الإسلام فيتم دلالته على المدعى.

2- عن تفسير على بن إبراهيم فقالوا «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً» فإنها نزلت في عبد اللّه بن أبي أمية أخ أم سلمة- رحمة اللّه عليها- أنه قال لرسول اللّه قبل الهجرة: «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً «1» فلما خرج رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- إلى فتح مكة استقبل عبد اللّه بن أبي أمية فسلم على رسول اللّه فلم يرد عليه فاعرض عنه فلم يجبه بشي ء، و كانت أخته أم سلمة مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- فدخل إليها فقال يا أختي: أن رسول اللّه قد قبل إسلام الناس كلهم ورد إسلامي فليس يقبلني كما قبل غيري فلما دخل رسول اللّه على أم سلمة قالت بأبي أنت و أمي يا

رسول اللّه: سعد بك جميع الناس إلا أخي من بين قريش رددت إسلامه و قبلت إسلام الناس كلهم! فقال رسول اللّه بأم سلمة: ان أخاك كذبني تكذيبا لم يكذبني أحد في الناس هو الذي قال لي: (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) إلى قوله تعالى كتابا يقرء قالت أم سلمة: بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه أ لم تقل (الإسلام يجب ما كان قبله)؟ قال: نعم فقبل رسول اللّه إسلام أخ أم سلمة. «2» و في هذا الحديث إشكالان:

(الأول)- أن الإسلام ليس من العقود حتى يحتاج إلى القبول فما معنى ما في هذا الحديث من أن رسول اللّه لم يقبل ابتداء إسلام عبد اللّه أخ أم سلمة ثم قبله بالتماس منها هذا لكن لعله كان صحة الإسلام في ذلك الزمن محتاجا إلى قبوله- صلى اللّه عليه و آله- فلعل

______________________________

(1) سورة الإسراء: الآية- 92.

(2) المروي في البحار- ج 6 في باب- فتح مكة عن تفسير علي بن إبراهيم.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 238

الإسلام في ذلك الزمن كان نظير المبايعة نحو ما قاله تعالى «إِذْ يُبٰايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» «1» و لا استبعاد فيه.

(الثاني)- أنه كيف لم يقبل إسلامه ابتداء ثم قبله بالتماس أختها مع انه- صلى اللّه عليه و آله- عالم بما صدر منه في حال كفره و بان الإسلام يجب ما قبله فكان عليه أن يقبل إسلامه من أول الأمر.

و الجواب أنه لعله كان في ذلك مصلحة، أو كان ذلك لإظهار شأن أم سلمة و جلالتها أو لاحترامها و إكرامها، أو أنه لم يكن عبد اللّه قابلا لأن يقبل إسلامه الا بالتماس أختها لما صدر منه من التكذيب الشديد الذي

أسقطه عن درجة قابليته لقبول إسلامه بلا واسطة فكان خارجا ابتداء عن حيز قوله- صلى اللّه عليه و آله. «الإسلام يجب ما قبله» بالتخصيص و لكن بالتماس أختها صار قابلا لأن يقبل إسلامه فدخل تحت هذه القاعدة. لانطباق الكبرى على الصغرى حينئذ.

3- ما ورد في قصة إسلام المغيرة قال: كان المغيرة يحدث حديث إسلامه قال: خرجت مع قوم من بنى مالك، و نحن على دين الجاهلية إلى المقوقس ملك مصر فدخلنا إلى الإسكندرية و أهدينا للملك هدايا كانت معنا، فكنت أهون أصحابي عليه، و قبض هدايا القوم و أمر لهم بجوائز و فضل بعضهم على بعض، و قصر بي فأعطاني شيئا قليلا لا ذكر له، و خرجنا فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم، و هم مسرورون و لم يعرض أحد منهم على مواساة، فلما خرجوا حملوا معهم خمرا فكانوا يشربون منها فاشرب معهم، و نفسي تأبى أن تدعني معهم و قلت: ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا و ما حباهم به الملك و يخبرون قومي بتقصيره بي و ازدرائه إياي، فأجمعت على قتلهم فقلت: إني أجد صداعا فوضعوا شرابهم و دعوني فقلت رأسي يصدع و لكن اجلسوا فاسقيكم فلم ينكروا من امرى شيئا، فجلست أسقيهم و اشرب القدح بعد القدح، فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا الشراب فجعلت اصرف لهم و انزع الكأس، فاهمدتهم الخمر حتى ناموا ما يعقلون فوثبت إليهم

______________________________

(1) سورة الفتح: الآية- 18.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 239

فقتلتهم جميعا.

و أخذت جميع ما كان معهم و قدمت المدينة فوجدت النبي بالمسجد و عنده أبو بكر و كان بي عارفا، فلما رآني قال: ابن أخي عروة؟ قلت: نعم قد جئت اشهد ان لا إله إلا

اللّه، و أن محمدا رسول اللّه. فقال أبو بكر: من مصر أقبلت؟ قلت: نعم قال: فما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قلت كان بيني و بينهم بعض ما يكون بين العرب و نحن على دير الشرك، فقتلتهم و أخذت إسلامهم، و جئت بها إلى رسول اللّه ليخمسها، فإنها غنيمة من المشركين. فقال رسول اللّه: أما إسلامك فقد قبلته و لا نأخذ من أموالهم شيئا و لا نخمسها لأن هذا غدر و الغدر لا خير فيه فأخذني ما قرب و ما بعد، فقلت يا رسول اللّه: إنما قتلتهم و انا على دين قومي ثم أسلمت حين دخلت إليك الساعة. فقال- عليه السلام-: (الإسلام يجب ما قبله) «1».

4- عن الطبراني: الإسلام يجب ما قبله و الهجرة تجب ما قبلها «2».

5- نحوه أيضا الإسلام يجب ما قبله و التوبة تجب ما قبلها اى يقطعان و يمحوان ما كان قبلها من الكفر و المعاصي و الذنوب «3».

6- و نحوه الإسلام يجب ما قبله و التوبة تجب ما قبلها من الكفر و المعاصي و الذنوب «4».

7- ورد في قصة إسلام هبار بن الأسود بن المطلب الذي روع زينب بنت رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- فأباح رسول اللّه دمه لذلك فروى: أنه اعتذر إلى النبي- صلى اللّه عليه و آله- من سوء فعله و قال: و كنا يا نبي اللّه أهل شرك فهدانا اللّه تعالى بك

______________________________

(1) في الجزء العشرين- من شرح النهج- لابن أبي الحديد [ص] 1 من الجزء المذكور نقلا عن كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.

(2) المروي في الجامع الصغير للسيوطي- (ص) 95.

(3) المروي في نهاية ابن أثير (ص 166).

(4) المروي في مجمع البحرين- كتاب الباء- باب

ما أوله الجيم- في لغة جبب.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 240

و أنقذنا بك من الهلكة فاصفح عن جهلى و عما كان يبلغك عني، فإني مقر بسوء فعلى معترف بذنبي. فقال- عليه السلام-: قد عفوت عنك و قد أحسن اللّه إليك حيث هداك إلى الإسلام و الإسلام يجب ما قبله «1».

8- ما روى أن عبد اللّه سرحان يوم الفتح لما علم بإهدار النبي- صلى اللّه عليه و آله- دمه لجأ إلى عثمان بن عفان أخيه من الرضاعة و جعله واسطة عند النبي. و قيل: إنه أسلم و بائع النبي- صلى اللّه عليه و آله- بمر الظهران و صار يستحيى من مقابلته- صلى اللّه عليه و آله- فقال صلى اللّه عليه و آله-: لعثمان: أما بايعته و امنته؟ قال: بلى و لكن يذكر جرمه القديم فيستحيي منك قال: (الإسلام يجب ما قبله) «2».

و كيف كان فلا إشكال في الجملة في أن الإسلام يجب ما قبله لكن يقع الكلام في مقدار دلالته و إطلاقه لجميع الموارد و عدمه و تنقيح البحث في ذلك موقوف على التعرض لمقامين:

(أحدهما) في الأحكام التكليفية و (الأخر) في الأحكام الوضعية.

أما (المقام الأول) [في الأحكام التكليفية]

فمحصله أنه لا إشكال في عدم جريان قاعدة الجب في الواجبات الموقتة إذا أسلم الكافر في أوقاتها فلو أسلم قبل غروب الشمس و كان الوقت باقيا بمقدار يمكنه الإتيان بالظهرين مع الشرائط فلا ينبغي الإشكال في وجوبهما عليه فلو تركهما يعاقب و عليه القضاء كما هو كذلك في حق المسلم، كما لا إشكال في جريانها في الواجبات الموقتة إذا أسلم بعد أوقاتها فلو أسلم بعد خروج وقت صلاتي الظهرين مثلا فليس عليه شي ء من العقاب و القضاء ببركة هذه القاعدة.

لكن يقع الكلام

و الإشكال في جريانها في الواجبات غير الموقتة كالحج، و غيره، كما لو فرضنا ان الكافر صار واجدا لما يحج به في حال كفره و استقر الحج عليه و زالت عنه

______________________________

(1) المروي في سفينة البحار- (ص)- 412- باب- علة خلق العباد.

و مفصل القصة- في السيرة الحلبية- ج 3- (ص)- 106- باب فتح مكة.

(2) المروي- في السيرة الحلبية- ج 3- (ص) 104.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 241

الاستطاعة ثم أسلم فهل يحكم بوجوب الحج عليه تسكعا، لأنه أسلم في الوقت، حيث أن وجوب الإتيان به لم يكن مقيدا بسنة خاصة بل يجب عليه الإتيان به بعد تحقق الاستطاعة و استقراره إلى آخر عمره غاية الأمر فورا ففورا أم لا، لأن وجوب الحج قد استقر عليه في حال كفره و بإسلامه جب عنه ما كان قبله من وجوب الحج المستقر عليه قبل إسلامه خصوصا مع كون الحج فوريا فهو أشبه بالواجبات الموقتة التي أسلم الكافر بعد أوقاتها فيصدق عليه عنوان ما كان قبله؟ وجهان:

(أحدهما): عدم جريانها في ذلك (بدعوى) أن معنى: (الإسلام يجب ما كان قبله) هو جب الواجب الذي لم يكن وقته باقيا حين حدوث إسلام الكافر و إلا فلا يصدق عليه عنوان ما كان قبل إسلامه حتى يجبه الإسلام، و لذلك لو فرضنا أنه أسلم في وقت صلاة كان عليه الإتيان بها لوجود موضوعه- و هو صرف الوجود من الوقت- و من هذا القبيل الحج و نحوه مما يكون وقته إلى آخر العمر. كصلاة الآيات الواجبة لحدوث الزلزلة أو الخسوف، أو الكسوف، أو غيرها من الآيات.

و الحاصل: أن صرف توقيت الواجب بوقت خاص و عدمه لا يوجب فرقا في الحكم فكما يقال بعدم جريان

القاعدة في الواجبات الموقتة لو أسلم في أوقاتها فكذلك نقول بذلك في غير الواجبات الموقتة، لأن وقته إلى آخر العمر. نعم، لا إشكال في جريانها بالنسبة الى ما صدر عنه في حال كفره من ترك فورية الحج فلا يعاقب عليه. و أما أصل الحج فلا بد من أن يأتي به بعد الإسلام لعدم جريانها بالنسبة إليه.

(ثانيهما): و هو الأقوى في النظر وفاقا للمصنف و صاحب الجواهر و صاحب التذكرة- قدس سرهم- جريان هذه القاعدة في الواجبات الغير الموقتة ايضا فلو أسلم بعد زوال الاستطاعة عنه يحكم بعدم وجوب الحج عليه تسكعا ببركة جريان هذه القاعدة و كذلك يحكم بعدم وجوب صلاة الزلزلة الحادثة حين كفره عليه و نحو ذلك، لأنها تكاليف قبلية قد استقرت عليه و كل تكليف قبلي فالإسلام يجبه و لو أنكرنا جريانها في مثل هذه الأمور لزم إنكار جريانها أيضا في الواجبات الموقتة بعد انقضاء أوقاتها مع انه لم يلتزم بذلك أحد من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 242

الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم.

بيان ذلك: أنه (تارة) نقول: بأن وجوب العمل في خارج الوقت قضاء يحتاج إلى أمر جديد و هو كاشف عن كون أصل الفعل مع قطع النظر عن خصوصية الوقتية ذا ملاك في الوقت و بعده و (اخرى) نقول: إن وجوبه في خارج الوقت قضاء ليس محتاجا إلى ذلك بل الأمر به يكشف عن بقاء نفس الأمر الادائى الأول المتعلق بأصل الفعل في الوقت و كونه على نحو تعدد المطلوب فالأمر المتوجه إليه في خارج الوقت عين الأمر المتوجه إليه في الوقت. غاية الأمر أن الخصوصية الوقتية قد فاتته فالأمر المتعلق بالفعل مع الخصوصية الوقتية كان امرا على حدة و

قد انتفى و لا يضر ذلك بكون أصل الفعل مأمورا به أيضا.

فإن قلنا بالثاني- و هو كون دليل القضاء كاشفا عن بقاء الأمر الادائى الأول في خارج الوقت- فلا ينبغي الإشكال في كون حال هذا الأمر بعينه حال الأوامر المتعلقة بالواجبات غير الموقتة، كالحج، و صلاة الآيات، و نحوهما، فلا بد في الجميع من الموقتات و غيرها من إنكار جريانها فيها، فلو أسلم بعد انقضاء وقت صلاة الفريضة فلا بد من الحكم بوجوبها عليه قضاء و لا يجب و لا ينهدم عنه الصلاة الثابتة عليه في حال كفره، لأن ذات الأمر المتعلق بالأعمال المسماة بالصلاة لم يكن موقتا بوقت خاص بل وقته إلى آخر العمر و الخصوصية الوقتية كانت تعلق الأمر بها على حدة، فلا وجه لجب الصلاة عنه تشبثا بقوله- صلى اللّه عليه و آله-: (الإسلام يجب ما قبله) و ذلك لأن المفروض كون الأمر الأول موسعا يشمل ما بعد الإسلام أيضا و عدم اختصاصه بما قبل إسلامه حتى يقال: إنه يجبه الإسلام.

و ان قلنا بالأول- أعني كون القضاء بأمر جديد- فنقول: إن هذا الأمر الجديد ليس موقتا بوقت فيكون حاله بعينه حال الأوامر المتعلقة بالواجبات الموسعة إلى آخر العمر كالحج، و صلاة الآيات، فلا بد ايضا من إنكار جريان القاعدة في جميعها، فلو أسلم بعد انقضاء وقت الصلاة لا يجب عنه الأمر بالقضاء، لأنه لم يكن وجوب القضاء عليه مختصا بحال كفره حتى يجبه الإسلام بل كان وقته موسعا من حين وجوبه عليه الى آخر عمره

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 243

كالحج، و صلاة الآيات، فقاعدة الجب لا تجري في مثل هذه الأمور و انما تجري فيما ارتكبه الكافر في حال كفره

من المعاصي كالزنا، و شرب الخمر، و نحوهما، بمعنى انها تعفى عنه و لا يعاقب عليها و لا يجرى عليه الحد أو التعزير [1] و كذلك تجري القاعدة بالنسبة الى تركه الصلاة الذي كان ذلك معصية له و لا يعاقب عليه و لا يحد و لكنها لا تجري بالنسبة إلى قضاء الصلاة فلا يجب عنه قضاء صلاته، لأن وقتها موسع من حين وجوبها الى آخر العمر كما عرفت.

و بالجملة على هذا يكون جريان قاعدة الجب مختصا بما صدر منه في حال كفره من المعاصي و غيرها كالطلاق كما هو مورد النص المتقدم.

و أما الواجبات الموسعة و منها القضاء فلا يشملها الدليل.

و الحاصل: أنه قد ظهر مما ذكرنا ثبوت التلازم بين إنكار جريان القاعدة في الواجبات الموسعة و بين إنكار جريانها في قضاء الواجبات الموقتة، لاندراج قضائها على ما بيناه في الموسعات فكما أن حدوث الآية كالزلزلة موضوع للحكم بوجوب الإتيان بالصلاة من أول حدوثها الى آخر عمره، فكذلك تحقق الاستطاعة المالية الممتدة من أول الموسم إلى آخره موضوع للحكم بوجوب الحج عليه إلى آخر عمره و كذا فوات الصلوات الموقتة فإنه سبب لوجوب القضاء عليه من حين ثبوته الى آخر عمره، فالواجبات الموسعة بالأصالة كالحج، و صلاة الآيات، أو بالعرض كفوت الموقتات في أوقاتها الموجب لقضائها طول العمر على نمط واحد فلا يسقط شي ء منها بقاعدة الجب هذا.

و لكن التحقيق: جريانها في قضاء الواجبات الموقتة و غيرها من الواجبات الموسعة كالحج، و صلاة الآيات و ذلك لأن حمل قوله- صلى اللّه عليه و آله:- «الإسلام يجب ما قبله» على رفع خصوص العقاب خلاف الظاهر بل الظاهر سقوط نفس الواجب ايضا عن ذمته و معلوم أنه

لو فرضنا اختصاص واجب بحال كفره انتفى ذلك الواجب بمجرد

______________________________

[1] لا يخلو من تأمل لأن وجوب الحد أو التعزير ليس موقتا بل هو موسع ايضا فلو لم يدل نص خاص على سقوط الحد عن الكافر بالإسلام لا يسقط عنه، نعم. يسقط عنه العقاب.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 244

اختياره الإسلام لانتفاء شرطه بلا احتياج الى جريان هذه القاعدة فقاعدة الجب، إنما تجري في الواجبات الثابتة عليه في حال كفره بحيث لو لا جريانها تبقى تلك الأحكام عليه بعد إسلامه.

و الحاصل: أن معنى قوله- صلى اللّه عليه و آله-: «الإسلام يجب ما قبله» ليس انهدام وجب التكاليف المختصة بما قبل الإسلام، فإنه لو كان كذلك لا نحتاج في الحكم بانتفائها إلى جريان القاعدة، لانتفائها بالإسلام و انما المراد منه أنه ينهدم و يجب كل تكليف كان ثابتا على الكافر من قبل تشرفه بالإسلام- و استقر عليه في حال كفره و يقتضي البقاء بعده- فقاعدة الجب تمنع عن تأثير المقتضى فيما بعد الإسلام فببركة جريانها لا يبقى في ذمته شي ء كي يحتاج إلى الإفراغ.

و على هذا لو فرضنا أنه أسلم بعد انقضاء وقت الصلاة فنقول: إنه كانت الصلاة مستقرة عليه في حال كفره و هذا الاستقرار كما ترى تكليف قبلي قد بقي عليه فيشمله قوله:

«الإسلام يجب ما كان قبله». و كذلك لو أسلم بعد استقرار الحج عليه و زوال الاستطاعة عنه كما هو المحل المفروض فنقول: إن استقرار الحج عليه كان قبل الإسلام فيجبه الإسلام و كذلك الحكم بالنسبة إلى غيره من الواجبات الموسعة كصلاة الآيات التي مضت الآية قبل إسلامه [1].

______________________________

[1] المؤلف: و يؤيد ذلك بما خطر بالبال القاصر و هو أن هذه القاعدة امتنانية

و لاهمية الإسلام و شرافته شرعت في حق الكافر لان يوسع الأمور عليه، فكل مورد كان جريانها على وفق الامتنان فلا بد من القول به، كأدلة نفي العسر و الحرج الواردة في الشريعة، و القدر المتيقن من موارد جريانها هو بالنسبة إلى التكاليف الثابتة عينه في حال كفره بجميع أنحائها من الموسعات و الموقتات، و ذلك لحصول الامتنان في ذلك، فلا محالة بسبب اختياره الإسلام يرتفع عنه كلما كان ثابتا عليه في حال كفره من الصلاة، و الحج، و غيرهما، فلا يمكن القول بوجوب الحج عليه بعد إسلامه لمنافاته مع ورود القاعدة امتنانا. إلا إذا تجددت الاستطاعة له بعد إسلامه أو كانت باقية و حيث أن الموضوع على المفروض و هو الاستطاعة لا يكون باقيا و لا متجددا بعد إسلامه فلا يجب الحج عليه، لأن الإسلام يجب ما كان قبله.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 245

ان قلت: على هذا يلزم جريان القاعدة في الواجبات المضيقة كما إذا فرضنا أنه أسلم في وقت الصلاة و لكن لا في أول وقتها بل بعد انقضاء مقدار من أول الوقت الذي يفي بتمام الصلاة. فنقول: إنه فاستقر عليه الصلاة في أول الوقت قبل إسلامه فيجبها الإسلام فيلزم الحكم بعدم وجوب الصلاة عليه في حال بعد إسلامه مع أنه في الوقت و لم يقل به أحد.

قلت: هذا النقض غير وارد علينا، و ذلك لأن صرف الوجود من الوقت في الموقتات موضوع لوجوب الفعل الموقت و المفروض بقاء الموضوع في حال إسلامه، فلو قلنا يجب الإسلام الصلاة التي قد استقرت عليه في حال كفره في أول الوقت كفى في وجوبها عليه بعد إسلامه نفس بقاء الموضوع- و هو صرف الوجود من

الوقت- نظير، ما إذا بلغ الصبي في أثناء الوقت.

و الحاصل: انه إما نقول بجريان قاعدة الجب في الفرض المتقدم بالإضافة إلى استقرار الصلاة عليه ثم يحكم بوجوبها عليه ثانيا لوجود موضوعه- و هو صرف الوجود من الوقت- و (اخرى) نقول بعدم جريانها من رأس للزوم اللغوية، و ذلك لوجوبها عليه ثانيا و لو قلنا بجريانها بالنسبة إلى استقرارها عليه، لوجود الموضوع.

و في ما نحن فيه ايضا لو فرضنا أنه أسلم و كان موضوع وجوب الحج- اعنى الاستطاعة- باقيا، أو متجددا بعد زوالها، لا إشكال في وجوب الحج عليه بعد إسلامه و لو قلنا بجريانها بالنسبة إلى استقرار الحج عليه.

إن قلت: إنه لا شك في أن صرف الوجود من الوقت موضوع للحكم بوجوب الصلاة و لا شك أيضا في أن صرف الوجود من الصلاة محقق لحصول الواجب و الامتثال فإذا فرضنا دخول وقت صلاة الفريضة و مضى مقدار من الزمان الذي يتمكن من الإتيان بها فيه، فلا إشكال في استقرار صرف الوجود منها عليه و حينئذ إذا أسلم جب عنه ذلك، لتقدمه على الإسلام، و لا دليل على وجوبها ثانيا عليه، فان كل صلاة لا تجب في كل يوم الإمرة واحدة كما أشرنا إليه سابقا، و قد وجبت عليه ثم جبت عنه بالإسلام فلا وجه للحكم بوجوب الصلاة عليه لو أسلم مع بقاء الوقت.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 246

قلت: ما ذكرته من أنه لا دليل على وجوبها ثانيا (ممنوع)، فان الدليل على ذلك هو ما عرفت من بقاء الموضوع للحكم- و هو صرف الوجود من الوقت- فإطلاق الدليل الدال على وجوب الصلاة على كل مكلف في الوقت يشمله، فإن إطلاق دليل وجوبها في الوقت شامل

لكل من أدرك الوقت الوافي بالواجب جامعا لجميع شرائط الوجوب.

نعم، لو أسلم و لم يبق من الوقت إلا بمقدار أربع ركعات و لم يأت به فلا إشكال في عدم وجوب الصلاة عليه لارتفاع الموضوع- و هو صرف الوجود من الوقت- للصلاة مع قطع النظر عن دليل: «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الصلاة».

و أما بالنظر اليه فصرف الوجود من الوقت بعد باق، فيحكم بوجوب الصلاة عليه إلا إذا لم يكن الوقت الباقي وافيا بمقدار ركعة من الصلاة فحينئذ يحكم بعدم وجوبها عليه لعدم بقاء الموضوع.

كما أن في الصوم لو فرضنا أنه أسلم بعد مضى آن من الفجر يحكم بعدم وجوب الصوم عليه لعدم بقاء موضوعه و هو تمام اليوم. نعم، قبل إسلامه كان الصوم واجبا عليه و لكن بإسلامه جب عنه.

و كيف كان فقد تحصل من جميع ما ذكرنا أن قاعدة الجب تجري في جميع الواجبات الموسعة و في قضاء الواجبات المضيقة و لكنها لا تجري في الواجبات الموقتة قبل خروج وقتها.

و حاصل الفرق: أن في الواجبات الموقتة قبل مضى الوقت لو فرضنا أنه أسلم يكون سبب الوجوب- اعنى موضوعه و هو صرف الوجود من الوقت- موجودا و المفروض أنه لم يصدر منه العمل فيحكم بوجوبها عليه و هذا بخلاف القضاء فان موضوع وجوبه ليس الا استقرار العمل على ذمته في الوقت و قد جب عنه ذلك، لأنه تكليف قبلي و قد بقي عليه، و كل تكليف قبلي يجبه الإسلام، و كذلك الواجبات الموسعة كالحج، و صلاة الزلزلة و نحوهما فان سبب وجوبهما- اعنى الاستطاعة و الزلزلة- قد تحقق قبل إسلامه و زال و قد جب بالإسلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 247

نعم، هنا

إشكال في جريان القاعدة بالنسبة إلى خصوص الحج الذي استقر عليه في حال كفره دون صلاة الزلزلة و نحوها.

بيان ذلك: أنه لا إشكال في اشتراك الكفار و المسلمين في الأحكام المترتبة على موضوعاتها بالكيفية المستفادة من الأدلة من الحدوث و البقاء مثلا الاستطاعة المالية ليست موضوعة لوجوب الحج إلا في عام حدوث الاستطاعة و أما في السنوات اللاحقة فلا، فوجوب الحج تابع لحدوث الاستطاعة لإبقائها فيما بعد عام الاستطاعة و لذا يجب عليه الحج متسكعا ان لم يحج في عام الاستطاعة مع زوالها، و عليه فلو أسلم الكافر فلو لم يكن أتى بالحج في السنة الأولى يحكم بوجوب الحج عليه في السنوات اللاحقة مع التمكن و عدم المزاحمة مع واجب أهم و لو زالت عنه الاستطاعة المالية و لا يحتاج الحكم بوجوبه عليه فيها إلى تجدد الاستطاعة أو بقاء الاستطاعة الأولى، فعلى هذا لو فرضنا أنه أسلم الكافر بعد زوال استطاعته فلا بد من الحكم بوجوب الحج عليه بعد إسلامه، لكونه واجدا لجميع شرائط الوجوب من العقل، و البلوغ، و الحرية، و تخلية السرب، و عدم المزاحمة لواجب أهم، و التمكن من الذهاب، و غير ذلك من الأمور المعتبرة فيه.

و أما الاستطاعة المالية فهي و إن لم تكن باقية لكن المفروض عدم كونها جزء للموضوع في السنوات اللاحقة، و انما كانت جزء له في السنة الأولى و على الفرض تحقق له فيها و لو قلنا بثبوت جريان هذه القاعدة في حقه، للزم القول بعدم وجوب الحج عليه لو استطاع ثانيا بعد الإسلام، أو كانت الاستطاعة الأولى باقية، لما عرفت من أن الاستطاعة الثانية و بقاء الاستطاعة الأولى ليست موضوعا لوجوب الحج، فعلى هذا لا بد

من ان يحكم بوجوب الحج عليه بعد إسلامه و هذا بخلاف صلاة الآيات التي مضت الآية في حال كفره فلا يجب عليه الإتيان بها بعد إسلامه بصرف تحقق الآية قبل الإسلام إلا إذا فرض تجدد الموضوع له بعد إسلامه بأن يحدث زلزلة أخرى، و ذلك لأن الموضوع للحكم بوجوب صلاة الآيات ليس إلا الزلزلة و قد انتفت فلا وجه لوجوبها عليه ثانيا، لعدم الموضوع. و أما الوجوب الأول فقد جب بالإسلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 248

و أما في الحج فليس الموضوع لوجوبه في السنوات اللاحقة إلا الشرائط المذكورة و المفروض وجدانه لها بعد إسلامه فيحكم بوجوب الحج عليه.

فظهر أن القاعدة تجري في صلاة الآيات الثابتة عليه في حال كفره و لا تجري في الحج هذا.

و لكن التحقيق: جريانها في الحج أيضا، لأن الاستطاعة المالية موضوع لوجوب الحج عليه في أي سنة كانت. غاية الأمر أن صرف وجودها موضوع لوجوب صرف الوجود من الحج الى آخر العمر و إذا أسلم بعد زوال الاستطاعة المالية، فقد جب عنه هذا الوجوب، لانه تكليف قبلي، و كل تكليف قبلي فالإسلام يجبه، و لكن لو استطاع ثانيا بعد إسلامه، أو كانت باقية كانت تلك الاستطاعة أيضا موضوعا لوجوب الحج عليه، لأن الإطلاقات- الدالة على وجوب الحج على المستطيع- شاملة لكل من كان واجدا للاستطاعة و لم يحج، فيحكم بوجوب الحج عليه هذا تمام الكلام في المقام الأول المتكفل لحكم قاعدة الجب بالنسبة إلى الأحكام التكليفية.

و أما (المقام الثاني) و هو الأحكام الوضعية
اشارة

فحاصل الكلام فيه أنه (تارة) يبحث فيها بالنسبة إلى حقوق الناس كالقرض، و الوديعة، و الجناية، و المال الذي سرقه في حال كفره، و الزكاة، و الخمس، و غير ذلك من الأحكام الوضعية الثابتة

عليه في حال كفره و (اخرى) يتكلم فيها بالنسبة الى غير حقوق الناس كالطهارة، و النجاسة، و الصحة، و البطلان، و غير ذلك من الأحكام الوضعية التي هي أجنبية عن حقوق الناس و ثابتة عليه في حال كفره فها هنا جهتان من البحث.

أما (الجهة الأولى) [حقوق الناس]

فملخص الكلام فيها أنه (تارة) يكون مال الغير بغيه موجودا عنده كما لو كان ما سرقه من المال، أو أخذه بعنوان القرض، أو الوديعة، أو غير ذلك موجودا و (اخرى) يكون تالفا فان كان موجودا بعد إسلامه، فلا إشكال في وجوب رده الى صاحبه لأن الإسلام ليس من المملكات و النواقل الشرعية حتى يقال بخروج ذلك المال من ملك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 249

صاحبه و دخوله في ملك هذه الكافر الذي أسلم.

و من هذا القبيل وجود مقدار حصة الفقير من الخمس و الزكاة بعد إسلامه المتعلقين بالمال قبله بناء على القول بتعلقهما بعين المال على نحو الشركة العينية كما هو الحق، بل و كذا الأمر بناء على القول بتعلقهما بماليته المال على نحو الشركة المالية و إن لم يكن موجودا بعد إسلامه و صار في الذمة، كما لو أسلم بعد تلف ما سرقه من زيد، أو بعد تلف المال المتعلق للخمس أو الزكاة فلا إشكال في ثبوت حق الغير بذمته إلى الا بد، فهو بعينه يكون من قبيل الواجبات الموسعة إلى آخر العمر و ان كان عليه الأداء فورا ففورا فحينئذ:

لو قلنا بعدم جريان هذه القاعدة في الواجبات الموسعة، فلا بد من الالتزام بعدم جريانها فيما نحن فيه ايضا بطريق أولى، لأنها من حقوق الناس دونها.

و أما لو قلنا بجريانها في الموسعات كما هو الحق و قد حققناه في المقام

الأول. فيمكن أن يقال. إن مقتضى إطلاق الدليل جريانها في الواجبات الموسعة التي تكون من حقوق الناس الثابتة عليه في حال كفره ايضا فيحكم بعدم ضمانه لما أتلفه في حال كفره من أموال الناس، أو الزكوات و الأخماس، و كذا ليس عليه أن يؤدى ديات ما أوردها في حال كفره من الجناية، و الجراحة، و القتل.

و يؤيد ما ذكرنا- من أن الإسلام يجب حقوق الناس ايضا- أنا ما رأينا في الأخبار التي بأيدينا و لا سمعنا أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- أخذ من الكفار التي أسلموا ديات ما أوردوهم في حال كفرهم من الجنايات بعد اختيارهم الإسلام مع أن كثيرا منهم كان قد صدر عنهم القتال و الجرح و تفريط مال الناس و غير ذلك كما لا يخفى. و لم يكن النبي- صلى اللّه عليه و آله- يطالبهم بهذه الأمور و لم يكن يأمرهم بدفع هذه الحقوق إلى أهلها.

فعلى هذا يقال: إنه كما تجري القاعدة بالنسبة إلى الواجبات الموسعة التي تكون من حقوق اللّه كالحج، و صلاة الآيات، كذلك تجري بالنسبة إلى حقوق الناس.

إن قلت: إنه لا مانع من أن يعفو اللّه تعالى عن حقوقه. و أما عفوه عن حقوق الناس فهو خلاف العدالة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 250

قلت: لا شك في أن اللّه تعالى ولى كل ولى، و مالك الملوك، و صاحب كل حق، و ذي حق، فلو اقتضت الحكمة أن يعفو عن حقوق الناس الثابتة على الكافر في حال كفره بعد إسلامه فلا مانع منه.

مضافا إلى انه يمكن أن يرضى اللّه تعالى في الآخرة أرباب الحقوق عن الجاني ببذل عطاياه الجزيلة و مواهبه الكثيرة إياه أضعافا مضاعفة عما استقر

على ذمة الكافر الذي أسلم.

و لكن الأقوى في النظر أنه لا يمكن الالتزام بجريان هذه القاعدة في مثل هذه الأمور- اعنى حقوق الناس- أصلا، و ذلك لأنها امتنانية و لا تجري في مورد كان جريانها فيه على خلاف الامتنان، فحقوق الناس خارجة عن حيز الدليل، و خروجها عن دائرته ليس تخصيصا بل يكون تخصصا لأن جبها عن الكافر الذي اختار الإسلام و إن كان امتنانا عليه لكن يكون خلاف الامتنان بالنسبة إلى صاحب الحق، لأنه إضرار عليه، فلا وجه للامتنان عليه مع معارضته بلزوم خلاف الامتنان على صاحب الحق.

و بالجملة الحكم الذي شرع امتنانا على العباد لا يلاحظ فيه شخص دون شخص، أ فهل ترى: أن الإسلام ينفع الكافر الذي أسلم و يضر صاحب الحق!. و يمكن أن يفرض أن صاحب الحق ايضا، كان كافرا فأسلما معا، فكيف يمكن القول بأن الإسلام نفع أحدهما و أضر بالآخر، فعلى هذا لا يمكن الالتزام بجريانها في حقوق الناس الثابتة عليه في حال كفره بعد إسلامه.

و أما عدم أمر رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- بعد إسلامه بدفع هذه الحقوق الثابتة عليه في حال كفره فلعله كان برضى من صاحب الحق، أو كان من جهة عفوه- صلى اللّه عليه و آله- باعتبار أنه ولى الجميع، فله العفو عن حقوق الغير عند اقتضاء المصلحة له أو كان في مطالبته لهم خوف رجوعهم إلى الكفر.

هذا كله مضافا إلى أنه لم يثبت أنه- صلى اللّه عليه و آله- لم يكن يأمرهم بدفعها و صرف عدم وجداننا له أثرا في الأخبار و التواريخ و عدم سماعنا لذلك لا يدل على نفيه، فان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 1، ص: 251

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا عدم جريان هذه القاعدة في حقوق الناس مطلقا.

نعم تجري بالنسبة إلى استحقاقه العقوبة بواسطة تأخير أداء ديونه إذا كان متمكنا من أدائها و لم يؤدها.

ثم، إن المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه-: فصل في الزكاة بين صورة بقاء النصاب بعد إسلامه و عدمه فتجري القاعدة في الثاني دون الأول. و لعل نظره إلى أنه مع بقاء النصاب بعد الإسلام يكون موضوع الحكم موجودا، فعليه الزكاة بخلاف الصورة الأولى.

و التحقيق: ما عرفت من عدم جريان القاعدة مطلقا في حقوق الناس خصوصا مع فرض بقاء مقدار حصته الفقير، و ذلك لما عرفت من أنه لو كان مقدار حصته باقيا فلا ينبغي الإشكال في وجوب رده إلى الفقير بناء على الشركة العينية و المالية، لأن الإسلام ليس من المملكات. و كذلك لا تجري القاعدة و لو لم يكن مقدار حصته باقيا خلافا للمحقق و ذلك لما مضى من انها امتنانية فلا تجري في مورد لزوم خلاف الامتنان على الغير.

و أما لو قلنا بأن الزكاة صرف حكم تكليفي و ليس من حقوق الناس فليست هي إلا من قبيل الواجبات الموسعة و تجري القاعدة مطلقا و لو كان مقدار النصاب باقيا إلا أن يحول عليه الحول.

بعد الإسلام فإن نفس النصاب ليس تمام الموضوع بل هو جزئه و ذهاب الحول جزء آخر و لا عبرة بتحقق الموضوع قبل الإسلام لجريان القاعدة.

فظهر أنه على اى تقدير لا يبقى مجال للتفصيل الذي ذكره المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه.

ثم إنه لو شككنا في كون شي ء من حقوق اللّه أو من حقوق الناس كما لو شك في أن الخمس و الزكاة هل هما حكم

تكليفي صرف أو انهما من حقوق الناس، فلا يمكن التمسك بدليل الجب في إثبات عدم وجوب أدائهما بعد الإسلام لما عرفت من اختصاصه بغير حقوق الناس.

و من المحتمل كونه من حقوق الناس فالتمسك به في المحل المفروض تمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و هل المرجع حينئذ الأصل العملي أم العمومات الدالة على ثبوت الخمس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 252

و الزكاة و غيرهما؟

التحقيق: هو الأول لأن المفروض أن تلك العمومات قد خصصت بمجمل مصداقا فلو تمسكنا بها كان نظير التمسك بقوله: «أكرم العلماء» مع الشك في الفسق من باب الشبهة المصداقية بعد أن ورد قوله: (لا تكرم الفساق منهم) و قد حققنا في الأصول بطلانه فالمرجع فيما نحن فيه هو الأصل العملي و هو هنا استصحاب الاشتغال أو أصالة الاشتغال على الخلاف المذكور في الأصول.

و المختار هو الثاني في مثل المقام مما يكون الشك فيه تمام الموضوع لحكم العقل من دون دخل للواقع فيه أصلا. هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.

و أما (الجهة الثانية) و هي الأحكام الوضعية غير حقوق الناس

فملخص الكلام فيها أنه يمكن أن يقال بعدم جريانها فيها فإذا لاقى يد الكافر في حال كفره شيئا مع الرطوبة ثم أسلم لم يحكم بطهارة ذلك الشي ء فلا بد من تطهيره بعد إسلامه. و كذا لو ذبح غنما في حال كفره ثم أسلم لا يحكم بحلية ذبيحته و طهارتها و غيرهما من الأحكام الوضيعة.

و ذلك لأنه فرق بين الأحكام الوضيعة الثابتة عليه في حال كفره و بين الأحكام التكليفية لأن الأحكام التكليفية قد توجهت إلى نفس الكافر قبل إسلامه و اشتغلت ذمته بها قبله فإذا أسلم يحكم بانهدام تلك التكاليف، لصدق ثبوتها عليه قبل إسلامه، و كل تكليف قبلي فالإسلام يجبه.

و هذا بخلاف

الأحكام الوضعية، لعدم ثبوتها على ذمة الكافر في حال كفره، و انما حكم الشارع بتحقق اثر عند وجود موضوعه كالحكم بتنجس ما لاقى جسد الكافر مع الرطوبة و نحو ذلك، و هذه ليست تكاليف متوجهة إلى نفس الكافر حتى يجبها الإسلام فدليل الجب منصرف عن مثل هذه الأحكام الوضعية.

و لكن لا يبقى مجال لدعوى انصراف الدليل عنها، خصوصا مع أن مورد حديث الجب المروي عن علي- عليه السلام- هو الحكم ببطلان الطلاق الصادر عنه في حال كفره تمسكا بأن الإسلام يهدم ما قبله، مع أن من المعلوم أن صحة الطلاق ليست من الأحكام التكليفية بل من الأحكام الوضعية.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 253

نعم، لا يعبد أن يقال: إن الآثار في الأحكام الوضعية لو كانت مترتبة على الفعل الاختياري للكافر كما في الآثار المترتبة على الطلاق الذي هو فعل اختياري له، ففي مثل هذه الأمور يحكم بجريانها و يحكم بفساده إذا كان ذلك نافعا له، لأن القاعدة امتنانية.

و أما إن لم يكن الأثر مترتبا على فعله الاختياري بقيد الاختيار، كما في مثال تنجس ما لاقاه مع الرطوبة فلا تجري فيها القاعدة، لخروج هذا القسم من الأحكام الوضعية عن عمل الكافر فيحكم بانصراف الدليل عن هذه القسم من الحكم الوضعي، فلو أسلم الكافر لم يحكم بحلية ذبائحه و بطهارة ملاقياته و نحو ذلك كما افاده المشهور.

ثم، إنه لو أتى الكافر في حال كفره باعمال باطلة كما إذا صلى فاقدا لشرط الصحة ثم أسلم فهل يحكم بصحتها بهذه القاعدة بأن يقال: إن الإسلام جب فساد عمله أو أحرم بإحرام العمرة أو الحج ثم أسلم و كذا باقي العبادات، فلو أسلم في الوقت بعد أن صلى لم يجب

عليه إعادة صلاته و كذا لا يجب عليه إعادة إحرامه فيما إذا أحرم الكافر من الميقات و دخل الحرم ثم أسلم بل يأتي بأعمال الحج و العمرة.

و التحقيق: خلافه و ذلك لأن قاعدة الجب شأنها النفي دون الإثبات، فلا يمكن إثبات صحة ما اتى بها من الأعمال في حال كفره باطلا بها، ثم لا يخفى أن اللازم على ما ذكرنا هو أنه لو عقد على امرأة في حال كفره ثم أسلم هو الحكم ببطلان عقده، لأنه سابق على إسلامه فيجب بالقاعدة و لكن لا مطلقا بل فيما إذا كان بطلانه نافعا له، لأنها امتنانية و لكن مع ذلك الالتزام به مشكل كما أن الالتزام بعدم بطلانه أيضا مشكل، لأن المذكور في الحديث هو بطلان الطلاق الصادر قبل الإسلام و لا خصوصية للمورد فأي فرق بين بطلان العقد و بطلان النكاح و المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

[بيان عدم تعقل اشتغال ذمته بالقضاء]

قوله قده: (و دعوى أنه لا يعقل الوجوب عليه إذ لا يصح منه إذا اتى به و هو كافر و يسقط عنه إذا أسلم مدفوعة.).

اعلم أنه قد نشأ من مسلمية أمور ثلاثة اشكال:

(أحدها): أن الكافر مكلف بالفروع.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 254

(الثاني): أن الإسلام شرط في صحة عمله:

(الثالث): أنه لو أسلم بعد انقضاء وقت أداء الصلاة مثلا جب عنه ما كان قبله، و ذلك الاشكال هو عدم تعقل اشتغال ذمته بالقضاء، لعدم الفائدة في توجه الأمر إليه فلا يصح.

بيان ذلك: هو أن الكافر ما دام كافرا لا يصح منه القضاء، لعدم وجود شرطه و هو الإسلام و لو أسلم فلا تكليف له بالقضاء، لأنه جب عنه ما كان قبله فأي فائدة في تكليفه بالقضاء بل يلزم من ذلك

الأمر بالمحال، فإنه لا يتمكن من القضاء لا مع الكفر و لا مع الإسلام.

أما مع الكفر فلان الإسلام شرط للصحة و بدونه يقع العمل باطلا.

و أما مع الإسلام فلانه لا يبقى في ذمته شي ء حتى يأتي به، لأن المفروض إن الإسلام يجب ما قبله.

و يمكن الجواب عن ذلك بوجوه:

(الأول)- هو الالتزام بأن الأمر المتوجه إلى الكافر تهكمى لأجل أن يصح عقابه عليه.

و فيه: (أولا): أن ذلك لا يصحح العقاب على ترك امتثال أمر يستحيل امتثاله قبيح عقلا.

و (ثانيا): أن ظاهر الإطلاقات الشاملة للكافر و المسلم هو أن الأمر بالنسبة إلى الكافر أيضا حقيقي لا انه بالنسبة إلى المسلم حقيقي و بالنسبة إلى الكافر تهكمى.

(الثاني)- أن الأمر بالقضاء لا يتوجه اليه بعد مضى وقت الأداء حتى يقال بلزوم اللغوية و الأمر بالمحال، بل الأمر به يتوجه اليه حين ثبوت وقت الأداء على نحو الواجب المعلق فلا يلزم منه المحذور لأن الإسلام في الوقت لا يجب عنه الواجب، فعلى هذا مع تركه الإسلام في الوقت فوت على نفسه الأداء و القضاء فيستحق العقاب عليه.

و (فيه): أن التعليق و إن كان ممكنا ثبوتا كما حققناه سابقا لكن نلتزم به إثباتا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 255

فيما إذا قام دليل تعبدي عليه كما في قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» الظاهر في أن تمام الموضوع لوجوب الحج هو الاستطاعة بدون دخالة الموسم، و أما ثبوت الأمر بالقضاء حين وقت الأداء على نحو التعليق فلم يثبت من الأدلة.

(الثالث)- أنا لا نقول بتوجه أمر على حدة بالقضاء اليه بعد فوات وقت الأداء حتى لزم ما عرفت من المحذور، بل نقول إنه انما توجه إليه

الأمر بإتيان العمل في الوقت و كان ذلك ممكنا له بان يسلم ثم يأتي بالعمل في الوقت و هذا الأمر إنما يكون على نحو تعدد المطلوب، لما ورد من دليل قضاء الفوائت.

و على هذا لو لم يسلم و ترك العمل المأمور به في الوقت فلا محالة يبقى في ذمته، فلو أسلم جب عنه ذلك، و لو لم يسلم بقي في ذمته و عوقب عليه و هذا معنى تكليفه بالقضاء لا انه توجه اليه خطاب آخر بالقضاء حتى يقال بتعلقه بغير مقدور، أو أنه خطاب بلا فائدة.

نعم، هنا إشكال في خصوص الصوم و هو أنه قبل طلوع الفجر لا يكون مكلفا بالصوم و توجه التكليف اليه به من أول طلوع الفجر تكليف بالمحال، لأنه في حال كفره لا يصح منه الصوم و لو أسلم، فبمجرد ذلك يمضى آن من آنات النهار فاقدا لشرط الصحة فلا يتمكن من صوم تمام النهار جامعا للشرائط و صوم بعضه غير صحيح إلا في مورد قام دليل تعبدي عليه.

و (بعبارة أخرى) الإسلام ليس واجبا عليه بالوجوب المقدمي قبل طلوع الفجر، لعدم تحقق زمان ذي المقدمة و حين طلوعه لو أسلم مضى آن من الوقت.

(و الجواب) ان حال الإسلام قبل الوقت حال سائر المقدمات المفوتة كالغسل قبل الفجر فبأي نحو دفعنا الاشكال فيها من الالتزام بتولد خطاب شرعي، أو الالتزام بحكم العقل، أو بالتعليق أو بغير ذلك نقول به فيما نحن فيه أيضا فكل على مسلكه في المقدمات المفوتة.

[المسألة التاسعة و السبعين حج المرأة]
[لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة]

قوله قده: (لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة و لا يجوز له منعها.).

لا ينبغي الكلام في ذلك، و قد ثبت الوفاق و الاتفاق عليه قديما و حديثا. و يشهد

له

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 256

جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح محمد عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: سألته عن المرأة لم تحج و لها زوج و أبي أن يأذن لها في الحج فغاب زوجها فهل لها أن تحج؟ قال- عليه السلام-:

(لا اطاعة له عليها في حجة الإسلام) «1».

2- صحيح معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: أمرية لها زوج فأبى أن يأذن لها في الحج و لم تحج حجة الإسلام فغاب عنها زوجها، و قد نهاها أن تحج؟ فقال- عليه السلام-: (لا طاعة له عليها في حجة الإسلام و لا كرامة لتحج إن شائت) «2».

3- صحيح زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: سألته عن أمرية لها زوج و هي صرورة و لا يأذن لها في الحج؟ قال: (تحج و ان لم يأذن لها) «3».

4- مرسلة المقنعة قال: سئل- عليه السلام- عن المرية تجب عليها حجة الإسلام يمنعها زوجها من ذلك أ عليها الامتناع؟ فقال- عليه السلام-: (ليس للزوج منعها من حجة الإسلام و ان خالفته و خرجت لم يكن عليها حرج) «4». الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

[و كذا في الحج الواجب بالنذر و نحوه]

قوله قده: (و كذا في الحج الواجب بالنذر و نحوه إذا كان مضيقا).

لا يخفى أن هذا الحكم انما يتم فيه بعد فرض انعقاد نذرها باذن زوجها لو قلنا باشتراطه في نذرها فبعد انعقاده منها جامعا للشرائط يحكم بوجوبه عليها و ليس له منعها عنه.

إلا أن يقال: إن صحة نذرها مشروطة بإذن زوجها حدوثا و بقاء و سيأتي الكلام في ذلك- ان شاء اللّه تعالى- في مبحث الحج النذري مفصلا. و المقصود هنا أنه بعد فرض

تحقق وجوب الحج عليها بنذر و نحوه ليس له أن يمنعها عنه كما في مرسلة المعتبر قال- عليه السلام-: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) «5» و هذا الحديث و ان كان مرسلا

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 59- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب 59- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 3

(3) الوسائل- ج 2- الباب 59- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 4

(4) الوسائل- ج 2- الباب 59- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 6

(5) الوسائل- ج 2- الباب 59- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 257

لكن مضمونه مما تسالم عليه الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- كما يظهر من تتبع كلماتهم في موارد مختلفة: كمبحث رجوع المولى عن اذن العبد في الحج بعد تلبسه بالإحرام و غير ذلك. بل لا يبعد أن يقال: إن اختصاص اذن من يشترط اذنه من المخلوقين، كالمولى، و الزوج بغير الواجبات من ضروريات الفقه.

[أما في الحج المندوب فيشترط اذنه]

قوله قده: (و أما في الحج المندوب فيشترط اذنه.)

بلا خلاف أجده في ذلك، و هذا هو المعروف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا بل في الجواهر بعد نقل كلام المحقق- طاب ثراه-: (لا يصح حجها تطوعا إلا بإذن زوجها). (إجماعا محكيا عن التذكرة. بل في المدارك: نسبته إلى علمائنا اجمع. بل فيها عن المنتهى: (لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم و هو الحجة).

و يدل عليه- مضافا الى ما ثبت في محله: من اشتراط جواز خروجها عن بيت زوجها باذنه- موثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن- عليه السلام- قال: سألته عن المرأة الموسرة قد

حجت حجة الإسلام تقول لزوجها أحجني من مالي أ له أن يمنعها من ذلك؟

قال: نعم. و يقول: لها حقي عليك أعظم من حقك على في هذا «1».

[و المطلقة الرجعية كالزوجة]

قوله قده: (و المطلقة الرجعية كالزوجة في اشتراط اذن الزوج ما دامت في العدة).

لا ينبغي الإشكال في ذلك بعد ثبوت الوفاق و الاتفاق عليه قديما و حديثا من دون تعرض لخلاف فيه و يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: المطلقة ان كانت صرورة حجت في عدتها. و ان كانت حجت فلا تحج حتى تقضى عدتها «2».

2- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام. في حديث قال:

لا تحج المطلقة في عدتها «3».

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب 59 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل- ج 2، الباب 60- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) الوسائل- ج 2، الباب 60- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 258

3- رواية أبي هلال عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في التي يموت عنها زوجها تخرج الى الحج و العمرة و لا تخرج التي تطلق، لأن اللّه تعالى يقول (وَ لٰا يَخْرُجْنَ) «1» الا أن يكون طلقت في سفر «2» و هذه الاخبار و ان كان مقتضى إطلاقها عدم جواز الحج المندوب لها و لو باذن زوجها لكنها محمولة على خصوص صورة عدم اذنه لها، لموثق معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه- عليه السلام-: قال سمعته يقول: المطلقة تحج في عدتها إن طابت نفس زوجها «3».

[بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه]

قوله قده: (بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه).

لا يخفى أن إطلاق ما تقدم من الاخبار- المقتضية لاشتراط إذن زوجها في حجها المندوب- منزلة على صورة كون الطلاق رجعيا. و اما لو كان بائنا فلا يعتبر اذنه فيه،

لانقطاع عصمتها عنه و مالكيتها لنفسها و تذهب حيث شائت. كما يدل على ذلك صحيحة سعيد بن أبي خلف قال: سألت أبا الحسن موسى- عليه السلام- عن شي ء من الطلاق؟ فقال: إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها و ملكت نفسها، و لا سبيل له عليها و تعتد حيث شائت، و لا نفقة لها، قال: قلت: أ ليس اللّه عز و جل يقول:

(لٰا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لٰا يَخْرُجْنَ)؟ قال: فقال: إنما عنى بذلك التي تطلق تطليقة، فتلك لا تخرج و لا تخرج حتى تطلق الثالثة، فإذا طلقت الثالثة فقد بانت منه، و لا نفقة لها، و المرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يخلوا أجلها فهذه أيضا تقعد في منزل زوجها، و لها النفقة و السكنى حتى تنقضي عدتها «4».

[و كذا المعتدة للوفاة فيجوز لها الحج واجبا كان أو مندوبا]

قوله قده: (و كذا المعتدة للوفاة فيجوز لها الحج واجبا كان أو مندوبا)

لا ينبغي الإشكال فيه و يدل عليه موثق زرارة عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- سألته

______________________________

(1) سورة: الطلاق الآية- 1.

(2) الوسائل- ج 2 الباب 60- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(3) الوسائل- ج 3، الباب- 22- من أبواب العدد الحديث 2.

(4) الوسائل- ج 3، الباب 20- من أبواب العدد الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 259

عن المرأة التي يتوفى عنها زوجها أ تحج؟ فقال: نعم «1».

و ما عن ابن بكير قال سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن المتوفى عنها زوجها تحج في عدتها؟ قال: نعم تخرج و تنتقل من منزل الى منزل «2» الى غير ذلك من الروايات الواردة عنهم- عليهم السلام.

[المسألة الثمانين تتمة مبحث حج المرأة]
[لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة إذا كانت مأمونة]

قوله قده (لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها و بعضها كما دلت عليه جملة من الاخبار و لا فرق بين كونها ذات بعل أولا).

لا ينبغي الإشكال في ذلك و عليه جميع الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- و في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بيننا).

و يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح صفوان الجمال قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام- قد عرفتني بعملي تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها و حبها إياكم، و ولايتها لكم ليس لها محرم؟ فقال- عليه السلام-: إذا جائت المرأة المسلمة فاحملها فإن المؤمن محرم المؤمنة ثم تلا هذه الآية:

(وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ «3») «4».

2- صحيح هشام بن سالم عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في المرأة تريد الحج ليس لها محرم هل يصلح لها الحج؟ قال: نعم

إذا كانت مأمونة «5».

3- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن المرأة تخرج إلى مكة بغير ولى؟ فقال- عليه السلام-: لا بأس تخرج مع قوم ثقات «6» 4- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن المرأة تحج بغير وليّ؟ قال: لا بأس و ان كان لها زوج، أو أخ، أو ابن أخ، فأبوا أن يحجوا بها و ليس لهم سعة، فلا ينبغي لها أن تقعد و لا ينبغي لهم أن يمنعونها «7»،

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 61 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل ج 2- الباب 61 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(3) سورة التوبة: الآية- 72.

(4) الوسائل- ج 2- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 1

(5) الوسائل- ج 2- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 2

(6) الوسائل- ج 2- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 3

(7) الوسائل- ج 2- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 260

5- عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سألته عن المرأة تحج بغير وليها؟ فقال: إن كانت مأمونة تحج مع أخيها المسلم «1».

6- في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه- عليهما السلام- أن عليا- عليه السلام- كان يقول: لا بأس أن تحج المرأة الصرورة مع قوم صالحين إذا لم يكن لها محرم، و لا زوج «2».

7- مرسلة المقنعة قال: سئل عن المرأة أ يجوز لها أن تخرج بغير محرم؟ فقال:

إذا كانت مأمونة

فلا بأس «3».

و مقتضى هذه الأخبار هو الحكم بوجوب الحج على المرأة المستطيعة بمجرد وجود الرفقة إذا كانت مأمونة على نفسها و بضعها.

[و أما إذا لم تكن مأمونة]
[يجب عليها استصحاب المحرم]

قوله قده: (و مع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم و لو بالأجرة مع تمكنها منها.).

لا ينبغي الكلام في ذلك لكون استصحاب المحرم من المقدمات الوجودية لا من المقدمات الوجوبية و ليس تحصيلا للاستطاعة كما لا يخفى.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 1، ص: 260

[لا تكون مستطيعة و هل يجب عليها التزويج تحصيلا للمحرم وجهان]

قوله قده: (و مع عدمه [يعنى مع عدم الأمن] لا تكون مستطيعة و هل يجب عليها التزويج تحصيلا للمحرم؟ وجهان.).

قد عرفت مما مضى من الأخبار أن المرأة مع عدم وجود محرم لها انما يحكم بوجوب الحج عليها لو كانت مأمونة على نفسها، و الا فلا. و يقع الكلام فعلا في أنها لو لم تكن مأمونة على نفسها بالخروج إلى الحج بدونه هل يجب عليها التزويج تحصيلا للمحرم أم لا؟ وجهان:

مبنيان على أنه هل يكون اعتبار الأمن في الحكم بوجوب الحج عليها من جهة دخله في تحقق الموضوع كالزاد و الراحلة، أو يكون منشأ اعتباره من جهة أهمية حفظ النفس و العرض؟

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 5

(2) الوسائل- ج 2، الباب 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 7

(3) الوسائل- ج 2، الباب 58- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 261

فان قلنا بالأول كما يمكن أن يدعى دلالة الأخبار المتقدمة- الدالة على أنه لو لم تكن مأمونة لم يجب عليها الحج- على ذلك فالمتجه حينئذ عدم وجوب تحصيله عليها بالتزويج لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب.

و إن قلنا بالثاني فالمتجه وجوب تحصيله بالتزويج و لو بالعقد المنقطع و

لكن لا مطلقا بل فيما إذا تمكنت من ذلك بدون لزوم عسر و حرج بحيث لا يعاب عليها بمرتبة يوجب هتك حرمتها و ذهاب ماء وجهها، هذا و الإنصاف أن الأخبار المتقدمة- الدالة على عدم وجوب الحج عليها مع عدم الأمن- ليس صريحا و لا ظاهرا في دخالة الأمن في تحقق الموضوع، لكونه الأعم من أن يكون وجه اعتباره من جهة دخله في الموضوع، أو من جهة أهميته، لعدم كون خطاب المهم فعليا عند امتثال خطاب الأهم، فيصدق عدم كونها مخاطبة بالحج.

و الأخبار المتقدمة إنما دلت على عدم وجوب الحج عليها مع عدم الأمن و عدم وجود المحرم، و لم يبين فيها أنه هل ذلك لأجل دخالة الأمن في الموضوع، أو لأجل الأهمية فالأخبار من هذه الجهة مجملة فيشك في دخله في الموضوع و المرجع حينئذ هو إطلاق الأخبار المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة الخالية عن ذكر هذا القيد المقتضية بإطلاقها لعدم دخله في تحقق الموضوع، فيحكم بوجوب تحصيل المحرم عليها، لكونه حينئذ من المقدمات الوجودية، و يتفرع على ذلك أمور:

(الأول): ما عرفت من وجوب تحصيل المحرم عليها لو لم تكن مأمونة بدون ذلك إذا لم يستلزم العسر و الحرج.

(الثاني): أنها لو حجت بلا محرم مع عدم الأمن أجزأ حجها عن حجة الإسلام لعدم دخالة الأمنية على المفروض في الموضوع- أعني الاستطاعة.

(الثالث): أنها لو تركت الحج من جهة عدم تمكنها من التزويج في صورة عدم الأمن يحكم باستقرار الحج عليها فيما إذا حصل لها الأمن في السنوات اللاحقة و أن لم تبق استطاعتها إلى تلك السنوات، و ذلك لعدم سقوط أصل خطاب الحج عنها بصرف عدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 262

الأمن و انما

يسقط بذلك فوريته، فان عدم الأمن لم يكن مزاحما لأصل الحج و انما كان مزاحما لفورية وجوبه فاستقر أصل الحج في ذمتها و سقطت الفورية عنها. ثم، إنه قد يقال بتعين الاستنابة عليها في هذا الفرض و يستدل له بوجهين:

(الأول)- قاعدة الميسور بأن يقال: إنه لا إشكال في وجوب الحج عليها في هذه السنة مباشرة لو كانت مأمونة، و لكن من جهة عدم أمنها تسقط عنها قيد المباشرة، فعليها الاستنابة.

و (فيه):- مضافا إلى أن سقوط قيد المباشرة ليس بأولى من سقوط قيد الفورية- أن الاستنابة لا تعد عرفا ميسورا للحج المباشري كما لا يخفى.

(الثاني)- إطلاق النصوص الدالة على وجوب الاستنابة للحج على المستطيع المعذور عن المباشرة الشامل لمطلق المعذور و لمطلق العذر و إن كان مرجو الزوال و إن كان امرأة- المتقدمة في مبحث الاستنابة- إذ تخصيصه بذلك خلاف إطلاق الأخبار، فيتعين عليها الاستنابة فإذا استنابت في عام استطاعتها ثم زالت استطاعتها في السنة اللاحقة لم يكن عليها الحج قطعا. و أما لو بقيت استطاعتها، أو زالت ثم تجددت ففي وجوب الحج عليها مباشرة و عدمه كلام قد تقدم في الاستنابة من أن الحج النيابي عن الحي المعذور عن المباشرة هل يجزى عنه مع فرض ارتفاع عذر المستنيب في السنين اللاحقة و بقاء الاستطاعة أو تجددها أم لا، لكون المقام من صغرياته فراجع.

(فائدة): لا إشكال في أن اخبار البذل مطلقة و ليست منصرفة إلى خصوص الرجال، فلو عرض الحج على المرأة الصرورة و بذل لها مقدار نفقة الحج يحكم بوجوبه عليها مع ثبوت الأمن لها من دون اعتبار اذن زوجها في ذلك.

هذا و أما لو لم يعرض عليها الحج لكن أراد شخص أن يهب لها

مقدارا من المال الموجب لاستطاعتها لا بعنوان عرض الحج، فهذا داخل في الاستطاعة المالية و لا يجب عليها قبولها، لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب. و لكن لو قبلتها يحكم بوجوب الحج عليها إذا كانت جامعة لجميع الشرائط الأخر، و لا يشترط اذن زوجها كما عرفت لكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 263

الكلام في اشتراط اذن زوجها و عدمه في قبولها الهبة.

يمكن أن يقال بذلك، لأن قبولها لها موجب لسقوط حقوق زوجها من الاستمتاع و غيره، لصيرورتها بذلك مستطيعة فيصير زوجها ممنوعا عن استيفاء ماله عليها من الحقوق فله منعها عن قبولها حتى لا يجب عليها الحج.

و لكن التحقيق: عدم اعتبار اذنه في قبولها للهبة و ذلك لعدم كون قبولها في نفسه مما يشترط فيه اذن زوجها غاية الأمر أن ذلك يوجب تحقق موضوع الحكم الشرعي المسقط لحق الزوج و هو الاستطاعة الموجبة لوجوب الحج عليها، و لم يقم دليل تعبدي على كون ذلك موجبا لاعتبار اذن زوجها في ذلك. فيكون من قبيل ما لو تكسبت المرأة إلى ان صارت مستطيعة، فإنه ليس للزوج منعها عنه حذرا عن حصول الاستطاعة إلا إذا كان التكسب موقوفا على خروجها عن دار زوجها أو منافيا لحقوق زوجها فان له حينئذ منعها.

[في اختلاف الزوج و الزوجة في الامنية و عدمها]

قوله قده: (و لو كانت ذات زوج و ادعى عدم الأمن عليها و أنكرت قدم قولها مع عدم البنية أو القرائن الشاهدة و الظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها.).

اعلم أن اختلاف الزوج و الزوجة في ثبوت الأمنية يتصوين على نحوين:

لأنه (تارة) لا يكون مصب الدعوى إثبات حق لأحدهما على الآخر، و انما الاختلاف بينهما في صرف ثبوت الأمنية حتى يكون الحج واجبا عليها و عدمها حتى

لا يكون واجبا عليها بأن تدعى الزوجة ثبوتها و أنكره الزوج و (اخرى) يكون مصب الدعوى بينهما حقا من الحقوق كان يكون النزاع بينهما في بقاء حق الاستمتاع و عدمه بأن يدعى الزوج البقاء، لعدم الأمنية، و تدعى الزوجة السقوط، لثبوتها. و في بقاء حق النفقة و عدمه بأن تدعى الزوجة ثبوتها و لو في حال سفرها للأمنية و يدعى الزوج سقوطها، لعدمها.

و كذلك حق الاستيذان بناء على كون استيذان الزوجة للزوج في الخروج عن المنزل من حقوق الزوج لأمن الأحكام على الزوجة، بأن يدعى الزوج ثبوته، و ادعت الزوجة سقوطه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 264

أما إذا كان الاختلاف بينهما على (النحو الأول) بأن اختلفا في وجوب الحج، لوجود الأمن، و عدمه، لعدمه، فلا إشكال في عدم دخوله في باب التداعي و المدعى و المنكر حتى يقال بلزوم رفع النزاع إلى الحاكم و يحكم بمقتضى البينة و اليمين، لأنه يعتبر فيه أن يكون مصب الدعوى حقا من الحقوق. و ما نحن فيه ليس كذلك، لاختلافهما في التكليف، فلا بد لكل من الزوج و الزوجة العمل على طبق اعتقاده فيجب على المرأة الخروج إلى الحج حسب اعتقادها من ثبوت الأمن، و للزوج منعها من الخروج إليه بإيجاد المانع من سفرها و تهية مقدماته حسب اعتقاده من عدم ثبوت الأمن لها، لأن ذهابها اليه بحسب عقيدته مناف لحفظ نفسها- و عرضها الذي هو مهم بنظر الشارع المقدس- بحيث حكم بوجوب حفظهما على اى حال.

و ليس هذا من باب النهى عن المنكر حتى يقال: إنها باعتقادها الأمنية ليست قاصدة لارتكاب المنكر حتى يجب نهيها عنه، بل من باب أن حفظ النفس و العرض من الواجبات المهمة بنظر

الشرع، فعلى الزوج الذي يعلم بعدم الامنية لها منعها عن الخروج اليه باطنا بأي نحو أمكنه. بل لا يختص هذا التكليف بالزوج، لوجوبه على كل من اعتقد بعدم الأمن لها في خروجها إلى الحج و لو اعتقدت هي الأمن على نفسها و بضعها.

و أما إذا كان الاختلاف بينهما على (النحو الثاني): بأن اختلفا في بقاء حق الاستمتاع لعدم الأمن، و بعدمه، لوجوده. فنقول:

إنه (تارة) يفرض أن الحالة السابقة ثبوت الأمنية و قد حصل الاختلاف بينهما في بقائها و انتفائها بأن ادعت الزوجة بقائها و أنكره الزوج.

و (اخرى) يفرض عدمها في السابق، و قد وقع الاختلاف بينهما في أصل حصولها و عدمه.

و (ثالثة) يفرض عدم العلم بالحالة السابقة.

فعلى (الأول): يكون القول قول الزوجة مع اليمين، لكونها منكرة، فان قولها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 265

موافق للأصل الموضوعي و هو استصحاب بقاء الأمن.

و على (الثاني): يكون القول قول الزوج مع اليمين، لموافقة قوله مع الأصل الموضوعي و هو استصحاب عدم الأمن فهو المنكر و على (الثالث): يكون من باب التداعي في فرض رجوع الاختلاف في الأمن و عدمه إلى دعوى الحقوق، بأن يدعى الزوج ثبوت حقه عليها من الاستمتاع و غيره، كما هو المفروض من قابليتها للاستمتاع و عدم المانع عنه من مرض، أو حيض و غيرهما من موجبات سقوط حق الزوج و عدم إمكان الزوج من استيفاء حقه، و هي تدعي ثبوت حقها عليه من النفقة في صورة تمكن الزوج من إعطائها لها، و عدم سقوط نفقتها بأحد موجباته.

و بالجملة انما يكون فرض المسألة فيما إذا كانت الزوجة قابلة للاستمتاع و عدم سقوط نفقتها، و كيف كان فيكون من باب التداعي، لعدم كون قول واحد

منهما موافقا للأصل كما لا يخفى.

[المسألة الحادية و الثمانين]
[إذا استقر عليه الحج و أهمل حتى زالت الاستطاعة]

قوله قده: (إذا استقر عليه الحج بان استكملت الشرائط و أهمل حتى زالت أو زال بعضها صار دينا عليه و وجب الإتيان به بأي وجه تمكن.).

لا يخفى أن من استقر عليه الحج (تارة) يفرض عدم تمكنه من الخروج إلى الحج و لو متسكعا و (اخرى) يفرض تمكنه منه.

أما (الفرض الأول): فهو خارج عن محط البحث و الكلام و لا إشكال في عدم توجه خطاب الحج إليه، لأنه تكليف بغير المقدور و هو قبيح.

و لكن لا إشكال في اشتغال ذمته به و لو مع فرض امتداد عدم قدرته من الإتيان به متسكعا إلى آخر عمره.

و تظهر الثمرة حينئذ بعد موته فإنه يحكم بوجوب إخراج نفقة حجه من ماله لو كان له مال بمقدارها و لو ميقاتيا. و تظهر أيضا في التبرع بان يتبرع عنه بعد موته بإتيان ما عليه من حجة الإسلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 266

و أما (الفرض الثاني): فمحصله أنه (تارة) يتمكن منه متسكعا بدون عسر و حرج كما لو فرضنا تمكنه من خدمة القوم و الذهاب معهم و عدم كون ذلك حرجيا عليه و (اخرى) يتمكن منه متسكعا لكن مع كونه حرجيا عليه.

أما (الفرض الأول) فملخصه أنه لا ينبغي الإشكال في وجوبه عليه كذلك، لاستقراره في ذمته، لتركه بدون عذر إلى أن زالت عنه الاستطاعة.

و أما (الفرض الثاني): فيقع فيه الكلام في أنه هل يجب عليه ذلك أم لا؟ مقتضى قاعدة نفي العسر و الحرج هو عدمه، لحكومتها على جميع الأدلة الأولية فينتفى بها الخطاب بالحج متسكعا، لئلا يقع في العسر و الحرج. نعم، ذمته مشغولة به فيجب أن يقضى عنه بعد موته إن كانت له

تركة.

و قد يقال بوجوبه. و يمكن أن يستدل عليه بوجوه:

(الأول)- الإجماع، فإن الظاهر من كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- هو التسالم على وجوب الحج متسكعا على من استقر عليه الحج، إلا إذ انتفى مع انتفاء الشرائط أصل القدرة. و أما مع بقاء القدرة فيجب عليه و لو استلزم الحرج.

و (فيه): بعد تسليم هذا الإجماع أن كونه تعبديا غير معلوم، لاحتمال كون مدرك المجمعين ما سنذكره من الوجوه.

(الثاني)- أنه أوقع نفسه بسوء اختياره في هذا المحذور، فعليه الحج و لو كان حرجيا. و هذا التقريب نظير قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

و (فيه): أن مقتضى إطلاق دليل نفي العسر و الحرج هو شموله لما إذا نشأ العسر و الحرج من سوء اختياره كشموله لغير ذلك، إلا إذا ورد دليل على التقييد و هو مفقود كما أن ما يقال من أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار إنما يصح ذلك بالنسبة إلى العقاب دون الخطاب، كما قد حقق في محله.

(الثالث)- الأخبار المتقدمة في الاستطاعة البذلية- الدالة على أنه ليس له أن يستحيي بل يجب عليه الخروج إلى الحج و لو على حمار أجدع أبتر- (بدعوى) كون

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 267

الاستطاعة المالية كالبذلية.

و (فيه): أن تلك الاخبار تدل على وجوب خروج المبذول له إلى الحج في عام البذل و لو ببذل حمار أجدع أبتر، و أى ربط لذلك بما نحن فيه.

(الرابع)- خبر أبي بصير قال: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- قول اللّه عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟ قال: يخرج و يمشي إن لم يكن عنده. قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: يمشى و يركب قلت: لا

يقدر على ذلك أعني المشي؟ قال: يخدم القوم و يخرج معهم «1».

و هذا الخبر كما ترى غير مختص بصورة الاستقرار، إلا أن يحمل على ذلك جمعا بينه و بين الأخبار الدالة على اعتبار الاستطاعة الشرعية في الحكم بوجوب الحج، فيصير شاهدا على المدعى.

و لكن التحقيق: عدم صحة الاستدلال به أيضا لأن فيه احتمالات كثيرة موجبة لإجماله:

(الأول): أن يكون المراد منه ما هو المقصود- و هو وجوب الحج على من استقر عليه الحج و زالت عنه الاستطاعة و لو بخدمة القوم. و هذا كما ترى خلاف ظاهره، فان الظاهر منه كونه في مقام بيان تفسير الاستطاعة المذكورة في الآية الشريفة لوقوعه الجواب عن السؤال عنها.

(الثاني): أن يكون المراد منه عدم اعتبار وجدان الراحلة في تحقق الاستطاعة لمن كان قادرا على المشي. و أما ذيله و هو قوله- عليه السلام-: «يخدم القوم و يخرج معهم» فهو معرض عنه.

(الثالث): أن يقال: إن المراد منه اعتبار استطاعة أخرى غير الاستطاعة المالية (بدعوى) أن الحج عمل بدني و مالي و يجب عن استطاعة بدنية و مالية من دون ربط لإحداهما بالأخرى.

______________________________

(1) الوسائل- ج 2 الباب 11- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 268

و يترتب على ذلك أمور:

(الأول): عدم اجزاء حج المستطيع عن حجة الإسلام لو أتى به متسكعا و بالخدمة.

(الثاني): وجوب الحج عليه ثانيا بالمباشرة لو استطاع بالاستطاعة المالية دون البدنية و استناب ثم حصل له الاستطاعة البدنية. فأخبار النيابة ناظرة إلى وجوب الحج من حيث الاستطاعة المالية دون البدنية.

(الثالث): وجوب الحج عليه مع وجود الاستطاعة البدنية فقط دون المالية من المعلوم أن بعض هذه الفروع خلاف المسلمات. و أصل المبنى خلاف ظاهر

الأخبار الواردة في تفسير الاستطاعة، حيث أن الظاهر منها أن الاستطاعة عبارة عن مجموع أمور مخصوصة بحيث يكون لاجتماعها دخل في وجوب الحج، فلو تخلف واحد منها فلا وجوب.

و لو سلم كون المراد منه هو الاحتمال الأول فلا يتم دلالته على المدعى، و ذلك لعدم كون الخروج إلى الحج و لو بخدمة القوم حرجيا لكل أحد حتى يقال: إنه حكم ثبت بعنوان العسر و الحرج و لا يرفعه قاعدة نفي العسر و الحرج بل يختلف ذلك باختلاف الأشخاص، فرب شخص لا يكون خروجه اليه متسكعا و لو بالخدمة حرجيا عليه، و رب شخص يكون ذلك حرجيا عليه أشد الحرج، فبالنسبة الى من هو حرجي عليه تجري القاعدة.

هذا كله مضافا الى ما فيه من ضعف السند.

(الخامس)- الأخبار الدالة على أن من استطاع و ترك الحج بلا عذر فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قال اللّه تعالى:

«وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟ «1» قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة و إن كان سوفه للتجارة فلا يسعه. و إن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذ هو يجد ما يحج به «2».

______________________________

(1) سورة آل عمران: الآية- 91-

(2) الوسائل ج 2- الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 269

2- صحيح حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1».

3- خبر أبي حمزة عن أبي عبد اللّه-

عليه السلام- قال من قدر على ما يحج به و جعل يدفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّه فيه حتى جاء الموت، فقد ضيع شريعة من شرائع الإسلام «2» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و الأخبار الدالة على أنه يحشر يوم القيامة أعمى- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل له مال و لم يحج قط؟ قال: هو ممن قال اللّه تعالى وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ «3» قال: قلت سبحان اللّه أعمى؟ قال: أعماه عن طريق الحق «4».

و رواه الصدوق- رحمه اللّه- بإسناده عن معاوية بن عمار مثله الا أنه قال: لم يحج قط و له مال و قال في آخره: عن طريق الخير. و رواه على بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير مثله الا أنه قال: عن طريق الجنة.

2- عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن احمد بن الحسن الميثمي عن أبان بن عثمان عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: من مات و هو صحيح موسر لم يحج، فهو ممن قال اللّه تعالى «وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ» قال: قلت:

سبحان اللّه أعمى؟ قال: نعم، أن اللّه عز و جل أعماه عن طريق الحق «5».

3- عن محمد بن فضيل قال: سألت أبا الحسن عن قول اللّه عز و جل «وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا» فقال نزلت في من سوف الحج حجة الإسلام و عنده ما يحج به فقال: العام أحج، العام أحج حتى يموت قبل أن يحج «6».

______________________________

(1) الوسائل ج- 2- الباب-

6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3.

(2) الوسائل ج- 2- الباب- 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 9.

(3) سورة طه: الآية- 124-

(4) الوسائل ج- 2- الباب- 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2.

(5) الوسائل ج- 2- الباب- 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7.

(6) الوسائل ج- 2- الباب- 6- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 8.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 270

4- عن كليب عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال سأله أبو بصير و أنا اسمع فقال له: رجل له مائة ألف فقال: العام أحج العام أحج، فأدركه الموت و لم يحج حج الإسلام؟

فقال: يا أبا بصير أما سمعت قول اللّه «وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا»؟ «1» أعمى عن فريضته من فرائض اللّه «2».

و الأخبار الدالة على أنه كافر و أنه يموت يهوديا أو نصرانيا- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قول اللّه «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟ قال: هذا لمن كان عنده مال و صحة، فإن سوفه للتجارة فلا يسعه ذلك. و إن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام، إذ ترك الحج و هو يجد ما يحج به و إن دعاه أحد إلى أن يحمله فاستحيى فلا يفعل، فإنه لا يسعه الا أن يخرج و لو على حمار أجدع أبتر و هو قول اللّه «وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ» «3» قال: و من ترك فقد كفر؟ قال: و لم لا يكفر و قد ترك شريعة من شرائع الإسلام! و

في قول اللّه «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ.» «4».

2- صحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه، فليمت يهوديا أو نصرانيا «5» و رواه الشيخ- رحمه اللّه- بإسناده عن محمد ابن يعقوب مثله الا أنه قال: إن شاء يهوديا و ان شاء نصرانيا.

3- عن حماد بن عمرو و انس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي- صلى اللّه عليه و آله- لعلي- عليه السلام- قال: يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة القتات، و الساحر، و الديوث، و ناكح المرأة حراما في دبرها و ناكح

______________________________

(1) سورة الإسراء: الآية- 75.

(2) الوسائل- ج 2- الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 12

(3) سورة آل عمران: الآية- 97.

(4) الوسائل- ج 2- الباب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 11

(5) الوسائل- ج 2 الباب- 7- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 271

البهيمة، و من نكح ذات محرم، و الساعي في الفتنة، و بايع السلاح من أهل الحرب، و مانع الزكاة، و من وجد سعة فمات و لم يحج، يا علي تارك الحج و هو مستطيع كافر يقول اللّه تبارك و تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ» يا على من سوف الحج حتى يموت بعثه اللّه يوم القيامة

يهوديا أو نصرانيا «1» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام-، فإنه و إن كان خروجه إلى الحج فعلا كذلك حرجيا عليه، لكن المفروض أنه تركه في ابتداء الأمر بلا عذر، فلو لم يأت به إلى أن مات كان مشمولا لتلك الأخبار.

و (فيه): أنه ببركة قاعدة نفي العسر و الحرج ينفي الوجوب عنه لحكومته على جميع الأدلة، غاية الأمر أنه مذنب باعتبار عدم إتيانه به بلا عذر و لكن هو يرفع بالتوبة. نعم لو ارتفع الحرج عنه كان قبول توبته مشروطا بإتيانه به.

و المتحصل من جميع ما ذكرنا أنه لم ينهض دليل معتبر على وجوب الحج متسكعا مع استلزامه العسر و الحرج و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط.

[و اختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار]

قوله قده: (و اختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار على أقوال: فالمشهور مضى زمان يمكن الإتيان بجميع أفعاله فيه مع الشرائط و هو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة و قيل: باعتبار مضى زمان يمكن إتيان الأركان فيه جامعة للشرائط فيكفي بقائها إلى مضى جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعى. و ربما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة و قد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام و دخول الحرم. و قد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة فلو أهمل استقر عليه و إن فقدت بعض ذلك، لأنه كان مأمورا بالخروج معهم. و الأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية، و البدنية، و السربية، و أما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقائه إلى آخر الأعمال.).

التحقيق: هو ما ذهب اليه المشهور من لزوم بقاء الشرائط إلى زمان يمكن الإتيان فيه

______________________________

(1) الوسائل- ج 2-

الباب- 7- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 272

بجميع الأعمال حتى يتحقق الاستقرار، فلو تلف ماله قبل ذلك لا يستقر عليه، لأنه قضية تبعية الحكم- و هو وجوب الحج في المقام- لموضوعه و هو الاستطاعة، و دورانه مدار موضوعه وجودا و عدما. و لذا لو دخل وقت الصلاة و لم يصل و مات قبل مضى زمان أربع ركعات، لم يجب عليه القضاء، لعدم بقاء الموضوع إلى مقدار يتمكن فيه من تمام العمل. و كذلك الأمر فيما نحن فيه، لعدم كون الموضوع لوجوب الحج وجود الاستطاعة حدوثا فقط بل الموضوع له وجودها حدوثا و بقاء، و لو بقيت الاستطاعة إلى زمان يتمكن من الإتيان بجميع الأعمال فيه كفى في تحقق الاستقرار، و إلا فلا خلافا لما أفاده المصنف (قده) من اشتراط بقائه إلى زمان يمكن العود فيه الى وطنه، و ذلك لعدم كون العود إلى الوطن من أعمال الحج.

و أما نفقته فهي و إن كانت دخيلة في تحقق الاستطاعة، و كذلك الرجوع الى الكفاية لو صح استفادته من الأخبار، أو قلنا: إن دليل نفي العسر و الحرج مقيد للواقع لكن يكفي في تحقق الحكم وجدانه لنفقة العود الى وطنه، و لمقدار الرجوع الى الكفاية إلى آخر الأعمال. و لا يضر في استقرار الحكم على ذمته تلفه قبل الرجوع الى وطنه و بعد الأعمال.

ان قلت: لو فرض عدم تأثير تلف مقدار نفقة عوده الى وطنه، و الرجوع الى الكفاية قبل رجوعه فما فائدة اعتباره.

قلت: هذا نظير تلف مقدار الرجوع الى الكفاية بعد العود فإنه كما ترى لم يكن وجدانه مجديا، إذا المفروض أنه تلف بعد الرجوع فورا. و قد بينا

سابقا في مبحث اعتبار الرجوع الى الكفاية أنه مع ذلك لا إشكال في كون حجه حجة الإسلام.

و بالجملة المستفاد من الآية الشريفة: (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) و الأخبار المفسرة لها- التي تقدم ذكرها في مبحث الاستطاعة المالية- وجوب الحج على المستطيع، و الحج عبارة عن اعمال خاصة، فيكفي في استقراره حدوث الاستطاعة بأي معنى فسرت و بقائها إلى آخر الوقت المقرر لتلك الأعمال و لا يعتبر في تحقق الاستقرار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 273

بقائها أزيد من ذلك، فاعتبار وجدانه لنفقة العود و الرجوع الى الكفاية دخيلا في تحقق الاستطاعة، لا يستلزم اعتبار بقاء الاستطاعة إلى زمن الرجوع في تحقق الاستقرار. هذا خصوصا إذا لم يكن مريدا للرجوع إلى وطنه بعد إتيانه باعمال الحج، بل أراد البقاء في مكة فحينئذ لا ينبغي الإشكال في كفاية وجود الاستطاعة إلى آخر زمان الأعمال في تحقق الاستقرار كما لا يخفى.

ثم، إنه يمكن أن يقال بكفاية بقاء شرائط الاستطاعة في تحقق الاستقرار إلى زمان الدخول في الحرم استنادا الى الأخبار الواردة في أن من مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه ذلك.

و (فيه): أنه حكم تعبدي ثبت في مورد خاص و لا يدل على تحقق استقرار الحج على من بقيت استطاعته الى زمان التمكن من الإحرام و دخول الحرم كما لا يخفى. فالأقوى في النظر هو ما افاده المشهور في ما به يتحقق الاستقرار.

و قد ظهر مما ذكرنا ضعف سائر الأقوال كما عن العلامة (قده) من احتمال الاجتزاء فيه بمضي زمان يتمكن فيه من الإحرام و دخول الحرم، و ما عن الشهيد (ره) من احتمال الاجتزاء بمضي زمان تتأدى به الأركان خاصة

و هو مضى جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعى. و حكى عن المهذب و التذكرة اختياره.

ثم، إنه لو علم من أول الأمر بعدم بقاء استطاعته الى آخر الأعمال فلا إشكال في عدم وجوب الخروج إلى الحج عليه. و لو علم ببقائها إلى آخر الأعمال فلا إشكال في وجوب خروجه اليه.

و أما لو شك في بقائها و عدمه فالمرجع هو الاستصحاب فيحكم بوجوب خروجه إلى الحج ظاهرا. ثم لو لم يخرج الى الحج و زالت استطاعته قبل مضى زمان يمكنه الإتيان بجميع الأعمال فيه، فان كان زوالها مستندا إلى عدم خروجه الى الحج بأن علم انه لو خرج الى الحج لم يتلف ماله، فلا إشكال في استقرار الحج عليه.

و أما إذا علم بعدم دخل ذهابه و عدمه إلى الحج في تلف ماله، فلا إشكال في عدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 274

استقرار الحج عليه، و ذلك لكشف تلفه عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر واقعا و أما لو شك في ذلك فقد شك في استقرار الحج عليه فالمرجع هو البراءة.

[و لو كان واجدا للشرائط حين المسير فسار ثم زال]

قوله قده: (و لو كان واجدا للشرائط حين المسير فسار ثم زال بعض الشرائط في الأثناء فأتم الحج على ذلك الحال كفى حجه عن حجة الإسلام إذا لم يكن المفقود مثل العقل بل كان هو الاستطاعة البدنية، أو المالية، أو السربية، و نحوها على الأقوى.).

لا يخفى أن ما أفاده المصنف (قده) هنا انما يتم بناء على القول بكفاية الاستطاعة حدوثا في استقرار الحج على المستطيع. و أما على المختار من أن الموضوع هو الاستطاعة حدوثا و بقاء الى آخر الأعمال، و كذلك على مختار المصنف (قده) الذي ذكره آنفا و

هو أن الموضوع لتحقق الاستقرار هو الاستطاعة حدوثا و بقاء الى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه، يتجه هنا القول بعدم إجزاء حجه عن حجة الإسلام، لعدم بقاء الموضوع الى آخر الأعمال، و لا وجه للتفكيك بين الاستقرار و الاجزاء. بأن يقال بلزوم اعتبار بقاء الاستطاعة إلى آخر الأعمال أو زمن العود في تحقق الاستقرار، و بعدم اعتبار بقائه إلى آخر الأعمال في الحكم بالاجزاء، فظهر من ذلك التهافت بين كلامي المصنف (قده).

نعم يمكن ان يقال بالاجزاء لو انتفى بعض الشرائط بعد الإحرام و دخول الحرم لما ورد من الاجزاء في من مات بعد الإحرام و دخول الحرم.

و هذا ايضا كما ترى لا يصح، لأنه قياس محض و تنقيح المناط القطعي في الشرعيات غير ممكن، لأن غاية ما يحصل منه الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا.

[المسألة الثانية و الثمانين إذا استقر عليه العمرة فقط أو الحج فقط]

قوله قده: (إذا استقر عليه العمرة فقط أو الحج فقط كما فيمن وظيفته حج الإفراد أو القران ثم زالت استطاعته فكما مر يجب عليه أيضا بأي وجه تمكن.).

لا يخفى أن هذا الكلام بإطلاقه مشكل بعين ما عرفته، لتماميته بالنسبة الى ما إذا لم يكن الإتيان بالحج متسكعا حرجيا عليه. و أما إذا كان الإتيان بالحج أو العمرة حرجيا عليه. فقد عرفت عدم ثبوت دليل تعبدي على لزوم تحمله له و مع ذلك قلنا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 275

بلزوم الاحتياط.

قوله قده: (و ان مات يقضى عنه.).

لا إشكال في اشتغال ذمته بالحج أو العمرة، فلو تبرع متبرع بالقضاء عنه صح و أجزأه و أما وجوب القضاء عنه فبالنسبة إلى الحج فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لما سيأتي- ان شاء اللّه تعالى- من الأخبار. و أما بالنسبة

إلى العمرة المفردة فإن قلنا بلزوم خروج كل واجب مالي من أصل المال- لأنه دين و الدين مقدم على الإرث- أو قلنا: إن خصوص الواجبات المالية كذلك و لكن التزمنا بدخول العمرة في الواجبات المالية، اتجه القول بوجوب القضاء عنه بإخراجها من أصل المال، و الا فلا دليل على وجوب قضاء العمرة المفردة، إلا إذا أوصى بها فتخرج من ثلث ماله إن كان وافيا بها.

ثم تنقيح البحث في خروج جميع الواجبات، أو خصوص الواجبات المالية من أصل المال و عدمه، و كذا تنقيح البحث في أنه هل الحج و العمرة من الواجبات المالية أم لا سيتضح لك تحقيق ذلك- ان شاء اللّه تعالى- في مبحث الحج النذري مفصلا.

و لنذكرها هنا فرعا لم يتعرض له المصنف (قده): و هو أنه إذا مات المستطيع في العام الأول من الاستطاعة فهل يحكم بوجوب القضاء عنه أيضا أم لا؟ فنقول: (تارة) يتكلم فيه بما تقتضيه القاعدة و (اخرى) بما تقتضيه النصوص، فالكلام يقع في مقامين:

أما (المقام الأول): فملخصه أنه يمكن القول بوجوب القضاء عنه، و ذلك لعدم ورود دليل تعبدي على دخالة الحياة في الاستطاعة، و انما كانت دخالتها لأجل دخلها في القدرة العقلية التي ليست من شرائط الاستطاعة شرعا بل هي شرط لحسن الخطاب عقلا، و على هذا فيحكم بوجوب القضاء عنه من أصل المال، لتمامية الموضوع كما هو المفروض فيشمله إطلاق الأخبار الدالة على لزوم إخراج حجة الإسلام من أصل التركة.

و (فيه): أن القدرة و ان لم تكن دخيلة شرعا في الموضوع و لا في الملاك؛ لكن لا ريب في كونها شرطا عقلا في حسن الخطاب بحيث يدور الخطاب مدارها وجودا و عدما فلا خطاب في البين

بدونها فلم تشتغل ذمته بالحج كي يحكم بوجوب القضاء عنه، لإفراغ

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 276

ذمته عنه كما هو واضح.

اللهم إلا أن يقال بكفاية فوت الملاك التام في وجوب القضاء و عدم توقفه على الخطاب، فحينئذ يتجه وجوب القضاء في المقام، لتمامية ملاك الحج فيه، إذ المفروض عدم دخل القدرة في الملاكات و دخلها في حسن الخطاب فقط.

هذا لكن الإنصاف أن تبعية القضاء لفوت الملاك دعوا بلا شاهد، فمقتضى القاعدة عدم وجوب القضاء عنه، هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما (المقام الثاني) فنخبة الكلام فيه أنه يمكن استظهار وجوب القضاء عنه من إطلاق الروايات- منها:

1- عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و يترك مالا؟ قال: عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له «1».

2- عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها أ يقضى عنه؟ قال: نعم «2».

3- عن رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها أ يقضى عنه؟ قال: نعم «3».

4- عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام يحج عنه؟ قال: نعم «4».

إلى غير ذلك من الروايات الواردة عنهم- عليهم السلام.

و هذه الأخبار كما ترى مطلقة لا تختص بما بعد عام الاستطاعة بل مقتضى إطلاقها وجوب القضاء عن كل من مات و ترك من المال ما يحج به و لو لم يكن مستطيعا في حال حياته لفقد شرط آخر كما كان

فاقدا لخلو السرب لكن قيد هذا الإطلاق بالنصوص الخاصة- الدالة على عدم وجوب القضاء عمن لم يكن مستطيعا في حال حياته منها-:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل توفى و أوصى

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 2

(3) الوسائل- ج 2- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 6

(4) الوسائل- ج 2- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 277

أن يحج عنه؟ قال: ان كان صرورة في جميع المال أنه بمنزلة الدين الواجب. و ان كان قد حج فمن ثلثه. و من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك إلا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحق بما ترك، فان شاؤا أكلوا، و إن شاؤا حجوا عنه «1».

2- صحيح بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق؟ قال: أن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام. و ان كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته، و ما معه في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين قلت: أ رأيت ان كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل أن يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه؟ قال: يكون جميع ما معه و ما ترك للورثة الا ان يكون عليه دين فيقضى

عنه، أو يكون أوصى بوصيته فينقل ذلك لمن أوصى له و يجعل ذلك من ثلثه «2».

3- ما عن هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة؟ قال: هم أحق بميراثه ان شاؤا أكلوا و إن شاؤا حجوا عنه «3».

فهذه الأخبار كما ترى صريحة فيما تقتضيه القاعدة و ضرورة الفقه من عدم وجوب إخراج مؤنة الحج من مال الميت الذي لم يكن مستطيعا فالأخبار السابقة- الدالة على وجوب القضاء- مختصة بمن مات و كان مستطيعا و هي و ان كانت مطلقة من حيث كون موته قبل استقرار الحج عليه أو بعده و لكنه لا يظن التزام أحد بإطلاقها.

و يمكن تقييد إطلاقها بمفهوم صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام قال: سألني رجل عن أمرية توفيت و لم تحج فأوصت أن ينظر قدر ما يحج به فان كان أمثل أن يوضع في فقراء ولد فاطمة وضع فيهم و ان كان الحج أمثل حج عنها فقلت: له ان كان عليها حجة

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 25 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 26 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) الوسائل- ج 2- الباب- 14 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 278

مفروضة فأن ينفق ما أوصت به في الحج أحب الى من ان يقسم في غير ذلك «1».

قوله عليه السلام: (فان ينفق ما أوصت به في الحج أحب الى) ليس المقصود منه الا حبية بمعنى صرف أفضلية الحج كيف و المفروض وجوب

الحج عليها! بل المراد الاحبية التعيينية نظير الأولوية في قوله تعالى (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ) «2» حيث ان المراد الأولوية التعيينية حيث انه- عليه السلام- علق تعين صرف المال في الحج على كون الحجة مفروضة عليها كما هو مقتضى الشرطية في قوله- عليه السلام-: (ان كان عليها حجة مفروضة) فمفهومها أنه لو لم يكن الحج مستقرا عليها لم يتعين صرف مالها في الحج، لأنه لو مات قبل مضى زمان يتمكن فيه من أعمال الحج كشف ذلك عن عدم وجوب الحج عليها لما مضى من أن القدرة شرط عقلي لحسن الخطاب.

و الحاصل: أن هذا الحديث يدل على أن وجوب قضاء حجة الإسلام عن الميت تابع لاشتغال ذمته بها و لا يكون هذا الا في صورة الاستقرار فما يستفاد من الأخبار بعد الجمع بينها مطابق لما تقتضيه القاعدة.

[المسألة الثالثة و الثمانين تقضى حجة الإسلام من أصل التركة]

قوله قده: (تقضى حجة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوصى بها سواء كانت حج التمتع أو القران أو الإفراد.).

بلا خلاف أجده في ذلك بل ادعى الإجماع بقسميه عليه.

قال في المدارك: (أما وجوب القضاء عن الميت من أصل تركته مع استقرار الحج في ذمته فقال العلامة في التذكرة و المنتهى: (انه قول علمائنا اجمع و وافقنا عليه أكثر العامة).

و في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه ايضا خلافا لأبي حنيفة، و مالك، و الشعبي، و النخعي). و في المستند: (الظاهر انه إجماعي) و يدل على ذلك الأخبار- منها:

1- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: يقضى عن الرجل حجة

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 65 من كتاب الوصايا الحديث 4.

(2) سورة الأنفال: الآية- 76-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 279

الإسلام من

جميع ماله «1».

2- موثق سماعة قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوصى بها و هو موسر؟ فقال: يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك «2».

قوله قده: (و كذا إذا كان عليه عمرتها.).

ما أفاده (قده) انما يتم بناء على كونها واجبا ماليا و الواجبات المالية تخرج من أصل المال أو على ان كل واجب يخرج من أصل المال، و الا فلم يرد دليل تعبدي على خروج العمرة المفردة من أصل المال، لخلو الأخبار عن ذكرها.

قوله قده: (و أما إذا أوصى بالثلث وجب إخراجها منه.).

لا كلام فيه و هذا في الحقيقة إرفاق منه لوراثه و يعمل بوصيته.

قوله قده: (و الأقوى أن حج النذر ايضا كذلك بمعني انه يخرج من الأصل كما سيأتي الإشارة إليه.).

سيتضح لك ما هو المختار- إنشاء اللّه تعالى- عند تعرض المصنف (قده) لهذه المسألة في مبحث الحج النذري.

قوله قده: (و لو كان عليه دين، أو خمس، أو زكاة، و قصرت التركة فإن كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجودا قدم لتعلقهما بالعين فلا يجوز صرفه في غيرهما و ان كانا في الذمة فالأقوى أن التركة توزع على الجميع بالنسبة كما في غرماء المفلس.).

بلا كلام فيه، و ذلك لأنه كما يتعلق حق الديان بعد موت المديون بعين تركته كذلك يتعلق الحج ايضا بعين تركته، فيحكم بتقسيم التركة عليها و على الحج بالحصص، لعدم الفرق بينها في كيفية أصل الثبوت و التعلق بالتركة.

قوله قده: (و قد يقال بتقديم الحج على غيره و إن كان دين الناس لخبر معاوية ابن عمار.).

هو مصحح معاوية بن عمار قلت: له رجل يموت و عليه خمسمائة درهم من

الزكاة و عليه

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 28- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(2) الوسائل- ج 2، الباب 28- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 280

حجة الإسلام و ترك ثلاثة مائة درهم و أوصى بحجة الإسلام و أن يقضى عنه دين الزكاة؟ قال- عليه السلام-: (يحج عنه من أقرب ما يكون و يرد الباقي في الزكاة) «1».

و نحوه خبره عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل مات و ترك ثلاثة مائة درهم و عليه من الزكاة سبعمائة درهم و أوصى ان يحج عنه؟ قال: يحج عنه من أقرب المواضع و يجعل ما بقي في الزكاة «2».

لكنهما كما ذكره المصنف (قده) موهونان بالإعراض مع اختصاصهما بباب الزكاة.

قوله قده: (و ربما يحتمل تقديم دين الناس، لأهميته.).

لا يخفى أنه لا سبيل لنا إلى إحراز أهمية بعض الواجبات من بعض، لقصور عقولنا عن إدراكها، و عدم احاطتنا بملاكات الأحكام، فطريق إحرازها منحصر ببيان من الشارع المقدس لها، و هو في المقام مفقود.

قوله قده: (و الأقوى ما ذكر من التحصيص، و حينئذ فإن وفت حصة الحج به فهو، و الا فان لم تف الا ببعض الأفعال، كالطواف فقط أو هو مع السعى، فالظاهر سقوطه و صرف حصته في الدين، أو الخمس، أو الزكاة، و مع وجود الجميع توزع عليها.).

ما أفاده المصنف (قده) متين و مراده ما في ذيل قوله: (و مع وجود الجميع توزع عليها بالحصص) هو توزيعها في غير الحج من الزكاة و الخمس و الدين و غيرها، لما عرفت من سقوط الحج في صورة عدم وفاء حصته الا ببعض أعماله كما هو المفروض ضرورة:

عدم اجزاء بعض أعمال

الحج كالطواف و السعى عن الحج الذي اشتغلت ذمته به، و فراغ ذمته عنه سواء قلنا بارتباطية أعمال الحج كالصلاة، أم قلنا إنها أعمال متعددة مستقلة لكن يشترط وقوعها في سنة واحدة، فإن هذا ايضا نوع من الارتباط، و لذلك لا مجال لجريان

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 21- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2.

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 42 من أبواب الوصايا الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 281

قاعدة الميسور في المقام و لو قلنا بصدق الميسور عرفا.

قوله قده: (و إن وفت بالحج فقط أو العمرة فقط ففي مثل حج القران الافراد تصرف فيهما مخيرا بينهما و الأحوط تقديم الحج.).

الوجه فيما ذكره (قده) أولا من التخيير في صرف تلك الحصة في الحج أو العمرة هو أن المفروض وجوب كليهما عليه و عدم وفاء ماله بهما معا و لا فائدة في إتيان بعض أجزاء العمرة و بعض اجزاء الحج فيتجه التخيير بين صرفها في الحج أو العمرة.

و اما ما ذكره (قده) من أن الأحوط تقديم الحج على العمرة فله وجهان:

(الأول)- أن خروج الحج من أصل التركة منصوص في الروايات الكثيرة و أما خروج العمرة المفردة منه فلم يرد به نص أصلا، و انما قال به المصنف (قده) لالتزامه بان جميع الواجبات من البدنية و المالية تخرج من أصل المال، لكونها دينا للّه تعالى فيدخل في إطلاق الآية الشريفة: «من بعد وصية يوصى بها أو دين».

(الثاني)- احتمال أهمية الحج من العمرة المفردة، لما ورد في الاخبار من التشديدات التي لم ترد فيها بالنسبة إلى العمرة، فلا يترك الاحتياط بتقديم الحج على العمرة

قوله قده: (و في حج التمتع الأقوى السقوط و صرفها في الدين و

غيره و ربما يحتمل فيه ايضا التخيير، أو ترجيح الحج، لأهميته، أو العمرة لتقدمها، لكن لا وجه له بعد كونهما في التمتع عملا واحدا و قاعدة الميسور لا جابر لها في المقام.).

ما أفاده (قده) من سقوط الحج فيما إذا كان على الميت حج التمتع و لم يف المال بالعسرة و الحج معا متين و لا ينبغي التأمل فيه. و أما وجه التخيير الذي ذكره (قده) احتمالا فلثبوتهما في ذمة الميت و المفروض عدم وفاء التركة بكليهما فيتجه التخيير.

و وجه تقديم الحج على العمرة ما ذكره (قده) من أهميته أو احتمال أهميته.

و وجه تقديم العمرة ما ذكره (قده) أيضا من تقدمها زمانا.

و الجواب عن جميع هذه الاحتمالات ما ذكره (قده) من كون الحج و العمرة في التمتع عملا واحد. مضافا الى ما يرد على خصوص الأخير- أعني تقديم العمرة على الحج- أن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 282

مجرد التقدم الزماني لا يوجب التقديم، و قد حققنا ذلك في الأصول.

ثم ما ذكره المصنف (قده): من أن قاعدة الميسور لا جابر لها في المقام انما يبتنى على ما اختاره في الأصول من اناطة جريانها في كل مورد بعمل الأصحاب، كما ذهب اليه المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- فحيث أنه لم يثبت عملهم بها في المقام فلا بد من رفع اليد عنها.

و لكن قد حققنا في الأصول عدم توقف جريان القاعدة على عمل الأصحاب بل تشخيص موردها كاف في جريانها، إذ المحوج الى عملهم كما قيل هو احتمال تقيد مصب القاعدة بقيد قد اختفى علينا، و عدم سبيل لنا إلى إحراز ذلك القيد الا عمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فاجرائها في كل مورد موقوف على عملهم

بها.

هذا لكنك خبير بما فيه ضرورة: وهن هذا الاحتمال بعد الاطلاع على اهتمامهم بضبط الروايات و نشرها، و عدم كتمانها، فلو كان في مصب القاعدة قيد لوصل إلينا قطعا و من عدم وصوله إلينا يستكشف عدم وجوده عندهم.

و كيف ما كان فلا تجري القاعدة في ما نحن فيه لأن بعض أعمال الحج لا يعد ميسورا من الحج و لو استنيب عنه بإتيان الطواف فإنما أتى النائب بأمر مستحب له و لا يسقط عنه بعض ما كان في ذمة الميت كما لا يخفى.

[المسألة الرابعة و الثمانين لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استئجار الحج]

قوله قده: (لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استئجار الحج إذا كان مصرفه مستغرقا لها بل مطلقا على الأحوط.) [1]

______________________________

[1] يمكن ان يقال بجواز التصرف للورثة في التركة بعد الافراز و لو قبل الأداء، و ذلك لأنه فرق بين ما نحن فيه و بين الشريكين لثبوت الولاية فيما نحن فيه للورثة في تعيين حصة الديان و حصة الحج و يمكنهم أن يؤدوا ديون الميت من غير تركة الميت و ان يعينوا حصة الحج من مال مخصوص من أمواله أو بمال آخر غير تركته و لهم الحج عنه تبرعا و ليس لأحد مزاحمتهم.

و هذا بخلاف باب الشركة، لعدم ثبوت الولاية في تقسيم العين المشتركة لأحدهما بدون رضى الآخر، فعلى هذا لما كان ولاية التعيين في المقام بيدهم يحكم بجواز تصرفهم في التركة بأي نحو شائوا-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 283

لا يخفى عدم اختصاص هذا البحث باستقرار الحج في ذمة الميت و جريانه في غير الحج

______________________________

- بعد إفراز ديون الميت و حصة الحج. و هذا بخلاف باب الشركة، فيحكم بعدم جواز التصرف في العين المشتركة بدون رخصة الآخر، لوجود الفارق.

و «فيه»: ان

هذا المقدار من الولاية لهم في المقام لا يسوغ تصرفهم في التركة قبل الأداء لأن القدر المسلم من ثبوت الولاية لهم في المقام هو جواز تأدية الديون، و الحج، للورثة بمال مخصوص من التركة، أو بمال آخر غيرها، و ليس لأحد منعهم عنه.

و اما كون صرف الافراز موجبا لتعين حق الديان، و حصة الحج في خصوص مقدار من المال الذي افرزوه فلم يدل عليه دليل، فيصير ما نحن فيه نظير باب الشركة، فكما لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في العين المشتركة بدون رضى الآخر فكذلك في ما نحن فيه لا يجوز للورثة التصرف في التركة بدون رضى الديان سواء قلنا بالإشاعة على نحو الكسر المشاع و الكلي في المعين كما هو الحق.

أم قلنا بالإشاعة بنحو آخر بمعنى ان يكون كل جزء من أجزاء المال نصفه لهذا الشخص و نصفه الآخر لشريكه، و كذلك في جزء من ذلك الجزء يكون نصفه له و نصفه الآخر لشريكه، و هكذا الى ان انتهى الأمر إلى جزء لا يتجزء لكن هذا القسم من الإشاعة باطل، و الا لزم في الوقف المشاع صيرورة الوقف ملكا و الملك وقفا، لانه على ذلك يكون النصف من حق الموقوف عليه ملكا و يكون النصف من حق المالك وقفا و هو باطل.

فالحق في باب الإشاعة هو المعنى الأول و هو كونها على نحو الكسر المشاع بمعنى ان يكون النصف الكلي من هذا المال الغير المعين لهذا الشخص و نصفه الآخر منه لشريكه في مقام التقسيم بحيث كان سهم كل واحد منهما قابلا للانطباق على ما صار قسمة له.

و يترتب عليه: انه من كان له نصف الدار و باعه لا يكون بيعه فضوليا بل يكون

صحيحا و نافذا، لأنه باع نصفا كليا من الدار على نحو الكسر المشاع و الكلي في المعين و هو قابل للانطباق على نصف نفسه فيسلمه إلى المشتري إلا إذا كان في البين قرينة على الخلاف و اما بناء على المعنى الثاني و هو القول بكونها على نحو الإشاعة بنحو آخر فيلزم ان يكون البيع بالنسبة إلى ربع الدار فضوليا و بالنسبة إلى ربعها الآخر صحيحا لأنه في الحقيقة على هذا باع نصفا من سهمه و نصفا من سهم شريكه و لم يلتزم أحد بذلك.

و كيف كان سواء قلنا بالأول أم الثاني فليس لأحد الشريكين التصرف في العين المشتركة بدون رضى الآخر و ما نحن فيه من هذا القبيل فلا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل الأداء هذا كله على ما تقتضيه القاعدة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 284

مما استقر في ذمته من الدين، و الكفارات، و الجنايات، و الخمس، و الزكاة، مع تلف العين التي تعلقا بها و نحوه مما يوجب استقرارهما في الذمة و اشتغالها بهما. فهنا يقع الكلام في مقامين:

(المقام الأول) في أنه هل ينتقل المال إلى الورثة قبل أداء الديون أم لا؟

(المقام الثاني) في انه على فرض تسليم انتقاله إلى الورثة هل يتعلق حقوق الديان بأعيان التركة أم لا؟ و على فرض تعلق حقهم بها فهل يكون من قبيل حق الرهانة، أو الجناية، أو حق آخر غيرهما؟ فنقول:

أما الكلام (في المقام الأول) يمكن أن يقال بعدم انتقاله إلى الورثة و ذلك لظاهر قوله تعالى «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصىٰ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» «1» حيث أنها ظاهرة في كون الإرث بعد الوصية و الدين و متأخر عنهما، و قد ورد بذلك أخبار كثيرة- منها:

1-

خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السلام-: أن الدين قبل الوصية، ثم الوصية على أثر الدين، ثم الميراث بعد الوصية، فإن أول القضاء كتاب اللّه «2».

2- خبر السكوني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: أول شي ء يبدأ به من المال: الكفن ثم الدين، ثم الوصية، ثم الميراث «3» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و لكن يمكن المناقشة في ظهورها في عدم انتقالها إلى الورثة، و ذلك لأن فيها احتمالات ثلاثة:

(الأول)- أنه قبل إنفاذ الوصية و إخراج الدين لا إرث حقيقة، و هذا هو الظاهر منها، لاقتضاء الترتيب بينها ذلك.

إن قلت: انه يلزم من الحكم بذلك محذور و هو لزوم بقاء المال بلا مالك

______________________________

(1) سورة النساء: الآية- 10-

(2) الوسائل ج- 2- الباب- 28- من أبواب الوصايا الحديث 2

(3) الوسائل ج- 2- الباب- 28- من أبواب الوصايا الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 285

قلت: الذي يستحيل عقلا هو بقاء الملك بلا مالك، لكونه إضافيا. و أما بقاء المال بلا مالك فلا استحالة فيه، فلا يملكه الورثة إلا بعد تنفيذ الوصية و أداء دينه ان قلت: انه يلزم من عدم انتقاله إلى الورثة كونه من قبيل المباحات الأصلية، فمن حاز ملكه مع أنه مما لا يمكن التزام أحد به.

قلت: لا يلزم منه ذلك، لثبوت حق الاختصاص للورثة المتعلق بالمال، فليس من قبيل المباحات الأصلية، بل هو محكوم بحكم الملك.

(الثاني)- ثبوت الإرث قبل إخراج الدين و الوصية لكن المقصود من الاخبار- الدالة على الترتيب بينها- هو عدم جواز تصرفهم في التركة بعنوان الإرث قبل إخراج ديون الميت و الوصية.

(الثالث)- كون المال باقيا على ملك الميت

إلى زمان أداء ديونه و العمل بوصاياه ثم انتقاله منه الى الورثة.

هذا و لكن لا شاهد عليه حتى استصحاب بقاء مالكية الميت الثابتة له في حال حياته، لعدم إمكان جريانه مع تغير الموضوع فكون الميت مالكا محتاج إلى الدليل و هو مفقود و كيف كان فعلى جميع الاحتمالات يستفاد منها عدم جواز تصرفهم في التركة قبل أداء ديونه أو إرضاء الديان و إخراج الحج إما لعدم الإرث قبل ذلك أو لحجرهم عن التصرف حتى يخرجوا ديونه.

و مقتضى إطلاق الأخبار عدم الفرق في عدم جواز تصرفهم في التركة بين الدين المستوعب و غيره كما عرفت ان مقتضى القاعدة أيضا ذلك. و لكن ترفع اليد عن إطلاقها في خصوص الدين غير المستوعب و يحكم بجواز تصرفهم في التركة قبل الإخراج إذا كان الدين كذلك لأجل النص، و هو صحيح البزنطي أنه سئل عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين أ ينفق عليهم من ماله؟ قال: ان استيقن أن الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال «1». و موثق عبد الرحمن بن الحجاج

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 29 من أبواب الوصايا الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 286

عن أبي الحسن مثله إلا أنه قال: ان كان يستيقن ان الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق عليهم. و ان لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال «1» فمقتضاهما هو التفصيل في الحكم بعدم جواز تصرفهم في التركة بين الدين المستوعب و بين غيره بعدم جوازه في الأول و بجوازه في الثاني، فمع استيعاب الدين تكون جميع تصرفاتهم في التركة قبل أداء ديونه محرمة و

يترتب عليه أنه لو صلى الوارث في دار الميت بدون إذن الديان بطلت صلاته إلا أن يكونوا جاهلين بالحكم أو غافلين فيحكم بصحة الصلاة حينئذ، لأن بطلانها إنما يكون من جهة التزاحم مع الحرام و هو الغصب و قوام التزاحم بالعلم و المفروض عدمه فتصح الصلاة ظهر أنه لا يمكن إثبات عدم انتقال المال إلى الورثة بظاهر قوله تعالى «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصىٰ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ».

هذا تمام الكلام في المقام الأول و أما (المقام الثاني) و هو تسليم انتقال التركة إلى الورثة قبل أداء الديون فمحصل الكلام فيه انه لا إشكال ظاهرا في تعلق حق الديان بالتركة بعد موت المديون انما الإشكال في انه هل يكون من قبيل حق الرهانة أو الجناية أو غيرهما حيث انه لا يجوز للورثة التصرف في التركة إذا كان من سنخ الأول دون الثاني و قبل الخوض في المقصود لا بأس بذكر الفرق بين حق الرهانة و حق الجناية فنقول:

ان الفرق بينهما هو ان حق الرهانة يتعلق بالمال لا بما هو هو بل بما انه ملك للشخص الخاص و انه باق على ملك مالكه، فلا يجوز للراهن بيع ذلك المال المرهون، لاستلزامه خروجه عن ملكه، و هو مناف لحق المرتهن، لكون المفروض تعلق حقه به بما انه ملك للراهن و بالبيع يخرج عن كونه كذلك.

و حق الجناية يتعلق بالمال بما هو هو لا بما انه ملك لشخص خاص، فلو جنى العبد على أحد كان حق الجناية ثابتا عليه و يتبعه أين ما كان و لو بيع مرات، فلو باعه المالك الأول من شخص ثم باعه مالكه الثاني من شخص آخر و هكذا الى مرات عديدة لم يكن

______________________________

(1) الوسائل- ج

2- الباب- 29- من أبواب الوصايا الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 287

ذلك منافيا لحق المجني عليه و تبعه حق الجناية و يستقر الضمان بالأخرة على مالكه الأول، فما نحن فيه ان كان من قبيل الأول لم يجز لهم التصرف في التركة و لو فرضنا كون الدين غير مستغرق. و إن كان من قبيل الثاني جاز لهم التصرف فيها و لو فرضناه مستغرقا و الأقرب في النظر كون ما نحن فيه من قبيل الأول لوجهين:

(الأول)- أنه لا إشكال في أن تعلق حق الغرماء بمال المفلس المحجور عن التصرف في حال حياته إنما يكون من قبيل تعلق حق الرهانة بالمال المرهون. و لذا يحكم بعدم جواز التصرف في ماله مطلقا، أو خصوص التصرف المنافي، لأن حق الديان إنما تعلق بماله لا بما هو هو بل بما أنه ملك له فكذلك الأمر فيما نحن فيه، لعدم الفرق بينهما إلا موت المالك هنا دون المفلس و هذا لا يصلح فارقا بينهما إذ في المقام و إن مات المالك لكن قام الوارث مقامه كما ذكر في محله من أنه (تارة) يتبدل نفس الإضافة دون طرفها كما في الهبة و (أخرى) يتبدل طرف الإضافة اعنى المال كما في البيع و (ثالثة) يتبدل الشخص المضاف اليه كما في الإرث و إن كان هذا التشقيق قابلا للمناقشة و تحقيقه موكول الى محله. و كيف كان فلا يخفى ما في هذا الوجه لأن تنظير ما بعد الموت بما قبله قياس صرف و لا نقول به.

(الثاني)- إن المفروض أن المديون الذي يطالبه الديان هو الميت فلا محالة يتعلق حقوقهم بماله بما أنه تركته لا بما هو هو، فلهم الاستيفاء منه و لو فرض

بيع ذلك المال من شخص آخر مع صحة البيع فبخروجه بالبيع من ملكه يخرج عن كونه متعلقا لحق الديان، لعدم تعلق حقوقهم بمال المالك الفعلي فأخذهم المال من المشترى لا يكون استيفاء للحق الثابت على الميت بل يكون أخذا من غير من عليه الدين كما لا يخفى.

فظهر أن تعلق حق الديان و كذلك حصة الحج بالتركة إنما يكون من قبيل تعلق حق للرهانة بالعين المرهونة، فلا يجوز للورثة التصرف فيها قبل إخراجها، لأن جواز النقل إلى الذمة يحتاج إلى الدليل و هو مفقود

قوله قده: (إلا إذا كانت واسعة جدا فلهم التصرف في بعضها حينئذ مع البناء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 288

على إخراج الحج من بعضها الآخر.).

ما ذهب اليه المصنف (قده) في صورة عدم استيعاب الدين- من التفصيل بين كون التركة واسعة جدا و عدمه بجواز التصرف في الأول دون الثاني- مما لا وجه له، بل لا بد إما من القول بعدم جواز التصرف مطلقا كما هو مقتضى القاعدة و الإطلاقات المتقدمة أو بجوازه مع عدم الاستغراق مطلقا كما هو الحق، لما عرفت من الدليل الخاص.

[المسألة الخامسة و الثمانين إذا أقر بعض الورثة بوجوب الحج على المورث و أنكره الآخرون]

قوله قده: (إذا أقر بعض الورثة بوجوب الحج على المورث و أنكره الآخرون لم يجب عليه الا دفع ما يخص حصته بعد التوزيع و ان لم يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصته.)

لا يخفى أنه لو أقر أحد الشركاء بشريك آخر و أنكره الآخرون كان مقتضى القاعدة الإشاعة في حصته. و اما لو أقر أحد الورثة بوارث آخر أو بدين و أنكره الباقون فمقتضى القاعدة أيضا هو الإشاعة، فيكون ما في يد المقر مشاعا بينه و بين المقر له. و لكن المشهور أو المجمع عليه في

هذه الصورة هو أنه لا ينزل إقراره على الإشاعة في حصته و انما عليه دفع الزائد من حقه بحسب زعمه.

مثلا لو أقر أحد الورثة بأخ له و أنكره الباقون أو أقر بدين و أنكره الآخرون فمقتضى القاعدة تنصيف حصته بان يكون إنكار الباقي من الورثة ضررا واردا على المقر و المقر له معا، لما تقتضيه قاعدة الإشاعة من أن ما بقي بقي لهما و ما تلف تلف منهما. لكن قالوا بتوجه الضرر من جهة إنكار الباقين الى المقر له، فالمقر يأخذ حصته بزعمه و يدفع الباقي الذي هو أقل من النصف الى المقر له و قالوا: ان الوجه في مخالفة القاعدة في ذلك هو النص، كما افاده صاحب الجواهر (ره) و قد جعل الفارق هو النص بمعنى أن مقتضى القاعدة هو الإشاعة و لكن ورد النص في الإرث و الدين على الخلاف، و هو عدم نفوذ الإقرار إلا في ما زاد على حقه بسبب إقراره.

و كيف كان تحقيق ذلك موكول الى محله و هو كتاب الإقرار و انما المقصود هنا هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 289

أنه هل يلحق الإقرار بالحج مع إنكار باقي الورثة بمسئلة الإقرار بالوارث أو الدين حيث قالوا فيهما بأنه ينفذ الإقرار فيما زاد على حقه بحسب إقراره أو يلحق بمسئلة ما إذا أقر بشريك و أنكره الآخرون حيث قالوا فيها بالإشاعة؟ فيه وجهان:

يمكن أن يقال بالأول كما ذهب اليه المصنف (قده) و ذلك لأن الحج كما يستفاد من الآية الشريفة و الاخبار دين فيكون حكم الإقرار به حكم الإقرار بالدين الكلام الكلام و لكن الأقوى في النظر هو الثاني، لأنه إن تم القول بنفوذ الإقرار في خصوص الزائد عن

حصته بزعمه في الإقرار بالوارث، أو الدين، فإنما يكون لأجل النص الخاص بناء على تمامية النص سندا و دلالة و هو ورد بالنسبة إلى ديون المخلوق و لم يرد ما يشمل بإطلاقه حقوق اللّه تعالى ففي مثل الحج الذي ليس من حقوق اللّه تعالى لا بد في الإقرار به من العمل على طبق ما تقتضيه القاعدة و هو الإشاعة فتدبر.

[المسألة السادسة و الثمانين إذا كان على الميت الحج و لم تكن تركته وافية به]

قوله قده: (إذا كان على الميت الحج و لم تكن تركته وافية به و لم يكن دين فالظاهر كونها للورثة و لا يجب صرفها في وجوه البر عن الميت لكن الأحوط التصدق عنه للخير.).

و هو ما عن الصادق- عليه السلام- عن رجل مات و أوصى بتركته أن أحج بها فنظرت في ذلك فلم يكفه للحج، فسألت من عندنا من الفقهاء؟ فقالوا: تصدق بها فقال- عليه السلام-: ما صنعت بها؟ فقال: تصدقت بها فقال- عليه السلام-: ضمنت الا ان لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان «1» لا يخفى أن مقتضى إطلاقه أن الوصي إذا رأى عدم كفاية المال الموصى به للحج فتصدق به و لو بدون إذنهم لم يفعل حراما و لم يكن أيضا ضامنا للورثة خلافا لما تقتضيه القاعدة، فإن مقتضاها أنه بعد عدم وفاء المال بالحج لا بد من رده الى الورثة لا التصدق عنه، لانتفاء المانع عن الإرث، لأن المانع عنه هو وجوب الحج فان فرض عدمه لعدم كفاية ماله لم يكن مانع عن الإرث فالتصدق به عنه مشروط بإذن الورثة

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 37- من أبواب الوصايا الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 290

ثم لا

يخفى أنه قد رواه السابري و اسمه على و اختلف النسخ في اسم أبيه هل هو «مزيد» أو غيره و كيف كان فهو مهمل مجهول الحال فلا يمكن إثبات الحكم المخالف للقاعدة به، لضعف سنده الا أن يقال بعدم مضرية الجهالة بحاله في اعتبار السند، لأنه قد روى بسند صحيح عن محمد بن أبي عمير و هو ممن أجمعت الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على تصحيح ما يصح عنه، فلا ينظر الى من قبله من الرجال.

[المسألة السابعة و الثمانين إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت]

قوله قده: (إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت أجرة الاستئجار إلى الورثة.)

هذا إذا كان الحج واجبا، فإنه سقط عنه بالتبرع و هذا هو المراد من كلام المصنف (قدس سره) و أما إذا كان الحج مستحبا و كان أوصى به الميت ففيه تفصيل بين ما لو أوصى بالحج من بعد تعيين نفقته في مال مخصوص و بين ما أوصى به بمال معين، فعلى (الأول) لو تبرع عنه متبرع يأتي فيه الكلام في أنه هل يرجع المال إلى الورثة كما هو الحق، أو يصرف في وجوه البر كما هو الأحوط.

و أما (على الثاني) فلا بد من صرف ذلك المال الخاص في الحج عنه و ان تبرع عنه متبرع بالحج. نعم لو نقص ذلك المال عن مؤنة الحج أو زاد عليه يأتي الكلام في أنه هل يرجع الناقص فيما إذا لم يف المال الموصى به أو الزائد عليه إلى الورثة أو يصرف في نفقة حجه يمكن أن يقال بعدم تصور الزيادة فيه، فإنه و ان فرض المال الذي أوصى بصرفه في الحج كثيرا بلغ ما بلغ لكن يمكن إعطاء جميعه للأجير بعنوان الأجرة حتى لا يبقى منه شي ء و ان فرض

كونه أزيد من أجرة المثل، فعلى هذا لا يزيد شي ء حتى يقال انه هل يرجع الى الوارث أو يصرف في وجوه البر. الا ان يفرض طرو الغفلة عن ذلك بان أعطى مقدارا من ذلك المال للأجير و لم يجعل جميعه أجرة له لغفلته عن محذور الزيادة ثم التفت بعد ذلك الى زيادة المال عن مصرف الحج فحينئذ يرجع الزائد إلى الورثة كما هو الحق لانتفاء المانع منه أو يصرف في وجوه البر كما هو الأحوط و انما نقول بذلك الاحتياط الندبي مع رضى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 291

جميع الورثة و عدم وجود قاصر بينهم و الا فلا نقول به. ثم انه يقع الكلام في أصل صحة التبرع. فنقول: انه مما لا ينبغي الارتياب فيه قال في الجواهر: (و لو لم يكن له مال أو كان و لم يخرج منه فتبرع عنه وليه أو غيره فحج عنه أجزأ بلا خلاف و لا اشكال نصا و فتوى).

و يدل عليها النصوص- منها:

1- صحيح معاوية ابن عمار سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام فأحج عنه بعض إخوانه هل يجزى ذلك عنه أو هل هي ناقصة؟ قال- عليه السلام-: بل هي حجة تامة «1» و قد حمله بعض على ما إذا لم يكن له مال حين الموت و كان الحج قد وجب عليه من قبل، و هذا واضح.

2- عن عامر بن عميرة قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: بلغني عنك انك قلت: لو أن رجلا مات و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض اهله أجزأ ذلك عنه؟

فقال: نعم، اشهد بها على أبي أنه

حدثني ان رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- أتاه رجل فقال يا رسول اللّه: أن أبي مات و لم يحج؟ فقال له رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- حج عنه فان ذلك يجزى عنه «2» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم عليهم السلام.

[المسألة الثامنة و الثمانين هل الواجب الاستيجار عن الميت من الميقات أو البلد]
اشارة

قوله قده: (هل الواجب الاستيجار عن الميت من الميقات أو البلد؟.

الأقوى هو القول الأول.).

قد اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في هذه المسألة على قولين:

(الأول)- ما ذهب اليه المحقق- طاب ثراه- في الشرائع حيث قال: (يقضى الحج من أقرب الأماكن).

و قال في الجواهر بعد ذكر كلام المحقق- طاب ثراه-: (عند الأكثر بل المشهور بل عن الفقيه الإجماع عليه. و المراد كما في المدارك أقرب المواقيت إلى مكة، إن أمكن الاستيجار منه، و إلا فمن غيره، مراعيا الأقرب فالأقرب).

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 31- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 31- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 292

و حكى عن المستند نسبته: إلى الفاضلين في كتبهما و المسالك، و الروضة، و المدارك، و الذخيرة، و في محكي كشف اللثام إلى الخلاف، و المبسوط، و الوسيلة.

(الثاني) أنه ان اتسع المال فمن بلد الميت، و إلا فمن حيث أمكن و هو ظاهر المحكي عن الحلي، و نسبه في الجواهر الى الدروس.

و نقل في الشرائع قولا ثالثا حيث قال: (و قيل يستأجر من بلد الميت و هذا القول نسبه في الجواهر الى الشيخ، و ابن إدريس، و يحيى بن سعيد، و غيرهم). و الظاهر أن مرجع هذا القول الى القول الثاني اللهم إلا أن يكون المراد منه انه ان

اتسع المال يقضى من بلده و ان لم يتسع فلا يجب القضاء من الأقرب فالأقرب بل يكفى القضاء من الميقات، فهذا احتمال ثالث في قبال القولين الأولين.

و كيف كان يتكلم في هذه المسألة (تارة) على ما تقتضيه القاعدة و (اخرى) على ما تقتضيه الأدلة الخاصة.

اما بناء (على الأول) فلا ينبغي الإشكال في كفاية الحج الميقاتي، لأن الواجب عليه إنما يكون هو الأعمال مبدئها الميقات. و اما طي الطريق و قطع المسافة فليس له دخل في الواجب لعدم دخوله فيه لا على نحو الجزئية و لا على نحو الشرطية و لم يكن صرف المال في حال حياته واجبا عليه و لذا لو أتى به متسكعا بعد تحقق الاستطاعة له يجزى، فطى الطريق لم يكن واجبا عليه الا بالوجوب المقدمي العقلي دون الشرعي بل لو فرضنا كون وجوبه شرعيا لا يتجه أيضا وجوب الحج البلدي، لأن الوجوب الشرعي لطى الطريق إنما يتجه بعد فرض توقف الحج عليه بحيث لم يتمكن من الإتيان به بنحو آخر. و اما مع فرض إمكان الاستيجار من الميقات فليس الأمر كذلك، فالحكم بوجوبه من ابتداء طي الطريق محتاج إلى النص.

فظهر أنه على القاعدة ليس لطى الطريق دخل في الواجب و لذا قلنا مرارا أنه إذا كان واجدا لمقدار ما يحج به و مشى الى الميقات و لكن لا لأجل الحج بل لأجل التجارة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 293

و قصد الحج منه و اتى به فلا إشكال في أن حجه مجز عن حجة الإسلام بل هو حجة الإسلام و كذا الحال فيما إذا حصلت الاستطاعة لمسافر حين قربه من الميقات فلا إشكال حينئذ في وجوب الحج عليه. و إذا أتى به

فقد أتى بحجة الإسلام فيكفي الإخراج من الميقات. و هذا كله واضح و لا ينبغي إطالة الكلام فيه.

و أما بناء (على الثاني) و هو ما تقتضيه الأدلة الخاصة فالحق أنه لا يستفاد منها وجوب الحج البلدي و الذي يمكن الاستدلال به على وجوب الحج البلدي أمران:

(الأول): ما تقدم من اخبار الاستنابة في حال الحياة لمن كان معذورا من المباشرة حيث قال الإمام- عليه السلام- فيها: «عليه أن يجهز رجلا من ماله» و (فيه) (أولا): أنها لا تدل على وجوب التجهيز من البلد بل يكفى من الميقات فالحكم في المقيس عليه ليس بثابت حتى يقاس عليه المقام.

و (ثانيا): بعد تسليم ظهورها في وجوب التجهيز من البلد ان ذلك مختص بالاستنابة في حال الحياة.

و بعد بطلان القياس و الالتفات إلى قضية ابان يظهر عدم المجال للاستدلال على وجوب الحج البلدي بتلك الأخبار، لاحتمال خصوصية فيها، و التعدي عنها محتاج الى تنقيح المناط القطعي و انى لنا ذلك لأن غاية ما يحصل منه هو الظن و هو لا يغني من الحق شيئا، فإسراء الحكم منها الى المقام قياس محض و هو ليس من مذهب أهل الحق.

(الثاني): الأخبار الخاصة الواردة في المقام منها-:

1- صحيح الحلبي و ان أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام و لم يبلغ ماله ذلك فليحج عنه من بعض المواقيت «1» و هذا كما ترى ظاهر في أنه لو بلغ ماله حج عنه من البلد و ان لم يبلغ حج عنه من الميقات و هذا ينطبق على القول الثالث المذكور في صدر المبحث لكن قوله- عليه السلام-

______________________________

(1) الوسائل- ج 2 الباب 25- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 294

:

«فليحج عنه من بعض المواقيت» محمول على صورة عدم وفاء المال بالحج عنه مما قبل الميقات بقرينة ما سيأتي من الاخبار فحينئذ ينطبق على القول الثاني 2- صحيح على بن رئاب قال سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام و لم يبلغ جميع ما ترك الا خمسين درهما؟ قال: يحج عنه من بعض المواقيت التي وقتها رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- من قرب «1» و يرد على الاستدلال به أنه ليس مفهومه أنه لو و في المال وجب الحج عنه من البلد بل مفهومه هو أنه في صورة وفاء المال وجب الحج عنه مما قبل الميقات و أما مقدار القبلية فلا يعلم منه.

3- موثق عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنه سئل عن رجل أوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده؟ قال: فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه «2» و هذا كما ترى ظاهر في وجوب الحج من المكان الذي يفي به المال 4- خبر محمد بن عبد اللّه قال: سألت أبا الحسن الرضا- عليه السلام- عن الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال: على قدر ماله إن وسعه ماله فمن منزله، و إن لم يسعه ماله فمن الكوفة، فان لم يسعه من الكوفة، فمن المدينة «3» و هذا كما ترى صريح في وجوب الحج عنه من المكان الذي يفي به المال و ليس في سنده من يتوقف لأجله سوى محمد بن عبد اللّه و هو إمامي مجهول لكن الراوي عنه هو البزنطي الذي هو من أصحاب الإجماع 5- خبر سعيد عن أبي عبد

اللّه- عليه السلام- عن رجل أوصى بعشرين درهما في حجة؟ قال: يحج بها عنه رجل من موضع بلغه «4» و رواه الشيخ مسندا إلى سعيد عن أبى عبد اللّه على ما حكى عنه في الوسائل 6- خبر عمر بن يزيد أو حسنه قال: قال: أبو عبد اللّه- عليه السلام- في رجل

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 2- من أبواب النيابة الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 2- من أبواب النيابة الحديث 2.

(3) الوسائل- ج 2- الباب- 2- من أبواب النيابة الحديث 3.

(4) الوسائل- ج 2- الباب- 2- من أبواب النيابة الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 295

أوصى بحجة فلم تكفه من الكوفة تجزي حجته من دون الوقت «1» 7- رواية عمر بن يزيد قال: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- رجل أوصى بحجة فلم تكفه؟ قال: فيقدمها حتى يحج دون الوقت «2» 8- خبر أبي بصير عمن سأله قال: قلت: له رجل أوصى بعشرين دينارا في حجة؟

فقال: يحج له رجل من حيث يبلغه «3».

9- حديث المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال بسنده عن عدة من أصحابنا، قالوا: قلنا لأبي الحسن يعني علي بن محمد- عليه السلام-: أن رجلا مات في الطريق و أوصى بحجة و ما بقي فهو لك فاختلف أصحابنا؟ فقال: بعضهم يحج عنه من الوقت فهو أوفر للشي ء أن يبقى عليه و قال: بعضهم يحج عنه من حيث مات؟ فقال- عليه السلام-: يحج عنه من حيث مات «4» و لكن هذا الحديث خارج عما نحن فيه لوروده في خصوص من مات في الطريق.

و يعارض هذه الاخبار ما ورد عن زكريا بن آدم قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن

رجل مات و أوصى بحجة أ يجوز أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال:

أما ما كان دون الميقات فلا بأس به «5» و يمكن الجمع بينه و بين الاخبار المتقدمة بوجوه:

(الأول)- حمل الأخبار المتقدمة على استحباب الحج البلدي لئلا ينافي ما هو صريح خبر زكريا بن آدم من عدم وجوبه و هذا جمح حكمي.

(الثاني)- التفصيل بين حجة الإسلام و غيرها بحمل ما دل على وجوب الحج عنه من البلد على حجة الإسلام و تقييد إطلاق خبر زكريا بن آدم بغيرها.

و الشاهد على هذا الجمع ما مر من صحيح الحلبي و صحيح على بن رئاب الواردين في خصوص حجة الإسلام.

(الثالث)- التفصيل بين ما إذا كانت الوصية بالحج بمقدار معين من المال و عدمه بوجوب الحج عنه من المكان الذي يفي به المال في الأول و عدم وجوبه عنه الا من الميقات

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 2 من أبواب النيابة الحديث 6.

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 2 من أبواب النيابة الحديث 7.

(3) الوسائل- ج 2- الباب- 2 من أبواب النيابة الحديث 8.

(4) الوسائل- ج 2- الباب- 2 من أبواب النيابة الحديث 9.

(5) الوسائل- ج 2- الباب- 2 من أبواب النيابة الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 296

في الثاني لتقييد إطلاق خبر زكريا بذلك.

و الشاهد على ذلك ما مر من خبري أبي سعيد و أبي بصير الواردين في خصوص الوصية بمال معين.

(الرابع)- أن يقال: إن ما دل على وجوب الحج البلدي مختص بصورة وفاء المال بذلك كما لا يخفى. و ما دل على عدم وجوبه مطلق فيقدم المقيد على المطلق فيقال بوجوب الحج البلدي مع وفاء المال و الا فمن الأقرب فالأقرب و

ذلك لعدم فرق بين كون وصيته بمال معين و عدمه و ما ورد في خصوص كون وصيته بمال معين لا يعارض الأخبار المطلقة، لأنهما مثبتان و لا تنافي بينهما و هذا الجمع أظهر الوجوه.

و كيف كان فالاستدلال بهذه الاخبار على وجوب الحج البلدي في حجة الإسلام على الإطلاق غير صحيح، لورودها في خصوص صورة الوصية و لا يمكن التعدي منها الا بتنقيح المناط القطعي الذي هو ممتنع مع احتمال دخل خصوصيته المورد، فمع عدم الوصية لا بد أن يرجع الى القاعدة و إطلاقات أخبار وجوب إخراج حجة الإسلام من المال و هو كفاية الحج الميقاتي. ثم إذا لم نقل بالجمع كصاحب الجواهر «ره» فالمرجع بعد قصور الاخبار هو القاعدة.

[و لو أوصى و لم يعين شيئا كفت الميقاتية]

قوله قده: (و لو أوصى و لم يعين شيئا كفت الميقاتية إلا إذا كان هناك انصراف إلى البلدية أو كانت قرينة على ارادتها.).

قد عرفت ان ظاهر الاخبار المتقدمة هو لزوم الإخراج من البلد في صورة الوصية إذا قلنا برابع الجموع المتقدمة. نعم لو لا ذلك كان مقتضى القاعدة كما عرفت عدم وجوبه من البلد.

هذا و أما عوى انصراف الوصية إلى البلد فلا يصغى إليها، لمنعها إذ لا فرق بنظر العرف بين قول الموصى: «حجوا عنى» و بين قول الشارع: «حجوا عنه» فكما لا انصراف في الثاني إلى الحج البلدي فكذلك في الأول، فعلى هذا لا وجه للتفصيل بينهما فبعد تسليم كون

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 297

مقتضى القاعدة كفاية الميقاتية لا وجه لاحتمال انصراف كلام الموصي إلى البلدي.

و كيف كان فاتضح لك أن مقتضى ظاهر الأخبار وجوب الإخراج من البلد مع وفاء المال في صورة الوصية دون غيرها. نعم، لو كان هناك قرينة على تعلق

وصيته بخصوص الحج الميقاتي فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الحج البلدي في صورة الوصية أيضا.

[و لو أوصى بالاستيجار من البلد وجب]

قوله قده: (و لو اوصى بالاستيجار من البلد وجب و يحسب الزائد عن اجرة الميقاتية من الثلث.).

يمكن أن يقال في خصوص الحج بنفوذ الوصية و لو كانت بأزيد من الثلث سواء أوصى به من الميقات أم البلد و سواء كان حجا واجبا أم مستحبا، لإطلاق موثق ابن بكير المتقدم.» رجل أوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده؟ قال: فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه» «1».

بتقريب أن الظاهر من قوله: «أوصى بماله» هو الوصية بجميع ماله و أنه مطلق لم يفصل فيه بين الحج الواجب و المندوب و ظاهره وجوب الحج عنه من ماله من اى مكان وسع المال.

و نحوه ما مر من خبر محمد بن عبد اللّه، لأن الظاهر أن المراد من قوله فيه: «على قدر ماله» «2» جميع التركة فيقيد بهما إطلاق الأخبار المتواتر الدالة على عدم نفوذ الوصية في الزائد على الثلث.

أن قلت: لا يصلح هذان الخبران لتقييد إطلاق تلك الأخبار، لأنهما و ان كانا أخص منها في بادى النظر لكنه بعد ملاحظة انقلاب النسبة تكون النسبة بينهما العموم من وجه.

بيان ذلك: ان الأخبار هناك على طوائف ثلاثة:

(الأولى): ما يدل على عدم نفوذ الوصية في أكثر من الثلث، كحديث أبي بصير عن أبى عبد اللّه- عليه السلام- في الرجل له الولد يسعه ان يجعل ماله لقرابته؟ قال: هو ماله

______________________________

(1) الوسائل- ج 2، الباب 2- من أبواب النيابة الحديث 2.

(2) الوسائل- ج 2، الباب 2- من أبواب النيابة الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 298

يصنع به ما شاء الى أن

يأتيه الموت قال: فإن أوصى به فليس له الا الثلث). و نحوه ما في الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

(الثانية) ما يدل على جواز الوصية بتمام المال و لكن لا مطلقا بل فيما إذا لم يكن له وارث و المراد به الوارث غير الامام- عليه السلام- كما لا يخفى. و هو خبر السكوني عن الصادق- عليه السلام- عن أبيه- عليه السلام- أنه سئل عن الرجل يموت و لا وارث له و لا عصبته؟ قال: يوصى بماله حيث شاء في المسلمين و المساكين و ابن السبيل «1». و ما عن محمد بن عيسى قال: كتب اليه محمد بن إسحاق المتطبب: و بعد أطال اللّه بقاك نعلمك أنا في شبهة في هذه الوصية التي أوصى بها محمد بن يحيى درياب و ذلك أن موالي سيدنا و عبيده الصالحين ذكروا: أنه ليس للميت أن يوصى إذا كان له ولد بأكثر من ثلث ماله، و قد أوصى محمد بن يحيى بأكثر من النصف مما خلف من تركته فان رأى سيدنا و مولانا أطال اللّه بقاه ان يفتح غياب هذه الظلمة التي شكونا و يفسر ذلك لنا نعمل عليه- إنشاء اللّه تعالى- فأجاب- عليه السلام-: ان كان أوصى بها من قبل أن يكون له ولد فجائز وصيته و ذلك ان ولده ولد من بعده «2».

(الثالثة) ما يدل على جواز الوصية في خصوص الحج بأزيد من الثلث و هو ظاهر ما مر من موثق ابن بكير و خبر محمد بن عبد اللّه من قوله في الأول: «رجل أوصى بماله في الحج» الظاهر في أنه أوصى بجميع المال و من قوله في الثاني: «على قدر ماله» الظاهر في جميع التركة و الطائفة الثالثة

و ان كانت بدوا أخص من الطائفة الأولى و تكون النسبة بينها و بين الطائفة الأولى العموم و الخصوص المطلق لكن بعد تقييد الطائفة الأولى بالطائفة الثانية تنقلب النسبة و ترجع نسبتها مع الطائفة الثالثة إلى العموم من وجه، فمادة الاجتماع هو ما إذا أوصى بأزيد من الثلث في الحج مع وجود الوارث، و مادة الافتراق للطائفة الأولى ما إذا أوصى بأزيد من الثلث في غير الحج مع وجود الوارث، و مادة الافتراق للطائفة الثالثة ما إذا

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 12 من أبواب الوصية الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 12 من أبواب الوصية الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 299

أوصى بأزيد من الثلث في الحج مع عدم وجود الوارث.

فتحصل أن الطائفة الثالثة لا تصلح لتقييد الطائفة الأولى للمعارضة بينهما بالعموم من وجه.

قلت: (أولا): أن هذا القسم من انقلاب النسبة غير صحيح كما قد حقق في الأصول فإنه لا وجه لتقييد العام أولا بأحد الخاصين ثم ملاحظة نسبته مع الخاص الأخر و ليس ذلك أولى من العكس، فالمتجه ملاحظة نسبته مع كلا الخاصين دفعة واحدة.

و (ثانيا): ان فرض عدم وجود وارث فرض نادر فيما انه لا يمكن حمل الطائفة الثالثة عليه، للزوم حمله على الفرد النادر تعد الطائفة الأولى أعم منه فهذا القسم من انقلاب النسبة لو صح لا يصح في هذا المورد.

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا ان الوصية بالحج نافذة و لو كانت أزيد من الثلث و بعد فللمناقشة في ذلك مجال واسع، و ذلك لأن كلمة «ماله» الموجودة في موثق ابن بكير و خبر محمد بن عبد اللّه كما يحتمل كونه بكسر اللدم فمعناه المال المنسوب الى الميت

كذلك يحتمل كونه بفتح اللدم بان تكون «ما» موصولة «و اللدم» جارة فعلى هذا الاحتمال لا يتم دلالتهما على المدعى و هو نفوذ الوصية أزيد من الثلث في خصوص الحج، و لا أقل من إجمال الحديثين ان لم نقل بظهوره في الاحتمال الثاني فلا يمكن الاستدلال بهما على جواز الوصية بالحج بأزيد من الثلث على الإطلاق فالمتجه أن يقال ان الحج الذي أوصى به ان كان حجا ندبيا خرج من الثلث و ان كان حجة الإسلام فمع عدم الوصية يخرج الحج الميقاتي أو البلدي من جميع المال على الخلاف السابق و قد عرفت ان الحق هو الأول و مع الوصية يخرج ايضا الحج الميقاتي أو البلدي من جميع المال على الخلاف.

و قد عرفت ان الحق هو الثاني خلافا لصاحب الجواهر (ره) ثم لو قلنا بعدم وجوب الحج البلدي و لو مع الوصية بالحج كما افاده صاحب الجواهر اتجه ما ذكره المصنف (قدس سره) هنا من أنه لو أوصى بالبلدية يحسب الزائد على الميقاتية من الثلث، و إلا فلا.

[المسألة التاسعة و الثمانين لو لم يمكن الاستئجار الا من البلد وجب]

قوله قده: (لو لم يمكن الاستئجار الا من البلد وجب و كان جميع المصرف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 300

من الأصل.).

لا ينبغي الإشكال في ذلك و وجهه واضح.

[المسألة التسعين إذا أوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقا فخولف]

قوله قده: (إذا أوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقا فخولف و استؤجر من الميقات أو تبرع عنه متبرع منه برئت ذمته.).

لا ينبغي الكلام في ذلك، لحصول الحج الواجب عليه من الميقات. و أما وجوب الإخراج من البلد فكان تكليفا زائدا عليه و لم يكن دخيلا في قوام تحقق الواجب.

فما افاده صاحب الدروس (ره) من الحكم بالاجزاء- فيما إذا حج عنه من الميقات مع لزوم إخراج الحج البلدي- متين. حيث قال: (فيقضى من أصل تركته من منزله و لو ضاق المال فمن حيث يمكن و لو من الميقات على الأقوى، و لو قضى مع السعة من الميقات اجزاءه و ان أثم الوارث.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب المدارك (ره) من الإشكال في حصول المأمور به حينئذ حيث قال بعد نقل كلام الشهيد (قده): (و يملك المال الفاضل و لا يجب صرفه في نسك أو بعضه أو في وجوه البر، و يشكل بعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه على هذا التقدير فلا يتحقق الامتثال) فما افاده المصنف (قده) متين.

[المسألة الحادية و التسعين الظاهر ان المراد من البلد هو البلد الذي مات فيه]

قوله قده: (الظاهر ان المراد من البلد هو البلد الذي مات فيه كما يشعر به خبر زكريا بن آدم- رحمهما اللّه- سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن رجل مات و أوصى بحجة أ يجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال- عليه السلام-: ما كان دون الميقات فلا بأس به مع انه آخر مكان كان مكلفا فيه بالحج و ربما يقال: إنه بلد الاستيطان لأنه المنساق من النص و الفتوى و هو كما ترى، و قد يحتمل البلد الذي صار مستطيعا فيه و يحتمل التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة.

و الأقوى ما ذكرنا. وفاقا لسيد المدارك (قده) و نسبه الى ابن إدريس- رحمه اللّه- ايضا، و ان كان الاحتمال الأخير و هو التخيير قويا جدا.).

اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في المسألة على أقوال:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 301

(الأول)- ما ذهب اليه صاحب المدارك (قده) حيث قال: (الظاهر ان المراد من البلد الذي يجب الحج منه على القول به محل الموت حيث كان كما صرح به ابن إدريس و دل عليه دليله) و وافقه على ذلك المصنف (قده).

(الثاني)- ما ذهب اليه صاحب الجواهر (ره) حيث قال: (و كيف كان فالمراد بالبلد- على تقدير اعتباره بلد الاستيطان، لأنه المنساق من النص و الفتوى خصوصا من الإضافة فيهما سيما خبر محمد بن عبد اللّه).

(الثالث)- ما ذهب اليه المصنف (قده) في آخر الفرع حيث قال: (و ان كان احتمال الأخير و هو التخيير قويا جدا).

(الرابع)- ما احتمله المصنف (قده) و هو البلد الذي صار مستطيعا فيه. و حكاه صاحب الجواهر (ره) عن بعض العامة القول به و احتمله ايضا حيث قال: (و لا بلد اليسار التي حصل وجوب الحج عليه فيها و ان احتمل ايضا بل عن بعض العامة القول به).

و الذي يقوى في النظر هو انه بناء على اعتبار البلدية تكون العبرة ببلد الاستيطان كما افاده صاحب الجواهر (ره)، و ذلك لأن العمدة في دليل القول باعتبار البلدية هي الأخبار التي منها موثق عبد اللّه بن بكير المتقدم. سئل عن رجل أوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده «1» و لفظ البلد عند الإطلاق ينصرف الى بلد الاستيطان كما لا يخفى و لفظ «بلاده» و إن كان مذكورا في

كلام السائل و لكن تقرير الامام له- عليه السلام- كاف لنا في الاستدلال به على المدعى و نحوه في الظهور في إرادة بلد الاستيطان خبر محمد بن عبد اللّه: «عن الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال: على قدر ماله ان وسعه ماله فمن منزله، و ان لم يسعه ماله فمن الكوفة، فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة فإن قوله- عليه السلام-: «ان وسعه ماله فمن منزله» منصرف الى بلد استيطانه كما لا يخفى.

و أما ما ذكره المصنف (قده): من إنكار كون المنساق من النص و الفتوى بلد

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 2- من أبواب النيابة الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 302

الاستيطان فليس على ما ينبغي. و أما استشهاده (قده) بخبر زكريا بن آدم- رحمهما اللّه- على ارادة بلد الموت- فليس بصحيح و ذلك، لأن بلد الموت مذكور في كلام السائل لا في كلام الإمام فإن ثبت تقرير الامام- عليه السلام- له صح استشهاده (قده) و إلا فلا و معلوم أن ذلك ليس بثابت لأنه ردعه- عليه السلام- عن أصل اشتراط البلدية في الحج عنه و هو لا يدل على أنه على فرض الاشتراط تكون العبرة ببلد الموت في الحج عنه دون بلد الاستيطان أو بلد الاستطاعة.

و بالجملة لا بد من استظهار المراد من البلد من الأخبار الدالة على اعتبار البلدية و عليها الاعتبار لا من خبر زكريا بن آدم- رحمهما اللّه- الدال على عدم اعتباره الذي لم يذكر فيه لفظ بلد الموت في كلام الامام- عليه السلام- و لم يثبت تقريره- عليه السلام- للسائل على ذلك.

ثم ان من استدل على اعتبار بلد الموت بأنه لو كان حيا لكان

مكلفا بالسفر من ذلك المكان فكذلك بعد الموت لا بد من قضاء حجه من ذلك المكان- فمقتضاه ان العبرة بمكان الموت- فمما لا يمكن المساعدة عليه، و ذلك لأن ذهابه في حال حياته من ذلك المكان الى وطنه أو بلد استطاعته أو لا لم يكن واجبا عليه في ذهابه الى الحج بل كان يكفيه الذهاب الى الحج من ذلك المكان لكن الكلام في أصل دليله على مدعاه، فان وجوب المقدمة عليه لم يكن وجوبا شرعيا و على فرض التسليم لا يجب قضائه كما مر بيانه.

[المسألة الثانية و التسعين لو عين بلدة غير بلده]

قوله قده: (لو عين بلدة غير بلده كما لو قال: استأجروا من النجف أو كربلا تعين.).

قد يناقش في صحة هذه الوصية و كذا في وصاياه التي تكون من هذا القبيل، لأن الوصية حقيقة هي تفويض الموصى ماله من الولاية إلى الوصي فيعتبر في صحة الوصية ان يكون متعلقها مما ثبت للوصي و لآية عليه كصرف ثلثه في الوجوه البرية، الخاصة أو العامة، فلا تصح بما لا يكون للموصى ولاية عليه كان يصلى زيد مثلا في كل يوم في مسجد الكوفة ركعتين أو يقضي فلان ما على الموصى من الصلاة و الصيام فان قضاء صلاته و صومه ليس تكليفا له بل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 303

هو تكليف للورثة و ما نحن فيه من هذا القبيل فان قضاء الحج عنه ليس تكليفا له بل تكليف للورثة، فعلى هذا لا بد أن يحكم بعدم صحة وصيته بالحج عنه من مكان مخصوص، لعدم ثبوت الولاية له على ذلك.

نعم، إذا أوصى ان يغسله شخص خاص يقتضي الاحتياط أن يعمل بوصيته بدعوى ثبوت الولاية على بدنه. و أما في غير هذه الصورة فلا.

و لكن

الأقوى هو صحة وصيته كذلك لو كان حجا ندبيا، و ذلك لأن الحج الندبي إنما يخرج من ثلث ماله و لا إشكال في ثبوت الولاية له على ثلث ماله، فله ان يوصى بصرف ذلك في الحج من مكان مخصوص أو بان يحج عنه شخص مخصوص.

و أما إذا كان الحج الموصى به حجة الإسلام فبناء على القول بان الخارج من الأصل هو الحج الميقاتي دون البلدي و لو في صورة الوصية و في البلدي يخرج المقدار الزائد على الميقات من الثلث نقول بصحة وصيته كذلك ايضا، لثبوت الولاية له على ثلث ماله.

و أما بناء على القول بخروج الحج البلدي من أصل ماله مع الوصية فلو كان أوصى به من بلده فلا اثر لهذه الوصية، فإنه على اى حال يخرج مصارفه من أصل ماله.

و أما لو اوصى بالحج عنه من بلد آخر فان كان مصرفه زائدا على الحج من بلده فكذلك نقول بصحة وصيته، لخروج الزائد من الثلث و المفروض ثبوت الولاية له عليه، و ان لم يكن مصرفه زائدا على الحج من بلده أمكن القول بعدم صحة وصيته، لخروج مصرف الحج على اى حال من أصل المال لا من الثلث حتى يقال بثبوت الولاية له عليه.

اللهم الا ان يقال بخروج مصرف الزائد من الميقات من الثلث مطلقا فيما لو أوصى كذلك، و ذلك لأن القدر المتيقن من الأدلة الدالة على خروج الحج البلدي عند الوصية من أصل المال انما هو الحج عنه من بلده لا من بلد آخر و لو كان مصرفه أقل من مصرف الحج من بلده.

[المسألة الثالثة و التسعين إذا كفت الميقاتية يكفي كل بلد دون الميقات]

قوله قده: (على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم ان يكون من الميقات أو الأقرب فالأقرب بل يكفي

كل بلد دون الميقات.).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 304

ما أفاده قده متين، لأن القول بكفاية الحج عنه من الميقات لا يدل على لزوم الحج منه بحيث لو أتى به من بلده دون الميقات لا يكتفى به.

قوله قده: (لكن الأجرة الزائدة على الميقات مع إمكان الاستيجار منه لا يخرج من الأصل و لا من الثلث إذا لم يوصي بالاستيجار من ذلك البلد.).

لا ينبغي الكلام فيه أما عدم خروجه من الأصل فلعدم كون مصارف الزائد على الحج الميقات داخلا في مصارف الحج. و أما عدم خروجه من الثلث فلعدم الوصية به.

قوله قده: (إلا إذا أوصى بإخراج الثلث من دون أن يعين مصرفه و من دون أن يزاحم واجبا ماليا عليه.)

بلا خلاف أجده فيه.

[المسألة الرابعة و التسعين إذا لم يكن الاستيجار من الميقات و أمكن من البلد وجب]

قوله قده: (إذا لم يكن الاستيجار من الميقات و أمكن من البلد وجب.)

بلا كلام في ذلك و يدل على ذلك إطلاق النصوص الدالة على وجوب إخراج حجة الإسلام من صلب المال.

قوله قده: (و ان كان عليه دين الناس أو الخمس أو الزكاة فيزاحم الدين إن لم تف التركة بهما بمعنى انها توزع عليهما بالنسبة.).

قد تقدم حكم هذه المسألة و قلنا بان بحث التخصيص و التوزيع انما يثمر بناء على القول بوجوب الحج البلدي و أما بناء على كفاية الميقاتية فلا ثمرة فيه فإذا لم تف تركته بالحج عنه من الميقات و بديونه لا بد ان يصرف جميع تركته في ديونه فان زاد شي ء فهو للورثة.

[المسألة السابعة و التسعين يجب المبادرة إلى الاستيجار في سنة الموت]

قوله قده: (الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستيجار في سنة الموت.).

بمقدار لا يعد تهاونا بالميت و أما وجوب المبادرة أزيد من ذلك فليس لنا دليل عليه اللهم الا يقال بفورية القضاء.

[المسألة الثامنة و التسعين إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستيجار ضمن]

قوله قده: (إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستيجار فتلفت التركة أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستيجار ضمن.).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 305

هذا مبتن على أنه هل المبادرة واجبة أو يجوز التأخير؟ فإن قلنا بعدم جواز تأخيره اتجه الضمان، لخروج يده عن كونه امانيا بالتأخير و ان قلنا بجوازه لم يكن ضامنا في صورة التلف، لكون يده على المال حينئذ أمانة شرعية.

[المسألة الحادية بعد المائة المدار على تقليد الميت]
[إذا اختلف تقليد الميت و الوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية]

قوله قده: (إذا اختلف تقليد الميت و الوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية فالمدار على تقليد الميت.).

لا يخفى جريان هذا البحث في موارد كثيرة كالمقام و كالاختلاف في مسائل الحبوة أو مسائل الصلاة الثابتة في ذمة الميت، أو غير ذلك و كيف كان قد عرفت في المباحث المتقدمة ان حجة الإسلام تقضى عن الميت بعد استقرارها عليه من الميقات مع عدم الوصية هذا مما لا إشكال فيه مع توافق الميت و الوارث في الحكم المذكور تقليدا أو اجتهادا. و أما لو اختلفا في ذلك بان كان الواجب في نظر الميت هو البلدي بحسب تقليده أو اجتهاده. و في نظر الوارث هو الميقاتي كذلك فهل العبرة حينئذ في الحج عنه بنظر الميت أو الوارث؟

فيه خلاف ذهب المصنف (قده) إلى الأول و اختاره في نظائر المقام كما لو اختلفا في الصلاة و الصوم و غيرهما، و ذهب الى الثاني المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- و هو كون المدار بنظر الوارث و اختاره في نظائر المقام.

و الأقوى في النظر هو القول الثاني الذي اختاره المحقق النائيني، لما قد ثبت في محله من أن الحكم الواقعي على مذهب المخطئة واحد و ليس الاجتهاد أو التقليد مغيرا له و لا مثبتا لحكم ظاهري مخالف له، لما حققناه

في الأصول من عدم إمكان الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري، و ان الاجتهاد أو التقليد معتبر من باب الطريقية و الكشف عن الواقع، فإن أصاب الواقع فهو و الا فهو معذر و لا موضوعية له أصلا، فما اشتغل به ذمة الميت في نظره و ان كان ما يوافق تقليده أو اجتهاده، الا ان الولي الذي يجب عليه إفراغ ذمته عما اشتغلت به يرى بحسب تقليده أو اجتهاده اشتغال ذمته بما يوافق تقليده أو اجتهاده، فاللازم على الوارث العمل على مقتضى اجتهاده أو تقليده في مقام إفراغ ذمة الميت عن الواجب، لأنه هو المكلف بالاستنابة أو الحج عنه، فإذا كان اجتهاد الميت أو تقليده يقتضي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 306

الحج من البلد و اجتهاد الوارث أو تقليده يقتضي الحج من الميقات لم يكن على الوارث الا الحج من الميقات أو الاستنابة منه.

نعم، لو كان الاجتهاد أو التقليد معتبرا من باب الموضوعية لكان المدار بنظر الميت كما افاده المصنف (قده)، إلا انه لا إشكال في بطلان الموضوعية بنظر العدلية، فإنه مستلزم للتصويب المجمع على بطلانه و لذا نحكم في موارد تبدل رأى المجتهد، أو تبدل المجتهد بالمجتهد مع الاختلاف بينهما بحيث يكون ما أتى به من الأعمال غير صحيح بحسب فتوى المجتهد الثاني بأن مقتضى القاعدة هو نقض الآثار المترتبة على الرأي السابق، أو فتواه، و لزوم الإعادة، إلا ان يقوم دليل خاص على عدم لزوم الإعادة من إجماع تعبدي كاشف قطعي عن عدم لزومها، أو نص خاص كحديث (لا تعاد) بالنسبة الى غير الأركان من الصلاة و غير ذلك.

فتحصل أن العبرة انما تكون بنظر الوارث بحسب اجتهاده أو تقليده كما افاده المحقق النائيني-

رضوان اللّه تعالى عليه- و لا عبرة باجتهاد الميت و تقليده، لما عرفت من أنه لا موضوعية للاجتهاد و التقليد للحكم الواقعي و انما هما طريقان اليه و لا إشكال في اشتغال ذمة الميت بالحكم الواقعي، فعليهم العمل بما هو الحكم الواقعي للميت بنظرهم و الطريق لهم للوصول اليه هو اجتهادهم أو تقليدهم لا تقليد الميت أو اجتهاده، لسقوطهما بموته رأسا.

[و أما إذا علم ان الميت لم يكن مقلدا في هذه المسألة]

قوله قده: (و إذا علم ان الميت لم يكن مقلدا في هذه المسألة فهل المدار على تقليد الوارث أو الوصي أو العمل على طبق فتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده ان كان متعينا و التخيير مع تعدد المجتهدين و مساواتهم؟ وجوه.).

قد يقال: إن العبرة بنظر الوارث و لا فرق في ذلك بين ما إذا كان الاختلاف بين الميت و الوارث من جهة الاختلاف في التقليد أو الاجتهاد، و بين ما إذا كان الاختلاف بين الوارث و الوصي و الأجير و الأقوى هو الرجوع الى حكم الحاكم، لدخوله تحت الضابط سيظهر لك- ان شاء اللّه تعالى-،

قوله قده: (و على الأول فمع اختلاف الورثة في التقليد يعمل كل على تقليده فمن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 307

يعتقد البلدية يؤخذ من حصته بمقدارها بالنسبة فيستأجر مع وفاء البلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد، و يحتمل الرجوع الى الحاكم لرفع النزاع فيحكم بمقتضى مذهبه نظير، ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة.).

لا بأس لنا (أولا) من بيان ضابط الرجوع الى حكم الحاكم على نحو الإجمال فنقول:

مهما وقع الخلاف بين شخصين فلا يخلوا إما أن يكون اختلافهما في الموضوعات و إما في الأحكام و (على الأول) فاما أن يكون مرجع الاختلاف بينهما إلى إثبات حق أو مال

على الآخر و (اخرى) لا يكون كذلك، فان كان اختلافهما من قبيل الثاني فلا إشكال في عدم تعيين الرجوع الى الحاكم و على الثاني- أعني لو كان اختلافهما في الأحكام- فاما أن لا يكون مرجع اختلافهما الى الاختلاف في إثبات حق أو مال على الآخر و إما يكون مرجعه الى ذلك- كما لو رأى أحدهما بحسب تقليده أو اجتهاده عدم انفعال ماء الغسالة و رأى الآخر انفعاله و فرضنا أن القائل بعدم انفعال ماء الغسالة قد أدخل يده المتنجسة في دهن و لا إشكال في ان مرجع اختلافهما في ذلك الى إتلاف هذا الدهن و عدمه فيدعى صاحب الدهن إتلافه له و يدعى الضمان عليه و يدعى الآخر بعدم إتلافه فليس على الضمان لطهارة الغسالة بنظره، فان لم يكن مرجع اختلافهما إلى الحق أو المال فلا إشكال في عدم الرجوع إلى الحاكم. و أما إذا كان الاختلاف أولا و بالذات في حق أو مال أو كان مرجعه الى ذلك فحينئذ (تارة) يكون الجمع بينهما ممكنا، و (اخرى) لا.

مثال الأول: ما لو أقر أحد الشريكين بشريك ثالث و أنكره الأخر، فهذا ليس موردا للرجوع الى الحاكم، لا مكان الجمع بينهما بان يعمل كل منهما بمقتضى معتقده فتوجه الضرر الى المعترف بالنسبة كما لا يخفى.

و مثال الثاني هو ما مر آنفا- الراجع الى النزاع في إتلاف المال و عدمه- و حينئذ تصل النوبة إلى الرجوع الى حكم الحاكم و كيف كان تفصيل ذلك موكول الى محله.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنه في المقام ليس المرجع حكم الحاكم، لأنه ظهر لك في بيان الضابطة أن الرجوع الى الحاكم موقوف على ثبوت المرافعة بحيث لم يمكن التوفيق بينهما

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 1، ص: 308

بان يعمل كل منهم على طبق معتقده و وظيفته- كما في اختلاف الورثة في الحبوة، أو في ثبوت الوصية التمليكية للميت بأن ادعى بعض الورثة تمليك الميت له مقدارا من تركته و أنكره الآخر، فمثل هذه الموارد يرجع الى الحاكم، لعدم إمكان التوفيق و الجمع بينهما و أما اختلافهم في مفروض المقام و هو الاختلاف في البلدي و الميقاتي فحيث أنه يمكن لكل واحد منهما العمل بوظيفته- بان يبذل القائل بالبلدية ما يخصه من اجرة الحج حسب نصيبه و يبذل القائل بالميقاتية ما يخصه من نصيبه- فلا موجب للرجوع الى الحاكم.

هذا كله فيما إذا اختلف الورثة في وجوب الحج البلدي و الميقاتي. و أما إذا اختلف الوصي و الوارث- بان كان مقتضى اجتهاد الوصي أو تقليده إخراج الحج البلدي و مقتضى اجتهاد الوارث أو تقليده الحج الميقاتي- فيكون حكم هذا الاختلاف كاختلافهم في الحبوة فيرجع الى حكم الحاكم، لعدم إمكان الجمع بينهما، فكلما حكم به الحاكم هو المتبع و ينتقض به الفتوى ما لم يعلم بفساد مدركه. و أما إذا علم بفساده- كما إذا علم اتكال الحاكم في حكما على ما لا يمكن الاعتماد عليه كالرؤيا و الاستخارة و نحو ذلك- فلا مجال للاعتماد عليه، فينحصر الحكم بالتراضي و المصالحة في هذا الفرض. ثم، إنه لو فرضنا أن الوصي أو الوارث اعتقد خطاء ما اعتمد عليه الحاكم في حكمه فهل هو ايضا مانع عن اتباع حكمه أم لا؟ الظاهر هو الأول.

[إذا اختلف تقليد الميت و الوارث في أصل وجوب الحج عليه]

قوله قده: (و إذا اختلف تقليد الميت و الوارث في أصل وجوب الحج عليه و عدمه بان يكون الميت مقلدا لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع الى كفاية فكان يجب عليه

الحج و الوارث مقلدا لمن يشترط ذلك فلم يكن واجبا عليه أو بالعكس؟ فالمدار على تقليد الميت.)

قد تقدم الإشكال فيه و قلنا بأن المدار بنظر الوارث بحسب اجتهاده أو تقليده، فعلى هذا إذا كان الرجوع الى الكفاية شرط الوجوب في نظر الوارث دون الميت لم يجب عليه الحج عنه مع افتقاد الميت إلى هذا الشرط.

[المسألة السادسة بعد المائة إذا علم استقرار الحج عليه و لم يعلم أنه أتى به أم لا]

قوله قده: (إذا علم استقرار الحج عليه و لم يعلم أنه أتى به أم لا؟ فالظاهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 309

وجوب القضاء عنه، لأصالة بقائه في ذمته و يحتمل عدم وجوبه عملا بظاهر حال المسلم و أنه لا يترك ما وجب عليه فورا. و كذلك الكلام إذا علم أنه تعلق به خمس أو زكاة أو قضاء صلاة أو صيام و لم يعلم أنه أداها أولا.).

لا ينبغي الإشكال في أنه لو علم الوارث باستقرار الحج في ذمة الميت و شك في تأديته مقتضى الاستصحاب وجوب الحج عنه على الوارث، لتمامية أركانه. بل قد يقال بجريانه بالنسبة الى كل ما استقر في ذمة الميت و شك في أدائه.

و أما ظاهر حال المسلم فلا دليل على حجيته ما لم يحصل الاطمئنان.

و أما (دعوى) جريان أصالة الصحة- في فعل المسلم و حكومتها على الاستصحاب- يدفعها أن جريان هذا الأصل على تقدير اعتباره موقوف على صدور العمل من الغير و الشك في كونه أتى به على الوجه الصحيح أولا، و مقامنا ليس كذلك، للشك في أصل قيام الميت بما وجب عليه من حجة الإسلام.

مضافا الى إمكان المناقشة في اعتبار هذا الأصل كبرويا- فاننا لم نقف على دليل تعبدي يعتمد عليه في إثبات اعتباره و أنه قد يتمسك له ببعض الأخبار الواردة في المذمة على

اسائة الظن بأخ المؤمن و هو قوله: «ضع فعل أخيك على أحسنه» فهو غير واف بإثبات المطلوب، لأن المستفاد منه شي ء آخر و هو حمل فعل الصادر منه على الوجوه المباحة و لا يظن في حقه السوء.

و أما السيرة فلم تثبت قيامها على اعتبار هذا الأصل. نعم، في باب العقود يمكن دعوى الاتفاق على جريانه فيها بعد إحراز وقوعه من العاقد إذا شك في صدور منه على الوجه الصحيح أو الفاسد.

و الحاصل: أن دعوى جريان أصالة الصحة في المحل المفروض لا يخلوا عن المناقشة صغرا و كبرى، و لكن قد ذكرنا في الأصول اعتباره في الجملة و تمام الكلام في أصالة الصحة موكول الى محله و كيف كان فالمرجع على هذا هو الرجوع الى استصحاب عدم إتيانه بالحج.

ان قلت: إنه لا يمكن القول بجريان الاستصحاب في حقه و إثبات اشتغال ذمته بالحج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 310

و ذلك لأن حكم كل شخص لا بد من إثباته بيقينه و شكه لا بيقين و شك غيره، فان المدار في الاستصحاب إنما يكون على اليقين و شك من له الحكم فلما يكون الحكم و هو وجوب الحج للميت فلا بد بأن يثبت بيقينه و شكه لا بيقين شخص آخر فعلى هذا لا يبقى مجال للقول بجريانه، لأنه متوقف على ثبوت الوجوب عليه في الزمن السابق و هو فرع شكه في الزمن اللاحق و لا طريق لنا إلى إحراز ذلك. و اما يقيننا و شكنا فلا ثمرة فيه قلت: إن أصل الحج و إن كان تكليفا للميت و لكن علم الورثة باشتغال ذمته به سابقا يثبت لهم التكليف و هو لزوم القضاء عنه بإخراجه من أصل التركة

فلا مانع من جريان الاستصحاب لهم، لتمامية أركانه- و هو اليقين السابق و الشك اللاحق- لأن مفروض المقام علم الوارث بوجوب الحج عليه سابقا لعلمه بتحقق الاستطاعة له في حال حياته و شكه فيما بعد موته أنه أتى به أولا و منشأ شكه هو احتمال عدم إتيانه به مع أن المفروض ترتب الثمرة الشرعية عليه فيجري الأصل و لا ينبغي الإشكال في جريان الحكم في تمام الموارد لعدم الفرق بين ما إذا علم باشتغال ذمته بالحج في حال حياته و شك بعد موته أنه أتى به أولا و بين ما إذا علم باشتغال ذمته بالزكاة أو الخمس أو غيرهما من الماليات. و كذلك الكلام إذا علم باشتغال ذمة الميت بقضاء صلاة أو صيام و لم يعلم أنه أداها أولا ففي الجميع يحكم بوجوب الأداء على الوارث كما أفاده المصنف (قده) في المقام و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه المصنف (قده) في باب الزكاة حيث حكم بوجوب الأداء في مفروض المقام إذا لم يعلم أنه أداه دون الزكاة حيث قال في ختام باب الزكاة:

(الخامسة «من المسائل المتفرقة» إذا علم أن مورثه كان مكلفا بإخراج الزكاة و شك في أنه أداها أم لا ففي وجوب إخراجه من تركته، لاستصحاب بقاء تكليفه أو عدم وجوبه، للشك في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث و استصحاب بقاء تكليف الميت بالنسبة إلى الوارث لا ينفع في تكليف الوارث؟ وجهان أوجههما الثاني). و ذلك لعدم الفرق بين المقامين فكما لا مانع من جريان الاستصحاب في مفروض المقام لتمامية جميع شروطه و أركانه فكذلك في الزكاة فلا وجه لاختصاص جريانه بالمقام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 311

و تفصيل الكلام هو

أنه (تارة) نقول بتعلق الزكاة بالذمة و بكونها صرف حكم تكليفي و (اخرى) نقول بتعلقها بعين المال على نحو الشركة العينية.

و (ثالثة) بماليته على نحو الشركة المالية.

فإن قلنا بالأول فلا ينبغي الإشكال في صيرورتها كالحج فكما يجرى الاستصحاب فيه فيما إذا لم يعلم أنه أداه أولا فكذلك يجري بالنسبة إليها فيما إذا لم يكن يعلم أنه أداها أولا و ان قلنا بالثاني أو الثالث فان كان المال المتعلق به الزكاة موجودا فكذلك بل جريانه في هذا الفرض اولى. و اما إذا لم يكن موجودا فان علم بأنه أتلفه عمدا في حال حياته فالمرجع أيضا هو الاستصحاب و هو استصحاب عدم إعطائه الزكاة الحاكم على استصحاب عدم انتقالها الى ذمته فلا يضر إتلافه بحق الفقراء بل على الوارث أدائها بتمامه كما عرفت في دين الحج. و اما إذا علم بأنه تلف بالآفة السماوي لا بالإتلاف فلا إشكال في عدم ضمان الميت فلا يجب أدائها على الوارث و اما إذا شك في أنه هل كان ذلك من باب التلف أو الإتلاف فمقتضى استصحاب عدم الإتلاف هو عدم ضمان الميت الموجب لعدم وجوب الأداء على الوارث و لا يعارضه استصحاب عدم التلف لانه، مثبت لعدم ترتب الأثر عليه إلا بإثبات لازمه و هو الإتلاف فكيف كان ما افاده المصنف (قده) في الزكاة- من منع وجوب إفراغ ذمة الميت عما اشتغلت ذمته به منها مع الشك في أدائها حال الحياة- بإطلاقه لا يخلو عن المناقشة. نعم، إنما يتم قوله لو كان المفروض تلف المال المتعلق به الخمس أو الزكاة من دون تفريط من الوارث و لعل ذلك هو مراد المصنف و لذا قد يقال بأنه لا ينفى جعل ما

ذكره من المنع إشكالا عليه ثم انه لو فرض تلف بعض الأعيان المتعلقة به الخمس و الزكاة فهل يقسط التالف على الوارث و الفقير أو لا؟ فان كان ذلك بتفريط من الوارث فلا يضر ذلك بحق الفقراء بل على الوارث أداء حقها بتمامه. و أما إذا كان التلف سماويا بغير تفريط من الوارث فعلى هذا الفرض يختلف الحكم باختلاف المباني فعلى القول بتعلق الزكاة بعين المال على نحو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 312

الإشاعة يقسط التالف على الوارث و الفقير حسب النصيب. و اما بناء على القول بتعلقهما بالمال على نحو الكلي في المعين فلا يحسب التالف على الفقير ما دام كان المال باقيا بمقدار الحق. و اما ان بقي منه أقل من الفريضة أو لم يبق شي ء منه فان كان التلف سماويا يحسب على الفقراء. هذا بناء على القول بتعلق الزكاة و غيرها بالأعيان. و أما على القول بتعلقها بالذمة يجب على الوارث أدائها بعد استقرارها على الميت و إن لم يبق منه شي ء من دون تفريط مثل الحج.

فتحصل من جميع ما ذكرنا انه إذا علم باستقرار الحج عليه و لم يعلم انه أتى به أولا بحكم الاستصحاب يحكم بوجوب الحج عنه أو الاستنابة عنه على الوارث و كذا الكلام في الزكاة و الخمس فما أفاده- قدس سره- هنا مناف لما سبق منه في باب الزكاة ان قلت: انه لا تصل النوبة إلى استصحاب الاشتغال، و ذلك لكفاية أصالة الاشتغال في هذا الحكم قلت: انها و ان كانت ثابتة للميت لاشتغال ذمته به يقينا، و أما بالنسبة إلى الورثة فمرجع الشك فيه إنما يكون في أصل اشتغال ذمتهم بوجوب إخراج الحج لا في

مرحلة الفراغ حتى تجري أصالة الاشتغال فالمرجع هو الاستصحاب.

و كيف كان فلا تترتب ثمرة عملية على كون المرجع أصالة الاشتغال أو استصحابه.

قوله قده (لا يكفي الاستيجار في براءة ذمة الميت و الوارث بل يتوقف على الأداء و لو علم ان الأجير لم يؤد وجب الاستئجار ثانيا و يخرج من الأصل أن لم يمكن استرداد الأجرة من الأجير)

ما أفاده (قده)- من أنه لا يبرء ذمة الميت من أداء الفريضة بمجرد الاستنابة- متين لا ينبغي الكلام فيه و كذا ما أفاده من وجوب الاستيجار ثانيا في صورة العلم بأن الأجير لم يأت بالواجب من أصل تركته ان لم يمكن استرداد الأجرة من الأجير، لإطلاق ما دل على أن حجة الإسلام تخرج من أصل المال فما دام الحج يكون باقيا فلا بد من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 313

الإخراج و إن لزم صرف الجميع هذا كله مما لا كلام لنا فيه إنما الكلام في صورة ما إذا لم يعلم ان الأجير أنى به أولا و التحقيق أنه: في صورة الشك أيضا يحكم بوجوب إعطاء الحج على الوارث ثانيا لأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

و من هنا يظهر أيضا وجوب إعطاء الحج ثانيا فيما لو علم بإتيان الأجير بالحج و لكن لم يعلم أنه قصد بإتيانه عن نفسه، أو عن الغير لا عن الميت أو عنه و لا يكفي اخبار الأجير عن أنه أتى بالحج عن الميت ما لم يحصل الاطمئنان للوارث و لو كان الأجير عادلا بناء على القول بعدم كفاية العدل الواحد في الموضوعات تعبدا.

و لا يمكن هنا إقامة البينة على إتيانه بالحج بعنوان الميت فإن النية أمر قلبي لا يطلع عليه غيره، فالمدار في كفاية

الاستئجار عن الميت بالحج هو العلم بتحقق العمل من الأجير في الخارج. نعم، لا يعتبر تحصيل العلم الوجداني بذلك بل يكفي حصول الاطمئنان بذلك- الذي هو العلم النظامي العادي الذي عليه مدار العالم و أساس عيش بنى آدم- و هو حجة عند العقلاء و لم يرد من جانب الشارع ردع عنه و نفس عدم الردع إمضاء له كما لا يخفى

[المسألة العاشرة بعد المائة لا يجوز نيابة من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه]
اشارة

قوله قده: (من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرعا أو بإجارة، و كذا ليس له أن يحج تطوعا. و لو خالف فالمشهور البطلان: بل ادعى بعضهم عدم الخلاف فيه. و بعضهم الإجماع عليه. و لكن عن سيد المدارك التردد في البطلان.)

قال في الشرائع: (لا يصح نيابة من وجب عليه الحج و استقر الا مع العجز و لو ماشيا، و كذا لا يصح حجه تطوعا و لو تطوع قيل يقع عن حجة الإسلام و هو تحكم و لو حج عن غيره لم يجز عن أحدهما).

و في الجواهر: في شرح قول المحقق- طاب ثراه- (ادعى عدم وجدان الخلاف في الأول و هو الحج عن غيره بإجازة أو تبرعا) و قال المحدث الفيض الكاشاني في ذيل خبر سعد الآتي: (لعل معنى قوله: (فليس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 314

يجزى عنه) ليس يجزى عن نفسه، و ان أجزأ عن الميت يعنى أن حج الصرورة بمال الميت عن الميت يجزى عن الميت سواء كان له مال أم لا، و لا يجزى عن نفسه إلا إذا لم يجد ما يحج به عن نفسه، فحينئذ يجزى عنهما- أى يوجران عليه- و لا ينافي وجوب الحج عليه إذا أيسر كما مضت الإشارة إليه

في خبر آدم بن على).

[مقتضى القاعدة الصحة و إن كان عاصيا]

قوله قده: (و مقتضى القاعدة الصحة و إن كان عاصيا في ترك ما وجب عليه).

بلا كلام فيه لإتيانه بالحج بجميع أجزائه و شرائطه، فانطباق المأتي به على المأمور به قهري و الاجزاء عقلي.

قوله قده: (إذ لا وجه للبطلان إلا دعوى أن الأمر بالشي ء نهى عن ضده و هي محل منع و على تقديره لا يقتضي البطلان، لأنه نهى تبعي)

لا يخفى أنه لو سلمنا كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن ضده فلا بد من الالتزام ببطلان الحج عن الغير هنا، لتعلق النهى و لو تبعيا به. و قد حقق في الأصول أن النهى في العبادات يوجب البطلان.

و الفرق بين النهي النفسي و التبعي في استلزام البطلان و عدمه مما لا وجه له فما أفاده المصنف (قده)- من أنه على تقديره لا يقتضي البطلان- مما لا يمكن المساعدة عليه و لكن الذي يسهل الخطب هو أن قاعدة اقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده في نفسها ممنوعة كما قد حقق ذلك في الأصول.

ثم إنه ربما يستدل على عدم الصحة بأن مفروض المقام وجوب الحج عليه لنفسه فورا، فليس قادرا على تركه حتى يقدر على الحج عن غيره نيابة.

و (فيه): أن تعلق الوجوب بشي ء لا يوجب انتفاء القدرة التكوينية على تركه، و الا لزم انتفاء القدرة على فعله أيضا، لأن القدرة لا بد أن تكون في طرفي النقيض بحيث إن شاه فعل و ان لم يشأ لم يفعل، فيلزم من تعلق الوجوب بشي ء عدمه، لأن المفروض كون تعلق الوجوب به مستلزما لخروج المتعلق عن حيز القدرة، و هذا مستلزم لانتفاء التكليف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 315

لقبح التكليف بغير المقدور.

إن قلت: إن تعلق

الوجوب بشي ء لا يوجب انتفاء القدرة تكوينية على الإتيان بشي ء مناف له لكنه يوجب انتفاء القدرة الشرعية على ذلك، و من المعلوم أن الحج مشروط بها فيبطل بانتفائها. فظهر أن من وجب عليه الحج لا يصح أن يحج عن غيره لا لاقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده حتى يقال بمنعه. بل إنما يقال بذلك لأجل انتفاء القدرة الشرعية المشروطة في الحج له قلت: (أولا): أن القدرة الشرعية إنما تكون شرطا للوجوب لا لامتثاله حتى يوجب انتفائها بطلانه.

و (ثانيا): انه إن أريد من القدرة الشرعية المعتبرة في الحج عدم المزاحمة مع واجب آخر فاشتراطها في الحج كذلك أول الكلام. و إن أريد منها ان أخذ القدرة في لسان الدليل يكشف عن دخلها في الملاك فهذا غير مستلزم لاعتبار عدم المزاحمة مع واجب آخر فيه كما لا يخفى.

و (ثالثا): أن كشف أخذ القدرة في لسان الدليل عن دخلها في الملاك أول الكلام، لإمكان كونه إرشادا إلى حكم العقل و (رابعا): انه ذكرنا سابقا في الشرط الثالث ان القدرة المأخوذة في لسان دليل الحج ليست إلا الاستطاعة المذكورة في الآية الشريفة و قد فسرت تلك الاستطاعة في الأخبار الواردة في تفسيرها بأمور ليس منها عدم المزاحمة مع واجب آخر- و قد بيناه سابقا مفصلا.

و ما في بعض الأخبار من ذكر عدم عذر يعذره اللّه ليس المقصود منه ان ذلك شرط في أصل وجوب الحج و انما الظاهر منها انه لو ترك الحج مع العذر الشرعي لم يعاقب، لتركه الواجب عن عذر. و بالجملة الاستدلال على بطلان الحج عن الغير مع وجوبه على نفسه بانتفاء القدرة مما لا أساس له و ربما يستدل على عدم الصحة بأنه لا إشكال

في توجه التكليف اليه بعد تحقق الاستطاعة، و انه يقتضي التوقيت الذي يمنع عن قابلية الوقت لوقوع حج غيره فيه،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 316

فيختص الزمان بحجة الإسلام، كالصوم في شهر رمضان، فكما لا يجوز له أن يصوم فيه عن غيره لا بالنيابة و لا التبرع، لاختصاص الزمان بصوم نفسه، فكذا لا يجوز له أن يحج عن غيره فيما نحن فيه و (فيه): أن الأمر الفعلي المتعلق بشي ء لا يقتضي اختصاص الوقت به بحيث لا يصلح لوقوع غيره فيه، و انى لنا إثبات ذلك. و اما قياس المقام بصوم شهر رمضان فلا وجه له، لكونه مع الفارق و هو النص الخاص، فإثبات اختصاص الزمان في المقام بحج نفسه موقوف على دليل خاص و هو مفقود.

قوله قده: (و ربما يتمسك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبى الحسن موسى- عليه السلام- عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال- عليه السلام-:

نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزى عنه حتى يحج من ماله، و هي تجزى عن الميت إن كان للصرورة مال و ان لم يكن له مال «1» و قريب منه صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-

مراده (قده) بصحيح سعيد الأعرج هو ما عن سعيد بن عبد اللّه الأعرج أنه سأل أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الصرورة أ يحج عن الميت؟ فقال- عليه السلام-: نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به فان كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله و هو يجزى عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال

«2»

قوله قده: (و هما كما ترى بالدلالة على الصحة أولى فإن غاية ما يدلان عليه انه لا يجوز له ترك حج نفسه و إتيانه عن غيره و اما عدم الصحة فلا. نعم، يستفاد منهما عدم اجزائه عن نفسه).

قد يقال بما أفاده (قده) و ذلك لأن الظاهر من قوله- عليه السلام- في ذيل خبر سعد ابن أبي خلف: (و هي تجزى عن الميت ان كان للصرورة مال و ان لم يكن له مال) هو الصحة كما لا يخفى. و لكن يمكن الاستدلال بفقرتين منه على البطلان:

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 5- من أبواب النيابة في الحج الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 5- من أبواب النيابة في الحج الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 317

(الاولى): بقوله- عليه السلام- في صدره: (نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه) المقتضى بمفهومه أنه لو كان واجدا لما يحج به لم يجز له الحج نيابة أو تبرعا عن الميت، فيكون حجه عنه باطلا للنهى عنه (الثانية): بقوله- عليه السلام- فيه: (فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزى عنه حتى يحج من ماله) بناء على أن الضمير في «عنه» راجع الى الميت لا إلى النائب، و لما لم يأت به لنفسه فهو باطل، لكونه منهيا عنه. و لكن يحتمل رجوع الضمير في «عنه» إلى النائب بأن يقال: إن السؤال و ان كان عن اجزاء الحج عن الميت و عدمه لا عن أجزائه عن النائب و عدمه لكنه ذكر- عليه السلام- في البين جملة معترضة- و هو عدم اجزائه عن النائب- ثم ذكر- عليه السلام- جواب السائل بقوله: «و هي تجزى عن الميت ان كان

للصرورة مال و ان لم يكن له مال» و لكن لا يخفى ما في هذا الاحتمال من البعد، لأن دعوى كون ذلك جملة معترضة قدمها الامام- عليه السلام- على جواب السائل بعيد عن المحاورات العرفية و لا يليق هذا المعنى بشأنه- عليه السلام- فالظاهر رجوع الضمير في «عنه» الى الميت، فيدل على البطلان هذا و لكن ذيله و هو قوله- عليه السلام-: «و هي تجزى عن الميت. إلخ» ظاهر في الصحة كما لا يخفى. فحينئذ يقع التهافت بين صدره و بين ذيله، لدلالة صدره و هو قوله: (فليس يجزى عنه) على عدم إجزاء حجه على الميت. و هذا بخلاف ذيله و هو قوله: (و هي تجزى عن الميت) فلا بد في رفع التهافت من ارتكاب خلاف الظاهر، فنقول: ما يمكن أن يقال في تفسير الحديث على وجه يرتفع التهافت من صدره و ذيله وجوه ستة:

(الأول): ان يكون المراد منه ما يظهر من ذيله- و هو صحة الحج عن الميت- و أما صدره و هو قوله: «أ ليس يجزى عنه» فيقال برجوع الضمير في «عنه» إلى النائب لا الى الميت حتى لا ينافي ذيله و أما قوله- عليه السلام-: (نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه) المقتضى بمفهومه النهى عن حجه عن الميت ان كان له ما يحج به عن نفسه فليس المراد به النهي المولوي التحريمي الموجب للبطلان بل المراد به الإرشاد الى ما يحكم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 318

به العقل من لزوم الإتيان بحج نفسه، لأنه لو أتى به في سنته عن الميت لما تمكن فيها من الإتيان بالحج عن نفسه الذي هو واجب فوري يوجب تأخيره استحقاق العقوبة،

لكونه عصيانا، فعليه ترك الحج عن الميت في هذه السنة و الإتيان بالحج عن نفسه فيها و عليه فمفهوم قوله- عليه السلام-: (إذا لم يجد الصرورة ما يحج به) هو أنه ليس له أن يحج عن غيره إرشادا لا تكليفا.

(الثاني): ان المقصود منه ما يظهر من صدره من بطلان الحج و اما قوله: «و هي تجزى عن الميت» فيحمل على ما إذا أتى بالحج أولا ثم أتى به ثانيا عن الميت في السنة الثانية (الثالث): ان المراد من الصرورة الواقعة في منطوقه هو الميت لا النائب فعليه لا يدل ذيله على صحة الحج مع فرض كون النائب ذا مال حتى ينافي صدره.

(الرابع): ان المراد بقوله: (ان كان للصرورة مال. إلخ) ليس هو المال الوافي بالحج حتى يناقض الصدر بل المراد به كونه واجدا لمقدار أقل من ذلك و عليه فالمقصود انه لا يشترط في النائب الصرورة ان يكون فقيرا مستحقا للزكاة بل يجوز نيابته و استنابته و لو كان غنيا شرعيا بحيث لم يستحق الزكاة لكنه لم يكن واجدا بمقدار ما يحج به.

(الخامس): ان للنائب حالات ثلاثة: الاولى: ان يكون له من المال ما يحج به.

الثانية: ان لا يكون له ذلك. الثالثة: كونه مالكا لما يحج به و لكنه لتلف ماله غير متمكن من الحج فبين- عليه السلام- حكم القسم الأول بقوله: (نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه) و حكم القسم الثاني بقوله: (أو لم يكن له مال) و حكم القسم الثالث بقوله:

(و هي تجزى عن الميت ان كان للصرورة مال) (السادس): ان المراد ليس هو النهى عن استنابة الصرورة الذي له مال بل المراد ان السائل لما تخيل أن الصرورة

لو حج عن الميت اجزء عنهما فبين الامام- عليه السلام-:

أن الحج الواحد لا يجزى عن اثنين، فما أتى به عن الميت يقع عن الميت و عليه الإتيان بالحج عن نفسه ان كان له مال هذه هي الوجوه المتصورة في رفع التهافت، فإن أمكن رفع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 319

التهافت من صدره و ذيله بأحد هذه الوجوه فهو، و الا فيصير مجملا و لا بد من الرجوع الى مقتضى القاعدة لو لا قيام نص آخر بالخصوص على البطلان. هذا تمام الكلام في خبر سعد ابن أبي خلف.

و أما صحيح سعيد الأعرج فيمكن الاستدلال به على الصحة بما في ذيله من قوله- عليه السلام-: (و هو يجزى عن الميت كان له مال أو لم يكن) بناء على رجوع الضمير في قوله: (له) إلى النائب لا الى الميت وفاقا لما افاده (قده) و لكن يمكن الاستدلال بفقرتين منه على البطلان:

(الاولى): قوله- عليه السلام-: (نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به) فان مقتضى مفهومه انه لو وجد الرجل ما يحج به لم يجز له الحج عن الميت، و قد حقق في الأصول ان النهى في العبادة يوجب البطلان.

(الثانية): قوله- عليه السلام-: (فان كان له مال فليس له ذلك) فان الظاهر ان المراد منه أنه ان كان له مال لم يجز له ان يحج عن الميت. و يحتمل ان يراد به أنه ان كان له من المال ما يوجب الحج عليه فليس له الاكتفاء بالحج عن نفسه بما أتى به من الحج عن الميت بل عليه أن يأتي به عن نفسه على حدة و على هذا فلا دلالة في هذه الفقرة على البطلان بل تدل على الصحة

لكن هذا المعنى خلاف الظاهر. و اما ذيله و هو قوله- عليه السلام-: (و هو يجزى عن الميت كان له مال أو لم يكن) فكما يحتمل ان يكون الضمير في قوله: (له) راجعا إلى النائب و حينئذ يدل على الصحة فكذلك يحتمل ان يكون راجعا الى الميت لكن ظهور صدر الحديث في البطلان قرينة على رجوع الضمير في ذيله الى الميت لا النائب.

فالتحقيق: انه يدل على البطلان خلافا لما أفاده المصنف من دلالته على الصحة و يدل على البطلان ايضا ما عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في رجل صرورة مات و لم يحج حجة الإسلام و له مال قال يحج عنه صرورة لا مال له «1» و المستفاد منه بظاهره أمران:

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 5 من أبواب النيابة. الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 320

(الأول): اعتبار كون النائب عنه صرورة لدلالة ذيله و هو قوله: (يحج عنه صرورة) و هذا خلاف الإجماع ان لم نقل بكونه خلاف ضرورة الفقه و ذلك لانه لا ينبغي الارتياب في جواز استنابة غير الصرورة عنه.

(الثاني): اشتراط ان لا يكون للنائب الصرورة مال و هذا هو المطلوب. ثم إنه لما كان الحكم- و هو عدم جواز النيابة لمن كان واجدا لما يحج به- على خلاف القاعدة فلا بد من الاقتصار على مورد النص و هو الاستنابة عن الميت فلو استنيب الصرورة الذي له مال يحج به عن الحي المعذور عن الحج مباشرة يحكم بصحته و ان أثم بتأخير الحج عن نفسه لعدم شمول الأخبار الدالة على اعتبار عدم كونه ذا مال يحج به للاستنابة عن الحي، لعدم إمكان استظهار كبرى كلية منها بعد

احتمال دخل خصوصية للمورد و هو الاستنابة عن الميت في الحكم بعدم الجواز كما لا يخفى. نعم يمكن اعتبار ذلك في الاستنابة عن الحي أيضا بمضمر علي بن أبي حمزة قال: سألته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّه؟ فقال عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له «1» و لكنه لا ينهض لإثبات الحكم المخالف للقاعدة فإن فيه مضافا الى الإضمار ضعف السند، فتحصل من جميع ما ذكرنا ان من كان عليه حج واجب و كان متمكنا من أدائه لا يجوز له النيابة عن الغير بإجارة أو تبرع كما هو المشهور و لو خالف فهو باطل. هذا الحكم و ان كان على خلاف القاعدة الا إنه يرفع اليد عنها لأجل التعبد على خلافها و هو الاخبار المتقدمة. هذا إذا قلنا بدلالتها على البطلان و أما إذا لم نقل بذلك و ناقشنا في دلالتها عليه فالمرجع هو ما تقضية القاعد- و هو الصحة- لما عرفت.

[و أما إذا لم يتمكن من حج نفسه فلا إشكال في الجواز و الصحة]

قوله قده: (هذا كله لو تمكن من حج نفسه و أما إذا لم يتمكن فلا إشكال في الجواز و الصحة عن غيره).

و في المدارك: (و اما المنع من الحج عن الغير فإنما يتم مع التمكن من الإتيان بالواجب، فلو تعذر جازت الاستنابة لجواز تأخير ذلك الواجب

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 321

الفوري بالعجز عنه و متى جاز التأخير انتفى المانع من الاستنابة كما هو ظاهر) و في محكي الدروس: (و يشترط الخلو من حج واجب على النائب الا ان يعجز عن الوصلة اليه).

و في الجواهر: (من وجب عليه حجة

الإسلام و كان متمكنا منها لا يحج عن غيره متبرعا أو بإجارة).

ما أفاده (قده) متين، لاختصاص الأخبار المتقدمة على تقدير تماميتها في المنع بصورة تمكنه من الحج عن نفسه.

[و كذا إذا كان لا يعلم بوجوب الحج عليه]

قوله قده: (بل لا ينبغي الإشكال في الصحة إذا كان لا يعلم بوجوب الحج عليه، لعدم علمه باستطاعته).

لا يخفى ان ما أفاده المصنف (قده)- من صحة حجه في صورة عدم علمه باستطاعته- انما يتم بناء على القول بأن المانع عن صحة حجه عن الميت هو مزاحمته للحج الواجب على نفسه فورا لان قوام التزاحم بالعلم و لكن قد عرفت ان المانع عن صحة حجه هو دلالة الأخبار المتقدمة و هي لا تختص بصورة العلم. فالأخبار المتقدمة على تقدير تماميتها شاملة لغير صورة العلم كما لا يخفى.

[في المفروض الإجارة باطلة قطعا و لو قيل بصحة الحج و إجزائه]

قوله قده: (ثم على فرض صحة الحج عن الغير و لو مع التمكن و العلم بوجوب الفورية لو آجر نفسه لذلك فهل الإجارة أيضا صحيحة أو باطلة مع كون حجه صحيحا عن الغير الظاهر بطلانها و ذلك لعدم قدرته شرعا على العمل المستأجر عليه.).

لا ينبغي الإشكال في انه بناء على بطلان الحج تكون الإجارة باطلة إنما الكلام و الاشكال في انه بناء على صحته هل تكون الإجارة صحيحة أم لا؟

التحقيق عدم إمكان التفكيك بين صحة الحج و صحة الإجارة فلو صح حجه صحت إجارته أيضا، فإن للإجارة ركنين: (الأول): قدرة الأجير على تسليم العمل المستأجر عليه، لأن ما لا يكون مقدورا له لا يقع موردا للمعارضة كما قد حقق في محله.

(الثاني): قابلية المستأجر لاستيفاء المنفعة و كلاهما حاصلان في المقام كما هو واضح فلا وجه لبطلانها، غاية ما يمكن أن يتوهم كونه دليلا على بطلان الإجارة مع فرض صحة الحج وجوه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 322

(الأول)- عدم قدرة الأجير شرعا على العمل المستأجر عليه لوجوب الحج على نفسه فورا و معلوم ان القدرة على العمل المستأجر عليه

شرط في صحة الإجارة و عدم القدرة في المقام و ان كان شرعيا فقط، لوجود القدرة التكوينية له لكنه قد قرر في محله أن المانع الشرعي كالمانع العقلي. و فيه: (أولا): ما مر من الجواب عنه بما لا مزيد عليه. (و ثانيا):

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 1، ص: 322

أنه على فرض تماميته يقتضي بطلان أصل الحج ايضا فلا وجه للتفكيك بين الحج و الإجارة في الصحة و البطلان.

(الثاني)- أنه لو صحت الإجارة توجه إليه الأمر بالوفاء بها، فيلزم اجتماعه مع الأمر بالحج لنفسه و هما متنافيان، لعدم القدرة على امتثال كليهما. و (فيه): أن غاية الأمر دخول ذلك في باب التزاحم فيجري عليه حكم التزاحم من تقديم الأهم إن كان على الآخر و من كون المهم ايضا مأمورا به بناء على الترتب. هذا فيما إذا كان أحدهما أهم من الآخر.

و أما إذا لم يكن أحدهما أهم من الآخر فان قلنا بصحة الترتب من الطرفين تحقق كلا الأمرين على نحو الترتب و ان قلنا بعدم صحته، كما هو الحق على ما بيناه في الأصول فيكفي وجود الملاك في صحته.

(الثالث)- ان يقال ان الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده و هذا النهى لا يوجب فساد أصل الحج، لكونه نهيا تبعيا لكنه يوجب فساد الإجارة. و (فيه): (أولا):

منع أصل المبنى و (ثانيا): أنه على فرض صحته لا وجه للتفصيل بين أصل الحج و الإجارة بكون النهي التبعي مفسدا للإجارة دون أصل الحج.

(الرابع)- ان يقال ان الإنسان لا يملك في آن واحد منافعه المتضادة و لذا قد بينا في محله من أنه

لو صار أجيرا لشخص للإتيان بعمل ثم صار أجيرا لشخص آخر في ذلك الزمان يحكم ببطلان الإجارة الثانية، لعدم موضوعها و هو القدرة على العمل المستأجر عليه، و على هذا فنقول في المقام ان الشارع قد أوجب الحج على نفس الأجير فورا، لتحقق موضوعه- و هو الاستطاعة- فصار عمله ملكا للّه تعالى و ليس بعد ذلك مالكا لعمل آخر حتى يقع أجيرا عليه، لما عرفت من أن الشخص لا يملك منافعه المتضادة فالإجارة باطلة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 323

و لكن أصل الحج صحيح، لعدم اعتبار مالكية العمل في صحة الحج، و هذا بخلاف الإجارة، لاعتبارها فيها.

و (فيه): أنه ان أريد من صيرورة عمله ملكا للّه تعالى لأجل وجوب الحج عليه عن نفسه هو الملكية بالمعنى المتعارف المعهود عند المخلوقين فهو لا يتصور في حق اللّه تعالى و لا يناسب شأنه العزيز، و لا يمكن التفوه بذلك و تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا. و ان أريد من ذلك هو المعنى المناسب للّه تعالى فلا إشكال في انه مالك الملوك و لا يخرج عن ملكه شي ء كما لا يخفى. فتحصل مما ذكرنا أنه لا وجه للتفكيك بين صحة الحج و الإجارة، فما أفاده المصنف (قده)- من صحة الحج و بطلان الإجارة- مما لا يمكن المساعدة عليه.

[نعم لو لم يكن متمكنا من الحج عن نفسه يجوز له ان يؤجر نفسه للحج عن غيره]

قوله قده: (نعم لو لم يكن متمكنا من الحج عن نفسه يجوز له ان يؤجر نفسه للحج عن غيره و ان تمكن بعد الإجارة عن الحج عن نفسه لا تبطل إجارته.).

لا يخفى ان المدار انما هو بالتمكن من الحج في وقته لا قبله فعليه مع عدم تمكنه من الحج عن نفسه ثم تمكنه بعد الإجارة في وقته كشف

عن بطلان الإجارة من أول الأمر.

و الحاصل: انه لا وجه للتفصيل في صحة الإجارة و بطلانها بين كون عدم التمكن من الحج عن نفسه ثابتا قبل الإجارة و بين طروه بعدها، لأن المدار انما هو بالتمكن حين العمل فالإجارة أما صحيحة مطلقا و إما باطلة مطلقا فما افاده المصنف (قدس سره) من صحة الإجارة في مفروض المقام مما لا يمكن المساعدة عليه.

[لا يبعد صحتها لو لم يعلم باستطاعته أو لم يعلم بفورية الحج عن نفسه]

قوله قده: (بل لا يبعد صحتها لو لم يعلم باستطاعته أو لم يعلم بفورية الحج عن نفسه فآجر نفسه للنيابة)

ما افاده (قده) انما يصح بناء على كون المانع عن صحة الإجارة هو مزاحمتها مع واجب آخر، لكون قوام التزاحم بالعلم و اما بناء على كون المانع عن ذلك عدم مالكية الأجير للعمل أو غير ذلك من الوجوه فلا فرق في الحكم بين العلم و عدمه.

[لو نوى الندب غفلة يجزي]

قوله قده: (نعم لو نوى الأمر المتوجه اليه فعلا و تخيل أنه أمر ندبي غفلة عن كونه مستطيعا أمكن القول بكفاية حجه عن حجة الإسلام).

لا يخفى أن إجزائه عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 324

حجة الإسلام مع قصد الأمر الندبي ليس مشروطا بصغرويته لكبرى الخطأ في التطبيق بل لو قصد الأمر الندبي واقعا لا الأمر الفعلي المتوجه اليه المتخيل أنه ندبي حتى يكون خطاء في التطبيق صح أيضا لأنه ليس مرجع ذلك الى التقييدية. نعم، لو كان قصده إتيانه بشرط وقوعه ندبا بحيث لو وقع واجبا لا يريده كان تقييدا و لكنه لا يصدر ذلك عن عاقل كما لا يخفى

[إذا كان الحج الواجب عليه حجا نذريا أو غيره فحاله ما ذكرنا في حجة الإسلام]

قوله قده: (ثم إذا كان الحج الواجب عليه حجا نذريا أو غيره و كان وجوبه فوريا فحاله ما ذكرنا في حجة الإسلام من عدم جواز حج غيره و انه لو حج صح أولا و غير ذلك من التفاصيل المذكورة بحسب القاعدة.).

ما أفاده (قده) انما يتم بناء على مقتضى القاعدة. و أما بناء على ما عرفت من ان الدليل على بطلان الحج هو النصوص الخاصة المتقدمة الدالة على خلاف القاعدة فلا بد من الاقتصار على موردها و هو استنابة من عليه حجة الإسلام لا مطلق الحج الواجب عليه، لأن هذا الحكم لما يكون مخالفا لمقتضى القاعدة لا بد بان يقتصر على موردها.

[الفصل الثالث في الحج الواجب بالنذر و العهد و اليمين]

[أدلة اعتبار البلوغ في انعقادها]
اشارة

قوله قده: (و يشترط في انعقادها البلوغ، و العقل، و القصد، و الاختيار فلا تنعقد من الصبي و ان بلغ عشرا و قلنا بصحة عباداته، و شرعيتها، لرفع قلم الوجوب عنه.).

قد تسالم الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- على اعتبار البلوغ في انعقاد النذر و العهد و اليمين، كاعتبارهم العقل و القصد و الاختيار في ذلك، فلا كلام فيه من حيث الفتوى، انما الكلام في دليله و مدركه. و ما يمكن الاستدلال به على ذلك وجوه:

(الأول) [الإجماع]

- ما في نذر الجواهر من الإجماع بقسميه عليه. و (فيه): أنه قد تكرر منا مرارا أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم- عليه السلام- لا المدركى و في المقام يحتمل أن يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه الآتية، فلا عبرة به، بل العبرة بالمدرك ان تم.

(الثاني) [حديث رفع القلم]

-

ما اشتهر الاستدلال به في الجواهر و غيره: من حديث رفع القلم: و هو ما عن الأعمش عن أبي ظبيان قال: أتى عمر بامرأة مجنونة قد زنت، فأمر برجمها، فقال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 325

على- عليه السلام-: أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ؟! «1» و نحوه ما في الإرشاد و لكن زاد فيه: أن النبي- صلى اللّه عليه و آله- قال: رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم. إلخ «2».

و (فيه): أن الظاهر من مثل هذا الحديث بقرينة كلمة المجاوزة- الظاهرة في رفع منشأ الثقل- هو كون المرفوع قلم التكليف الإلزامي، لأنه الموجب لاستحقاق العقاب في المؤاخذة، فلا يشمل الأحكام الوضعية، فإطلاق أدلة سببية الأسباب- الشامل للبالغ و غيره على وزان واحد- محكم. و عليه فلا يستقيم الاستدلال بحديث رفع القلم على عدم صحة نذر الصبي. الا أن يقال: إن استشهاد الامام- عليه السلام- بحديث رفع التسعة على عدم وقوع الطلاق، و العتاق، و صدقة ما يملك يدل على عموم الحديث لجميع الآثار الشرعية و ان كانت وضعية فتدبر.

(الثالث)- ما دل على أن عمد الصبي خطاء:

و هو:

1- عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: عمد الصبي و خطأه واحدة «3».

2- عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه- عليهما السلام- أن عليا كان يقول عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة «4» و نحوهما ما في الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و (فيه): ما لا يخفى، لورودها في باب الضمانات، فهي أجنبية عما نحن فيه كما لا يخفى.

(الرابع)- ما قيل: من أنه مسلوب العبارة

و (فيه): أنه لم يدل عليه حجة معتبرة.

______________________________

(1) الوسائل- ج- 1- الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 11.

(2) الوسائل- ج- 3 الباب- 8- من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2 و لكن هذه الزيادة ليست في الإرشاد و لا في الوسائل.

(3) الوسائل- ج- 3- الباب- 11- من أبواب العاقلة الحديث 2.

(4) الوسائل- ج- 3- الباب- 11- من أبواب العاقلة الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 326

(الخامس)- مقتضى الأصل العملي،

لحصول الشك في أصل انعقاده بدون البلوغ و (فيه): أنه مقطوع بالعمومات و الإطلاقات- الدالة على سببية الأسباب التي لم يفرق فيها بين البالغين و غيرهم.

فظهر مما ذكرنا عدم دليل معتبر على اعتبار البلوغ في انعقادها. و لكنه مع ذلك كله لا مجال للمناقشة في أصل اعتبار البلوغ في انعقادها، لتسالم جميع الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- على ذلك الموجب للقطع بالحكم. مع أن من البعيد جدا أن يكون مستندهم في ذلك هو حديث رفع قلم الوجوب عنه مع وضوح المناقشة فيه، كما عرفت؛ أو كون عمد الصبي خطاء مع وضوح ما عرفته ما فيه، أو غير ذلك مما تقدم آنفا.

و بالجملة قد تكرر منا أن الإجماع بنفسه و لو لم يكن حجة تعبدية في قبال الكتاب و السنة و لكن قد بينا مرارا أنه مهما صار منشئا لحصول الاطمئنان بالحكم فلا إشكال في حجية ذلك الاطمئنان فالعمدة حينئذ في وجه اعتبار البلوغ في انعقادها هو الإجماع لا غير.

هذا و يمكن إثبات اعتبار البلوغ في صحة نذره و عهده و يمينه بحديث رفع القلم وفاقا للمصنف (قده) و غيره من الفقهاء. بتقريب: أنه و ان سلمنا أن دليل الرفع امتنائى و أن لفظ (رفع) خصوصا مع تعديته بعن

يدل على رفع الثقل فيناسب رفع التكاليف الإلزامية به؛ إلا أن الامتنان و رفع الثقل لا ينحصر في التكاليف الإلزامية بل يتأتى ذلك في بعض الأحكام الوضعية الموجبة للتضيق عليه كما في نذره، و عهده؛ و يمينه، و هبته، و عتقه و نحوها لكونها الموجبة للضيق عليه و رفعها امتنان عليه كما لا يخفى. و على فرض تسليم اختصاص الرفع بالأحكام التكليفية الإلزامية نقول: إن النذر أمر عرفي تكويني خارجي موضوع لحكم الشارع بوجوب الوفاء به، لأن معنى صحة نذره هو أن الشارع قد حكم حكما تكليفيا بوجوب العمل به خصوصا في نذر الفعل، و معنى عدم صحته هو عدم حكمه بوجوب الوفاء به، و ليست الصحة فيه كالصحة في العتق التي هي عبارة عن سببيته لحكم وضعي و هو الحرية فعليه يكون حكم الشارع بوجوب الوفاء به عليه مرفوعا، لكونه من التكاليف الإلزامية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 327

المرفوع بحديث رفع القلم، فنذره غير صحيح. ثم، إنه لو رفعنا اليد عنه يكفينا في هذا الحكم الدليل الثالث، و ذلك لأنه و ان كان بعض الروايات مختصا بباب الضمانات لتذييله بقوله- عليه السلام-: «تحمله العاقلة» الا أن بعضها الآخر غير مختص بها، لعدم تذييله به فقوله- عليه السلام- في صحيح محمد بن مسلم المتقدم: «عمد الصبي و خطأ واحد» مطلق و يحكم بمقتضى إطلاقه عدم صحة نذره، لكون عمده كخطأه في عدم ترتب الأثر، و لكنه انما يتم بناء على صحة سنده، أو جبره و عدم وجدان قرينة على اختصاصه بمورد خاص، و على فرض تماميته يصير دليلا ايضا على الوجه الرابع و هو ما قيل: من ان الصبي مسلوب العبارة كما هو واضح.

و لكنه مع ذلك كله تحتاج المسألة إلى التأمل.

[انعقاد النذر و أخويه من الكافر]
[بيان تمشي قصد القربة من الكافر]

قوله قده (و الأقوى صحتها من الكافر وفاقا للمشهور في اليمين خلافا لبعض للمشهور في النذر وفاقا لبعض.)

قد ذهب جماعة من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- الى عدم صحة النذر من الكافر منهم المحقق- طاب ثراه- حيث قال في الشرائع: (فلا يصح من الصبي و لا من الكافر، لتعذر نية لقربة منه لكن لو نذر الكافر فأسلم استحب له الوفاء). و منهم صاحب الجواهر (ره) حيث آل: (لم أجد خلافا في عدم صحته منه بين أساطين الأصحاب، كما اعترف به في الرياض. نعم أمل فيه سيد المدارك. و تبعه في الكفاية، فإنهما بعد ان اعترفا بالشهرة و ذكرا الدليل لذكور قالا: و فيه منع واضح، لإمكان التقرب من الكافر المقر باللّه. و في الرياض:

لا يخلو من قوة ان لم يكن الإجماع على خلافه كما هو الظاهر، إذ لم أره مخالفا سواهما من لأصحاب». و منهم العلامة في القواعد حيث قال: «لو نذر الكافر لم ينعقد لتعذر نية القربة؟؟ ه». و منهم الفاضل الأصبهاني في كشف اللثام حيث قال: (لتعذر نية القربة منه و إن استحب له الوفاء إذا أسلم، و لو حلف انعقد على رأى).

و الأقوى هو ما افاده المصنف قده- من انعقادها من الكافر-، و ذلك لعدم؟؟؟ النذر و أخويه من الأمور العبادية المتقومة بقصد القربة- كالصلاة و الصوم و نحوهما العبادات- حتى يقال بعدم انعقادها منه، لعدم تمشي قصدا لقربة، بل النذر و أخواه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 328

من الأمور التوصلية التي لا يعتبر في تقومها ذلك فعليه لا مانع من انعقادها من كل أحد.

ان قلت: إن خصوص صيغة النذر تقتضي اعتبار

القربة فيه و هو قول الناذر: «للّه على كذا» و ذلك لأن مفادها هو الالتزام بالفعل أو الترك للّه تعالى و القربة المعتبرة في العبادة ليست الا ذلك المعنى، فعليه يكون النذر من التعبديات لا من التوصليات، فيحكم بعدم انعقاد النذر من الكافر، لعدم تحقق شرطه منه و هو قصد القربة.

قلت: (أولا): بالنقض، لأن القول به في النذر يوجب الالتزام به في أخويه أيضا لعدم الفرق بين كلمة: «للّه على كذا» في النذر. و كلمة: «عاهدت اللّه» في العهد، و كلمة:

و اللّه «على كذا» في اليمين، فلا بد من اعتبار قصد القربة في اليمين و العهد مع أن المشهور لم يلتزموا بذلك فيهما. هذا إذا لم نقل بان في صيغة النذر خصوصية.

و (ثانيا): بالحل، لأن مفاد صيغة النذر و أخويه هو إنشاء التزام العبد بفعل أو ترك له سبحانه و تعالى- بحيث يصير بالإنشاء المزبور مديونا له تعالى و الملتزم به مملوك له عز و جل- فاللام في قوله: «للّه على كذا» للملك بالمعنى المناسب له تعالى شانه نظير اللام في قوله تعالى «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» «1» و لا تدل على اعتبار القربة في شي ء من النذر و أخويه، و مجرد كون شي ء للّه تعالى لا يقتضي عباديته و الا يلزم عبادية جميع الواجبات الشرعية و عدم توصلية شي ء منها و هو كما ترى، فالحق عدم اعتبار نية التقرب في النذر و أخويه و انعقادها و لو بداعي الشهوة.

و لا ينافي هذا ما أفاده صاحب الجواهر (ره) في مبحث النذر في شرح قول المحقق طاب ثراه: «و يشترط مع الصيغة نية القربة» حيث قال: (لا إشكال في اعتبار

نية القربة فيه لكن لا على معنى قصد الامتثال بإيقاعه كغيره من العبادات التي تعلق الأمر بإيجادها على جهة الوجوب أو الندب ضرورة عدم الأمر به. الى ان قال بل المراد بها ان شاء الالتزام بذلك للّه لا لغرض آخر كما لا يخفى).

______________________________

(1) سورة آل عمران: الآية- 91.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 329

و (ثالثا): على فرض تسليم كون جميعها أو خصوص النذر من التعبديات المتقومة بقصد القربة فنمنع الصغرى و هو عدم تمشي قصد القربة منه وفاقا للمصنف (قده) و خلافا لصاحب كشف اللثام و صاحب الشرائع و غيرهما من الفقهاء- قدس سرهم- ممن ذهب الى عدم تمشي قصد القربة منه، لعدم المانع من تمشي ذلك منه خصوصا من الكفار القائلين بثبوت الصانع لهذا العالم- كاليهود و النصارى و غيرهما من أهل الكتاب ممن يعتقد بوجود الصانع جلت عظمته و ان جميع الموجودات العلوية و السفلية مخلوقة للّه تعالى- فيمكن لهؤلاء الكفار أن يتقربوا الى اللّه تعالى بما يرونه مقربا لهم اليه تعالى من النذر و غيره هذا كله بالنسبة الى أهل الكتاب. و أما الكفار الذين يعبدون الأصنام فكذلك، إذ لا مانع من تمشي قصد القربة منهم بأن يتقربوا بأحد هذه الأسباب إليه تعالى و بغيرها مما رأوها وجها للتقرب، و ذلك لأن هذه الطائفة من الكفار لا يعبدون الأصنام حقيقة لذاتهم و بما أنها معبودة من دون نظر الى غيرها بل انما يعبدونها و يخضعون و يخشعون في قبالها ليقربوهم اليه تعالى و يجعلوها واسطة في قضاء حوائجهم كما حكى اللّه تعالى في كتابه المجيد عن ذلك بقوله: «مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلّٰا لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ «1» فتحصل مما ذكرنا انعقاد النذر و

أخويه من الكافر كانعقادها من المسلم.

و لكن لا يخفى أن ما أفاده صاحب الجواهر (ره)- من عدم صحته من الكافر- انما يتم فيما إذا لم يكن الكافر معتقدا بوجود الصانع كالماديين و أما غيره فلا لما عرفت آنفا.

[أدلة عدم اعتبار قصد القربة في النذر]

قوله قده: (و ذكروا في وجه الفرق عدم اعتبار قصد القربة في اليمين و اعتباره في النذر و لا يتحقق القربة في الكافر.).

ما أفاده قده في وجه التفصيل بين اليمين و النذر في الحكم بانعقاد الأول من الكافر دون الثاني نقلا عنهم مما لا يمكن المساعدة عليه. أما (أولا): فلعدم ورود دليل تعبدي على اعتبار قصد القربة في انعقاد النذر فيكون توصليا. و أما القول باقتضاء نفس صيغة النذر اعتبار القربة فيه فقد عرفت ما فيه. و (ثانيا): على فرض تسليم اعتباره فلا مانع من

______________________________

(1) سورة الزمر: الآية- 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 330

حصولها من الكافر كما عرفت.

قوله قده: (و فيه ان القربة لا تعتبر في النذر بل هو مكروه.).

يمكن ان يقال بما افاده المصنف (قده) و يستدل عليه- اى على عدم اعتبار قصد القربة- بوجهين:

(الأول)- مقتضى الإطلاقات الدالة على وجوب الوفاء بالنذر إذا شك في اعتبار قصد القربة فيه، إذ التعبدية تحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا و إثباتا و الأصل عدمها الا ان يقوم دليل تعبدي آخر على اعتبارها فيه و لم يثبت فيدفع الشك بالإطلاقات.

و لا يخفى ان جواز التمسك بها على عدم اعتبار قصد القربة في انعقاد النذر موقوف على الإشارة ما هو محرر في الأصول و هو أن التقابل بين الإطلاق و التقييد ان كان تقابل التضاد كما نسب الى المشهور، أو السلب و الإيجاب، كما عزى الى السلطان (ره) فيتمسك

بالإطلاق لدفع الشك في اعتبار قصد القربة في انعقاد النذر و أخويه، و ان كان تقابل العدم و الملكة كما عليه جماعة منهم الميرزا المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- فجواز التمسك بالإطلاق موقوف على كون القربة مطلق الداعي الإلهي، إذ لو كانت القربة خصوص قصد الأمر فيمتنع التقييد، لتأخر القربة حينئذ عن الأمر و ترتبها عليه و يستحيل دخل ما يترتب على الأمر في متعلقة المتقدم رتبة على الأمر كما اتضح مفصلا في محله و امتناع التقييد يوجب امتناع لإطلاق، لأن المطلق هو ما من شأنه أن يقيد و لا يقيد، فيكفي في امتناع الإطلاق امتناع التقييد. لكن هذا في التقييد اللحاظي دون ما هو نتيجة التقييد، لأنه بمكان من الإمكان فلا مانع حينئذ من التمسك بالإطلاق غاية الأمر أن هذا الإطلاق مقامي لا لفظي و هو كاف في رفع الشك، كالإطلاق اللفظي كما لا يخفى.

(الثاني)- ما دل من الأخبار على كراهة النذر و هو ما في موثق إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: انى جعلت على نفسي شكرا للّه ركعتين أصليهما في السفر و الحضر أ فأصليهما في السفر بالنهار؟ فقال: نعم ثم قال: إني لأكره الإيجاب أن يوجب الرجل على نفسه. قلت: إني لم اجعلهما للّه على إنما جعلت ذلك على نفسي أصليهما شكرا للّه و لم أوجبهما على نفسي أ فأدعهما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 331

إذا شئت؟ قال: نعم «1» و ما عن على بن أسباط عن الحسن بن على الجرجاني عمن حدثه عن أحدهما قال: لا توجب على نفسك الحقوق و اصبر على النوائب «2». الى غير ذلك من الإخبار الواردة عنهم- عليهم السلام-

الدالة على كراهة النذر و دلالتهما على الكراهة واضحة فإذا كان مكروها فكيف يمكن ان يتقرب به.

و فيه: (أولا): احتمال ورود هذه الإخبار في مقام الإرشاد لا المولوية حتى يقال بدلالتها على الكراهة. و المقصود منها أنه لا وجه لأن يزيد المكلف تكليفا على نفسه بالنذر أو بغيره مع وجود تكاليف عديدة في عهدته لا يمكنه مخالفتها، لأنه قد يتفق مع وجودها مخالفة النذر و يتحقق بها المعصية كما قد يتفق به ترك الواجب الإلهي بغير النذر فعليه لا يتم دلالتها على الكراهة.

و (ثانيا): أنه بعد تسليم دلالتها على الكراهة، لظهورها في المولوية لا الإرشاد لا يمكن الاستدلال بها ايضا على نفي اعتبار القربة في النذر، و ذلك لأن كراهة النذر لا تنافي عباديته كيف و قد وقع ذلك في الشريعة المقدسة كالصلاة في الحمام و صوم يوم عاشوراء و غيرهما فيكون النذر قربيا و يحكم باعتبار قصد القربة في انعقاده و لو قلنا بكراهته، غاية الأمر أنه يلزم هنا اشكال و هو اجتماع حكمين متضادين في مورد واحد، لتضاد الأحكام من الوجوب و الحرمة و الكراهة و الندب فيخرج عن كونه عباديا، لعدم إمكان التقرب إلا بما كان محبوبا، و المفروض على ما يستفاد من الأخبار عدم كونه كذلك كي يتقرب به فيكون النذر توصليا كما أفاده المصنف (قده) و إلا فلا و أما في الصلاة في الحمام و صوم يوم عاشوراء و غيرهما من العبادات المكروهة فقد تعرضنا لهما في الأصول و إجمال ما بيناه في الأصول من الجواب (تارة): بعدم كون العبادة فيها مكروهة حتى يشكل بأنه كيف اجتمع الوجوب مع الكراهة مع كونهما متضادين بل الكراهة انما تكون ثابتة في أمر

خارج عنها و هو إيقاعها فيه بناء على كون التركيب انضماميا فلم يجتمع الوجوب مع الكراهة، لكون

______________________________

(1) الوسائل ج- 3- الباب 6- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

(2) الوسائل ج- 3- الباب 6- من كتاب النذر و العهد الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 332

متعلق الأول هو نفس العبادة و متعلق الثاني أمر خارج عنها. و (اخرى): بكون المراد من الكراهة فيها هو أقل ثوابا بمعنى أن الصلاة المأتي بها في الحمام يكون ثوابها أقل من الصلاة التي يؤتى بها في خارجه. و كيف كان و بعد فالعمدة في إثبات عدم اشتراط قصد القربة في متعلق النذر هو التمسك بالإطلاقات فقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما أفاده المشهور- من اعتبار قصد القربة في انعقاد النذر.

و يمكن الاستدلال على اعتبار نية القربة فيه بعدة اخبار- و هي:

1- موثق إسحاق بن عمار المتقدم لما في صدره حيث قال السائل فيه: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- إني جعلت على نفسي شكرا للّه ركعتين أصليهما في السفر و الحضر أ فأصليهما في السفر بالنهار؟ فقال نعم. إلخ «1».

2- صحيح منصور بن حازم عن عبد اللّه- عليه السلام- قال: إذا قال الرجل:

(على المشي إلى بيت اللّه) و هو محرم بحجة. أو قال: (علي هدى كذا و كذا) فليس بشي ء حتى يقول: (للّه علي المشي إلى بيته) أو يقول: (للّه على كذا و كذا ان لم افعل كذا و كذا) «2».

3- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام. في حديث قال: «كل يمين لا يراد بها وجه اللّه عز و جل فليس في طلاق أو عتق أو غيره» «3». الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم-

عليهم السلام.

قال في الجواهر بعد ذكر موثق إسحاق بن عمار المتقدم: (و من هنا صح لهم الاستدلال على اشتراطها [نية القربة] بالنصوص الكثيرة كصحيح منصور بن حازم السابق و الموثق المزبور و غيرهما. و من هنا قال في المسالك «و مقتضى هذه الاخبار أن المعتبر من نية القربة جعل الفعل للّه تعالى في قبال جعله للمخلوق و ان لم يجعله غاية له. و ربما

______________________________

(1) الوسائل- ج 3، الباب 6- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

(2) الوسائل- ج 3- الباب- 1- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

(3) الوسائل- ج 3- الباب- 14- من كتاب الأيمان الحديث 10.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 333

اعتبر بعضهم جعل القربة غاية بأن يقول بعد الصيغة: «للّه» أو «قربة الى اللّه» و نحو ذلك كنظائره من العبادات ثم قال: و الأصح هو الأول، لحصول الغرض على التقديرين و عموم النص». و ذهب اليه صاحب الروضة (قده) على ما حكاه صاحب الجواهر (ره) حيث قال: (و يستفاد من الصيغة أن القربة المعتبرة في النذر إجماعا لا يشترط كونها غاية للفعل كغيره من العبادات بل يكفي تضمن الصيغة لها و هو هنا موجود بقوله: «للّه على» و ان لم يتبعها بعد ذلك بقوله: «قربة الى اللّه» أو «للّه» و نحوه و يستفاد ذلك من عبارة الدروس حيث قال: (و هل يشترط فيه القربة للصيغة أو يكفي التقرب في الصيغة الأقرب الثاني). و قال في كشف اللثام في شرح قول الفاضل (ره) في القواعد: «و يشترط في الصيغة نية القربة» قال: بالمنذور و ان كان النذر نذر لجاج اتفاقا و للأصل، و النصوص، و يعطيها قوله: «للّه» و لا حاجة الى

زيادة قوله: «قربة الى اللّه» للأصل، و إطلاق النصوص، و الفتاوى. و رده صاحب الجواهر (ره) حيث قال: (ان نية القربة بالمنذور غير نية القربة بالنذر على ان المنذور نية قربته إنما هو وقت أدائه لا وقت الالتزام به و لا يتم أيضا لو كان المنذور مباحا متساوي الطرفين و راجحا في الدنيا و كان الذي دعاه الى التفسير المزبور هو عدم تصور نية القربة في النذر نفسه مع عدم الأمر به على وجه يكون عبادة. بل قد سمعت لنهى عن الإيجاب للّه). و كيف كان فالأخبار المتقدمة كلها قابلة للمناقشة:

أما (في الأول):- و هو موثق إسحاق- فلوروده في مقام الطاعة و لا دلالة فيه على أنه لا ينعقد النذر إذا لم يكن متعلقة الطاعة.

و أما (في الثاني):- و هو صحيح منصور بن حازم- فلعدم ارتباطه بالمقام، لدلالته على أنه لا ينعقد النذر حتى يقول كلمة: «للّه».

و أما (في الثالث): فلاحتمال أن يكون المراد منه عدم صحة اليمين إذا كان طرف الالتزام هو اللّه تعالى. و على فرض تسليمه يكون مورده خصوص اليمين و لا يمكن التعدي منه الى النذر الا بتنقيح المناط القطعي و هو غير حاصل، لأن غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 334

ثم إن الظاهر أن مرادهم من اعتبار نية القربة فيه هو جعل طرف الالتزام هو اللّه تعالى، و ذلك لعدم قيام دليل تعبدي على اعتبار أزيد من ذلك.

و لا بأس بذكر ما أفاده صاحب الجواهر (ره) في تنقيح البحث بعد ذكر الأقوال قال: (و تنقيح المقال أنه ان أرادوا اعتبار نية القربة في النذر على نحو اعتبارها

في العبادة- كما يقتضي به مضافا الى ما هنا قولهم: بعدم صحة وقوعه من الكافر، لتعذر نية القربة منه- فلا ريب في عدم الاكتفاء عنها بقوله: «للّه على» الذي هو جزء صيغة الالتزام، لعدم دلالته عليه بإحدى الدلالات، بل لا بد من نية القربة مقارنة للصيغة، و يبقى عليهم المطالبة بدليل كونه عبادة. ضرورة: توقفها على أمر يقتضيها و ليس. كما أنه لا دلالة في شي ء مما ذكروه من النصوص الكثيرة التي ادعوا دلالتها على ذلك. ضرورة: أنها لا تفيد سوى اعتبار كون النذر للّه لا لغيره، بمعنى أنه يجب في صيغته التي هي سبب الالتزام أن يقول:

«للّه على» بمعنى عدم انعقاد النذر لو جعل الالتزام لغير اللّه- من نبي مرسل، أو ملك مقرب- و هذا غير معنى نية التقرب و ظني و اللّه اعلم أن الاشتباه من هنا نشأ، و ذلك لأنهم ظنوا أن هذا النصوص التي دلت على المعنى المزبور دالة على اعتبار نية القربة.

و لا يخفى عليك أن كون الفعل للّه بمعنى امتثالا لأمره مباين لكونه له بمعنى أنه يعتبر في التزام النذر كون الصيغة الالتزام له لا لغيره، و لا مدخلية له في نية القربة كما هو واضح، و حينئذ فالمعتبر في النذر كونه للّه بالمعنى الذي ذكرناه لا غيره و هذا يجامع نذر المباح و غيره، فان فرض إرادتهم من نية القربة المعنى المعنى المزبور- كما هو ظاهر سيد المدارك (ره) في شرح النافع حيث قال: «و يشترط في صحة النذر قصد الناذر الى معنى قوله: «للّه» و هو المعبر عنه بنية القربة، و انما لم يذكره المصنف (ره) صريحا لأن الظاهر من حال المتلفظ بقول: «للّه» ان يكون قاصدا

معنا الى معناه، حتى لو ادعى عدم القصد لم يقبل قوله فيه. الى آخره» بل هو ظاهر ما سمعته من المسالك- فمرحبا بالوفاق، إلا أنه لا وجه للقول بعدم صحته من الكافر، لتعذر نية القربة منه، و لا لقولهم: أن نية القربة يجزي عنها قوله: «للّه» و لا نحو ذلك مما لا يخفى عليك من كلماتهم، حتى قول المصنف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 335

(ره) و غيره تفريعا على اعتبار نية القربة: «فلو قصد منع نفسه بالنذر لا للّه لم ينعقد» مع أنك قد عرفت نذر الزجر الذي معناه أن المكلف يوقعه لإرادة منع نفسه عن فعل باعتبار عظم المنذور الذي يقتضي وقوع الفعل منه الالتزام به بسبب النذر.

نعم لو لم يرد بقوله: «للّه على» معناه- و إنما ذكر لفظه لغضب و نحوه و لم يقصد ان شاء الالتزام بذلك للّه- لم ينعقد من هذه الجهة بل لعل هذا الكلام منهم مشعر بكون المراد من نية القربة- التي ذكروها، و فرعوا ذلك عليها- هو المعنى الذي ذكرنا، لا نية القربة المعتبرة في العبادات- التي هي قصد امتثال الأمر- بل لعل عبارة الدروس التي ذكرناها في نسختين كذلك أيضا. ضرورة: أن الأول الذي جعله أقرب هو نية القربة للصيغة على حسب نية العتق بخلاف الثاني الذي جعله أقرب و هو التقرب في الصيغة بأن يقول:

«للّه على» لا نية قربة أخرى و هي امتثال الأمر، فتأمل جيدا فإن المسألة دقيقة جدا).

و كيف كان فان كان مرادهم من اعتبار قصد القربة في النذر ما ذكرناه- و هو إنشاء الالتزام بالصيغة للّه تعالى بأن يكون اللّه تعالى طرف التزامه بحيث إذا لم يكن كذلك يحكم بعدم انعقاده- فهو

صحيح لا غبار عليه، و ان كان مرادهم منه ما هو المعتبر في العبادات فلا بد اقامة الدليل عليه و المفروض عدمه، و قد عرفت أن النصوص المتقدمة- التي يمكن الاستدلال بها على المدعى- كلها قابلة للمناقشة.

[أدلة اعتبار الرجحان في متعلق النذر]

قوله قده: (و إنما تعتبر في متعلقة، حيث أن اللازم كونه راجحا شرعا.)

هذا هو المعروف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا.

قال في الشرائع: (و أما متعلق النذر فضابطه أن يكون طاعة. إلخ).

و في الرياض: (و ضابطه ما كان طاعة للّه مأمورا بها واجبا أو مستحبا).

و في الجواهر: (فلو نذر محرما أو مكروها لم ينعقد بلا خلاف نصا و فتوى. بل الإجماع محصلا و منقولا عن الانتصار و غيره عليه. بل و المباح المتساوي طرفاه أو كان راجحا في الدنيا. بل في الرياض: أو الدين، ناسبا له إلى إطلاق غير واحد من الأصحاب، بل عن بعضهم: نسبته الى المشهور. بل عن ظاهر المختلف في مسألة نذر صوم أول رمضان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 336

الإجماع عليه، حيث قال بعد اختياره جوازه ردا على المبسوط، و الحلي، للإجماع منا على أن النذر إنما ينعقد إذا كان طاعة بأن يكون واجبا أو مندوبا).

فلا كلام في هذه المسألة من حيث الفتوى، و لكن الكلام في دليله. و ما يمكن أن يستدل به على ذلك وجوه:

(الأول)- الإجماع و (فيه): أنه قد بينا مرارا أن الإجماع إنما يعتمد عليه إذ لم يكن مدركيا و كان موجبا للاطمئنان بصدور الحكم عن المعصوم- عليه السلام- و في المقام يحتمل أن يكون مدركه بعض الوجوه الآنية، فلا يصح الاستدلال به.

(الثاني)- مقتضى الأصل للشك في انعقاده بدون الرجحان الموجب للشك في وجوب الوفاء به

فيرجع فيه الى أصل البراءة، و (فيه): أنه مقطوع بالعمومات و الإطلاقات- الدالة على وجوب الوفاء بالنذر.

(الثالث)- الأخبار الواردة في المقام، منها.

1- صحيح منصور بن الحازم المتقدم- الدال على عدم انعقاد النذر- إلا إذا قال: «للّه على المشي إلى بيته» «1».

2- موثق سماعة قال: سألته عن رجل جعل عليه أيمانا أن يمشي إلى الكعبة أو صدقة، أو نذرا، أو هديا، إن هو كلم أباه أو أمه أو أخاه أو ذا رحم أو قطع قرابة أو مآثما يقيم عليه أو أمرا لا يصلح له فعله؟ فقال: لا يمين في معصية اللّه انما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل للّه عليه في الشكر إن هو عافاه اللّه من مرضه أو عافاه من أمر يخافه، أو رد عليه ماله، أو رده من سفر، أو رزقه رزقا فقال: للّه على كذا و كذا الشكر، فهذا على صاحبه الذي ينبغي لصاحبه أن يفي به «2».

3- صحيح أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل

______________________________

(1) الوسائل- ج- 3- الباب- 1- من كتاب النذر الحديث 1.

(2) الوسائل- ج- 3- الباب- 17- من كتاب النذر الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 337

قال: «على نذر» قال- عليه السلام-: ليس النذر شي ء حتى يسمى للّه شيئا صياما أو صدقة أو هديا أو حجا «1».

4- خبر أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يقول:

«على نذر»؟ قال ليس بشي ء حتى يسمى شيئا أو يقول: على صوم للّه، أو يتصدق، أو يعتق، أو يهدي هديا؟ فان قال الرجل: أنا أهدى هذا الطعام فليس هذا بشي ء إنما تهدى البدن «2» و نحوها ما في الأخبار

الواردة عنهم- عليهم السلام.

و لا يخفى ما فيها من المناقشة، و ذلك لأن المقصود منها هو أنه لا ينعقد النذر إلا إذا ذكر اسم اللّه و ورودها في مقام الطاعة لا يثبت اعتبارها في انعقاد النذر بحيث حكم بعدم انعقاده في صورة عدم الطاعة كما لا يخفى.

و أما القول بان اللام في قول الناذر و هو قوله: «للّه على» يقتضي أن يكون الملتزم به محبوبا للّه تعالى، (فمدفوع) بما عرفت من أن غاية ما يدل عليه اللّام هو أنه يعتبر في الانعقاد أن يكون طرف الالتزام هو اللّه تعالى لا غيره و لا يستلزم هذا محبوبيته له تعالى.

نعم يمكن أن يستفاد من ذيل بعض الاخبار المتقدمة المتضمن للأمور العبادية لزوم كون متعلق النذر من قبيلها، حيث أنه حصر صحة النذر في أن يسمى شيئا صياما أو صدقة أو هديا أو حجا و لم يكتف في صحته بصرف التسمية بل قيده بها، فمن يدعى ظهوره في ذلك غير مجازف فتدبر. و التحقيق: هو اعتبار الرجحان في متعلقة كما أفاده المصنف (قده) و غيره من الفقهاء و يدل عليه مضافا الى ما يستفاد من ملاحظة جميع النصوص- من أن النذر يفيد الالتزام بما هو ثابت للّه على العبد قبل النذر و هو ملزم به بل لعله لا يمكن تصور كون المباح للّه عليه، فان النذر لا يجعل ما ليس للّه له كما في الجواهر. صحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ليس شي ء هو للّه طاعة يجعله الرجل عليه الا ينبغي له أن يفي به و ليس من رجل جعل للّه عليه شيئا في معصية اللّه تعالى الا أنه ينبغي له أن يتركه

إلى طاعة اللّه «3». و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنه قال في رجل حلف بيمين أنه لا

______________________________

(1) الوسائل- ج- 3- الباب- 1- من كتاب النذر الحديث 2.

(2) الوسائل- ج- 3- الباب- 1- من كتاب النذر الحديث 3.

(3) الوسائل- ج 3، الباب- 17- من كتاب النذر الحديث 6.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 338

يكلم ذا قرابة له؟ قال: ليس بشي ء فليكلم الذي حلف عليه. و قال: «كل يمين لا يراد بها وجه اللّه فليس بشي ء في طلاق أو غيره «1». بناء على إرادة النذر من اليمين، و بناء على أن المراد من قوله: «لا يراد بها وجه اللّه. إلخ» هو أن المنذور يعتبر فيه أن يكون مما يراد به وجه اللّه، و ما روى عن ابن عباس قال بينما النبي- صلى اللّه عليه و آله- يخطب إذا هو برجل قائما في الشمس فسال عنه؟ قال: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم فلا يقعد و لا يستظل و لا يتكلم و يصوم؟ قال: مروه فليتكلم و ليستظل و ليقعد و ليتم صومه «2» و لكنه قد يناقش في تماميتها على المدعى.

أما (في صحيح أبي الصباح الكناني: فبعدم العمل بإطلاقه.

و أما (في الثاني): بعد تسليم دلالته على المدعى، فباختصاصه باليمين و لا يمكننا التعدي منه إلى النذر، لأنه قياس باطل عندنا.

و أما (في الثالث): فبارساله، و أما ما ذكر أولا من أنه مضافا. إلخ، فهو أول الكلام، و لكنه مع ذلك كله لا مجال للمناقشة في أصل اعتبار الرجحان في متعلقة بعد ثبوت اتفاق الفقهاء عليه الموجب للاطمئنان بالحكم. مضافا الى النصوص المتقدمة المشعرة باشتراط قصد القربة في النذر التي لا تحصل إلا

إذا كان متعلقة طاعة.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب الدروس (ره) حيث حكم بانعقاده مطلقا إذا لم يكن مرجوحا على ما نقل في الرياض و استدل (ره) لما أفاده: بخبر الحسن بن على عن أبى الحسن- عليه السلام- في جارية حلف منها بيمين فقال: للّه على أن لا أبيعها؟ فقال- عليه السلام-: «ف» للّه بنذرك و فيه دقيقة، و يشير بذلك الى ما رواه محمد أبي نصر عن الحسن بن على عن أبي الحسن- عليه السلام- قلت: له أن لي جارية ليس لها منى مكان و لا ناحية و هي تحتمل الثمن إلا انى كنت حلفت فيها بيمين فقلت: «للّه على أن لا أبيعها أبدا»

______________________________

(1) صدره في باب- 11- من أبواب كتاب الايمان الحديث 12.

و ذيله في باب- 14- من أبواب كتاب الأيمان الحديث 10.

(2) راجع الجواهر: ج 5 كتاب النذر ص 645.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 339

ولي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المؤنة فقال- عليه السلام-: «ف» للّه بقولك له «1».

و ربما يؤيده مضافا الى عموم الأدلة- الدالة على وجوب الوفاء بالنذر- خبر يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- عن أبيه- عليه السلام-: إن امرأة نذرت أن تقاد مزمومة بزمام في أنفها فوقع بعيرها فحزم أنفها، فأتت عليا- عليه السلام- تخاصم فأبطله؟ فقال- عليه السلام-: إنما نذرت للّه «2».

و لكن لا يخفى ما فيها أما (في الأول): فلقصوره من حيث السند و عدم انجباره بالعمل. و على فرض صحة سنده يناقش في دلالته، لعدم صراحته في ذلك، و يحتمل أن يكون مختصا بصورة رجحان ترك بيع الجارية كما أفاده الشيخ (قده)، و يمكن حمله على

الاستحباب كما ذكر في الوسائل.

مضافا الى ما قد يقال من أن جهة السؤال هي جواز رفع اليد عن النذر الجامع للشرائط المعتبرة فيه، لأجل الطواري المذكورة فيه، لا عن صحة النذر و عدمها فيما إذا لم يكن متعلقة راجحا، فيكون موافقا لما ذكرنا من الروايات المشعرة أو الظاهرة في اعتبار الرجحان في متعلقة.

ثم، إنه على فرض تسليمه سندا و دلالة لا يقاوم الأخبار المتقدمة المعتضدة بالشهرة و الإجماعات المحكية على فرض دلالتها على المدعى وفاقا لهم فيحمل على صورة ما إذا كان عدم البيع أرجح لجهات آخر، و ذلك لأن ترك الاستفصال في الجواب و إن كان يأباه إلا أنه لا يوجب الصراحة بل غايته الظهور في العموم و هو يقبل التخصيص بتلك الصورة جمعا بينه و بين الأخبار على فرض تسليم دلالتها على المدعى، لأنه لا يمكن رفع اليد عنها به مع ما هي عليه من الاعتبار سندا و عملا و الاستفاضة، و الاعتضاد بالشهرة. و مضافا الى صراحتها بحيث لا يمكن حملها على ما يمكن أن يجمع بينها و بينه. و مضافا الى تضمن الخبر للزوم الوفاء بالنذر مع رجحان تركه للحاجة و هو مناف لما ذكره جماعة من جواز المخالفة في هذه الصورة. بل عن بعض نفي الخلاف فيه. و عن آخر دعوى الإجماع

______________________________

(1) الوسائل ج 3، الباب- 17- من أبواب كتاب النذر الحديث 11.

(2) الوسائل ج 3، الباب- 17- من أبواب كتاب النذر الحديث 8.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 340

عليه على ما نقل في الجواهر.

مضافا الى ما في صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: أى شي ء لا نذر في معصيته؟

قال: فقال: كل ما كان فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه «1»، رواه الشيخ بإسناده عن ابن عمير إلا أنه قال: أى شي ء لا نذر فيه هذا فيدور الأمر على فرض صحة سنده بين حمله على ما ذكر و طرحه.

و أما ما ذكر من التمسك بالعمومات- الدالة على وجوب الوفاء بالنذر- (ففيه) أن العمومات و الإطلاقات كلها وردت في مقام بيان أصل التشريع لا في مقام بيان جميع ما يعتبر في النذر حتى يتمسك بها في دفع الشك في دخل شي ء وجودا أو عدما فيه فتدبر.

و أما في خبر يحيى بن أبى العلاء ففيه (أولا): ما يقال من عدم دلالته على خلاف ما ذكرنا، إذ الظاهر منه كون ذلك راجحا، لأن أفضل الأعمال أحمزها فهو كالحج ماشيا كما أفاده صاحب الجواهر (ره).

و (ثانيا): فلعدم ورده فيما نحن فيه لعدم دلالته على صحة هذا النذر بل الظاهر منه أنه يدل على عدم الضمان، لكونها هي التي فرطت و أذنت على أفاده صاحب الوسائل (قدس سره) فتحصل أن البناء على ما ذكره الفقهاء- قدس سرهم- من لزوم رحجان متعلق النذر متين

قوله قده: (و دعوى عدم إمكان إتيانه للعبادات، لاشتراطها بالإسلام مدفوعة بإمكان إسلامه ثم إتيانه فهو مقدور لمقدورية مقدمته، فيجب عليه حال كفره كسائر الواجبات و يعاقب على مخالفته و ترتب عليها وجوب الكفارة فيعاقب على تركها أيضا.).

بلا خلاف أجده في ذلك، لأن عدم إسلامه لا يوجب سلب القدرة عنه بحيث لا يتمكن من الإتيان به تكوينا حتى يقال بعدم الوجوب عليه، إذ يمكنه الإسلام كما افاده المصنف (قدس سره) ثم الإتيان بالعبادة المشروطة به بالإسلام.

[و إن أسلم صح إن أتى به]

قوله قده: (و إن أسلم صح

إن أتى به و يجب عليه الكفارة لو خالف و لا يجري

______________________________

(1) الوسائل- ج- 3- الباب- 17- من أبواب كتاب النذر الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 341

فيه قاعدة الجب، لانصرافها عن المقام.).

قال في الشرائع أنه لو نذر الكافر فأسلم استحب له الوفاء. و قال في الجواهر: (كما صرح به غير واحد، لما روى من أن عمر قال لرسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله-: انى كنت نذرت اعتكاف ليلة في الجاهلية؟ فقال له النبي- صلى اللّه عليه و آله- أوف بنذرك «1» مؤيدا بالاعتبار و هو أنه لا يحسن ان يترك بسبب الإسلام ما عزم عليه في الكفر من خصال الخير التي يكون الإسلام أولى بها مع أن الحكم استحبابي يتسامح فيه) لا يخفى أن ما أفاده صاحب الشرائع- طاب ثراه- و غيره من الفقهاء- من عدم وجوب الوفاء عليه- مبنى على ما ذهب اليه من عدم صحته من الكافر و ليس مبنيا على صحته ليكون عدم وجوب الوفاء لقاعدة الجب. و كيف كان ما أفاده (قده)- من دعوى انصراف قاعدة الجب عن مفروض المقام- مما لا مجال له، و ذلك لعدم الانصراف أولا و بدويته على تقديره ثانيا، فلا يمكن الاعتماد عليه، لما قد تكرر منا من ان الانصراف القابل للتقييد هو ما إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرح المتكلم بخروج المنصرف عنه عن حيز الإطلاق كان توضيحا للواضح، و لا شك في أن مفروض المقام ليس من هذا القبيل فبمقتضى إطلاق حديث الجب يحكم بعدم ثبوت الكفارة عليه بعد إسلامه لو خالفه.

اللهم إلا ان يقال: انه ورد على سبيل الامتنان و لا يجرى فيما إذا لزم منه

خلاف الامتنان في حق غيره، و لذلك قد حققنا سابقا عدم جريانه بالنسبة إلى الحقوق الراجعة إلى الناس، للزوم خلاف الامتنان، لأنه إضرار على الغير.

و أما أصل الحج النذري فإن كان موقتا بوقت خاص و مضى وقته بعد إسلامه فلا إشكال في عدم وجوبه عليه و لكن لا من جهة جريان القاعدة بل من جهة ما بيناه في محله من أن خصوصية الوقتية كخصوصية المباشرية دخيلة في متعلق النذر بحيث لو مضى ذلك الوقت يحكم بعدم وجوب الإتيان به في خارجه، لانتفاء الموقت بانتفاء وقته. نعم، مخالفته في

______________________________

(1) راجع الجواهر ج 5 كتاب النذر ص 642.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 342

الوقت توجب الكفارة عليه و لكن الإسلام يجبها، و ان لم يكن مقيدا بوقت خاص فكذلك ايضا. أما عدم ثبوت الكفارة عليه بعد إسلامه فواضح. و أما عدم وجوب الحج عليه فلما عرفت في مبحث: (ما لو استطاع الكافر في حال كفره ثم زالت عنه الاستطاعة ثم أسلم) من ان القاعدة كقاعدة نفي العسر و الحرج وردت مورد الامتنان فجريانها موقوف على الامتنان، و لذلك قلنا في ذلك المبحث بعدم جريانها بالنسبة إلى حقوق الناس لخروجها عن موضوع القاعدة تخصصا حيث ان إجرائها فيها خلاف الامتنان لأجل الإضرار بالغير.

و قلنا هناك ايضا: انه لو أتلف الكافر في حال كفره مال الغير، أو اقترض من شخص أو جنى على أحد، ثم أسلم، فلا يكون إسلامه هادما لما عليه من حقوق الناس بل يجب عليه إفراغ ذمته عنها. و قلنا ايضا: أن المتيقن من موارد جريانها فيه هو حقوق اللّه.

و كيف كان لا ينبغي الإشكال في جريانها بالنسبة إلى الحج النذري الثابت عليه على نحو

الإطلاق.

ان قلت: مورد القاعدة بحكم التبادر هو الأمور التي شرع لها القضاء. و أما غيرها كالحج النذري غير الموقت فلا تشمله القاعدة. قلت: عدم الالتزام بجريانها في الحج النذري يوجب عدم الالتزام بجريانها في الحج الواجب عليه بالاستطاعة في حال كفره فيما إذا أسلم بعد زوال الاستطاعة، فلا بد حينئذ من الحكم بوجوب الحج عليه في حال إسلامه متسكعا. و كذلك لا بد من الحكم بوجوب قضاء صلاته و صومه في حال إسلامه سواء كان القضاء بأمر جديد أم بالفرض الأول، لكونه مطلوبا على نحو تعدد المطلوب، لثبوت مصلحة في ذات العمل في الوقت و خارجه و مصلحة أخرى ثابتة له إذا أتى به في الوقت.

فالمتحصل ثبوت التلازم بين إنكار جريان القاعدة في مفروض المقام و بين إنكار جريانه في الواجبات الموسعة و الموقتة، و حيث أن المشهور حكموا بعدم وجوب الحج عليه متسكعا في ذلك المثال و نحن قويناه فنلتزم بذلك في مفروض المقام ايضا، لثبوت الملازمة بينهما.

إن قلت: قد يفرق بين المقام و بين المثال، لكون المثال من قبيل القضاء و هذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 343

بخلاف مفروض المقام، لكونه من قبيل الإسلام في الوقت، و لذلك فرق المشهور بينهما بإجرائها في المثال دون المقام.

قلت (أولا): لا فرق بينهما، لأنه كما أن الموضوع لاستقرار الحج و وجوبه عليه الى آخر العمر و لو متسكعا هو صرف الوجود من الاستطاعة المالية الممتدة من أول أعمال الموسم الى آخرها، كذلك في مفروض المقام، لأن الموضوع لاستقرار الحج النذري- و وجوب الوفاء به الى آخر العمر- ليس إلا صدور النذر منه مطلقا و جامعا للشرائط و بتمكنه من الإتيان به و هو على المفروض

تحقق فان قلنا بكون الأول من قبيل القضاء بكذلك لا بد أن نلتزم به في مفروض المقام و الا فكذلك.

(و ثانيا): انه لم يرد في الحديث لفظ القضاء حتى يقال بأن المثال من قبيل القضاء و مفروض المقام من قبيل الإسلام في الوقت بل ورد فيه لفظ: «يجب ما كان قبله» أى يقطع كل تكليف كان ثابتا على الكافر من القبل، و لذلك التزمنا في تلك المثال بأنه و لو استقر الحج عليه و وجب عليه إتيانه و لو متسكعا لكنه لما أسلم سقط عنه وجوب الحج، فكذا يحكم في مفروض المقام بعدم وجوب الحج عليه، لأنه و لو استقر ذمته بالحج النذري و لكنه بعد أن أسلم انهدم به التكليف الثابت عليه في حال كفره، لأنه تكليف قبلي و كل تكليف قبلي يجبه الإسلام، و لكنه مع ذلك كله تحتاج المسئلة الى مزيد التأمل.

[المسألة الأولى اعتبار إذن المولى و الزوج و الوالد في انعقاد يمينهم]
اشارة

قوله قده: (ذهب جماعة إلى أنه يشترط في انعقاد اليمين من المملوك إذن المولى و في انعقاده من الزوجة اذن الزوج و في انعقاده من الولد إذن الوالد.).

قد نفي عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع، و يدل عليه- مضافا الى الإجماع- جملة من النصوص الكثيرة الواردة في المقام- منها:

1- رواية ابن القداح عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لا يمين لولد مع والده

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 344

و لا للمرأة مع زوجها، و لا للمملوك مع سيده «1».

2- رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله-: لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه، و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و

لا يمين في قطيعة «2».

3- خبر أنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه- عليهم السلام- في وصية النبي- صلى اللّه عليه و آله- لعلى- عليه السلام- قال: و لا يمين في قطيعة رحم و لا يمين لولد مع والده، و لا لامرأة مع زوجها، و لا للعبد مع مولاه «3».

4- عن منصور بن حازم عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- لا رضاع بعد فطام، و لا وصال في صيام، و لا يتم بعد احتلام و لا سمت يوما الى الليل، و لا تعرب بعد الهجرة، و لا هجرة بعد الفتح و لا طلاق قبل نكاح، و لا عتق قبل ملك، و لا يمين لولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه، و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة «4».

5- في الخصال بإسناده عن على- عليه السلام- في حديث الأربعمائة قال: و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطعية رحم، و لا يمين لولد مع والده و لا للمرأة مع زوجها و لا صمت يوما الى الليل إلا بذكر اللّه، و لا تعرب بعد الهجرة، و لا هجرة بعد الفتح، «5».

قد يقال مقتضاها عدم صحة يمينهم بدون الإذن منهم، لأن عدم الصحة هنا أقرب المجازات الى نفي الماهية بعد تعذر الحقيقة مضافا الى شهادة السياق في خبر أنس، و في خبر منصور بن حازم المتضمنين لنفي النذر على المعصية المراد منه نفي الصحة إجماعا بذلك، فيكون هو المراد من النفي المتقدم عليها أيضا و اليه ذهب الفاضل (قده) في الإرشاد و الشهيد الثاني

______________________________

(1)

الوسائل- ج- 3 الباب- 10- من أبواب كتاب الأيمان الحديث 1.

(2) الوسائل- ج- 3 الباب- 10- من أبواب كتاب الأيمان الحديث 2.

(3) الوسائل- ج- 3 الباب- 10- من أبواب كتاب الأيمان الحديث 3.

(4) الوسائل- ج- 3- الباب- 11- من أبواب كتاب الأيمان الحديث 1.

(5) الوسائل- ج- 3- الباب- 11- من أبواب كتاب الأيمان الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 345

في المسالك و غيرهما ممن تبعهما على ذلك، و لكن خالف في ذلك جماعة من الفقهاء حيث انهم ذهبوا الى الصحة بدون الإذن و ان كان له حلها كما عن النافع و الشرائع و الدروس. بل في المسالك، و عن المفاتيح نسبته إلى الشهرة. و احتج له في التنقيح بالعمومات- الدالة على وجوب الوفاء باليمين- و لكن يضعف باختصاصها بالأيمان الصحيحة، و كون اليمين بدون الاذن في مفروض المقام صحيحا أول الكلام.

و الأقوى في النظر هو القول الثاني- و هو اعتبار عدم المنع- و سيظهر لك تحقيقه- إنشاء اللّه تعالى- عند تعرض المصنف لهذا الفرع- و هو انه هل الإذن شرط أو المنع مانع- في ذيل هذه المسألة.

[لا تكفي الإجازة بعده]

قوله قده: (و ظاهرهم اعتبار الإذن السابق فلا تكفي الإجازة بعده مع أنه من الإيقاعات و ادعى الاتفاق على عدم جريان الفضولية فيها، و ان كان يمكن دعوى أن القدر المتيقن من الاتفاق ما إذا وقع الإيقاع على مال الغير، مثل الطلاق و العتق و نحوهما لا مثل المقام مما كان في مال نفسه، غاية الأمر اعتبار رضى الغير فيه و لا فرق فيه بين الرضى السابق و اللاحق خصوصا إذا قلنا بكون الفضولي على القاعدة).

يمكن أن يقال باعتبار الإذن السابق و عدم كفاية الإذن المتأخر في

تحقق اليمين منهم صحيحا، كما أفاده المشهور، لعدم جريان الفضولي في الإيقاعات كما قيل، فلا يكفي في مفروض المقام الإذن المتأخر، لكونه إيقاعا، فلو حلف أحدهم بدون الإذن لم ينعقد و ان تعقب بالإجازة.

و يمكن أن يقال بعدم اعتبار الاذن السابق في الانعقاد، لما ادعى من جريان الفضولي حتى في الإيقاعات، إلا فيما قام دليل تعبدي على عدم جريانه فيه، كالعتق و الطلاق، فيحكم بانعقاد يمينهم المتعقبة بالإجازة.

و لا بد من تنقيح البحث و تحقيق ما هو الحق من الرجوع الى الأدلة و انها هل تدل على اعتبار الاذن في الانعقاد أم لا، فيكفي فيه تعقب الإجازة؟ و الظاهر أن قوله- عليه السلام-: (لا يمين للولد مع والده. إلخ) مطلق يشمل الإجازة المتأخرة كشموله

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 346

للاذن السابق و مقتضى الإطلاق كفاية الإجازة المتأخرة في انعقاد يمينهم. مضافا الى ما حققناه في محله من كون الفضولي على طبق القاعدة فيجري في جميع العقود و الإيقاعات إلا ما خرج بالنص، فقد ظهر مما ذكرنا صحة ما ذهب اليه المصنف (قده)- من دعوى ان القدر المتيقن من الاتفاق على عدم جريان الفضولي في الإيقاعات هو ما إذا وقع الإيقاع على مال الغير مثل الطلاق و العتق دون مفروض المقام مما وقع على مال نفسه غاية الأمر اعتبر رضا الغير فيه- فيكون مفروض المقام كعتق الراهن العين المرهونة، و عتق المفلس عبده بدون إذن الديان، حيث أن المشهور حكموا فيهما بالصحة مع اجازة المرتهن في الأول و اجازة الديان في الثاني، هذا كله إذا قلنا في مفروض المقام بثبوت حق للجماعة فيه. و أما إن قلنا بان اعتبار الاذن في المقام حكم تعبدي فلا

ربط له بمسألة الفضولي كي يبحث في أنه هل يكون على القاعدة أم لا فالمرجع في كفاية الإذن المتأخر في الانعقاد هو إطلاق الأدلة و ان نوقش في هذا الإطلاق فلا بد من اعتبار الإذن السابق كما أفاده جماعة من الفقهاء، لما عرفت من ان المرجع في الشك في وجوب الوفاء الناشئ من الشك في الانعقاد هو أصل البراءة.

[قيل لا يشترط الاذن و يكفي عدم المنع]

قوله قده: (و ذهب جماعة إلى انه لا يشترط الاذن في الانعقاد لكن للمذكورين حل يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقا بنهي أو اذن بدعوى ان المنساق من الخبر المذكور و نحوه أنه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج و لازمه جواز حلهم له و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به و على هذا فمع النهى السابق لا ينعقد و مع الاذن يلزم و مع عدمهما ينعقد و لهم حله، و لا يبعد قوة هذا القول مع أن المقدر كما يمكن أن يكون هو الوجود يمكن أن يكون هو المنع و المعارضة أي لا يمين مع منع المولى مثلا فمع عدم الظهور في الثاني لا أقل من الإجمال و القدر المتيقن هو عدم الصحة مع المعارضة و النهى سواء كان الاذن شرطا أم النهى مانعا بعد كون مقتضى العمومات الصحة و اللزوم.).

اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في هذه المسألة- و هو أن المعتبر في الانعقاد هل هو خصوص الإذن من الجماعة أم يكفي في الانعقاد عدم المنع- على قولين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 347

(الأول): ما أفاده الفاضل (قده) في الإرشاد و الشهيد الثاني في المسالك و غيرهما ممن تبعهما من اعتبار الاذن في الصحة.

(الثاني): ما

أفاده الشهيد الأول في الدروس و صاحب الشرائع- قدس سرهما- من مانعية المنع لا شرطية الاذن، فجعلوا اليمين بدونه صحيحة و النهى عنها مانعا و تبعهما المصنف (قده) و نسبه في المسالك و التنقيح الى المشهور، و احتج له كالتنقيح بالعمومات- الدالة على وجوب الوفاء باليمين.

قد يقال: بالقول الأول وفاقا للفاضل و الشهيد- قدس سرهما-، لما عرفت من أن مقتضى ظاهر الأدلة عدم صحة اليمين بدون إذن الجماعة، لأنه أقرب المجازات الى نفي المعنى الحقيقي الممتنع إرادته- و هو الماهية- مضافا الى شهادة سياق الخبرين المتضمنين لنفي النذر على المعصية الظاهر منه نفي الصحة إجماعا. و يمكن ان يقال بالقول الثاني و يتمسك له بالعمومات- الدالة على وجوب الوفاء به.

لكن الأقوى ما أفاده المصنف (قده) و الشهيد الأول و غيرهما من الفقهاء- قدس سرهم- من مانعية المنع و عدم شرطية الاذن، و ذلك لأنه لا إشكال في أن معنى قوله: (لا يمين لولد مع والده، و لا يمين للعبد مع مولاه، و لا يمين للزوجة مع زوجها) لا يصح إلا بتقدير شي ء غير الوجود، لأن ظاهره- و هو نفي اليمين مع وجودهم- ليس بمراد قطعا إذ لازمه عدم انعقاد يمينهم حتى مع الاذن و هذا خلاف ضرورة الفقه و لم يقل به أحد.

هذا مضافا الى أن ارادة الوجود توجب استدراك ذكر الوالد و السيد و الزوج، ضرورة: أن هذا العناوين من الأمور المتضايفة، إذ لا تتصف المرأة بالزوجية، و الإنسان بالولدية و العبودية، إلا بوجود الزوج و الوالد و السيد، فنفس عناوين الزوجة و العبد و الولد، تدل على وجودهم، فذكرها مستدرك.

و الحاصل: أن الأمر المقدر يدور بين الإذن ليكون معناها أنه لا يمين للولد

إلا بإذن والده: و هكذا. و بين المنع أو ما يرادفه ليصير معناها أنه لا يمين للولد مع منع أو نهى والده. و هكذا فحينئذ يدور الأمر بين اشتراط إذنهم في صحة يمينهم ان كان المقدر كلمة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 348

الإذن، و بين مانعية نهيهم عن الانعقاد ان كان المقدر كلمة المنع.

و الأظهر كون المقدر كلمة المنع و ذلك لوجوه ثلاثة:

(الأول)- أنه بناء على تقدير الاستثناء يلزم سقوط كلمة «مع» الموجود في منطوق الحديث، و هذا بخلاف ما إذا قدر كلمة المنع، لعدم سقوط شي ء منه.

(الثاني)- أنه قد حقق في محله أن التقدير خلاف الأصل، فلا بد من اختيار ما هو الأقل، و لا شك في أن تقدير المنع أقل من تقدير الاستثناء، لكون المقدر حينئذ كلمتين و هما (إلا) و (الإذن) لأن الكلام حينئذ بمنزلة قوله: «لا يمين لولد إلا بإذن والده» بخلاف كون المقدر كلمة المنع، فإنه كلمة واحدة لأن الرواية في قوة قوله: (لا يمين للولد مع منع والده.) و هكذا.

(الثالث)- ما أفاده صاحب الجواهر (ره) و تبعه المصنف (قده) من أن المنساق منها هو عدم انعقاد اليمين منهم مع معارضة هؤلاء و ان لم نقل بظهورها في ذلك فلا أقل من الإجمال، و القدر المتيقن هو عدم الصحة مع المنع لأنه لو كان الإذن شرطا لكان المنع مانعا ايضا لفقدان الشرط مع المنع، و لازم ذلك كما أفاده المصنف (قده) جواز حلهم يمين هؤلاء- و عدم وجوب الوفاء عليهم مع منعهم- و ذلك لإطلاق أدلة مانعية المنع- الشامل للمنع المتأخر كالمتقدم- فيكون الحاصل أنه لا يمين للولد و كذلك الزوجة و العبد على فعل شي ء مع منع الوالد

و الزوج و المولى عنها سواء تقدم المنع أم تأخر، فإذا لا يبقى مجال للقول بعدم صحة اليمين بدون إذنهم استنادا الى كونه أقرب المجازات الى نفي الماهية، و ذلك لما عرفت من صحتها بدون الإذن بمقتضى الإطلاقات.

هذا كله إذا قلنا بظهور الأدلة في مانعية المنع و الا فيقع لكلام في أنه هل يكون في البين أصل لفظي يرجع اليه عند الشك أو المرجع هو البراءة؟ يمكن أن يقال بأن المرجع هو العمومات- الدالة على صحة اليمين من دون اعتبار إذن أحد- فينفى اعتبار الاذن فيها.

(ان قلت) لا مجال للتمسك بالعمومات بعد تخصيصها بمخصص مجمل مردد بين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 349

المتباينين، لسراية الإجمال الى العام، كما لا مجال للرجوع إلى أصالة عدم الشرطية، لمعارضتها بأصالة عدم المانعية، فحينئذ يرجع الى أصالة عدم وجوب الوفاء بالنذر التي هي محكومة بالأصلين المزبورين المتساقطين.

(قلت): إن عدم جواز التمسك بالعموم في المخصص المجمل مختص بالمجمل المردد بين المتباينين لا الأقل و الأكثر، و المقام من قبيل الثاني لا الأول، لانحلال النذر و أخويه بالمنع قطعا، إما لمانعية المنع، و اما لشرطية الإذن. و أما اعتبار الاذن في انعقادها فهو أمر زائد فيخصص العام بما هو المتيقن من الخاص و يرجع في الزائد عليه الى عموم العام كما قرر في محله و لكن لا يخلو ذلك من تأمل، فالمتحصل مما ذكرنا: عدم اعتبار الاذن في انعقاد النذر و أخويه، فينعقد بدونه. نعم، ينحل بالمنع.

ثم اعلم أنه في خصوص العبد لا يكفي صرف عدم المنع في انعقاد يمينه بل يحتاج الى الاذن، فإن كالخاتم في يد المولى و قال اللّه تعالى (عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ) «1»

و استدل الإمام- عليه السلام- بالآية الشريفة في اعتبار اذن المولى في طلاقه فقال الإمام: أ فشي ء الطلاق؟ فقال: نعم، و أنت ترى أن اليمين أيضا شي ء فيعتبر فيه ذلك.

و من هنا يمكن أن يقال باعتبار اذن الوالد و الزوج في يمين الولد و الزوجة و القول بعدم كفاية عدم منعهما في انعقاد اليمين.

بيان ذلك: أن مقتضى وحدة السياق كون الحكم في الجميع واحدا، فكما يعتبر اذن المولى في يمين العبد فكذلك يعتبر اذن الزوج و الوالد في يمين الولد و الزوجة. و (فيه): أنه و لو كان مقتضى تلك الرواية التي استشهد فيها الإمام- عليه السلام- بالآية على افتقار طلاق العبد إلى اذن مولاه هو اعتبار اذن مولاه في يمين العبد، لكن قد عرفت أن قوله- عليه السلام-: «لا يمين للعبد مع مولاه» يدل على مانعية المنع، و حمل قوله- عليه السلام-:

«لا يمين للزوجة مع زوجها» و «لا يمين للولد مع والده» على ارادة اعتبار الاذن في انعقاد يمينهما، ليتحد السياق مع قوله: «و لا يمين للعبد مولاه» ليس بأولى من العكس،

______________________________

(1) سورة النحل: الآية- 77.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 350

بأن يحمل قوله: «و لا يمين للعبد مع مولاه» على مانعية المنع، ليتحد السياق بينه و بينهما لكن قد يقال بان وحدة السياق من طرف العبد أولى من العكس، و ذلك لأنه بعد أن ثبت اعتبار الاذن في انعقاد يمين العبد يمكن القول به في الولد و الزوجة، لظهور وحدة السياق في ذلك الموجب لرفع اليد عما ذكرنا في إثبات تقدير كلمة المنع بعد وضوح عدم دليل تام على هذا التقدير، ليصادم الظهور السياقي. و (فيه): انه بصرف وحدة السياق لا يمكن إثبات

وحدة الحكم في الجميع، لعدم ورود دليل تعبدي على اعتبارها، فعليه يحكم باعتبار الإذن في انعقاد يمين العبد دون الزوجة و الولد فيكفي في انعقاد يمينهما صرف عدم المنع ثم انه على فرض تسليم اعتبار الإذن في الانعقاد فهل يمكنهم الحل بعد انعقاده منهم صحيحا أم لا؟ تنقيح البحث مبتن على أن الإذن شرط حدوثا أو حدوثا و بقاء؟ فان قلنا بالأول، فليس لهم الحل، لأنه لإطاعة للمخلوق في معصية الخالق. و إن قلنا بالثاني فلهم الحل، و القدر المتيقن اعتباره حدوثا. و أما بقاء فلا يستفاد منها ذلك. و إذا شككنا في اعتباره بقاء فندفعه بالإطلاقات، و ليس المقام من قبيل الشبهة المفهومية حتى يحكم بعدم جواز التمسك بالعمومات، لسراية إجمال المخصص الى العام، و ذلك لوضوح مفهوم الاذن فالشك متمحض في التخصيص الزائد و المرجع فيه العموم

[ان التوقف على الاذن إنما هو فيما كان المتعلق منافيا لحق المولى أو الزوج]

قوله قده: (ثم ان جواز الحل أو التوقف على الاذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقا كما هو ظاهر كلماتهم، بل إنما هو فيما كان المتعلق منافيا لحق المولى، أو الزوج، و كان مما يجب فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى. و أما ما لم يكن كذلك فلا).

لا يخفى ان ما أفاده قده (أولا): مخالف لما يقتضيه إطلاق قوله- عليه السلام- «لا يمين للولد مع والده و هكذا. إلخ» لأن مقتضى إطلاق الأدلة على كلا المسلكين- أعنى اعتبار الاذن مطلقا أو مانعية النهي كذلك- هو الشرطية أو المانعية مطلقا سواء كان متعلق اليمين منافيا لحقوقهم أم لا و (ثانيا): ان البحث عن اعتبار الاذن و عدمه مترتب على جامعية الإيقاع في نفسه لسائر الشرائط- من رجحان المتعلق و غيره- و لذا يختص البحث

في مفروض المقام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 351

باعتبار الاذن و عدمه أو مانعية النهى و عدمها. و أما إذا تعلق اليمين بما يكون منافيا لحق المولى، أو الزوج كان الإيقاع على هذا وفاقا لشرط الرجحان فعليه يكون اعتبار الإذن لأجل تحصيل هذا الشرط لا لأجل خصوصية فيه، و حينئذ فلم يكن وجه لتخصيص إذن الجماعة المذكورين بالذكر، بل كان المعتبر في انعقادها إذن كل من كان متعلقها منافيا لحقه، لبطلان اليمين المنافية لحق من حقوق الناس، فلا اختصاص لذلك بالعبد مع مولاه؛ و الزوجة مع زوجها، بل يقال أيضا: بأنه لا يمين للزوج مع زوجته إذا كان منافيا لحق الزوجة؛ و كذلك يحكم بعدم انعقاد اليمين لكل شخص مع من له الحق، كما إذا فرضنا أنه حلف الراهن بما يكون منافيا لحق المرتهن و غيره ممن له الحق، و لا إشكال في أن هذا خلاف ظاهر الأدلة، لظهورها في كون اعتبار الإذن، أو عدم المنع لأجل خصوصية اقتضتها الأبوة، و الزوجية، و المولوية، فلا وجه لاختصاص الاعتبار بصورة المنافاة بل يكون معتبرا مطلقا، فعلى ذلك إذا حلف المملوك على ان يحج إذا أعتقه المولى، أو حلفت الزوجة على أن تحج إذا مات زوجها أو طلقها، أو حلفا أن يصليا صلاة الليل، أو حلف الولد أن يقرأ كل يوم جزءا من القرآن أو نحو ذلك مما لا يجب فيها طاعتهم فيها للمذكورين، فيحكم بعدم انعقادها بدون الإذن منهم على فرض اعتبار الاذن، و بجواز حلهم له و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به على فرض مانعية المنع، و ذلك لما عرفت و كذلك الحكم فيما لو حلف الولد على أن يحج إذا

استصحبه الوالد إلى مكة مثلا. و هكذا لو حلفت الزوجة على أن تحج إذا استصحبها الزوج. و هكذا لو حلف العبد على ان يحج لو استصحبه المولى و لو لم يكن منافيا لحقوقهم.

فقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما ذهب اليه المصنف (قده) حيث قال: (ان المراد من الأخبار أنه ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافيا لحق المذكورين). لما عرفت من أنه ينفى اعتبار ذلك إطلاق الأخبار الواردة في المقام.

و لكن قد يقال بناء على تقدير كلمة المنع في قوله- عليه السلام- «لا يمين للزوجة مع زوجها» بعدم بطلان أصل اليمين فيما إذا لم يكن متعلقها منافيا لحق الزوج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 352

و إذا انعقد لا دليل على الحل، لعدم ثبوت اشتراطه بعدم المنع الا فيما إذا كان منافيا لحق الزوج. و كذلك الحكم بالنسبة الى العبد و المولى، و ذلك لقياس المقام على العبيد و المولى الحقيقي، فإن لهم التصرف في غير ما ينافي حقوقه بلا إذن منه، و كذا العبد و الزوجة لهما التصرف في غير ما ينافي حق المولى و الزوج، فلهما الحل و المنع فيما ينافي الحق لو كان حلفا.

و لكن لا يخفى ما فيه أما (أولا): فلأنه قياس محض و هو باطل عند مذهب أهل الحق.

و أما (ثانيا): فلما عرفت من أن مقتضى إطلاق الأدلة هو اعتباره مطلقا و لو فيما إذا لم يكن متعلق يمينه منافيا لحقهم.

أما الولد مع الوالد بناء على القول بعدم شمول الأدلة للمنع المتأخر فهل ينحل بمنعه أو لا؟

تنقيح البحث مبتن على أنه هل يجب إطاعة الوالد مطلقا فيما إذا لم يكن أمره للإرشاد أو الأمر بالمعروف أولا، أو

يفصل بين ما إذا كان مخالفة أمره إيذاء له و ما إذا لم تكن كذلك في الحكم بوجوب الإطاعة في الأول دون الثاني؟ أما فيما إذا كان وفائه بيمينه موجبا لإيذاء والده فلا إشكال في انحلاله بمنعه بل يستكشف عدم انعقاده من الأول، لانتفاء شرط صحته و هو الرجحان و قد حققنا في الأصول أن الرجحان المعتبر في المتعلق ليس وجوده حال الالتزام كما أفاده صاحب الجواهر (ره) و تبعه المصنف (قده) بل يعتبر وجوده حال العمل بحيث كان متعلقة حين العمل مما رغب فيه شرعا كما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- فمنعه يوجب انحلال يمين الولد لكن لا من جهة تأثير المنع المتأخر فيه بل لأجل حرمة إيذاء الوالد الموجب لمرجوحية المتعلق المانعة عن صحة اليمين، و قد حقق في محله أن إيذاء الولد للوالد حرام مطلقا و لو حصل باشتغاله بعمل نفسه المباح في حد ذاته و لكن الإيذاء الحاصل منه لا يكون حراما بالنسبة إلى غير الوالد- كما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 353

إذا فرضنا أن أحدا يتأذى من اشتغال بعض إخوانه بتحصيل العلم أو غيره مما هو مباح له، و ربما يتفق ذلك للإنسان، لأنه يشتغل بالعلم و يحسد عليه بعض الناس هذا و لكن الأذية الحاصلة من الضرب، و الشتم، و الافتراء، و الكذب، حرام مطلقا سواء كان المظلوم هو الوالد أم غيره.

هذا كله فيما إذا أوجبت يمينه أذية الوالد. و أما إذا لم توجب ذلك فهل ينحل بنهيه، للزوم أطاعته عليه مطلقا أم لا، لعدم لزومها عليه يمكن أن يقال بالأول و يستدل له بوجوه:

(الأول)- قوله تعالى «وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً» «1» تقريب الاستدلال به هو أنه

لا شبهة في دلالة الآية الشريفة على وجوب الإحسان بالوالدين و من أظهر مصاديقه أطاعتهما و امتثال أوامرهما، فإذا نهاه عن الوفاء به يحكم بانحلاله. و (فيه): أن غاية دلالة الآية هو حسن الإحسان شرعا بهما و يكفي في ذلك صرف الوجود منه، و هو يتحقق بصرف الإحسان بالمال و على فرض تسليم دلالتها على الوجوب لا يكون استغراقيا، إذ لا يمكن الالتزام بوجوب كل فرد من افراد الإحسان بهما عليه، لأنه إذا اشتغل في تمام عمره بالإحسان بهما لا يمكنه استغصاء تمام افراد الإحسان، فصرف الوجود منه يكفي، و هو يتحقق بالمال و نحوه، فلا يمكن إثبات وجوب الإطاعة مطلقا عليه بهذه الآية الشريفة و (بعبارة اخرى) انها لا تدل على أزيد من البر بوالديه فلا يستفاد منها وجوب الإطاعة حتى في الأمور المباحة غير الموجبة للإيذاء.

(الثاني)- قوله تعالى ايضا «وَ إِنْ جٰاهَدٰاكَ لِتُشْرِكَ بِي مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلٰا تُطِعْهُمٰا» «2» و (فيه): انه ليس معناها وجوب الإطاعة في غير الشرك بل معناها هو أن الإطاعة المستحبة، أو المباحة، أو الواجبة الثابتة في سائر الموارد تكون محرمة في هذا المورد (بعبارة اخرى) أن مفهوم الشرط هو عدم حرمة الإطاعة في غير الشرك لا وجوب

______________________________

(1) سورة- البقرة- الآية 77.

(2) سورة العنكبوت:- الآية- 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 354

الإطاعة في غير الشرك كما لا يخفى.

(الثالث)- قوله- عليه السلام-: «لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق» لدلالته على وجوب الإطاعة لو لا استلزام معصية الخالق. و (فيه): أن غاية دلالته هو عدم وجوب الإطاعة لمن يكون أطاعته واجبة في ما إذا استلزم معصية الخالق و لا يمكن القول بوجوب الإطاعة في ما إذا لم

يكن مستلزما لمعصيته مطلقا حتى فيما إذ لم يكن عمله موجبا للإيذاء. فظهر أنه لا يمكن إثبات وجوب الإطاعة مطلقا للولد بالنسبة إلى الوالد، و لكن قد حققنا سابقا أن المنع يوجب الانحلال سواء قلنا بوجوب الإطاعة أم لا و ذلك لأن ما دل على كون المنع مانعا مطلق يشمل المنع المتقدم و المتأخر.

[النذر كاليمين في المملوك و الزوجة]
اشارة

قوله قده: (و أما النذر فالمشهور بينهم أنه كاليمين في المملوك و الزوجة و الحق بعضهم بهما الولد ايضا و هو مشكل لعدم الدليل عليه.).

قد عرفت اختصاص ما تقدم من الأخبار باليمين و لا كلام فيه انما الكلام في أنه هل يلحق به النذر و العهد أم لا؟ قال في الجواهر بعد ذكر الأخبار المتقدمة- الواردة في اليمين-: (الا أن مورد هذه النصوص جميعها اليمين، الا أن الأصحاب جزموا باتحاد حكم الجميع، و هو الظاهر خصوصا بعد خبر الحسين بن علوان المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه- عليهما الصلاة و السلام- أن عليا- عليه السلام- كان يقول: «ليس على المملوك نذر الا أن يأذن له سيده» بل و خصوصا بعد معلومية اتحاد الثلاثة في المعصية و قطيعة الرحم مع اقتصاره في الأول على النذر و في الثاني على اليمين، بل يمكن دعوى القطع يكون المنشأ في ذلك الزوجية، و الوالدية، و السيدية لا كونه يمينا، و حينئذ فالمناقشة في المقام و ما الحق به من الزوجة و الولد بان المورد اليمين فإلحاق النذر و العهد به قياس ممنوع عندنا- و ان اشترك الجميع في بعض الأحكام- ضعيفة، لما عرفت مؤيدا بإطلاق اليمين على النذر في الخبر المروي عن الكاظم- عليه السلام-).

و التحقيق: عدم إمكان إلحاق غير اليمين بها الا

بتنقيح المناط القطعي أو قيام دليل تعبدي على الإلحاق و كلاهما مفقود أما (الثاني): فواضح. و أما (الأول): فلاحتمال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 355

خصوصية المورد. نعم، يمكن حصول الظن بإلحاق الحكم و لكنه لا يغني من الحق شيئا لعدم دليل على اعتباره.

ان قلت: ان معنى الثلاثة كلها واحد، و هو الالتزام الخاص الواقع بسببها بين المخلوق و الخالق، و اتحادها مفهوما يقتضي اتحادها حكما، فعليه كما يعتبر في يمين الزوجة و الولد و العبد إذن الجماعة، أو عدم المنع على كلا المسلكين كذلك يعتبر ذلك في نذرهم و عهدهم، فلا وجه لتخصيص اليمين بما ذكر.

قلت: ان كونها حقيقة واحدة أول الكلام بل الأمر بالعكس، و انها حقائق مختلفة لما نرى من ان لكل واحد منها ميزا به يمتاز عن الآخر، و لكل واحد منها سبب خاص، و لذا لا يتحقق العهد بصيغة اليمين، فعلى هذا يختلف حكمها ايضا، فلا يمكن تسرية الحكم من اليمين الى غيرها، لأنه قياس، و هو ليس من مذهب أهل الحق، فحينئذ إذا قطعنا بذلك فهو، و إذا شك في جواز الإلحاق و عدمه فنقول: حيث أن جميعها أمر عرفي كما سيتضح لك ذلك- إنشاء اللّه تعالى- فكلما أحرز دخله فيها- كما قام الدليل على اعتبار الاذن أو عدم المنع في اليمين منها- فلا بد من الأخذ به. و أما في غيره إذا شككنا في اعتباره فندفعه بالأصل و لكن قد يقال في خصوص النذر أنه كاليمين، و يمكن الاستدلال على ذلك بوجهين:

(الأول)- تنقيح المناط،

بدعوى أنه كما ينافي سلطانهم بدون الإذن في اليمين كذلك في النذر. و (فيه): ما عرفت من عدم تنقيح المناط القطعي، إذ غاية ما يحصل منه

الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا.

(الثاني)- دعوى أن المراد من اليمين في الأخبار المتقدمة ما يشمل النذر

، لإطلاقها عليه في جملة منها، فيترتب عليه كلما يترتب على اليمين و استدل بذلك الشهيد (ره) في الدروس على ما نقل عنه، و تبعه في الاستدلال به صاحب الجواهر (ره) و لا بأس بذكر تلك الأخبار- منها:

1- خبر المروي عن مولانا الكاظم عليه- أفضل الصلاة و السلام- أنه سأل عن جارية حلف عليها سيدها ان لا يبيعها فقال: «للّه على ان لا أبيعه»؟ فقال: «ف»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 356

بنذرك «1».

2- في ذيل موثق سماعة قال: سألته عن رجل جعل عليه أيمانا ان يمشى إلى الكعبة، أو صدقة، أو نذرا أو هديا، أن هو كلم أباه أو امه أو أخاه، أو ذا رحم، أو قطع قرابة، أو مأثما يقيم عليه، أو أمرا لا يصلح له فعله؟ فقال: «لا يمين في معصية اللّه انما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها ان يفي بها ما جعل اللّه عليه في الشكر ان هو عافاه اللّه من مرضه، أو عافاه من أمر يخافه، أو رد اليه ماله، أو رده من سفر، أو رزقه رزقا فقال «للّه على كذا و كذا الشكر» فهذا الواجب على صاحبه الذي ينبغي لصاحبه ان يفي به» «2» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- و أنت ترى انه أطلق الحلف على على النذر فيهما و إطلاق اليمين على النذر في الأخير انما يكون في كلام الامام. و منها: ما وقع الإطلاق عليه في كلام الرواة مع تقرير الامام لهم على ذلك- منها:

1- ما عن الحسن بن على عن أبي الحسن- عليه السلام- قال: قلت

له: أن لي جارية ليس لها منى مكان، و لا ناحية، و هي تتحمل الثمن الا انى كنت حلفت فيها بيمين فقلت: «للّه على ان لا أبيعها أبدا» ولى الى ثمنها حاجة مع تخفيف المؤنة؟ فقال- عليه السلام-: ف للّه بقولك له «3».

2- رواية الحسن بن على عن أبي الحسن- عليه السلام- في جارية حلف منها بيمين فقال: «للّه على ان لا أبيعها»؟ فقال- عليه السلام-: ف للّه بنذرك و فيه دقيقة «4».

3- رواية مسعد بن صدقة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- و سئل عن رجل يحلف بالنذر و نيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقل؟ قال- عليه السلام-:

إذا لم يجعل للّه فليس بشي ء «5» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام-

______________________________

(1) راجع الجواهر ج 5 كتاب النذر ص 645.

(2) الوسائل- ج- 3- الباب- 17- من كتاب النذر الحديث 4.

(3) الوسائل- ج- 3- الباب- 17- من كتاب النذر الحديث 11.

(4) الجواهر ج 5 كتاب النذر ص 646.

(5) الوسائل- ج 3، الباب- 1- من كتاب النذر الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 357

تقريب الاستدلال بهذه الأخبار الأخيرة هو أن إطلاق اليمين عليه و ان كان في كلام الراوي الا ان تقرير الامام- عليه السلام- له على ذلك حجة و متى ثبت ذلك جرى الحكم الثابت لليمين عليه.

و (فيه): ان هذا الوجه أيضا كسابقه غير و أف لإثبات المدعى، لان الاستعمال أعم من الحقيقة، و يحتمل أنه كان في البين قرينة على ذلك و إطلاق أحدهما على الآخر أحيانا مع القرينة لا يوجب إرادة الآخر منه مطلقا حتى مع فقدها. نعم، إذا قطعنا بإطلاقه عليه بدونها بحيث كان المتعارف ذلك

و فهم من إطلاق اليمين النذر و كذلك العكس فيتم المدعى و لكن انا لنا القطع و المتعارف كذلك. و لذا ناقش فيه صاحب الحدائق على ما حكى عنه بأنه قد ذكر بعض الأجلة ان الظاهر من قوله: «ف للّه بنذرك» دون أن يقول: «بيمينك» إنما هو الرد عليه في تسمية النذر يمينا لا تقريرا له. و لو سلم فالتقرير على هذا الإطلاق لا يوجب كونه حقيقة فيه بل هما حقيقتان متمايزتان، لنص أهل اللغة على أن اليمين «قسم»، و النذر «و عد بشرط» فلا يتم دلالته على المدعى و أما ما أفاده في الرياض: (من أنه حيث ثبت إطلاق اليمين على النذر فاما ان يكون على سبيل الحقيقة، أو المجاز و الاستعارة، و على التقديرين فدلالة المعتبرين- موثق سماعة و خبر السندي- على المقصود واضحة، لكون النذر (على الأول) من جملة أفراد الحقيقة و (على الثاني) مشاركا لها في أحكامها الشرعية التي منها انتفائها عند عدم إذن الثلاثة) (فمدفوعة)، لعدم ثبوت الإطلاق للاستعمال حتى يدل على المشاركة بينها في جميع الأحكام كما لا يخفى. فظهر بما ذكرنا أنه لا يمكن إثبات الحكم المترتب على اليمين له، فعليه يحكم بانعقاد نذر الولد و الزوجة و العبد بدون اذن الزوج و الوالد و المولى، إلا إذا قام دليل آخر على اعتباره في نذرهم كما قام ذلك بالنسبة إلى العبد. و ما يمكن أن يستدل به على ذلك وجوه:

(الأول) الإجماع، و قد جزم بعدم الخلاف فيها في محكي الحدائق و غيره و ادعى في المدارك إجماع الأصحاب عليها. و فيه ما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 358

(الثاني) قوله تعالى «عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ»

«1» و من البين أن النذر شي ء فلا يقدر عليه بدون الاذن.

(الثالث) [قول علي عليه السلام ليس على المملوك نذرا إلا بإذن سيده]

ما رواه عبد اللّه ابن جعفر في محكي قرب الاسناد عن جعفر- عليه السلام- عن أبيه- عليه السلام- إن عليا- عليه السلام- كان يقول: «ليس على المملوك نذرا إلا بإذن سيده» «2» ان قلت: إنه ضعيف السند إذ في سلسلته الحسين بن علوان، و هو من المخالفين، و لم يثبت توثيقه في علم الرجال، فعلى هذا لا يمكن الاعتماد عليه قلت (أولا): يكفينا في إثبات الحكم في مفروض المقام الوجه الثاني و قد استدل الامام- عليه السلام- على عدم صحة طلاقه بغير اذن مولاه بقوله تعالى «عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ» و كذلك الحكم في المقام. فكما يقال بعدم نفوذ طلاقه و جميع إيقاعاته بدون إذن مولاه فكذلك يحكم بعدم انعقاد نذره بدونه و (ثانيا): أنه منجبر بالشهرة كما أفاده المصنف (قده) اللهم إلا ان يقال بعدم ثبوت استناد المشهور في افتائهم باعتبار الاذن في صحة نذره إلى ذلك، لاحتمال استنادهم في ذلك الى عموم قوله- عليه السلام-: «لا يمين للعبد مع مولاه» بل هذا هو الظاهر، لما يرونه من اتحاد الحكم في الجميع من اليمين و النذر و العهد، و يؤيد ذلك بناء الأصحاب على ثبوت الحكم في الولد حيث أنهم حكموا باعتبار الاذن في صحة نذره مع عدم ورود دليل تعبدي خاص على ذلك، فلذلك كله لا يمكن القول بانجبار سنده. نعم، مضمونه موافق لما أفاده المشهور و لكن صرف الموافقة لا يفيد في جبر الضعف كما بيناه مرارا. و يمكن أن يكون اعتمادهم في فتواهم بذلك هو الآية الشريفة و غيرها مما دل على قصور ولايته عن العمل بدون

اذن مولاه، و كيف كان سواء قلنا بجبر سنده أو لم نقل به يحكم باعتبار الاذن في نذره فعليه لا يكون اعتباره في نذره من جهة الحاقه باليمين بل من جهة

______________________________

(1) سورة النحل الآية- 77-

(2) الوسائل ج 3- الباب- 15- من كتاب النذر و العهد الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 359

الأدلة الخاصة الواردة في خصوص نذره كقيام الدليل الخاص على اعتباره في نذر الزوجة و هو صحيح بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق، و لا صدقة، و لا تدبير، و لا هبة، و لا نذر في مالها، إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها. «1» و اشتمال الحديث على ما لا نقول به لا يقدح في العمل به كما أفاده المصنف (قده) خلافا لصاحب الجواهر (ره). فظهر بما ذكرنا أن ما أفاده المشهور- من ان النذر كاليمين في المملوك و الزوجة- متين بناء على القول باعتبار إذن الجماعة في يمينهم. و أما بناء على القول باعتبار عدم المنع كما قويناه فلا يكون حكم النذر كحكم اليمين في المملوك و الزوجة، لاعتبار الاذن على ما ذكرنا في نذرهما و اعتبار عدم المنع في يمينهما كما لا يخفى.

[الكلام في نذر الولد]

ثم انه يقع الكلام في نذر الولد في انه هل يلحق باليمين أو بنذر المملوك و لزوجة أولا؟ قال في الرياض بعد ذكر الأخبار التي أطلقت اليمين فيها على النذر: (مضافا الى التأييد بالاستقراء و التتبع الكاشف عن اشتراك النذر و اليمين في كثير من الأحكام، و لذا يقال: إنه في المعنى نفسها، و بالجملة بملاحظة جميع ما ذكرنا

يحصل الظن الاطمئناني المعتمد عليه بصحة ما عليه الأكثر، و يستفاد منه مشاركة الولد للزوجة و المملوك في توقف نذره على اذن والده، كما صرح به العلامة في جملة من كتبه، و الشهيد في الدروس، فلا وجه للاقتصار في عبائر الجماعة على ذكر الأوليين خاصة كما، لا وجه لاقتصار السيد في ح الكتاب على المملوك. إلخ) قال في الجواهر: (و يلحق بالزوجة و المملوك الولد على ما ذكره جماعة، لاشتراكه معهما في الأدلة السابقة. لكن في القواعد بعد اعتبار الاذن في الزوجة و العبد قال: «للأب حل يمين الولد». و ظاهره عدم اعتبار الاذن في الصحة، و انما له حلها. بل في الحدائق نسبته الى المشهور بل ظاهره أو صريحه كون الشهرة على ذلك في الزوجة و العبد ايضا. و في كشف اللثام: يأتي للمصنف استقرابه عدم اشتراط انعقاد نذر أحد من الثلاثة باذن أوليائهم

______________________________

(1) الوسائل ج- 3- الباب 15- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 360

و انما لهم الحل متى شائوا و إذا لم يأذنوا فإن زالت الولاية عنهم قبل الحل استقر المنذور في ذمتهم و (فيه): أن الفرق بينهما و بين الولد واضح، لمملوكية منافعهما دونه. نعم، قد عرفت اتحاد كيفية دلالة الدليل في الجميع، و لعله ظاهر في الاعتبار الاذن بل قد عرفت التصريح به في خبر الحسين بن علوان الذي به يستكشف المراد مما في غيره. مضافا الى ظهور ارادة نفي الصحة في غيره مما تضمنه باللفظ المزبور و لعله لذا كان المحكي عن ثاني الشهيدين اعتبار الاذن في الثلاثة، و وافقه عليه بعض من تأخر عنه. و أما المناقشة باختصاص الدليل باليمين و

لذا اقتصر عليه بعضهم. الى أن قال: فقد عرفت الجواب عنها و ان الظاهر اتحاد حكم الجميع.

يمكن أن يقال باعتبار الاذن في نذره إلحاقا له باليمين. و يستدل لذلك بوجوه:

(الأول)- دعوى تنقيح المناط. و (فيه): انه ممنوع كما عرفت سابقا.

(الثاني)- دعوى شمول اخبار اليمين للنذر، لإطلاقها عليه في جملة من الاخبار المتقدمة و (فيه): ما عرفت من أن الاستعمال أعم من الحقيقة.

(الثالث)- قوله- عليه السلام-: «أنت و مالك لأبيك» تقريب الاستدلال به أنه يدل على ان الولد و ما في يده مملوك له، فلا يقدر شرعا على شي ء بدون اذنه، فيحكم باعتبار اذنه في انعقاد نذره و (فيه): أنه لا يمكن إثبات ذلك به، إذ من المسلم عدم إمكان الأخذ بظاهر الحديث، لأنه لم يلتزم أحد بأن مال الولد ملك للوالد، بل من المقطوع به أن ماله ملك له لا لغيره. و من الظاهر عدم ثبوت الولاية له على الولد لكبير. نعم له الولاية على الولد الصغير، فحينئذ لا يمكن إثبات اعتبار الاذن في نذر الولد الكبير به، فالأقوى في النظر عدم إلحاق نذره بها خلافا لما افاده صاحب الرياض و صاحب الجواهر- قدس سرهما- و وفاقا للمصنف و صاحب كشف اللثام فعليه يحكم بانعقاد نذره بدون اعتبار اذن والده. هذا كله إذا علم بعدم جريان حكم يمين الولد على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 361

نذره. و أما إذا شككنا في ذلك فهل يحكم بالانعقاد أم لا؟ يمكن ان يقال بانعقاده و يستدل له بوجوه:

(الأول)- إطلاق الأدلة- الدالة على وجوب الوفاء بالعقد- و (فيه): ان النذر ليس من العقود حتى يتمسك بها في دفع اعتبار المشكوك، بل يكون من الإيقاعات التي لا مساس بينه

و بينها، فعلى هذا لا يمكن التمسك بها على نفي اشتراط الاذن في انعقاده.

(الثاني)- استصحاب عدم جعل الشرطية بتقريب: أن النذر قبل تشريعه لم يكن انعقاده منه مشروطا به قطعا، فإذا شك في اعتباره بعده فيحكم بعدمه، لاستصحاب عدم جعل الشرطية إذا لم يقم دليل اجتهادي على خلافه و (فيه): ما حققناه في الأصول من بطلانه مضافا الى ان هذا الشرط- و هو اعتبار الاذن- و ان لم يكن قبل جعله موجودا و لكن بعد جعله لا يعلم أنه جعل مقيدا بهذا الشرط، أو مطلقا، فلا مجال لاستصحاب عدم جعل الشرطية، لعدم إثباته كيفية الجعل الا على المثبتية.

(الثالث)- إطلاق ما دل على وجوب الوفاء بالنذر و هو قوله تعالى «وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» «1» ففي صورة الشك ندفع اعتباره به و (فيه): انه يمكن القول بأن الإطلاقات كلها وردت في مقام بيان أصل تشريع الأحكام فهي مجملة لا إطلاق لها حتى يتمسك بها لنفي المشكوك اعتباره. فالمرجع حينئذ هو الأصول الموضوعية المجعولة للشاك في الماليات و هو عدم انتقال المال، و في غيرها أصالة عدم اشتغال الذمة بالعمل ففي المقام بمقتضى أصالة عدم تحقق نذره يحكم بعدم انعقاده.

ان قلت: أنه كما يصح التمسك بإطلاق الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالعقد في إثبات صحة كل عقد شك في صحته لأجل احتمال دخل شي ء فيه، فكذلك يصح في مفروض المقام التمسك بإطلاق الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالنذر في صورة الشك فنحكم بانعقاده بدون اذن الوالد المشكوك اعتباره. قلت: إنه يمكن القول بعدم إمكان الالتزام بذلك في مفروض

______________________________

(1) سورة الحج: الآية- 30.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 362

المقام، للفرق بينهما، و ذلك لأن العقد كما حقق في

محله أمر عرفي و تشخيصه بيد العرف و لذا يتمسك في إثبات صحته و نفي اعتبار الزائد مما هو مشكوك اعتباره بالإطلاقات- الدالة على وجوب الوفاء به- و هذا بخلاف مفروض المقام، لا مكان القول بعدم كون النذر من العناوين العرفية بل كونه من العناوين الشرعية فعلى هذا إذا شك في اعتبار شي ء فيه يكون مرجع الشك فيه الى الشك في أصل تحقق عنوان النذر شرعا فلا يمكن التمسك بها، للزوم التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و قد حقق في الأصول بطلانه فعلى هذا يفرق بينهما.

ان قلت: انه ايضا أمر عرفي، و ذلك لصدقه عرفا على نذره و لو مع عدم اذن الوالد بل و لو منعه منه، فلو لم يكن من العناوين العرفية لما كان الأمر كذلك قلت:

ليس ذلك من جهة كونه كذلك، بل لمغروسيته في أذهانهم من جهة أنسهم بالشرع فيطلقون على نذر الولد النذر و لو مع منع الوالد.

ان قلت: إنه أمر عرفي لوجوده قبل شرع محمد- صلى اللّه عليه و آله- و إلا فكيف قالت مريم- سلام اللّه عليها- «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ» «1» قلت: إنه من الواضح عدم دلالته على ذلك، لثبوته في الشرائع السابقة و في كل زمان و عصر كان مأخوذا من شرع ذلك العصر و الزمان، فالعرف من حيث هو لا يعتبره، و الظاهر أنه لم يرد في باب النذر أخبار في بيان الشرائط حتى يتمسك بإطلاقها في إثبات عدم اعتبار اذن الوالد في انعقاد نذره في صورة الشك. نعم، إذا كان هناك اخبار كذلك فيؤخذ بإطلاقها.

و لكن تحقيق المقام هو أن عدم جواز التمسك بالإطلاقات انما يكون موقوفا على عدم كونه من الحقائق العرفية الصادقة من دون

اذنه بل من العناوين الشرعية فإنه حينئذ كما عرفت لا يمكن دفع الشك في اعتباره بها، لرجوع الشك فيه الى الشك في أصل تحقق عنوانه و انطباق الإطلاق فلا يمكن التمسك بها حينئذ، لما عرفت من لزوم التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و أما إذا لم نقل بكونه من العناوين الشرعية بل

______________________________

(1) سورة مريم: الآية- 37.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 363

قلنا بكونه من الحقائق الثابتة عند العرف كالبيع و نحوه كما هو الحق فإذا شك في صحته لأجل احتمال دخل شي ء فيه زائدا عما هو معلوم اعتباره ندفعه بها و هذا هو الحق كما نقول بذلك في العقود، لعدم الفرق بين مفروض المقام و بين باب العقود، لأنه كما ان العقد يكون من المفاهيم العرفية فكذلك النذر، لعدم كونه أمرا تأسيسيا في الشريعة الإسلامية، لوجوده في جميع الأزمنة حتى عند غير المتشرعة و لا اختصاص له بزماننا هذا و لذا كانت متحققة في الأمم السابقة و كانوا ينذرون في قضاء حوائجهم و مما يؤيد ذلك- اى كونه امرا عرفيا- سؤال السائل عن الامام- عليه السلام-: «انى نذرت كذا فهل يصح أولا»؟ لأنه بعد ما فرض أنه امرا عرفي يسئل عن الامام- عليه السلام- في انه هل يمضيه أو لا.

هذا كله إذا لم يكن في اخبار النذر ما وردت لبيان الشرائط و الا فلا كلام في جواز التمسك بها و لو كان من العناوين الشرعية.

و يمكن ان يقال: إن ما ورد في اعتبار إذن الزوج و المولى في انعقاد نذر الزوجة و العبد يكون واردا في مقام بيان الشرائط و لو كان إذن الوالد شرطا في انعقاد نذره لبينه الشارع المقدس، و حيث أنه

لم يبين ذلك مع أنه كان بصدد البيان ندفعه بالإطلاقات.

و أما القول بعدم جواز التمسك بها، لورودها في مقام بيان أصل تشريع الأحكام لا في مقام بيان الشرائط و (فيه): أنه لا وجه لرفع اليد عن الإطلاق بمجرد احتمال ورودها في مقام بيان أصل التشريع مع عدم وجود قرينة و لا صالح للقرينية على ذلك و الا فيلزم المناقشة في كثير من الإطلاقات و رفع اليد عنها و هو كما ترى. هذا كله بالنسبة إلى نذر الولد.

و أما عهده فكذا لا يعتبر فيه اذن والده و كذلك ليس له الحل، لعدم الدليل عليه و في صورة الشك في انعقاده بدون اذنه ندفعه بالإطلاقات- الدالة على وجوب الوفاء بالعهد- كما ندفع الشك في ما إذا شك في صحة عقد لأجل احتمال اعتبار شي ء شرعا فيه غير ما يدركه العرف بالإطلاقات- الدالة على لزوم الوفاء به- و كذلك عهد الزوجة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 364

لا دليل لنا على اعتبار اذن زوجها فيه. و أما عهد المملوك فلا إشكال في اعتبار اذن المولى فيه و لكن لا من جهة إلحاق عهده بيمينه أو إلحاقه بنذره بل ما دل على قصور سلطنته، و ما دل على ولاية المالك عليه، و هو يقتضي عدم نفوذ عهده كغيره من الأمور الإيقاعية و غيرها من البيع و النكاح و الصلح. و يدل عليه قوله تعالى «ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ» «1» و من البين أن العهد شي ء فلا يقدر عليه بدون اذنه.

[هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا]

قوله قده: (هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا؟ وجهان.).

لا يخفى ان الوجه في تردد المصنف (قده) في شمول الحكم المذكور- و هو اعتبار الاذن

في انعقاد يمين الزوجة للزوجة المنقطعة- ليس هو التردد في صدق الزوجة عليها لأنه لا ينبغي الشك في ان الزوجة المنقطعة زوجة حقيقة كالزوجة الدائمة سواء قلنا بكون وصف الدوام و الانقطاع نوعان من جنس واحد أم لا، بل وجه تردده و منشأ تشكيكه هو احتمال الانصراف في إطلاق الدليل و هو قوله- عليه السلام-: «لا يمين للزوجة مع زوجها» إلى الزوجة الدائمة فالمدار في تسرية الحكم من الزوجة الدائمة إليها على حسب اختيار المصنف (قده) هو الانصراف و عدمه. و لكن دعوى الانصراف لا يخلو من المناقشة و الإشكال بعد ما بيناه مرارا من أن الانصراف المعتبر لا بد أن يكون كالقرينة المحفوفة بالكلام بحيث لم يفتقر في خروج المنصرف عنه عن مدلول الكلام إلى إقامة قرينة صارفة، و لا إشكال في ان مفروض المقام ليس كذلك، فأولا: ليس في البين انصراف و ثانيا: على فرض تسليمه فبدوى لا يعتمد عليه.

فعلى ذلك لا يبقى مجال لما ذهب اليه صاحب الرياض (قده) من القطع باختصاص الحكم بالزوجة الدائمة دون المنقطعة، حيث قال في مبحث النذر في آخر مسألة ما يعتبر في الحالف: (و أما الزوجة فينبغي القطع باختصاص الحكم فيها بالدائمة دون المنقطعة، لعدم تبادرها منها عند الإطلاق مضافا الى قوة احتمال كون صدقها عليها على سبيل المجاز دون الحقيقة). و ذلك لأنها زوجة حقيقة، كالدائمة غاية الأمر أنها تفترق عنها في بعض الأحكام

______________________________

(1) سورة النحل: الآية- 77.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 365

المقررة في الشريعة، فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق الدليل بمجرد احتمال الانصراف، فيحكم بشمول الحكم المذكور لها [1]

[و هل الولد يشمل ولد الولد أو لا]

قوله قده: (و هل الولد يشمل ولد الولد أو لا؟ كذلك وجهان)

لا

اشكال كما ذكرنا أن ترد المصنف (قده) في شمول الحكم لولد الولد ليس من

______________________________

[1] المؤلف: و لا يخفى ان شمول الحكم للزوجة المنقطعة ليس مختصا بما إذا قلنا بكون الدوام و الانقطاع حقيقة واحدة كما هو الحق- لما حقق في محله من ان الزوجية الانقطاعية عين الزوجية الدوامية، غاية الأمر ان الانقطاع نشا من قبل الشرط في ضمن العقد، و لذا قرر في محله انه لو نسي ذكر الأجل ينعقد دائما- بل نقول به و لو قلنا باختلاف ماهيتهما، لصدق هذا العنوان- و هو الزوجة التي تضمنها الدليل- عليها كصدقها على الدائمة، فيشملها الدليل، لأنها زوجة على كل تقدير كما افاده سيدنا الأستاذ دام ظله.

و اما الإشكال عليه بأنه بناء على القول باختلاف ماهية الدائمية و الانقطاعية فيلزم استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى واحد و هو لا يجوز (فمدفوع)، و ذلك لأنه إنما يتم الاشكال فيما إذا كان المراد من اختلاف ماهيتهما هو اختلافهما في الجنس، لكنه ليس الأمر كذلك، لأن مرادنا من اختلافهما بحسب الماهية ليس ما يتبادر الى الذهن من اختلافهما بحسب الجنس- بحيث كان عنوان الدائمية مغايرا لعنوان الانقطاعية بحسب الذات و الجنس- بل يكون المراد منه هو اختلافهما بحسب النوع و لكن جنسهما واحد، و لأجل اختلافهما بحسب النوع اختلفت آثارهما- بحيث جعل لكل منهما ميز به يمتاز عن غيرها- فالأولى ان نعبر باختلافهما بحسب الصنف لا بحسب الماهية، فيكون من الاشتراك المعنوي لا اللفظي كي يلزم استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى، فيكون مفروض المقام من قبيل الذكورية و الأنوثية، و لذا يقال: ان الاختلاف بينهما بحسب الآثار إنما يكون من جهة اختلافهما من حيث الصنف.

فالزوجية

على هذا يكون من قبيل الإنسان الذي له أصناف مختلفة يمتاز كل منها عن الأخر، منها الدائمية، و منها الانقطاعية، فكما يعتبر اذن الزوج في انعقاد يمين الزوجة الدائمة فكذلك يعتبر في انعقاد يمين الزوجة المنقطعة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 366

جهة التردد في صدق الولد على ولد الولد، بل انما الوجه في تردده هو احتمال انصراف قوله- عليه السلام-: (لا يمين لولد مع والده) الى الولد بلا واسطة، و ذلك لأنه لا ينبغي الشك في أن ولد الولد ولد من الصلب سواء كان من الابن أم من البنت، و لكن قد عرفت أن الانصراف لا يخلو من المناقشة بعد ما كان المعتبر منه كالقرينة الحافة بالكلام بحيث لم يفتقر في خروج المنصرف عنه عن حيز الإطلاق إلى إقامة قرينة صارفة، و مفروض المقام ليس كذلك قطعا، فلا وجه لرفع اليد عن الإطلاق فيقال: إنه كما أن انعقاد يمين الولد يحتاج إلى إذن الوالد كذلك يحتاج إلى ذلك يمين ولد الولد.

فما حكاه سيد الرياض عن صاحب الدروس (ره) من ذهابه إلى شمول الحكم له متين، و كذا ما استقر به صاحبه حيث قال في مبحث النذر: (ان مقتضى عموم الأصل- الدال على لزوم الوفاء باليمين- و اختصاص النص و الفتاوى بعدم الصحة و التوقف على الاذن بالوالد عدم التعدية إلى الوالدة، و في شمول الحكم للجد اشكال من عدم تبادره من إطلاق الوالد، و من إطلاقه عليه كثيرا أو اشتراكهما في الأحكام غالبا و الأحوط الأول و إن كان الثاني لعله لا يخلو عن قرب و جزم به شيخنا في الدروس).

[إذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحج]

قوله قده: (و إذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحج لا يجب

عليه إعطاء ما زاد عن نفقة الواجبة عليه من مصارف الحج.)

لا كلام لنا في ذلك، لعدم الدليل على وجوب إعطاء أزيد من نفقته الواجبة عليه، و لو شك المولى في وجوب إعطاء أزيد منه فالمرجع هو أصالة البراءة،

قوله قده: (و هل عليه تخلية سبيله لتحصيلها؟ وجهان)

قد وقع الخلاف بين الفقهاء في ذلك، حكى عن العلامة (ره) في المنتهى و التحرير القول بأنه إذ أذن المولى لعبده في نذر الحج فنذره يجب على المولى اعانة المملوك على أداء الحج بالحمولة إن احتاج إليها، لأنه السبب في شغل ذمته على ما نقل في المدارك، و ناقش في ذلك صاحب المدارك (قده) حيث قال بعد نقل كلام العلامة: (بأنه غير واضح، لأن سببيته لشغل الذمة لا يقتضي ذلك) ثم، قال (قده): (نعم لو قيل بوجوب تمكينه من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 367

تحصيل ما يتوقف عليه الحج. لتوقف الواجب عليه لكان وجها قويا). و في الجواهر منع من وجوب التمكين من تحصيل ما يتوقف عليه الوفاء بالنذر و لو بالاستيجار على عمل و نحوه و صرف الأجرة في طريق الوفاء حيث قال- بعد نقل كلام العلامة من المنتهى عين ما نقله صاحب المدارك (قده)-: (و ان كان لا يخلوا من نظر أو منع بل لعله كذلك أيضا في وجوب تمكينه من تحصيل ما يتوقف عليه الحج الواجب باستئجار على عمل و نحوه).

المسألة مبتنية على تمامية قاعدة: (اذن في الشي ء اذن في لوازمه) و عدم تماميتها فعلى «الأولى» لا ينبغي الإشكال في وجوب تخلية سبيله على المولى، لتحصيل ما يتوقف عليه مصارف حجة، لأن اذن المولى عبده فيه مع التفاته الى توقف وفائه به على مصارف مع عدم

مالكيته لها- كما هو المفروض- اذن في لوازمه التي تكون الحج متوقفا عليها، و لا ينبغي الإشكال في أن هذه القاعدة على فرض تماميتها كبرويا قاعدة ظاهرية و يعتمد عليها، الا أن يقوم دليل تعبدي على خلافها، فعليه يحكم بعدم تأثير منعه من ذلك و بوجوب التمكين عليه لتحصيلها- و لو بان آجر نفسه بأجرة ثم صرفها في مصارفه- فعلى ذلك لا يبقى مجال للقول بأن الأجرة الحاصلة من استيجاره ملك للمولى فلا يجوز له التصرف فيها بدون اذنه، و ذلك لأنه بعد تمامية القاعدة كبرويا يحكم بسقوط حقه، بل يمكن أن يقال بجواز صرف العبد مال المولى الذي بيده في مصارف حجه فيما إذا فرض عدم تمكنه من تحصيل مصارفه.

و أما (على الثاني) فلا يمكن القول بوجوب ذلك. و الظاهر أنه لا دليل على حجيتها و لذلك لا يمكن الاعتماد عليها، و حينئذ فإن أمكنه الحج بما أعطاه المولى من نفقته الواجبة عليه من مصارف الحج فهو، و الا فيحكم ببطلان نذره، لعدم قدرته عليه، فما أفاده صاحب الجواهر (ره)- من عدم وجوب التمكين عليه- متين.

و لكن قد يقال بوجوب التمكين عليه و لكن لا من جهة قاعدة: «اذن في الشي ء اذن في لوازمه» بل من جهة أن الحج بعد وجوبه عليه بالنذر الصادر منه باذن مولاه لا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 368

إشكال في وجوب تحصيل مقدمته عليه- بصرف نفس وجوب الحج عليه- فإذا لا يمكن للمولى منعه، لسقوط حقه فيما إذا عارض الواجب، و عليه يجوز له أن يؤجر نفسه بأجرة ثم يصرفها في مصارفه، و من هنا ظهر قوة ما ذهب اليه صاحب المدارك «قده» حيث حكم بوجوب تمكينه، لتوقف

الواجب عليه

قوله (قده): (ثم على القول بأن لهم الحل هل يجوز مع حلف الجماعة التماس المذكورين في حل حلفهم أم لا؟ وجهان)

و الظاهر أنه لا إشكال في جواز رجوعهم إليهم في حل حلفهم، الا أن يقوم دليل تعبدي على حرمته، و هو لم يثبت، و إذا شك في حرمة الرجوع و عدمها فالمرجع هو أصالة البراءة كما لا يخفى

[المسألة الثانية إذا كان الوالد كافرا]

قوله قده: (إذا كان الوالد كافرا ففي شمول الحكم له وجهان أوجههما العدم للانصراف و نفي السبيل)

إطلاق قوله- عليه السلام-: «لا يمين للولد مع والده» و ان كان شاملا للوالد الكافر و مقتضاه اعتبار اذنه في انعقاد نذره و لكن لا يبعد دعوى انصرافه عنه ان لم نقل:

انه بدوي.

[المسألة الثالثة هل المملوك المبعض حكمه حكم القن أو لا]

قوله (قده): (هل المملوك المبعض حكمه حكم القن أو لا؟ وجهان لا يبعد الشمول).

لا يخفى ان تردد المصنف (قده) في شمول الحكم المذكور- و هو اعتبار الاذن للعبد المبعض- ليس من جهة تردده في صدق العبد عليه، بل انما الوجه في تردده هو احتمال الانصراف في إطلاق الدليل، لأنه يحتمل انصراف قوله- عليه السلام- «لا يمين للعبد مع مولاه» الى العبد القن، و لكن دعوى الانصراف لا يخلو من الاشكال لما بيناه مرارا من ان الانصراف انما يقبل و يعتمد عليه إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرح بخروج المنصرف عنه عن حيز الإطلاق كان توضيحا للواضح،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 369

و مفروض المقام ليس كذلك قطعا، فعلى هذا يحكم بشمول الحكم عليه بمقتضى إطلاق الدليل، لعدم ثبوت انصراف في البين و على فرض ثبوته فهو بدوي.

و أما الإشكال بأنه ليس بمملوك على نحو الإطلاق، كما انه ليس بحر كذلك، فلا يعتبر فيه ما يعتبر في حق المملوك على نحو الإطلاق (فمدفوع) بان المدار لجريان الحكم ليس إلا صدق كونه مملوكا و لا ينبغي الشك في صدق هذا العنوان على العبد المبعض فيجري عليه الحكم و لكن لا يخلو ذلك من التأمل.

[المسألة الرابعة الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر و الأنثى]

قوله قده: (الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر و الأنثى و كذا في المملوك و المالك لكن لا تلحق الأم بالأب.).

بلا خلاف أجده في ذلك و أما ما أفاده (قده)- من عدم إلحاق الأم بالأب- فكذلك لم يتعرض أحد للخلاف فيه، لاختصاص النص بالأب، و لا يمكن التعدي منه إليها كما أفاده صاحب الرياض (قده) حيث قال في مبحث النذر: (ان مقتضى عموم الدليل الدال على لزوم الوفاء

باليمين و اختصاص النص و الفتاوى على عدم الصحة و التوقف على الاذن بالوالد عدم التعدي إلى الوالدة)

[المسألة الخامسة إذا انتقل المملوك إلى غير المالك الآذن]

قوله قده: (إذا نذر، أو حلف المملوك باذن المالك ثم انتقل إلى غيره بالإرث أو البيع، أو نحوه بقي على لزومه.).

قد يفصل بينما إذا كان متعلق نذره منافيا لحق المولى الثاني و عدمه، في الحكم بعدم البقاء على اللزوم في الأول، و ببقائه عليه في الثاني أما البقاء على اللزوم (في الثاني): فلعموم ما دل على وجوب الوفاء بالنذر الصحيح، و المفروض أنه كذلك، لصدوره منه مع الإذن منه، و أما عدم البقاء على اللزوم (في الفرض الأول): فلثبوت الحكم الثابت للمولى البائع للسيد المشتري، فإذا نهاه- لمنافاته لحقه- وجب عليه إطاعته فيبطل النذر.

لكن التحقيق: أن ما أفاده المصنف (قده) متين مطلقا و ذلك لصحة نذره و لزوم الوفاء به عليه. أما صحته فلوجود المقتضى له و عدم المانع عنه، إذ ليس المانع الا كونه مملوكا لا يقدر على شي ء، و المفروض زواله باذن المولى له في إيقاعه و أما لزوم الوفاء به عليه فلعموم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 370

ما دل على لزوم الوفاء بالنذر الصحيح، فكما لا تأثير لرجوع المولى الأول عن اذنه في وجوب الوفاء به عليها فكذلك لا تأثير لنهى المولى الثاني عن الوفاء به، لأنه بعد اشتغال ذمته بما تعلق نذره به فاطاعة المولى بلا فرق بين الأول و الثاني بعد ذلك- بترك الوفاء مع وجوبه عليه- عصيان له تعالى في إطاعة المخلوق، و هو مما لا يمكن المساعدة عليه لقوله- عليه السلام-:

(لإطاعة للمخلوق في معصية الخالق) و لا يمكن التمسك بالإطلاقات- الدالة على لزوم اطاعة العبد مولاه- لاختصاصها بغير الواجبات

فتدبر.

[المسألة السادسة لو نذرت المرأة ثم تزوجت]

قوله قده: (لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية، ثم تزوجت وجب عليها العمل به و ان كان منافيا للاستمتاع بها، و ليس للزوج منعها ذلك الفعل كالحج و نحوه.).

قد يفصل كالفروع السابق بينما إذا كان متعلق نذرها منافيا لحقه، و بين ما إذا لم يكن كذلك في الحكم بعدم وجوب العمل به عليها على الأول و بوجوب العمل به عليها على الثاني: أما وجه عدم وجوب العمل به عليها إذا كان (على النحو الأول) فلدعوى اعتبار الرجحان في متعلقة حين العمل و المفروض أنه ليس كذلك لمزاحمته مع حقه فيحكم ببطلانه، و أما وجوب العمل به عليها إذا كان (على النحو الثاني) فلعموم ما دل على وجوب الوفاء به.

ان قلت: أنه قد تقدم اعتبار الاذن في انعقاد نذر الزوجة لقوله- عليه السلام-:

(لا يمين للزوجة مع زوجها) بناء على التعدي من اليمين الى النذر وفاقا للمشهور. و لما ورد في ذيل صحيح بن سنان المتقدم- الدال على عدم نفوذ جميع عقوده و إيقاعاته إلا بالإذن- فعلى هذا بصرف صيرورتها ذات زوج يحكم بعدم انعقاده منها من الأول، لفقدانه لشرط الصحة- و هو الاذن.

قلت ان الحديث و كذا صحيح ابن سنان المتقدم لا يشمل الزوج الحاصل لها بعد حصوله كي يقال بعدم انعقاده منها، لفقدانه الشرط الصحة، و ذلك لاختصاص الأدلة بالزوج حال النذر لا الزوج بعده، فعلى هذا يحكم بانعقاده منها و يجب عليها الوفاء به.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 371

و لكن الأقوى في النظر هو الحكم بوجوب العمل به عليها و ان كان متعلق نذرها ما ينافي حق زوجها كما أفاده المصنف (قده) لعموم ما دل على لزوم الوفاء بالنذر الصحيح

و لا يمكن للزوج الحاصل لها بعده منعها من العمل به فيجب عليها العمل به، لأنه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق.

هذا كله بناء على القول بكفاية رجحان المنذور حال النذر في انعقاده وفاقا للمصنف و صاحب الجواهر- قدس سرهما- و أما بناء على القول باعتبار رجحانه حين العمل في انعقاده كما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- و هو الحق يمكن ان يقال في خصوص ما تعلق نذرها بما ينافي حق الزوج ببطلانه لصيرورة متعلقة حين العمل مرجوحا لأجل منافاته لحق الزوج فينحل نذرها.

قوله قده: (فكذا لو نذرت أنها لو تزوجت بزيد مثلا صامت كل خميس و كان المفروض أن زيدا ايضا حلف أن يواقعها كل خميس إذا تزوجها، فان حلفها أو نذرها مقدم على حلفه و أن كان متأخرا في الإيقاع، لأن حلفه لا يؤثر شيئا في تكليفها بخلاف نذرها، فإنه يوجب الصوم عليها، لأنه متعلق بعمل نفسها، فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل.).

قد وقع الخلاف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- في مفروض المقام في أنه هل يقدم نذر الزوجة مطلقا أو يقدم نذر الزوج كذلك أو يقدم ما هو المقدم سببا أم يحكم بوجوب العمل على كل منهما بتكليفه، لعدم التنافي بين العملين غاية الأمر أنه إذا صار أحدهما غالبا في التدافع يحكم بانحلال نذر الآخر، لعدم قدرته على الامتثال؟ وجوه.

يمكن أن يقال بتقديم نذر الزوجة على نذره كما أفاده المصنف (قده) و ذلك لاشتغال ذمتها به حين لم يكن لها زوج، فوقع منها جامعا للشرائط فيكون نذرها حقيقة رافعا لموضوع التكليف عن الآخر، فحلف الرجل لا يؤثر شيئا في تكليفها، بل وجوده كالعدم، فكأنه حلف على ان يجامعها

في يوم من أيام شهر رمضان الذي لم يكن صوم ذلك اليوم واجبا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 372

عليه و كان واجبا على زوجتها فيكون نذرها بمنزلة حيضها مانعا عن انعقاد نذره، فلا يجوز له منعها من صوم ذلك اليوم، كما لا يجوز له منعها من الواجبات الأخر- كالصلاة و الصوم و غيرهما من العبادات.

و يمكن المناقشة فيه بان قوله- عليه السلام-: «لا يمين للزوجة مع زوجها» مطلق و لا يختص بالزوج حال النذر بل يشمل الزوجية الحاصلة بعده، فعلى هذا يحكم ببطلان نذرها، لفقدانه الشرط الصحة- و هو اذن الزوج- بل يحكم بعدم انعقاده منها من أول الأمر من جهة أنه بالتزويج انكشف انها نذرت بلا اذن الزوج، فيكون نذرها كالعدم كما لا يخفى.

اللهم إلا ان يقال بعدم شمول الحديث للزوجية الحاصلة بعده، لاختصاصه بالزوج حال النذر فهي حين صدوره منها لم تكن ذات زوج حتى يقال بتوقف صحته منها عليه نعم، حين الوفاء به و ان كانت ذات زوج الا انه لا يعتبر اذن زوجها الذي حصل لها حين وفائها به، لما عرفت من اختصاص الحديث بالزوج حال النذر فعليه انعقد منها صحيحا و جامعا للشرائط فوجوب الوفاء به عليها- و هو صوم يوم الخميس- يمنع الرجل عن الوفاء به- و هو وطيها كل خميس- كما افاده المصنف (قده).

و لكن ذهب المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- الى تقديم نذر الرجل على نذرها و هو الأقوى في النظر، لما بيناه مرارا من أن انعقاده مشروط بان يكون متعلقة راجحا في حد نفسه في ظرف العمل، و المفروض أن متعلقة في الفرض المزبور ليس كذلك من جهة منافاته مع حقه و بذلك يستكشف

عدم انعقاده منها من أول الأمر فما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- من انحلال نذرها لتعلق حق الزوج بها في ذلك اليوم مطلقا حلف أو لم يحلف- متين و ليس تقديم حلفه من جهة نفس الحلف حتى يقال بالتعارض كما لا يخفى.

و الحاصل: أنه لو حلفت على صوم يوم الخميس مثلا و قبله تزوجت فللزوج أن لا يأذن لها فحينئذ عدم الإذن يكشف عن عدم انعقاده واقعا، إذا المناط رجحان المتعلق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 373

مع حصول الشرائط واقعا و لا فرق في ذلك بين نذر الزوج لوطيها في، يوم الخميس و عدمه فإذا يظهر ضعف القول بتقديم حلف الزوجة مطلقا، و القول بتقديم ما هو المقدم، و القول بلزوم العمل على كل منهما على طبق وظيفته، كي ينحل نذر من صار مغلوبا.

و يمكن أن يقال: كون المقام من قبيل الفضولي، فيجري عليه أحكامه، و قد حقق في محله أنه يجرى في كلية العقود و الإيقاعات، لكونه على القاعدة إلا ما خرج بالدليل بيان ذلك: أنه لا إشكال في ان المرأة ألزمت على نفسها شيئا بالحلف، أو النذر بدون إذن زوجها واقعا فحين الوفاء به إذا أذن لها فيحكم بعدم انحلاله، و الا فيحكم به. و لا يخفى ما فيه لأنه بعد تسليم جريان الفضولي في الإيقاعات، كما هو الحق الا ما خرج بالنص نقول: إنه لا ربط لمفروض المقام بمسألة الفضولي، و ذلك لأنه حين صدوره منها لم تكن ذات زوج و أما الزوجية الحاصلة لها بعده فقد عرفت عدم شمولها الاخبار لاختصاصها بالزوج حال النذر فلا يكون اذنه بعده شرطا في انعقاد نذرها حتى يقال بانعقاده منها متعقبا باذنه.

هذا

كله إذا لم نقل بالتزاحم بينهما. و أما إذا قلنا بذلك فيهما فهل يقدم نذر الزوجة مطلقا، أو نذر لزوج مطلقا أو ما هو أقدم سببا، أو الحكم بوجوب العمل على كل منهما بوظيفته وجوه:

يمكن أن يقال بتقديم نذر الزوجة، لكونه أقدم سببا و (فيه): ما بيناه مرارا في الأصول من أنه لا دليل على كون ذلك من مرجحات باب التزاحم، فلا بد من إحراز الأهمية في التقديم، فان أحرز فهو، و الا فيحكم بوجوب العمل على كل واحد منهما بوظيفته، لعدم التنافي بين العملين، فان صار أحدهما غالبا في التدافع يحكم بانحلال نذر الآخر لعدم قدرتها على الامتثال.

مضافا إلى ان وجه تقديم ما هو المقدم سببا ليس إلا في حق شخص واحد، مع انه ليس بقاعدة كلية بل بينا في الأصول مناقشته في حق شخص واحد و قلنا بعدم قيام دليل تعبدي على كونه من المرجحات و لذا لم يتم لنا في الأصول وجوب تقديم سجدتي السهو الثاني على سجدتي السهو الأول فيما إذا سهى الرجل في الصلاة مرتين، كما انه لم يقل أحد في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 374

الديون الخلقية بوجوب تقديم ما هو المقدم سببا، كما إذا فرض انه استدان أولا من زيد و ثانيا من عمرو و تم الأجل بالنسبة إلى كليهما و لكن التحقيق: أن التزاحم مجرد فرض لأنه لا يخلو الأمر إما من اعتبار الرجحان حال النذر في انعقاده كما افاده صاحب الجواهر (ره) و تبعه المصنف (قده) و إما من اعتبار الرجحان حين العمل، كما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- فان قلنا (بالأول): فلا محالة يحكم بانحلال نذره، و إن قلنا (بالثاني): فيحكم بانحلال

نذرها، كما لا يخفى.

مضافا الى أنه يعتبر في التزاحم توجه خطابين مستقلين الى شخص واحد، بحيث كان كل واحد منهما ذا ملاك فعلى في ظرف الامتثال غاية الأمر لم يكن قادرا على امتثالهما جمعا بل كان قادرا على امتثال أحدهما و أما مفروض المقام فليس كذلك، لأنه بناء على القول بصحة نذر الزوج و الزوجة يقتضيان تكليفين متوجهين الى شخصين دون شخص واحد، فلا معارضة بين دليليهما كي نتكلم في تعيين ما هو المقدم منهما على الآخر حتى يحكم بالتخيير في صورة عدم دليل التعيين- فلا يجري في مفروض المقام أحكامه، لعدم موضوعه فيه فحينئذ إذا قلنا بمسلك المصنف فهو، و الا فإن قلنا بمسلك المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- كما نقول به فهو، و الا فلا بد لكل منهما العمل على طبق وظيفته.

و لكن يمكن أن يقال بتحقق التزاحم بين الخطابين في طرف المرأة، و هو وجوب العمل بنذرها، و وجوب اطاعة زوجها، قد يقال بتقديم دليل النذر على دليل الثاني لكونه أقدم سببا و (فيه): ما حققناه في الأصول و ما عرفته سابقا، فيقال لا بد في مقام التقديم من ملاحظة الأهمية، و إلا فالمرجع التخيير فتدبر. هذا إذا لم نقل باعتبار اذن الزوج بعد حال النذر في انعقاده، و الا فيخل نذرها، لفقدانه لشرط الصحة- و هو الإذن- فلا يتحقق في حقه التزاحم كي يرجع الى الأهم و المهم. و لكن تحقيق المطلب هو ما عرفت من انحلال نذرها، لفقدانه الرجحان حين العمل وفاقا للمحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- هذا كله إذا قلنا باعتبار اذنه في انعقاد نذرها. و أما بناء على القول بأن منع الزوج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1،

ص: 375

مانع يمكن ان يقال بتقديم حلفها على حلفه، لعدم تحققه حال النذر هذا بناء على القول بمانعية المنع حين صدوره و أما بناء على مانعية المنع المتأخر فيمكن أيضا أن يقال بتقديم حلفها و لو منعها الزوج، لانصراف الأدلة إلى صورة ما إذا كانت حين النذر ذات زوج لا بعده، لان النذر اسم للإيقاع لا للوفاء، و حين وقوعه منها كانت كالرجال كما لا يخفى لكن التحقيق: هو أنه بناء على القول بكفاية الرجحان حين النذر كما أفاده صاحب الجواهر و تبعه المصنف- قدس سرهما- فنذرها يقدم على نذره، و الا فيقدم نذره على نذرها كما لا يخفى،

[المسألة السابعة إذا نذر الحج من مكان معين]

قوله قده: (إذا نذر الحج من مكان معين كبلدة أو بلد آخر معين، فحج من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمته و وجب عليه ثانيا)

الظاهر أنه لا ينبغي الإشكال فيه و لم يتعرض في كلام أحد من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- للخلاف فيه، و الوجه فيه واضح، لعدم صدق الوفاء بالنذر بعد عدم انطباق المنذور على المأتي به، فلا وجه للاجزاء.

[المسألة الثامنة إذا نذر أن يحج]
[إذا لم يقيده بزمان]

قوله قده: (إذا نذر أن يحج و لم يقيده بزمان فالظاهر جواز التأخير إلى ظن الموت أو الفوت)

بلا خلاف أجده في ذلك، و عليه جميع الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في المدارك:

(قد قطع الأصحاب بأن من نذر الحج مطلقا يجوز له تأخيره الى أن يتضيق وقته بظن الوفاة. بل قال الشارح (قده): «انه لا خلاف فيه» و وجهه واضح، إذ ليس في الأدلة النقلية ما يدل على اعتبار الفورية، و الأمر المطلق انما يدل على طلب الماهية من غير اشعار بفور و لا تراخ، كما بيناه مرارا) و في كشف اللثام عن التذكرة على ما حكاه صاحب الجواهر (ره): (ان عدم الفورية أقوى، فاحتمال الفورية إما لانصراف المطلق إليها كما قيل في الأوامر المطلقة، أو لأنا إن لم نقل بها لم يتحقق الوجوب، لجواز الترك ما دام حيا أو لضعف ظن الحياة هنا فعلا، لأنه إذا لم يأت به في عام لم يمكنه الإتيان به إلا من عام آخر، و لإطلاق بعض الأخبار الناهية عن تسويف الحج).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 376

و قال في المسالك: (لا خلاف في جواز تأخير المطلق إلا أن يظن الوفاة سواء حصل مانع أم لا) و في الجواهر: (انه هو المعروف بين الأصحاب).

و التحقيق: هو جواز

تأخيره إلى ظن الوفاة وفاقا لهم، حيث أن المفروض تعلق نذره بصرف الوجود من الحج، بحيث لو أتى به من أي سنة من سنوات عمره لحصل الوفاء بنذره، لتحقق مطلق الوجود به. و اما الوجوه التي يمكن الاستدلال بها على الفورية من انصراف إطلاق النذر الى الفور، كما قيل بذلك من سائر الأوامر المطلقة، و من استلزام عدم الفور عدم ثبوت الوجوب، لجواز الترك ما دام حيا، و من الاخبار الناهية عن تسويف الحج، فجميعها قابلة للمناقشة اما (في الأول): فلمنع الانصراف، و على فرض ثبوته فهو بدئ لا يعتمد عليه و أما (في الثاني): فلانه لا نقول بذلك مطلقا بل إنما نقول به فيما إذا كان احتمال البقاء عنده أرجح الى أن يسلب عنه الاطمئنان العادي. و اما إذا حصل له الظن بالوفاة في الأثناء فلا إشكال في حرمة التأخير عنه، و عليه الإتيان به فورا.

و أما (في الثالث): فلانصرافها الى حجة الإسلام. بل انما يقال بورودها في حجة الإسلام الثابت فيها الفورية و يظهر ذلك بالتأمل فيها. مضافا الى أن الفورية و عدمها في مفروض المقام انما يكون منوطا بقصد الناذر دون سائر الأوامر المطلقة، فإذا تعلق قصده بالطبيعة المطلقة، فيجوز له التأخير إلى ظن الوفاة، و إذا تعلق قصده بالطبيعة المقيدة، فيجب عليه اتباعه.

قوله (قده): (فلو مات قبل الإتيان به في صورة جواز التأخير لا يكون عاصيا، و القول بعصيانه مع تمكنه في بعض تلك الأزمنة و إن جاز التأخير لا وجه له)

ما أفاده المصنف (قده) متين. و لكن قال صاحب الجواهر (ره) قد يقال باستحقاقه العقاب بالترك تمام عمره مع التمكن منه في بعضه و ان جاز له التأخير إلى وقت

آخر يظن التمكن منه، فان جواز ذلك له بمعنى عدم العقاب عليه لو اتفق التمكن له في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 377

الوقت الثاني لا ينافي استحقاق عقابه لو لم يصادف بالترك في أول أزمنة التمكن و لا يخفى ما فيه لعدم كون العقاب تابعا لفوت الواقع.

[و إذا قيده بسنة معينة]
[لم يجز التأخير]

قوله قده: (و إذا قيده بسنة معينة لم يجز التأخير مع فرض تمكنه في تلك السنة فلو أخر عصى).

لا ينبغي الكلام في ذلك، و لم يتعرض أحد من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- للخلاف فيه، و وجهه واضح، لأن ترك الوفاء بمتعلق النذر عمدا مع تمكنه منه عصيان حرام كما لا يخفى.

[و عليه القضاء و الكفارة و إذا مات وجب قضاءه عنه]
اشارة

قوله قده: (و عليه القضاء و الكفارة، و إذا مات وجب قضاءه عنه)

و في الجواهر: (كما هو مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب على ما في المدارك. بل في كشف اللثام: نسبته الى قطعهم، و ان قال للنظر فيه مجال، للأصل و افتقار وجوبه إلى أمر جديد) بلا كلام فيه من حيث الفتوى، إنما الكلام في دليله،

[أدلة وجوب قضاء الحج النذري]
اشارة

و يستدل له بوجوه:

(الأول) الإجماع.

و (فيه): بعد منعه لوجود المخالف كما عرفت قد تكرر منا ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم، و في المقام يمكن أن يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه فلا عبرة به.

(الثاني)- استدلالهم بان الحج واجب مالي ثابت في الذمة فيجب قضائه

و (فيه) (أولا): ان القاعدة تقتضي عدم وجوب القضاء عنه، بعد ان كان خصوصية نفسه دخيلا في متعلق النذر، بل هذه الخصوصية و الخصوصية الوقتية معتبرة في جميع الواجبات- من الصلاة و الصوم و غيرهما- الا ان يقوم دليل تعبدي على وجوب القضاء، و دل على تعدد المطلوب كما قام ذلك في الصلاة و الصوم و حجة الإسلام فليس عليه الحج النذري بعد مضى العام المفروض، و كذلك ليس على الولي أو الوصي شي ء من نذوراته، و لكنه يعاقب، لتركه الواجب مع تمكنه من الإتيان به في وقته. نعم، إنما يجب عليه الإتيان به بنفسه إذا كان حيا، و بنائبه فيما إذا كان ميتا مع العلم بكون نذره على نحو تعدد المطلوب و هو على الفرض مشكوك فيه، فيدفع وجوبه بالأصل سواء كان حيا بعد مضى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 378

تلك السنة أم ميتا، فلا يقتضي النذر الا وجوب الأداء. و أما القضاء فلا.

و أما (ثانيا): كما أفاده صاحب المدارك (ره) فلمنع كون الحج واجبا ماليا، لأنه عبارة عن المناسك المخصوصة، و ليس بذل المال داخلا في ماهيته، و لا من ضرورياته، و توقفه عليه في بعض الصور، كتوقف الصلاة عليه في بعض الوجوه، كما إذا احتاج إلى شراء الماء أو استيجار المكان و الساتر و نحو ذلك، و لكن هذا قابل للإشكال و سيظهر بيانه لك في المسألة الآتية ان شاء اللّه تعالى.

(الثالث)- ما في الجواهر: (من أن الخطاب بالحج من الخطابات الموجبة لثبوت متعلقاتها في الذمة

، كثبوت الدين فيها، لا أنه مثل خطاب السيد لعبده الذي يراد منه إلزام العبد بإيجاد متعلقة في الخارج من دون استتباعه لجهة وضعية و «من هنا» تخرج أجرة حجة الإسلام من أصل التركة، و بهذا المعنى كان واجبا

ماليا لا من حيث احتياجه الى المقدمات المالية. إلخ) و «فيه»: منع كون الخطاب به من الخطابات الدينية الموجبة لاشغال الذمة بمتعلقاتها على نحو ثبوت الدين غايته هو وجوب الأداء. و أما أزيد منه فلا دلالة له عليه، و هذا المعنى إنما يكون ساريا في جميع الخطابات إلا إذا قام دليل تعبدي على ثبوتها في الذمة و وجوب القضاء، و هو لم يثبت في المقام.

(الرابع) الأخبار الآتية- الدالة على وجوب القضاء فيما إذا نذر أن يحج رجلا من ماله

- و «فيه» أولا: عدم عمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بها في موردها فكيف يمكن العمل بها في غير موردها. و (ثانيا): على فرض تسليم ذلك نقول: إنه فرق بين نذر الإحجاج و نذر الحج، لأن الإحجاج دين مالي، لعدم كونه إلا بذل المال لحجة فتشمله الأخبار- الدالة على لزوم قضاء الدين- و هذا بخلاف نذر الحج لأنه ليس نذرا بصرف المال لتعلق نذره فيه بنفس الحج، و هو عبارة عن الأعمال، و ليس بذل المال داخلا في حقيقته و لا من لوازمه كما هو واضح فلا يمكن التعدي عن موردها الى مفروض المقام، لأنه قياس، و هو ليس من مذهب أهل الحق كما لا يخفى، فإذا ظهر بما ذكرنا ضعف ما أفاده صاحب الجواهر و المصنف- قدس سرهما- و ظهر أن إشكال صاحب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 379

المدارك «ره»- بان القضاء يحتاج إلى أمر جديد و هو مفقود- متين إن قلت: إنه يمكن إثباته بالاستصحاب. قلت: إنه لا مجال له بعد ما كان له وقت منفصل عن الأداء، و بعد ما عرفت من أن الخصوصية الوقتية معتبرة في جميع الواجبات الا ما قام دليل تعبدي على خلافها. و بالجملة أن النذر انما تعلق بفعله المباشري، و

وجوب القضاء عنه على الغير خلاف القاعدة، فتحتاج الى الدليل، و هو مفقود، و كذلك تعلق نذره بفعله المباشري في وقت خاص، و بعده لا يجب القضاء ما دام لم يقم دليل على وجوبه لدخل الخصوصية الوقتية في نذره.

إن قلت: ان المباشرية انما يكون من نحو تعدد المطلوب، كما في حجة الإسلام مع أنه مباشرى (قلت) ان ذلك فيه انما يكون لأجل الدليل و لا يمكننا التعدي عن مورده، لكون الحكم مخالفا للقاعدة فلا بد من الاقتصار عليه الا إذا حصل لنا القطع بالمناط أو كان لنا في باب النذر إطلاق أو عموم دل على ان كل منذور قابل للقضاء، و كلاهما غير حاصل في المقام. أما (الأول) فواضح، لأن غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا. و أما (الثاني) فلعدم ثبوته، كما هو المفروض، فتسرية الحكم من موردها الى مفروض المقام قياس، و هو ليس من مذهب أهل الحق.

إن قلت: إنه يمكن إثباته من باب سقط ما سقط و بقي ما بقي، و قد بيناه في قوله:

(على اليد ما أخذت حتى تؤدى) في صورة تلف العين، و قلنا فيه أنه حيث يكون إرجاع العين الى مالكه بجميع خصوصيتها من الشخصية و النوعية و المالية متعذرا، فيحكم بسقوط خصوصيته الشخصية عن عهدته، لتعذره، و ببقاء خصوصية النوعية و المالية على عهدته، و كذلك الأمر في مفروض المقام، لانه اشتغل ذمته بالحج مع خصوصية المباشرية و الوقتية، و حيث أنه فات منه ذلك لأجل موته فيحكم بسقوطها، للتعذر، و ببقاء أصل الحج عليه، لإمكان تداركه، فيجب القضاء عنه. قلت: إنما يتم ذلك فيما إذا لم يكن الشيئان من قبيل

القيد و المقيد بحيث حكم بانتفاء المقيد عند عدم قيده، و كان مما جرى فيه قاعدة الميسور و في المقام انما يكون كذلك، لأن الخصوصية الوقتية و المباشرية دخيلة في أصل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 380

نذر حجه فبانتفائه يحكم بانتفاء مقيده- و هو أصل الحج- كما لا يخفى.

و لكنه مع ذلك كله لا مجال للمناقشة في أصل وجوب القضاء بعد ثبوت اتفاق الفقهاء عليه، فان وجوبه بعد الوقت عمن مات بعد التمكن من أدائه مذكور في كلامهم و يكون عندهم من إرسال المسلمات فلا يترك الاحتياط في مقام الفتوى

[و هل الواجب القضاء من أصل التركة أو من الثلث]
اشارة

قوله قده: (و هل الواجب القضاء من أصل التركة أو من الثلث؟ قولان.)

اختار القول الأول جماعة من الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- كما عن السرائر و الشرائع، و قضية إطلاق المقنعة و الخلاف على ما حكاه صاحب كشف اللثام.

و اختار القول الثاني جماعة أخرى من الفقهاء، و هم الصدوق (قده) و صاحب النافع على ما نقل في المستند، و أبو على و الشيخ في النهاية و التهذيب و المبسوط، و ابنا سعيد في المعتبر و الجامع على ما نقل في كشف اللثام.

و يمكن الاستدلال على القول الأول- و هو وجوب القضاء من أصل التركة- بوجوه:
(الأول) الإجماع،

و فيه: بعد منعه، لوجود المخالف كما عرفت أن الإجماع المعتبر هو التعبدي لا المدركي، و من المحتمل أن يكون مدركه في المقام بعض الوجوه الآتية.

(الثاني) أنه واجب مالي و قد حصل الاتفاق بينهم على خروج الواجبات المالية من الأصل

. و فيه: ما أورده عليه صاحب المدارك قده الذي تقدم ذكره- و هو منع كونه واجبا ماليا، و انما هو أفعال مخصوصة بدنية، و ليس بذل المال داخلا في حقيقته و ماهيته، و لا من ضرورياته، و ان كان قد يحتاج الى بذله في مقدماته، كما أن في الصلاة أيضا قد يحتاج الى بذله في تحصيل الماء و الساتر و المكان و غيرها، فمجرد صرفه مقدمة له لا يوجب صيرورته واجبا ماليا، و إلا فلا بد من القول بكون الصلاة أيضا من الواجبات المالية، لتوقفها على بذل المال في بعض الوجوه، مع أنه لم يلتزم به أحد.

و لكن يمكن المناقشة فيه بأنه فرق بين مفروض المقام و بين الصلاة، لأن الحج يتوقف غالبا على بذل المال، و هذا بخلافها فلا يتم النقض بها، لوجود الفارق، بل يمكن أن يقال: إن الواجب المالي ليس إلا ما كان وجوده متوقفا على المال و كذلك وجوبه،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 381

و لا شك في كونه كذلك و لا يقدح فيه وجوبه من دون مال على أهل مكة، لأنه بحكم النادر فما ذكره صاحب المدارك (قده)- من منع كونه واجبا ماليا- كما ترى، و أما ما ذكره (قده) من النقض بالصلاة حيث أنها قد تتوقف على بذل المال كما إذا احتاج الى شراء الماء أو استيجار المكان و الساتر (ففيه): أن الواجب المالي إنما يكون ما إذا توقف وجوبه على المال لا ما توقف وجوده عليه، و احتياجها الى بذله في

بعض الأحيان لا يوجب كونها واجبا ماليا، لعدم كونه المعيار في ذلك، فلا يتم النقض.

مضافا الى ما في الحدائق: (من أن فرض توقف الصلاة على المال نادر جدا بخلاف الحج، فان توقفه غالبا عليه- سيما من أهل الآفاق- أمر ضروري، و الأحكام الشرعية انما تبنى على الأفراد الشائعة، فوصف الحج بكونه واجبا ماليا باعتبار توقفه عليه صحيح لا ريب فيه، و لكن الصلاة لا توصف بذلك باعتبار هذه الفروض النادرة، و انما توصف بكونها واجبا بدنيا، كما هو الشائع المتكرر في إيقاعها، و توقفها نادرا على ذلك لا يقدح في كونها واجبا، فعليه ان كان هناك إجماع أو غيره على أن الواجبات المالية تخرج من أصل التركة يشمل الحج) فتدبر.

(الثالث) [المناط في الخروج من الأصل هو كون الواجب دينا و الحج كذلك]

-

ما أفاده صاحب الجواهر (ره) في الرد على صاحب المدارك (قده) على ما نقل عنه: (و هو أن المناط في الخروج من الأصل هو كون الواجب دينا و الحج كذلك، لعدم كونه تكليفا صرفا كالصلاة و الصوم بل للأمر به جهة وضعية، فوجوبه انما يكون على نحو الدينية بخلاف سائر العبادات البدنية، فلذا يخرج من الأصل) و يدل على كونه دينا أو بمنزلته الأخبار الواردة في المقام- منها:

1- في ذيل صحيح ضريس الآتي من قول الامام- عليه السلام-: (يحج عنه وليه حجة النذر انما هو مثل دين عليه) «1».

2- حسن معاوية في رجل توفى و أوصى أن يحج عنه؟ قال: إن كان صرورة فمن جميع المال انه هو بمنزلة الدين الواجب عليه، و ان كان قد حج فمن ثلثه «2» الى غير ذلك

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 25- من أبواب وجوب

الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 382

من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام. مضافا الى أنه، يمكن ان يستدل على دينية الحج بقوله: دين اللّه أحق أن يقضى و بنفس قول الناذر و هو قوله: (للّه على كذا إن كان كذا) لأن مفاده جعل المنذور للّه تعالى و جعل نفسه مديونا له تعالى و لكن هذا قابل للمناقشة و الإشكال. و كيف كان فما أفاده صاحب الجواهر (ره) متين خلافا لما ذكره صاحب المدارك (قده)، و ذلك لأنه بعد انطباق عنوان الدينية عليه يجرى عليه حكم سائر الديون، و قد حقق في محله أن الديون كلها تخرج من أصل التركة.

ان قلت: أنه منصرف عنه. مضافا الى أن إطلاق الدين عليه في بعض الأخبار لا يدل على وجوب إخراجه من أصل التركة، لإطلاقه على الصلاة و الصوم و غيرهما من العبادات البدنية أيضا مع عدم خروجها من الأصل بل من الثلث، و الدين الذي يخرج من الأصل كما في الروايات منصرف إلى أموال الناس، و لا يشمل ديون اللّه تعالى. بل قد يقال عدم كون الحج دينا إذ ليست الأحكام في الشريعة الاخطابات محضة، فإطلاق الاشتغال عليها مبنى على ضرب من المسامحة و المجاز و ليس فيها أمر وضعي حتى يسمى بالاشتغال و انما يجب العمل وجوبا تكليفيا صرفا.

قلت: إن دعوى الانصراف لا يخلو من المناقشة و الإشكال، لكونه ناشئا من أنس الذهن بالفتاوى، فلا انصراف في البين أولا، و على فرض ثبوته فهو بدوي ثانيا، إذ ليس هو بمنزلة القرينة الحافة بالكلام حتى يعتمد عليه في تقييد الإطلاق، فإذا ثبت دينيته لا يبقى مجال للشك في شمول الإطلاقات- الدالة على وجوب إخراج

الدين من أصل التركة له.

و أما ما ذكر من أنه ليست الأحكام إلا خطابات و إطلاق الاشتغال عليها يكون بالمسامحة و المجاز (ففيه): أن الاشتغال انما يصدق في كل شي ء بحسبه (فتارة): يشتغل بالأموال و (أخرى): بالأعمال عبادة كانت أو غيرها و هو (تارة): يحصل بإيجاب الشارع و (أخرى): به و بالتزام نفسك كالنذر و (ثالثة) بالشرط، فاشتغال الذمة بالعمل في جميع الأعمال ثابت لا يمكن إنكاره، فبعد أن ثبت اشتغال الذمة به يجب افراغها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 383

عنه سواء لزم منه صرف المال أم لا، و لا يلزم منه الاشتغال بالمال كي يقال: بأنه لا دليل عليه.

و لذلك يمكن أن يقال أنه لا فرق بين الواجبات المالية و الواجبات البدنية في خروجها من الأصل كما أفاده المصنف (قده) لعدم الفرق بينهما في كيفية تعلقهما بالذمة، ضرورة: أن الخطابات بأسرها تثبت المتعلقات في ذمة المكلف من دون فرق بين كون الواجب ماليا و بدنيا، فكلها مشتركة من حيث الثبوت في الذمة و اشتغالها بها، فالأحكام التكليفية كلها مستتبعة للأحكام الوضيعة، فلا فرق في لزوم القضاء بين الأحكام التكليفية و بين الأحكام الوضعية، غاية الأمر أنه في العبادات البدنية أولا ينشأ التكليف ثم يستتبعه الوضع قهرا.

و أما في العبادات المالية كالخمس و الزكاة و نحوهما فالمجعول فيها ابتداء هو الوضع ثم التكليف تبعا، فكلام المشهور- و هو لزوم خروجه من أصل التركة- يكون على وفق القاعدة و لا يحتاج في إثباته إلى دعوى الإجماع، و الدليل، و أنه دين كي يقال عليه بعدم كونه دينا، لانصراف الأخبار الى أموال الناس.

ثم انه إذا ناقشنا في تمامية هذه القاعدة فتصل النوبة إلى الانصراف و عدمه

فان قلنا بانصرافها عن الواجبات البدنية كما هو الحق فهو، و إلا فلا بد من الحكم بخروجها من أصل التركة أيضا. و أما في خصوص مفروض المقام و هو الحج النذري فلا إشكال ظاهرا في خروجه من الأصل، لأنه مثل دين أو بمنزلته كما يشير الى ذلك الأخبار المتقدمة و لا شك أن الديون تخرج من الأصل، إلا أن يقال بانصراف الدين عن مثله و هو ممنوع كما عرفت.

و يمكن الاستدلال على القول الثاني- و هو خروجه من الثلث- بصحيح ضريس

و هو أنه سأل أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذرا في شكر ليحج رجلا إلى مكة، فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام، و من قبل أن يفي بنذر الذي نذر؟ قال: إن ترك ما لا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قد و في بالنذر، و ان لم يكن ترك مالا إلا بقدر ما يحج به حجة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 384

الإسلام حج عنه بما ترك و يحج عنه وليه حجة النذر انما هو مثل دين عليه «1» و بصحيح عبد اللّه بن أبي يعفور سأل الصادق- عليه السلام-: رجل نذر للّه ان عافى اللّه ابنه من وجعه ليحجنه الى بيت اللّه الحرام فعافى اللّه الابن و مات الأب؟ فقال: الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده قال: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه؟ فقال: هي واجبة على الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه «2» و أنت ترى دلالتهما على المدعى.

أما (الصحيح الأول) فدلالته واضحة و (أما الثاني) فكذلك و قوله- عليه السلام- فيه: (الحجة على الأب يؤديها بعض ولده) يدل على

ثبوتها في ذمة أبيه فيقضى عنه، و بما أن الأولى في ذلك هو الأولاد قال: (يؤديها عنه بعض ولده) فتعيين الولد لذلك ليس أمرا تعبديا، و قوله- عليه السلام- فيه: (هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه) يعنى أنه لا بد أن يتكفل هذا العمل ابنه المريض الذي حصل له البرء منه، لأنه لم ينذر الإحجاج مطلقا بل نذر إحجاج خصوصه، فعليه الإتيان به. و أما قوله- عليه السلام-: (فهي واجبة على الأب) انما يكون لأجل أن لا يتوهم من العبارة السابقة وجوب الحج على الابن من ماله لا من مال الأب فيؤدى مصرفه من مال أبيه. و كيف كان فأنت ترى دلالتهما على أن من نذر الإحجاج و مات قبله يخرج من ثلثه و إذا كان الأمر كذلك فيه مع كونه ماليا قطعيا فنذر الحج بنفسه أولى بخروجه من الثلث، قال في كشف اللثام بعد ذكر الصحيحين: (فان إحجاج الغير ليس إلا بذل المال بحجه فهو دين مالي محض بلا شبهة فإذا لم يجب إلا من الثلث فحج نفسه اولى). و لا يخفى ما فيه:

لإعراض الأصحاب عنهما، و لم يعملوا بهما في موردهما فكيف يعمل بهما في غيره و لكن يمكن الجواب عنه بوجوه:

(الأول): حملهما على صورة كون النذر في حال المرض بناء على خروج المنجزات من الثلث، كما اختاره العلامة في المختلف على ما حكاه صاحب كشف اللثام حيث قال: (و لما خالف

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 385

ذلك الأصول حملهما في المختلف على النذر في

مرض الموت). و وجه مخالفته للأصول ظاهر لأنه لا وجه لخروجه عنه بعد كونه واجبا ماليا بل و مع فرض كونه واجبا بدنيا انما يجب منه في صورة الوصية به لا مع النذر.

و لكن لا يخفى ما في أصل الحمل، لأنه لا وجه له بعد ما عرفت من أن المناط في الخروج من الأصل هو كون الواجب دينا و الحج كذلك بل الإحجاج مسلما كذلك، فيخرج من الأصل فلا يعتمد عليه.

(الثاني): حملهما على صورة عدم إجراء الصيغة و (فيه): ما لا يخفى لصيرورته من قبيل الفرار من المطر الى الميزاب لعدم انعقاد النذر بلا صيغة فإذا فرض انه التزم على نفسه بالنذر شي ء بدونها فلا أثر له، فلم يشتغل ذمته بشي ء كي يحكم بلزوم إخراجه من الثلث بل و كذلك لا وجه لخروجه من الأصل أيضا حينئذ.

(الثالث): حملهما على صورة عدم التمكن من الوفاء حتى مات (و فيه): عدم انعقاد النذر حينئذ لاعتبار القدرة على المنذور في وقته فلا قضاء كما لا أداء له.

(الرابع): حملهما على الندب، و قد اختاره صاحب المعالم في منتقى الجمان على ما حكاه صاحب الجواهر «ره» و «فيه»: انه لا مجال له أيضا بعد ثبوت كونه واجبا ماليا و اتفاق الفقهاء على وجوب إخراج الواجبات المالية من الأصل كما لا يخفى، و في الجواهر بعد ادعائه كون خطاب الحج من الخطابات الدينية على معنى ثبوته في الذمة على نحو ثبوت الدين فيها و عدم إرادة مجرد الإلزام بإيجاده في الخارج و إن لم يثبت فيها دين، قال: (و قد عرفت أنها على الوجه المزبور بل قوله- عليه السلام-: «إنما هو مثل دين عليه» رمز الى ما ذكرنا، بل إيجاب المال

في نذر الإحجاج في الصحيحين السابقين من ذلك أيضا، و كذا الصحيح عن مسمع بن عبد الملك قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- كانت لي جارية حبلى فنذرت للّه تعالى إن هي ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه؟ فقال: إن رجلا نذر للّه في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه، فمات الأب و أدرك الغلام بعده فأتى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 386

رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- فسأله عن ذلك فأمر رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- أن يحج عنه مما ترك أبوه «1» و بذلك اتجه ما سمعته من الأصحاب- من وجوب أصل القضاء- و كونه من أصل المال، لأنه واجب ديني بالمعنى الذي عرفت.

و من هنا حمل في محكي المختلف الصحيحين السابقين على النذر في مرض الموت.

الى أن قال: «و عن منتقى الجمان حملهما على الندب المؤكد الذي قد يطلق عليه لفظ الوجوب، و لعله لعدم ظهورهما في الموت بعد التمكن من النذر الذي هو مفروض المسألة بل لعل الأول منهما ظاهر في خلافه، فلا بأس بحملهما على ضرب من الندب بعد ما عرفت من التحقيق الذي لا محيص عنه). و لكن الذي يسهل الخطب هو أعراض المشهور عنهما فلا يشملهما دليل الحجية و الاعتبار و في محكي المستند: (قيل: لم يفت به أحد- يعني الحكم المذكور في الصحيحين في موردهما- بل أخرجوه من الأصل لما دل على وجوب الحق المالي من الأصل. إلخ).

[المسألة العاشرة إذا نذر الحج معلقا على أمر]

قوله قده: (إذا نذر الحج معلقا على أمر، كشفاء مريضة أو مجي ء مسافرة، فمات قبل حصول المعلق عليه هل يجب القضاء عنه أو لا؟ المسألة مبنية على أن التعليق من

باب الشرط، أو من قبيل الوجوب المعلق، فعلى الأول لا يجب. و على الثاني يمكن أن يقال بالوجوب. إلا أن يكون نذره منصرفا الى بقاء حياته حين حصول الشرط).

محصل الكلام في ذلك هو أن المعلق عليه (تارة): يكون من الأمور الخارجة عن الاختيار، كشفاء الولد، و كمجي ء المسافر، و نحوهما. و (اخرى): يكون من الأمور الاختيارية، كشراء دار إذا كان له مال بمقدار ثمنه، و كالصلاة و نحوهما و في كلتا الصورتين إذا مات بعد حصوله فيجب القضاء و الكفارة، إنما الإشكال فيما إذا حصل له الموت قبل حصوله و التحقيق: عدم وجوب القضاء عنه، و ذلك لأن المعلق عليه إن كان (من النحو الأول) فلا ينبغي الشك في امتناع أخذه في متعلق النذر و جعله قيدا للمنذور، فلا يثبت في الذمة شي ء، لخروجه عن حيز القدرة فيكون القيد راجعا الى نفس النذر فلا وجوب قبل

______________________________

(1) الوسائل ج 3- الباب- 16- من كتاب النذر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 387

حصوله، إذ الوقت إنما يكون بمنزلة الموضوع، فإذا حصل له ذلك فيجب القضاء و الا فلا، لعدم حصول شرطه. و أما إذا كان المعلق عليه (من النحو الثاني) فإن كان قصده هو اشتراط أصل النذر و هو المنشأ فلا وجوب قبل حصول المعلق عليه و إذا حصل له الموت قبل حصوله لا يجب القضاء عنه أيضا. و اما ان كان قصده تعليق المنذور فيجب القضاء إذا مات قبل حصوله.

و لا يخفى ان التعليق في الإنشاء و ان كان باطلا كما قد حقق في محله و لكن في مفروض المقام لا يكون من قبيله بل يكون من التعليق في المنشأ، و هو لا يكون

باطلا إلا في باب العقود، فيكون النذر منه كذلك صحيحا، إذ هو منوط بقصد الناذر، فله أن ينذر صوم غد أو بعده، فلا مانع من انعقاد الأمر الاستقبالي في ذلك الحال، و لكن لا مطلقا بل فيما إذا لم يأخذ زمان الاستقبالي موضوعا للوجوب بل جعله ظرفا للواجب أو جعله موضوعا و لكن كان من قصده الوجوب في ذلك الوقت.

و لكن قد يشكل فيما إذا أخذ الوقت على نحو الظرفية لكون حكمه حكم ما إذا أخذ الوقت موضوعا، و ذلك لرجوع أخذه على نحو الظرفية إلى أخذه على نحو القيدية، و لذلك لا فائدة في الإتيان بالواجب في غير ذلك الوقت لا قبله و لا بعده، و هذا عين القيدية، فعلى هذا يكون الوقت (تارة) قيدا لأصل النذر و (أخرى) قيدا للمنذور (فعلى الأول) لا وجوب قبل حصوله، لعدم موضوعه و (على الثاني) يجب، لتحقق الوجوب.

اللهم إلا أن يقال: أنه بحصول الموت قبل حصول المعلق عليه يستكشف أنه لم يكن قادرا على الوفاء به من أول الأمر فلم ينعقد نذره، فعلى هذا و لو قلنا بكون الوقت قيدا للمنذور يحكم بعدم وجوب القضاء، لعدم ثبوت النذر عليه.

[المسألة الثالثة عشرة لو نذر الإحجاج معلقا على شرط]

قوله قده: (لو نذر الإحجاج معلقا على شرط كمجي ء المسافر، أو شفاء المريض فمات قبل حصول الشرط مع فرض حصوله بعد ذلك و تمكنه منه قبله، فالظاهر وجوب القضاء عنه.).

و التحقيق أنه (تارة): يتكلم في هذه المسألة على ما تقتضيه القاعدة، و (اخرى)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 388

على ما يقتضيه الدليل.

أما (بناء على الأول): فتنقيح البحث فيه مبنى على تسليم الواجب المعلق و عدمه فان قلنا به كما حققنا إمكانه في المباحث السابقة فيجب القضاء عنه، لتحقق

الوجوب قبل حصول المعلق عليه، و ذلك لأنه كما يكشف حصول الشرط في موطنه عن تحقق الحكم في الزمن الأول فكذلك في مفروض المقام يكون حدوث الشرط بعد موته كاشفا عن ثبوته في ذمته من أول الأمر، فيجب القضاء عنه، إلا إذا كان نذره مقيدا ببقاء حياته فحينئذ لا يجب، لدخالته في موضوع نذره، هذا إذا جعل المعلق عليه قيدا للمنذور لا قيدا لأصل النذر و قد عرفت أنه لو جعل قيدا لأصل النذر لا وجوب قبله، لعدم ثبوت الحكم قبل تحقق موضوعه كما لا يخفى.

و أما مقتضى الدليل فهو وجوب القضاء عنه، لخبر مسمع بن عبد الملك قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام- كانت لي جارية حبلى، فنذرت للّه عز و جل إن ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه؟ فقال: إن رجلا نذر للّه عز و جل في ابن له إن هو أدرك أن يحج عنه أو يحجه فمات الأب و أدرك الغلام بعد فأتى رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- ذلك الغلام فسأله عن ذلك فأمره رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- أن يحج عنه مما ترك أبوه «1» و دلالته على المدعى واضحة و لا كلام فيه إنما الكلام في أنه هل يكون موافقا لمقتضى القاعدة حتى يتعدى عن مورده الى غيره- و هو مطلق نذر الإحجاج المعلق على شرط- أو يكون مخالفا لها كي يقتصر على موردها؟ ذهب المصنف (قده) الى كونه موافقا لها خلافا لصاحب الجواهر (ره).

و التحقيق كونه مخالفا لها وفاقا لصاحب الجواهر (ره) و من تبعه، و ذلك لأنه لا تأثير للمعلق عليه في المعلق إلا بعد وجوده، فلا يشتغل ذمته بشي ء قبل حصوله؛

لاستحالة تحقق الأثر قبل وجود المؤثر، كما لا يخفى، إلا أن يقوم دليل تعبدي على الخلاف

______________________________

(1) الوسائل ج 3، الباب- 16- من كتاب النذر الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 389

فمقتضى القاعدة في مفروض المقام عدم وجوب القضاء عنه، فالحكم في مورد الرواية بوجوب القضاء حكم تعبدي على خلاف القاعدة، و لازم ذلك هو الاقتصار على موردها، مضافا الى أن الاعتماد على هذا الخبر في مورده لا يخلو عن التأمل، لقصور سنده إلا بعد إحراز عمل المشهور به.

[المسألة الرابعة عشرة إذا كان مستطيعا و نذر أن يحج حجة الإسلام انعقد]

قوله قده: (إذا كان مستطيعا و نذر أن يحج حجة الإسلام انعقد.).

قد يشكل في أصل انعقاده (تارة): بأنه لا إشكال في اعتبار القدرة في متعلق النذر و هو بعد وجوب حجة الإسلام عليه بأصل الشرع غير قادر عليه شرعا، و ذلك لأن القدرة على فعل شي ء انما يكون إذا كان الترك ايضا مقدورا له بحيث إن شاء فعل و إن لم يشأ لم يفعل، و في المقام ليس كذلك، لعدم قدرته على تركه شرعا، و الممتنع الشرعي كالممتنع العقلي، فلا ينعقد نذره في المقام، لعدم قدرته على متعلقه.

و (أخرى): بأنه لا إشكال في اعتبار كون متعلق نذره مملوكا للناذر، و المفروض انتفائه في المقام، لأن الأعمال بعد صيرورتها واجبا عليه بأصل الشرع صارت مملوكا له تعالى فلا ينعقد نذره، لعدم وجود شرطه- و هو كون متعلقة مملوكا له- و لا مجال للقول بجعل الأعمال ثانيا مملوكا له تعالى، لأن الأعمال بالاستطاعة صارت مملوكة له تعالى، و جعلها ثانيا مملوكا له به يوجب اللغوية كما لا يخفى، و لذلك كله ذهب جماعة من الفقهاء بعدم جواز النيابة للمستطيع، لأن الأعمال التي تصدر منه صارت مملوكا له

تعالى و لا يمكن أن يجعلها ملكا لغير اللّه تعالى بها، و لذلك ايضا حكموا بعدم انعقاد نذره فيما إذا آجر نفسه في ساعة معينة بعمل ثم نذر اشتغاله في تلك الساعة بغير ذلك العمل.

و (ثالثة): عدم ترتب أثر عليه، لعدم تعقل ثبوت عمل واحد في الذمة. مرتين أولا بالاستطاعة و ثانيا بالنذر، فتعلق النذر به بعد ثبوته في الذمة بأصل الشرع لا يفيد شيئا. و لكن كل هذه الوجوه قابلة للمناقشة.

أما (في الأول): فلوجود القدرة فيه، و ذلك لأنه لو فرضنا خروج العمل عن حيز القدرة بمجرد الخطاب الأصلي به؛ ليلزم من وجود الخطاب عدمه- بمعنى أن بسبب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 390

الوجوب يصير الحج غير مقدور- فإذا صار كذلك لا يمكن تعلق الخطاب به، لعدم قدرته عليه، فعليه ينعقد منه كذلك، لوجود شرطه- و هو كون متعلقة مقدورا له- و أما (في الثاني): فلأنه ان أريد من مملوكية الأعمال للّه تعالى ما هو المعروف كما يتصور ذلك في حق المخلوق فتعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا. و ان أريد من مملوكية الأعمال للّه تعالى الإضافة الإشراقية فجميع الأعمال، و كل ما يصدر عن كل انسان بل الأشياء كلها ملك له، و هو مالك الملوك، و لا يخرج عن ملكه شي ء، و هذا غير مستلزم لعدم انعقاد نذره.

و أما عدم جواز النيابة لمن كان مستطيعا فقد عرفت عدم المانع من نيابته، و قد أجبنا في المباحث السابقة عن الإيرادات التي أوردوها على ذلك.

و أما بطلان النذر في المثال فلا جل أن عمله بصيروته أجيرا صار مملوكا للمخلوق و أما في ما نحن فيه صار مملوكا للّه، و قياس المقام به قياس مع

الفارق.

و أما (في الثالث): فلانه لا مانع من القول باقتضاء النذر ثبوت شي ء زائد على الوجوب الثابت عليه بالاستطاعة، فيصير النذر سببا لأن يزيد حق اللّه تعالى على عبده المستطيع الذي نذر أن يحج حجة الإسلام، و إذا لم نقل به فلا أقل من اقتضائه تأكد الوجوب الموجب لزيادة الانبعاث، بناء على القول بكونه من الأمور المشككة بحيث يقبل الزيادة كما ذهب اليه بعض الفقهاء.

و لكن قد يشكل فيه بأن تأكد ما هو ثابت في العهدة مما لا محصل له. نعم، لو قلنا بأنه عبارة عن المحبوبية فهو أمر قابل للشدة و الضعف، فلا مانع من القول باقتضائه لتأكده و لكن قد حققنا في الأصول بطلان هذا القول، لأنه أمر انتزاعي بسيط غير قابل له حيث أن مفاد إلا و أمر الواردة في الشريعة ليس إلا إيجاد النسبة بين الفاعل و الفعل، و جعله فاعل الفعل تشريعا، فبالاستطاعة تحقق هذه النسبة بينه و بين الفعل، و صار الحج واجبا عليه، و لا يجي ء شي ء زائد على ذلك من قبله- بان يجعله فاعلا تشريعيا ثانيا-، كما إذا فرضنا أنه باع شيئا فبمجرد إنشاء البيع صار بائعا و لا يحصل له ذلك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 391

بعده و لو باع ألف مرة.

و لكن يمكن أن يقال جوابا عنه (تارة): بالنقض بمورد ثبوت خيارات متعددة لشخص واحد بالنسبة إلى عقد واحد، كخيار الشرط، و الغبن، و المجلس، و الحيوان، و غيرها، مع أن الخيار ليس الا حق الفسخ و كيف يملكه الشخص مرارا، بحيث يسقط بعضها و يبقى الباقي، و ثمرة تعددها هو ذلك.

و بمورد اجتماع الأغسال المتعددة على المكلف، كغسل الجنابة، و غسل مس الميت

و غسل الجمعة، و غيرها، مع أن الغسل في الجميع واحد- و هو عمل خاص الذي يشترك جميعها فيه- فكيف يثبت في ذمة المكلف مرارا عند تعدد أسبابه، مع أنه على القاعدة لا يتطرق فيه التداخل، فعليه يكون حجة الإسلام في مفروض المقام واحدا صورة و متعددا واقعا، و تشتغل به الذمة مرتين، لأن الالتزام الجائي من قبل اللّه غير الالتزام الجائي من قبل الشخص. و يترتب على ترك الالتزام الجائي من قبله العقاب و الكفارة، دون الالتزام الجائي من قبل اللّه تعالى، فان تركه يوجب العقاب فقط، فيستكشف من ترتب الآثار المختلفة على الحج في مفروض المقام تعدده بحسب الواقع.

إن قلت: إن لازمه وجوب حجين عليه. قلت: إنه يكفيه حج واحد، لكون متعلق نذره كذلك.

و لكن التحقيق: أنه ان قلنا باقتضائه ثبوت شي ء زائد على الوجوب المسبب عن الاستطاعة و لا أقل من اقتضائه تأكد الوجوب فهو، و إلا فيحكم بعدم انعقاده، ثم إنه إذا قلنا بانعقاده لاقتضائه تأكد الوجوب إذا نذر أن يأتي بحجة الإسلام في العام الأول و خالف نذره بالتأخير عنه فلا إشكال في وجوب الكفارة عليه، و يجب عليه الإتيان بحجة الإسلام في العام القابل و لا يجب عليه قضائه، لعدم إمكان إعادة حجة الإسلام التي نذرها في ذلك العام، و هذا انما يكون نظير ما إذا نذر الصلاة في وقتها في ساعة معينة و تركها فيه أو نذر الإتيان بها في وقتها و خالفها في تمام الوقت، و الحكم بوجوب القضاء عليه ليس من جهة تعلق النذر بها بل من جهة أصل وجوب الصلاة، فكذلك وجوب حجة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 392

الإسلام في العام القابل ليس من

جهة النذر بل من جهة أصل وجوبها كما لا يخفى.

[المسألة السابعة عشرة إذا نذر حجا في حال عدم الاستطاعة]

قوله قده: (إذا نذر حجا في حال عدم الاستطاعة الشرعية ثم حصلت له فان كان موسعا أو مقيدا لسنة متأخرة قدم حجة الإسلام، لفوريتها و ان كان مضيقا بان قيده بسنة معينة و حصل فيها الاستطاعة أو قيده بالفورية قدمه.).

حاصل الكلام في هذه المسألة هو أنه (تارة) يكون نذره مطلقا و غير مقيد بسنة خاصة فلا إشكال في انعقاد نذره، لعدم المزاحمة بينه و بين حجة الإسلام، فيأتي بها في عام الاستطاعة، لفوريتها ثم يأتي في العام القابل أو غيره بحج النذري الى أن يسلب منه الاطمئنان، لأن المطلوب من نذره على المفروض هو صرف الوجود من الحج بحيث لو أتى به في أي سنة من سنوات عمره كان الوفاء به متحققا و (اخرى): يكون مقيدا بعامه فيقع الكلام في أنه هل يقدم النذر على حجة الإسلام، أو العكس أو التفصيل؟ وجوه:

يمكن ان يقال بالأول لما سلكه المصنف و صاحب الجواهر- قدس سرهما- في المقام من اعتبار رجحان حال النذر في انعقاده، و المفروض أن متعلقة كان راجحا حينه في حد نفسه، فانعقد منه صحيحا، فإذا حصلت الاستطاعة بعد انعقاده صحيحا لا يكاد يعقل صيرورة الحج واجبا ثانيا عليه في عام النذر لأجلها، لعدم قابلية الحج للتكرار في عام واحد ليكون مرة واجبا به، و اخرى واجبا بالاستطاعة. فبعد ثبوت الوجوب في الذمة من ناحية النذر لا يبقى مجال لثبوت الوجوب من ناحية الاستطاعة، لاشتغال الذمة بالأول و لا يكون قابلا للتكرار كي يكون ثاني وجوده محلا للحكم الآخر، فلا تصل النوبة إلى السبب الثاني كما ان الأمر كذلك في عكس المسألة- و هو ما

لو نذر بعد حصول الاستطاعة- فحيث أن الوجوب الآتي من ناحية الاستطاعة شاغل للمحل لا يبقى مجال لتأثير السبب الثاني الا أن يتعلق ببعض الخصوصيات كإتيانه ماشيا. فظهر أنه بناء على ذلك لا تصل النوبة إلى التزاحم كي يبحث في أنه هل يقدم حجة الإسلام أم النذر أم التخيير، بل يتعين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 393

عليه حج النذر من دون المزاحم.

و يمكن ان يقال بالثاني لما سلكه المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- من اعتبار رجحان المنذور حين العمل في انعقاد النذر- فينحل نذره بمجرد حصول الاستطاعة لصيرورته حين العمل مرجوحا، لمزاحمته مع واجب فعلى- و هو حجة الإسلام- بل يستكشف من حين حصولها عدم ثبوت الرجحان في متعلق نذره من أول الأمر، فيتعين عليه حجة الإسلام من دون المزاحم. و لكن يمكن المناقشة في كلا وجهيهما.

أما في ما أفاده المصنف و صاحب الجواهر- قدس سرهما-: فلان الاستطاعة التي تكون سببا لوجوب حجة الإسلام إنما فسرت في الأخبار الواردة في تفسيرها بالزاد، و الراحلة، و خلو السرب، و غير ذلك، و أما عدم كونه مزاحما لواجب آخر فلم يؤخذ في الدليل المفسر للاستطاعة. نعم، إذا قام دليل تعبدي على اعتبار ذلك في تحققها- كما قام ذلك بالنسبة إلى الزاد و الراحلة- لكان لما أفاده المصنف و صاحب الجواهر- قدس سرهما- مجال واسع، إلا أنه لم يرد دليل كذلك، فعلى هذا يكون موضوع وجوب حجة الإسلام متحققا سواء حصلت الاستطاعة له بعد النذر أم قبله.

و أما ما ذكر من أنه بعد ثبوت الوجوب في الذمة من ناحية النذر فلا مجال لثبوته أيضا في الذمة من ناحية الاستطاعة (فمدفوع) لأنه لا يمنع ذلك من تأثير

سبب حجة الإسلام. غاية الأمر أنه يقع بينهما التزاحم و يحكم باشتغال الذمة بأحدهما ان لم تحرز الأهمية و بالأهم أن أحرزت.

و أما فيما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- فلان الرجحان الذي هو شرط في متعلق النذر انما هو رجحان المتعلق بالنسبة الى تركه لا بالنسبة الى جميع الأضداد الخارجية، و هو على الفرض موجود فيه، فلا ينحل نذره، فعليه يكون موضوع وجوب الحج النذري متحققا، لتحقق شرطه- و هو الرجحان.

فظهر بما ذكرنا أن في مفروض المقام تحقق موضوع الوجوب في كليهما فوجب عليه الحجان. لتعدد سببهما، فأحدهما واجب لأجل النذر و الآخر لأجل الاستطاعة، إلا أنه لأجل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 394

عدم قدرته على امتثال كليهما في عام واحد لعدم قابلية الحج للتكرار، و عدم الدليل على اجزاء حج واحد عنهما- الذي يعبر عنه بالتداخل في المسبب- يقع التزاحم بينهما، و يجرى عليهما حكمه، فلا بد في مقام التقديم من ملاحظة الأهمية و المهمية، فان أحرزت أهمية حجة الإسلام فتقدم، و ان أحرزت أهمية الحج النذري، فهو يقدم، و إلا كما هو مقتضى عدم العلم بملاكات الأحكام فالمرجع التخيير، و تشخيص الأهمية انما يكون ببيان الشارع، لقصور عقولنا عن إدراكات الملاكات، فلا بد في إحراز الأهمية من ملاحظة أدلة التشريع، فإن أمكن استفادة أهمية أحدهما من الأخر فلا كلام، و إلا فلا بد من العمل بما تقتضيه قاعدة التزاحم مع عدم إحراز أهمية أحد المتزاحمين فنقول.

يمكن استفادة أهمية الحج النذري من حجة الإسلام بتقريب: ان يقال ان في ترك الحج النذري كفارة و عقاب و هذا بخلاف ترك حجة الإسلام، لثبوت العقاب فيه فقط، فهذا دليل على أهمية الحج النذري

على حجة الإسلام و (فيه): أن من الممكن أن يكون في ترك المهم كفارة بخلاف ترك الأهم، و ثبوت الكفارة فيه يحتمل أن يكون تابعا لمصلحة أخرى لا لأهمية مصلحته كي يقال بتقدمه عليها.

و يمكن أن يقال بأهمية حجة الإسلام على الحج النذري، للتوعيدات الواردة فيه التي لم ترد بالنسبة إلى غيرها، و لا أقل من احتمال الأهمية و هو كاف في تقدمها عليه كما لا يخفى ثم إنه في صورة تقديمها عليه لا يجب القضاء عليه بعنوان الحج النذري لما عرفت مرارا من دخل خصوصية الوقتية في نذره بل هي معتبرة في جميع الواجبات، إذا إذا قام دليل تعبدي على وجوبه فتدبر.

[المسألة التاسعة عشرة إذا نذر الحج و لم يقيده بحجة الإسلام و لا بغيره]

قوله قده: (إذا نذر الحج و أطلق من غير تقييد بحجة الإسلام و لا بغيره و كان مستطيعا أو استطاع بعد ذلك، فهل يتداخلان فيكفي حج واحد عنهما؛ أم يجب التعدد أم يكفي نية الحج النذري عن حجة الإسلام دون العكس؟ أقوال أقواها الثاني.).

إختار القول الأول صاحب المدارك (قده) و هو محكي عن الشيخ في النهاية و الاقتصار و التهذيب.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 395

و اختار الثاني صاحب الجواهر (ره) حيث قال بعد ذكر الصحيحين الدالين على كفاية حج واحد عنهما و بعد مناقشته فيهما: (و من هنا قيل و القائل المشهور: لا يجزى أحدهما عن الآخر. بل عن الناصريات الإجماع عليه، و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها قاعدة تعدد المسبب بتعدد سببه المبني عليها كثير من مسائل الفقه من الكفارات و غيرها، و ان قلنا: إن أسباب الشرع معرفات، و من الغريب ما وقع عن بعض متأخري المتأخرين حتى سيد المدارك: من هدم هذه القاعدة، و دعوى

صدق الامتثال بواحد في جميع مواردها) و نسبه في المدارك ايضا الى الأكثر حيث قال: (فذهب الأكثر، و منهم الشيخ في الجمل و الخلاف، و ابن البراج، و ابن إدريس: الى أن حكمها حكم الثانية تعويلا على أن اختلاف السبب يقتضي اختلاف المسبب. إلخ) و تبعهم المصنف (قده).

و اختار الثالث الشيخ في النهاية حيث قال: (ان نوى حج النذر أجزأ عن حجة الإسلام و ان نوى حجة الإسلام لم يجزء عن المنذورة على ما حكاه صاحب المدارك (قده).

يمكن ان يقال بالقول الأول، و ذلك لأن النذر بعد انعقاده صار موجبا لتبدل الاستحباب الثابت للحج بالوجوب، و الاستطاعة أيضا صارت سببا لتبدله به، فعليه يكون سبب الوجوب متعددا و لكن مسببهما- و هو وجوب الحج- واحد، فيحكم بكفاية حج واحد عنهما، فيصير كل واحد من السببين جزء السبب، و يؤثر الجامع.

و أما الإشكال بأن تعدد السبب يقتضي تعدد المسبب، ففي مفروض المقام لا بد أن يحكم بتعدد المسبب و عدم تداخله، لتعدد السبب- و هو النذر و الاستطاعة- الا ان يقوم دليل تعبدي على الخلاف (فمدفوع)، و ذلك لان التداخل في المسبب و ان كان محتاجا الى دليل تعبدي عند تعدد أسبابه، كما قام عليه في الأغسال، لكن ذلك انما يكون فيما إذا كان قابلا للتعدد و التكرار. و أما مع عدم قابليته له- كالقصاص بالقتل فيما إذا كان له أسباب مختلفة- فلا يوجب تعدد السبب فيه تعدده، لعدم قابلية المسبب للتعدد بحسب الوجود، و كزهاق الروح إذا كان مسببا عن أسباب كثيرة، و كالحدث الحاصل من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 396

الأسباب المتعددة بحيث كان لكل واحد منها دخل تام في حصوله و لم

يحصل منها الا حدث واحد- كما إذا فرضنا أنه حصل له النوم و جرى منه البول و غيرهما من الأسباب الموجبة للحدث- و ذلك لانه غير قابل للزيادة ففي جميع هذه الأمثلة لا يوجب تعدد السبب تعدد المسبب، لعدم قابليته فيها للتعدد بحسب الوجود، ففي مفروض المقام ايضا كذلك، لانه لا يكون الحج قابلا للتعدد و التكرار في عام واحد، فلا محالة يحصل التداخل و يكفيه حج واحد، و يؤثر الجامع بين السببين.

و أما القول بان مع عدم قابلية المسبب للتعدد فلا بد إما من الالتزام بعدم وجوب الحج عليه من رأسه، و إما من التزام تولد واجب ثالث من اجتماع السببين بلا اسم، و إما من التزام سقوط أحد السببين (فمدفوع).

أما (الأول) فبأنه مما لم يتفوه به أحد، لكونه خلاف ضروري المذهب و أما (الثاني): فكذلك، لكونه خلاف ضروري الفقه.

و أما (الثالث): فلأنه ترجيح بلا مرجح.

إن قلت: إنه يلزم عدم كون المأتي به حجة الإسلام و لا حج النذر فيما إذا قلنا بتأثير الجامع بينهما في وجوب الحج. أما عدم كونه من الأول، فلعدم تأثيره وحدة، و عدم كونه من الثاني فكذلك، بل هو واجب ثالث ناشى ء من اجتماع السببين، لأن عدم تأثير شي ء منهما لا يمكن، و تأثير أحدهما ترجيح بلا مرجح، فيؤثر الجامع فيه، و يتولد منه قسم ثالث، و لا يكفيه ذلك لا عن حجة الإسلام و لا عن حجة النذر و يترتب على ذلك أنه لو ترك الحج في العام الأول من الاستطاعة مع كونه مستطيعا و ناذرا للحج عدم وجوب التسكع عليه إذا زالت عنه الاستطاعة في العام القابل، لعدم كون حجه في العام الأول إذا أتى به فيه

حجة الإسلام، و الا لكان تركه في العام الأول موجبا للتسكع إذا زالت عنه الاستطاعة في العام القابل، و ذلك لعدم تأثير الاستطاعة في حد نفسه في الوجوب، بل المؤثر هو الجامع.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 1، ص: 396

قلت: التحقيق: هو اجزائه عن حجة الإسلام و عن الحج النذري بناء على القول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 397

بتأثير الجامع. و ذلك أما وجه أجزائه عنها، فلانه لا نعني من حجة الإسلام إلا الحج في حال كونه مستطيعا، و المفروض صدق ذلك و أما وجه أجزائه عن حج النذر، فلحصول الوفاء بمتعلقه، لأنه لم يكن متعلق نذره الا الحج، و المفروض انه تحقق ذلك وجدانا ثم انه قد يشكل في كون المأثر هو الجامع، لعدم جامع أصيل بين الاستطاعة و النذر كي يقال بأنه هو المؤثر، لأن الالتزام الجائي من طرف اللّه غير الالتزام الجائي من قبل نفسه، فالوجوب الناشي من ناحية النذر غير الوجوب الناشي من ناحية الاستطاعة فلا جامع بينهما كي يقال بأنه المؤثر، فيحكم بتأثير كليهما- بان كان كل واحد منهما جزء السبب- نظير، ما إذا ضرب سيفان على أحد بحيث كان كل واحد منهما كافيا في قتله فكل واحد منهما يصير جزء السبب، تنظير المقام بالمثال و لو كان صحيحا من جهة وقوع أحدهما جزء السبب و لكنه يفرق بينه و بين مفروض المقام، لوجود الجامع الأصيل فيه- و هو القطع بالسيف- و هذا بخلاف مفروض المقام و عليه كيف يمكن أن يكون كل من النذر و الاستطاعة جزء المؤثر بأن يؤثر كل منهما

بمقدار من التأثير، مع ان الوجوب سواء قلنا بكونه امرا انتزاعيا أو لم نقل به بسيط، و لا يمكن ان يتجزء بحيث أثر كل واحد من السببين في مقدار منه، فعليه لا معنى للقول بتأثير كل واحد منهما في مقدار من الوجوب و لا معنى ايضا للقول بتأثير الجامع، لعدم جامع أصيل بينهما، (و فيه): أن الجامع بينهما موجود، و الوجه في ذلك هو لوحدة الأثر المستندة إلى وحدة المؤثر، و هو الجامع بينهما و ان لم نعرفه.

ان قلت: انا لا نحتاج الى تصوير الجامع في وجوب الحج لكون النذر و الاستطاعة من قبيل الملاك أو الكاشف عنه- بمعنى كونهما من قبيل المقتضى لتشريع الوجوب- فعليه صار الحج في مفروض المقام واجبا لملاكات عديدة. و لا مانع من ان يكون الحكم الواحد ذا ملاكات عديدة، فعلى هذا لا نحتاج الى تصوير وجود جامع كي يقال بعدم جامع أصيل بينهما.

قلت الظاهر حسب ما يستفاد من الأدلة كون النذر و الاستطاعة موضوعين للوجوب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 398

و عدم كونهما من قبيل الملاك و المقتضى للتشريع، فلا يمكن إنشاء حكم واحد لموضوعين، فيتعدد الحكم بتعدد موضوعه، فحيث ان في مفروض المقام لا يمكن تعدد الحكم، لعدم قابليته للتعدد و التكرار، فيؤثر الجامع بينهما بناء على القول به و ان لم نقل به فنقول: إن القدر المتقين هو وجوب حج عليه و لكن لم يعلم أنه حج نذري، أو حجة الإسلام، أو حج ثالث مسبب عنهما، فمن جهة تردده بينها يحج بقصد ما في الذمة، و يكفيه حج واحد لما عرفت سابقا من تصادق العنوانين على المورد.

و لكن تحقيق المقام هو وجوب حجين عليه، لأن تعدد

الموضوع يوجب تعدد الحكم و تعدد الشرط يوجب تعدد المشروط، و ان تعدد السبب يوجب تعدد المسبب، و لا مزاحمة بينهما حتى يقال بالتداخل أو غيره. غاية الأمر أنه يأتي في العام الأول بحجة الإسلام بمقتضى ما يستفاد من الأمر، و هو وجوبها فورا ففورا ثم يأتي به بمقتضى إطلاق النذر القابل للانطباق على الحج في كل سنة، فمقتضى القاعدة عدم التداخل، لتعدد التكليف بالحج و لا مزاحمة بين التكليفين إلا فيما إذا لم يكن المسبب قابلا للتكرار. و أما في مفروض المقام فهو قابل للتكرار في عامين، و ان لم يكن قابلا له في عام واحد فيأتي بحجة الإسلام في العام الأول، لفوريتها و الحج النذري في الأعوام الآتية، لاتساع زمانه.

و لكن قد يقال بكفاية حج واحد على القاعدة، و ذلك لعدم اشتغال ذمته بوجوبين كي يحتاج كل واحد منهما إلى امتثال على حده، بل لم يتوجه اليه سوى تكليف واحد ببيان أن النذر المطلق صار سببا لتبدل استحباب أصل الحج بالوجوب، كما أن الاستطاعة أيضا صارت سببا لتبدله اليه، فنتيجة ذلك هو تبدل استحباب أصل الحج الثابت عليه بالوجوب بهذين السببين، فيكون الوجوب واحدا لا متعددا، و لكن سببه متعدد، فيكفيه حج واحد على القاعدة.

مضافا الى أن مورد اقتضاء تعدد السبب لتعدد المسبب الذي بنى عليه الفقهاء هو الأسباب الشرعية. و أما في ما نحن فيه فلا يجرى فيه، لأن سببيته للوجود المستقل و عدمه تابع لقصد الناذر، فان كان قصده أن يحج غير حجة الإسلام في عام غير عام الاستطاعة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 399

أو بعد عامها فلا يكفيه حج واحد، و لا معني للقول بالتداخل فيه. و ان كان

قصده ماهية الحج مطلقا من دون تقييدها بحجة الإسلام أو غيرها، كما هو المفروض و من دون تقييدها بسنة خاصة يكفيه حج واحد من دون احتياج الى قيام دليل تعبدي خاص على التداخل، بل قصد الناذر كذلك يكفي في البناء عليه.

فعلى هذا لا يبقى مجال للبحث في انه إذا نذر الحج و أطلق في حال الاستطاعة، أو استطاع بعد ذلك، في انه هل يتداخلان، فيكفي حج واحد عنهما، أو يجب التعدد، لأنه يكفينا في البناء عليه هو قصد الناذر.

[المسألة الحادية و العشرين]
[إذا كان عليه حجة الإسلام و الحج النذري و لم يكنه الإتيان بهما]

قوله قده: (إذا كان عليه حجة الإسلام و الحج النذري و لم يكنه الإتيان بهما، إما لظن الموت، أو لعدم التمكن إلا من أحدهما، ففي وجوب تقديم الأسبق سببا، أو التخيير، أو تقديم حجة الإسلام، لأهميتها وجوه. أوجهها الوسط، و أحوطها الأخير).

يمكن ترجيح الوجه الأول- و هو تقديم ما هو المقدم سببا بتقدم سببه- و (فيه):

أنه لا دليل على كون نفس سبق السبب زمانا من المرجحات بعد اشتغال ذمته و استقرار الوجوب عليه بالنسبة الى كل واحد منهما، فلا ترجيح لأحدهما على الآخر و هذا نظير ما إذا سهى الرجل في الصلاة مرتين، فإنه لم يتم لنا وجوب تقديم سجدتي السهو الأول على سجدتي السهو الثاني من جهة تقدم سببه، و قد بينا ذلك مرارا.

و يمكن أن يقال بالوجه الثاني- و هو التخيير- كما هو الحق و يتضح وجه ذلك من أبطال ترجيحات أحدهما على الآخر.

الوجه الثالث أن يقال بتقديم حجة الإسلام عليه لاهميتها. و (فيه): ان أهميتها من الحج النذري أول الكلام، و قد بينا مرارا أن تشخيص الأهمية انما هو بنظر الشارع لا بنظرنا لقصور عقولنا عن ادراك الملاكات الثابتة في متعلقات الأحكام، فلا

بد من الرجوع الى الاخبار حتى يتضح إمكان استفادة أهمية حجة الإسلام من النذر و عدمه و ما يمكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 400

الاستدلال به على ذلك هو التوعيدات التي تضمنتها الروايات على ترك حجة الإسلام، كما ورد من أنه فليمت يهوديا أو نصرانيا. و ما ورد من إطلاق عنوان الكافر عليه و لم يرد ذلك بالنسبة إلى الحج النذري. و (فيه): أنه من الممكن واقعا أن يكون في الحج النذري ملاك أقوى من الملاك الثابت لحجة الإسلام، و نحن لم نطلع عليه، لعدم علمنا بالغيب، بل يمكن أن يقال بأهمية الحج النذري منها لترتب الكفارة و استحقاق العقوبة على تركه و هذا بخلاف ترك حجة الإسلام لثبوت العقاب فيه فقط، و لكن فيه ما عرفت في المباحث السابقة من إمكان ترتب الكفارة على ترك المهم دون ترك الأهم، و يحتمل أن يكون ثبوت الكفارة فيه تابعا لمصلحة أخرى لا لأهمية ملاكه، كي يقال بتقدمه على حجة الإسلام و كيف كان فالمرجع حينئذ التخيير إلا إذا أمكننا إثبات أهمية أحدهما من الآخر، فيقدم، و ان كان مؤخرا عنه من حيث السبب.

[و كذا إذا مات و عليه حجتان و لم تف تركته إلا لأحدهما]

قوله قده: (و كذا إذا مات و عليه حجتان و لم تف تركته إلا لأحدهما)

قال في الجواهر: (ثم انه لو مات و كان عليه حجة الإسلام و النذر فان اتسع المال لاخراجهما فلا إشكال فيه، و لو لم يتسع إلا لأحدهما فبناء على القول بخروج المنذورة من الثلث يتجه تقديم حجة الإسلام، و ان تأخر سببها، فإنها كالدين، فلا تعارضها المنذورة المفروض كونها كالوصية نعم، على المختار يتجه التقسيط بناء على تساويهما في الخروج من الأصل، لأنهما معا حقان ماليان، و لا

ترجيح لأحدهما على الآخر خلافا لبعض، فأوجب تقديم حجة الإسلام، لأن وجوبها ثابت بأصل الشرع، و لانه كان تجب المبادرة فيها، فيجب الابتداء بإخراجها قضائهما كما ترى، نحو الاستدلال من بعضهم على ذلك بصحيح ضريس الذي فيه إخراج المنذور من الثلث، و هو غير المفروض، لكن ذلك كله إذا فرض قيام القسط بكل منهما، و إلا فالظاهر التخيير مع احتمال تقديم ما تقدم سببه.).

و لكن ذهب جماعة من الفقهاء الى تقديم حجة الإسلام في المحل المفروض على ما حكاه صاحب كشف اللثام، حيث قال في شرح قول العلامة (ره) في القواعد: «و لو اتسعت التركة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 401

لأحدهما خاصة قدمت حجة الإسلام) (كما في النهاية، و المبسوط، و السرائر، و الجامع، و الشرائع، و الإصباح، لوجوبها بأصل الشرع و التفريط بتأخيرها. إلخ) و لكن التحقيق هو التخيير كما استظهره صاحب الجواهر (ره)، لاستقرارهما في ذمته على حد سواء، إلا إذا أحرز الأهمية، فالأهم يقدم و لو كان مؤخرا زمانا.

و أما ما ذكر في وجه تقديم حجة الإسلام عليه من أنه واجب بأصل الشرع (فمدفوع) لعدم قيام دليل تعبدي على كون ذلك من المرجحات، فما ذهب اليه صاحب النهاية و المبسوط و الجامع و غيرها من تقديم حجة الإسلام ضعيف

[المسألة الثالثة و العشرين]
[إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد و وجب عليه أحدهما]

قوله قده: (إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد و وجب عليه أحدهما على وجه التخيير و إذا تركهما حتى مات يجب القضاء عنه مخيرا)

أما أصل انعقاد نذره في الفرض الذي ذكره المصنف (قده) فمما لا إشكال فيه، و ذلك لتحقق شرائطه فيه من رجحان المتعلق، و القدرة على الوفاء به، فيترتب عليه الآثار من وجوب الوفاء، و ثبوت الكفارة في

صورة المخالفة و أما وجوب القضاء على الولي فيما إذا مات فقد عرفت ما فيه و هو أن مقتضى القاعدة سقوط النذر بموت الناذر لتعلقه بفعله المباشري، و هو معتبر في جميع الواجبات، كما أن الخصوصية الوقتية معتبرة في جميعها، فعليه إذا تركهما بعد القدرة على الوفاء به يحكم بعدم وجوب القضاء عنه على وليه و لكنه يعاقب، لتركه الواجب بسوء اختياره. نعم، إذا قام دليل تعبدي على وجوبه عنه خلافا لمقتضى القاعدة فيتم ما أفاده المصنف (قده) تبعا للمشهور، أو كان نذره على نحو تعدد المطلوب و إلا فيحكم بعدم وجوبه.

ثم انه إذا علم بعدم وجوب القضاء فهو، و اما إذا شك فيه فتصل النوبة إلى الأصول العملية المقررة للشاك و مقتضاها في المقام هو البراءة. فمن هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه المصنف (قده) من وجوب القضاء عنه تبعا للمشهور.

[و إذا طرء العجز من أحدهما معينا تعين الآخر]

قوله قده: (و إذا طرء العجز من أحدهما معينا تعين الآخر و لو تركه أيضا حتى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 402

مات يجب القضاء عنه مخيرا أيضا، لأن الواجب كان على وجه التخير، فالفائت هو الواجب المخير، و لا عبرة بالتعيين العرضي، فهو كما لو كان عليه كفارة الإفطار في شهر رمضان، و كان عاجزا عن بعض الخصال، ثم مات فإنه يجب الإخراج من تركته مخيرا و ان تعين عليه في حال حياته في إحداها، فلا يتعين في ذلك المتعين).

ما أفاده (قده) من وجوب القضاء عنه مخيرا فيما إذا مات بعد التمكن من العمل بالمتعين مما لا اشكال فيه بناء على القول بثبوت أصل القضاء و لكن الإشكال في أصل ثبوته، لدخل خصوصية نفسه في موضوع النذر و على فرض الشك في ذلك

فمقتضى البراءة أيضا عدم وجوب القضاء عنه على وليه، و قد تقدم هذا الاشكال منا مرارا.

نعم، إنما يتم القول بوجوب القضاء فيما إذا أحرز كون قصده بنحو تعدد المطلوب و لكن لا سبيل إلى إحرازه أو قام دليل تعبدي على وجوبه

[لو كان حال النذر غير متمكن إلا من أحدهما معينا]
اشارة

قوله قده: (لو كان حال النذر غير متمكن إلا من أحدهما معينا و لم يتمكن من الآخر إلى أن مات أمكن أن يقال باختصاص القضاء بالذي كان متمكنا منه، بدعوى أن النذر لم ينعقد بالنسبة الى ما لم يتمكن منه بناء على أن عدم التمكن يوجب عدم الانعقاد).

يقع الكلام في هذه المسألة من جهتين:

(الاولى) في أصل انعقاد النذر منه كذلك (الثانية) في أنه بعد تسليم انعقاده منه يقع الكلام في أنه بعد موته هل يحكم بوجوب القضاء عنه مخيرا، أو يقال باختصاص القضاء بالعدل الذي كان متمكنا منه؟

أما الكلام (في الجهة الأولى): فقد يقال بعدم انعقاده،

لأن المفروض ان الناذر إنما ألزم على نفسه كل واحد من عدلي الواجب التخييري على البدل، و هو غير مقدور له كذلك، لعدم تمكنه الا من أحدهما معينا، فمن جهة عدم واجدية نذره لشرط الصحة و هو القدرة يحكم بعدم انعقاده.

و اما أحد عدلي التخييري فهو و ان كان مقدورا للناذر لكنه لم يلتزمه بخصوصه فلا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 403

ينعقد النذر إذا لم يتمكن حينه إلا من أحدهما سواء كان عالما بذلك حين النذر أم جاهلا به.

أما مع علمه بذلك فوجه عدم انعقاده واضح. و أما مع جهله به فالوجه فيه هو انه بعدم التمكن من كلا عدلي التخييري حين العمل يستكشف عدم تمكنه مما ألزمه على نفسه من أول الأمر فيحكم بعدم انعقاده.

ان قلت: انه لا إشكال في ان المراد من القدرة الموجبة لعدم انعقاد النذر هو عدم قدرته على العمل بالمنذور، و لا يتحقق ذلك في المنذور الذي كان على نحو التخيير إلا بعد عدم القدرة على كلا طرفي التخييري.

و أما عدم القدرة على أحد العدلين فلا دليل على مانعيته من انعقاده،

ففي مفروض المقام لما كان عدم التمكن بالنسبة الى أحد العدلين لا كليهما، فيحكم بانعقاده.

قلت: إنه لا إشكال في أن الناذر قد قصد أحد العدلين على نحو التخيير، و لا شك في ان المنذور كذلك غير مقدور له فلا ينعقد.

و (بعبارة اخرى) ان متعلق النذر على المفروض هو أحد العدلين على وجه التخيير و مع عدم قدرته على أحدهما لا يكون وجوب العدل الآخر تخيير يا حتى يحكم بتحقق موضوع النذر، فلا نذر حقيقة كما لا يخفى.

نعم، إذا تعلق قصد الناذر بكل من العدلين لكن لا بنحو تكون العدلية مقومة لموضوع النذر، بل بنحو تعلق الطلب بالنكرة في مثل قوله: «جئني برجل» فينعقد النذر و يجب الوفاء به. لكنه لا سبيل إلى إحراز هذا لقصد، بل الظاهر كونه بنحو العدلية فلا ينعقد نذره، بل و مع الشك فيه ايضا، لكون المرجع حينئذ أصالة عدم انعقاد النذر المقتضية لعدم اشتغال الذمة به كما لا يخفى.

فقد ظهر مما ذكرنا قوة ما اختاره الشهيد الأول في الدروس في مسألة من نذر أن رزق ولدا ان يحجه أو يحج عنه إذا مات الولد قبل تمكن الأب من أحد العدلين، حيث قال على ما حكى عنه: (و لو نذر الحج بولده أو عنه لزم، فان مات الناذر استؤجر عنه من الأصل، و لو مات الولد قبل التمكن فالأقرب السقوط).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 404

و أما القول بان مقصود الناذر هو إتيان أحد العدلين من دون اعتبار كونه على وجه التخيير فليس نذره مقيدا بكونه واجبا على نحو التخيير حتى يحكم باعتبار التمكن من العدلين معا في انعقاده (فمدفوع) بأنه خارج عن مورد الفرض، إذا المفروض ان متعلق النذر هو

أحد العدلين على وجه التخيير، و لا شبهة في ان مجرد عدم قدرته على أحد العدلين يوجب عدم وجوب الآخر تخييريا كما لا يخفى، فما قصده الناذر لم يقع و ما وقع لم يقصد، فيحكم بعدم انعقاده.

و لكن الشهيد الأول خالف الشهيد الثاني في المسالك على ما نقله في الجواهر في مبحث النذر حيث قال: (و لو مات الولد قبل ان يفعل الوالد بأحد الأمرين بقي الفرد الآخر، و هو الحج عنه سواء كان موته قبل تمكنه من الحج بنفسه أم لا، لأن النذر ليس منحصرا في حجه حتى يعتبر تمكنه في وجوبه. نعم، لو كان موته قبل تمكن الأب من أحد الأمرين احتمل السقوط، لفوات متعلق النذر قبل التمكن منه، لأنه أحد الأمرين و الباقي منهما غير أحدهما الكلى، و هو خيرة الدروس، و لو قيل بوجوب الحج عنه كان قويا، لأن الحج عنه متعلق النذر ايضا، و هو ممكن، و نمنع اشتراط القدرة على جميع افراد المخير بينهما في وجوب أحدهما، كما لو نذر الصدقة بدرهم، فان متعلقة أمر كلي، و هو مخير في التصدق بأي درهم اتفق من ماله، و لو فرض ذهابه إلا درهما واحدا وجب التصدق به).

و استجود ما أفاده صاحب المسالك (قده) من وجوب الحج و عدم انحلال النذر بصرف عدم القدرة على أحد طرفي عدلي التخيير صاحب الرياض (ره) حيث استدل في ذيل هذا المبحث في مبحث النذر على الوجوب: (بان الحج عنه متعلق النذر ايضا و هو ممكن، و اشتراط القدرة على جميع الأفراد المخير بينها في وجوب أحدهما ممنوع و ان هو حينئذ كما لو نذر التصدق بدرهم من دراهمه، فان متعلقة أمر كلي و هو

مخير في التصدق بأيها شاء و لو فرض ذهابها إلا درهما واحدا وجب الصدقة به و لعله أحوط و أجود وفاقا للمسالك).

و لكن الأقوى في النظر هو ما أفاده الشهيد الأول في الدروس من السقوط و عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن ايضا، و قد ذكرنا وجهه في صدر المبحث.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 405

مضافا الى ان الفرق بين ما أفاده صاحب الرياض و صاحب المسالك- قدس سرهما- من المثال و بين ما أفاده صاحب الدروس (ره) (واضح) لأن في المثال انما طرء عدم التمكن من أحد الأمرين بعد ان كان متمكنا من جميع الأطراف، و هذا بخلاف ما ذكره الشهيد (ره)، لأن فرضه انما يكون قبل التمكن كما عرفته في نقل كلامه فبين المثال و بين ما سمعته من الشهيد بون بعيد فلا يبقى مجال لتنظيره به كما لا يخفى.

و قد أشكل صاحب الجواهر (ره) على صاحب المسالك بعد نقل كلامه حيث قال:

(و فيه): ان الفرق واضح بين ما ذكره من المثال و بين ما سمعته من الدروس، ضرورة:

انعدام متعلق النذر الذي هو التخيير قبل حصول سبب انعقاده و هو التمكن، فلا يجدى التمكن بعد ذلك من خصوص الفرد الآخر الذي هو غير المنذور، بخلاف ما ذكره من المثال الذي هو تخيير عقلي لا منذور و بخلاف تعذر أحد الفردين بعد انعقاد النذر فتأمل و اللّه العالم):

فتحصل مما ذكرنا ان في المحل المفروض و نظائره يحكم بعدم انعقاد النذر حتى بالنسبة إلى الفرد الذي لا مانع من الإتيان به وفاقا لصاحب الدروس (قده). فظهر ضعف ما أفاده الرياض و صاحب المسالك- قدس سرهما- من انعقاده بالنسبة إلى الفرد الممكن و وجوب الوفاء

به

(الجهة الثانية) [على فرض الانعقاد هل يختص القضاء بالفرد المتمكن للميت]

في انه على فرض تسليم القول بانعقاد النذر كذلك، للقول بعدم شمول الأدلة الدالة على اعتبار القدرة في انعقاد النذر لمثل المحل المفروض فيقع الكلام في أنه هل يختص القضاء بالفرد الذي كان الميت متمكنا منه في حال حياته أولا بل للولي أن يأتي بأيهما شاء لتمكنه من جميع الأطراف فنقول: لا إشكال في وجوب القضاء عنه مخيرا و يكون بعين ما إذا نذر أحد الأمرين و فرض انه لم يكن متمكنا من أحدهما إلى مدة من الزمان و بعده تمكن منه في آخر الوقت، فكما نقول فيه بانعقاده نذره مخيرا فكذلك نحكم بوجوب القضاء عنه مخيرا كذلك في المحل المفروض، فلا يمكن المساعدة على ما أفاده المصنف (قده): (من انه يمكن ان يقال باختصاص القضاء بالعدل الذي كان متمكنا منه) لأنه على فرض القول بانعقاد نذره كذلك لا إشكال في انه يشتغل ذمته بأحد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 406

الأمرين على الترديد، فالولي مخير أيضا في مقام القضاء بأيهما شاء إذا كان له التمكن من كلا طرفي العدلين. و أما تعيين أحد الأمرين على الميت في حال حياته، فإنما كان لأجل عدم قدرته. و أما إذا كان وليه قادرا فلا مانع من القول بأنه مخير في مقام القضاء كما لا يخفى.

و لكن قد عرفت عدم انعقاده نذره كذلك فلا يجب القضاء عنه كي يبحث في انه هل يجب القضاء عنه مخيرا أم لا. ثم، أنه لو نذر أحد الأمرين و تمكن من الوفاء به في أول وقت العمل لكنه لما كان موسعا بحسب نظره أخره و طرء عليه العجز عنهما و وصلت النوبة إلى الاستغفار فيقع الكلام في أنه هل يعود

التخيير بعد رفع العجز أولا؟ فنقول: لا إشكال في انه يعود التخيير و إذا مات يحكم بوجوب القضاء عنه على نحو التخيير على فرض تسليم أصل القضاء.

[المسألة الخامسة و العشرين]
[إذا علم أن على الميت حجا و لم يعلم أنه حجة الإسلام أو حج النذر]

قوله قده: (إذا علم أن على الميت حجا و لم يعلم أنه حجة الإسلام أو حج النذر وجب قضائه عنه من غير تعيين و ليس عليه كفارة).

المشهور هو وجوب الإتيان بالأعمال قضاء على الولي بعنوان الميت من غير تعيين للعلم باشتغال ذمة الميت بأحدهما و وافقهم المصنف قده على ذلك و لا ثمرة للبحث عنه، لوجوب تلك الأعمال عليه مطلقا سواء كان ما اشتغلت ذمته به حج النذر أم حجة الإسلام فيأتي الولي بالأعمال بقصد ما في ذمة الميت.

اللهم الا أن يناقش في أصل وجوب القضاء بان يقال انه إذا كان ذمته مشغولة واقعا بحجة الإسلام فلا إشكال في وجوب القضاء عنه على الولي، للروايات الخاصة المتقدمة الدالة على ذلك، و هذا بخلاف ما إذا كان ذمته مشغولة بحج النذر لعدم تسلم أصل وجوب قضائه عندنا و قد ناقشنا فيه، و قلنا: إن مقتضى القاعدة هو عدم وجوب العمل على الغير من الولي و غيره بعد ان كانت خصوصية نفسه و مباشرته دخيلة في موضوع نذره و هذا لا يختص بالمقام بل يجري في جميع الواجبات من الحج و غيره سواء حصل وجوبه من الشرع أو من التزام نفس المكلف و إطلاق أمر كل واجب من الواجبات يقتضي كونه مباشريا و عدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 407

حصول امتثال ذلك الأمر إلا بفعل نفسه دون فعل غيره، الا إذا قام دليل تعبدي على خلافها فحينئذ إذا شككنا في وجوب القضاء و عدمه للشك في أنه هل عليه

حجة الإسلام كي يجب القضاء عنه أم حج النذر، كي لا يجب القضاء عنه، فالمرجع هو الأصل المقرر للشاك و هو البراءة.

نعم، إذا علم بأن الناذر إنما قصد من نذره الحج على نحو تعدد المطلوب فيتم الحكم بوجوب القضاء لا على التعيين كما أفاده المصنف (قده) و لكنه لا سبيل إلى إحراز ذلك القصد منه كما لا يخفى.

إلا ان الإنصاف أنه عدم المجال للمناقشة في أصل وجوب القضاء في مفروض المقام بعد ذهاب جميع الفقهاء الى وجوبه و ارسالهم ذلك من المسلمات فوجوب القضاء لو لم يكن أقوى فلا أقل من كونه أحوط ثم، انه إذا قلنا بوجوب القضاء كما هو المشهور فيقع الكلام في ثبوت الكفارة و عدمها يمكن أن يقال بثبوت الكفارة عليه، لاحتمال أن يكون ذمته مشغولة بالحج النذري و لكن لا يخفى ما فيه، لحصول الشك في ثبوت ذلك عليه و منشأه احتمال اشتغال ذمته بحجة الإسلام التي لا كفارة في تأخيرها و لا إشكال حينئذ في أن المرجع هو البراءة كما لا يخفى. بل الأمر كذلك حتى فيما لو علم بتقصير الميت بتأخيره هذا مما لا ينبغي الكلام فيه.

[و لو تردد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف]

قوله قده: (و لو تردد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفارة أيضا، و حيث أنها مرددة بين كفارة النذر و كفارة اليمين فلا بد من الاحتياط و يكفي حينئذ إطعام ستين مسكينا، لأن فيه إطعام عشرة أيضا الذي يكفي في كفارة الحلف).

لا يخفى أن هذه المسألة من صغريات الشك في الأقل و الأكثر الارتباطيين الذي قد اخترنا في الأصول ان المرجع فيه هو البراءة، فلا يبقى مجال لما أفاده المصنف (قده) من لزوم الاحتياط بإعطاء الأكثر كما لا

يخفى هذا كله على تقدير مغايرة كفارة النذر لكفارة الحلف بان يقال: ان كفارة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 408

النذر هي إطعام ستين مسكينا و كفارة الحلف إطعام عشرة مساكين. و أما بناء على القول باتحادهما و عدم المغايرة بينهما فلا يبقى ثمرة لهذا البحث أصلا كما لا يخفى.

[المسألة السادسة و العشرين إذا نذر الحج ماشيا]

قوله قده: (إذا نذر المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب انعقد مطلقا حتى في مورد يكون الركوب أفضل، لأن المشي في حد نفسه أفضل من الركوب)

و في المدارك في شرح قول المحقق قده: «إذا نذر الحج ماشيا وجب عليه» قال:

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب بل قال في المعتبر إذا نذر الحج ماشيا وجب مع التمكن و عليه اتفاق العلماء).

و في الجواهر في شرح قول المحقق- طاب ثراه- قال: (بلا خلاف أجده فيه بل لعل الإجماع بقسميه عليه، لعموم دليل وجوب الوفاء بالنذر، و خصوص صحيح رفاعة و غيره، لكن في أيمان القواعد: «لو نذر الحج ماشيا و قلنا المشي أفضل انعقد الوصف، و الا فلا» و في محكي إيضاح ولده انعقد أصل النذر إجماعا و هل يلزم مع القدرة فيه؟ قولان مبنيان على ان المشي أفضل من الركوب أو العكس. و فيه: ان المنذور الحج على هذا الوجه و لا ريب في رجحانه و ان كان غيره أرجح منه و ذلك كاف في انعقاده، إذ لا يعتبر في المنذور كونه أفضل من جميع ما عداه، فلا وجه ح لدعوى عدم الانعقاد على هذا التقدير ايضا كما ان ما في كشف اللثام من حمله على حال أفضلية الركوب من المشي لبعض الأمور السابقة كذلك أيضا ضرورة: عدم اقتضاء ذكر ذلك كما هو واضح خصوصا

بعد ما عرفته من ان اقتران الركوب ببعض الأمور لا يصير سببا لعدم رجحان المشي أصلا بل أقصاها ترجيحه على المشي على نحو ترجيح قضاء حاجة المؤمن على النافلة أو بالعكس فهو من ترجيح المندوبات بعضها على بعض فلا اشكال ح في المسئلة).

لا كلام لنا فيه، و تدل عليه- مضافا الى العمومات الدالة على انعقاد نذر العبادات- الأخبار الخاصة الواردة في المقام- منها:

1- صحيح رفاعة بن موسى قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- رجل نذر ان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 409

يمشى إلى بيت اللّه الحرام؟ قال- عليه السلام-: فليمش قلت: فإنه تعب قال- عليه السلام-:

فإذا تعب ركب «1».

2- عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن العلاء عن محمد بن مسلم قال: سألته عن رجل جعل عليه مشيا الى بيت اللّه فلم يستطع؟ قال: يحج راكبا «2».

3- عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن رفاعة و حفص قال سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل نذر ان يمشى إلى بيت اللّه حافيا؟ قال: فليمش فإذا تعب فليركب «3».

الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- فعليه لا يبقى مجال للشك في هذا الحكم بعد تطابق النصوص و الفتاوى على ذلك، فيحكم بانعقاد نذر الحج ماشيا و لو قلنا بأفضلية الركوب منه و لو على بعض الوجوه، لأن مجرد صيرورة الركوب كما عرفت من كلام صاحب الجواهر (ره) بمقتضى بعض الروايات الواردة في المقام التي سنذكرها في ذيل المبحث أفضل و أرجح، لبعض الأمور المترتبة عليه، كمدخليته في حصول القوة على العبادة لا يخرجه عن رجحانه الكافي في انعقاد النذر، و قد عرفت مرارا عدم اعتبار كونه أفضل

الافراد في انعقاد النذر، بل يعتبر فيه ان يكون متعلقة راجحا بالنسبة إلى عدمه و لو لم يكن أرجح بالنسبة إلى الأمور المضادة له، لعدم قيام دليل تعبدي على اعتبار ذلك فيه فيكفي في الانعقاد ان يكون متعلقة راجحا و ان كان غيره أفضل منه و قد عرفت جميع ذلك في المباحث السابقة.

و قد وردت جملة من الأخبار التي تدل على أفضلية المشي في حد ذاته لكن و قد وردت أيضا جملة من الأخبار التي تدل على أفضلية الركوب من المشي أحيانا، لبعض الوجوه و الاعتبارات.

أما (الطائفة الأولى) من الأخبار- فمنها:

______________________________

(1) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل ج 3- الباب 8- من كتاب النذر الحديث 1.

(3) الوسائل ج 3- الباب 8- من كتاب النذر الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 410

1- عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ما عبد اللّه بشي ء أشد من المشي و لا أفضل «1».

2- عن هشام بن سالم قال دخلنا على أبي عبد اللّه- عليه السلام- انا و عنبة بن مصعب و بضعة عشر رجلا من أصحابنا، فقلنا: جعلنا اللّه فداك أيهما أفضل المشي أو الركوب؟ فقال: ما عبد اللّه بشي ء أفضل من المشي «2».

3- عن إبراهيم بن علي عن أبيه قال: حج على بن الحسين ماشيا فسار عشرين يوما من المدينة إلى مكة «3».

4- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن فضل المشي؟ فقال الحسن بن على- عليه السلام-: قاسم ربه ثلاث مرات حتى نعلا نعلا، و ثوبا و ثوبا، و دينارا و دينارا و حج عشرين حجة ماشيا على قدميه «4».

5-

عن محمد بن إسماعيل بن رجاء الزبيدي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

ما عبد اللّه بشي ء أفضل من المشي «5».

6- عن محمد بن علي بن الحسين- عليه السلام- قال: روى انه ما تقرب العبد الى اللّه عز و جل بشي ء أحب إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين، و أن الحجة الواحدة تعدل سبعين حجة و من مشى عن جمله كتب اللّه له ثواب ما بين مشيه و ركوبه، و الحاج إذا انقطع شسع نعله كتب اللّه له ثواب ما بين مشيه حافيا الى منتعل «6».

7- عن الربيع بن محمد المسلمي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ما عبد اللّه بشي ء مثل الصمت و المشي إلى بيته «7».

8- عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: ابن عباس: ما ندمت على شي ء صنعته ندمي على ان لم أحج ماشيا، لأني سمعت رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- يقول: من حج بيت اللّه ماشيا كتب اللّه له سبعة آلاف حسنة من حسنات الحرم قيل: يا رسول اللّه

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 11

(4) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(5) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

(6) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

(7) الوسائل- ج 2- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 411

و ما حسنات الحرم؟ قال: حسنته ألف ألف حسنة و قال: فضل المشاة في الحج كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم «1».

9- عن المفضل بن عمر عن الصادق- عليه السلام- عن آبائه- عليهم السلام- ان الحسن بن علي- عليه السلام- كان أعبد الناس و أزهدهم و أفضلهم في زمانه، و كان إذا حج حج ماشيا، و رمى ماشيا، و ربما مشى حافيا «2».

و نحوها غيرها من الروايات الواضحة الدلالة على المدعى.

و أما (الطائفة الثانية) من الأخبار الدالة على أفضلية الركوب من المشي فمنها:

1- عن رفاعة في حديث قال: سأل أبا عبد اللّه- عليه السلام- رجل الركوب أفضل أم المشي؟ فقال: الركوب أفضل من المشي، لأن رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله و سلم- ركب و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن رفاعة مثله، و زاد قال: سألته عن مشى الحسن من مكة أو من المدينة؟

قال: من مكة، و سألته إذا زرت البيت أركب أو أمشي؟ فقال: كان الحسن يزور راكبا «3» 2- عن هشام بن سالم انه قال: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث أيما أفضل نركب إلى مكة فنعجل فنقيم بها الى ان يقدم الماشي أو نمشي؟ فقال: الركوب أفضل «4».

3- عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن رفاعة و ابن بكير جميعا عن ابى عبد اللّه- عليه السلام- انه سال عن الحج ماشيا أفضل أو راكبا؟ فقال: بل راكبا، فان رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- حج راكبا «5».

4- عن سيف التمار قال: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- انه بلغنا و كنا تلك

السنة مشاة عنك انك تقول في الركوب؟ فقال: ان الناس يحجون مشاة و يركبون فقلت ليس عن هذا أسألك فقال: عن أي شي ء تسألني؟ فقلت اى شي ء أحب إليك نمشي أو أركب؟

فقال: تركبون أحب الى، فان ذلك أقوى على الدعاء و العبادة «6».

______________________________

(1) الوسائل- ج 2- الباب- 32 من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

الحديث 9

(2) الوسائل- ج 2- الباب- 32 من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

الحديث 10

(3) الوسائل- ج 2- الباب 33 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1 و 2.

(4) الوسائل- ج 2- الباب 33 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3.

(5) الوسائل- ج 2- الباب 33 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4.

(6) الوسائل- ج 2- الباب 33 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 412

5- عن عبد اللّه بن بكير قال: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السلام- انا نريد الخروج إلى مكة مشاة؟ فقال لا تمشوا و اركبوا فقلت أصلحك اللّه انه بلغنا ان الحسن بن علي حج عشرين حجه ماشيا؟ قال: ان الحسن بن على كان يمشى و تساق معه محامله و رحاله «1».

6- عن على بن الحسين قال الحج راكبا أفضل منه ماشيا لأن رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- حج راكبا قال: و كان الحسين بن على- عليه السلام- يمشى و تساق معه المحامل و الرحال «2» 7- عن أبي بصير عن الصادق- عليه السلام- انه سأله عن المشي أفضل أو الركوب؟

فقال: إذا كان الرجل موسرا فمشى ليكون أفضل لنفقته فالركوب أفضل «3» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام.

و لا يخفى انه لا يمكن استفادة أفضلية

الركوب من المشي في حد ذاته من هذه الأخبار كاستفادة أفضلية المشي من الركوب في حد نفسه من الطائفة المتقدمة، و ذلك لعدم دلالتها على أفضلية الركوب منه، للتعليلات الواردة فيها بان الركوب: «أقوى على الدعاء و العبادة» (و بأنه لو مشى ليكون أفضل لنفقته فالركوب أفضل) و جوابه- عليه السلام- بأفضلية الركوب في سؤال من سأل: (من انه لو نعجل فنقيم بها الى ان يقدم الماشي أو نمشي) و بعضا منها.

و ان كان يستفاد منه أفضلية الركوب في حد نفسه كخبر رفاعة و غيره مما تقدم من الأخبار، و لكنه لا يصلح لمعارضته مع الطائفة المتقدمة من الأخبار الدالة على أفضلية المشي في حد ذاته بناء على فرض تسليم سنده فيحمل البعض على ما دل على أفضلية الركوب لجهات خارجية.

و لذا يمكن تقريب انقلاب النسبة بينها بأن يقال: أن الأخبار الدالة على أفضلية الركوب لأمور خارجية تخصص الأخبار الدالة على أفضلية المشي مطلقا و تقيدها بصورة خاصة، و هي ما إذا لم يستلزم المشي كسالة و ضعفا عن العبادة فحينئذ تكون الأخبار الدالة

______________________________

(1) الوسائل ج- 2- الباب- 33- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

(2) الوسائل ج- 2- الباب- 33- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 8 و 9

(3) الوسائل ج- 2- الباب- 33- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 413

على أرجحية المشي أخص، لرجوع التخصيص الى التخصص، فإذا يخصص بها الأخبار الدالة على أفضلية الركوب مطلقا، فتصير النتيجة أن الأخبار الدالة على أفضلية الركوب مطلقا يراد منها أفضلية الركوب إذا صار موجبا للقوة على العبادة.

فتحصل من جميع ما ذكرنا أن الطائفة الاولى من

الأخبار تدل على أرجحية المشي في نفسه لا من جهة أخرى و هذا بخلاف الطائفة الثانية منها، لدلالتها على أرجحية الركوب لا في نفسه بل لطوار خارجية، كدخل الركوب في حصول القدرة أو ازديادها على العبادة و كوضع الحج على الجلالة و العظمة و الرفعة فارجحية الركوب إنما تكون بالوجوه و الاعتبار و لا بد من ملاحظة الشخص قوة و ضعفا فالجمع بينها بناء على فرض قبول المعارضة هو إرادة أفضلية المشي من الطائفة الأولى لمن لا مانع له منه و لم يكن مضرا بعبادته و أعماله من جهة قوة مزاجه أو لدخالته في ازدياد قوته على العبادة، كما قد يتفق ذلك بالنسبة الى بعض الأشخاص، لدخل المشي في صحة مزاجهم و إرادة أفضلية الركوب من الطائفة الثانية فيما إذا استلزم المشي مشقة شديدة و ضعفا عن عبادته.

و لكنه مع ذلك كله لو فرضنا أنه نذر الحج ماشيا و كان المشي موجبا لضعفه عن العبادة و الطاعة يحكم بانعقاده، لأن نذره كذلك و إن كان مرجوحا بالإضافة إلى الركوب، و لكن قد بينا مرارا أن المعتبر في انعقاد النذر هو كون المتعلق راجحا بالنسبة إلى عدمه و لو لم يكن أرجح بالإضافة إلى الأمور المضادة له فينعقد منه نذر الحج ماشيا مطلقا حتى في مورد ما إذا كان الركوب أفضل، لما عرفت أن المشي إلى بيت اللّه في حد نفسه أرجح من الركوب و إن كان الركوب قد يكون أرجح من المشي لبعض الوجوه و الاعتبارات، فأرجحية الركوب حينئذ من المشي في مفروض المقام لا يوجب زوال الرجحان عن المشي في نفسه حتى يقال بعدم انعقاد نذره في المقام بل يوجب أرجحية الركوب منه و

لا يعتبر في النذر أرجحية المنذور من غيره.

فظهر أن مجرد أفضلية الركوب من المشي فيما إذا صار المشي موجبا، لضعفه عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 414

العبادة لا يمنع من انعقاد نذر الحج ماشيا فما أفاده صاحب الجواهر بتمامه صحيح و لا غبار له فقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما ذهب إليه العلامة في كتاب الإيمان من القواعد من عدم انعقاد نذر الحج ماشيا في مورد يكون الركوب أفضل حيث قال على ما في الجواهر:

و قد نقلناه في صدر المبحث: (لو نذر الحج ماشيا و قلنا أن المشي أفضل انعقد الوصف و الا فلا).

و يظهر ضعفه مما عرفت، كظهور ضعف ما ذهب اليه ولده فخر المحققين أيضا في الإيضاح على ما نقل في الجواهر من انعقاد أصل النذر بالنسبة إلى الحج في مفروض المقام، و ابتناء انعقاده بالنسبة إلى المشي على أفضليته من الركوب، فلو كان الركوب أفضل لم ينعقد، و ذلك لما ذكره المصنف (قده) في آخر المسألة، و أشار إليه صاحب الجواهر (ره) أيضا من عدم اعتبار كون المتعلق راجحا بجميع حدوده و قيوده، ففي مفروض المقام ينعقد نذره، لكفاية رجحان أصل الحج في صحته، و لا يعتبر في انعقاده أرجحية متعلقة كالمشي حتى يحكم بعدم الانعقاد لو كان الركوب أفضل من المشي بل نقول بانعقاده في المقام و لو بدون رجحان المشي، لما عرفت من عدم اعتبار الرجحان في المتعلق بجميع حدوده و قيوده مضافا الى أن مفروض المقام يكون المشي راجحا في حد نفسه و ان كان الركوب أفضل منه لأمور خارجية هذا. و قد أشار الى ضعفه صاحب المسالك حيث قال: (ان الحج في نفسه عبادة و هي تأدى

بالمشي و الركوب و غيرهما من أنواع الأكوان الموجبة لانتقاله الى المشاعر المخصوصة فنذره على احدى الكيفيات نذر عبادة في الجملة و ان كان غيرها أرجح منها إذ لا يشترط في انعقاد نذر شي ء كونه أعلى مراتبه من جميع أفراده و تنظيره نظير نذر الصلاة في الزمان و المكان الخاليين عن المزية أو المشتملين على مزية الناقصة عن غيرها).

نعم لو فرض مرجوحية المشي في نفسه- أي بالنسبة الى تركه لا بالإضافة إلى الأمور المضادة له- فلا إشكال في عدم انعقاد نذره ماشيا، كما إذا فرضنا ان المشي المتعلق به النذر يؤذى و الدية أو يوجب الضرر على نفسه أو نحوهما و مثله الكلام في المشي إلى المشاهد المشرفة خصوصا مشهد مولانا أبي عبد اللّه- عليه السلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 415

[المسألة السابعة و العشرين]
[لو نذر الحج راكبا انعقد و وجب]

قوله قده: (لو نذر الحج راكبا انعقد و وجب.).

بلا خلاف أجده في ذلك و تدل عليه العمومات الدالة على انعقاد نذر العبادات هذا في صورة ما إذا لم يقترن الركوب ببعض الأمور، كمدخليته في القوة على العبادة أو نحوها. مضافا الى ما عرفت من عدم اعتبار رجحان المتعلق بجميع حدوده و قيوده، فيكفي في الانعقاد رجحان المقيد- و هو أصل الحج- و ان لم يكن القيد راجحا- و هو الركوب- لعدم اقترانه ببعض المزايا. و أما إذا كان الركوب مقترنا ببعض الأمور- مثل إيجابه القوة على العبادة- فلا إشكال في انعقاد النذر كذلك من دون احتياج الى التمسك بعمومات الصحة كما لا يخفى.

[نعم لو نذر الركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد]

قوله قده: (نعم لو نذر الركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد.).

تحقيق المسألة هو انه قد عرفت في المسألة السابقة ان الركوب ليس مثل المشي في حد نفسه راجحا و انما كان رجحانه لاقترانه ببعض الجهات كعدم إيجابه الضعف عن العبادة و الطاعة و غير ذلك من الأمور و عليه ففي مفروض المقام لما كان متعلق النذر هو الركوب الذي يكون المشي أفضل منه لا الحج راكبا فيمكن ان يقال بعدم انعقاد النذر، لكونه مباحا و لا ينعقد النذر في المباحات، لما عرفت في صدر المبحث من اعتبار الرجحان في متعلق النذر خلافا للشهيد الأول ره.

هذا كله إذا فرضنا انه وقع النذر على نفس القيد فحينئذ يتم ما أفاده المصنف (قده) و أما إذا فرضنا ان النذر انما وقع على المقيد به كما إذا نذر الحج راكبا فيحكم بانعقاده و مجرد كون المشي أفضل و أرجح من الركوب لا يقتضي بطلان نذره، لما عرفت من عدم دليل على اعتبار

كون المتعلق راجحا بجميع حدوده و أوصافه، و المفروض ثبوت الرجحان في المقيد به، و هو كاف في انعقاد النذر، فلا يفرق في الحكم بانعقاد النذر بينما إذا كان الركوب أفضل و أرجح بالنسبة الى حال الناذر و عدمه فقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما ذهب اليه المصنف (قده) من عدم انعقاد النذر راكبا فيما إذا كان المشي أفضل لبعض الجهات.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 416

[و كذا ينعقد لو نذر الحج حافيا]

قوله قده: (و كذا ينعقد لو نذر الحج حافيا، و ما في صحيحة الحذاء من أمر النبي- صلى اللّه عليه و آله- بركوب أخت عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت اللّه حافية قضية في واقعة يمكن ان يكون لمانع من صحة نذرها من إيجابه كشفها أو تضررها أو غير ذلك.).

لا بأس لنا بذكر الصحيحة و هو ما عن موسى بن القاسم عن الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل نذر أن يمشى إلى مكة حافيا؟ فقال: إن رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- خرج حاجا فنظر الى امرأة تمشي بين الإبل فقال: من هذه؟ فقالوا أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى مكة حافية، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله-: يا عقبة انطلق إلى أختك فلتركب، فان اللّه غنى عن مشيها و حفاها «1» و أنت ترى دلالتها ظاهرا على عدم انعقاد النذر حافيا و لكن يمكن الجواب عنها بوجهين:

(الأول)- ما أفاده صاحب المدارك (قده) من ان أقصى ما يدل عليه هذه الرواية عدم انعقاد نذر المشي مع الحفاء و كأنه لما فيه من المشقة الشديدة، فلا يلزم

من ذلك عدم انعقاد نذر المشي مطلقا و يمكن المناقشة فيه بوجوه.

(الأول)- انه لا يمكن القول باختصاص الحكم بالحفاء فقط، بل يعم المشي أيضا لما في ذيلها: (انّ اللّه تعالى غنى عن مشيها و حفاها).

(الثاني)- انه لم يثبت عدم الرجحان في نفس الحفاء بل ثبت خلافه و هو ثبوت الرجحان فيه؛ لما تقدم في ذيل خبر محمد بن على بن الحسين: من (ان الحاج إذا انقطع شسع نعله كتب اللّه له ثواب ما بين مشيه حافيا الى منتعل) و هذا يدل على ان الحفاء راجح في حد نفسه. ثم، على فرض تسليم عدم الرجحان فيه مع ذلك لا مانع من الحكم بانعقاد نذرها حافية، لأن رجحان أصل المشي الذي في ضمن الحفاء كاف في انعقاد نذره، لما

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 417

عرفت من انه لا يلزم في الانعقاد ان يكون المتعلق راجحا بجميع حدوده و أوصافه.

(الثالث)- انه نمنع ان يكون المشي حافيا موجبا للمشقة كلية بل يكون المشي كذلك بالنسبة الى بعض أسهل من المشي مع النعال فما افاده صاحب المدارك من الجواب مما لا يمكن المساعدة عليه.

(الثاني)- ما أجاب عنه المحقق- طاب ثراه- على ما حكاه صاحب المدارك (قده) بأنها حكاية حال، فلعل النبي- صلى اللّه عليه و آله- علم منها العجز. قال في الجواهر:

(و لعله يومئ اليه مشيها بين الإبل).

و يحتمل حملها على ما إذا كان مشيها حافية منافيا لستر ما يجب ستره من المرأة. و قد احتمله صاحب الوسائل (قده) و غيره.

و يمكن ايضا حملها على بعض وجوه أخر الغير المنافية للمدعى، كحملها على صورة تضررها. مضافا

الى انه كما ترى لا تنهض دليلا على المنع مطلقا لكونها قضية في واقعة كما افاده المصنف (قده) و على فرض تسليم ذلك يختص الحكم بالنساء دون الرجال، لأن التعدي من موردها الى غيره يحتاج الى تنقيح المناط القطعي، و هو غير حاصل، لأن غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا، و لكن الذي يسهل الأمر هو إعراض الأصحاب عن العمل بها، فلا مجال للاعتماد عليها، لسقوطها عن درجة الاعتبار بالإعراض.

[المسألة الثامنة و العشرين يشترط في انعقاد النذر ماشيا أو حافيا تمكن الناذر و عدم تضرره بهما]

قوله قده: (يشترط في انعقاد النذر ماشيا أو حافيا تمكن الناذر و عدم تضرره بهما فلو كان عاجزا أو كان مضرا ببدنه لم ينعقد.).

ما أفاده (قده) متين. أما وجه عدم انعقاد نذره فيما إذا كان عاجزا عن الوفاء بمتعلق النذر فهو واضح، لانتفاء شرطه- و هو التمكن من الوفاء به- و أما وجه عدم انعقاده فيما إذا كان ضرريا فللحرمة الموجبة للمرجوحية فمتعلقه حينئذ فاقد لشرط الصحة- و هو الرجحان- فيحكم بعدم انعقاده.

ان قلت: انه ينعقد نذره كذلك، لأن المشي في حد نفسه راجح غاية الأمر أنه تقع المزاحمة بين الخطاب بوجوب الوفاء و بين الخطاب بوجوب حفظ نفسه من الضرر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 418

قلت: ان المشي و لو كان في حد نفسه راجحا و ذا مصلحة كما مر مرارا و لكن بعد صيرورته مضرا يندك رجحانه في المفسدة المترتبة عليه فيصير مرجوحا، فلا ينعقد النذر.

قوله قده: (نعم لا مانع منه إذا كان حرجا لا يبلغ حد الضرر، لأن رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة. هذا إذا كان حرجيا حين النذر و كان عالما به، و أما إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه

مسقطا للوجوب.).

توضيح المقام هو انه (تارة) ينذر الحج ماشيا مع علمه بتمكنه منه لكنه قد اتفق له الحرج من الوفاء به، و (اخرى) ينذر الحج ماشيا مع علمه بحرجية المشي له من أول الأمر.

أما (في الصورة الأولى): فلا إشكال في انحلال نذره بمجرد صيرورة المشي حرجيا عليه بل من حين طرو الحرج يكشف عدم انعقاد نذره من الأول، لأجل انه لم يكن من قصده الإتيان بالمشي العسرى و الحرجي كي يتعين عليه وجوب الوفاء به بل انما المنصرف من نذره ماشيا هو المشي المقدور بحسب العادة و (بعبارة اخرى) انه نذر الحج ماشيا باعتقاد انتفاء الحرج على نحو التقييد لا على نحو الداعي فبعد انكشاف الحرج ينكشف عدم انعقاده، فعليه لا تصل النوبة في البحث عن شمول أدلة نفي العسر و الحرج لمفروض المقام و عدمه.

أما (في الصورة الثانية): فيمكن ان يقال بانحلال نذره أيضا، لإطلاق أدلة الحرج و لكن الظاهر اختصاص أدلة نفي الحرج برفع الأحكام الشرعية الموجبة للحرج أحيانا من غير ناحية المكلف، كما إذا كان هناك حكم شرعي، و كان امتثاله حرجيا عليه، فحينئذ لا إشكال في ارتفاعه بها. و أما في مفروض المقام فلا تشمله تلك الأدلة، و الوجه فيه هو أنه قد تكرر منا سابقا ان هذه الأدلة إنما وردت في مقام الامتنان و لذا تختص بالحرج الناشي من أحكام الشارع دون الحرج الآتي من قبل المكلف لإقدامه عليه فلا امتنان في رفع ما ألزمه المكلف على نفسه باختياره فما ثبت بعنوان الحرج مع العلم لا يمكن رفعه بها لأن مقتضى الشي ء لا يكون رافعا له، فعليه يحكم بانعقاد نذر ما هو حرجي. فظهر أنه لا تصل النوبة إلى

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 419

أدلة نفي الحرج في كلتا الصورتين أما الصورة الأولى فلعدم انعقاد النذر من أول الأمر كما عرفت و أما الصورة الثانية فلخروجها عن موضوعها، لما عرفت من انه لما ورد في مقام الامتنان يحكم باختصاصه بالحرج الناشئ من تشريع الشارع، فلا يعم الحرج الجائي من إلزام المكلف شيئا على نفسه. ثم أنه قد علل المصنف (قده) حكمه بانعقاد النذر في الصورة الثانية بأن رفع الحرج انما يكون من باب الرخصة لا العزيمة.

و الحق ان جميع المقامات يكون كذلك لورودها امتنانا و هو مناف لرفع الملاك فيرفع به الإلزام الذي يحصل به الامتنان، فيصحح العمل بقصد الملاك الواقعي، و لذلك التزمنا به في الوضوء فيما إذا كان حرجيا عليه.

ان قلت: ان عدم تقييد الواقع بها في صورة ما إذا كان الوضوء حرجيا يستلزم وقوع التخيير بين الوضوء و التيمم مع انه لم ينهض دليل على التخيير بين البدل و المبدل.

قلت: ان ذلك لا يوجب رفع اليد عن القاعدة المستفادة من الأخبار إلا ان يقوم دليل تعبدي على خلافها فتدبر.

[المسألة التاسعة و العشرين]
[مبدء وجوب المشي أو الحفاء بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين الى الميقات]

قوله قده: (في كون مبدء وجوب المشي أو الحفاء بلد النذر، أو الناذر، أو أقرب البلدين الى الميقات، أو مبدء الشروع في السفر، أو أفعال الحج؟ أقوال: و الأقوى أنه تابع للتعيين، أو الانصراف و مع عدمهما فأول أفعال الحج إذا قال: (للّه على ان أحج ماشيا) و من حين الشروع في السفر إذا قال: (للّه على ان امشى إلى بيت اللّه) أو نحو ذلك.).

اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في مبدء وجوب المشي إذا نذر الحج ماشيا على أقوال كثيرة:

(الأول): أنه بلد النذر و اختاره الشيخ (قده) في المبسوط و

العلامة (ره) في التحرير و المحقق- طاب ثراه- في الشرائع و صاحب الإرشاد على ما نقل في الجواهر.

(الثاني): انه بلد الناذر و اختاره الشهيد الأول (ره) في الدروس و مال اليه صاحب الحدائق- رضوان اللّه تعالى عليه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 420

(الثالث): أنه الأقرب من بلدي النذر و الناذر الى الميقات و قد نقله صاحب الجواهر (ره) عن بعض.

(الرابع): انه البلد الذي يقصد فيه الى الحج و اختاره الفاضل الهندي في كشف اللثام (الخامس): انه حين الشروع في أفعال الحج و اختاره السيد (ره) في المدارك و ربما بنى على ذلك الشهيد الثاني في المسالك و ذهب اليه صاحب الجواهر (ره).

و الأقوى في النظر هو ما أفاده المصنف (قده) تبعا لصاحب المدارك و غيره و هو ان مبدأه هو الموضع الذي قصد الناذر المشي منه، لأن الميزان في تعيين مبدء المشي هو قصد الناذر و بدون التعيين حين النذر فهو تابع للانصراف، و مع عدمهما فأول أفعال الحج، و قد علله صاحب الجواهر في مبحث النذر: (بأن المشي حال من الحج و الحج اسم لمجموع المناسك المخصوصة، لأن ذلك هو المفهوم شرعا فلا يجب الوصف و هو المشي إلا حالة الحج و الاشتغال بأفعاله، لأن ذلك هو مقتضى الوصف، كما إذا قلت ضربت زيدا راكبا أو ماشيا فإنه إنما يصدق حقيقة حال الفعل لا قبله و لا بعده) و من هنا يظهر ضعف باقي الأقوال الموجودة في المسألة و تمام الكلام فيه موكول الى محله.

[منتهاه مع عدم التعيين رمى الجمار لا طواف النساء]

قوله قده: (كما ان الأقوى ان منتهاه مع عدم التعيين رمى الجمار، لجملة من الأخبار لا طواف النساء كما عن المشهور.).

اختلفت كلمات الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- في منتهى

المشي الواجب على قولين:

(الأول)- طواف النساء و قيل: انه المشهور، و استظهره الشهيد الأول (ره) في الدروس.

(الثاني)- رمي الجمار، و هو خيرة صاحب الجواهر و صاحب المدارك و صاحب المسالك و غيرها من الفقهاء- قدس سرهم- و تبعهم المصنف (قده).

و الحق في المقام هو أن منتهاه رمى الجمار، و يدل على ذلك جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 421

1- عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عليهما السلام قال: قال أبو عبد اللّه: في الذي عليه المشي إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا «1».

2- صحيح جميل قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: إذا حججت ماشيا و رميت الجمرة فقد انقطع المشي «2».

3- صحيح إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا- عليه السلام- قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: في الذي عليه المشي في الحج إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا و ليس عليه شي ء «3».

4- صحيح الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الماشي متى ينقضي مشيه؟ قال- عليه السلام-: إذا رمى الجمرة و أراد الرجوع فليرجع راكبا، فقد انقضى مشيه و ان مشى فلا بأس «4» 5- عن المفيد في المقنعة قال: سأل- عليه السلام- عن الماشي متى يقطع مشيه؟ فقال:

إذا رمى جمرة العقبة فلا حرج عليه أن يزور البيت راكبا «5» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- و أما خبر يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- متى ينقطع مشى الماشي؟ قال: إذا أفاض من عرفات «6» فيمكن حمله على أمور غير منافية للمدعى كحمله على صورة ما إذا أفاض و رمى بقرينة الأخبار المتقدمة، و كحمله على

صورة ما إذا كان مشيه تطوعا و عدم وجوبه بنذر و شبهه. مضافا الى أنه لم يعرف القائل به من الفقهاء فلا مجال للاعتماد عليه.

ثم، لا يخفى أن كفاية المشي إلى الفراغ من الرمي إنما يكون فيما إذا لم يكن قصد الناذر المشي الى ما بعد ذلك، و إلا يجب عليه متابعة قصده، و لم يكن ايضا دليل تعبدي على خلاف الأخبار المتقدمة كما لا يخفى فقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما استظهره الشهيد الأول (ره) في

______________________________

(1) الوسائل ج- 2- الباب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل ج- 2- الباب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) الوسائل ج- 2- الباب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(4) الوسائل ج- 2- الباب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

(5) الوسائل ج- 2- الباب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 7

(6) الوسائل ج- 2- الباب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 422

الدروس من كون منتهاه هو طواف النساء، لأنه على إطلاقه لا يستقيم إلا إذا كان من قصد الناذر ذلك هذا كله مما لا ينبغي الإشكال فيه.

إلا انه يقع الكلام في ان هذه الأخبار هل يكون موافقة للقاعدة أم مخالفة لها و الظاهر كونها مخالفة لها، لأن القاعدة تقضى ان يكون الميزان في تعيين منتهى المشي منوطا بقصد الناذر و لكنها وردت خلافا لها، لتعيينها منتهى المشي رمى الجمرة.

و لكن يمكن ان يقال بكونها على وفق القاعدة فلا بد لنا حينئذ من الالتزام بأحد الأمور إما من حملها على صورة ما إذا كان قصد الناذر

ذلك و هو المشي إلى ما بعد رمى الجمار و إما من حملها على صورة ما إذا نذر مشى الحج مطلقا من دون تعيين منتهاه، كما إذا فرضنا ان الناذر لا يعلم بخصوصيات الحج التي منها آخر المناسك، فتلك الاخبار تبين منتهاه و انه رمى الجمار و إما من الالتزام بدلالتها على عدم ثبوت الرجحان في المشي بعد رمى الجمار، فتخصص بها الروايات المتقدمة الدالة على أرجحية المشي مطلقا. فبالتزام كل واحد من هذه الأمور يكون دلالتها على وفق القاعدة لا على خلافها كما لا يخفى.

[المسألة الثلاثين]
[لا يجوز لمن نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه ان يركب البحر]

قوله قده: (لا يجوز لمن نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه ان يركب البحر، لمنافاته لنذره.).

بلا خلاف أجده في ذلك و الظاهر انه المتسالم به بين الأصحاب.

[و إن اضطر اليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره]

قوله قده: (و إن اضطر اليه، لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره، كما انه لو كان منحصرا فيه من الأول لم ينعقد.).

بلا إشكال في ذلك، لعدم تمكنه من المشي مع ان التمكن من الوفاء معتبر في النذر، فمن حين عدم تمكنه من الوفاء بنذره يستكشف عدم انعقاده من أول الأمر. هذا مما لا كلام فيه إنما الكلام فيما إذا نذر ان يحج ماشيا و كان في بعض الطريق مانع عن المشي فهل يحكم بعدم انعقاد نذره أم لا؟ فنقول: (تارة) يكون حين النذر عالما بذلك و (اخرى): لا يكون عالما به فان كان عالما به و وقع نذره على هذا الفرض ابتداء بان يقول الناذر: (للّه على ان أحج ماشيا) مع علمه باحتياجه الى الركوب في بعض الطريق فحينئذ لا إشكال في انعقاد نذره، فينحصر المشي الواجب حينئذ في المقدار الممكن من المشي و لا مانع من الركوب الذي اتفق احتياجه إليه في الأثناء، و لكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 423

كان بمقدار لم يكن مضرا بصدق انه حج ماشيا و أما (الفرض الثاني): و هو ما إذا لم يكن عالما حين النذر باحتياجه الى الركوب في بعض الطريق، فيمكن ان يقال بانعقاد نذره، لانصراف نذره الى ما هو المتعارف و هو إمكان المشي في بعض الطريق لا تمامها، فيتعين عليه المشي فيما يمكنه المشي و يركب فيما لا يمكنه المشي لمانع من البحر أو غيره و لا يضر ذلك بنذره، كما انه لا يضر

فيما إذا اتفق له الركوب بمقدار لا يضر بصدق مشيه ذاهبا.

و يمكن ان يقال بعدم انعقاد نذره حينئذ، لعدم تمكنه من المشي في تمام المسافة مع ان التمكن من الوفاء به معتبر في انعقاد نذره كما هو واضح.

و لكن التحقيق هو انعقاد نذره، للانصراف إلى العادة فيمشي فيما يمكنه المشي و يركب فيما لا يمكنه المشي، لأجل البحر أو غيره، فلا مانع له من الركوب و لا يضر بصحة نذره كما لا يخفى.

[و لو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فالمشهور انه يقوم فيه]

قوله قده: (و لو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فالمشهور انه يقوم فيه، لخبر السكوني، و الأقوى عدم وجوبه. لضعف الخبر عن إثبات الوجوب و التمسك بقاعدة الميسور لا وجه له، و على فرضه فالميسور هو التحرك لا القيام.)

قال في الجواهر: (و كيف كان ففي المتن و القواعد و غيرهما انه يقوم في مواضع العبور المضطر إليه، كالسفينة و نحوها بل في الحدائق انه المشهور) و يمكن الاستدلال على ذلك بوجهين:

(الأول)- قاعدة الميسور بتقريب: ان المشي يتضمن القيام و الحركة، و لا يسقط الميسور منهما- و هو القيام- بالمعسور- و هو الحركة- و (فيه): أولا: ان القيام من دون ان يكون مستلزما لقطع المسافة لا يصدق عليه المشي عرفا فلا يكون الميسور من افراد المشي ثم على فرض جريانها فالميسور في مفروض المقام هو التحرك في السفينة لا القيام، كما افاده المصنف (قده) بل التحقيق أن التحرك في السفينة أيضا ليس ميسورا للمشي، كالقيام لأن الحركة و ان كانت مقومة للمشي لكن مع عدم استلزامها لقطع المسافة لا يصدق عليها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 424

انها ميسور للمشي عرفا.

هذا كله إذا قلنا بان المراد من

الميسور هو الميسور العرفي. و أما إذا قلنا بان المراد منه هو الميسور الشرعي فلا إشكال في عدم كون القيام في السفينة و لا التحرك فيها ميسورا للمشي، لعدم دليل عليه، و كيف كان القيام ليس ميسورا للمشي لا عرفا و شرعا.

مضافا: إلى انه قد ذكرنا مرارا ان القدر المتيقن من موارد جريانها هو الموارد التي عمل بها الأصحاب فيها دون الموارد التي لم يثبت عملهم بها فيها و في المقام لم يثبت عملهم بها بل الظاهر عدمه.

(الثاني)- ما رواه، الكليني (ره) عن على بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن جعفر- عليه السلام- عن أبيه عن آبائه- عليهم السلام- أن عليا- عليه السلام- سئل عن رجل نذر ان يمشى إلى البيت، فعبر في المعبر؟ قال- عليه السلام-: فليقم في المعبر قائما حتى يجوزه «1».

و يمكن المناقشة فيه بأنه ضعيف من حيث السند، كما أفاده المصنف و غيره من الفقهاء و جبر سنده بعمل الأصحاب غير معلوم فلا عبرة به.

و لكن التحقيق ان مجرد عدم عمل الأصحاب به لا يوهن الخبر و لا يسوغ رفع اليد عنه بعد كون السكوني الموجود في سلسلة سنده ممن اعتمد عليه الأصحاب هذا.

مضافا إلى انه عمل به جماعة من الفقهاء و أفتوا بمضمونه و وجوب؟؟؟؟

منهم صاحب المستند (قده) و غيره من الأصحاب و هذا كاف في جبر سنده إذا حصل لنا الوثوق و الاطمئنان بذلك كما يحصل لنا الوثوق في جبر سند الخبر الضعيف الذي عمل به تمام الأصحاب، و الظاهر حصوله في مفروض المقام مع وجود السكوني فيه، فحينئذ يدل الخبر على وجوب القيام تعبدا خلافا لمقتضى القاعدة، لأن مقتضى القاعدة هو وجوب المشي في غير

محل العبور و عدم وجوب المشي في المعبر، و على فرض تسليم عدم جبر ضعفه يتعين

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 37- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 425

طرحه، فلا يبقى مجال لما أفاده العلامة في التحرير و التذكرة و القواعد من الحكم باستحباب القيام، لأنه مما لا وجه له بعد طرح الخبر، لأنه بعد القول بان نذر المشي ينصرف إلى يصلح المشي فيه عملا بالمتعارف فلا يكون مواضع العبور داخلة في النذر، فوجوب القيام في مواضع العبور أو استحبابه يحتاج إلى عناية التعبد، و المفروض أنه غير حاصل، و كذا لا يبقى مجال لما أفاده المحقق- طاب ثراه- في المعتبر و لا بأس بذكر ما أفاده فيه على ما حكاه صاحب المدارك قال صاحب المدارك (قده) نقلا عن المعتبر بعد ذكر الخبر:

(و هل هو على وجه الوجوب؟ فيه وجهان أحدهما نعم، لأن المشي يجمع بين القيام و الحركة فإذا فات أحدهما تعين الآخر، و الأقرب أنه على الاستحباب، لأن نذر المشي ينصرف إلى ما يصح المشي فيه فيكون موضع العبور مستثنى بالعادة و ما قربه (ره) جيد) و قد جعله الشهيد الثاني في المسالك أصح حيث قال: (قد ذهب جماعة إلى أن ذلك على الوجوب كذلك و الا صح الاستحباب خروجا من خلافهم)، و قد ظهر ضعف ذلك بما عرفت من عدم الدليل عليه بعد طرح الرواية كما لا يخفى.

[المسألة الحادية و الثلاثين إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكبا]

قوله قده: (إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكبا فان كان المنذور الحج ماشيا من غير تقييد بسنة معينة وجب عليه الإعادة و لا كفارة إلا إذا تركها ايضا، و ان كان المنذور الحج ماشيا في سنة

معينة فخالف و أتى به راكبا وجب عليه القضاء و الكفارة.).

توضيح، المقام هو انه (تارة) يكون نذر الحج ماشيا مقيدا بسنة معينة و (اخرى) لا يكون كذلك.

فان كان (على النحو الأول) و خالف و أتى به راكبا فلا يحسب حجه حج النذر، لانتفاء قيد المنذور- و هو المشي-، و يتعين عليه الكفارة للمخالفة، كما أفاده المصنف و غيره من الفقهاء- قدس سرهم- و لا قضاء عليه خلافا لما أفاده المصنف و غيره، لفوات محل النذر، و انتفاء المقيد بانتفاء قيده وقتا كان أم غيره واضح، إلا أن يقوم دليل تعبدي على وجوبه فإنه يكشف عن تعدد المطلوب، كما هو شأن كل واجب موقت- كالصلاة و الصوم و غيرهما من الواجبات- فلا يبقى بمقتضى القاعدة غير العقاب، فيسقط الأصل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 426

و خصوصية الوقتية.

و ان كان (على النحو الثاني) و خالف و حج راكبا فلا إشكال في وجوب الإعادة عليه كما لا إشكال أيضا في عدم ثبوت الكفارة عليه، كما أفاده المصنف (قده). أما لزوم الإعادة عليه في العام القابل أو غيره فلعدم إتيانه بالمنذور- و هو الحج ماشيا. و أما عدم ثبوت الكفارة عليه بتأخيره فلانتفاء المخالفة بعد فرض كون النذر مطلقا، فيبقى المنذور في ذمته إلى أن يفي به ثم إنه لا بد في هذه المسألة من البحث في جهتين:

(الاولى) أنه هل يكون الحج الذي أتى به راكبا مع نذره الحج ماشيا صحيحا أم لا و قد مال صاحب المدارك (قده) إلى عدم صحته لا بعنوان النذر و لا بعنوان النافلة حيث قال بعد حكمه بوجوب اعادة الحج ثانيا: (و يستفاد من الحكم بوجوب اعادة الحج كون الحج المأتي به

فاسدا) و كأنه وجهه بأنه غير مطابق للمنذور فلا يقع عن النذر، لعدم المطابقة و لا عن غيره، لعدم النية كما هو المقدور و ما يمكن الاستدلال به على ذلك وجوه:

(الأول)- اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده، فالأمر بإتيان الحج ماشيا يقتضي النهي عن الإتيان به راكبا، فيصير الحج مع الركوب منهي عنه، و هو موجب للفساد. و (فيه): ما حقق في الأصول من منع الاقتضاء. مضافا إلى انه لو سلمناه لا يستلزم البطلان، لأن المنهي عنه على المفروض هو الركوب و ليس ذلك داخلا في حقيقة الحج حتى يوجب تعلق النهى به بطلانه من رأسه، بل هو أمر مباين لأفعال الحج. نعم، قد يقارنها.

(الثاني)- ما ورد من انه: (لا تطوع في وقت الفريضة) بتقريب: أن الواجب عليه هو الحج ماشيا فعلا. و أما راكبا فهو تطوع فلا يمكن، لأنه ممنوع شرعا.

و (فيه): أولا: اختصاصه بالصلاة، و التعدي منها الى غيرها قياس باطل عند أهل الحق، فالتعدي منوط بتنقيح المناط القطعي و لا سبيل إلى ذلك بعد احتمال دخل خصوصية المورد في الحكم. نعم، يحصل منه الظن بالحكم لكنه لا يغني من الحق شيئا.

(و ثانيا): انه بعد تسليم التعدي لا يكون الحكم ثابتا مطلقا بل يختص بما إذا أضرت

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 427

النافلة بالفريضة كما في الخبر و في المقام ليس كذلك، لعدم كون نفس أعمال الحج مضرة بها لعدم قدرته على الواجب و هو الحج ماشيا فعلا، لضيق الوقت، و لا يقدر على الرجوع إلى بلده فيأتي به ماشيا، ففات منه الفريضة و ليس قابلا للتدارك، فعليه لا تكون النافلة مضرة بالفريضة حتى يحكم ببطلانه.

(الثالث) ما أفاده صاحب المدارك سابقا. و

(فيه): ان الحكم بلزوم اعادة الحج أعم من الفساد و لا إشكال في ان حكمهم بذلك انما نشأ من عدم حصول القيد- و هو الحج ماشيا-، و هذا لا يكون مستلزما لفساد أصل حجه مع استجماعه للشرائط. و أما ما ذكر من ان الحج النذري لم يقع و غيره لم يقصد ففيه ما أفاده المصنف (قده) من انه لا إشكال في ان الحج في حد نفسه مطلوب و قد قصده في ضمن قصد النذر و هو كاف في صحته و عدم صحته من حيث النذر لا يوجب عدم صحتها من حيث الأصل تنظيرا بما إذا صام أياما بقصد الكفارة ثم ترك التتابع المعتبرة في صوم الكفارة فإن ذلك لا يوجب بطلان الصيام في الأيام السابقة و انما يوجب عدم احتسابها كفارة.

(الثانية) انه بعد إثبات صحة حجه راكبا يقع الكلام في انه هل يجزيه عن الحج المنذور ماشيا في سنة معينة أم لا بل يقع نافلة؟ احتمل المحقق- طاب ثراه- في المعتبر الصحة و إجزائه عن المنذور و ان وجبت الكفارة بالإخلال بالمشي قال: (لأن الإخلال بالمشي ليس مؤثرا في الحج و لا هو من صفاته بحيث يبطل بفواته بل غايته أنه أخل بالمشي المنذور، فان كان مع القدرة وجب عليه كفارة خلف النذر) على ما نقل في المدارك.

و احتمله العلامة (ره) أيضا في المنتهى و التحرير و المختلف. بل لعله الظاهر من ايمان القواعد و التحرير و الإرشاد على ما حكاه في كشف اللثام. و في كشف اللثام: (انه قوى إلا ان يجعل المشي شرطا في عقد النذر كما فصل في المختلف) بل قال ايضا: انه يجزى ما ذكر في المطلق لأنه لما نوى بحجه

المنذور وقع عنه و انما أخل بالمشي قبله و بين أفعاله فلم يبق محل للمشي المنذور ليقضى إلا ان يطوف و يسعى راكبا فيمكن بطلانهما فيبطل الحج حينئذ ان تناول النذر المشي فيهما. و قريب من ذلك ما في المدارك فإنه قده بعد ان حكى ما سمعته عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 428

المعتبر قال: (و هو انما يتوجه إذا كان المنذور الحج أو المشي فيه غير مقيد أحدهما بالآخر و المفهوم من نذر الحج ماشيا خلاف ذلك).

و لكن لا يخفى ما في احتمال المحقق و غيره من الفقهاء من المناقشة و الإشكال، لأن المشي و أن لم يكن من صفات الحج و لا من شروطه و لكنه دخيل في تحققه بعنوان المنذور، فإذا أخل به لا بتحقق الوفاء بنذره، لعدم تحقق متعلق نذره فلا يجزى المأتي به عن المنذور، فان كان نذره مقيدا بسنة معينة حينئذ فيجب عليه الكفارة، لمخالفة متعلق نذره. و أما وجوبه ثانيا عليه في العام القابل فقد ناقشنا فيه، و قد تقدم. و ان كان نذره مطلقا فيجب عليه الإعادة، لعدم إتيانه بالمنذور و لا تجب عليه الكفارة، لعدم موجبها- اعنى المخالفة- بعد كون النذر مطلقا كما لا يخفى، فحينئذ لا يبقى مجال لما احتملوه.

نعم ما أفاده صاحب كشف اللثام (قده): من اجزاء حجة راكبا عن منذورة- و هو الحج ماشيا- لا يخلو من قوة، لأنه لو لم يجعل الناذر المشي شرطا بان نذر مثلا الحج ثم نذر ان يمشى في الحج المنذور فلا مانع من البناء على كفاية حجه عن المنذور و هذا بخلاف ما إذا جعله الناذر شرطا و كيف كان فالحكم بالإجزاء على نحو الإطلاق في

مفروض المقام لا يخلو من المناقشة و الإشكال.

[المسألة الثانية و الثلاثين لو ركب بعضا و مشى بعضا فهو كما لو ركب الكل]

قوله قده: (لو ركب بعضا و مشى بعضا فهو كما لو ركب الكل، لعدم الإتيان بالمنذور، فيجب عليه القضاء و الإعادة ماشيا، و القول بالإعادة و المشي في موضع الركوب ضعيف لا وجه له).

ما أفاده المصنف (قده) متين لكن وجوب الإعادة يختص بما إذا كان نذره مطلقا و لم يكن مقيدا بسنة معينة، و أما إذا كان مقيدا بها فقد عرفت المناقشة فيه.

[المسألة الثالثة و الثلاثين لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره]

قوله قده: (لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره، لتمكنه منه، أو رجائه سقط و هل يبقى حينئذ وجوب الحج راكبا أولا بل يسقط أيضا؟ فيه أقوال).

اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في هذه المسألة على أقوال:

(الأول، وجوبه راكبا مع سياق بدنة، و قد حكى صاحب الجواهر (ره) نسبته

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 429

الى الشيخ (قده) و جماعة من الفقهاء- قدس سرهم- و استدلوا بصحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: رجل نذر أن يمشى إلى بيت اللّه و عجز أن يمشى؟ قال:

فليركب و ليسق بدنة، فان ذلك يجزى عنه إذا عرف اللّه منه الجهد «1» و بصحيحة ذريح المحاربي قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل حلف ليحج ماشيا فعجز عن ذلك فلم يطقه؟ قال- عليه السلام-: فليركب و ليسق الهدى «2» و يشهد له أيضا عن حميد عن ثابت عن أنس ان النبي- صلى اللّه عليه و آله- رأى رجلا يتهادى بين ابنيه و بين رجلين قال: ما هذا؟ قالوا نذر أن يحج ماشيا قال: ان اللّه عز و جل غنى عن تعذيب نفسه مروه فليركب و ليهد «3» و ما في محكي مختلف من الاستدلال عليه بالاحتياط و إجماع الطائفة.

(الثاني): وجوبه بلا

لزوم سوق بدنة. و في كشف اللثام أنه يحتمله كلام الشيخين و القاضي في نذر النهاية و المقنعة و المهذب، للأصل و انتفاء القدرة على المنذور رأسا، لأنه كان مشروطا بالمشي فيتعذر بتعذر الشرط، و يحتمله عبارة الكتاب كما فهمه الموضح لكن يخالف اختياره في الايمان)، و هو خيرة المفيد، و ابن الجنيد، و يحيى بن سعيد، و الشيخ في نذر الخلاف على ما حكاه صاحب الجواهر (ره) قال في الجواهر بعد ذكر القائلين به:

(لانتفاء القدرة على المنذور فلا يستوجب جبرا و لذا تركه في صحيح رفاعة بن موسى قال:

قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام-: رجل نذر أن يمشى إلى بيت اللّه؟ قال: فليمش قلت:

فإنه تعب؟ فقال: إذا تعب ركب «4» و يدل عليه أيضا صحيح ابن مسلم سأل أحدهما- عليهما السلام- عن رجل جعل عليه مشيا إلى بيت اللّه تعالى فلم يستطع؟ قال- عليه السلام-: يحج راكبا «5» و ما عن محمد بن على بن الحسين قال: روى أن من نذر أن يمشى إلى بيت اللّه حافيا مشى فإذا تعب ركب «6» و لكنه مختص بصورة الحفاء و في خبر عنبسة التصريح

______________________________

(1) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3

(2) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 8

(4) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(5) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 11

(6) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1،

ص: 430

بعدم وجوبه، و هو ما عن محمد ابن أبي نصر البزنطي عن عنبسة بن مصعب قال: قلت: له يعني لأبي عبد اللّه عليه السلام اشتكى ابن لي فجعلت للّه على ان هو برء ان أخرج الى مكة ماشيا و خرجت أمشي حتى انتهيت إلى العقبة فلم أستطع أن أخطو فيه فركبت تلك الليلة حتى إذا أصبحت مشيت حتى بلغت فهل على شي ء؟ قال: فقال لي: اذبح فهو أحب إلى قال: قلت له:

أي شي ء هو إلى لازم أم ليس لي بلازم؟ قال: من جعل للّه على نفسه شيئا فبلغ فيه مجهوده فلا شي ء عليه و كان اللّه أعذر لعبده «1» و روى مثله أيضا. و ما عن سماعة و حفص قال:

سألنا أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن رجل نذر أن يمشى إلى بيت اللّه حافيا؟ قال: فليمش فإذا تعب ركب «2». هذا مختص بصورة الحفاء. و ما عن محمد ابن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل عليه المشي إلى بيت اللّه فلم يستطع؟ قال: فليحج راكبا «3» و عن حريز عمن أخبره عن أبي جعفر- عليه السلام- و أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال:

إذا حلف الرجل ان لا يركب، أو نذر ان لا يركب، فإذا بلغ مجهوده ركب قال: و كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله- يحمل المشاة «4» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- هذا كله مضافا الى استدلالهم بأصالة البراءة (الثالث): سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة و توقع المكنة فيما إذا كان مطلقا و قد نسب ذلك إلى العلامة في الإرشاد و جماعة من الفقهاء، و قد نسبه صاحب المدارك إلى ابن

إدريس أيضا حيث قال على ما نقل في المدارك: (إن كان النذر مطلقا وجب على الناذر توقع المكنة من الصفة، و إن كان مقيدا بسنة معينة سقط الفرض، لعجزه عنه) و لكن قال صاحب الجواهر: (ان العبارة المحكية عن ابن إدريس خلاف ذلك قال: و من نذر ان يحج ماشيا ثم عجز عنه فليركب و لا كفارة عليه و لا يلزمه شي ء على الصحيح من المذهب و هو مذهب شيخنا المفيد في المقنعة). و قيل كما عن الفاضل في المختلف: (إن كان النذر

______________________________

(1) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

الحديث 6

(2) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

الحديث 10

(3) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

الحديث 11

(4) الوسائل ج- 2- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

الحديث 12

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 431

موقتا ركب و لا شي ء عليه و ان كان مطلقا توقع المكنة).

و هذا القول موافق لما تقضيه القاعدة، لانتفاء المقيد بانتفاء قيده فيحكم بسقوط وجوب الحج بمجرد طرو عجزه عن المشي هذا إذا كان مقيدا بعام معين و أما إذا كان مطلقا فعليه توقع المكنة من المشي فان لم يحصل له فيحكم ايضا بسقوطه، لعجزه.

(الرابع): وجوب الركوب مع تعيين السنة و توقع المكنة مع عدم اليأس في صورة الإطلاق هذا ما ذهب اليه ابن إدريس على ما في الجواهر و الشهيد الثاني في المسالك.

(الخامس): وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام و إذا كان قبله فالسقوط مع التعيين و توقع المكنة مع الإطلاق قال صاحب المدارك في ذيل المبحث: (و المعتمد ما ذهب اليه ابن إدريس ان

كان العجز قبل التلبس بالإحرام، و إن كان بعده اتجه القول بوجوب إكماله و سياق البدنة و سقوط الفرض بذلك عملا بظاهر النصوص المتقدمة، و التفاتا إلى إطلاق الأمر بوجوب إكمال الحج و العمرة مع التلبس بهما، و استلزام إعادتهما المشقة) هذه خلاصة الأقوال في المسألة.

قوله قده (و مقتضى القاعدة و ان كان هو القول الثالث إلا ان الأقوى بملاحظة جملة من الأخبار هو القول الثاني بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدى على الاستحباب بقرينة السكوت عنه في بعضها الآخر مع كونه في مقام البيان مضافا الى خبر عنبسة لدال على عدم وجوبه صريحا فيه.).

ذهب صاحب المدارك (قده) الى القول الأول حسب ما يستفاد من ظاهر كلماته، و قد أشكل على صحيحة رفاعة الدالة على عدم وجوب السياق و كذا أشكل على خبر عنبسة الدال صريحا على عدم وجوبه بأن الرواية الأولى و هي صحيحة رفاعة لا تنافي وجوب السياق لأن عدم ذكره لا يعارض ما دل على الوجوب، و بان الرواية الثانية ضعيفة السند، لأن راويها واقفي ناووسي و لكن في ذيل المبحث فصل بين ما إذا طرء العجز قبل التلبس بالإحرام و بين ما إذا طرء بعده في الحكم بسقوط الحج من رأس على الأول و بوجوب إكماله راكبا و سياق بدنة على الثاني.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 432

و ذهب صاحب الجواهر (ره) الى الثاني خلافا لما أفاده صاحب المدارك حيث قال بعد ذكر نقل الأقوال: (و كيف كان فقد عرفت ان المروي في الصحيحين هو الأول و هو [وجوب الركوب مع سياق بدنة] و لكن الذي يقوى ان السياق فيهما ندب، لما عرفته من خبر عنبسة و غيره.

و ما في ك من عدم التنافي بين ما دل على الوجوب و بين صحيحة رفاعة و ابن مسلم- لان عدم الذكر أعم من ذلك.

و أما خبر عنبسة فهو ضعيف السند، لأن راويه واقفي- في غير محله، إذ عدم الذكر في مقام البيان لا ينكر ظهوره في عدم الوجوب و خبر عنبسة من قسم الموثق الذي هو حجة عندنا، و كذا ما فيها ايضا من ان المعتمد ما ذهب اليه ابن إدريس ان كان العجز قبل التلبس بالإحرام و ان كان بعده اتجه القول بوجوب إكماله و سياق البدنة و سقوط الفرض بذلك عملا بظاهر النصوص المتقدمة و التفاتا إلى إطلاق الأمر بوجوب إكمال الحج و العمرة مع التلبس بهما و استلزام إعادتهما هنا المشقة الشديدة ضرورة: عدم هذا التفصيل في النصوص بل يمكن القطع بعدمه فيها و الأمر بإتمام الحج و العمرة أعم من الاجتزاء به عن النذر و لذا لم يجزيا عن حج الإسلام لو فسدا و ان وجب إتمامهما أيضا كما هو واضح، فلا ريب في ان الأقوى هو الثاني عملا بالنصوص المستفيضة من غير فرق بين النذر المطلق و المعين، و بين من عرف من نفسه العجز عن المشي قبل الشروع و بين من عرض له ذلك في الأثناء، و بين العجز المأيوس من ارتفاعه و غيره حتى لو علم التمكن في عام آخر في وجه و خروج جملة من ذلك عن القواعد غير قادح بعد صلاحية المعتبرة لذلك سندا و دلالة و عملا).

و التحقيق انه لا إشكال في انحلال نذره على القاعدة بمجرد طرو العجز عن المشي بل من حين عدم تمكنه من الوفاء به يستكشف عدم انعقاد نذره من

أول الأمر مع فرض كونه موقتا بسنة معينة، فمقتضى القاعدة هو القول الثالث الذي اختاره ابن إدريس على ما حكاه صاحب المدارك (قده) إلا إذا كان أجيرا. على أصل الحج و نذر الأجير ان يحج بعنوان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 433

المنوب عنه ماشيا، فإذا طرء عليه العجز عن المشي فمقتضى القاعدة و ان كان سقوط نذره بالنسبة الى مشيه، لعدم قدرته عليه، و لكن يجب عليه الإتيان بالحج راكبا، لكونه أجيرا عليه، و كذا إذا كان عليه حجة الإسلام و فرض انه نذر ان يأتي بها ماشيا و طرأ عليه العجز عن المشي بحيث لم يكن قادرا عليه، فحينئذ يحكم بانحلال نذره بالإضافة إلى المشي، و أما أصل حجة الإسلام فيحكم بوجوب الإتيان بها راكبا و كذا الحال فيما إذا نذر الحج مطلقا ثم نذر ان يحج ماشيا و طرء عليه العجز عنه فينحل على القاعدة نذره الثاني بالإضافة إلى المشي لعدم قدرته و بمقتضى نذره الأول يحكم بوجوب الإتيان به راكبا، لإطلاقه القابل للانطباق على الحج المأتي به راكبا أو ماشيا.

هذا كله بحسب مقتضى القاعدة مما لا كلام فيه انما الكلام في أصل مفروض المقام و هو سقوط الحج بمجرد طرو العجز عن المشي على القاعدة في انه هل يكون في البين ما يوجب رفع اليد عن مقتضى القاعدة أولا؟ قد تقدمت جملة من الاخبار الدالة بظاهرها على وجوبه راكبا بعد عجزه عن المشي خلافا لمقتضى القاعدة و اعتبر في بعضها أمر زائد و هو سياق بدنة.

و لكن هذه الاخبار كلها لا تنهض لإثبات هذا الحكم المخالف للقاعدة و هو وجوب الركوب و سياق بدنة، لإمكان ورودها في مقام توهم الحذر، لأنه

قد يتوهم ممنوعية الركوب شرعا بعد العجز عن المشي، فتدل على انه لا بأس عليه بإتيان الحج راكبا بعد سقوط نذره بالعجز عن المشي و لكن لا يخفى انه لا يحسب الحج الذي يأتي به راكبا حجا واجبا، لأنه انحل بالعجز عن المشي بل يحسب حجا ندبيا، فلا تكون الأخبار مخالفة للقاعدة، و أما الأمر في بعضها بسياق بدنة فمحمول على الندب لخلو جملة من الاخبار عنه و تصريح خبر عنبسة بعدم وجوبه فترفع اليد بهما عن ظاهر الاخبار الآمرة به.

و أما ما أفاده صاحب المدارك من قصور سند خبر عنبسة لكون راويه واقفيا ففيه:

ما أجاب به عنه في الجواهر من ان عنبسة موثق و الموثق حجة مضافا الى ان الراوي عن عنبسة انما هو البزنطي الذي أجمعت الصحابة على تصحيح ما يصح عنه فما أفاده صاحب الجواهر و المصنف- قدس سرهما- من حمل الأمر في بعضها بسياق بدنة على الندب متين، و قد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 434

ظهر مما ذكرنا ضعف ما أفاده صاحب الجواهر و المصنف- قدس سرهما- من وجوب الركوب فحينئذ يتعين القول الثالث- و هو سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة و توقع المكنة فيما إذا كان مطلقا و لكن يمكن الاستدلال على وجوب الركوب بوجوه:

(الأول) الإجماع، و قد ادعاه العلامة (ره) في المختلف على ما حكى عنه و (فيه): بعد منعه بوجود المتخالف كما عرفت نقول على فرض تسليمه أن الإجماع المعتبر هو التعبدي لا المدركى، و من المحتمل أن يكون مدركه الأخبار التي قد عرفت المناقشة فيها، أو بعض الوجوه الآتية.

(الثاني)- قاعدة الاحتياط، و هو أيضا قد نسب إلى العلامة (ره) في المختلف و (فيه): انه

لا وجه للاستدلال بها مع رجوع الشك في ذلك الى الشك في أصل التكليف و قد حقق في محله أن المرجع فيه هو البراءة (الثالث)- قاعدة الميسور. و (فيه): انه يمكن المناقشة فيها بوجهين:

أما (أولا) فلاحتمال كون العمل بها منوطا بوجود قيد كان معلوما عندهم، و لذا حكموا بجريانها في الموارد التي كان القيد موجودا فيها دون الموارد الفاقدة له، فلا بد في إجرائها في كل مورد من إحراز عمل الأصحاب به فيه، و الا فلا محيص عن التوقف و عدم إجرائها فيه.

و أما (ثانيا): فلأنه ان أريد من الميسور في القاعدة هو الميسور الشرعي فلا سبيل لنا إلى إحراز ذلك- و هو كون الركوب ميسورا للمشي- لا بدليل يدل على بقاء الحكم بعد معسورية المشي عليه و لا بغيره. و ان أريد منه الميسور العرفي فلان الركوب ليس ميسورا للمشي عرفا، إذ المعسور في المقام- و هو المشي- ليس من جنس الميسور- و هو الركوب- حتى يقال بإمكان الأخذ بها في المقام، لأن الميسور هو الركوب و المعسور هو المشي و هما متضادان فالمعاندة بينهما واضحة، فلا مجال لجريانها في المقام فقاعدة الميسور بما هي لا تنهض دليلا لإثبات وجوب الركوب.

نعم، إذا تعلق نذره بالسير الى الحج فإذا سقط المشي بالعجز عنه يحكم بوجوب أصل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 435

السير عليه و يحكم أيضا بوجوب الركوب عليه مقدمة له. و لكنه لا يخفى أن الحكم بوجوب الركوب عليه ليس من جهة جريان قاعدة الميسور بل من جهة كونه مقدمة لواجب مطلق كما لا يخفى و لكن هذا الفرض خارج عما نحن فيه كما هو واضح.

و لكن يمكن المناقشة فيهما: اما (في الوجه

الأول) فلانه من البعيد جدا وجود قيد في مصب القاعدة غير واصل إلينا مع وجوده عندهم، و شدة اهتمامهم بضبط الروايات بما لها من القيود خصوصا في مثل هذا الأمر المهم الجاري في كثير من المقامات، فعدم وصول قيد معتبر في جريان القاعدة يكشف عن عدمه كما لا يخفى فما أفاده المحقق النائيني- رضوان اللّه تعالى عليه- احتمال احتفاف مصب القاعدة بقيد لم يصل إلينا و لكن كان معلوما عندهم مما لا يمكن المساعدة عليه.

و اما (في الوجه الثاني) فلانه من المعلوم عدم ارادة الميسور الشرعي حتى يقال بعدم السبيل إلى إحرازه بل المراد منه هو الميسور العرفي فلا بد من المراجعة إلى العرف كما يراجع إليه في الأجناس و الفصول و غيرهما فالمتبع في المقام هو نظر العرف و الظاهر ان الحج مع الركوب ميسور عرفي للحج عن مشى و لكن هذا لا يخلو من التأمل.

(الرابع)- مما يمكن الاستدلال به على وجوب الركوب بعد عجزه عن المشي هو ما ورد في ذيل صحيح الحلبي المتقدم و هو قوله عليه السلام: (فان ذلك يجزى عنه) و لا يمكن حمله على ما عرفت من حمل باقي الأخبار عليه من وقوع أمره في مقام توهم الخدر لأن التعبير بقول: (فإنه يجزيه عنه مع الركوب) صريح في اشتغال ذمته بالحج النذري حتى بعد عجزه عن المشي لكن حجه راكبا موجب لفراغ ذمته عنه، فيدل على خلاف القاعدة و به نرفع اليد عما هو مقتضى القاعدة من سقوط الحج بمجرد طرو العجز عن المشي فيتعين حينئذ القول الثاني- و هو وجوب الركوب بلا سياق بدنه- بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدى على الاستحباب.

[المسألة الرابعة و الثلاثين إذا نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي]

قوله قده: (إذا

نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي من مرض

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 1، ص: 436

أو خوف أو عدو أو نحو ذلك فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر أولا لكون الحكم على خلاف القاعدة؟ وجهان و لا يبعد التفصيل بين المرض و مثل العدو باختيار الأول في الأول و الثاني في الثاني و ان كان الأحوط الإلحاق مطلقا).

تارة يتكلم في هذه المسألة بما تقتضيه القاعدة و (اخرى) بما تقتضيه الأخبار أما مقتضى القاعدة فلا إشكال في انحلال نذره فكما ينحل نذره بمجرد طرو العجز عن المشي فكذلك ينحل بمجرد طرو سائر العوارض من المرض و الخوف و العدو و غيرها فعلى القاعدة لا فرق بينهما و اما الركوب فقد عرفت عدم وجوبه، لما بينا من ان الأمر بالركوب في الروايات المتقدمة إلا صحيحة الحلبي واردة في مقام توهم الحذر. نعم، على تقدير؟؟؟؟ وجوب الركوب تعبدا فالأقوى هو لزوم الاكتفاء بموردها- و هو صورة العجز- لأنه حكم التعبدي قام على خلاف القاعدة، فلا بد من الاقتصار على مورده، فإذا طرء عليه العجز يحكم بوجوب الركوب عليه دون ما إذا طرأ عليه الخوف أو العدو و لكن التفصيل بين المرض و غيره في الحكم باللحوق في الأول دون الثاني ليس ببعيد كما اعترف به المصنف (قده)، و لكن يمكن أن يقال بشمول الأخبار الدالة على وجوب الركوب جميعها لأن جميعها وجب عجزه عن المشي كما لا يخفى، لصدق عنوان العجز من المشي على المريض و غيره و هو كاف في ترتب الحكم عليه و هو لزوم الركوب هذا آخر ما أردنا إيراده في الجزء الأول من الكتاب و نسأله تعالى التوفيق لإتمام باقي الأجزاء و

قد وقع الفراغ منه في جوار مرقد سيد الأوصياء أمير المؤمنين على عليه السلام بقلم مؤلفه العبد الفاني محمد إبراهيم الجناتى التاشى و الحمد للّه أولا و آخرا و صلى اللّه على محمد و آله الطيبين الطاهرين المعصومين و يتلوه إنشاء اللّه تعالى الجزء الثاني

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

الجزء الثاني

تتمة [شرح] كتاب الحج [من العروة الوثقى]

[الفصل الرابع في النّيابة للحج]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على خير خلقه محمّد و آله الطيّبين الطّاهرين المعصومين و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين فصل في النّيابة

قوله قده: (لا إشكال في صحة النّيابة عن الميت في الحج الواجب و المندوب و عن الحي في المندوب مطلقا و في الواجب في بعض الصور.)

قد تقدم في الجزء الأول من الكتاب في مبحث الاستنابة كون النيابة على خلاف الأصل، لأن إطلاق الصيغة في جميع الواجبات الشرعية يقتضي المباشرية، كما يقتضي العينية، و التعيينية و النفسية و التوصلية، لما قد حقق في الأصول مفصلا، و ذلك لعدم كون فعل النائب مصداقا لفعل المنوب عنه، كما هو واضح، و لو بنحو المسبب التوليدي، لعدم انطباق ضابطه عليه، فجعل النّيابة عدلا لفعل المكلف يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا و إثباتا. و (من هنا): ظهر أن النّيابة على خلاف الأصل، فتشريعها في مورد منوط بقيام دليل خاصّ عليه- كما قام ذلك في النّيابة عن الميت ندبا و واجبا، و عن الحيّ في الحجّ المندوب- و بدون الدليل على تشريعها يكون مقتضى الأصل عدم صحتها و عدم فراغ ذمة المنوب عنه بفعل النائب كما لا يخفى.

ثم ان ما أفاده المصنّف (قده) في ذيل المسألة

بقوله: (و في الواجب في بعض الصور) انما يكون فيما إذا كان الحيّ ممنوعا عن المباشرة لعذر يعذره اللّه تعالى فيه، و قد تقدّم الكلام في هذه المسألة مفصلا في مبحث الاستنابة و من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 9

[المسألة الأولى يشترط في النائب أمور]
[أحدها البلوغ على المشهور]

قوله قده: (يشترط في النائب أمور: أحدها البلوغ على المشهور، فلا يصح نيابة الصبي عندهم و ان كان مميّزا، و هو الأحوط، لا لما قيل من عدم صحة عباداته، لكونها تمرينية، لان لأقوى كونها شرعية، و لا لعدم الوثوق به، لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه، لأنه أخص من المدعى، بل لأصالة عدم فراغ ذمة المنوب عنه بعد دعوى انصراف الأدلة، خصوصا مع اشتمال جملة من الاخبار على لفظ الرجل. إلخ)

اعلم ان الدليل على اشتراط لبلوغ في صحة النّيابة منحصر في أمور ثلاثة:

(الأول)- ما نقله المصنف (قده) من عدم صحة عباداته. و جوابه ما أفاده:

من أن الأقوى شرعية عباداته لا تمرينيتها.

(الثاني)- دعوى عدم الوثوق به اما لما ذكره المصنف (قده) من عدم الرادع له من جهة عدم تكليفه، و اما لجهله بعد بالمسائل و الأحكام، فلا يوثق بإيمانه بالحج على الوجه لصحيح. و جوابه ما أفاده أيضا: من أنه أخص من المدعي الذي هو عدم قابلية الصّبي في نفسه للنيابة و لا ربط له بالوثوق و عدمه، ضرورة: أن الوثوق طريق لإحراز صحة لعمل بعد فرض تشريع النيابة فيه سواء كان النائب بالغا أم صبيا.

(الثالث)- ان الأصل عدم فراغ ذمة المنوب عنه بفعل النائب، لأن إطلاق الصيغة في كل واجب كما ذكرنا يقتضي صدور الفعل من المأمور مباشرة، فاجزاء فعل الغير عنه سواء أتى به بعنوانه نيابة أو بعنوان آخر

يكون على خلاف الأصل، و خرجنا عن مقتضى هذا لأصل في نيابة البالغ العارف بالأحكام بالدليل و بقي غير البالغ تحت الأصل، لعدم شمول أدلة النيابة له، لأحد وجهين: (الأول): ما ذكره المصنّف (قده) في المتن: من انصراف الأدلة عن الصبي. و (فيه): ان دعوى انصراف الأدلة مما لا وجه له، لكونه ناشئا من نس الذهن بالفتاوى أوّلا، و على فرض ثبوته مع قطع النظر عن الفتاوى فبدوى ثانيا، لا عبرة به في تقييد الإطلاقات، لعدم كونه كالقرينة الحافّة بالكلام الّذي هو الضّابط

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 10

في الانصراف الصّالح للتقييد. و تأييده (قده): باشتمال جملة من الاخبار على لفظ (الرجل) ايضا قابل للمناقشة، لإمكان صدق هذا العنوان على الصّبي المميّز القريب بالبلوغ، أ فهل يفرّق العرف بين من بلغ و بين من بقي إلى بلوغه خمس دقائق مثلا في صدق عنوان (الرجل) عليه فيمكن التمسّك في إثبات عدم اعتبار البلوغ في صحة النيابة بإطلاق نفس الاخبار المشتملة على لفظ (الرجل). و لكنه لا يخلو من تأمل (الثاني): دعوى عدم كون الاخبار في مقام بيان الشرائط حتى يستفاد من إطلاقها و عدم ذكرها لاعتبار البلوغ عدم اشتراطه في صحة النّيابة. فيبقى الشك حينئذ بحاله، فيتعين الرجوع الى مقتضى الأصل- و هو بطلان الاستنابة- فإن الأخبار الواردة في الاستنابة في الحج عن الميت أو عن الحي في بعض الموارد الخاصة انما هي في مقام تشريع أصل الاستنابة التي هي على خلاف الأصل الاولى، لا في مقام بيان شرائطها كي يدفع الشك بها. و لكن يمكن المناقشة في ذلك بأنه و ان كانت طائفة من الأخبار في مقام بيان أصل تشريع النيابة، لكن هنا طوائف

أخر واردة في مقام بيان الخصوصيات دون أصل التشريع و هي خالية عن ذكر البلوغ فنتمسك بإطلاقها لدفع الشك.

(الاولى) منها: ما ورد في صحة حج الرجل عن المرأة و بالعكس، كصحيح معاوية بن عمار قال: قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرّجل يحجّ عن المرأة و المرأة تحجّ عن الرجل؟ قال: لا بأس «1» و حديث حكم بن الحكيم عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال:

يحج الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل و المرأة عن المرأة «2» و حديث بشير النبّال قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ان والدتي توفيت و لم تحج؟ قال: يحج عنها رجل أو امرأة، قال: قلت: أيهما أحب إليك؟ قال: رجل أحبّ الىّ «3».

(الثانية): بعض الأخبار الواردة في تشريع الاستنابة في الحج المشتملة على لفظ

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 8

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 6

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 11

(الرجل) أو (الصرورة)، كمرسلة أبي بصير عمن سأله قال: قلت: له رجل أوصى بعشرين دينارا في حجة؟ فقال: يحج له رجل من حيث يبلغه «1» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)، و كالنصوص المتقدّمة في مبحث الاستنابة، و فيها قوله:

عليه السلام: (يجهّز رجلا) و قوله عليه السلام: (عليه أن يحج عنه من ماله صرورة) و في بعضها: (صرورة لا مال له) و دعوى انصراف الرجل عن غير المكلف مع كونه مثلا بالغ أربعة عشر سنة مع صدقه على المكلف و ان كان عمره أقل من ذلك- كما إذا كان بلوغه الى حد التكليف بغير

السن- غير مسموعة، لعدم الانصراف أولا، و بدويته على فرض ثبوته ثانيا، فلا عبرة به.

(الثالثة): موثق عمار بن موسى الساباطي و هو ما عن الصادق (عليه السلام) في الرجل عليه صلاة أو صوم هل يجوز ان يقضيه غير عارف؟ قال: لا يقضيه الا مسلم عارف «2» بناء على عدم الخصوصية لمورد السؤال- و هو الصلاة و الصوم- بل هما من باب المثال هذا مضافا الى إمكان دعوى إطلاق أصل أخبار الواردة في تشريع أصل الاستنابة (بدعوى):

كونها في مقام بيان دائرة التّشريع سعة و ضيقا.

و لا يخفى ان من الإشكالات التي يرد على المنكرين، لإطلاق أخبار الباب بجميع طوائفها لزوم التزامهم بعدم صحة استنابة الأعمى مثلا، حيث ان الاستنابة على خلاف الأصل فيحتاج صحة استنابته الى دليل تعبدي و الدليل منحصر في تلك الاخبار، و المفروض عدم ثبوت الإطلاق لها حتى نتمسك بإطلاقها في صحة استنابة الأعمى، فلا بد من الرجوع الى مقتضى الأصل- و هو البطلان- مع انّهم (قدّس اللّه تعالى أسرارهم) لا يلتزمون به اللهم الا ان يقال في رفع هذا النقض بان الرجوع الى الأصل العملي بعد إنكار

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب النيابة حديث: 8

(2) الوسائل: ج 1- الباب- 12- من أبواب قضاء صلاة حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 12

الإطلاق منوط بتحقق موضوعه- و هو الشك- و في المثال لا شك لنا في صحّته، لعدم الفرق بين البصير و الأعمى العارف بالمسائل المتمكن من الإتيان بالأعمال جامعا للشرائط فلا شك في البين حتى تحتاج في رفعه أو حكمه الى التمسك بالإطلاق أو الأصل، لكن صحة هذه الدعوى توجب صحة مثلها في ما نحن فيه أيضا بأن نقول

لا شك في عدم الفرق بين المكلف و الصغير العارف المتمكن من الأعمال بشرائطها.

اللهم الا ان يفرّق بينهما بأنه ليس في الأعمى منشأ للشك في صحة استنابته بخلاف الصّبي فإن للشك في صحة استنابته منشأين (أحدهما): نفس ذهاب كثير من الفقهاء) رضوان اللّه تعالى عليهم) الى بطلانها. (و الثاني): استدلالاتهم المختلفة من دعوى انصراف (الرجل) عن الصبي، و دعوى تمرينية اعماله، و دعوى عدم الوثوق به، لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه و غير ذلك، فبذلك كله يحصل الشك في صحة نيابته. و (فيه): انه بعد أثبتنا بطلان تلك الاستدلالات، و عدم انصراف الرجل عنه، و عدم تمرينية إعماله، لا وجه لصيرورتها منشأ للشك في صحة استنابته و استدلالهم على اشتراط البلوغ بانا نقتصر في خلاف الأصل على القدر المتيقن لا يصير منشأ للشك، فان الاقتصار على ذلك فرع الشك، كما ان ذهابهم الى بطلان نيابته بعد معلومية مدركه و بطلان المدرك أيضا لا يصير منشأ للشك، فان الاقتصار على ذلك فرع الشك كما ان ذهابهم الى بطلان نيابته بعد معلومية مدركه و بطلان المدرك ايضا لا يصير منشأ للشك، و لكنه مع ذلك كله لا يترك الاحتياط بعد ثبوت اتفاق الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا على اعتباره.

قوله قده: (و لا فرق بين ان يكون حجة بالإجارة أو التبرّع بإذن الولي و عدمه)

ما افاده (قده) هو الصواب بناء على القول بانصراف الأدلة الواردة في تشريع النيابة عنه).

قوله قده: (و ان كان لا يبعد دعوى صحة نيابته في الحجّ المندوب بإذن الولي)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 13

ذهب صاحب المدارك (ره) إلى صحة نيابة الصبي في الحج المندوب، حيث قال في ذيل

المسألة:

(و كيف كان فينبغي القطع بجواز استنابته في الحجّ المندوب كما في الفاسق) و كان الوجه في الفرق بين الحج الواجب و المندوب في عدم صحة استنابته في الأول و بصحة استنابته في الثاني هو عدم صحة الحج الواجب عن نفسه، و هذا بخلاف الحج المندوب، لصحته عن نفسه بناء على شرعيّة عباداته كما هو الحق على ثبت في محله.

و لكن التحقيق: هو عدم صحة نيابته مطلقا سواء كان المنوب فيه حجا ندبيا أو واجبيا بناء على تماميّة الأدلة المتقدمة التي أقاموها على اعتبار البلوغ في صحة النيابة.

[الثاني العقل]

قوله قده: (الثاني العقل، فلا تصح نيابة المجنون الذي لا يتحقق منه القصد مطبقا كان جنونه أو أدواريا في دور جنونه، و لا بأس بنيابة السفيه. إلخ)

لا ينبغي الارتياب في ذلك، و عليه جميع الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و في المدارك في شرح قول المحقق طاب ثراه: «و لا نيابة المجنون، قال: (هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء) و المراد بالمجنون المطبق دون ذي الأدوار، لصحة عباداته و معاملته وقت الإفاقة. إلخ).

ما افاده صاحب المدارك (ره) متين لان الظاهر اختصاص الحكم- و هو عدم صحة نيابة المجنون- بالأدواري الذي لا بقي وقت إفاقته بجميع الأعمال دون الأدواري الذي بقي حال إفاقته بجميع الأعمال، فإنه يحكم بصحة نيابته في ذلك الحال، لعدم الدليل على منعه عنها بعد كونه واجدا لجميع الشرائط.

[الثالث الايمان]

قوله قده: (الثالث الايمان، لعدم صحة عمل غير المؤمن و ان كان معتقدا بوجوبه و حصل منه نيّة القربة. (و دعوى): ان ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى. إلخ)

أما اعتبار الإسلام في صحة النيابة فمما لا ينبغي الارتياب فيه، و هو المعروف بين الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا، و ادعى الإجماع عليه بقسميه كما في الجواهر،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 14

و الوجه في ذلك هو أنه لا إشكال في أن الغرض من النيابة انما يكون تفريغ ذمة المنوب عنه بواسطة عمل النّائب، و من الواضح عدم حصول ذلك بعمل الكافر، لما قد حقق في محله من عدم صحة عباداته لفقد شرط صحتها- و هو الإسلام.

و أما ما ذكره صاحب المدارك (ره) و المحقق- طاب ثراه- في الشرائع في وجه عدم صحة نيابته- من أنه عاجز عن نية

القربة و اختصاص جزاءه في الآخرة بالخزي و العقاب دون الأجر و الثواب اللازمين لصحة العمل على ما في الجواهر- فهو مما لا يمكن المساعدة عليه، لأن الأوّل أخصّ من المدّعى، و الملازمة في الثّاني ممنوعة. و قد تقدم الكلام في مبحث الحج النّذري مفصلا في انه لا مانع من تمشّى قصد القربة منه خصوصا الكافر القائل بوجود الصانع- كاليهود و النصارى و غيرهما من أهل الكتاب ممن يعترف بالألوهية- و هذا بخلاف ما ذكرنا من الوجه. ثم أنه لا يختص الحكم بطائفة من الكفار بل يحكم بعدم صحة نيابة جميع فرقهم من الكتابي و غيره- كالخوارج و الغلاة و النصاب و المرتد و نحوهم- هذا كله مما لا كلام فيه، انما الكلام في أنه هل يجوز نيابة المخالفين- كاهل السنة أم لا- ذهب صاحب الجواهر (ره) الى عدم صحتها منهم حيث قال: (بل الظاهر مساواة المخالف بل غير الإمامي للكافر في ذلك، فلا تصح نيابته ايضا، لعدم صحة عمله و عدم وجوب إعادته عليه لو استبصر تفضل كالكافر لو أسلم، نحو التفضل علينا بإجراء جملة من أحكام المسلمين عليه في الدّنيا، لا لان عمله صحيح، و لو سلم فغاية ذلك الصحة بشرط موافاة الإيمان و البحث في عدم صحة نيابته من حيث كونه مخالفا، على أنه قد تمنع الصحة في نحو ذلك حتى لو استبصر، لظهور النصوص التي خرجنا بها عن القواعد في غيره انتهى كلامه رفع مقامه) قد يقال بذلك- اى عدم صحة نيابة المخالف- و يستدل عليه بوجوه:

(الأول)- ما أفاده صاحب الجواهر (ره) و هو عدم إمكان إتيانه بالعمل صحيحا لكونه فاقدا لشرط الصحّة- و هو الولاية- و اختاره صاحب الوسائل (قده)

ايضا لما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 15

يستظهر من الأخبار من بطلان العمل بدون الولاية، و قد تقدم ذكرها في مبحث حج المخالف و من أراد الوقوف عليها فليراجعها و لكنه مع ذلك ذهب جماعة من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) الى كونها شرطا لقبولها لا لصحتها، و هذا القول انما يصح منهم بناء على الالتزام بان القبول غير الصحة بأن يقال: أن الصحيح المفرغ الذمة هو تامّ الأجزاء و الشرائط، و أما القبول فهو عبارة عن وقوع العمل محبوبا بحيث يقرّب صاحبه من اللّه تعالى زلفى.

و لكن التحقيق: أن كون العمل صحيحا عند اللّه تعالى و مفرغا الذمة أيضا مرتبة من القبول و تخصيص مفهوم القبول بما إذا كان العمل بحيث يقرب صاحبه من اللّه تعالى زلفى، فهو مما اشتهر في لسان الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و أما كون المراد منه في لسان الأخبار ذلك ايضا فغير معلوم، و كيف كان لا يجوز نيابتهم إما للقطع بكون الولاية شرطا للصحة بناء على القول بأن الصحة مرتبة من القبول و المفروض أن المخالف فاقد لها، و إما للشك في ذلك، لاحتمال كونها شرطا للقبول دون الصحة، فلا يجوز نيابتهم حينئذ، لمقتضى الأصل المتقدم بيانه في صدر المبحث.

(الثاني)- أنه على فرض تسليم كون الولاية شرطا للقبول فقط و هو فوق مرتبة الصحة نقول أيضا ببطلان عمل المخالف، لأنه لو أتى به على طبق مذهبه فهو باطل، لكونه فاقدا لبعض ما يعتبر فيه شطرا أو شرطا بحسب مذهبنا، فلا تفرغ به ذمة المنوب عنه، و ان أتى به على طبق مذهبنا فهو باطل من جهة عدم تمشي قصد القربة منه، لقطعه بفساده و (فيه): إمكان

تمشي قصد القربة منه، اما في العمل الذي يوافق مذهبه فواضح، و أما في العمل الذي يخالف مذهب أهل الحق، فلأنه قد يتفق عدم كونه جازما ببطلانه فيمكنه أن يأتي به على وفق مذهب الحق رجاء أو غفلة عن كونه باطلا عنده و يتمشى منه قصد القربة حينئذ كما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 16

(الثالث)- ما دل على عدم جواز نيابة غير المسلم العارف و هو ما عن الصادق (عليه السلام) في الرجل عليه صلاة أو صوم هل يجوز أن يقضيه غير عارف؟ قال (عليه السلام): لا يقضيه الا مسلم عارف «1» و المراد من المسلم العارف على ما هو المصطلح في لسان الأخبار هو المؤمن، و ليس المراد منه هو المسلم فقط العارف بالمسائل الشرعية حتى يشمل المخالف. ثم لا يخفى انه انما يتم دلالته على المدعى بناء على التعدي من مورده- و هو الصوم و الصلاة- و أما إذا اقتصرنا عليه، لعدم حصول تنقيع المناط القطعي فلا يتم دلالته على المدعى كما هو واضح.

(الرابع)- انه يشترط في الحكم باجزاء العمل ان يكون عن اجتهاد صحيح أو تقليد أو احتياط كذلك و من الواضح عدم كون عمل المخالف كذلك. و (فيه): انه انما يتم ذلك في العمل الذي يأتي به على خلاف مذهب أهل الحق و أما إذا اتى به على وفق مذهب أهل الحق مع تمشي قصد القربة منه فالتقليد حاصل لما قد حققنا في محله من ان التقليد ليس إلا مطابقة العمل و المفروض تحققه هنا، و ليس بين العامّة و الخاصة مخالفة في أعمال الحج إلا في أمور: (أحدها): انهم لا يقولون بحج التمتع و لكنه يمكن جعل المخالف

نائبا عن الشيعي الذي وجب عليه حج الأفراد دون التمتع (الثاني): انهم كانوا يحرمون في الزمن السابق من بعض المواقيت التي لم يكن الإحرام منها مجزيا عندنا، لكن ذلك الطريق فعلا مسدود (الثالث): بطلان صلاة طوافهم عندنا للتكتف و الحدث، لبطلان طهارتهم عندنا. لكن يمكن استنابة الشافعي الذي يجوز الوضوء و الصلاة على وفق مذهب أهل الحق مع إتيانه بهما كذلك (الرابع): انهم لا يقولون بطواف النساء، و لكن تركه لا يضرّ بالحج، لعدم كونه من أعماله و انما يوجب تركه بقائهم على إحرامهم و هو غير مستلزم لعدم فراغ ذمة المنوب عنه.

______________________________

(1) الوسائل: ج 1- الباب- 12- من أبواب قضاء الصلوات. حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 17

هذا كله مع انه يمكن ان يشترط عليه الإتيان بالعمل على وفق مذهب أهل الحق لا مذهبه في صورة تخالف المذهبين مع فرض تمشي قصد القربة منه، فتحصل: ان العمدة في عدم صحة استنابة المخالف هو الوجه الأول- و هو اشتراط الولاية في صحة العمل- فظهر بما ذكرنا عدم صحة نيابة المخالف بجميع أصنافه، كما افاده صاحب الجواهر (ره).

ان قلت: ان أعمالهم تقع صحيحة للروايات الخاصة الدالة على ان المخالف لو استبصر لا يجب عليه إعادة اعماله فبها يستكشف صحة أعمالهم حين وقوعها. قلت: عدم لزوم الإعادة عليه لو استبصر لا يدل على صحة عمله فإنه أعم منها، لإمكان كون ذلك من باب التفضل- كما في الكافر فإنه إذا أسلم لا يطالبه اللّه تعالى بما فاته حين كفره من الأعمال تفضلا منه و رحمة- فتلك الروايات لا تدل على عدم اشتراط الإيمان في صحة الأعمال، بل و لا على عدم كونه شرطا فعليا بأن يكفي وجوده

في اللاحق في صحة العمل السابق على نحو الشرط المتأخر حتى يقال بكفاية لحوق الإيمان في صحة نياباته ايضا، كما ان ما في بعض الاخبار من ان المخالف إذ استبصر، أو جر على اعماله التي صدرت منه في حال مخالفته ايضا لا يدل على صحة اعماله، لإمكان كونه تفضلا منه سبحانه و تعالى عليه.

ثم انه لو نوقش في التمسك بمجموع الأخبار على عدم صحة نيابته بحيث لم ينهض دليل اجتهادي عليه فتصل النوبة الى الأصل العملي، و قد عرفت ان مقتضاه عدم مشروعية النيابة و بطلان العمل و القدر المتيقن من النيابة المشروعة هو نيابة المؤمن، و أما المخالف فمقتضى الأصل عدم جواز نيابته.

[الرابع العدالة]

قوله قده: (الرابع العدالة، أو الوثوق بصحة عمله، و هذا الشرط انما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحة عمله)

قال في المدارك: (اعتبرها [العدالة] المتأخرون في الحج الواجب، لا لأن عبادة الفاسق تقع فاسدة، بل لأن الإتيان بالحج الصحيح انما يعلم بخبره و الفاسق لا يقبل اخباره بذلك، و اكتفى بعض الأصحاب فيه بكونه ممن يظن صدقه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 18

و يحصل الوثوق باخباره، و هو حسن، و قال الشهيد في الدروس: و العدالة شرط في الاستنابة عن الميت و ليست شرطا في صحة النيابة، فلو حج الفاسق من غيره اجزء و في قبول اخباره بذلك تردد، أظهره القبول، لظاهر حال المسلم، و من عموم قوله تعالى (فَتَبَيَّنُوا) و يتوجه إليه (أولا): ان ما استدل به على القبول من ظاهر حال المسلم لا يعارض الآية الشريفة المتضمنة لوجوب التثبت عند خبر الفاسق و (ثانيا): انه لا وجه للمنع من استنابة الفاسق الا عدم قبول اخباره فمتى حكم بقبول

اخباره انتفى المانع من جواز الاستنابة).

و التحقيق: عدم كون العدالة شرطا في صحة النيابة، لعدم ورود دليل تعبدي على اعتبارها فيها، و لكن يعتبر حصول الاطمئنان بإتيان النائب بالحج الصحيح عن المنوب عنه سواء حصل ذلك من اخبار العادل أو الثقة أو غيرهما، لأنه لم يعتبر في منشأه اخبار العادل أو غيره و لا يكفي اخبار الأجير بأنه أتى بالحج الصحيح عنه ما لم يفد الاطمئنان و لو كان عادلا، لعدم كفاية العدل الواحد في الموضوعات تعبدا و لو على القول بحجيّته في الأحكام كذلك و ان أنكرنا ذلك في محله و قلنا بأنه حجة ببناء العقلاء الثابت في صورة إفادة الخبر للوثوق و الاطمئنان فقط من دون تفاوت في ذلك بين الموضوعات و الأحكام.

و لا يمكن هنا إقامة البينة على انه اتى بالحج عنه، لأن قصد كونه عنه أمر قلبي مما لا يعرف إلا من قبله بحيث لا يمكن لغيره الاطلاع عليه إلا باخباره، و لكن لا يجب تحصيل العلم الوجداني بإتيان الحج عنه بل يكفي الاطمئنان بذلك.

[الخامس معرفته بأفعال الحج و أحكامه]

قوله قده: (الخامس معرفته بأفعال الحج و أحكامه و ان كان بإرشاد معلم حال كل عمل)

قال في المدارك: (و من الشرائط أيضا قدرة الأجير على العمل و فقهه في الحج. و اكتفى الشهيد في الدروس: بحجة مع مرشد عدل و هو جيّد، حيث يوثق بحصول ذلك. إلخ)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 19

بلا خلاف أجده في ذلك و الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم).

[السادس عدم اشتغال ذمته بحج واجب عليه في ذلك العام]

قوله قده: (السادس عدم اشتغال ذمته بحج واجب عليه في ذلك العام فلا تصح نيابة من وجب عليه حجة الإسلام أو النذر المضيق مع تمكنه من إتيانه، و أما مع عدم تمكنه لعدم المال فلا بأس، فلو حج عن غيره مع تمكنه من الحج لنفسه بطل على المشهور. إلخ)

قد تقدم الكلام في هذه المسألة في الجزء الأول من الكتاب في شرح قول المصنف (قده): (من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له ان يحج عن غيره) مفصلا، فلا نعيده، و من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

قوله قده: (لكن الأقوى ان هذا الشرط انما هو لصحة الاستنابة و الإجارة، و الا فالحج صحيح و ان لم يستحق الأجرة و تبرأ ذمة المنوب عنه. إلخ)

لا يخفى انه لو قلنا ببطلان الحج فلا إشكال في بطلان الإجارة أيضا. و أما لو قلنا بصحته فالتحقيق هو التفصيل في صحة الإجارة و بطلانها بين كون الحج الواجب على النائب هو الواجب عليه بإيجار نفسه للحج في خصوص هذه السنة لشخص آخر و بين كونه غير ذلك كحجة الإسلام ففي (الأول): نلتزم ببطلان الإجارة الثانية، لكون عمله ملكا للمستأجر الأول و من الواضح عدم صحة الإجارة على ملك الغير و هذا بخلاف

حجة الإسلام و نحوها فان مملوكيتها للّه تعالى ليست بمعنى المملوكيّة المتصوّرة بالنسبة إلى المخلوقين، بل بمعنى جعله واجبا عليه، أو بالمعنى الذي نقول به انه تعالى مالك لكل شي ء و هما لا ينافيان صحة الإجارة و كون إيجاب الشارع الحج عليه مانعا عن إجارة نفسه للحج أول الكلام، فالتحقيق في غير الفرض الأول بناء على صحة الحج هو صحة الإجارة و قد مر توضيح وجوه بطلان الإجارة مع جوابها في شرح قول المصنّف: (ثمّ على فرض صحّة الحج عن الغير و لو مع التمكن و العلم بوجوب الفوريّة لو آجر نفسه لذلك فهل الإجارة أيضا صحيحة أو باطلة فراجعها. إلخ)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 20

[المسألة الثانية لا يشترط في النائب الحرية]

قوله قده: (لا يشترط في النائب الحرية فتصح نيابة المملوك باذن مولاه و لا تصح استنابته بدونه و لو حج بدون اذنه بطل)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا. و في المدارك في شرح قول المحقق: «و تصح نيابة المملوك باذن مولاه» قال: (هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا، لأنه مكلف مسلم قادر على الاستقلال بالحج فجازت نيابته كالحر). و حكى العلامة في المنتهى عن بعض الجمهور قولا بالمنع، لأنه لم يسقط فرض الحج عن نفسه فلم يجز له ان ينوب عن غيره. ثم، أجاب عنه: بان الحج غير واجب عليه و الإسقاط انما يكون بعد الثبوت و هو حسن. و قال في الجواهر في شرح قول المحقق- طاب ثراه-: (بلا خلاف بل و لا إشكال، لعموم الأدلة و إطلاقها).

لا ينبغي الإشكال في ذلك لوجود المقتضى و عدم المانع، إذ لم يكن المانع من الصحة إلا كونه مملوكا لا يقدر على شي ء

و المفروض زواله باذن مولاه له فيه فما أفادوه (قدس اللّه تعالى أسرارهم) هو الصواب. و أما ما أفاده المصنف (قده)- من عدم صحة استنابته بدون اذن مولاه- فلقوله تعالى (عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ) «1» و للنصوص الكثيرة الدالة على عدم نفوذ جميع تصرفاته و عدم صحة إعماله إلا مع الاذن في غير الواجبات.

[المسألة الثالثة]
[يشترط في المنوب عنه الإسلام فلا تصح النيابة عن الكافر]

قوله قده: (يشترط في المنوب عنه الإسلام فلا تصح النيابة عن الكافر لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه لمنعه و إمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه بل لانصراف الأدلة فلو مات مستطيعا و كان الوارث مسلما لا يجب عليه استيجاره عنه. إلخ)

ما أفاده (قده) هو المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و في الجواهر في شرح قول المحقق- طاب ثراه-: «و كذا لا تجوز نيابة المسلم عن الكافر» قال: (لما عرفت

______________________________

(1) سورة النحل في الآية: 77

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 21

من عدم انتفاعه بذلك و اختصاص جزائه في الآخرة بالخزي و العقاب، و النهى عن الاستغفار له و الموادة لمن حاد اللّه تعالى و احتمال انتفاعه بالتخفيف عنه- و نحوه- يدفعه لزوم الثواب الذي هو دخول الجنة و نحوه لصحة العمل و لو من حيث الوعد بذلك لا التخفيف و نحوه، مع إمكان منع قابليته له أيضا في عالم الآخرة) و هو خيرة صاحب المدارك (ره) ايضا و استدل: بان الكافر يستحق في الآخرة الخزي و العقاب لا لأجر و الثواب و هما من لوازم صحة الفعل. ثم أيده- رحمه اللّه عليه- بقوله تعالى «مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، وَ لَوْ كٰانُوا أُولِي قُرْبىٰ» «1» و قوله تعالى «وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا

مٰا سَعىٰ» «2» خرج منه القضاء عن المؤمن بالنص و الإجماع فيبقى الباقي) يمكن الاستدلال على عدم صحة النيابة عن الكافر بوجوه:

(الأول)- الإجماع و (فيه): ما بيناه مرارا من ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم- عليه السلام- لا المدركى، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه الآتية، فلا فائدة فيه، الا ان يوجب الوثوق و الاطمئنان فيكون الاطمئنان حجة.

(الثاني)- ما أفاده المصنف (قده) من دعوى انصراف الأدلة الدالة على النيابة عنه، و لعله يمكن المناقشة فيه بعد تسليم الانصراف بأنه ناش عن أنس الذهن بالفتاوى فلا يعتد به في تقييد الإطلاق، لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو المدار في الانصراف المقيد للإطلاق على ما قرر في محله.

(الثالث)- ما أفاده صاحب الجواهر (ره) من استحقاقه العقاب في الآخرة لا الأجر و الثواب. و (فيه): ان استحقاقه العقاب من جهة كفره لا ينافي القول باستحقاقه

______________________________

(1) سورة التوبة الآية: 114

(2) سورة النجم الآية: 40

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 22

الثواب من جهة عمل النائب له فتأمل.

(الرابع)- الآية الشريفة و هي قوله تعالى (لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ) «1» و (فيه): انه ترفع اليد عن إطلاقها بالأخبار الواردة في المقام الدالة على جواز النيابة لدلالتها على تشريع النيابة مطلقا سواء كان المنوب عنه مسلما أم كافرا لو لم ينهض دليل تعبدي على اشتراط إسلامه.

(الخامس)- الآية الشريفة التي ذكرها صاحب المدارك (قده) و (فيه): ان غاية دلالتها هي عدم جواز الاستغفار له، و لا ربط له بعدم صحة النيابة عنه، لعدم كونها استغفارا عنه فتأمل كما لا يخفى، و تنقيح المناط القطعي ممنوع.

(السادس)- ما أفاده صاحب الجواهر (ره)

من عدم انتفاعه بذلك، و يقرب ذلك بوجهين: (الأول): انه لا بد ان يترتب على صحة العمل الثواب و لو من حيث الوعد بذلك، و لا يكفي في صحته صرف ارتفاع العقاب المترتب على الترك و الكافر لا ينال الثواب في الآخرة كما أفاده صاحب الجواهر و (فيه): ان لزوم ترتب الثواب على صحة العمل حتى مع عدم قابلية الشخص لنيل الثواب بحيث لو لم تكن له هذه القابلية لا بد من بطلان عمله مما لا دليل عليه، و وعده تعالى بإعطاء الثواب يختص بصورة القابلية أو يبدل بالأجر الدنيوي و الا لزم القول ببطلان ما اتى به الكافر بقصد القربة من الواجبات التوصلية لاستلزام صحته لترتب الثواب عليه و هو كما ترى (الثاني): ما ذكره صاحب الجواهر (ره) في آخر كلامه على وجه الاحتمال- و هو ان الكافر لا يخفف عنه العذاب، لعدم قابليّته لذلك- و معلوم ان صحة عمل النائب المستلزمة عقلا لفراغ ذمة المنوب عنه لا تنفك عن ارتفاع عذابه الذي كان مترتبا على تركه لهذا العمل و على بقاء شغل ذمته به.

و يمكن الاستدلال على عدم تخفيف العذاب عنهم بقوله تعالى في سورة البقرة في موردين:

(لٰا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذٰابُ) و أما ما ربما يستظهر من بعض الآيات و الأخبار من أنه: (لأخلاق

______________________________

(1) سورة النجم الآية: 40

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 23

لهم في الآخرة و لا نصيب) فيمكن دعوى ان مفادها عدم الثواب لا انتفاء مقدار من العقاب بانتفاء. منشأه، فتحصل عدم صحة النيابة عن الكافر.

(السابع)- ما أفاده صاحب الجواهر (ره) ايضا من حرمة الموادة لمن حاد اللّه و رسوله. (و دعوى): أن الظاهر: ان المراد منها هو الحبّ القلبي

و من الواضح عدم ارتباط ذلك بالنيابة خلاف الظاهر، فان معنى الموادة هي التحبب و إظهار الود بالعمل لا صرف الود القلبي هذا كله في النيابة عن الكافر.

بقي الكلام في انه هل يجوز النيابة عن المخالف أم لا فنقول: قال صاحب الجواهر (ره) (بل لا تجوز نيابته عن المسلم المخالف الذي هو كافر في الآخرة، فيجري فيه نحو ما سمعته من غير فرق فيه بين الناصب منه و غيره، بل و المستضعف منهم و غيره و الأب و غيره، خلافا للمحكي عن الجامع، و المعتبر، و المنتهى، و المختلف، و الدروس، فجوزوها عن غير الناصب مطلقا، لكفره و إسلام غيره و صحة عباداته، و لذا لا يعيدها لو استبصر.

و للشيخ فلم يجوزها مطلقا، الا ان يكون أب النائب، كالفاضلين هنا و القواعد، لصحيح وهب بن عبد ربه أو حسنه سأل الصادق (عليه السلام) أ يحجّ الرّجل عن الناصب؟ فقال: لا قلت: فان كان أبى؟ قال. فان كان أباك فنعم «1» و ربما الحق به الجد للأب و ان علا دونه للام. و للشهيد في المحكي من حواشي القواعد: فجوزها للمستضعف، لكونه كالمعذور و (في الأول): ما عرفت و (الثاني): مع معارضته بالإجماع المحكي عن ابن إدريس و البراج قاصر عن معارضة ما دل على المنع و أنه في الآخرة أعظم من الكفار الذين لا يجوز لهم الاستغفار و لو كانوا آباء، كما يومي اليه اعتذاره تعالى عن استغفار إبراهيم لأبيه (بأنه كان عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهٰا إِيّٰاهُ و انه لما تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّٰهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ،) «2» بل نهى

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 20- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) في سورة التوبة الآية: 115

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 24

النبي (ص) عن الاستغفار للمنافقين الذين لا ريب في اندراج المخالفين فيهم حتى قال اللّه تعالى:

(إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّٰهُ لَهُمْ «1» بل ما ورد في كيفيّة الصّلاة على المنافق كاف في إثبات حاله في ذلك العالم مضافا الى قطع علاقة الأبوة و البنوة بين المسلم و غيره كما يومي اليه قوله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صٰالِحٍ «2»). قال في المدارك (و عندي التعميم أجود لظاهر قوله تعالى (وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ) «3» و يعضده الأخبار الكثيرة المتضمنة لعدم انتفاع المخالف بشي ء من الأعمال، و قد بينا في ما سبق ان عدم وجوب الإعادة عليه بعد الاستبصار تفضل منه تعالى كما تفضل على الكافر الأصلي بعدم وجوب قضاء ما فات عنه من العبادات لا لصحتها في نفس الأمر).

و في كلام صاحب الجواهر و كذا صاحب المدارك- قدس سرهما- مواقع للنظر تظهر مما قدمناه لك في النيابة عن الكافر، و كيف كان فالعمدة ان حرمة موادة من حاد اللّه تدل ايضا على عدم صحة النيابة عن المخالف بل يمكن الاستدلال عليه ايضا بما مضى من مسألة عدم تخفيف العذاب هذا مع قطع النظر عن الأخبار الخاصة الواردة في حق المخالف و إلا فيمكن التفكيك بينه و بين الكفار و لو في الجملة، و ذلك لما ورد من صحيح وهب أو حسنه الذي تقدم عند نقل كلام صاحب الجواهر (ره) و خبر على بن حمزة قال: سألته عن الرجل يحج و يعتمر و يصلى و يصوم و يتصدق عن والديه و ذو قرابته؟ قال: لا بأس به يوجر فيما يصنع و له

أجر آخر بصلة قرابته قلت: ان كان لا يرى ما ارى و هو ناصب؟ قال: يخفف عنه بعض ما هو فيه «4» و موثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال:

______________________________

(1) سورة التوبة الآية: 81.

(2) سورة هود الآية: 48

(3) سورة النجم الآية: 40

(4) الوسائل: ج 1- الباب- 12- من أبواب قضاء الصلاة حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 25

سألته عن الرجل يحج ليجعل حجته و عمرته، أو بعض طوافه لبعض أهله و هو عنه غائب ببلد آخر؟ قال فقلت: فينقص ذلك من اجره؟ قال: لا، هي له و لصاحبه و له أجر ما سوى ذلك بما وصل. قلت: هو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له أو يكون مضيقا عليه فيوسع عليه فقلت: فيعلم هو في مكانه ان عمل ذلك لحقه؟

قال: نعم. قلت: و ان كان ناصبا ينفعه ذلك؟ قال: نعم يخفّف عنه «1» بناء على كون ذكر النّاصب من باب المثال و إلا فلا يمكن التعدّي عنه الى غيره الا بدعوى تنقيح المناط القطعي و هو ممنوع، لعدم إمكانه في الشرعيات.

و التحقيق: انه ان قلنا بجواز النيابة عن المخالف فإنما نلتزم به في خصوص الحج عن الناصب إذا كان والدا، لما مضى من صحيح وهب أو حسنه، و لا نتعدى الى الجد، و لا الى غير الناصب، و لا الى غير الحج. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط، و عدم مانع عن الجعل ايضا فلا محيص حينئذ عن التعدي، و لكنه لا سبيل الى ذلك فتسرية الحكم منه الى غيره قياس و هو ليس من مذهب أهل الحق. و أما خبر على بن حمزة فضعيف

سندا. و أما خبر إسحاق بن عمار فسنده و ان كان موثقا لكنه مخالف لظاهر الكتاب و السنة و الإجماعات و هي ترفع الوثوق و الاطمئنان عنه فلا يكون حجة حتى يخصص به ظاهر الكتاب و السنة و على فرض تسليم حجيته ليس صريحا في النيابة، لاحتمال إرادة إهداء الثواب و بعد فرض تسليم ظهوره فيها فهو معارض مع خبر وهب أو مخصص به.

ان قلت: انه في خصوص الحج يحكم بلزوم النيابة عن المخالف و الكافر، لكونه دينا كالخمس و الزكاة و القرض و نحوها. قلت: انه و ان كان شبيها بالماليات في الإخراج من الأصل على ما حققناه في المباحث السابقة لكنه يكون دينا للّه تعالى لا لغيره، فلا يكون قضائه عنه الا مع صلاحية أدائه عنه، و المفروض انه ليس له ذلك لفقد شرط الصحة منه-

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 25 من أبواب النيابة حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 26

و هو الإسلام أو الولاية- هذا كله بالنسبة إلى ديون اللّه تعالى و أما ديون الناس فان كانت ثابتة في عين المال فلا إشكال في وجوب إيصال مال الغير الى صاحبه و ليس حينئذ تركة حتى تورث، و ان كانت ثابتة في الذمة فنقول ايضا بوجوب الإيصال إلى الديان لتعلق حقهم بعد الموت بعين المال و الإرث بعد الدين، و بالجملة إخراج ديون الناس من مال الميت في الحقيقة ليس من باب النّيابة عن الميت، بل من باب إعطاء مال الغير أو حقه الى صاحبه و هذا بخلاف دين اللّه تعالى حتى على القول بخروجه من الأصل، فإن أدائه داخل في عنوان النيابة عن الميت و لا يصح ذلك إذا كان مخالفا

أو كافرا كما عرفت و لا يصح أيضا الإجارة على النيابة، لوضوح بطلان الإجارة على الأمر الباطل.

[و يشترط فيه أيضا كونه ميّتا أو حيا عاجزا في الحج الواجب]

قوله قده: (و يشترط فيه أيضا كونه ميّتا أو حيا عاجزا في الحج الواجب فلا تصح النّيابة عن الحيّ في الحج الواجب إلا إذا كان عاجزا. إلخ)

قد تقدم وجه ما أفاده المصنّف قده- من عدم صحة النيابة عن الحي في الحج الواجب في صدر المبحث و هو أصالة عدم صحة النيابة التي يقتضيها ظاهر أدلة التكاليف الموجبة لوجوب المباشرة و أما ما أفاده المصنف (قده) من صحة النيابة عنه إذا كان عاجزا فقد تقدم الكلام عنه مفصلا في المباحث السابقة.

قوله قده: (و أما في الحج الندبي فيجوز عن الحي و الميت تبرعا أو بالإجارة. إلخ)

بلا خلاف أجده في ذلك لا ينبغي الكلام في ذلك بعد اتفاق النصوص و الفتاوى عليه.

[المسألة الرابعة]
[تجوز النيابة عن الصّبي المميّز]

قوله قده: (تجوز النيابة عن الصّبي المميّز.)

المسألة مبتنية على الشرعية و التمرينية، فإن قلنا بكون عباداته شرعية كما هو الأقوى في النظر على ما حقق في محله فلا مانع من النيابة عنه. و أما إذا قلنا بكونها تمرينية كما افاده المحقق (طاب ثراه) على ما حكى عنه، فلا يبقى مجال للقول بصحة النيابة عنه، لعدم الموضوع لها حينئذ كما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 27

[و المجنون]

قوله قده: (و المجنون.)

بلا كلام في ذلك، لإطلاق الأدلة. و أما حديث رفع القلم فقد بينا في محله انه لا يقتضي إلا رفع الإلزام عنه دون غيره كما هو واضح.

قوله قده: (بل يجب الاستيجار عن المجنون إذا استقر عليه حال إفاقته ثم مات مجنونا.)

لا ينبغي الإشكال في ذلك بعد ثبوت الاتفاق عليه من جميع الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) و لم يتعرض أحدا للخلاف فيه.

[المسألة الخامسة لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة]

قوله قده: (لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة، فتصح نيابة المرأة عن الرجل كالعكس. نعم، الأولى المماثلة).

ذهب جماعة من الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) الى ذلك. بل في المدارك: (انه قول معظم الأصحاب). و في الجواهر: (انه المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة).

و نحوه في الحدائق و المسالك.

و هذا هو الأقوى بل لا ينبغي الإشكال فيه، لدلالة جملة من النصوص عليه- منها:

1- صحيح ابن أبى عمير عن أبي أيوب قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام):

امرأة من أهلنا مات أخوها فأوصى بحجّة و قد حجت المرأة، فقالت: ان كان يصلح حججت انا عن أخي و كنت أنا أحق بها من غيري؟ فقال: أبو عبد اللّه (عليه السلام): لا بأس بأن تحج عن أخيها و ان كان لها مال فلتحج من مالها، فإنه أعظم لأجرها «1».

2- صحيح معاوية بن عمار قال: قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل يحجّ عن المرأة و المرأة تحجّ عن الرجل؟ قال (عليه السلام): لا بأس «2».

3- صحيح رفاعة عن أبى عبد اللّه (عليه السلام): انه قال: تحج المرأة عن أختها و عن أخيها و قال: تحج المرأة عن أبيها «3».

4- صحيح صفوان عن حكم بن حكيم عن ابى عبد اللّه

(عليه السلام): قال يحج

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب 8- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب 8- من أبواب النيابة حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب 8- من أبواب النيابة حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 28

الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل و المرأة عن المرأة «1». الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) و لا معارض لهذه الروايات بالنسبة إلى حج الرجل عن المرأة. نعم، ورد في العكس (و هو حج المرأة عن الرجل) ما ظاهره البطلان، و هو موثق عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه هل يجزى عنه امرأة؟ قال: لا كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان. قال:

إنما ينبغي ان تحج المرأة عن المرأة، و الرجل عن الرجل. و قال: لا بأس ان يحج الرجل عن المرأة «2». هذا و لكن لو فرض صلاحية هذا الحديث للمعارضة مع ما دل على جواز حج المرأة عن الرجل و تساقطهما بان لم نقل بالتخيير في باب التعارض أمكن القول بجواز نيابتها عن الرجل (بدعوى): إطلاق بعض أخبار النيابة، كصحيح معاوية بن عمار أو حسنه عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل صرورة مات و لم يحج حجة الإسلام و له مال؟ قال: يحج عنه صرورة لا مال له «3».

و كيف كان فالذي يهون الخطب أن موثق عبيد زرارة غير صالح للمعارضة فإنه إن أمكن حمله على الكراهة و نفى الكمال جمعا بين الاخبار و لو بقرينة ما فيه من التّعليل، و الا فهو غير معمول به عند الأصحاب. و الحاصل: ان ذهاب الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم)

الى جواز نيابتها عنه المستفاد من اخبار كثيرة واردة في المقام رافع للوثوق و الاطمئنان عنه كما لا يخفى، فلا عبرة به أصلا.

[المسألة السادسة لا بأس باستنابة الصرورة]

قوله قده: (لا بأس باستنابة الصرورة رجلا كان أو امرأة عن رجل أو امرأة، و للقول بعدم جواز استنابة المرأة الصرورة مطلقا، أو مع كون المنوب عنه رجلا

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب 8- من أبواب النيابة حديث: 6

(2) الوسائل: ج 2- الباب 9 من أبواب النيابة حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 5- من أبواب النيابة حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 29

ضعيف. نعم، يكره ذلك خصوصا مع كون المنوب عنه رجلا.)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على أقوال:

(الأول): جواز استنابة الصرورة مطلقا رجلا كان أو امرأة عن الرجل و المرأة و هو خيرة جمع كثير من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) منهم صاحب المدارك (ره) حيث قال في شرح قول المحقق (طاب ثراه): «و يجوز ان يحج المرأة عن الرجل» (إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في المرأة بين ان تكون صرورة و غير صرورة، و بهذا التعميم صرح في المعتبر و هو قول معظم الأصحاب).

و كيف كان فهذا القول هو الحق الحقيق بالاتباع، و يدل عليه إطلاقات الأخبار الواردة في حج المرأة عن الرجل، و بالعكس، و تقدم ذكرها مضافا الى صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما قال: لا بأس ان يحج الصرورة عن الصرورة «1».

(الثاني): عدم جواز استنابة المرأة الصرورة سواء كان المنوب عنه رجلا أو امرأة و جواز استنابتها عن الرجل و المرأة ان لم تكن صرورة، و هو خيرة النهاية، و التهذيب و المهذب على ما حكاه صاحب الجواهر (ره) عن محكي المبسوط

التصريح بأنه لا يجوز حجها عن الرجال و لا عن النساء، و يدل على ذلك رواية سليمان بن جعفر قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة؟ فقال: لا ينبغي «2» بناء على إرادة الحرمة من كلمة: لا ينبغي و هذا الحديث لو تم سندا و دلالة لا يمكن حمله على الاستحباب جمعا بينه و بين الاخبار الدالة على القول الأول، لأنه أخص منها فتخصص تلك الأخبار به، لما قد بيناه مرارا من ان الجمع الموضوعي مقدم على الجمع الحكمي، لكنه ضعيف سندا و غير تام دلالة، لمكان كلمة: (لا ينبغي).

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب 6- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 9 من أبواب النيابة حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 30

(الثالث): عدم جواز استنابتها إذا كانت صرورة عن الرجل خاصة، و جواز استنابتها عن المرأة مطلقا و عن الرجل ان لم تكن صرورة، و هو خيرة الشيخ (ره) في الاستبصار. و يدل على ذلك ما روى عن زيد الشحام عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: يحج الرجل الصّرورة عن الرجل الصّرورة و لا تحج المرأة الصّرورة عن الرجل الصرورة «1» و ما تقدم من موثق عبيد بن زرارة قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه هل تجزى عنه امرأة؟ قال: لا، كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان. قال: إنما ينبغي ان تحج المرأة عن المرأة و الرجل عن الرجل. و قال: لا بأس ان يحج الرجل عن المرأة «2» بناء على ان هذا الحديث و ان كان دالا على عدم اجزاء حج المرأة عن الرجل و ان

لم تكن صرورة لكنه تقيد بخبر مصادف، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): أ تحج المرأة عن الرجل؟ قال: نعم إذا كانت فقيهة مسلمة و كانت قد حجت رب امرأة خير من رجل «3» و خبر آخر عنه عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في المرأة تحج عن الرّجل الصّرورة؟ فقال: ان كانت قد حجت، و كانت مسلمة فقيهة، فرب امرأة أفقه من رجل «4» لكن سند خبري زيد الشّحام و عبيد بن زرارة المتقدمين قابل للمناقشة مع ان ظاهرهما، ان العبرة بعارفيتها باعمال الحج التي لا تحصل غالبا إلا بإتيان الحج مرارا لا ان لعنوان كونها صرورة دخلا في المنع فتأمل و اما الموثقة فقد عرفت عدم حصول الوثوق و الاطمئنان بها، لان ظاهرها عدم صحّة حجّ المرأة عن الرجل مطلقا، و هو مخالف للنص و الفتوى. و اما رواية زيد الشحام فضعيفة سندا و لو لا ضعفها لقيدنا بها الأخبار الدالة بإطلاقها على القول الأول و لم تحملها على الكراهة، لما بيناه مرارا من ان الجمع الموضوعي مقدم على الجمع الحكمي، و بالجملة فقد

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب النيابة حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 7

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 31

ظهر من جميع ما ذكرنا ان ما دل على القول الأول- و هو جواز استنابة الرجل الصرورة عن المرأة صرورة كانت أو غيرها و بالعكس- هو المحكم، إذ ليس له معارض و لا مقيد، فما اختاره المصنف من جواز ذلك مطلقا هو

الأقوى، و لكن يشكل ما افتى به من كراهة استنابة المرأة الصرورة خصوصا عن الرجل. نعم، لو كان خبر سليمان بن جعفر المتقدم صحيحا سندا أمكن حمله على الكراهة بقرينة: (لا ينبغي) الواقع في منطوقه لكنه ضعيف سندا.

نعم يمكن الاستدلال على أفضلية كون النائب رجلا لا امرأة سواء كان المنوب عنه رجلا أو امرأة بخبر بشير النبال قال قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ان والدتي توفيت و لم تحج؟ قال: يحج عنها رجل أو امرأة قال: قلت: أيهما أحب إليك؟ قال: رجل أحبّ الى «1» لكن سنده ايضا قابل للمناقشة، مضافا الى انه: لا يبعد ان يكون احبية استنابة الرجل من جهة افقهيته و اعرفيته بالمسائل من المرأة غالبا لا ان في الرجل خصوصية، كما يومي الى ذلك ما تقدم من خبري مصادف.

قوله قده: (بل لا يبعد كراهة استئجار الصّرورة و لو كان رجلا عن رجل)

يشهد له الأخبار لو صح حملها على الكراهة بقرينة ما مضى من صحيح محمد بن مسلم- منها:

1- مفهوم صحيح صفوان عن حكم بن حكيم قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): انسان هلك و لم يحج و لم يوصى بالحج فأحج عنه بعض أهله رجلا أو امرأة؟ فقال:

ان كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعا و أجزأ الذي أحجّه «2» و (فيه): ان مفهومه انه ان لم يكن صرورة لم يكن مجزيا عن الجميع و هذا أجنبيّ عما نحن فيه.

2- مكاتبة بكر بن صالح الى ابى جعفر (عليه السلام): ان ابني معي و قد أمرته

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 8

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2،

ص: 32

ان يحج عن أمي أ يجزي عنها حجة الإسلام؟ فكتب: لا و كان ابنه صرورة و كانت امه صرورة «1» و (فيه): انه ضعيف سندا فلا عبرة به.

3- رواية إبراهيم بن عقبة قال: كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحج قط حج عن صرورة لم يحج قط يجزى كل واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإسلام أولا، بين لي ذلك يا سيدي ان شاء اللّه؟ فكتب (عليه السلام): لا يجزى ذلك «2» و (فيه):

مضافا الى إضماره، انه ضعيف سندا و دلالة. فإنه إنما نفى الاجزاء عن كليهما معا لا عن المنوب عنه، و قد تحصل ان دعوى كراهة استيجار الصّرورة ضعيفة، لعدم تمامية أدلتها مضافا الى انه لو تمت هذه الأدلة فإنما تدل على عدم الاجزاء، و تعارض مع ما مضى من صحيح محمد بن مسلم- الدال على جواز حج الصرورة عن الصرورة و لا تقبل الحمل على الكراهة، لعدم ملائمة عدم الإجزاء للكراهة كما هو واضح.

[المسألة السابعة يشترط في صحة النيابة قصد النيابة]

قوله قده: (يشترط في صحة النيابة قصد النيابة و تعيين المنوب عنه في النية و لو بالإجمال.)

لا كلام لنا في ذلك، لعدم صدق ما ورد في النصوص من عنوان (الحجّ عنه) بدون نية الحج عن خصوص المنوب عنه مع ان الفارق بين الحج عن نفسه و الحج عن غيره و كذا بين الحج عن زيد و بين الحج عن عمر و مثلا ليس الا القصد، مع ان ظاهر ما سيأتي- ان شاء اللّه تعالى- من اخبار عدم وجوب تسمية المنوب عنه هو ان أصل لزوم نية المنوب عنه مفروغ عنه، فما افاده المصنّف (قده) هو الصّواب.

ثم لا يخفى ان قصد النيابة ليس شرطا على حدة

في قبال تعيين المنوب عنه، لاشتمال الثاني على الأول كما هو واضح.

قوله قده: (و لا يشترط ذكر اسمه و ان كان يستحب ذلك في جميع المواطن و المواقف)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لخبر مثنى بن عبد السلام عن ابى عبد اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب النيابة حديث 4

(2) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب النيابة حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 33

(عليه السلام) في الرجل يحج عن الإنسان يذكره في جميع المواطن كلها؟ قال: ان شاء فعل و ان شاء لم يفعل اللّه يعلم انه قد حج عنه، و لكنه يذكره عند الأضحية إذا ذبحها «1» و في الصحيح عن البزنطي انه قال: سأل رجل أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن الرجل يحجّ عن الرجل يسميه باسمه؟ قال: ان اللّه لا تخفى عليه خافية «2».

قال الصدوق (ره): (و روى أنه يذكره إذا ذبح). و لعل هذا إشارة الى ما مر من خبر مثنى و الظاهر منه هو وجوب التسمية حين الذبح و لكن الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) لم يلتزموا بظاهره بل حملوه على الاستحباب. و صحيح ابن مسلم عن ابى جعفر (عليه السلام) قلت: له ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال (عليه السلام):

يسميه في المواطن و المواقف «3». و هذا ظاهر في الوجوب لكنه محمول على الاستحباب بقرينة ما تقدم من الاخبار. و صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه (عليه السلام)، قال: قلت:

له الرجل يحج عن أخيه، أو عن أبيه، أو عن رجل من الناس هل ينبغي له أن يتكلم بشي ء؟ قال: نعم يقول: بعد ما يحرم: (اللّهم ما أصابني في سفري هذا من تعب، أو

بلاء، أو شعث، فأجر فلانا فيه و أجرني في قضائي عنه) «4». و صحيح معاوية بن عمار أو حسنه عن أبى عبد اللّه (عليه السلام)، قال: قيل: له أ رأيت الذي يقضى عن أبيه، أو أمه، أو أخيه، أو غيرهم أ يتكلم بشي ء؟ قال: نعم، يقول: عند إحرامه:

(اللّهم ما أصابني من نصب، أو شعث، أو شدة، فأجر فلانا فيه و أجرني في قضائي عنه) «5»

[المسألة الثامنة كما تصح النيابة بالتبرع و بالإجارة كذا تصح بالجعالة]

قوله قده: (كما تصح النيابة بالتبرع، و بالإجارة كذا تصح بالجعالة.)

الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و لم ينقل من أحد منهم خلاف في ذلك. و يدل عليه عمومات أدلة الجعالة.

______________________________

(1) و الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب النيابة حديث: 4.

(2) و الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب النيابة حديث: 5.

(3) و الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب النيابة حديث: 1.

(4) و الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب النيابة حديث: 2.

(5) و الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب النيابة حديث: 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 34

قوله قده: (و لا تفرغ ذمة المنوب عنه إلا بإتيان النائب صحيحا و لا تفرغ بمجرد الإجارة.)

لا ينبغي الارتياب في ذلك و لم يتعرض أحد من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا للخلاف فيه.

قوله قده: (و ما دل من الأخبار على كون الأجير ضامنا، و كفاية الإجارة في فراغها منزلة على أن اللّه تعالى يعطيه ثواب الحج إذا قصر النائب في الإتيان أو مطروحة لعدم عمل العلماء بها بظاهرها.)

لا بأس بذكر الأخبار الدالة على ذلك- منها:

1- صحيح إسحاق بن عمار أو موثقة سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم يحج بها

عنه، فيموت قبل أن يحج، ثم أعطى الدراهم غيره؟ فقال: ان مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضى مناسكه فإنه يجزى عن الأول قلت: فان ابتلى بشي ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟ قال: نعم قلت: لأن الأجير ضامن للحج؟ قال: نعم «1».

2- صحيح ابن أبى عمير، عن الحسين بن عثمان، عن محمد بن أبي حمزة، عن إسحاق بن عمار، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يحج عن آخر فاجترح في حجه شيئا يلزمه فيه الحج من قابل، أو كفارة؟ قال: هي الأول تامة و على هذا ما اجترح «2».

3- رواية الحسين بن عثمان، عمن ذكره، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل أعطى رجلا ما يحجه فحدث بالرجل حدث؟ فقال: ان كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأول، و الا فلا «3».

4- مرسلة الحسين بن يحيى في رجل أعطى رجلا ما لا يحج عنه فمات؟ قال: فان مات في منزله قبل أن يخرج فلا يجزى عنه، و ان مات في الطريق فقد أجزأ عنه «4».

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 1.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 2.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 3.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 35

5- مرسلة ابن أبى عمير، عن بعض رجاله، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل أخذ من رجل مالا و لم يحج عنه و مات و لم يخلف شيئا، فقال (عليه السلام): ان كان حج الأجير أخذت حجته و

دفعت الى صاحب المال و ان لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج «1».

6- مرسلة الصدوق (ره) قال: قيل لأبي عبد اللّه الرجل: يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئا؟ فقال: أجزأت عن الميت، و ان كان له عند اللّه حجة أثبتت لصاحبه «2».

7- موثقة عمار عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل أخذ دراهم رجل ليحج عنه فأنفقها فلما حضر أو ان الحج لم يقدر الرجل على شي ء؟ قال: يحتال و يحج عن صاحبه، كما ضمن سأل ان لم يقدر؟ قال: ان كانت له عند اللّه حجة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة «3».

هذا و لكن التحقيق وفاقا للمصنف (قده) و غيره هو عدم كفاية صرف الاستيجار في براءة ذمة المنوب عنه، لما ترى في هذه الأخبار من عدم تمامية دلالتها مع ضعف السند في أغلبها مضافا الى أنه لم يفت أحد بكفاية صرف الاستيجار، فلو فرض دلالة حديث عليه فهو معرض عنه عند الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم).

[المسألة التاسعة لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال]

قوله قده: (لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال بل لو تبرع المعذور يشكل الاكتفاء به)

يمكن ان يقال بالتفصيل بين الأعذار: بأن يقال بجواز استنابة المعذور في ترك بعض الأعمال ان كان المعذور فيه مما تقبل النيابة، و بعدم جواز استنابته ان لم يكن قابلا لها. أما (الأول): فلما هو المفروض من تمكن المعذور من أخذ النائب فيما لا يتمكن منه، فيأخذ النائب و لا يبقى العمل ناقصا.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 23- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 23- من أبواب النيابة حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 23- من أبواب النيابة حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 2، ص: 36

و لكن يمكن المناقشة فيه: بأنه انما دل الدليل على جواز استنابة صاحب العمل إذا أتى به بنفسه و أما استنابة النائب فشمول الدليل لها مشكل.

و اما (الثاني): فلان الواجب على المنوب عنه هو العمل التام و المفروض عدم حصوله، لعدم تمكنه من إتيانه بلا فرق في ذلك بين كون الناقص باطلا مطلقا و بين كونه مجزيا عند العذر- كالصلاة جالسا عند عدم التمكن من القيام- و ذلك لأن الدليل انما دل على اجزائه إذا كان نفس صاحب العمل معذورا. و أما كون معذورية المنوب عنه موجبة لاجزاء العمل الناقص عن النائب الذي اشتغلت ذمته بالعمل التام المأمور بالاستنابة فيما اشتغلت ذمته به فلا دليل عليه.

نعم لو فرض أن المنوب عنه أيضا كان معذورا بعين عذر النائب بحيث لو فرض إتيانه بالعمل مباشرة لكان آتيا به ناقصا بعين هذا النقص و كان مجزيا عنه احتمل القول باجزاء العمل الناقص الذي اتى به النائب المعذور عنه، لكنه ضعيف جدا كما هو واضح ثم لا يخفى: ان في الفرض الأول، بناء على جواز استنابة النائب انما يصح نيابته إذا لم يشترط عليه الإتيان بالمعذور فيه بمباشرته و الا فلا تصح نيابته، لان المعيار في باب النيابة هو ملاحظة كيفية وقوع الإجارة كما و كيفا، و ملاحظة كيفية جعل المستأجر على الأجير كما هو واضح، فلو فرض أنه اشترط عليه الإتيان بالأعمال بنفسه و بمباشرته حتى في الأعمال التي تقبل النيابة فيها، أو فرض كون إطلاق الكلام منصرفا الى ذلك و هو على الفرض معذور فيه فلا تصح النيابة حينئذ كما لا يخفى.

[المسألة العاشرة إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك]
[فان كان قبل الإحرام لم يجز عن المنوب عنه]

قوله قده: (إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك، فان كان قبل الإحرام

لم يجز عن المنوب عنه، لما مر من كون الأصل عدم فراغ ذمته إلا بالإتيان بعد حمل الأخبار الدالة على ضمان الأجير على أشرنا اليه.)

كان هذا الحكم مسلم عندهم، و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 37

[و إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ عنه]

قوله قده: (و إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ عنه، لا لكون الحكم كذلك في الحج عن نفسه، لاختصاص ما دل عليه به، و كون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي الإلحاق، بل لموثقة إسحاق بن عمار- المؤيدة بمرسلتى حسين بن عثمان و حسين بن يحيى- الدالة على ان النائب: إذا مات في الطريق اجزء عن المنوب عنه المقيدة بمرسلة المقنعة)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا و في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه). و في المستند: (إجماعا محققا و محكيا مستفيضا). و جزم بعدم الخلاف فيه: في الحدائق. و نقل في المدارك عن جمع، منهم العلامة في المنتهى: الإجماع عليه، و يمكن الاستدلال عليه بوجوه:

(الأول)- الإجماع. و (فيه): انه قد حققنا في محله ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الكاشف قطعيا عن رأى المعصوم (عليه السلام) لا المدركى، و في المقام يمكن ان يكون مدركه بعض ما يأتي من الوجوه الآتية فلا عبرة به، الا إذا صار موجبا للاطمئنان بالحكم فيكون الاطمئنان حجة، كما بينا ذلك مرارا و كرارا.

(الثاني)- الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) الدالة على ان الحاج لو مات في الحرم فقد أجزأه عن حجة الإسلام- منها:

1- صحيح ضريس عن أبى جعفر (عليه السلام) رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق؟ فقال: ان مات في الحرم فقد

أجزأت عن حجة الإسلام، و ان مات دون الحرم فليقض عنه وليه «1».

2- صحيح بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): عن رجل خرج حاجا و معه جمل و زاد و نفقة فمات في الطريق؟ قال (عليه السلام): ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام. و ان كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج و شرائط حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 38

جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام. الحديث «1».

3- مرسلة المقنعة قال الصادق (عليه السلام): من خرج حاجا فمات في الطريق، فإنه ان كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج و ليقض عنه وليه «2» و قد تقدم ذكرها أيضا في الجزء الأول من الكتاب في ص (216) عند قول المصنف (قده): (إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق). و هي و ان كانت واردة في خصوص ما لو كان المحرم حاجا عن نفسه لكن يمكن أيضا استفادة حكم ما نحن فيه- و هو اجزاء حج النائب لو مات بعد الإحرام و دخول الحرم منها- بوجوه:

(الأول)- ما افاده صاحب الجواهر (ره) حيث قال بعد ادعائه الإجماع على الحكم لما سمعته سابقا من الخبرين المذكورين و ان كان موردهما الحج عن نفسه: (الا ان الظاهر و لو بمعونة فهم الأصحاب كون ذلك كيفية خاصة في الحج سواء كان عن نفسه أم عن الغير، و سواء كان واجبا بالنذر أو غيره. و (فيه): ان استفادة كون الحكم لطبيعة الحج بما هي

من تلك الأخبار ممنوعة، و فهم الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) لا يصلح للقرينية كما لا يخفى.

(الثاني)- ما أفاده صاحب المدارك «ره» حيث قال: (إذا ثبت ذلك في حق الحاج عن نفسه ثبت في نائبه، لأن فعله كفعل المنوب عنه). و تبعه على ذلك صاحب الجواهر «ره» حيث قال: (المناقشة في ذلك من بعض متأخري المتأخرين في غير محلها، لما عرفت خصوصا بعد ان كان فعل النائب فعل المنوب عنه و الفرض اجزائه في الثاني فيجزي في الأول) و (فيه): انه لا إشكال في أن فعل النائب هو فعل المنوب عنه و لكن الإشكال في انه هل يترتب على اعمال النائب كل أثر شرعي يترتب على تلك الأعمال إذا صدرت عن المنوب عنه أم لا؟ الظاهر العدم، لاحتمال الخصوصية في إيجاده لها بنفسه بل هو ظاهر

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 39

النصوص الواردة عنهم (عليهم السلام) و لا وجه لا لقاء الخصوصية. و أما القول بان عمل النائب هو عمل المنوب عنه و ان النائب بدل تنزيلي له و قائم مقامه و الفارق هو المباشرة و المفروض سقوطها، لأدلة النيابة فلا بد من إجراء الأحكام الثابتة على الحاج عن نفسه على الحاج عن غيره، لوحدة المناط (فمدفوع): بأنه و ان كان عمله عمل المنوب عنه- أي إتيانا بما اشتغلت ذمة المنوب عنه به- لكن استلزام ذلك لاتحاد جميع الأحكام الجارية عليه في كلتا الصورتين- و هما إتيان صاحب العمل بنفسه و إتيان النائب- أول الكلام.

(الثالث)- ان ما كان

في ذمة المنوب عنه انتقل إلى ذمة النائب، لما ورد من ان الأجير ضامن، أو يقال: انه اتسعت الذمة بضم ذمة إلى ذمة و على كلا الوجهين فكان النائب يأتي بالحج عن نفسه، لاشتغال ذمته به فتشمله الاخبار. و (فيه): انه ليس معنى الأخبار الدالة على ان الأجير ضامن انتقال ما في ذمة المنوب عنه إلى ذمة النائب بل معناها ان الأجير ضامن للإتيان بالعمل النيابي و إفراغ ذمة المنوب عنه و من الواضح ان النائب يأتي بالحج عن المنوب عنه لا عن نفسه حتى يدخل تحت تلك الأخبار، هذا و لو قلنا بانتقال ما في ذمة المنوب عنه إلى ذمة النائب لزم الاجزاء عن المنوب عنه بمجرد الاستنابة، و هو كما ترى. مضافا الى ما عرفت سابقا من سقوط ما دل على ان الأجير ضامن عن درجة الاعتبار بإعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنه و أما الجواب عن القول باتساع الذمة بضم ذمة إلى ذمة فهو واضح.

(الرابع)- دعوى تنقيح وحدة المناط. و (فيه): ان المعتبر من تنقيح المناط هو القطعي منه لا الظني، و هو ممتنع في الشرعيات، لقصور عقولنا عن الإحاطة بملاكاتها فغاية ما يحصل منه الظن بالحكم، و هو لا يغني من الحق شيئا، فلا بد من الاقتصار على مورد الروايات أخذا بالظاهر، أو القدر المتيقن فيما هو خلاف مقتضى القاعدة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 40

(الثالث)- من الأدلة الدالة على اجزاء حجه عن المنوب عنه إذا مات بعد الإحرام و بعد الدخول في الحرم ما استدل به المصنف (قده) من الأخبار الدالة على ان النائب إذا مات في الطريق اجزء عن المنوب عنه- منها:

1- موثق إسحاق بن عمار عن ابى

عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم ليحج بها عنه، فيموت قبل ان يحج، ثم اعطى الدراهم غيره؟ قال (عليه السلام): ان مات في الطريق أو بمكة قبل ان يقضى مناسكه، فإنه يجزى عن الأول. قلت: فان ابتلى بشي ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟ قال: نعم، قلت: لأن الأجير ضامن للحج؟ قال: نعم «1».

2- مرسلة الحسين بن عثمان عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل اعطى رجلا ما يحجه فحدث بالرجل حدث؟ فقال: ان كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأول و الا فلا «2».

3- مرسلة الحسين بن يحيى عمن ذكره عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل اعطى رجلا ما لا يحج عنه فمات؟ قال: فان مات في منزله قبل ان يخرج فلا يجزى، و ان مات في الطريق فقد أجزأ عنه «3» هذا و لكنك خبير بان مقتضى هذه الأخبار هو الاجزاء و ان مات النائب قبل الإحرام و الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) لم يفتوا به.

و قد تفصى المصنف (قده) عن هذا الاشكال بالالتزام بتخصيصها بمرسلة المقنعة المتقدمة: (من خرج حاجا فمات في الطريق، فإنه ان كان مات في الحرم فقد سقطت عنه (الحجة الشاملة بإطلاقها للحاج عن غيره ايضا. و (فيه):

(أولا): ان لهذه المرسلة ذيلا لم يذكره المصنف (قده) و هو قوله: (فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج و ليقض عنه وليه) يمكن القول بظهوره في ان الحج

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث:

3

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 41

كان عن نفسه، إذ القضاء فيه انما يكون عنه لا عن النائب، و ذلك لأنه (تارة): اعتبرت المباشرية في ضمن العقد. و (اخرى): لا، فعلى الأول: يحكم ببطلان الإجارة من أصله لذهاب موضوعها، و لا يصح القضاء عنه كما لا مجال للأداء عنه، و على الثاني: يكون أداء عنه لا قضاء، فليس له إطلاق يشمل النائب.

و (ثانيا): على فرض تسليم كون الحديث مطلقا كما قد يقوى في النظر، و ذلك لاشتغال ذمة النائب بالحج النيابي كاشتغال ذمته بالحج النذري و الحج لنفسه، فكما انه ان لم يأت بالحج عن نفسه يقضى عنه وليه- و يصح التعبير بالقضاء- فكذلك إذا لم يأت بالحج النيابي أيضا يقضى عنه وليه و يفرغ ذمته عنه- و يصح التعبير بالقضاء عنه- كما لا يخفى بل يمكن القول بان قوله: «و ليقض» معناه و ليفعل كما ورد بهذا المعنى في اللغة فحينئذ شموله للنائب أوضح فتأمل و كيف كان بناء على فرض تسليم إطلاقه نقول: ان الحديث، ليس أخص من اخبار ما نحن فيه حتى تقيد به بل بينهما عموم من وجه، لأنه كما يكون الحديث أخص من اخبار ما نحن فيه من ناحية التفصيل بين دخول الحرم و عدمه كذلك يكون أعم منها من ناحية عدم اختصاصه بالنائب، فكان الاولى ان يستدل المصنف (قده) على مدعاه بان فرض موت النائب قبل الحرم هو مورد تعارضهما بالعموم من وجه، فيتساقطان، فنرجع الى الأصل العملي- و هو أصالة عدم الاجزاء- فيبقى خصوص صورة موته بعد دخول الحرم و (ثالثا): ان الحديث مرسل لا حجية فيه و

انجباره بعمل الأصحاب غير ثابت، لعدم إحراز استنادهم في التفصيل بين الموت قبل الحرم و بعده أو قبل الإحرام و بعده الى هذه المرسلة، لاحتمال كون مستندهم فيه الأخبار الواردة في الحاج عن نفسه بأحد التقريبات المتقدمة، أو الجمع بين ما دل على الاجزاء مطلقا و هو ما تقدم من الأخبار، و ما دل على عدم الاجزاء مطلقا، و هو موثق عمار الساباطي عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل حج عن آخر و مات في الطريق؟ قال: قد وقع أجره على اللّه، و لكن يوصي فإن قدر على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 42

رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل «1» و ان كان التحقيق عدم صحة الجمع بينهما بهذا الوجه، فإنه جمع تبرعي لا شاهد له، فلا عبرة به و لا يصلح مرسلة المقنعة شاهدة لذلك، لما عرفت، و كيف كان فالأمر فيما نحن فيه في غاية الإشكال، لأن فتوى الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بالتفصيل و هو الاجزاء في خصوص ما إذا مات بعد ان أحرم و دخل الحرم، أو كفاية مجرد الإحرام فيه على الخلاف في ذلك- كما سيأتي- و عدم الاجزاء إذا مات قبل الإحرام مما لم يرد فيه نص و ذلك لأن الأخبار الواردة فيما نحن فيه على طائفتين (الأولى): ما دل على الاجزاء إذا مات في الطريق مطلقا، و هو موثقة إسحاق المؤيدة بما تقدم من المرسلتين (الثانية): ما دل على عدم الاجزاء إذا مات في الطريق مطلقا، و هو موثق عمار الساباطي المتقدم و هما متعارضان، و ليس فتوى الأصحاب بالتفصيل المزبور موافقة لشي ء من هاتين الطائفتين، فحينئذ ان كان ذلك إعراضا منهم عن

كلتا الطائفتين فيبقى أصل الأجزاء بلا دليل فيتعين حينئذ الرجوع الى الأصل العملي، و هو أصالة الاشتغال القاضية بعدم الاجزاء، لكن كون ذلك إعراضا منهم عن كلتا الطائفتين معا غير معلوم، لاحتمال فهمهم لهذا التفصيل من الجمع بين الاخبار، و لو بملاحظة ما ورد في الحاج عن نفسه بأحد التقريبات المتقدمة، فتصل النوبة حينئذ إلى قواعد باب التعارض بين هاتين الطائفتين فإن كان لأحدهما مرجح أخذ بها و الا فالتخيير- كما رجحناه في الأصول- أو التساقط- كما ذهب اليه بعض ثم انه بناء على الثاني، يكون المرجع أصالة عدم الاجزاء الا ان يخرج عن هذا الأصل بعد المناقشة في جميع الأدلة في خصوص ما إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم (بدعوى): حصول الاطمئنان من إجماع الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا على الاجزاء فيه و لكن يمكن ان يقال بأنه لا معارضة بين موثقة إسحاق بن عمار- الدالة على الاجزاء إذا مات في الطريق أو بمكة- و بين موثقة عمار الساباطي- المستفاد منها

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 43

عدم الاجزاء إذا مات فيه- حيث (ان الأول): نصّ في الاجزاء إذا مات بعد الدخول في الحرم، لأنه هو القدر المتيقن من الاجزاء، فإنه لو كان الموت في أول الطّريق سببا للاجزاء لكان الموت بعد الدخول في الحرم سببا للاجزاء قطعا، و لكن بالنسبة الى ما قبل الدخول في الحرم ظاهر. و (أما الثاني): فهو نصّ في عدم الإجزاء بالنسبة الى قبل الدخول في الحرم، و لو بقرينة إجماع الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) لأنه هو القدر المتيقن من عدم الاجزاء، و ذلك

لأنه لو لم يكن الموت بعد الدخول في الحرم سببا للاجزاء لكان عدم سببية الموت للاجزاء قبل الدخول في الحرم بطريق أولى، فالأمر بالنسبة الى عدم الاجزاء المستفاد من الثاني يكون بالعكس، فترفع اليد عن ظاهر كل واحد منهما بنص الآخر و نتيجة ذلك هو التفصيل بين الموت قبل الدخول في الحرم و بعده، في الحكم بعدم الاجزاء في الأول، و بالاجزاء في الثاني- كما هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم).

ثم انه بعد الغضّ عن ذلك و القول بثبوت التهافت بينهما نقول: انه يمكن الجمع بينهما بحمل الأخبار الدالة على الاجزاء على ما إذا لم يكن للنائب بعد موته في الطريق مال في ذلك المحل و حمل الأخبار الدالة على عدم الاجزاء على ما إذا كان له مال فيه. هذا بناء على كون موثقة عمار الساباطي التي وقعت في ذيلها جملة: (و لكن يوصي فإن قدر على رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل) موردا للعمل و لم يثبت أعراض الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) عنه و الا فلا مجال للتفوه بهذا الجمع.

ثم انه بناء على عدم تمامية هذا الجمع و المناقشة فيه نقول انه يمكن ان يقال ان موثقة عمار الساباطي لا تقاوم موثقة إسحاق بن عمار، و ذلك لحملها على أحد وجوه:

(الأول)- ان موثقة إسحاق صريحة في الاجزاء عن المنوب عنه و موثقة عمار لا تدل على عدم الاجزاء عنه و انما تدل على وجوب إرسال شخص آخر على النائب، و هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 44

حكم تعبدي ثابت على النائب لا انه ثابت من ناحية عدم الاجزاء عن المنوب عنه، لكن يبعد هذا الوجه ان النائب الثاني

أيضا ينوي الحج عن ذلك المنوب عنه لا عن النائب.

اللهم إلا ان يقال بعدم كونه كذلك، بل هو نظير ما إذا أتى النائب بالحج و أتى فيه بشي ء أوجب عليه الحج في العام القابل ثم مات و قضى عنه شخص، فكما انه في هذا الفرض ينوي الحج عن النائب لا عن المنوب عنه، كذلك فيما نحن فيه، لأنه حكم على النائب، لفراغ ذمة المنوب عنه. لكن لا يخفى ما في هذا الوجه من البعد.

(الثاني): ان مورد موثقة إسحاق بن عمار خصوص الاستنابة بالأجرة و مورد موثقة عمار الساباطي أعم من النيابة و التبرع فتقيد الثاني بالأول، و لكن فيه تأمل.

(الثالث): انه بناء على عدم أخصية الاولى نقول: إن موثقة عمار الساباطي صريحة في أصل المطلوبية و ظاهرة في الوجوب، و موثقة إسحاق بن عمار صريحة في عدم الوجوب، فتحمل موثقة عمار الساباطي على الاستحباب.

فالمتحصل من هذه الوجوه أنه بناء على تماميتها ان موثقة إسحاق- الدالة على الاجزاء إذا مات النائب في الطريق- لا معارض لها، و على هذا فمقتضى الإطلاق هو الحكم بالاجزاء حتى في صورة الموت قبل الإحرام، لكنه لا يمكن الإفتاء به، لعدم إفتاء الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) به فيتعين الاحتياط و لكن المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

[و أما إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان]

قوله قده: (و أما إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان. لكن الأقوى عدمه، فحاله حال الحاج عن نفسه في اعتبار كلا الأمرين في الاجزاء.)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على قولين: (الأول): هو الحكم بعدم الاجزاء فيه، و اختاره صاحب الجواهر (ره) و الظاهر: انه المشهور ايضا، و تبعهم المصنف «قده» (و الثاني): هو الحكم

بالاجزاء فيه، و اختاره الشيخ «ره» بل ادعى انه منصوص بين الأصحاب لا يختلفون فيه بل ربما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 45

استدل له بإطلاق خبر إسحاق بن عمار المتقدم على ما حكاه صاحب الجواهر و اختاره الحلي أيضا (رحمه اللّه تعالى) في السرائر.

و التحقيق: انه ان كان المدرك في الحكم بالاجزاء في الصورة السابقة مرسلة المقنعة المتقدمة و غيرها مما ورد في الحاج عن نفسه و خصصنا بها موثقة عمار الساباطي المتقدمة- الدالة على عدم الاجزاء- اتجه القول بعدم الاجزاء في هذه الصورة. و ان كان المدرك في الحكم بالاجزاء في الصورة السابقة بعد المناقشة في جميع الأدلة هو الإجماع و حصول الاطمئنان منه، فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن، و هو الصورة السابقة، فالمتجه ايضا فيما نحن فيه عدم الاجزاء. و أما بناء على تمامية ما قربناه لموثقة إسحاق بن عمار المتقدمة و عدم ابتلائها بالمعارض، فلا بد من الأخذ بإطلاقها المقتضي للإجزاء سواء مات بعد دخول الحرم أم قبله، و سواء مات بعد الإحرام أم قبله. غاية الأمر أنه خرجنا عن هذا الإطلاق فيما إذا مات قبل الإحرام و أخذنا بالاحتياط، لتسالم الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) على الخلاف و بقي الباقي فتأمل.

قوله قده: (و الظاهر عدم الفرق بين حجة الإسلام و غيرها من أقسام الحج، و كون النيابة بالأجرة أو بالتبرع).

التحقيق: انه ان كان الوجه في أصل الحكم الإجماع، فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن، و ان كان مرسلة المقنعة فالحق ما أفاده المصنف «قده» من عدم الفرق للإطلاق، و ان كان سائر الأخبار الواردة في الحاج عن نفسه، فلا بد من الاقتصار على حجة الإسلام، لاختصاص تلك

الأخبار بها. و ان كان المدرك فيه موثقة إسحاق بن عمار كما قربناه، فيتجه عدم الفرق بين حجة الإسلام و غيرها للإطلاق لكن يمكن ان يقال باختصاص الحكم بالأجرة دون التبرع، لاختصاصها بها بل لعله يمكن ان يقال بأنه مقتضى الجمع بين موثقتي إسحاق بن عمار و عمار الساباطي المتقدمين بالتقريب المتقدم، كما ان استفادة الإطلاق من موثقة إسحاق بحيث يشمل نائب النائب فصاعدا لا يخلو عن اشكال، كما ان شمول الاخبار لما إذا قتل نفسه اختيارا ايضا مشكل.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 46

[المسألة الحادية عشرة إذا مات الأجير]
[إن كان بعد الإحرام و دخول الحرم يستحق تمام الأجرة]

قوله قده: (إذا مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم يستحق تمام الأجرة إذا كان أجيرا على تفريغ الذمة، و بالنسبة الى ما اتى به من الأعمال إذا كان أجيرا على الإتيان بالحج بمعنى الأعمال المخصوصة).

توضيح المقام: انه (تارة): تقع الإجارة على إفراغ الذمة و (اخرى): على الأعمال. أما (على الأول): فلا إشكال بناء على الاجزاء في استحقاق الأجير تمام الأجرة إذا مات بعد الإحرام و بعد الدخول في الحرم، لحصول المستأجر عليه- و هو فراغ ذمة المنوب عنه- و هذا مما صرح به جماعة من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) بل في المعتبر: (انه المشهور بين الأصحاب) و في كشف اللثام: (انه لا خلاف فيه عندنا كما في الغنية) و في المختلف: (إجماع الأصحاب على انه منصوص لا يختلفون فيه). و في المسالك (اتفاق الأصحاب عليه) و في الحدائق: (انه مصرح به في كلام الأصحاب) و اختاره صاحب الجواهر (ره) ايضا.

و أما إذا مات قبل الدخول في الحرم فلا إشكال عندنا في عدم استحقاقه شيئا من الأجرة لا كلا و لا بعضا، لعدم حصول العمل المستأجر- و هو إفراغ

الذمة.

و لكنه قد يستشكل في استحقاقه تمام الأجرة و ان مات بعد الإحرام و دخول الحرم بتقريب: أن فراغ الذمة أمر قهري و ليس تحت قدرة المكلف، لترتبه على الموت بعد الدخول في الحرم الذي هو خارج عن تحت قدرته، فيحصل الاجزاء بحكم الشارع، فحينئذ لا بد ان يحكم ببطلان الإجارة من أصله و بعدم استحقاقه شيئا من الأجرة لا كلا و لا بعضا لعدم قدرته على متعلق الإجارة و عدم استناده إليه، فإن الإفراغ ليس فعلا له.

و الجواب: انا نمنع عدم كون متعلق الإجارة تحت قدرته و عدم استناده اليه، و لست أقول: ان متعلق الإجارة مسبب توليدي للنائب فتصح إجارته لعدم انطباق ضابطه عليه بل أقول: إن متعلق الإجارة هو الإفراغ و هو داخل تحت قدرته و فعل له، و ذلك لان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 47

الفراغ يحصل بمشيه و إحرامه المتعقب بالموت بعد الإحرام و دخول الحرم و هو فعل له بلا إشكال و عدم كون الموت فعلا له و تحت قدرته ليس الا كعدم كون تحقق يوم عرفة مثلا الذي هو دخيل في صحة الحج و فراغ الذمة فعلا له و تحت قدرته، مع انه لا إشكال في انه إذا كان أجيرا على الحج و اتى به استحق تمام الأجرة.

و أما (على الثاني):- و هو ما إذا وقعت الإجارة على الأعمال- فلا يثبت استحقاقه للأجرة إلا بعد إتيانه بجميع الأعمال، فلو مات قبله سواء مات قبل الدخول في الحرم أم بعده لا يحكم باستحقاقه للأجرة أصلا لا كلا و لا بعضا، لعدم حصول العمل المستأجر عليه من دون فرق بين ما إذا اتى ببعض الأعمال أولا، و ذلك لصيرورته

أجيرا على الحج و من الواضح عدم كون البعض الحج، فهو نظير ما إذا صار أجيرا للصلاة ثم اتى بركعة منها، فمن الواضح انه لا يستحق الأجرة على تلك الركعة، كما اعترف به المصنف (قده) بعد أسطر، غاية الأمر ان فيما نحن فيه ثبت تعبدا انه إذا اتفق له الموت بعد الإحرام و الدخول في الحرم يحكم باجزائه عن المنوب عنه بمقتضى الأخبار المتقدمة بناء على تمامية الاستدلال بها و لا منافاة بين عدم استحقاقه من الأجرة و بين اجزاء ما اتى به عن المنوب عنه تعبدا، و قد ظهر بما ذكرنا ضعف ما أفاده المصنف (قده)- من استحقاقه من الأجرة بمقدار ما اتى به.

[و إن مات قبل ذلك لا يستحق شيئا]

قوله قده: (و إن مات قبل ذلك لا يستحق شيئا، سواء مات قبل الشروع في المشي أم بعده، و قبل الإحرام أم بعده، و قبل الدخول في الحرم، لأنه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلا و لا بعضا بعد فرض عدم اجزائه، من غير فرق بين ان يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع المقدمات- من المشي و نحوه- نعم لو كان المشي داخلا في الإجارة على وجه الجزئية بأن يكون مطلوبا في الإجارة نفسا استحق مقدار ما يقابله من الأجرة، بخلاف ما إذا لم يكن داخلا أصلا أو كان داخلا فيها لا نفسا بل بوصف المقدمية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 48

فما ذهب اليه بعضهم من توزيع الأجرة عليه أيضا مطلقا لا وجه له، كما أنه لا وجه لما ذكره بعضهم من التوزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام، إذ هو نظير ما إذ استؤجر للصلاة فاتى بركعة أو أزيد ثم أبطلت صلاته، فإنه لا إشكال

في أنه لا يستحق الأجرة على أتى به).

تفصيل الكلام في هذه المسألة: هو أنه (تارة): يصرح بدخوله فيها و (اخرى):

يصرح بعدم دخوله فيها و (ثالثة): لا يصرح بدخوله فيها و لا بعدمه بل يكون مطلقا.

أما (في الصورة الاولى): فلا إشكال في الجملة في توزيع الثمن بمقدار ما يقابله من الأجرة إذا مات بعد مشى مقدار من الطريق أو تمامه. و تحقيق المطلب هو ان دخوله في الإجارة يتصور على أنحاء و ذلك لأنه (تارة): يجعله المستأجر داخلا في متعلق الإجارة على نحو الجزئية و (اخرى): على نحو الشرطية و (ثالثة): على نحو القيدية- بأن يستأجره مثلا على الحج البلدي المقيد بهذا العنوان- أما إذا جعله المستأجر داخلا في متعلق الإجارة على النحو الأول فلا إشكال في تقسيط الثمن و استحقاقه من الأجرة بمقدار ما يقابله، لكونه على المفروض داخلا في متعلق الإجارة على نحو الجزئية، فيعامل معه معاملة الجزء.

ان قلت: من الواضح انه يعتبر في متعلق الإجارة ان يكون مما ينتفع به المستأجر، و طي الطريق مع فرض عدم الإتيان بالحج و عدم حصول الأجزاء لا ينتفع به المستأجر كما لا يخفى، فلا يحكم بالتقسيط و لو جعله المستأجر جزءا: قلت انه يكفى في حصول المنفعة ترتب الثواب على كل قدم رفعت بنية الحج منه، و هذا من أقوى الدواعي لجعل طيّ الطريق جزء لمتعلق الإجارة، فالتحقيق حينئذ هو تقسيط الثمن إذا جعلاه جزءا إلا إذا قيدا جزئيته بقيد التعقب بالحج.

و أما إذا جعله داخلا في الإجارة على النحو الثاني، فلا إشكال في عدم تقسيط الثّمن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 49

عليه، و نتيجة هذا الشرط أنه لو تخلف الأجير عنه- كما لو اشترط

عليه أن يحج مثلا من طريق النجف فحج من طريق آخر كان للمستأجر الخيار لتخلف الشرط فيرجع الى أجرة المثل اللهم الا ان يقال ان ما تعلق به طلب المستأجر هو الحج المشروط و لم يأت به فلا اجرة المثل في البين فتأمل- و كيف كان لا ينافي هذا الخيار صحيح حريز بن عبد اللّه قال:

سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): عن رجل أعطى رجلا حجة يحج بها عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة؟ فقال: لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه الحديث «1» و ذلك لأنه يدل على الأجزاء و لا ننكره.

و أما إذا جعله داخلا فيها على النحو الثالث فلا إشكال أيضا في عدم تقسيط الثمن و نتيجة هذا القيد أنه لو لم يتحقق كما لو استأجره لخصوص الحج البلدي المقيد بهذا العنوان فاتى بالحج الميقاتي لم يستحق الأجير شيئا. هذا تمام الكلام في الصورة الأولى.

و أما (في الصورة الثانية): و هي ما إذا صرح بعدم دخوله فيها بحيث لم يكن طي الطريق مطلوبا للمستأجر بوجه من الوجوه فلا إشكال أيضا في عدم تقسيط الثمن، لعدم دخوله في الإجارة كما هو المفروض.

و أما (في الصورة الثالثة): و هي ما إذا كان الكلام مطلقا و لم يصرح بدخوله فيها و عدمه فقد وقع خلاف في تقسيط الثمن بمقدار ما يقابله و عدمه قال في الجواهر: (خيرة جماعة منهم الأول، و آخرين الثاني، و التحقيق: أن المقدمات ملحوظة لكن في زيادة قيمة العمل بنحو ملاحظة الأوصاف في المبيع لا على جهة التوزيع في الأجرة و الثمن. إلخ) يمكن الاستدلال على الأول- و هو دخوله في الإجارة و تقسيط الثمن عليه- بوجهين:

(الأول)- ما

نراه وجدانا من دخالة قرب الطريق و بعده في القيمة و أنه لا يبذل بإزاء الحج الميقاتي بمقدار ما يبذل بإزاء الحج البلدي، و لو لا المشاق التي تقع قبل الأعمال و في أثنائها و لم يكن في البين سوى نفس الأعمال لما كان يبذل بازاءه شي ء معتد به،

______________________________

(1) الوسائل:- ج 2- الباب- 11 من أبواب النيابة حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 50

لا مكان استيجار شخص لخصوص الأعمال فقط من الميقات بأجرة يسيرة فمن إعطاء المبلغ الوافر يستكشف جعل الثمن بإزاء الأعمال و المقدّمات. و (فيه): أنه من الممكن أن لا يكون ذلك اعنى ازدياد القيمة بإزاء تلك المقدمات على وجه المعاوضة بل تصير هي داعية الى جعل قيمة زائدة بإزاء الأعمال. و قد اختار صاحب الجواهر (ره) هذا الاحتمال كما عرفته مما تقدم من صريح كلامه.

(الثاني): ان حج البيت معناه قصده و التوجه اليه، فطى الطريق داخل في الإجارة بمفهومه و (فيه): أن مقصودهم من لفظ الحج في استئجارهم هو معناه المعهود. عند المتشرعة لا معناه اللغوي كما لا يخفى.

يمكن الاستدلال على الثاني- و هو عدم كونه جزأ لمتعلق الإجارة و عدم تقسيط الثمن عليه- بوجوه:

(الأول)- ان المقدمة ليست شيئا فهي بمنزلة أوصاف المبيع. نعم، العمل الذي له مقدمات كثيرة يزداد قيمته بنظر العرف لاتصافه بالصعوبة كما يختلف قيمة المبيع باختلاف أوصافه، فلا يبذل بإزائها الثمن مستقلا حتى يحكم بالتقسيط في مفروض المقام و (فيه): وضوح عدم كون المقدمة كأوصاف المبيع و ذلك، لعدم إمكان جعل الثمن بإزاء أوصاف المبيع حتى يدعى انصراف إطلاق الكلام الى ذلك و هذا بخلاف المقدمة لكونها عملا خارجيا يمكن جعل الثمن بإزائها، فلدعوى انصراف الإطلاق إلى

التقسيط مجال.

(الثاني)- ان طي الطريق الى الميقات مثلا لو فرض منفردا لم يكن ذا قيمة و لم يكن يبذل بإزائه شي ء. نعم، إذا ضم الى الحج رأينا أنه يبذل أكثر مما كان يبذل في قبال نفس الحج لو لا توقفه على طي الطريق، فيعلم ان الزيادة ليس في مقابل الذهاب بل في قبال نفس العمل. و (فيه): منع عدم كون الطريق ذا قيمة مع الداعي العقلائي للمستاجرين اليه- و هو ترتب الثواب عليه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 51

(الثالث)- ان من الواضح وجدانا ان بعد الطريق ذهابا و إيابا دخيل في القيمة و أن من لا يريد الرجوع ربما يستأجر بأقل من ذلك، و مع هذا لو كان قاصدا للرجوع و استأجروه بقيمة زائدة و لكن بعد الفراغ عن أعمال الحج اعرض عن قصد الرجوع و عزم على البقاء في مكة و لم يرجع الى بلده لم يكن عرفا ذمته مشغولة بمقدار من الثمن بإزاء الرجوع الذي انصرف عنه. و (فيه): أن هذا انما يكون بالنسبة إلى الرجوع الذي لا يلاحظه المستأجر الا على نحو الداعي إلى ازدياد القيمة، لعدم كون الرجوع مطلوبا للمستأجر لا نفسيا و لا مقدميا حتى يلاحظ على نحو الجزئية و هذا بخلاف الذهاب كما لا يخفى.

(الرابع)- دعوى انصراف إطلاق الكلام عرفا الى عدم دخالة المقدمات في متعلق الإجارة كما أن الأمر كذلك أيضا في سائر أنواع الاستيجار- كالاستيجار لصلاة أو صوم أو بناء دار أو غير ذلك- فإذا استوجر أحد للصلاة مثلا فتوضأ و أتى بباقي مقدماتها و لكن لم يصل لا يستحق شيئا قطعا أو استوجر للصوم مثلا فتسحر و لم يصم و نحو ذلك، و ذلك لا لعدم

عود منفعة إلى المستأجر، بل لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه في نظرهم رأسا. كما لا يخفى. هذا و لكن الظاهر عدم كون ما نحن فيه في نظر العرف على ما نراه في بلادنا من قبيل الاستيجار لصلاة أو صوم و نحو ذلك، لاعتبار المقدمات بنظرهم و يفرقون بين الحج البلدي و الميقاتي، و الحج من المكان القريب و البعيد في ازدياد متعلق الإجارة و عدمه. نظير، استئجارهم لزيارة الحسين (ع) مثلا في كربلا و كذلك زيارة سائر المشاهد المشرفة، لكون المقدمة ملحوظة فيها بنظرهم على الاستقلال و الدخل في المتعلق و كيف كان فتشخيص الموضوع ليس وظيفة للفقيه و انما على الفقيه أن يبين حكم صدور المسألة التي هي أربعة- الجزئية و الشرطية و القيدية و الداعوية- لازدياد الثمن و قد عرفت حكم الجميع. و أما إذا أطلق الكلام، فالمتبع هو العرف، فحينئذ إذا كان أهل العرف متحدا في جميع النواحي و البلاد فهو، و الا فالمعول في كل بلد عرفه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 52

قوله قده: (و دعوى انه و ان كان لا يستحق من المسمى بالنسبة، لكن يستحق اجرة المثل لما أتى به، حيث أن عمله محترم مدفوعة: بأنه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه، و المفروض انه لم يكن مغرورا من قبله، و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحج في سنة معينة، و يجب عليه الإتيان به إذا كانت مطلقة من غير استحقاق لشي ء على التقديرين).

استدل بذلك صاحب الجواهر (ره) حيث قال في ذيل هذا المبحث: (قد يتجه استحقاق اجرة المثل فيها، لأصالة احترام عمل المسلم الذي لم يقصد التبرع به بل وقع مقدمة للوفاء بالعمل المستأجر عليه، فلم

يتيسر له ذلك بمانع قهري و عدم فائدة المستأجر به مع إمكان منعه بأن فائدته الاستيجار ثانيا من محل موته لا من البلد الذي تختلف الأجرة باختلافه غير قادح في استحقاق الأجرة عليه، نحو بعض العمل المستأجر عليه الذي لا استقلال له في نفسه- كبعض الصلاة و نحوه- نعم، قد يحتمل في الفرض ان المستحق أكثر الأمرين من اجرة المثل و ما يقتضيه التقسيط أو أقلهما، و لكن الأقوى أجرة المثل لعدم صحة التقسيط من أصله بعد فرض عدم اندراجها في عقد الإجارة على وجه تقابل بالأجرة كما هو واضح، و كأنه قده تبع كاشف اللثام (ره) حيث أنه بعد ان حكم باستحقاق الأجير من اجرة المسمى على النسبة قال: (و على فرض التنزيل عن ذلك نقول: ان عدم وقوع شي ء من الأجرة في قبال الذهاب لا يقتضي ذهاب عمل المسلم هدرا، بل اللازم استثناء اجرة مثل ما أتى به من العمل- اعنى قطع مقدار من المسافة- لأنه عمل مسلم محترم أتى به بأمر المستأجر، فلا معنى لذهابه بلا عوض).

و التحقيق: أن قاعدة احترام عمل المسلم من حيث الكبرى مسلمة و لا كلام لنا فيه، و لكن يقع الكلام في انطباقها على مفروض المقام. و الظاهر عدم شمولها له، لعدم انتفاع المستأجر بعمل الأجير و في مثله لا تجري قاعدة الاحترام و المفروض ايضا كما افاده المصنف (قده) انه لم يكن مغرورا حتى يقال برجوعه الى الغار، لقاعدة: (المغرور

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 53

يرجع الى من غره) فلا يستحق اجرة المسمى و لا اجرة المثل، فما افاده المصنف (قده) هو الصواب، فإذا ظهر ضعف ما افاده الفاضل في كشف اللثام و صاحب الجواهر

(قدس سرهما) من استحقاقه اجرة المثل، كما هو واضح، هذا و بطلان ذلك بالنسبة إلى المقدمة المفروض عدم كونها جزء للعمل المستأجر عليه أوضح، فإنه لم يكن إتيانه بها بأمر معاملي بل أتى بها مجانا مقدمة للإتيان بالعمل المستأجر عليه و امتثال الأمر بالوفاء بالعقد.

[المسألة الثانية عشرة يجب في الإجارة تعيين نوع الحج]
اشارة

قوله قده: (يجب في الإجارة تعيين نوع الحج: من تمتع، أو قران أو افراد.)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قال في الجواهر: (و ظاهرهم الاتفاق عليه من كون التمتع و القران و الافراد أنواعا للحج مختلفة، و انه يجب في الإجارة تعيين أحدها، لاختلافها في الكيفية و الأحكام، و الا لزم الغرر كما اعترف به صاحب المدارك (ره) في صدر المبحث، حيث قال فيها: (و مقتضى قواعد الإجارة انه يعتبر في صحة الإجارة على الحج تعيين النوع الذي يريده المستأجر، لاختلافها في الكيفية و الأحكام ما أفاده المصنف (قده) هو الصواب، و لا ينبغي الإشكال فيه، و ذلك لان الإجارة من العقود المعاوضية و لا بد ان يقع الإنشاء على الشي ء المعين، و لا يمكن وقوع التبديل بين المال و بين الشي ء المبهم واقعا، و هذا مما تقتضيه طبع المعاملة، فلا بد في ما نحن فيه إما ان يعين نفس الحج أو نوعا خاصا منه إذا أراده- كما يكون كذلك في البيع- فبدون التعيين يكون باطلة كما هو واضح.

[و لا يجوز للمؤجر العدول عما عيّن له]
اشارة

قوله قده: (و لا يجوز للمؤجر العدول عما عيّن له، و ان كان الى الأفضل كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأول- إلا إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيرا بين النوعين، أو الأنواع، كما في الحج المستحبي، و المنذور المطلق، أو كان ذا منزلين متساويين في مكة و خارجها.)

قال في المدارك: (و ان الأجير متى شرط عليه نوع معين وجب عليه الإتيان، به لأن الإجارة انما تعلقت بذلك المعين، فلا يكون الآتي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 54

بغيره آتيا بما استوجر عليه، سواء كان أفضل مما استوجر عليه أم لا). ثم

أيده (قده) بما رواه الشيخ في الحسن عن الحسن ابن محبوب عن على في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة قال: ليس له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج لا يخالف صاحب الدراهم «1» و قال في الجواهر في ذيل المبحث: (و كيف كان فمع عدم الاذن بذلك و لو فحوى بناء على الاجتزاء بها لو عدل لم يستحق عوضا، لكونه متبرعا حينئذ، و ان وقع عن النائب باعتبار نية النائب، و ما عن التحرير و المنتهى من الإشكال في ذلك في غير محله. و ان وجه بأنه أتى بالعمرة و الحج و قد استنيب فيهما و انما زادهما كمالا و فضلا الا انه كما ترى).

تحقيق الكلام: هو انه (تارة): يكون على المنوب عنه نوع خاص من الحجّ و يستأجر شخص على خصوص ذلك النّوع الخاص و (اخرى): لا يكون كذلك بل يكون مخيرا بين أنواعه- كناذر الحج مطلقا، و ذي المنزلين المتساويين في مكة و خارجها، و الحج المستحبي- و لكن يستأجر شخص على نوع خاص منه- اما (على الأول): فلا إشكال في عدم جواز العدول الى نوع آخر، بلا فرق بين ان يكون المعدول إليه الأفضل و المفضول و المساوي و يجب عليه الإتيان بما عين، فلو خالفه و أتى بغير ذلك النوع يحكم بعدم استحقاقه للأجرة لا الأجرة المسماة و لا الأجرة المثل ان كان التعيين على نحو القيدية، لأن استحقاقه للأجرة فرع إتيانه بما استوجر عليه و المفروض عدم إتيانه به فلا يستحق الأجرة المسماة، كما لا يستحق ثمن المثل أيضا، لأنه لم يكن ما فعله بأمر معاملي من المستأجر. و قاعدة الغرور ايضا غير منطبقة على المقام كما لا

يخفى، فيحكم بعدم استحقاقه شيئا من الأجرة، سواء كان ما اتى به أفضل مما استوجر أولا، و يحكم ايضا بعدم اجزاء ما اتى به عن المنوب عنه. و الوجه في ذلك واضح، إذ المعدول اليه غير ما اشتغلت به ذمته، فكيف يمكن القول باجزائه عنه مع عدم مطابقة

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 12- من أبواب النيابة حديث: 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 55

المأتي به- و هو المعدول إليه- للمأمور به، فلا يوجب براءة ذمة المنوب عنه عن الواجب، كما هو واضح.

و اما (على الثاني): فلا ينبغي الإشكال في حصول الاجزاء بما اتى به، لانطباق المأتي به على ما يكون ذمته مشغولا به، لان المفروض حصول فراغ ذمته بأيّ نوع منه و لكنه لا يستحق الأجرة المسمّاة، و لا ثمن المثل ان كان التعيين على نحو القيدية [1] لما تقدم فيكون المعدول إليه حينئذ غير المستأجر عليه، فلا يستحق من الأجرة شيئا. و كيف كان فما أفاده المصنف (قده)- من عدم جواز عدول الأجير عما عيّن له الى غيره و ان كان الى الأفضل- صحيح سواء كان الواجب عليه نوعا معينا من الحج، أم مخيرا بين أنواعه، و لكنه صار أجيرا على نوع خاص منه فإذا استوجر على خصوص القران لا يجوز له

______________________________

[1] المؤلف: و اما إذا كان التعيين بنحو الشرطية بأن فرض: أنه استأجره على الحج فقط و لكن شرط عليه ان يأتي بنوع خاص منه- من التمتع، أو القران، أو الافراد- فخالف الشرط و اتي بغير ما شرط عليه في ضمن العقد، سواء كان النوع المشترط معيّنا في ذمة المنوب عنه أم كان مخيرا بين الأنواع الثلاثة لكنه شرط نوعا خاصا،

فخالف الشرط فللمستأجر يثبت خيار تخلف الشرط فان أمضى ما اتي به الأجير فيحكم باستحقاقه الأجرة المسماة، و إذا فسخ، فيمكن ان يقال بثبوت ثمن المثل عليه، لما قد حقق في محله انه لا بد بعد الفسخ من إرجاع كل من البدلين بجميع مراتبه- من خصوصية الشخصية، و النوعية، و المالية- إلى مكانه الأول، و مع تعذر بعض المراتب يتعين إرجاع الباقي على ما قرر في البيع، و كذلك في مفروض المقام، و حيث أنه فيما نحن فيه وقع العمل عن المنوب عنه أما واجبا إذا اتى بالواجب عليه أو مستحبا فيما إذا اتى بغير الواجب عليه و لا يمكن رد ذات العمل اليه و يمكن رد القيمة فيتعين على المستأجر ردها اليه و المفروض ان إتيانه بنفس الحج كان بأمر معاملي.

اللّهم الا ان يقال بان نفس الحج و ان كان مطلوبا له و أوقع العقد عليه، و لكن كان ذلك مع الشرط فمع تخلّفه إذا فسخ فلا يستحقّ شيئا حتى ثمن المثل، و لكنه بعد لا يخلو من تأمل (م ا ج)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 56

العدول الى التمتع فضلا عن الافراد، و كذلك إذا صار أجيرا على التمتع لا يجوز له العدول الى القران، أو الافراد. نعم، في صورة ما إذا كان المستأجر مخيرا بين الأنواع- كما في المنذور المطلق و نحوه- إذا عدل و اتى بنوع آخر يحصل الاجزاء لان الانطباق قهري، و الاجزاء عقلي.

اللهم الا ان يقال ببطلان العمل المعدول اليه، فلا يبقى مجال حينئذ للقول بالاجزاء كما لا يخفى يمكن ان يستدل على بطلانه بوجوه:

(الأول)- ان الأمر بإتيان نوع معين منه وفاء بمقتضى الإجارة موجب للنهى عن ضده، المستلزم

للبطلان. و (فيه): منع أصل اقتضاءه، للنهى، كما حقق في الأصول حتى يقع الكلام في اقتضاء النّهي التّبعي للفساد و عدمه.

(الثاني)- انه لا إشكال في انه يجب عليه بمقتضى الإجارة الأولى صرفه قدرته في متعلقها، لصيرورة ذلك العمل ضروري الوجود شرعا بها، فالمعدول اليه يكون بحسب الشرع ممنوعا و غير مقدور عليه، و المانع الشرعي كالمانع العقلي فلا يصح منه ذلك. و (فيه) انه لم ينهض دليل تعبدي على كون المانع الشّرعي كالمانع العقلي بعد ثبوت الاختيار له تكوينا و غاية ما في الباب ان العدول من الشرط يوجب العصيان، كما لا يخفى، و هذا لا يمنع عن صحة عمله و اشتراط القدرة الشرعية بهذا المعنى أول الكلام.

(الثالث)- عدم مالكيته لما اتى به من العمل، لانه بعد صيرورته أجيرا على حج التمتع مثلا لا يكون مالكا لحج القران حتى يقال بصحة وقوع ذلك عنه، لعدم كون الإنسان مالكا لأعماله المتضادة، بل هو مالك لواحد منها و المفروض انه ملك المستأجر واحدا منها فليس بعد مالكا لشي ء. و (فيه): انه لا معنى لكون الإنسان مالكا لعمل نفسه سوى انه قادر على شي ء له ماليّة و متمكن من جعله لنفسه و المعاملة عليه مع غيره، و هذا كما ترى غير مستلزم لبطلان ما اتى به من العمل المضاد لما ملكه المستأجر،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 57

و أى دليل على انه يشترط في صحة العمل مملوكيته للعامل بان لا يكون ملك غيره ضد ذلك العمل (الرابع)- ما ورد من النهى عن العدول و هو مضمر على (عليه السلام) في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة؟ قال (عليه السلام): ليس له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج

لا يخالف صاحب الدراهم «1». و (فيه): بعد الغمض عن ضعف سنده و إضماره، ان النهى عن المخالفة لا يدل على حرمة ذات العمل حتى يوجب البطلان، و الظاهر ان المراد من قوله: (ليس له ان يتمتع) ايضا هو النهى عن المخالفة لا ان هذا العمل بنفسه حرام و باطل.

[و أما إذا كان ما عليه من نوع خاص فلا ينفع رضاه أيضا بالعدول الى غيره]

قوله قده: (و أما إذا كان ما عليه من نوع خاص، فلا ينفع رضاه أيضا بالعدول الى غيره، و في صورة جواز الرضاء يكون رضاه من باب إسقاط حق الشرط ان كان التعيين بعنوان الشرطية و من باب الرضاء بالوفاء بغير الجنس ان كان بعنوان القيدية، و على اى تقدير يستحق الأجرة المسماة و ان لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني لأن المستأجر إذا رضي بغير النوع الذي عينه فقد وصل اليه ماله على المؤجر- كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون- فكأنه قد أتى بالعمل المستأجر عليه، و لا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل، أو الى المفضول).

تحقيق المطلب: هو ان رضاه بالعدول (تارة): يكون قبل إتيان الأجير بالعمل.

و (اخرى): بعد إتيانه به ف (على الأول): ان رضاه به يكون من باب إسقاط حق الشرط ان كان التعيين بعنوان الشرطية، و من باب الرضاء بالوفاء بغير الجنس، أو من باب رفع اليد عن الإجارة الاولى، و إنشاء إجارة ثانية بالمعاطاة ان كان التعيين بعنوان القيدية بلا فرق في ذلك بين كون ما عليه نوعا معينا من الحج أو مخيرا فلا وجه لتفصيل المصنف (قدس سره) بينهما، و ذلك لأنه و لو كان يشترط في صحة الإجارة ان يكون العمل المستأجر عليه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 12- من أبواب النيابة

حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 58

مما يكون نفعه عائدا إلى المستأجر، و المفروض فيما نحن فيه عدم كونه كذلك، لكونه مكلفا بإتيان نوع خاص من الأنواع الثلاثة، و لا يفرغ ذمته المعدول إليه الذي اتى به الأجير، و لكن مع ذلك ايضا فيه منفعة غير المنفعة المقصودة- اعنى إفراغ الذمة التي وقعت الإجارة لأجلها- و هي وقوعه له بعنوان الاستحباب الذي يترتب عليه ثواب كثير، كما هو واضح، و لكنه لا يخلو من تأمل، و كيف ما كان في الصورة الثانية لا يحصل الاجزاء، لعدم انطباق المستأجر عليه على ما اتى به الأجير، و هذا بخلافه في الصورة الأولى، لانطباقه عليه، و الأجير في كلا الفرضين يمكن ان يقال باستحقاقه الأجرة المسمّاة، كما افاده المصنف (قدس سره) و فيه اشكال واضح، إلا إذا كان مرجعه إلى إنشاء اجارة ثانية و لو بعنوان التعاطي فحينئذ الحكم باستحقاقه الأجرة المسماة مما لا اشكال فيه.

و (على الثاني): فإن كان التعيين على نحو الأول- أي الشرطية- فرضاه في الحقيقة إسقاط لخيار تخلف الشرط، بناء على ثبوته له، و لذا يمكن ان يقال حينئذ باستحقاق الأجير الأجرة المسماة، و لكن فيه إشكال، لأن استحقاقه الأجرة المسماة فرع إتيانه بالعمل المستأجر عليه و المفروض عدم إتيانه به. نعم، إذا رضي المستأجر بإعطائها له لا مانع منه و أما (على الثاني):- أي القيدية- فيمكن ان يقال بعدم استحقاقه شيئا لا أجرة المسماة و لا اجرة المثل. أما عدم استحقاقه للأجرة المسماة، فلعدم إتيانه بما استؤجر عليه. و أما عدم استحقاقه الأجرة المثل فلعدم كون ما اتى به بأمر المستأجر. و أما ما أفاده المصنف (قده) من استحقاقه الأجرة المسماة فهو

قابل للمنع و الإشكال.

و قد يقال: من الواضح ان نفس إنشاء العقد يوجب ضمان الأجير العمل المقيد، و ضمان المستأجر الأجرة المسمّاة، و المفروض عدم إتيان الأجير بالعمل المقيد، فهو مطلوب به، كما ان المستأجر أيضا مطلوب بالأجرة، فحينئذ إذا ابرء المستأجر الأجير،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 59

فيمكن ان يقال بلزوم إعطاء المستأجر الأجرة المسماة بالأجير، و الا فليس له ذلك، كما إذا لم يسلم الأجير العمل المستأجر عليه و لكن فيه اشكال واضح. نعم، ان كان رضاه عنه بمعنى الرضاء بالوفاء بغير الجنس أو تجديد المعاملة فمن المعلوم انه بعد العمل غير ممكن و ليس بيد المستأجر حتى ينفع رضاه و لكنه بعد هذه المسألة من أولها إلى آخرها محتاج إلى التأمل.

ثم إنه لا بأس بذكر الضابط للشرطية، و القيدية إجمالا: فنقول: ان ما يذكر في ضمن العقد ان كان من الذاتيات- كعنوان الحنطة و الشعير- فهو قيد و عنوان منوع و لو كان ذكره فيه بعنوان الشرطية، و بتخلفه يحكم ببطلانه فلو قيل مثلا: (بعتك هذا بشرط ان يكون حنطة) كان ذلك قيدا و ان كان بلسان الشرط. و أما إذا كان من الاعراض، و الأوصاف- كالكتابة، و الفطانة، و نحوهما- فيمكن أخذها شرطا- بان يوقع العقد على نفس العبد مثلا، و يشترط في ضمنه كونه كاتبا على نحو تعدد المطلوب- و يمكن أخذها قيدا- كان يكونا قاصدين للمعاملة على خصوص العبد الكاتب على نحو وحدة المطلوب بحيث لو لم يكن كاتبا فليسا قاصدين لبيعه و شراءه- هذا كله بالنسبة إلى المعاملات.

و أما بالنسبة إلى الأحكام الشرعية، فكل ما أخذ في أدلتها يكون قيدا لها و ان كان من الأوصاف، سواء ذكر

بلفظ الشرط أم القيد، فلو قال: (أعتق رقبة مقيدة بكونها مؤمنة، أو بشرط كونها مؤمنة) كان مفاد كليهما واحدا هذا كله بحسب الكبرى.

و أما بحسب الصغرى فنقول: ان عنوان القران، أو الأفراد، أو التمتع، يمكن جعله قيدا للحج، و يمكن جعله شرطا له، لعدم كونه من الذاتيان بل من الأوصاف العارضة للحج المتعلقة بموضوع العقد، و ذلك لأن الحج عبارة عن ذات الأفعال التي يؤتى بها في الأمكنة المعينة، و في الأزمنة الخاصة، و الاختلاف بينها في بعض الواجبات- كالهدي، و التقدم، و التأخر،- لا توجب المباينة بينها بحسب الذّات بعد اتحادها: في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 60

نوع الأعمال، فالتمايز بينها انما يكون بالكيفيات و الأمور الغير الدخيلة في الذات. إلا إذا قلنا بوجوب قصد عنوان التمتع، أو الافراد في الحج فحينئذ يحصل التباين بينها من ناحية القصد و النية، لصيرورتها حينئذ من العناوين المتقومة بالقصد فتأمل.

[العدول إلى الأفضل]

قوله قده: (و يظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل- كالعدول الى التمتع تعبدا من الشارع- لخبر أبى بصير الى ان قال: و الأقوى ما ذكرنا، و الخبر منزلة على صورة العلم برضا المستأجر).

اختلفت كلما الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على أقوال:

(الأول): جواز العدول إلى الأفضل مطلقا، و اختاره الشيخ، و الإسكافي، و القاضي، و غيرهم (قدس اللّه تعالى أسرارهم) (الثاني): عدم جواز العدول مطلقا، و هو ظاهر النافع، و الجامع، و التلخيص على ما حكاه الفاضل الأصبهاني (قدس سره) في كشف اللثام (الثالث): عدم جواز العدول إلا إذا كان الحج مندوبا، و هو خيرة العلامة في المنتهى على ما حكى عنه. (الرابع) عدم جواز العدول إلا إذا كان الحج مندوبا، أو علم

كون الأفضل محبوبا للمستأجر- بأن يكون حجا منذورا مطلقا، أو كان المنوب عنه ذا منزلين متساومين في مكة و خارجها- و هو الذي حكى في الجواهر عن محكي التحرير و المنتهى، و قد نسب صاحب كشف اللثام (قدس سره) ذلك الى المعظم. و عن الشرائع: يجوز إذا كان الحج مندوبا، أو قصد المستأجر الإتيان بالأفضل لا مع تعلق الفرض بالقران أو الافراد.

و الأقوى في النظر هو القول الثاني الذي ذهب اليه صاحب النافع و غيره- و هو عدم جواز العدول مطلقا- نعم لو علم برضا المستأجر بغيره- و هو المعدول اليه- جاز، و لعل مرجع القول الرابع ايضا الى ذلك، و كيف كان فما اخترناه هو مقتضى القاعدة و يؤيده مضمر على: في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة؟ قال: ليس له ان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 61

يتمتع بالعمرة إلى الحج لا يخالف صاحب الدراهم «1» نعم ورد عن ابى بصير «يعني المرادي» عن أحدهما في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة فيجوز ان يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: نعم، انما خالف إلى الأفضل «2» و لكن مقتضى التعليل الواقع في الرواية، كما افاده صاحب الجواهر (ره)- و هو قوله: «انما خالف إلى الأفضل»- هو اختصاص الحكم بما إذا كان المستأجر مخيرا بين الأنواع- كالمتطوع، و ذي المنزلين المتساويين في الإقامة في مكة و خارجها، و ناذر الحج مطلقا،- و على هذا فيمكن القول بتقييد الأول- و هو مضمر على- بالثاني- و هو خبر أبى بصير- و ذلك لاختصاص الخبر الثاني بصورة التخيير بخلاف الخبر الأول، فإنه مطلق، فبمقتضى الإطلاق و التقييد يحمل الخبر الأول على غير هذه

الصورة، فيحكم بعدم جواز العدول الى نوع آخر من الحج إلا إذا كان المستأجر مخيرا و كان المعدول إليه أفضل. هذا و لكن المحقق (طاب ثراه):

حمل الخبر الثاني على ما إذا كان على المنوب عنه حج ندبي على ما حكى عنه. و حمله المصنف (قده) على صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيرا بين النوعين جمعا بينه و بين الخبر الأول، كما هو صريح كلامه.

هذا و يمكن ان يقال: ان قوله: «انما خالف إلى الأفضل، لا يبعد ان يكون ناظرا إلى انه بعد ان كان المنوب عنه مخيرا بين النوعين و كان التمتع أفضل فهذا قرينة على رضاه بالعدول، فالعبرة كما مر انما هي برضا المستأجر بالعدول و بدون رضاه به لا يجوز ذلك مطلقا فتأمل، و لا أقل من الإجمال، فنرجع الى مقتضى القاعدة- و هو ما عرفت من عدم جواز العدول مطلقا بدون رضاه.

ثم انه بناء على ما عرفت من عدم جواز العدول مطلقا الا مع العلم برضا المستأجر به إذا عدل بدون ذلك لا يستحق الأجرة في صورة التعيين على وجه القيدية و ان كان حجه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 12- من أبواب النيابة حديث: 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 12- من أبواب النيابة حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 62

صحيحا عن المنوب عنه و مفرغا لذمته إذا لم يكن ما في ذمته متعينا فيما عين، لأن الانطباق قهري و الاجزاء عقلي و عدم استحقاقه الأجرة لا يختص بالأجرة المسماة بل يحكم بعدم استحقاقه الأجرة المثل ايضا أما عدم استحقاقه الأول فلعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه.

و أما الثاني فلعدم كون ما اتى به بأمر المستأجر. و أما إذا كان

التعيين بنحو الشرطية فيمكن ان يقال باستحقاقه الأجرة إلا إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلف الشرط إذ، حينئذ لا يستحق الأجرة المسماة بل اجرة المثل كما أفاده المصنف (قده).

[المسألة الثالثة عشرة لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق]

قوله قده: (لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق و ان كان في الحج البلدي، لعدم تعلق الغرض بالطريق نوعا، و لكن لو عين تعين، و لا يجوز العدول عنه الى غيره الا إذا علم انه لا غرض للمستأجر في خصوصيته و انما ذكره على المتعارف فهو راض بأي طريق كان، فحينئذ لو عدل صح، و استحق تمام الأجرة).

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على قولين:

(الأول): جواز العدول مطلقا، و هو خيرة الشيخين في المقنعة، و الشيخ (ره) في المبسوط، و الحلي، و القاضي، و يحيى بن سعيد، و في محكي الإرشاد و العلامة في القواعد، و هو ظاهر الصدوق (ره) فيمن لا يحضره الفقيه على ما حكاه صاحب الحدائق.

(الثاني): عدم جواز العدول مع تعلق الغرض بذلك الطريق المعين و جواز العدول مع عدمه، و هو خيرة المحقق (طاب ثراه) في الشرائع، و أكثر المتأخرين كما قيل بل قيل انه المشهور بين المتأخرين.

و كيف كان فنقول: انه لا ينبغي الارتياب في عدم لزوم تعيين الطريق في الإجارة و لكن لو عين فلا إشكال في تعينه عليه و عدم جواز العدول عنه وفاقا للمشهور لعموم:

(المؤمنون عند شروطهم) و لعموم: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) هذا مما تقتضيه القواعد المقررة في باب الإجارة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 63

و لكن يمكن الاستدلال على القول الأول- و هو جواز العدول مطلقا- بما رواه الشيخ (ره) في الصحيح عن حريز بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه

السلام) عن رجل اعطى رجلا حجة يحجّ بها عنه من الكوفة، فحج عنه من البصرة؟ فقال: لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه «1» و قد تمسك به جماعة من الأصحاب القائلين بجواز العدول مطلقا. و (فيه): انه قابل للمناقشة و الإشكال و ذلك لأنه يمكن ان يقال ان صحة حجه كما يقتضيها هذا الصحيح و القواعد مع مخالفته للطريق التي عينها المستأجر عليه لا تنافي القول بعدم جواز العدول الذي هو مقتضى أدلة نفوذ الشروط و العقود. و دلالة هذه الرواية على أزيد من صحة أصل الحج و اجزائه غير معلومة نعم بناء على القول باقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده يشكل الالتزام بصحة المعدول اليه كما لا يخفى.

مضافا الى انها ربما تحمل على محامل آخر: فعن المدارك عدم صراحتها في ذلك، لاحتمال ان يكون قوله: «من الكوفة» صفة لرجل لأصله (يحج). و (فيه): انه كما ترى خلاف ظاهرها، لأن قرينة المقابلة بين من الكوفة، و من البصرة تقتضي ان يكون متعلقا به «يحج» و عن الذخيرة على ما حكى عنه تعليل عدم صراحتها باحتمال كون قوله: «من الكوفة» متعلقا بقوله: «اعطى» لا بقوله: «يحج عنه» و هذا ايضا كسابقه. و حكى عن المنتفى حملها على صورة عدم تعلق الغرض بخصوص الطريق. و (فيه): انه تقييد من غير مقيد و إطلاقها ينفي ذلك. و حكى عنه ايضا حملها على ما إذا كان المدفوع بعنوان الرزق لا بعنوان الإجارة. و (فيه): انه ايضا كما ترى خلاف ظاهرها. مضافا الى انه إذا كان إعطائه مشروطا بالحج من الكوفة فمع عدم الحج عنها يكون المبذول له ضامنا لما بذله الباذل لتخلف شرطه. و لكن عمدة

الإشكال في الاستدلال بالرواية هو ما ذكرنا- و هو إمكان القول بأنها انما تدل على صحة الحج من حيث هو لا من حيث كونه عملا مستأجرا عليه- وفاقا للمصنف (قده).

______________________________

(1) الوسائل:- ج 2- الباب- 11 من أبواب النيابة حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 64

و لكن التحقيق: هو انه ان كانت جملة: (إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه).

الواقعة في صحيح حريز المتقدم متفرعة على قوله: «لا بأس» فحينئذ يتم ما أفاده المصنف (قده) بعد أسطر: من دلالتها على صحة الحج من حيث هو لا من حيث كونه عملا مستأجرا عليه، و الا ففيه تأمل و اشكال بل منع.

قوله قده: (و كيف كان لا إشكال في صحة حجه و براءة ذمة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيدا بخصوصية الطريق المعين، انما الكلام في استحقاقه الأجرة المسماة على تقدير العدول و عدمه و الأقوى: انه يستحق من المسمى بالنسبة و يسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبرا في الإجارة على وجه الجزئية، و لا يستحق شيئا على تقدير اعتباره على وجه القيدية، لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذ، و ان برئت ذمة المنوب عنه بما اتى به، لأنه حينئذ متبرع بعمله. إلخ).

تفصيل الكلام في هذه المسألة هو انه (تارة) يكون تعيين الطريق في الإجارة للإشارة الى ما هو المتعارف عنه المتشرعة من دون تعلق غرض المستأجر بخصوصيته حتى يكون دخيلا في المستأجر عليه و (اخرى): يتعلق غرضه به بحيث يجعله المستأجر في الإجارة على نحو الجزئية بحيث يكون المستأجر عليه مركبا من الحج و الطريق الخاص، و (ثالثة): يجعله المستأجر فيها على نحو الشرطية و تعدد المطلوب- بان وقع العقد على أصل

الحج بشرط الإتيان به من الطريق المعين- و (رابعة): يجعله المستأجر فيها على نحو القيدية و وحدة المطلوب بحيث كان المستأجر عليه هو القيد و المقيد بان يقول مثلا: (آجرتك على الحج المقيد بكونه من طريق النجف الأشرف) (فعلى الأول): لا بأس بمخالفة الطريق المعين و يحكم باستحقاقه تمام الأجرة المسماة و لو مع المخالفة، لأن المفروض عدم تعلق غرضه بخصوصية الطريق المعين بل في هذا الفرض لا يتصور مخالفة حقيقة و (على الثاني): فيمكن ان يقال بلزوم التوزيع و التقسيط و استحقاقه من الأجرة المسماة بالنسبة فيملك الأجير

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 65

في هذا الفرض من الأجرة المسماة ما يقابل بالأعمال و يسترد منها ما يقع بإزاء الطريق، كما أفاده المصنف (قده). و (على الثالث): فيحكم بثبوت الخيار للمستأجر من جهة تخلف الشرط فإن إمضاء فهو و يستحق الأجير الأجرة المسماة و الا فيستحق الأجير اجرة المثل، لوقوع نفس العمل بطلب المستأجر. و (على الرابع): فيحكم بعدم استحقاقه شيئا لا الأجرة المسماة و لا اجرة المثل، كما افاده المصنف (قده) أما الأول: فلعدم الإتيان بالعمل المستأجر عليه. و أما الثاني: فلعدم الموجب لها. و أما طلب المستأجر تعلق بالعمل المقيد كما هو المفروض و لم يأت به كي يحكم بضمانه.

و أما. (دعوى): انه و ان كان لا يستحق من المسمى بالنسبة لكن يستحق اجرة المثل، لما اتى به (مدفوعة): بأنه لا موجب له بعد عدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه كما عرفت و لم يكن ايضا مغرورا حتى يحكم بضمانه لها لقاعدة: (المغرور يرجع الى من غرّه)، فلا يستحق شيئا و أما قاعدة الاستيفاء فلا مجال لجريانها في المقام ضرورة: ان مورد قاعدة

الاستيفاء هو ما إذا صدر عمل للغير بطلب منه كقوله: «خط ثوبي، أو احلق رأسي» فذمة الطالب حينئذ مشغولة بأجرة المثل، و من المعلوم عدم كون المقام من صغريات هذه القاعدة، حيث أن الحج عن غير الطريق التي عينت على الأجير صدر من غير إذن المستأجر و طلبه، فلا يستحق الأجير أجره لهذا العمل أصلا، كما لا يخفى.

قوله قده: (و دعوى انه يعد في العرف انه اتى ببعض ما استؤجر عليه فيستحق بالنسبة و قصد التقييد بالخصوصية لا يخرجه عرفا عن العمل ذي الاجزاء كما ذهب اليه صاحب الجواهر (ره) لا وجه لها).

ما أفاده المصنف (قده) هو الصواب، لأنه بعد وقوع الإجارة بهذه الكيفية بحيث أراد صدوره من الطريق الخاص بنحو وحدة المطلوب فمع التخلف لا يصدق عليه انه ذلك العمل المستأجر عليه كما هو واضح [1].

______________________________

[1] المؤلف: لا بأس بذكر ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) قال بعد حكمه بلزوم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 66

[المسألة الرابعة عشرة بطلان الإجارة الثانية]

قوله قده: (إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معينة ثم آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة ايضا بطلت الإجارة الثانية لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالأولى)

ذكر ذلك صاحب الجواهر (ره) معللا بما افاده المصنف (قده) و في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه): «و ان استؤجر لحجة لم يجز ان يوجر نفسه لأخرى حتى يأتي بالأولى» قال: (إذا استؤجر الأجير ليحج عن غيره فاما ان يعين له السنة التي يحج فيها أولا فمع التعيين لا يصح ان يؤجر نفسه ان يحج عن آخر في تلك السنة لاستحقاق الأول منافعه تلك السنة لأجل الحج فلا يجوز صرفها الى غيره. إلخ

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا، و الظاهر ان المتسالم عليه بينهم، و لم يتعرض أحد منهم للخلاف فيه، و ما يمكن الاستدلال به على بطلان الإجارة الثانية وجوه:

(الأول)- الإجماع. و (فيه): ما تكرر مرارا من ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الكاشف عن رأى المعصوم كشفا قطعيا، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض الوجوه الآتية فلا يمكن ان يعتمد عليه.

(الثاني)- ان الأمر في الإجارة الأولى يقتضي النهي عن ضده. و (فيه): منع أصل المبنى كما حقق في الأصول.

______________________________

تقسيط الثمن إذا ذكر الطريق على وجه الجزئية لما وقع عليه عقد الإجارة: (و ان كان المراد الجزئية من العمل المستأجر عليه على وجه التشخيص به، فقد يتخيل في بادى النظر عدم استحقاق شي ء، كما سمعته عن سيد المدارك، لعدم الإتيان بالعمل المستأجر عليه، فهو متبرع به حينئذ، لكن الأصح خلافه ضرورة: كونه بعض العمل المستأجر عليه، و ليس هو صنفا آخر، و ليس الاستيجار على خياطة تمام الثوب فخاط بعضه مثلا بأولى منه بناء على عدم الفرق بين التخلف لعذر، و غيره في ذلك، و ان اختلفا في الإثم و عدمه، لأصالة احترام عمل المسلم.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 67

(الثالث)- عدم القدرة، لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي. بتقريب: انه يجب بمقتضى الأمر الإجاري الأول صرف قدرته في متعلقة، لصيرورته ضروري الوجود شرعا فليس له قدرة على الإتيان بمتعلق الإجارة الثانية. و (فيه): ما عرفته سابقا من عدم ورود دليل تعبدي عليه بعد ثبوت الاختيار له تكوينا، غاية الأمر تحقق العصيان بمخالفته للإجارة الاولى و هذا لا يضر بصحة حجه- كما لو صار أجيرا من شخص للحج، و ترك

الحج عنه و حج لنفسه فحجة صحيح و مجز عن نفسه- غاية الأمر أنه عصى، لمخالفته للأمر الإجاري، فعدم القدرة شرعا بهذا المعنى لا يوجب بطلان الإجارة الثانية، كيف و نفس العمل صحيح كما عرفت، و هو قادر عليه تكوينا.

(الرابع)- عدم جواز نياته من كانت ذمته مشغولة بالحج للنصوص الواردة عنهم عليهم السلام الدالة على ذلك و حيث ان المفروض اشتغال ذمته بالحج عن المنوب عنه بمقتضى الإجارة الأولى فيحكم بعدم صحة نيابته عن آخر. و (فيه): ان ما وردت مما يستدل بها على بطلان استنابة من عليه الحج بناء على تمامية دلالتها على ذلك انما وردت فيمن عليه حجة الإسلام، و لا يشمل من كان عليه الحج لجهة أخرى- كنذر، أو يمين، أو استيجار كما في ما نحن فيه- و لا يمكن التعدي عن موردها، لاحتمال الخصوصية. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل أيضا، فحينئذ لا محيص عن التعدي و لكنه لا سبيل

______________________________

لا يخفى ما في كلامه من المناقشة و الاشكال: أما ما أفاده من مثال: «خياطة بعض الثوب و عدم أولويته فيه مما نحن فيه» ففيه: انه ننقل الكلام أولا في أصل ثبوت الضمان مطلقا في المثال، و ذلك لأنه (تارة): يكون إتمام العمل مأخوذا فيه قيدا بنحو وحدة المطلوب، كما هو الظاهر عند الإطلاق. و (اخرى): شرطا بنحو تعدد المطلوب ف (على الأول): لم يستحق الأجير شيئا لا كلا و لا بعضا إذا خاط بعض الثوب دون بعض، لأنه كما ترى لم يأت بالعمل المستأجر عليه. و (على الثاني):

فيستحق من الأجرة المسماة بمقدار ما اتى به، الا إذا فسخ من جهة تخلف الشرط، إذ حينئذ

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 2، ص: 68

الى ذلك، فالتعدي عن موردها الى مفروض المقام قياس، و هو باطل، و قد مضت تلك الاخبار في الجزء الأول من الكتاب في مسألة: استنابة من استقر عليه الحج و من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

(الخامس)- عدم الفرق بين المقام و بين اجارة الدار في سنة خاصة، فكما يحكم بعدم صحة إجارتها ثانيا في تلك السنة هناك فكذلك في المقام لا يجوز ان يقع أجيرا على الحج بعد ان صار أجيرا عليه في سنة واحدة، و ذلك لانه بعد ما ملك المستأجر ماله من المنفعة في تلك السنة من حيث الحج فتقع الإجارة الثانية على ملك الغير حينئذ و لا تصح بدون أجازته كما ان الإجارة الثانية بالنسبة إلى الدار لا تصح بدون إجازة المستأجر الأول، لوقوعها على ملكه و (بعبارة اخرى): أن إيجار الشخص نفسه يتوقف على اعتبار العقلاء ما يصدر منه من عمله و منفعته مالا و ملكا له حتى يصح الاستيجار باعتباره في نظر العقلاء و من الواضح ان الشخص ليس مالكا لمنافعه المتضادة في عرض واحد حتى يصح استيجاره في زمان واحد لعملين متضادين- كخياطة، و كتابة- أو متماثلين- كخياطتين، أو حجتين- و انما تعتبر المالية و الملكية لواحد منهما على البدل، لأنها تابعة للقدرة المتعلقة بواحد منهما على البدل، لعدم قدرته على الجمع بينهما على ما هو المفروض، فظهر ان الإجارة الثانية غير صحيحة لأن الإجارة الأولى لم تبق موضوعا للثانية كما لا يخفى.

______________________________

لا يستحق من الأجرة المسماة بل يرجع الى أجرة المثل. و أما ان لم يكن الإتمام مأخوذا فيه لا على نحو التقييد و لا على نحو الاشتراط. يمكن ان يقال باستحقاقه من الأجرة المسماة

بمقدار ما اتى به ان لم تكن قرينة- من انصراف أو غيره الى أحد النحوين المذكورين- في البين. و لكنه بعد لا يخلو من تأمل.

و كيف كان و على فرض تسليم تمامية المثال من ناحية الحكم بالاستحقاق فيه نقول: ان ما افاده من عدم أولويته فيه مما نحن فيه ايضا قابل للمناقشة و الاشكال، و ذلك ضرورة: انه يصدق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 69

قوله قده: (و مع عدم اشتراط المباشرة فيهما، أو في إحداهما صحتا معا.)

ما أفاده (قده) هو الصواب و لا ينبغي الارتياب و الاشكال فيه لوضوح وجهه.

قوله قده: (و «دعوى»: بطلان الثانية و ان لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الأولى لأنه يعتبر في صحّة الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن و كذا لا يجوز إجارة الحائض لكنس المسجد و ان لم يشترط المباشرة ممنوعة و الأقوى الصحة).

قال في الجواهر بعد ذكر الدعوى الذي ذكره المصنف (قده): (و لكن قد ذكرنا في كتاب الإجارة احتمال الصحة) و لكن تحقيق الكلام في المسألة: هو ما أفاده المصنف (قده) من منع بطلان الإجارة الثانية في صورة عدم اشتراط المباشرة فيها، و وجه المنع ظاهر و هو وجود التمكن للأجير للعمل بمقتضى كلتا الاجارتين، و كذلك الحكم في المثالين المذكورين في المتن. نعم، انما يتم دعوى بطلان الإجارة في مفروض المقام إذا كان ظاهر الكلام المباشرة أو كانت قرينة عليها، و لكنه خارج عن محل الكلام كما لا يخفى.

قوله قده: (هذا إذا آجر نفسه ثانيا للحج بلا اشتراط المباشرة و أما إذا آجر

______________________________

في المثال كون خياطة بعض الثوب بعض من العمل، و يترتب عليه الأثر و هذا

بخلافه في مفروض المقام، لأنه غيره كما هو واضح.

و أما أفاده (قدس سره) من أصالة احترام عمل المسلم، فلانه من حيث الكبرى و ان كان مسلما و لا ينبغي الكلام فيه، و لكن يقع الكلام في انطباقها على مفروض المقام، و الظاهر عدم شمولها له لان المفروض عدم إتيان الأجير بالعمل المستأجر عليه كما لا يخفى و المفروض ايضا انه لم يكن مغرورا حتى يقال برجوعه الى الغار لقاعدة: (المغرور يرجع الى من غره) فلا يستحق بالنسبة لا من الأجرة المسماة، و لا من الأجرة المثل في مفروض المقام كما افاده سيدنا الأستاذ دام ظله، و المصنف و غيره من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) (م ا ج).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 70

نفسه لتحصيله فلا اشكال فيه، و كذا تصح الثانية مع اختلاف السنتين، أو مع توسعة الاجارتين، أو توسعة إحداهما)

لا ينبغي الارتياب في ذلك، لعدم المنافاة بين الإجارة الاولى و الثانية في الفروض المذكورة، لأنه يمكنه تحصيل حجين في سنة واحدة و لو بتوسط الاستنابة فيهما، أو في إحداهما، و يمكنه ايضا ان يأتي بحجين في سنتين، كما هو واضح.

قوله قده: (و كذا مع إطلاقهما. إلخ)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) فيه على قولين: (الأول): جواز ذلك، و هو الذي جزم به العلامة في المنتهى على ما حكى عنه في الجواهر (الثاني): عدم جوازه و الحكم ببطلان الإجارة الثانية، و هو المحكي عن الشيخ (ره) و غيره، و اختاره المحقق (طاب ثراه) في الشرائع، بل يظهر من كلامه التوقف في صحة الثانية إذا كانت معينة في غير السنة الأولى حيث قال بعد حكمه بعدم جواز إيجار نفسه لأخرى حتى يأتي بالأولى: (و

يمكن ان يقال بالجواز ان كانت لسنة غير الاولى).

و لكن التحقيق: هو ما أفاده المصنف (قده) من جواز إيجار نفسه لأخرى مع الإطلاق، و ذلك لعدم المزاحمة بين متعلقي كلتا الاجارتين. نعم، بناء على القول بان مقتضى الإطلاق التعجيل يمكن ان يقال ببطلان الإجارة الثانية لكونها مزاحمة للإجارة الاولى، و كأن مبنى القول ببطلان الثانية المحكي عن الشيخ (ره) و غيره هو هذا و لكن الحق: ان الإطلاق لا يقتضي التعجيل بمعنى التوقيت كما سيتضح لك ذلك ان شاء اللّه عند ذكر المصنف لهذا الفرع بعد و على فرض تسليم ذلك يمكن ان يقال انه لا يوجب بطلان الإجارة الثانية إذا فرض علم المستأجر بالإجارة الأولى كما افاده صاحب الجواهر (ره) ضرورة: كون المراد به التعجيل بحسب الإمكان. أما مع عدم علمه، فالظاهر ثبوت الخيار له، و لكنه لا يخلو من تأمل، لأنه بعد اقتضائه التعجيل بمعنى التوقيت، فيصير من قبيل ما إذا آجر نفسه للحج في هذه السنة مباشرة لشخص ثم آجر نفسه لشخص آخر في تلك السنة للحج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 71

مباشرة، فلا محالة يحكم ببطلان الثانية.

قوله قده: (أو إطلاق إحداهما إذا لم يكن انصراف الى التعجيل).

قال في الجواهر: (و نقل عن شيخنا الشهيد في بعض تحقيقاته انه حكم باقتضاء الإطلاق في كل الإجارات التعجيل، الى ان قال: و ان صرح باقتضاء الإطلاق التعجيل فيه (اى في الحج» جماعة). و لكن في المدارك بعد ما نقل قول الشهيد المذكور قال: (و مستنده غير واضح). نعم، لو كان الحج المستأجر عليه حج الإسلام، أو صرح المستأجر بإرادة الفورية وقعت الإجارة على هذا الوجه اتجه ما ذكر. و قال في الجواهر بعد

نقل ما أفاده في المدارك: (و هو كذلك بناء على الأصح من عدم اقتضاء الأمر الفور و الفرض عدم ظهور في الإجارة بكون قصد المستأجر ذلك).

و لكن التحقيق: هو ان إطلاق مادة الأمر كما بيناه في الأصول و ان كان لا يقتضي اعتبار الفورية و التراخي، لدلالتها على الطبيعة من دون لحاظ خصوصية من خصوصياتها و في باب الإجارة أيضا و ان كان نفس الإطلاق لا يقتضي الفور، و التراخي، و التعجيل، و التأجيل، الا أن قاعدة السلطنة على الأموال و الحقوق تقتضي وجوب المبادرة إلى الأداء فتأخيره مخالف لها، و من هنا ظهر: انه مع إطلاق الإجارة الأولى تبطل الإجارة الثانية إذا قيدت بالتعجيل، لانتفاء القدرة على متعلقها حينئذ كما لا يخفى و تصح إذا كانت مؤجلة، و كذلك لو كانت الأولى مؤجلة فإنه تصح الثانية و ان كانت مطلقة، لعدم التنافي بينهما حينئذ كما هو واضح و لكن في الحكم ببطلان الثانية في الفرض بصرف السلطنة على الأموال و الحقوق تأمل واضح

قوله قده: (و لو اقترنت الإجارتان، كما إذا آجر نفسه من شخص و آجره وكيله من آخر في سنة واحدة و كان وقوع الاجارتين في وقت واحد، بطلتا معا مع اشتراط المباشرة فيهما).

وجهه ظاهر مما تقدم فلا نعيده، هذا ثم انه إذا شك الأجير و المستأجر ان في انه هل كانت الإجارتان متقارنتين أم لا كان المرجع في كل واحدة من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 72

الاجارتين أصالة الفساد. و أما إذا علم عدم التقارن و لكن لم يعلم المتقدمة و المتأخرة كان على الأجير ان يأتي بعمل واحد بقصد من صح الاستيجار للحج عنه و لم يجز له أخذ

الأجرة من واحد منهما إلا إذا رضي المعطى بان يكون اجرة على فرض صحة الإجارة و مجانا على فرض بطلانها. ثم، انه إذا كانت قيد المباشرة في الإجارة الثانية على وجه الاشتراط لا التقييد كان بطلان الإجارة و عدمه مبنيين على مفسدية الشرط الفاسد للمعاملة و عدمها. ثم ان إسقاط قيد المباشرة من الإجارة الأولى بعد ان كانت مقيدة بها لا ينفع في صحة الإجارة الثانية و لو كان ذلك بنحو الاشتراط كما لا يخفى.

قوله قده: (و لو آجره فضوليان من شخصين مع اقتران الاجارتين يجوز له إجازة إحداهما، كما في صورة عدم الاقتران).

ما أفاده (قده) هو الصواب، لعموم الأدلة فتصح المجازة و تبطل الأخرى، و وجهه واضح.

قوله قده: (و لو آجر نفسه من شخص ثم علم أنه آجره فضولي من شخص آخر سابقا على عقد نفسه ليس له اجازة ذلك العقد، و ان قلنا بكون الإجازة كاشفة (بدعوى): انها حينئذ تكشف عن بطلان اجارة نفسه، لكون إجارته نفسه مانعا عن صحة الإجازة حتى تكون كاشفة و انصراف أدلة صحة الفضولي عن مثل ذلك).

ما أفاده متين، لأنه بعد وقوع اجارة نفسه لا يبقى موضوع للإجازة، فليس له سلطنة على الإجازة، و من المعلوم اناطة نفوذ الإجازة بصدورها من السلطان، فلا أثر للإجازة الصادرة من غيره كما لا يخفى.

[المسألة الخامسة عشرة إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لا يجوز له التأخير و لا التقديم]

قوله قده: (إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لا يجوز له التأخير و لا التقديم الا مع رضي المستأجر)

لا ينبغي الإشكال في ذلك. أما عدم جواز التأخير، فلان مقتضى تعيين الزمان استحقاق المستأجر للعمل في الزّمان المعيّن، و من الواضح ان التأخير عنه بدون عذر يعذره اللّه تعالى فيه تفويت لحق المستأجر فيكون حراما. و أما

عدم جواز

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 73

التقديم، ففيه خلاف، قال في الجواهر في ذيل البحث: (و لو قدمه على السنة المعينة فعن التذكرة: الأقرب الجواز، لأنه زاد خيرا، و هو محكي عن الشافعية و في المدارك: «في الصحة وجهان أقربهما ذلك مع العلم بانتفاء الغرض في التعيين» و (فيه): انه يرجع الى عدم ارادة التعيين من الذكر في العقد و حينئذ لا إشكال في الاجزاء انما الكلام فيما اعتبر فيه التعيين و لا ريب في عدم اجزائه عن أمر الإجارة، إلا إذا كان بعنوان الشرطية لا القيدية و تشخيص العمل). تحقيق الكلام: هو عدم جواز التقديم إلا إذا كان هناك. متعارف أو انصراف، أو قرينة حاليّة أو مقاليّة، على جواز ذلك، و لكنه كما هو واضح خارج عن محل الكلام.

قوله قده: (و لو أخر لا لعذر اثم و تنفسخ الإجارة ان كان التعيين على وجه التقييد، و يكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطية، و ان أتى به مؤخرا لا يستحق الأجرة على الأول، و ان برءت ذمة المنوب عنه، و يستحق المسماة على الثاني الا إذا فسخ المستأجر فيرجع الى أجرة المثل).

ما أفاده (قده) متين و لا ينبغي الإشكال في ذلك. أما عدم استحقاقه الأجرة في صورة المخالفة فيما إذا كان التعيين على نحو القيدية، فهو واضح، لعدم إتيانه بالمستأجر عليه- و هو العمل المقيد- و هذا لا ينافي براءة ذمة المنوب عنه، لما تكرر من ان الانطباق قهري و الاجزاء عقلي.

قوله قده: (و إذا أطلق الإجارة و قلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال)

و في الدروس و لو أطلق اقتضى التعجيل فلو خالف الأجير فلا اجرة له، و ظاهر

كلامه اعتباره قيدا فيبطل مع الإهمال.

قوله قده: (و في ثبوت الخيار للمستأجر حينئذ و عدمه وجهان من ان الفورية ليس توقيتا و من كونها بمنزلة الاشتراط).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 74

قال في الدروس: (و لو أهمل لعذر فلكل منهما الفسخ في المطلقة في وجه قوى و لو كان لا لعذر تخير المستأجر خاصة انتهى) لا يخفى انه يقع التّهافت بين كلامي الدروس حيث انه قطع في الفرع الأول بعدم استحقاقه الأجرة مطلقا مع انه حكم في الفرع الثاني بأن الأجير المطلق لو أهمل بغير عذر تخير المستأجر بين الفسخ و الإمضاء.

و التحقيق: هو انه بناء على القول بوجوب التعجيل، فاما ان نقول: بأنه قيد للعمل المستأجر عليه، فلا ينبغي الإشكال في بطلان الإجارة حينئذ مع إهماله، لانتفاء المقيد بانتفاء قيده، و أما نقول: انه شرط فيكون للمستأجر الخيار بإهماله.

[المسألة السادسة عشرة هل يمكن تصحيح الإجارة الثانية بإجازة المستأجر الأول]

قوله قده: (قد عرفت عدم صحة الإجارة الثانية: فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معينة ثم آجر من آخر في تلك السنة، فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأول أولا؟ فيه تفصيل: و هو أنه ان كانت الأولى واقعة على العمل في الذمة: لا تصح الثانية بالإجازة، لأنه لا دخل للمستأجر بها إذا لم تقع على ماله حتى تصح له إجازتها. و ان كانت واقعة على منفعة الأجير في تلك السنة: بأن تكون منفعته من حيث الحج، أو جميع منافعه له: جاز له إجازة الثانية، لوقوعها على ماله).

توضيح المقام: هو أن الإجارة الأولى (تارة): تكون متعلقها عملا شخصيا لا كليا في الذمة- بأن استؤجر لشخص على ان يكون الحج الصادر عنه في هذه السنة له، فيصير ما يصدر عنه- من الحج- في هذا

العام مملوكا للمستأجر، بناء على ما تسالموا عليه من كون اعمال الحر أموالا مملوكة له قبل العقد، كما هو المختار على ما حققناه في محله، أو صيرورتها مملوكة له بالعقد، كما هو المشهور، و كيف كان فعليه لا يبقى له منفعة أخرى- من الحج- في خصوص تلك السنة، لعدم قابلية الحج للتكرار في عام واحد، فيكون هذا النحو من التمليك بالإجارة نظير، تمليك منفعة الدار، و تمليك الشخص جميع أعماله الصادرة منه في مدة معينة، أو عمله الخاص الصادر منه في وقت خاص. و (اخرى): تكون متعلق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 75

الإجارة عملا كليا ذميا لا شخصيا: بان صار أجيرا لشخص على ان يكون في ذمته حج في تلك السنة المعينة على وجه المباشرة:

و مثل هذا الكلام يجري بالنسبة إلى الإجارة الثانية أيضا، لأنها أيضا (تارة): تقع على الحج الذي يصدر عنه في هذه السنة. و (اخرى): تقع على الحج الذي يكون في ذمته فحينئذ: إذا وقعت الإجارة على النحو الأول:- و هو تمليك المنفعة الخاصة الصادرة من الأجير في تلك السنة- كانت الثانية لا محالة فضولية، لوقوعها على ملك الغير، فلا مانع من تصحيحها بإجازة المستأجر الأول، و يؤثر العقد الثاني أثره، لتمامية شرائطه بعد صدور الاذن من المستأجر الأول، و يستحق المستأجر الأول بعد صدور الاذن منه الأجرة الثانية التي أعطاها المستأجر الثاني، دون الأجير. إما استحقاقه المستأجر الأول الأجرة الثانية فلان المفروض وقوع الإجارة على ماله. و أما عدم استحقاق الأجير لها، فهو واضح، و لكنه يستحق بسبب الإذن الأجرة الأولى كما لا يخفى. و أما إذا وقعت الإجارة على النحو الثاني- و هو تمليك العمل الثابت في الذمة- فيشكل

تصحيح العقد الثاني بإجازة المستأجر الأول، لعدم وقوع الثانية على ملكه.

و لكن التحقيق: هو عدم الفرق بين النحوين، لوحدة المناط: و هو وقوع الإجارة الثانية على مال الغير، و ذلك لأن انحصار متعلق الإجارة في الفرد الخاص و تعين ما في الذمة في المنفعة الخاصة- و هو الحج الصادر منه في تلك السنة المعينة مباشرة- موجب لتعين المملوك في ذلك المصداق، فيكون ذلك المصداق في الحقيقة ملكا للمستأجر الأول، فيكون حكمه بعينه حكم النحو الأول- و هو ما إذا كان متعلقها عملا شخصيا- فكما يمكن تصحيح الإجارة الثانية على النحو الأول بإجازة المستأجر الأول فكذلك يمكن تصحيح الإجارة الثانية على النحو الثاني بإجازة المستأجر الأول.

ثم لا يخفى: انه كما يعتبر اجازة المستأجر الأول في مضى العقد الثاني، كذلك يعتبر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 76

اجازة الأجير لو عقد المستأجر الأول على العمل الذي صار مملوكا له في ذمة أجيره، لأن الأجير إنما آجر نفسه للمستأجر الأول لكي يستوفى العمل بنفسه لا لغيره، فلو أجاز الأجير فهو و الا فيحكم ببطلان عقد المستأجر، و ذلك لأنه ربما يرضى الأجير بأجرة قليلة لكون المنوب عنه ذا مقام رفيع- ككونه مجتهدا عادلا مثلا- و لا يضر ذلك بشأنه دون ما إذا كان شخصا جبارا، لأنه لا يرضى بالنيابة عنه مثلا بلغ ما بلغ من الأجرة.

هذا كله إذا كان في البين قرينة- من انصراف و غيره- الى لزوم استيفاء المستأجر الأول العمل المستأجر عليه بنفسه، أو شرط ذلك في ضمن العقد، و الا فلا يتم ما ذكر، إذا فرض وقوعه أجيرا على مطلق العمل، فيجوز للمستأجر حينئذ تمليك عمله الثابت في ذمة الأجير إلى غيره من دون احتياج

إلى إجازة الأجير كما لا يخفى. ثم لا يخفى: ان ما ذكرنا من جريان الفضولي انما يكون مختصا بما إذا اتحد متعلق الإجارة الثانية مع متعلق الإجارة الأولى و لم يكن بينهما تفاوت في الخصوصية- كما إذا آجر نفسه للحج لشخص ثم آجر لآخر في ذلك العام المعين- و أما مع الفارق بينهما- كما إذا كان متعلق الإجارة الأولى هو الحج عن ميت زيد مثلا و في الثانية حج عن ميت عمرو مثلا، فلا يبقى مجال لجريان الفضولي فيه، لمباينة متعلق الإجارة الثانية مع متعلق الإجارة الاولى، و ذلك لأن الحج الثاني غير الحج الأول فلا تكون الثانية موردا للإجارة الأولى كي يمكن تصحيحها بالإجازة، و لذا لو فرضنا أنه آجر نفسه للخياطة في ساعة معينة لزيد، ثم آجر نفسه في تلك الساعة للخياطة لعمرو، فلا مجال للقول بجريان الفضولي فيه و لا يمكن تصحيح الإجارة الثانية بإجازة المستأجر الأول، و ذلك لأن الإجارة لو كانت واقعة على الخياطة المطلقة- و هو مطلق المنفعة الخارجية- فلم يكن مانع من جريانه فيه. و أما لو كانت الخياطة الخاصة الراجعة الى زيد مثلا موردا للإجارة الأولى- كما هو مفروض المقام- ثم آجر نفسه للخياطة الراجعة لعمرو فلا شك في ان الخياطة الثانية غر الخياطة الاولى، فلا يكون متعلق الإجارة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 77

الثانية موردا لمتعلق الإجارة الأولى حتى يكون قابلا للتصحيح بإجازة المستأجر الأول.

و يتفرع على ذلك: انه لو استأجر أحدا لأن يحج عن أبيه مثلا ثم بعد تحقق الإجارة قال له المستأجر: «حج عن أمي» فلا مانع للأجير ان لا يقبله، و ذلك لصيرورته أجيرا على الحج عن أبيه بالخصوص لا غيره، فالغير

لم يكن موردا للإجارة كي يلزم الوفاء به.

و (من هنا) ظهر ضعف ما ذهب اليه المصنف (قده) من الفرق بين الفرضين من الحكم بصحة الثانية مع إجازة المستأجر الأول في هذا الفرض- و هو ما إذا لم يقيد الخياطة بخياطة ثوب معين، أو الحج عن ميت خاص- دون سابقه لم يظهر لنا وجهه بعد اتحاد.

الفرضين حيث قال في ذيل المبحث: (فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معين ثم آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم، ليس لزيد اجازة العقد الثاني. و أما إذا ملكه المنفعة الخياطى فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة لعمرو جاز له اجازة هذا العقد، لأنه تصرف في متعلق حقه).

ثم انه لو أسقط المستأجر الأول خصوصية المباشرية، فهل ينفذ العقد الثاني أولا فنقول: ان هذه الخصوصية تؤخذ (تارة): في الإجارة على نحو الشرطية. و (اخرى) على نحو القيدية، فإن أخذت على النحو الأول- أي الشرطية- فباسقاطها ينفذ العقد الثاني، و ذلك لوجود المقتضى و عدم المانع، حيث ان المانع من نفوذ العقد الثاني ليس إلا شرط المباشرة، فمع الاسقاط يرتفع المانع و يحكم بصحة العقد الثاني، لتمامية أركانه. و أما ان كانت هذه الخصوصية مأخوذة على نحو القيدية، فباسقاطها لا ينفذ العقد الثاني، بل يحكم ببطلانه، و ذلك لأنه بتخلف الخصوصية تنفسخ الإجارة الأولى كما لا يخفى [1].

______________________________

[1] المؤلف: لا يخفى ان عنوان المباشرة إذا أخذت قيدا في ضمن العقد، فمقتضى اجازة المستأجر الأول العقد الثاني هو إسقاط نفس العمل، لانتفاء المقيد بانتفاء قيده. و اما لو أخذت شرطا في ضمنه، فلا يقتضي اجازة المستأجر الأول العقد الثاني سقوط أصل العمل، إذ يمكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 78

[المسألة السابعة عشرة إذا صد الأجير أو أحصر]

قوله

قده: (إذا صد الأجير أو أحصر كان حكمه كالحاج عن نفسه فيما عليه من الأعمال)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لإطلاق الأدلة و لو فرض الانصراف الى الحاج عن نفسه فهو بدوي و قد تكرر ان المعتبر من الانصراف هو ما ذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام و في المقام ليس كذلك قطعا

قوله قده: (و تنفسخ الإجارة مع كونها مقيدة بتلك السنة و يبقى الحج في ذمته مع الإطلاق)

ما أفاده المصنف (قده) مما لا ينبغي الإشكال فيه، أما انفساخ الإجارة في صورة تقييدها بتلك السنة فلتعذر، العمل المستأجر عليه، من جهة الصد أو الحصر الذي يكشف به عن عدم صحة تمليكه العمل و تملكه الأجرة و أما بقاء الحج في ذمته مع الإطلاق فلضرورة: عدم انفساخ الإجارة بتعذر أحد أفرادها فيأتي به في العام القابل، و يستحق الأجرة المسماة بل الظاهر كما أفاده صاحب الجواهر (ره) عدم ثبوت الخيار لأحدهما في ذلك اما (أولا): فبنفس الإطلاق و (ثانيا) فبمقتضى الأصل، خلافا لما عن الشهيد (قدس سره) من أنه يملكانه في وجه قوي، إلا أنه كما ترى.

قوله قده: (و للمستأجر خيار التخلف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد).

لا كلام لنا فيه، و الظاهر انه المتسالم عليه، و لم ينقل من أحد منهم للخلاف فيه.

قوله قده: (و لا يجزى عن المنوب عنه و ان كان بعد الإحرام و دخول الحرم).

ما أفاده (قده) هو الصواب و لا ينبغي الإشكال فيه، لان الحكم بذلك انما يكون في خصوص موت النائب بعد الإحرام و الدخول في الحرم، كما أفاده المصنف (قده) من

______________________________

تنفيذها بإسقاط شرط المباشرة فقط، و حينئذ يبقى العمل في ذمة الأجير،

فيحكم عليه بوجوب تحصيله العمل الذي صار أجيرا عليه و لو بنحو التسبيب و الاستنابة، فيأتي بالحج مثلا للمستأجر الثاني بنفسه و بمباشرته إذا كانت المباشرة شرطا أو قيدا، و يأتي به للمستأجر: الأول بنائبه، لسقوط المباشرة كما هو المفروض (م ا ج).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 79

جهة اختصاص الأخبار به بعد الجمع بينها. و قد تقدم ذكرها. في شرح قول المصنف:

(و ان مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم اجزء عنه) فراجعها فتسرية الحكم من هناك الى مفروض المقام قياس مع الفارق، و هو باطل. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط، فيمكن التعدي، و لكنه لا سبيل لنا إلى ذلك، كما هو واضح. و (من هنا) ظهر: ضعف ما نقل في الجواهر عن الشيخ (ره) في الخلاف من: (ان الإحصار بعد الإحرام كالموت بعده في خروج الأجير من العهدة، و استدل عليه بإجماع الفرقة، مع أن الحكم منصوص لهم لا يختلفون فيه و ضعفه ظاهر مما عرفت من اختصاص الأخبار بالموت و كأن استدلاله (ره) بالإجماع مع عدم ثبوته في المقام بل الإجماع قام على خلافه ظاهرا قرينة على وقوع السهو من قلمه الشريف أو قلم غيره في ذكر الإحصار، كما ظنه في كشف اللثام، حيث قال في كشف اللثام على ما نقل صاحب الجواهر: (ره) ظني ان ذكر الإحصار من سهو قلمه الشريف أو قلم غيره) و كيف كان لا يمكن الحكم بالأجزاء فيما نحن فيه، لعدم الدليل عليه.

قوله قده: (و لو ضمن المؤجر الحج في المستقبل في صورة التقييد لم تجب اجابته و القول بوجوبه ضعيف)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على قولين: (الأول) عدم وجوب اجابته،

و هو الذي اختاره المحقق طاب ثراه في الشرائع حيث قال: (و لو ضمن الحج في المستقبل لم تجب اجابته) و تبعه صاحب الجواهر (ره) و استدل بالأصل و غيره و اختاره صاحب المدارك (قده) و غيره أيضا (الثاني): هو القول بوجوب اجابته نقل المحقق (طاب ثراه) في الشرائع قولا بالوجوب حيث قال بعد نقل كلامه المتقدم: (و قيل يلزم)، و نسبه غير واحد الى ظاهر المقنعة، و النهاية، و المهذب، بل ربما قيل: انه ظاهر المبسوط، و السرائر، و غيرهما على ما في الجواهر.

و التحقيق: هو القول الأول، لعدم الدليل على وجوبه، و العقد على المفروض انما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 80

صدر بعنوان إيقاع الحج في زمان خاص و لم يتناول غيره. نعم، لو اتفق المستأجر و الموجر على ذلك و انه رضى المستأجر بضمان الأجير بمعنى استيجاره ثانيا بالمتخلف من الأجرة أو بغيره و لو معاطاة، فإنه حينئذ لا إشكال فيه، و لكنه خارج عن محل الكلام، كما لا يخفى و يمكن حمل كلام القائلين بالوجوب على ذلك.

قوله قده: (و ظاهرهم استحقاق الأجرة بالنسبة الى ما أتى به من الأعمال و هو مشكل لأن المفروض عدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه و عدم فائدة فيما أتى به فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصد و الحصر و كالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها، و قاعدة احترام عمل المسلم لا تجري لعدم الاستناد إلى المستأجر، فلا يستحق اجرة المثل ايضا).

يظهر حكم هذه المسألة من الفرع المتقدم في المبحث السابق: و هو ما إذا مات الأجير قبل الدخول في الحرم أو بعده، فراجع.

[المسألة الثامنة عشرة إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة فهو من ماله]

قوله قده: (إذا أتى النائب بما يوجب

الكفارة فهو من ماله).

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا، و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه قال المحقق (طاب ثراه) في الشرائع:

(و كل ما يلزم النائب من كفارة ففي ماله) قال في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه) (المراد كفارات الإحرام و انما كانت في مال النائب، لأنها عقوبة على جناية صدرت عنه أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع منه، فاختصت بالجاني) قال في الجواهر: (و كلما يلزم النائب من كفارة في الجناية في الإحرام، و الهدى في التمتع، و القرآن، ففي ماله دون المنوب عنه، بلا خلاف أجده بيننا، كما اعترف به بعضهم. بل عن الغنية: الإجماع عليه في الكفارة، مضافا الى ان ذلك عقوبة على فعل صدر منه، فهو كما لو قتل نفسا، أو أتلف مالا لأحد. إلخ) لا ينبغي الارتياب في ذلك، لترتب الكفارة حسب مقتضى الاخبار على ما صدر من المحرم من الفعل الموجب لها، و هي عقوبة له عليه، كما أفاده صاحب الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 81

و غيره من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) فلزوم ذلك في مال غيره يحتاج الى دليل تعبدي، و هو في المقام مفقود.

[المسألة التاسعة عشرة إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل]

قوله قده: (إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى الحلول في مقابل الأجل لا بمعنى الفورية، إذ لا دليل عليها).

قال المحقق (طاب ثراه) في الشرائع: (و إذا أطلق الإجارة اقتضى التعجيل ما لم يشترط الأجل) قال في الجواهر في شرح قول المحقق: (كما عن المبسوط، و السرائر، و الجامع، و القواعد، بل عن الشهيد تعميم ذلك لكل إجارة مطلقة و ان قيل: ان دليله غير واضح، أو على القول باقتضاء إطلاق

الأمر المبادرة الذي قد علم فساده في محله. بل في كشف اللثام: منع جريان ذلك هنا و ان سلم هناك، و لعله إذا كان مقتضى محكي المعتبر العدم، حيث جوز ان يوجر الأجير نفسه لآخر إن استأجره الأول مطلقا. و عن المنتهى: احتماله، بل عنه انه قطع بالجواز إذا أطلقت الإجارتان، و كأنه لدلالة سبق الاولى على تأخير الثانية، و على كل حال فليس التعجيل بناء عليه توقيتا، و لذا صرح في القواعد بعد الفتوى به بأنه ان أهمل لم تنفسخ الإجارة، بل في كشف اللثام: أنه ليس للمستأجر الفسخ أيضا، إلا ما احتمله الشهيد، و كان ذلك كله بناء على ان وجوب التعجيل تعبدي مستفاد من دليل مستقل لا انه مستفاد من إطلاق العقد على وجه يقتضي الانفساخ أو التسلط على الفسخ، الا ان ذلك كله كما ترى لم نعثر على دليل صالح لذلك و (من هنا): يمكن تنزيل عبارة المصنف و غيره على ارادة بيان اقتضاء الإطلاق الحلول بمعنى كون الأعمال كالأموال، فكما ان إطلاق العقد المقتضي لإثبات مال في الذّمة ينزل على ذلك، فكذلك عقد الإجارة المقتضي لإثبات عمل في الذمة، فالمراد حينئذ انه يتسلط المستأجر على مطالبته في الحال و ليس للأجير التأخير تمسكا بإطلاق العقد المنزل على الحلول على حسب عقد البيع و شبهه، فالعبارة هنا نحو عباراتهم هناك، لا ان المراد بيان خصوصية للحج.

نعم يجب التعجيل مع طلب ذي الحق صريحا، أو قيام شاهد حال على إرادته ذلك فتأمل جيدا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 82

و على كل حال فلا إشكال في عدم استحقاق التعجيل مع اشتراط الأجل، فإنه يصح عندنا العامين و الأزيد، خلافا للشافعي إلا في

الواجب المضيق مع إمكان استيجار من يبادر إليه فإنه لا يجوز التأجيل حينئذ كما هو واضح).

ما أفاده المصنف (قده) تبعا لصاحب الجواهر (ره) هو الصواب، لأن إطلاق الإجارة يقتضي الفور و التعجيل و لكن لا بمعنى التوقيت الموجب للانفساخ لو أخره عن السنة الأولى بل بمعنى جواز المطالبة من الأجير بحيث لو طالبه بالإتيان به في هذه السنة لوجب عليه ذلك، هذا إذا لم يكن المتعارف في بلد في باب الحج في صورة إطلاق الإجارة قصد التقييد، أو أخذه على نحو الاشتراط. و أما إذا كان المتعارف في بلد التقييد- بان كان المتبادر منه الإتيان به فورا بعد تحقق الإجارة مطلقا على نحو التوقيت، بحيث لو قيد إتيان الأجير به بهذا العام كان عند العرف تأكيدا- فحينئذ لا بد ان يحكم بانفساخ الإجارة الواقعة على اصطلاح ذلك البلد بمجرد التأخير عن العام الأول، لدخل خصوصية السنة على المفروض في متعلق الإجارة، فبتخلفها تنفسخ الإجارة. فلو اتى به في العام القابل لا يستحق شيئا، كما هو واضح، كما انه يحكم بثبوت الخيار للمستأجر ان كان الملحوظ في نظر العرف هو لحاظ خصوصية السنة على نحو الشرطية، بحيث ان أمضاه فعليه الوفاء به في العام القابل و يستحق الأجرة المسماة، و الا فسيرد إليه الأجرة.

[المسألة العشرين إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها]

قوله قده: (إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها كما انها لو زادت ليس له استرداد الزائد).

لا ينبغي الإشكال في ذلك و هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا، و الظاهر انه المتسالم عليه و لم يتعرض للخلاف أحد من الأصحاب و استدل لذلك صاحب الجواهر: بالأصل حيث قال: (و إذا استؤجر فقصرت الأجرة عن نفقة الحج

لم يلزم المستأجر الإتمام، للأصل السالم عن المعارض، و كذا لو فضل عن النفقة لم يرجع عليه بالفاضل لذلك ايضا، و لأن من كان عليه الخسران كان له الجبران

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 83

من غير فرق في ذلك بين ان يكون قد قبض الأجرة أولا، فيطالب لها جميعها، أو بعضها مع عدم القبض، و يجب على المستأجر الدفع اليه، و كان تعرض المصنف (قده) و غيره لذلك مع وضوحه و عدم الخلاف فيه بيننا نصا و فتوى، لتعرض النصوص له، و للتنبيه على خلاف أبي حنيفة المبنى على ما زعمه من بطلان الإجارة، فلا يجب حينئذ على المستأجر الدفع إلى الأجير) و في التذكرة حكى عن أبي حنيفة: منع الإجارة على الحج، فيكون الأجير نائبا محضا، و ما يدفع اليه من المال يكون رزقا لطريقة، فلو مات أو أحصر، أو ضل الطريق، أو صد، لم يلزمه الضمان، لما أنفق عليه، لأنه إنفاق بإذن صاحب المال) و الاشكال فيما ذهب إليه أبو حنيفة ظاهر: أما في أصل الحكم- و هو منع الإجارة على الحج- واضح. و أما الإشكال على ما قال به: (من كون الأجير نائبا محضا.

إلخ) فلأنه خلاف قصد الأجير و المستأجر، إذ هما قصدا المعاوضة، و جعل المستأجر الثمن بإزاء ما يصدر من الأجير من الأعمال الحجى و اذن المستأجر في صرف ماله انما يكون متوقفا على وقوع الحج لا مطلقا كما لا يخفى.

قوله قده: (نعم، يستحب الإتمام، كما قيل، بل قيل يستحب على الأجير أيضا رد الزائد، و لا دليل بالخصوص على شي ء من القولين نعم، يستدل (على الأول): بأنه معاونة على البرّ و التقوى. و (على الثاني): بكونه موجبا للإخلاص

في العبادة).

قال في الجواهر: (نعم، عن النهاية، و المبسوط، و المنتهى، استحباب الإتمام في الأول، لكونه من المعاونة على البر و التقوى. و في التذكرة، و المنتهى و التحرير و غيرها: استحباب الرد في الثاني، تحقيقا للإخلاص في العبادة. بل عن المقنعة: انه قد جائت رواية: انه ان فضل مما أخذه، فإنه يرده ان كانت نفقته واسعة، و ان كان قتر على نفسه لم يرده، ثم قال: «و على الأول العمل، و هو أفقه»، و لعله أشار بذلك الى خبر مسمع، قال للصادق (عليه السلام): أعطيت الرجل دراهم يحج بها عنى، ففضل منها شي ء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 84

فلم يرده على؟ فقال له: لعله ضيق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة «1» الا انه كما ترى ضعيف الدلالة على ذلك، خصوصا مع ملاحظة خبر محمد بن عبد اللّه القمي، قال سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام): عن الرّجل يعطى الحجة يحج بها و يوسع على نفسه فيفضل منها أ يردها عليه؟ قال: لا هي له «2» هذا و في كشف اللثام: انه ان شرطا في العقد الا كمال أو الرد لزم. و (فيه): انه يمكن منع صحة مثل هذا الشرط في عقد الإجارة، للجهالة، كما هو واضح، و الأمر سهل). و لا يخفى: ان ما ذكر من أن الإكمال: «معاونة على البر و التقوى» انما يتم لو كان في أثناء العمل، بحيث كان الإتمام متوقفا على الإكمال، و الا فلا كما هو واضح. و كذا ما ذكر من ان الرد: «تحقيق للإخلاص في العبادة» انما يختص بما إذا كان قبل العمل، ليكون قصده بالحج القربة لا بالعوض، إذ لو كان بعده لم

يكن موجبا لانقلاب العمل الذي صدر منه عما هو عليه، كما هو واضح.

[المسألة الحادية و العشرين لو أفسد الأجير حجة بالجماع]

قوله قده: (لو أفسد الأجير حجة بالجماع قبل المشعر فكالحاج عن نفسه، يجب عليه إتمامه. إلخ).

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليه) و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع، و قال صاحب الجواهر (ره): (و لو أفسده أي الحج الذي ناب فيه حج من قابل، بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه)

قوله قده: (و هل يستحق الأجرة على الأول أو لا؟ قولان مبنيان على ان الواجب هو الأول و ان الثاني عقوبة، أو هو الثاني و ان الأول عقوبة).

قال المحقق (طاب ثراه) في الشرائع: (و إذا أفسد حجه حج من قابل، و هل تعاد الأجرة عليه يبنى على القولين).

قوله قده: (قد يقال بالثاني «أي كون الثاني هو الواجب و الأول عقوبة»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 10- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 10- من أبواب النيابة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 85

للتعبير في الاخبار بالفساد الظاهر في البطلان، و حمله على ارادة النقصان و عدم الكمال مجاز لا داعي إليه).

اختاره صاحب الجواهر (ره) حيث قال في الجواهر: (و التحقيق:

ان الفرض: الثاني لا الأول الذي أطلق عليه اسم الفاسد في النص و الفتوى، و احتمال ان هذا الإطلاق مجاز لا داعي إليه، بل هو مناف لجميع ما ورد: في بيان المبطلات في النصوص من أنه: «قد فإنه الحج» و: «لا حج له» و نحو ذلك مما يصعب الارتكاب المجاز فيه، بل مقتضاه: ان الحج لا يبطله شي ء أصلا، و انما يوجب فعل هذه المبطلات الإثم و العقوبة و هو كما ترى).

قوله

قده: (و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت معينة، و لا يستحق الأجرة، و يجب عليه الإتيان في القابل بلا اجرة، و مع إطلاق الإجارة تبقى ذمته مشغولة، و يستحق الأجرة على ما يأتي به في القابل).

لا يخفى ان استحقاق النائب الأجرة في العام القابل موقوف على ان يكون الحج في العام القابل عن المنوب عنه لا عن نفس النائب عقوبة، كما هو واضح.

قوله قده: (و الأقوى صحة الأول و كون الثاني عقوبة، لبعض الأخبار الصريحة في ذلك، و لا فرق بينه و بين الأجير)

هذا أحد القولين، و نسبه في المدارك الى الى الشيخ (ره) ما أفاده المصنّف (قده) و غيره هو الحق، و ذلك لدلالة بعض الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) صريحا على ذلك، و هو صحيح زرارة، أو حسنه، قال:

سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة؟ قال: جاهلين أو عالمين؟ قلت: أجنبي على الوجهين جميعا؟ قال (عليه السلام): ان كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا على حجهما و ليس عليهما شي ء. و ان كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه، و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضى نسكهما، و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. فأي الحجتين لهما؟ قال: الأولى التي أحدثا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 86

فيها ما أحدثا و الأخرى عليهما عقوبة «1» و دلالته على المدعى واضحة، و لا يضر إضماره بعد كون الراوي مثل زرارة.

و أما الإشكال بأنه: مختص بالحاج عن نفسه، فلا يشمل مفروض المقام، ففيه:

ان قوله: «سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة، مطلق يشمل الحاج عن غيره كشموله للحاج

عن نفسه. و أما قوله: «لهما» فإنه مقابل لكون الأول عقوبة لا في قبال النيابة.

مضافا الى ان الظاهر منه ان ما ذكر فيه حكم للمحرم الآتي بالعمل الخاص بما هو محرم لا بما هو حاج عن نفسه، كما لا يخفى. و ما في بعض الأخبار من التعبير: بالفساد محمول بقرينة هذا الحديث على النقصان و نفى الكمال. و بالجملة: لا يبقى مجال للترديد في أن الأول: هو الفرض و الثاني: عقوبة، فهو مستحق للأجرة على الأول، و ان ترك الإتيان به في العام القابل عصيانا، أو لعذر، كما أفاده المصنف (قده) بعد أسطر.

قوله قده: (و لخصوص خبرين في خصوص الأجير).

قال في الجواهر:

و خبرا المقام اللذان سمعتهما و ان كانا ظاهرين في ان الفرض: الأول، الا انه يجب حملهما على إرادة إعطاء اللّه تعالى للمنوب عنه حجة تامة تفضلا منه، و ان قصر النائب في إفسادها و خوطب بالإعادة، فلا محيص عن القول بان الفرض: الثاني).

و لا يخفى: ما في هذا الحمل من البعد، و هذا الحمل ليس بأسهل من حمل الأخبار الدالة على فساد الأول على النقص الموجب للعقوبة، كما هو واضح. مراده (قده) من خبرين أحدهما: موثق إسحاق بن عمار عن أحدهما «ع» قال: سألته عن الرّجل يموت، فيوصي بحجة، فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه، فيموت قبل أن يحج، ثم اعطى الدراهم غيره؟ قال (عليه السلام): ان مات في الطريق، أو بمكة قبل ان يقضى مناسكه، فإنه يجزى عن الأول. قلت: فان ابتلى بشي ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحجّ من قابل

______________________________

(1) الوسائل:- ج 2- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 87

أ

يجزي عن الأول؟ قال نعم. إلخ). «1» ثانيهما: ما عنه أيضا سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل حج عن رجل فاجترح في حجه شيئا يلزم فيه الحج من قابل و كفارة؟ قال (عليه السلام): هي للأول تامة، و على هذا ما اجترح «2».

قوله قده: (و هل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الذي أتى به الأول، فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه، و بذلك العنوان، أو هو واجب عليه تعبدا و يكون لنفسه وجهان؟ لا يبعد الظهور: في الأول، و لا ينافي كونه عقوبة، فإنه يكون الإعادة عقوبة، و لكن الأظهر: الثاني، و الأحوط ان يأتي به بقصد ما في الذمة).

يمكن ان يقال بالأول و ذلك لأن الظاهر ان الحج في العام القابل هو الحج الذي أفسده، فيكون نظير القضاء، فإذا كان الأول نائبا فيه كان الثاني كذلك. و لكن المتعين: هو الثاني، فإن الظاهر من الحديث كما ترى بل صريحه كون الثاني صرف عقوبة عليه، لخطيئته و الأول: هو الفرض و مسقط لما في الذمة فلا معنى لإعادته.

قوله قده: (ثم لا يخفى عليك: عدم تمامية ما ذكره ذلك القائل: من عدم استحقاق الأجرة في صورة كون الإجارة معينة و لو على ما يأتي به في القابل، لانفساخها و كون وجوب الثاني تعبدا، لكونه خارجا عن متعلق الإجارة و ان كان مبرأ لذمة المنوب عنه، لأن الإجارة و ان كانت منفسخة بالنسبة إلى الأول لكنها باقية بالنسبة الى الثاني تعبدا، لكونها عوضا شرعيا تعبديا عما وقع عليه العقد، فلا وجه لعدم استحقاق الأجرة على الثاني).

مراد المصنف (قده) من ذلك القائل هو صاحب الجواهر (ره) و قد فرع على ما ذكر سابقا بقوله: (فلا محيص عن القول

بان الفرض حينئذ: الثاني، كما لا محيص بناء على ذلك عن القول بانفساخ الإجارة إذا فرض كونها معينة و عود الأجرة لصاحبها، و انه يجب على النائب الإعادة للحج من قابل بنية النيابة من غير عوض، لأنه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 88

هو الحج الذي أفسده و خوطب بإعادته. إلخ).

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 2، ص: 88

و لكن المناقشة فيما أفاده المصنّف (قده) من: «كونه عوضا شرعيا» واضحة، لأن الثابت هو كون الثاني عوضا عن الأول من حيث نفس العمل، و أما كونه عوضا عنه باعتبار وقوع الاستيجار عليه: بان يكون الثاني منزلا بمنزلة المستأجر عليه و يستحق عليه الأجرة فلا دليل عليه، و لا يظهر من الاخبار.

قوله قده: (و قد يقال بعدم كفاية الحج الثاني أيضا في تفريغ ذمة المنوب عنه بل لا بد للمستأجر ان يستأجر مرة أخرى في صورة التعيين، و للاجيران يحج ثالثا في صورة الإطلاق، لأن الحج الأول: فاسد و الثاني: انما وجب للإفساد عقوبة، فيجب ثالث، إذا التداخل خلاف الأصل. و (فيه): ان هذا انما يتم إذا لم يكن الحج في القابل بالعنوان الأول، و الظاهر من الأخبار على القول بعدم صحة الأول وجوب إعادة الأول و بذلك العنوان، فيكفي في التفريغ، و لا يكون من باب التداخل، فليس الإفساد عنوانا مستقلا. نعم، انما يلزم ذلك إذا قلنا ان الإفساد موجب لحج مستقل لا على نحو الأول و هو خلاف ظاهر

الاخبار و قد يقال في صورة التعيين ان الحج الأول إذا كان فاسدا و انفسخت الإجارة يكون لنفسه، فقضاؤه في العام القابل ايضا يكون لنفسه، و لا يكون مبرأ لذمة المنوب عنه، فيجب على المستأجر استيجار حج آخر و (فيه): ايضا ما عرفت من ان الثاني واجب بعنوان اعادة الأول و كون الأول بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه لنفسه لا يقتضي كون الثاني له و ان كان بدلا عنه، لأنه بدل عنه بالعنوان المنوي لا بما صار اليه بعد الفسخ، هذا)

لا يخفى انه إذا كان ظاهر الدليل ان الثاني عقوبة كما هو المختار بل قلنا ان صريحه ذلك فعليه يكون الثاني لنفسه مطلقا، لأنه لتلخيص نفسه.

ثم انه لا بأس بذكر ما أفاده صاحب الجواهر في ذيل المبحث من محصل الأقوال قال: (ان محصلها مع المختار ثمانية: (الأول): انفساخ الإجارة مطلقا ان كان الثاني

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 89

فرضه، و هو ظاهر المتن (الثاني): انفساخها مع التعيين دون الإطلاق، و وجوب حجة ثالثة نيابة، كما هو خيرة الفاضل في القواعد، و المحكي عن الشيخ، و ابن إدريس. (الثالث):

عدم الانفساخ مطلقا، و لا يجب عليه حجة ثالثة، و هو خيرة الشهيد. (الرابع): انه ان كان الثاني عقوبة لم ينفسخ مطلقا، و لا عليه حجة ثالثة، و ان كان فرضه انفسخ في المعينة دون المطلقة، و عليه حجة ثالثة، و هو على ما قيل خيرة التذكرة، واحد وجهي المعتبر، و المنتهى، و التحرير. (الخامس): كذلك و ليس عليه حجة ثالثة مطلقا، و هو محتمل المعتبر، و المنتهى (السادس): انفساخها مطلقا، مطلقة كانت، أو معينة، كان الثاني عقوبة أولا، لانصراف الإطلاق إلى العام الأول و فساد الحج

الأول و ان كان فرضه.

(السابع): عدم انفساخها مطلقا كذلك، قيل و يحتمله الجامع، و المعتبر، و المنتهى، و التحرير (الثامن): المختار، و هو محتمل محكي المختلف، و هو الأصح، لما سمعت، و ليس في الخبرين منافاة له بعد ما عرفت).

قوله قده: (و الظاهر عدم الفرق في الأحكام المذكورة بين كون الحج الأول المستأجر عليه واجبا، أو مندوبا، بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام و الإعادة في النيابة تبرعا ايضا، و ان كان لا يستحق الأجرة أصلا).

لا كلام لنا فيه، لإطلاق الأخبار المتقدمة.

[المسألة الثانية و العشرين يملك الأجير الأجرة بمجرد العقد]

قوله قده: (يملك الأجير الأجرة بمجرد العقد، لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل، إذا لم يشترط التعجيل، و لم تكن قرينة على إرادته- من انصراف أو غيره- و لا فرق في عدم وجوب التسليم بين ان يكون عينا أو دينا).

أما تملك الأجير الأجرة بمجرد العقد فلا ينبغي الإشكال فيه، لأنه مقتضى صحة المعاوضة، كما انه لا ينبغي الإشكال في وجوب تسليمها مع مطالبة الأجير بعد إكماله العمل المستأجر عليه، مع تسليمه و كذا وجوب تسليم مال الإجارة مع مطالبتها إذا شرط التعجيل في ضمن العقد، أو كان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 90

مقتضى القرينة الحالية، أو المقالية، أو الانصراف، أو المتعارف، ذلك، انما الكلام فيما إذا فرض إطلاق العقد و لم يكن في البين قرينة حالية، أو مقالية، على التعجيل، فهل يجب تسليم الأجرة لو طالبها الأجير قبل تسليم العمل أو لا؟ المشهور عدم وجوب ذلك في مفروض المقام، و تبعهم المصنف (قده).

لا ينبغي الإشكال فيه، و ذلك لاقتضائه طبع المعاوضة، فما دام لم يحصل المعوض إلى المستأجر له الحق في تأخير العوض، فيجوز لكل واحد من المتعارضين- سواء كانت المعاوضة

بعنوان البيع أو بعنوان الإجارة أو غيرهما- ان يمتنع من التسليم في ظرف امتناع الآخر عن ذلك، كما انه يجوز لكل واحد منهما المطالبة في ظرف تحقق التسليم منه، هذا مما لا كلام لنا فيه انما يقع الكلام في وجه الفرق بين الحر و العبد، حيث انهم التزموا في الثاني بجواز مطالبة الأجرة قبل إتيان العبد بالعمل، و هذا بخلافه في الأول.

يمكن الاستدلال على ذلك بوجهين:

(الأول)- ان الحر لا يقع تحت اليد، فلا تسلم المنافع تبعا لتسليم نفس الحر حتى يقال بوجوب تسليم الأجرة مع المطالبة، و هذا بخلافه في العبد، لأن تسليم تلك المنفعة فيه انما يكون بنفس تسليم العبد نظير اجارة البستان، حيث ان تسليم منافعه انما يكون بتسليمه، لوقوعه تحت اليد، فيجب تسليم الأجرة مع المطالبة، و كيف كان فلو فرض صيرورة الحر أجيرا لزيد لأن يخيط ثوبه فإنما يكون التسليم فيه بتسليم المحل و بإعطاء الثوب مخيطا، فقبل تسليم المعوض- و هو الأعمال المخصوصة- لا يجب تسليم الأجرة و لو مع المطالبة، و هذا هو الفارق بين اجارة الحر و اجارة العبد للخياطة، لعدم وقوع الأول تحت اليد دون الثاني.

يمكن المناقشة فيه: بانا لم نفهم معنى محصلا لما اشتهر من عدم دخول الحر تحت اليد فان كان المراد من ذلك عدم صيرورته مملوكا شرعا، و عدم ورود خلل و نقص في حريته

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 91

فالعبد ايضا لا يصير مملوكا للمستأجر، و لا فرق بينهما من هذه الجهة، و ان كان المراد منه عدم حصول التسلط الخارجي عليه، فهو خلاف ما نراه كثيرا في الخارج من تسلط بعض على بعض و تسلط الكفار في زماننا على المسلمين الأحرار،

و معاملتهم معهم معاملة العبيد، و ان كان المراد منه عدم إمكان إلزامه و مطالبته بأداء المنفعة بخلاف العبد. ففيه: ايضا عدم الفرق بينهما، فإنه كما يمكن إلزام العبد الأجير شرعا و مطالبته بأداء المنفعة، كذلك يمكن إلزام الحرم الأجير به. و أما إلزام التكويني فكون المستأجر قادرا عليه و عدمه أيضا أجنبي عن حرية الأجير و عدمها، كما لا يخفى.

هذا و قد أفتى الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بلزوم الأجرة المسماة على المستأجر فيما إذا استأجر شخصا في وقت معين للخياطة، أو لبناء دار، أو نحو ذلك و سلم الأجير نفسه للعمل في وقته لكن المستأجر لم يستوفه، و من المعلوم انه لو لم يعد تسليم نفسه تسليما لمنافعه- كما في العبد- لم يكن وجه للزوم الأجرة المسماة في هذا الفرض، و غاية ما يمكن ان ما يمكن ان يقال هو لزوم إعطاء أجرة المثل من ناحية كون المستأجر مفوتا لمنافع الأجير في زمان الإجارة، بل يمكن فرض عدم تفويته- كما إذا اشتغل الأجير بالبناء لنفسه بعد ان رأى امتناع المستأجر من استيفاء العمل منه مثلا، و كيف كان فثبوت الأجرة المسماة على المستأجر متوقف قطعا على كون تسليم نفسه تسليما لمنافعه عرفا، فلا يبقى فرق بين العبد و الحر من هذه الجهة.

(الثاني)- أن يدعى ان الإجارة في الحقيقة تمليك للعين موقتا- نظير مسألة الوقف على البطون بطنا بعد بطن، حيث ان كل بطن يتلقى الملك من الواقف لا بالإرث من البطن السابق كما لا يخفى- و ربما يشهد لذلك ان المنفعة- كسكنى الدار مثلا- قبل استيفائها ليست موجودة حتى يعقل تمليكها، فالإجارة ليست تمليكا للمنفعة، و انما هي تمليك للعين موقتا. و يدعى

ايضا ان الوجه في لزوم تسليم مال الإجارة في مثل الدار و العبد قبل استيفاء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 92

المنفعة بمجرد تسليم الموجر للعين انما هو من جهة ان ما ملكه بالأجرة نفس العين، و قد تسلمها، فيجب إعطاء الثمن، و هذا بخلاف استيجار الحر، لعدم صيرورته مملوكا، فلا يعقل القول بكون إجارته عبارة عن تمليك العين موقتا، بل لا بد من الالتزام فيها بشي ء آخر- كدعوى كونها في الحقيقة تضمينا- و حينئذ لا يجب تسليم الأجرة بمجرد المطالبة قبل استيفاء المنفعة، و لا اثر لتسليم العين، لأن المستأجر لم يملكها بالإجارة، و هذا بخلاف اجارة العبد، و الدار، و نحوهما.

و يرد عليه- مضافا الى انه لا يمكن توجيه كلامهم بذلك، حيث انهم لم يلتزموا بكون الإجارة تمليك العين موقتا، و انما هو قول نادر- انه قد حقق في محله بطلان هذا القول و المنفعة قبل استيفائها موجودة للعين في عالم الاعتبار، فلا يمكن المناقشة من هذه الجهة في قول المشهور- بكون الإجارة عبارة عن تمليك المنفعة بمال- هذا، مع انه يرد ايضا ما مضى من النقض على الوجه الأول- بمسألة لزوم إعطاء أجرة المسماة إذا حضر الأجير في وقته و امتنع المستأجر من الاستيفاء- فظهر مما ذكرنا عدم الفرق بين العبد و الحر و لكنه مع ذلك كله لا يخلو من تأمل.

ثم انه يمكن دفع النقض بان عدم وجوب تسليم الأجرة على القول به ليس إلا لعدم تسليم المنفعة، و إذا فرض ان الأجير حاضر لتسليمها، و لكن المستأجر لا يستسلمها فلا وجه لتأخير الأجرة لأن التقصير انما هو من جانب المستأجر دون الأجير فتدبر

قوله قده: (لكن إذا كانت عينا و

نمت كان النّماء للأجير).

الظاهر انه لا خلاف فيه قال في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه):

(و يستحقها الأجير بالعقد): (. فلو كانت عينا فزادت بعد العقد أو نمت فهما للأجير، لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل، كما في مطلق الإجارة) و نحوه في الجواهر.

ما أفاده المصنف (قده) تبعا لهم هو الصواب، لأن النماء تابع للأصل المفروض كونه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 93

ملكا للأجير بالعقد).

قوله قده: (و على ما ذكر من عدم وجوب التسليم قبل العمل، إذا كان المستأجر وصيا، أو وكيلا، و سلمها قبله كان ضامنا لها على تقدير عدم العمل من المؤجر أو كون عمله باطلا).

قال في المدارك بعد كلامه المتقدم: (و على هذا فليس للوصي التسليم قبله «الى العمل» و لو سلم كان ضامنا الا مع الاذن من الموصى المستفاد من اللفظ أو اطراد العادة، لأن ما جرت به العادة يكون كالمنطوق به) و في الجواهر بعد ان حكم بالضمان في الفرض المزبور قال: (لكونه تفريطا).

قوله قده: (و لا يجوز لهما اشتراط التعجيل من دون اذن الموكل، أو الوارث).

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لعدم جواز تصرف غير المالك إلا بإذنه.

قوله قده: (و لو لم يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الأجرة كان له الفسخ و كذا للمستأجر).

ما أفاده (قده) هو الصواب، لأن عدم قدرة الأجير على تسليم العمل يوجب الانفساخ، لأنه يكشف به عدم ثبوت المنفعة التي وقعت الإجارة بلحاظها.

قال في المدارك: (و لو توقف عمل الأجير على دفع الأجرة اليه و لم يدفعها الوصي، فقد استقرب الشهيد في الدروس جواز فسخه، للضرر اللازم من اشتغال ذمته مما استؤجر عليه مع عدم تمكنه منه. و يحتمل عدمه فينتظر

وقت الإمكان، لأن التسلط على فسخ العقد اللازم يتوقف على الدليل، و مثل هذا الضرر لم يثبت كونه مسوغا. نعم، لو علم عدم التمكن مطلقا تعين القول بجواز الفسخ) قال في الجواهر بعد نقل كلام الشهيد (قدس سره) (و هو كما ترى، إذا كان مراده المفروض الذي لا ريب في كون المتجه فيه انتظار وقت الإمكان. نعم، لو علم عدم التمكن مطلقا اتجه القول بجواز الفسخ لهما للضرر).

قوله قده: (لكن لما كان المتعارف تسليمها، أو نصفها قبل المشي، يستحق الأجير المطالبة في صورة الإطلاق، و يجوز للوكيل، و الوصي دفعها من غير ضمان).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 94

لا ينبغي الإشكال في ذلك، و الظاهر انه لم ينقل من أحد من الأصحاب للخلاف فيه.

[المسألة الثالثة و العشرين إطلاق الإجارة يقتضي المباشرية]

قوله قده: (إطلاق الإجارة يقتضي المباشرية، فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلا مع الاذن صريحا، أو ظاهرا).

هذا مما لا إشكال فيه، فان بيان العدل يحتاج إلى مؤنة زائدة، فمقتضى الإطلاق عدمه، الا ان تكون العبارة بحيث يستفاد منها عدم دخل خصوصية المباشرية، كما لو قال مثلا: (آجرتك على ان يحج) بصيغة المجهول، فحينئذ كان مقتضى الإطلاق جواز المباشرة و الاستنابة، كما هو واضح.

قوله قده: (و الرواية الدالة على الجواز محمولة على صورة العلم بالرضا من المستأجر)

أشار (قده) بذلك الى ما رواه الشيخ عن عثمان بن عيسى قال: قلت: لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) ما تقول في الرجل يعطى الحجة فيدفعها الى غيره؟ قال: لا بأس «1» و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا. و لكن يمكن المناقشة في أصل ظهور الرواية في الاستيجار، لأنه يحتمل حملها على ما إذا دفع إليه قيمة الحجة و وكله في القيام به بنفسه، أو

بغيره، و لعل سؤال السائل كان من جهة ان المعطى لم يكن صرح بذلك و كان كلامه مطلقا، فاختفى حكم ذلك على السائل و لكنه كما ترى خلاف ظاهرها فحينئذ يدور الأمر بين ان تحمل على صورة العلم بالرضا من المستأجر كما أفاده المصنف (قده) أو على صورة الإذن ابتداء لأن ظاهرها غير معمول به عند الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) هذا كله بناء على تمامية سنده، و الا فلا عبرة بها أصلا، كما لا يخفى.

[المسألة الرابعة و العشرين لا يجوز استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعا]

قوله قده: (لا يجوز استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعا و كان وظيفته العدول الى الافراد عن من عليه حج التمتع).

الظاهر انه المتسالم عليه و لم يتعرض ظاهرا للخلاف فيه أحد من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم)

قوله قده: (و لو استأجره مع سعة الوقت فنوى التمتع ثم اتفق ضيق الوقت

______________________________

(1) الوسائل:- ج 2- الباب- 14- من أبواب النيابة حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 95

فهل يجوز العدول و يجزى عن المنوب عنه أولا؟ وجهان: من إطلاق أخبار العدول، و من انصرافها الى الحاج عن نفسه، و الأقوى عدمه، و على تقديره فالأقوى عدم اجزاءه عن الميت، و عدم استحقاق الأجرة عليه، لأنه غير ما على الميت، و لأنه غير العمل المستأجر عليه).

ما أفاده (قده) من أقوائية عدم جواز العدول هو الصواب، و ذلك لاختصاص اخبار العدول بالحاج عن نفسه، ففي ما نحن فيه لم يثبت من الشرع العدول الى الافراد فضلا عن اجزاءه عن المنوب عنه و لو على القول بحصول الاجزاء في مطلق الأعذار في الحاج عن نفسه لأن العدول خلاف الأصل و لا بد بان يقتصر على مورده و لا يمكن التعدي الى غير

مورده من دون مدرك.

و بالجملة ففي ما نحن فيه يتحلل بعمرة مفردة، و لا يستحق الأجرة المسماة، لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه، و لا اجرة المثل، لعدم كون ما اتى به بأمر المستأجر. نعم، يستحق الأجرة المسماة بمقدار طي الطريق لو فرض كونه جزء للعمل المستأجر عليه و لم يكن الإتيان بمجموع الاجزاء مأخوذا على نحو التقييد، غاية الأمر انه حينئذ تثبت الخيار للمستأجر هذا و (من هنا) ظهر: ان ما ذهب اليه المحقق النائيني (قدس سره) من القول بجواز العدول، و اجزاءه عن المنوب عنه مما لا يمكن المساعدة عليه.

[المسألة الخامسة و العشرين يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب و المندوب]

قوله قده: (يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب و المندوب).

أما جواز التبرع عن الميت في الحج الواجب فمما لا ينبغي الإشكال فيه، و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى الإجماع بقسميه عليه، و يقتضيه صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام، فأحج عنه بعض إخوانه هل يجزى ذلك عنه أو هل هي ناقصة؟ قال: بل هي حجة تامة «1»- قال في الوسائل بعد ذكره: (أقول هذا محمول على انه لم يكن له مال حين الموت و كان الحج قد

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 31- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 96

وجب عليه من قبل، و القرائن على ذلك ظاهرة)- و خبر صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن عامر بن عميرة، قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): بلغني عنك انك قلت:

لو ان رجلا مات و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزاء ذلك عنه؟ فقال: نعم

اشهد بها على أبى أنه حدثني: ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أتاه رجل، فقال يا رسول اللّه: ان أبى مات و لم يحج؟ فقال له رسول اللّه: حج عنه، فان ذلك يجزى عنه «1» و أما جواز التبرع في الحج المندوب فأيضا مما لا ينبغي الإشكال فيه، و يدل عليه جملة من النصوص الواردة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- خبر عمر بن الياس، في حديث قال: قال ابى لأبي عبد اللّه (عليه السلام) و انا اسمع: ان ابني هذا صرورة، و قد ماتت أمه، فأحب أن يجعل حجته لها، أ فيجوز ذلك له؟ فقال أبو عبد اللّه: يكتب ذلك له، و لها، و يكتب له أجر البر «2».

2- خبر حازم بن حبيب، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ان ابى هلك و هو رجل أعجمي، و قد أردت أن أحج عنه، و أتصدق؟ فقال: افعل، فإنه يصل اليه «3» 3- موثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يحج فيجعل حجته، و عمرته، أو بعض طوافه، لبعض اهله، و هو عنه غائب ببلد آخر قال: فقلت: فينقص ذلك من اجره؟ قال: لا هي له و لصاحبه و له أجر ما سوى ذلك بما وصل قلت: هو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له أو يكون مضيقا عليه فيوسع عليه، فقلت: فيعلم هو في مكانه ان عمل ذلك لحقه؟ قال نعم. إلخ «4» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام).

قوله قده: (بل يجوز التبرع عنه بالمندوب و ان كانت ذمته مشغولة بالواجب)

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 31- من أبواب وجوب

الحج و شرائطه حديث: 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 25- من أبواب النيابة حديث: 2.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 25- من أبواب النيابة حديث: 10.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 25- من أبواب النيابة حديث: 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 97

ما أفاده المصنف (قده) هو الصواب، لإطلاق ذلك الأخبار.

[المسألة السادسة و العشرين لا يجوز ان ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد]

قوله قده: (لا يجوز ان ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد، و ان كان الأقوى فيه الصحة إلا إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة- كما إذا نذر كل منهما ان يشترك مع الآخر في تحصيل الحج. و أما في الحج المندوب، فيجوز حج واحد عن جماعة بعنوان النيابة، كما يجوز بعنوان إهداء الثواب، لجملة من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة أيضا، فلا داعي لحملها على إهداء الثواب).

الظاهر ان كلمة: «إلا» من غلط النساخ، و كيف كان فما أفاده المصنف (قده) أولا: من عدم جواز نيابة واحد عن متعدد مما لا إشكال فيه، الكلام فيما أفاده بعد ذلك من صحة الإتيان بحج واحد عن متعدد على نحو الشركة في النيابة في الندبي، و فيما إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة.

يمكن ان يقال عدم صحة ذلك، فإن النيابة خلاف الأصل، و خرجنا عنه في نيابة واحد عن واحد، لأنه القدر المتيقن من أدلة النيابة و بقي الباقي تحت الأصل، فتأمل. نعم ورد صحيح محمد بن إسماعيل قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام): كم أشرك في حجتي؟

قال: كم شئت «1». و صحيح معاوية بن عمار، عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له: أشرك أبوي في حجتي؟ قال: نعم قلت: أشرك إخوتي في حجتي؟ قال: نعم، ان اللّه تعالى جاعل لك حجا، و

لهم حجا و لك أجرا لصلتك إياهم. «2» و خبر محمد بن الحسن، عن ابى الحسن (عليه السلام) قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): لو أشركت ألفا في حجتك لكان لكل واحد حجة من غير ان تنقص حجتك شيئا «3». و خبر على بن حمزة، قال سألت أبا الحسن موسى: عن الرجل يشرك في حجته الأربعة و الخمسة من مواليه؟ فقال: ان كانوا صرورة جميعا فلهم أجر و لا يجزى عنهم الذي حج عنهم من حجة الإسلام و الحجة للذي حج «4» و صحيح هشام بن الحكم، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يشرك أباه،

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 28- من أبواب النيابة حديث: 1.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 28- من أبواب النيابة حديث: 2.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 28- من أبواب النيابة حديث: 4.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 28- من أبواب النيابة حديث: 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 98

أو أخاه، أو قرابته في حجه؟ فقال: إذا يكتب لك حجا مثل حجهم و تزداد اجرا بما وصلت «1» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام).

و لكنها كما ترى لا تدل على جواز النيابة بحج واحد عن متعدد، و ذلك لأن الظاهر منها ان الجميع مشتركون في الحج المأتي به لنفسه، فيشركهم معه فيه، لا ان يحج عن جماعة بعنوان النيابة، فيحمل هذا الأخبار على إهداء الثواب، فتدبر.

[المسألة السابعة و العشرين يجوز ان ينوب جماعة عن الميت أو الحي في عام واحد في الحج المندوب]

قوله قده: (يجوز ان ينوب جماعة عن الميت أو الحي في عام واحد في الحج المندوب، تبرعا أو بالإجارة، بل يجوز ذلك في الواجب ايضا، كما إذا كان على الميت و الحي الذي لا يتمكن من المباشرة لعذر حجان مختلفان نوعا- كحجة

الإسلام و النذر- أو متحدان من حيث النوع كحجتين للنذر، فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد، و كذا يجوز إذا كان أحدهما واجبا و الآخر مستحبا، بل يجوز ان يستأجر أجيرين لحج واجب واحد- كحجة الإسلام- في عام واحد احتياطا، لاحتمال بطلان حج أحدهما، بل و كذا مع العلم بصحة الحج من كل منهما و كلاهما آت بالحج الواجب و ان كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر، فهو ما إذا صلى جماعة على الميت في وقت واحد، و لا يضر سبق أحدهما بوجوب الآخر، فان الذمة مشغولة ما لم يتم العمل، فيصح قصد الوجوب من كل منهما و لو كان أحدهما أسبق شروعا).

لا يخفى ان ما أفاده (قده) في ذيل المسألة بقوله: (و لو كان أحدهما أسبق شروعا) لا نحتاج اليه، و ذلك لأن أسبقية أحدهما في الشروع لا يضر بإتيان الآخر بحجة الإسلام عن المنوب عنه، لعدم فراغ ذمته بعد عنها لكن إذا فرغ أحدهما عن الأعمال قبل الآخر صار ذلك مانعا عن إتيان الآخر بها عنه، لفراغ ذمته عنها، لانطباق الواجب على الأول، فإن المفروض القطع بصحة عمل الأول.

نعم، في فرض عدم القطع و استنابة شخصين من باب الاحتياط ليس إتمام أحدهما قبل الآخر مانعا عن إتمام الآخر بعنوان الاحتياط.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب 28- من أبواب النيابة حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 99

(الفصل الخامس في الوصيّة بالحجّ)

[المسألة الأولى إذا أوصى بالحج]
[فإن علم أنه واجب أخرج من أصل التركة]

قوله قده: (إذا أوصى بالحج، فإن علم أنه واجب أخرج من أصل التركة و ان كان بعنوان الوصية، فلا يقال كونها بعنوانها خروجه من الثلث. نعم، لو صرح بإخراجه من الثلث اخرج منه، فإن وفى به و الا يكون الزائد من الأصل، و لا فرق

في الخروج من الأصل بين حجة الإسلام، و الحج النذري و الافسادى، لأنه بأقسامه واجب مالي، و إجماعهم قائم على خروج كل واجب مالي من الأصل، مع ان في بعض الاخبار: «ان الحج بمنزلة الدين» و من المعلوم خروجه من الأصل، بل الأقوى خروج كل واجب من الأصل و ان كان بدنيا. إلخ).

لا ينبغي الإشكال في ان جميع الأعمال قابلة للنيابة و التبرع بعد الموت، بل هو من ضروريات الفقه، و مستفاد من الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) في الأبواب المتفرقة و ان كان ذلك على خلاف الأصل المقتضي لاعتبار المباشرة في متعلق الخطاب الموجب لسقوط التكليف بتعذرها، لانتفاء كل مشروط بانتفاء شرطه، و عليه فيحتاج في أصل وجوب القضاء عنه، و كونه من الأصل أو الثلث في كل مورد الى الدليل، فمع قيامه لا اشكال فيجب اتباعه، و أما فيما لم يعلم بنهوض دليل عليه، فيقع الكلام فيه في مقامين: (أحدهما): في أصل وجوب القضاء عنه ان كان له مال.

و (ثانيهما: في انه على فرض ثبوته هل يخرج من الأصل أم الثلث.

أما (المقام الأول): فمحصله انه يمكن إثبات وجوب أصل القضاء: «بأنه دين عليه» و دين الميت يجب أدائه ان كان له مال. أما الصغرى- و هي كونه دينا- ففي الواجب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 100

المالي أعني ما إذا كان نفس الواجب ماليا- كالخمس و الزكاة- ففي غاية الوضوح.

و أما في الواجب الذي لم يكن بنفسه ماليا سواء توقف غالبا على صرف مال معتد به- كالحج- أم لم يكن كذلك- كالصلاة فقد حققنا في الأصول ان جميع الأحكام التكليفية مستتبعة للوضع و اشتغال الذمة، و لذلك لا ينبغي الإشكال في أصل مشروعية

النيابة عنه بعد موته بالإتيان بما في ذمته قاصدا لهذا العنوان و أما الكبرى- و هي وجوب أداء دين الميت ان كان له مال- فيمكن إثباتها بوجوه:

(الأول)- ما يكون مختصا بالواجبات المالية، و هو ما في المتن من دعوى: الإجماع على خروج كل واجب مالي من الأصل، فإنه كما ترى يدل على ان أصل وجوب القضاء عن الميت مفروغ عنه، و ليس المراد ان القضاء عنه بما هو واجب، بل المراد انه ما لم يقض عنه و لو بتبرع متبرع لا يجوز التصرف في المال، بل يجب صرفه فيما يوجب براءة ذمة الميت عنه. و (فيه): انه قد ذكرنا مرارا ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم (عليه السلام)، فلا عبرة به في المقام، لعدم كونه تعبديا الا ان يدعى حصول الاطمئنان به و لو مع احتمال كون مدركه بعض ما يأتي، فيكون حينئذ ذلك الاطمئنان حجة، و كيف كان فهذا الوجه لا تشمل الواجبات البدنية و انما يدل بناء على تماميته على المدعى في خصوص الواجبات المالية، و القدر المتيقن منه هو الواجب الذي يكون بنفسه ماليا- كالخمس و الزكاة- دون غيره. و أما دعوى كون مراد المجمعين من الواجب المالي مطلق ما يتوقف وجوده على المال- كالحج- فدون إثباتها خرط القتاد.

(الثاني)- ما لا يختص بالواجبات المالية بل نعم الواجبات البدنية، و هو الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) الدالة على ان: (دين اللّه أحقّ أن يقضى)، و قد مضى ذكرها في الجزء الأول من الكتاب عند ذكر أدلة وجوب تقديم الحج على الدين، و من أراد الوقوف عليها فليراجعها. و (فيه): ضعفها سندا و دلالة، و ذلك لدلالتها على أصل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 101

صحة القضاء و مشروعيته دون وجوبه سواء كان المراد وجوبه نفسيا، أو كان المراد انه ما لم يقص لم يجز التصرف في المال لتعلق حق الميت به.

(الثالث)- قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) «1» و كذلك الأخبار الواردة في ان الإرث بعد الدين و يمكن ان يقال ان مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الواجبات المالية و البدنية، لما عرفت من ان جميعها دين. هذا و لكن يمكن القول بانصرافها عن الواجبات البدنية و ان فرض توقف الواجب البدني دائما أو غالبا على صرف المال كالحج فتدبر. و أما الحكم بوجوب إعطاء حجة الإسلام و كذا كونه من الأصل فإنما هو لأجل النص الخاص و من هنا ظهر: ان الإفتاء بوجوب إعطاء الحج النذري الثابت على الميت مشكل وفاقا لصاحب كشف اللثام (قدس سره) حيث انه بعد ان نسب الحكم بوجوب قضاء الحج النذري من أصل تركه الناذر الذي مات بعد التمكن من أدائه إلى قطعهم قال: للنظر فيه مجال واسع للأصل و افتقار وجوبه إلى أمر جديد تبعا لصاحب المدارك (ره) على ما في الجواهر اللهم الا يقوم على ذلك إجماع يوجب الاطمئنان أو قام دليل تعبدي بالخصوص على وجوب القضاء و من أصل التركة أو أمكن إثبات دينيته بطريق آخر كي تشمله الأدلة و لكن المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

و أما ما في بعض الاخبار من إخراج الحج النذري من ثلث المال على فرض تماميته فإنما هو وارد في نذر الإحجاج لا في نذر الحج، كصحيح ضريس و هو انه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذرا في شكر ليحج

رجلا إلى مكة فمات الذي نذر قبل ان يحج حجة الإسلام و من قبل ان يفي بنذره الذي نذر؟ قال: ان ترك مالا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قد وفى بالنذر، و ان لم يكن ترك مالا الا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك و يحج عنه

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 10.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 102

وليه حجة النذر انما هو مثل دين «1» و كصحيح عبد اللّه بن ابى يعفور سأل الصادق (عليه السلام) رجل نذر للّه ان عافى اللّه ابنه من وجعه ليحجنه الى بيت اللّه الحرام فعافى اللّه الابن و مات الأب؟ فقال: الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده، قال: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه، فقال هي واجبة على الأب من ثلثه. إلخ «2» و أنت ترى دلالتهما على ما قلنا و لا يمكن التعدي عن موردهما الى ما نحن فيه- و هو نذر الحج- إلا إذا قام دليل تعبدي من الخارج على جواز التسرية، و هو لم يثبت، فلا بد من الاقتصار على المورد. و أما القول بأنه يمكن التعدي عن المورد الى غيره بتنقيح المناط القطعي فلا مجال له إذ لا سبيل الى العلم بالمناط و غاية ما يحصل منه هو الظن به و لا دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا عن كونه قياسا، لاحتمال خصوصية في نذر الإحجاج دون نذر الحج. نعم إذا قطعنا بملاك الحكم و عدم مانع عن الجعل فلا محيص حينئذ عن التعدي عن مورده الى مفروض المقام- و هو نذر الحج-، و لكنه مجرد فرض

لا واقع له لعدم احاطتنا بالملاكات و موانعها، كما هو واضح فالتعدي قياس محض و هو باطل عند مذهب أهل الحق مضافا الى ان نذر الإحجاج داخل في الواجب المال و هذا بخلاف نذر الحج، كما لا يخفى.

و أما (المقام الثاني): و هو انه بعد فرض وجوبه هل يخرج من الأصل أم من الثلث فيقع الكلام فيه في جهتين: (الأولى): بالنسبة إلى ديون الناس (الثانية): بالنسبة إلى ديون اللّه.

أما (الجهة الأولى). فمحصل الكلام فيها انه لا إشكال في خروجها من الأصل، لقوله تعالى «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» و نحوه الأخبار الواردة في ذلك.

و أما (الجهة الثانية) و هي الواجبات البدنية فملخص الكلام فيها انه بناء على القول بوجوب أصل قضائها ان كان مدركه ما تقدم من الوجه الثالث (بدعوى): شمول إطلاق

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 103

الآية الشريفة و الاخبار للواجبات البدنية، كشمولها للواجبات المالية و عدم انصرافها عنها اتجه ايضا خروجها من الأصل بعين ذلك الوجه و ان كان مدركه الوجه الثاني دون الوجه الثالث (بدعوى): انصراف الآية و الأخبار عن الواجبات البدنية فلا يثبت خروجها من أصل المال و مقتضى إطلاق أدلة إرث الزائد عن الثلث و عدم استحقاق الميت لا زيد من الثلث في فرض استحقاقه هو خروجها من الثلث إذا اوصى به و أما الوجه الأول و هو دعوى الإجماع على خروج الواجبات المالية من الأصل فقد عرفت اختصاصه بها، و شموله للواجب الذي ليس في نفسه ماليا لكنه يتوقف على

صرف المال دائما أو غالبا غير معلوم، بل يؤيد عدم شموله لذلك اختلاف الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في ان الحج النذري هل يخرج من الأصل أو من الثلث و (من هنا) ظهر: ايضا عدم إمكان إثبات خروج الحج النذري من الأصل (بدعوى): الإجماع على ذلك، فحينئذ إذا قام دليل بالخصوص على وجوب إخراجه من الأصل فهو، و الا فيحكم بعدم لزوم إخراجه، كما لا يخفى.

و التحقيق- كما ظهر من تضاعيف ما ذكرنا- ان الواجبات البدنية أما لا يجب إخراجها أصلا أو يجب إخراجها من أصل المال دون الثلث، و ذلك لأن العمدة في أصل إثبات وجوب إخراجها (دعوى): كونها دينا فهي داخلة في إطلاق قوله تعالى «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» و كذلك الأخبار الواردة على طبق ذلك فلو لم يثبت الإطلاق و قلنا بانصرافها عن الواجبات البدنية فلا دليل على وجوب إخراجها أصلا، إلا ان يوصى بها فتخرج من الثلث. نعم، في مثل نذر الإحجاج الذي يكون داخلا في الواجبات المالية يمكن القول بدخوله في إطلاقها و ان لم يكن من دين الناس و ان ثبت الإطلاق و قلنا بكون الانصراف بدويا كما تقدم في بعض المباحث السابقة اتجه خروجها من أصل المال.

نعم، في خصوص الحج النذري يمكن القول بخروجه من الثلث، لورود النص على الخروج من الثلث في نذر الإحجاج مع كونه من الواجبات المالية، فيثبت ذلك في نذر الحج بالطريق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 104

الاولى، لكن فيه ما لا يخفى، لاحتمال دخل خصوصية الإحجاج في الحكم، كما عرفت، و لا وجه للتعدي عن مورده الى غيره بعد عدم إحراز وحدة المناط فيهما. هذا مضافا الى ما أفاده

بعض المحققين (قده) من أعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عما ورد في نذر الإحجاج من الخروج عن الثلث، لعدم إفتاء أحد من الفقهاء بذلك في مورده.

(فائدة): وجوب إخراج الحج النذري بناء على القول به سواء قلنا بخروجه من الأصل أم الثلث هل يختص بما إذا نذر الحج مطلقا أو يشمل ما إذا نذره مقيدا بسنة معينة مقتضى القاعدة هو الأول، لأن سقوط قيدية الوقت الخاص و المباشرة كليهما خلاف الأصل، فلا يصار اليه الا بالدليل و من المعلوم انه لم ينهض دليل الا على سقوط قيد المباشرة بالموت، فتبقى قيدية الزمان الخاص على حالها و مقتضاه انحلال النذر و عدم وجوب إخراجه أصلا.

ان قلت: لا فرق بين النذر المطلق و المقيّد بوقت خاص، و ذلك لكون النذر المطلق ايضا مقيدا بقيد الحياة و العمر كيف و منذورة فعل مباشرى له و لا يعقل تحقق ذلك إلا في حال حياته، فعلى هذا يكون نذره دائما مقيدا بوقت خاص- و هو العمر- كما ان المباشرة دخيلة فيه لو خلى و طبعه، فحينئذ سقوط قيد المباشرة بعد الموت غير كاف في صحة قضاء العمل المنذور أو وجوبه بعد الموت استنابة، بل لا بد من سقوط قيد الوقت أيضا فإن قلنا بعدم سقوطه لم يصح قضائه بعد الموت مطلقا، و ان قلنا به صح قضائه و لو كان مقيدا بسنة خاصة هذا و لو فرض انه نذر الحج مطلقا بحيث يشمل ما بعد موته لم ينعقد النذر بالنسبة الى ما بعد الموت، لاشتراط القدرة في صحته، كما هو واضح قلت: لو فرض ان الناذر قيد نذره بقيد الحياة كان حكمه حكم تقييده بسنة خاصة.

و أما (دعوى): كون النذر

المطلق دائما مقيدا بهذا القيد (فممنوعة) جدا، لأن النذر يتعلق بطبيعة الحج المقدور له في حال حياته و ان لم يكن مقدورا له بعد موته، فإنه يكفي في صحة نذر الطبيعة القدرة على بعض إفرادها نعم قيد النذر بالمباشرة، و المفروض

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 105

سقوطها بعد الموت، فلا إشكال في قضائه بعده في فرض كون النذر مطلقا و هذا بخلاف ما لو كان مقيدا بسنة معينة، فإن مقتضى القاعدة حينئذ انحلال النذر بمضي تلك السنة، لانتفاء موضوعه، هذا و لكن ذهب المصنف (ره) كما هو مقتضى إطلاق كلامه في هذا المقام و نصه في مبحث الحج النذري الى ان الحج النذري يقضى بعد الموت حتى في فرض كونه مقيدا بسنة خاصة، و هذا متفرع على القول بأنه لو كان حيا و مضت تلك السنة و قد تركه عصيانا لم ينحل نذره بل كان عليه قضائه، و قد صرح هو (قده) بذلك- اى بلزوم قضائه عليه بعد مضى تلك السنة- في مبحث الحج النذري حيث قال فيه: (و إذا قيده بسنة معينة لم يجز التأخير مع فرض تمكنه في تلك السنة فلو أخر عصى و عليه القضاء و الكفارة، و إذا مات وجب قضائه عنه، كما ان في صورة الإطلاق إذا مات بعد تمكنه منه قبل إتيانه وجب القضاء عنه، و القول بعدم وجوبه (بدعوى): كون القضاء بفرض جديد ضعيف. إلخ) و لعل الوجه في ذلك بعد الإجماع لو ثبت إطلاق: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» و ان استشكل فيه بعض الفقهاء (قدس سره) بأنه منصرف الى غيره من الموقت بأصل الشرع، بخلاف النذر الذي مقتضى مخالفته انحلاله المقتضى لعدم القضاء- كاليمين

و ترتب الكفارة، و لكن نحن لم نظفر بها في اخبار قضاء الفوائت بل هي واردة في خصوص الصلاة، و صاحب الجواهر (قدس سره) و ان ذكرها في كتاب النذر في نظير المقام للتمسك بإطلاق: (من فاتته. إلخ) مع الاستشكال فيه، و لكن لم نجد حديثا بهذا المضمون في مطلق الفريضة، و عليه فمقتضى قاعدة انتفاء الموقّت بانتفاء وقته هو عدم وجوب القضاء.

هذا كله بناء على مسلك المشهور و الا أصل وجوب القضاء مطلقا حتى في صورة ما إذا تعلق نذره بفعله المباشري محل اشكال و قد تقدم في الجزء الأول فراجع.

[و إن علم أنه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثلث]

قوله قده: (و إن علم أنه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثلث. إلخ)

ما أفاده المصنف (قده) في مفروض المقام مما لا اشكال فيه، لتطابق النصوص

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 106

و الفتاوى عليه، و لا بأس بذكر الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) الدالة على المدعى- و هي:

1- صحيح معاوية بن عمار في رجل مات و أوصى ان يحج عنه؟ فقال: ان كان صرورة يحج عنه من وسط المال، و ان كان غير صرورة فمن الثلث «1» في دلالته تأمل.

2- عن سماعة قال: سألته عن رجل أوصى عند موته أن يحج عنه؟ فقال: ان كان قد حج فليؤخذ من ثلثه، و ان لم يكن حج فمن صلب ماله لا يجوز غيره «2» هذا كسابقة.

3- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): عن رجل مات و اوصى ان يحج عنه؟ قال: ان كان صرورة فمن جميع المال، و ان كان تطوّعا فمن ثلثه «3».

4- خبر ابى بصير عن ابى عبد اللّه (عليه السلام): في الرجل له الولد يسعه ان

يجعل ماله لقرابته؟ قال: هو ماله يصنع به ما شاء الى ان يأتيه الموت قال: فإن أوصى به فليس له الا الثلث «4».

5- صحيح احمد بن محمد قال: كتب احمد بن إسحاق الى أبى الحسن (عليه السلام) ان درة بنت مقاتل توفيت، و تركت ضيعة أشقاصا. في مواضع و أوصت لسيدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث و نحن اوصيائها و أحببنا انها ذلك الى سيدنا، فإن أمر بإمضاء الوصية على وجهها أمضيناها، و ان أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به (ان شاء اللّه تعالى)؟ قال: فكتب (عليه السلام) بخطه: ليس يجب لها في تركتها الا الثّلث، و ان تفضلتم و كنتم الورثة كان جائزا لكم (ان شاء اللّه تعالى) «5» الى غير ذلك من الأخبار

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 41- من أبواب كتاب أبواب الوصايا حديث: 1.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 41- من أبواب كتاب أبواب الوصايا حديث: 2.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 41- من أبواب كتاب أبواب الوصايا حديث: 3.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 10- من أبواب كتاب الوصايا حديث: 6.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 11- من أبواب كتاب الوصايا حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 107

الواردة عنهم (عليهم السلام) و قد عقد في الوسائل بمضمون الحديث الأخير بابا واسعا في كتاب الوصية، و قد ذكر فيها جملة من الروايات المتضمنة لهذا المعنى و من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

[و إن لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثلث وجهان]

قوله قده: (و ان لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثلث؟

وجهان يظهر من سيد الرياض (قدس سره) خروجه من الأصل، حيث انه وجه كلام الصدوق (قده) الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل:

بأن مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجبا أو لا، فان مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية خروجها من الأصل خرج عنها صورة العلم بكونها ندبيا، و حمل الخبر الدال بظاهره على ما عن الصدوق ايضا على ذلك، لكنه مشكل، فان العمومات مخصصة بما دل على ان الوصية بأزيد من الثلث ترد اليه الا مع اجارة الورثة هذا مع ان الشبهة مصداقية، و التمسك بالعمومات فيها محل اشكال و أما الخبر المشار اليه، و هو قوله (عليه السلام): «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح ان أوصى به كله فهو جائز» فهو موهون باعراض العلماء عن العمل بظاهره، و يمكن ان يكون المراد بماله هو الثلث الذي أمره بيده. إلخ).

ما افاده (قده) بالنسبة إلى ضعف الخبر لأجل إعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) مما لا إشكال فيه. الا ان ما افاده (قده) من انه يمكن ان يكون المراد: «بماله» الواقع في الخبر هو الثلث قابل للمناقشة و الاشكال، لكونه خلاف الظاهر، كما لا يخفى.

قوله قده: (فتحصل ان في صورة الشك في كون الموصى به واجبا حتى يخرج من أصل التركة أو لا حتى يكون من الثلث مقتضى الأصل الخروج من الثلث، لأن الخروج من الأصل موقوف على كونه واجبا، و هو غير معلوم، بل الأصل عدمه، إلا إذا كان هناك انصراف- كما في مثل الوصية بالخمس، أو الزكاة، أو الحج، و نحوها. إلخ)

لا إشكال في عدم وجوب الإخراج من أصل التركة على الوارث في مفروض المقام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 108

و لكن لا لقاعدة: (ان كلما علق على أمر وجودي يحكم بضده حتى يثبت ذلك الأمر الوجودي). بل لانه مع فرض الشك

في تحقق ما يوجب اشغال ذمة ذلك الميت يجرى استصحاب العدم، لتحقق أركانه كما لا يخفى، فلا يجب على الوارث حينئذ الإخراج من أصل التركة و بذلك يثبت جواز تصرف الوارث فيما زاد على الثلث لأنه من آثار عدم وجوب ما لو كان واجبا للزم إخراجه من أصل المال. فلا يقال: انه حينئذ يقع الشك في صحة تصرفات الوارث فيما زاد على الثلث. نعم، يمكن ان يقال بعدم إمكان إثبات الندبية و الخروج من الثلث بذلك، و ذلك لأنه تعويل على الأصل المثبت حيث ان اللازم العقلي لأصالة عدم الوجوب هو الندبية و هو مثبت و قد حقق في الأصول بطلانه.

و لكن التحقيق: هو وجوب الإخراج من الثلث، كما أفاده المصنف (قده)، و ذلك لعدم الاحتياج في إخراجه عن الثلث إلى إحراز عنوان الندبية حتى يناط إثبات المدعى موقوفا على التمسك بالأصل المثبت بل يكفي في خروج الموصى به من الثلث عدم وجوبه، و المفروض ان الاستصحاب حاكم بذلك، كما لا يخفى.

قوله قده: (نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب- كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقا و لم يعلم انه أتى به أولا- فالظاهر جريان الاستصحاب و الإخراج من الأصل. و (دعوى): ان ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه، و هو فرع شكه لا شك الوصي أو الوارث و لا يعلم انه كان شاكا حين موته أو عالما بأحد الأمرين: (مدفوعة):

بمنع اعتبار شكه بل يكفى شك الوصي أو الوارث. إلخ).

و ذلك لأن التكليف متوجه الى الأحياء و يجرون الاستصحاب لتعيين تكليفهم، فالقول بعدم الاعتبار بيقينهم و شكهم في غير محله. نعم، هنا إشكال من ناحية ان استصحاب الوجوب لا يثبت وجوب الموصى به

مثلا لو اوصى بإعطاء مقدار خاص من المال للفقراء و كان مقتضى الاستصحاب اشتغال ذمته بذلك المقدار من جهة الزكاة لا يثبت بذلك ان ما اوصى به هو ذلك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 109

الواجب هذا و لكن التحقيق: ان المقدار الذي يثبت اشتغال الذمة به بالاستصحاب يخرج من الأصل و لا يعلم بثبوت وصية بغير ذلك حتى يخرج من الثلث، فمقتضى الأصل عدمه.

قوله قده: (و لا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوصي، فإن مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث، و لكنه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد، لحصول العلم غالبا بان الميت كان مشغول الذمة بدين، أو خمس، أو زكاة، أو حج، أو نحو ذلك، الا ان يدفع بالحمل على الصحة، فإن ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه، لكنه مشكل في الواجبات الموسعة بل و في غيرها أيضا في غير الموقتة، فالأحوط في هذه الصورة الإخراج من الأصل).

التحقيق: عدم جريان أصالة الصحة فيما إذا شك في أصل الإتيان بالعمل، و ذلك لأن جريانها موقوف على صدور العمل في الخارج و إحرازه و هو على الفرض في المقام مشكوك فيه، مع انه لا يمكن الالتزام بجريانها في الواجبات الموسعة و وجوب الحج يكون ما دام العمر، غاية الأمر مقتضى الأمر وجوبه فورا ففورا، و لذلك يحتمل ان يكون تأخيره لأجل التوسعة و كونه معذورا في ذلك. و على فرض تسليم كونه من الموقتات لا مجال لجريانها ايضا، لعدم إثباتها أنه أتى بالعمل بل يدل على عدم تعمده الحرام و لو من ناحية الغفلة. و أما الاستدلال بكون ظاهر

حال المسلم عدم مخالفة التكليف فهو في غير محله أما (أولا): فلمنع أصل الظهور في كثير من المسلمين. و أما (ثانيا): فلمنع حجيته ما لم يفد الاطمئنان فتدبر.

[المسألة الثانية يكفي الميقاتية]

قوله قده: (يكفي الميقاتية سواء كان الحج الموصى به واجبا أو مندوبا إلخ)

قد تقدم الكلام في هذه المسألة في الجزء الأول من الكتاب فراجع.

[المسألة الثالثة إذا لم يعين الأجرة فاللازم الاقتصار على اجرة المثل]

قوله قده: (إذا لم يعين الأجرة فاللازم الاقتصار على اجرة المثل للانصراف إليها و لكن إذا كان هناك من يرضى بالأقل منها وجب استئجاره إذا الانصراف إلى أجرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 110

المثل انما هو نفى الأزيد فقط.)

قال في الجواهر: (إذا اوصى ان يحج عنه و لم يعين الأجرة انصرف الى أجرة المثل فنازلا، لكونه كالتوكيل في ذلك. إلخ). و قال في المدارك: (أما انصراف الأجرة مع عدم التعيين إلى أجرة المثل فواضح، لأن الواجب العمل بالوصية مع الاحتياط للوارث، فيكون ما جرت به العادة كالمنطوق به، و هو المراد من اجرة المثل و لو وجد من يأخذ أقل من اجرة المثل اتفاقا وجب الاقتصار عليه احتياطا للوارث. إلخ) ما افاده المصنف (قده) و غيره من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) من الاقتصار على اجرة المثل في صورة عدم تعيين الأجرة و ان كان مسلما الا ان اجرة المثل مختلفة، لاحتمال ان يكون المراد منها ما هو المتعارف ما بين الاجراء، و يحتمل ان يكون المراد منها ما هو متعارف طائفة الميت في إعطاء الأجرة، و يحتمل ان يكون المراد منها هو اجرة المثل لمثل هذا الشخص بمقدار مصارف حجه. و على فرض تسليم كون المراد من اجرة المثل هو الاحتمال الأول فهي أيضا تختلف، لكونها ذات مراتب: مرتبة عليا، و مرتبة وسطى، و مرتبة أدنى و لكن الظاهر انه مع اختلاف مراتب اجرة المثل يتعين الاقتصار على الأقل، لأن في الأكثر منافاة لحق الورثة، و لكن إذا كان إعطاء

الأقل منافيا لشرف الميت فيمكن (دعوى): انصراف الأدلة عنه فتدبر.

قوله قده: (و هل يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده الأحوط ذلك توفيرا على الورثة خصوصا مع الظن بوجوده و ان كان في وجوبه إشكال خصوصا مع الظن بالعدم. إلخ).

الأقوى في النظر هو وجوب الفحص عن ذلك، لأن إعطاء أجرة المثل كان منوطا بالعلم بعدم وجود من يرضى بالأقل. و أما مع احتمال وجوده فلا يعلم الاذن فيه فيحكم بوجوب الفحص مطلقا حتى مع الظن بالعدم، لأن وجود الظن الغير المعتبر يكون بمنزلة الشك. نعم، إذا قامت قرينة حالية، أو مقالية، على انه أوصى بالثلث و اذن له بالتصرف فيه من دون فحص يحكم حينئذ بعدم وجوب الفحص، لكنه خارج عن مورد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 111

الفرض، كما هو واضح.

قوله قده: (و لو وجد من يريد ان يتبرع فالظاهر جواز الاكتفاء به بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار بل هو المتعين توفيرا على الورثة فان أتى به صحيحا كفى و الا وجب الاستئجار. إلخ).

لا كلام لنا في ذلك و الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم).

قوله قده: (و لو لم يوجد من يرضى بأجرة المثل فالظاهر وجوب دفع الأزيد إذا كان الحج واجبا بل و ان كان مندوبا ايضا مع وفاء الثلث، و لا يجب الصبر الى العام القابل و لو مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل أو أقل، بل لا يجوز لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمة الميت في الواجب و العمل بمقتضى الوصية في المندوب. إلخ).

لا يخفى ان ما أفاده المصنف (قده) من وجوب دفع الأزيد و لو مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل في العام القابل انما

يتم إذا صرح الموصى بالمبادرة، أو قامت قرينة حالية أو مقالية عليها، و الا فمقتضى إطلاق كلامه جواز التأخير، كما هو واضح.

[المسألة الرابعة هل يلاحظ في الأجير من يناسب شأن الميت في شرفه و ضعته]

قوله قده: (هل اللازم في تعيين اجرة المثل الاقتصار على أقل الناس اجرة أو يلاحظ من يناسب شأن الميت في شرفه و ضعته؟ لا يبعد: الثاني و الأحوط الأظهر:

الأول، و مثل هذا الكلام يجري أيضا في الكفن الخارج من الأصل أيضا.).

قد عرفت في المسألة السابقة انه مع اختلاف مراتب اجرة المثل يتعين الاقتصار على الأقل، لأن في الأكثر منافاة لحق الورثة إلا إذا كان الأقل منافيا لشرف الميت، فحينئذ يمكن (دعوى): انصراف الأدلة عنه، فتدبر.

[المسألة الخامسة لو أوصى بالحج]
[و عين المرة أو التكرار بعدد معين تعيّن]

قوله قده: (لو أوصى بالحج و عين المرة أو التكرار بعدد معين تعيّن.)

بلا خلاف أجده في ذلك و هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 112

[و إن لم يعين كفى حج واحد]

قوله قده: (و إن لم يعين كفى حج واحد الا ان يعلم انه أراد التكرار.)

قال المحقق «طاب ثراه» في الشرائع: (من اوصى ان يحج عنه و لم يعين المرات فان لم يعلم منه ارادة التكرار اقتصر على المرة، و ان علم ارادة التكرار حج عنه حتى يستوفى الثلث من تركته قال في الجواهر في شرح قول المحقق: (اقتصر على المرة) التي يحصل بها الطبيعة الموصى بها، كما في عد الفاضل و غيرها، نحو ما لو أمر السيد عبده على ما حقق في محله، لأصالة البراءة و غيرها، بل يمكن دعوى دلالة اللفظ على ارادة ذلك فلا وصية حينئذ بالزائد لا لا أمر به، بل لو سلم دعوى صدق تحقق الوصية بالحج بتعدد الحج عنه في سنة واحدة الا انه فيه مزاحمة لحق الوارث المقتضى لوجوب الاقتصار على أقل ما يتحقق به الوصية إلا مع رضاه لو فرض انحصار الوصية في اللفظ المزبور، كما في نظائره، و ان علم ارادة التكرار المستوعب لما له حجّ عنه حتى يستوفى الثلث من تركته، بلا خلاف، و لا اشكال، مع عدم اجازة الوارث، لعدم تسلطه على غيره كما حرر في محله. إلخ). قال في المدارك: (أما وجوب الاقتصار على المرة إذا لم يعلم منه ارادة التكرار فظاهر، لتحقق الامتثال بذلك و أما وجوب الحج عنه الى ان يستوفى الثلث إذا علم منه ارادة التكرار فلان الوصية لا تنفذ إلا في الثلث إذا لم

يجز الوارث. إلخ) لا ينبغي الارتياب في كفاية الاقتصار على المرّة عند الإطلاق و هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و الوجه في ذلك ظاهر، و ذلك لضرورة تحقق الامتثال بالمرّة لحصول الطبيعة الموصى بها بذلك، كما هو واضح هذا إذا كان لكلام الموصى إطلاق و أما إذا لم يكن له إطلاق بحيث تردد الموصى به بين الواحد و المتعدد ففي هذا الفرض ايضا لا ينبغي الإشكال في كفاية المرة للشك في تحقق وصيته بالنسبة إلى الزائد و مقتضى الأصل عدمه.

قوله قده: (و عليه يحمل ما ورد في الاخبار: من انه يحج عنه ما دام له مال، كما في خبرين، أو ما بقي من ثلثه شي ء كما في ثالث بعد حمل الأولين على الأخير من ارادة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 113

كما في خبرين، أو ما بقي منه ثلثه شي ء كما في ثالث بعد حمل الأولين على الأخير من ارادة الثلث من لفظ المال. إلخ)

مراده بالخبرين خبر محمد بن الحسن الأشعري قلت، لأبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك إنّي سألت أصحابنا عما أريد أن أسألك، فلم أجد عندهم جوابا و قد اضطررت إلى مسألتك، و ان سعد بن سعد أوصى الىّ فأوصى في وصيّته حجّوا عنّى مبهما و لم يفسر فكيف اصنع؟ قال: يأتيك جوابي في كتابك فكتب الىّ: يحجّ عنه، ما دام له مال يحمله و خبر محمد بن الحسن انه قال لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك قد اضطررت إلى مسألتك فقال: هات فقلت: سعد بن سعد اوصى حجوا عنى مبهما و لم يسم شيئا و لا يدرى كيف ذلك! قال: يحج عنه ما دام له مال «1» و مراده (قده)

من الثالث هو خبر محمد بن الحسين بن أبى خالد قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل اوصى ان يحج عنه مبهما؟

فقال يحج عنه ما بقي من ثلثه شي ء «2».

قوله قده: (فما عن الشيخ و جماعة من وجوب التكرار ما دام الثلث باقيا ضعيف. إلخ)

قال في الجواهر بعد حمل الأخبار المتقدمة على صورة العلم بإرادة التكرار (لكن عن الشيخ و جماعة العمل بهذه النصوص و ان لم يعلم ارادة التكرار، و اختاره في الحدائق تحصيلا ليقين البراءة. و (فيه): انه لا يقين بالشغل بأزيد من المرة و ما أبعد ما بينه و بين الأصبهاني حيث اقتصر على الخبرين الأخيرين ثم قال: (و يمكن ان يكونا بمعنى انه يحج عنه ان بقي من ثلثه شي ء بعد وصيته مقدمة عليه بمعنى انه يخرج من الثلث فلا يفهم التكرار أصلا، و لكنه كما ترى. و اقتصر في ك في الاستدلال على التكرار المزبور على الخبر الأخير. ثم قال (و لا يخفى ان ذلك يتم إذا علم منه ارادة التكرار على هذا الوجه

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 4 من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 4 من أبواب النيابة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 114

و الا اكتفى بالمرتين ليتحقق بذلك كما يكفي المرة مع الإطلاق: و (فيه): ان من المعلوم عدم كون لفظ التكرار عنوانا للوصية كي يكون المدار على تحقق مفهومه و انما الكلام فيما إذا كان عنوانها اللفظ المزبور في النصوص. إلخ) و التحقيق: عدم تمامية ما افاده الشيخ و تابعوه، لحمل الأخبار الدالة على وجوب التكرار على صورة العلم بإرادة الموصي التكرار، و على فرض عدم تماميته فالمتعين طرحها لإعراض

المشهور عنها، كما افاده المصنف (قده) في ذيل المسألة، حيث قال: (و على فرض ظهورها في إرادة التكرار و لو مع العلم بإرادته لا بد من طرحها، لإعراض المشهور عنها) لكن الحكم بوهنها لأجل أعراض جماعة منها مع عمل جماعة من القدماء بها لا يخلو من التأمل و الاشكال، فتدبر

قوله قده: (نعم لو اوصى بإخراج الثّلث و لم يذكر الا الحج يمكن أن يقال بوجوب صرف تمامه في الحج كما لو لم يذكر الا المظالم، أو إلّا الزكاة، أو إلّا الخمس، و لو أوصى أن يحج عنه مكررا كفى مرتان، لصدق التكرار معه)

ما افاده المصنف (قده) من كفاية مرّتين مع الوصية بالحج مكرّرا مما لا ينبغي الإشكال فيه نعم، إذا فهم من كلام الموصي، أو قامت قرينة حالية، أو مقالية على ارادة التكرار مهما أمكن فلا بد من ان يحجّ عنه مكررا الى ان يفنى الثلث

[المسألة السادسة لو أوصى بصرف مقدار معين في الحج سنين معينة]

قوله قده: (لو أوصى بصرف مقدار معين في الحج سنين معينة و عين لكل سنة مقدارا معينا و اتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة صرف نصيب سنتين في سنة أو ثلاث سنين في سنتين مثلا و هكذا)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا. قال في الشرائع: (إذا اوصى ان يحج عنه في كل سنة بقدر معين فقصر جمع نصيب سنتين و استؤجر لسنة، و كذا لو قصر ذلك أضيف إليه من نصيب الثالثة) قال في الجواهر في شرح قول المحقق طاب ثراه: (بلا خلاف أجده فيه) قال في المدارك في شرح قوله طاب ثراه: (المراد أنه إذا أوصى ان يحج عنه سنين متعددة و عين لكل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص:

115

سنة قدرا معينا اما مفصلا- كمائة- أو مجملا- كغلة بستان- فقصر عن اجرة الحج جمع مما زاد على السنة ما يكمل به اجرة المثل لسنته ثم يضم الزائد الى ما بعده و هكذا و هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.، إلخ) يمكن الاستدلال على ذلك بوجوه:

(الأول)- الإجماع قديما و حديثا. و (فيه): انه قد تكرر منا ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الكاشف قطعيا من رأى المعصوم (عليه السلام) لا المدركى، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض الوجوه الآتية، فلا عبرة إلا إذا حصل منه الاطمئنان، فيكون الاطمئنان حجة (الثاني)- ما استدل به صاحب الرياض (قدس سره) و هو قاعدة الميسور على ما حكى عنه. و (فيه): ان تلك القاعدة ان تمت لا تتم فيما نحن فيه، لان مورد جريانها هو متعلقات الأحكام الإلهية التي يمكن ان يستكشف منها دخل المعسور في حال التمكن فقط مع قدرة المكلف على الإتيان بما عدا المعسور من اجزاء العمل دون مثل المقام مما يكون من متعلقات إرادات الناس كما لا يخفى، فلا يمكن فيها الكشف المزبور. اللهم الا ان يقال:

ان المراد هو اجراء تلك القاعدة في الحكم الشرعي الذي هو عبارة عن وجوب العمل بالوصية. و لكن يمكن المناقشة فيه بان وجوب العمل بالوصية و ان كان حكما شرعيا لكنه يتوقف على صدق هذا العنوان على البعض و اما مع عدم صدقه لأجل انتفاء القيد، فلا يبقى مجال لصدق الميسور، لعدم الموضوع له حينئذ كما لا يخفى. و بالجملة فيمكن ان يقال ان تعلق الوصية بالحج المتكرر ان كان بنحو العام المجموعي تجري فيه قاعدة الميسور و ان كان بنحو العام الاستغراقي فلا تجري فيه

كما قرر في محله فتدبر (الثالث)- ان القدر المعين على المفروض قد خرج بالوصية عن ملك الورثة و وجب صرفه فيما عينه الموصى بقدر الإمكان و لا يمكن صرفه الا بجمعه على هذا الوجه فيتعين.

و ناقش فيه صاحب المدارك ره حيث قال ان انتقال القدر المعين بالوصية انما يتحقق مع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 116

إمكان صرفه فيها، و لهذا وقع الخلاف في انه إذا قصر المال الموصى به عن الحج هل يصرف في وجوه البر أو يعود ميراثا، فيمكن اجراء مثل ذلك هنا، لتعذر صرف القدر الموصى به في الوصية. هذا و لكن التحقيق: ان قياس ما نحن فيه بمسألة ما إذا قصر المال الموصى به في حج واحد في غير محله، لكونه مع الفارق لامتناع العمل بالوصية في هناك بخلاف ما نحن فيه، فلا بد من العمل بالوصية بقدر الإمكان فإن الظاهر من وصيته ان ذكره لعدد خاص و قيمة خاصة لم يكن على نحو التقييد و الارتباط بحيث لو لم يكن ذلك يرفع اليد عن أصل الحج بل انما ذكر ذلك بتخيل وفاء المال بذلك فيكون من باب تعدد المطلوب (الرابع)- الأخبار الخاصة الواردة عنهم (عليهم السلام) في المقام:

1- ما رواه إبراهيم بن مهزيار، قال، كتب اليه علي بن محمد الحضيني ان ابن عمى أوصى ان يحج عنه بخمسة عشر دينار في كل سنة و ليس يكفى ما تأمرني في ذلك؟

فكتب (عليه السلام): يجعل حجتين في حجة، فان اللّه تعالى عالم بذلك «1» 2- روايته الأخرى قال كتبت اليه (عليه السلام): ان مولاك علي بن مهزيار اوصى ان يحج عنه من ضيعة صير ربعها لك في كل سنة حجة الى عشرين

دينارا و انه قد انقطع طريق البصرة فتضاعف المؤن على الناس فليس يكتفون بعشرين دينارا، و كذلك اوصى عدة من مواليك في حجهم؟ فكتب (عليه السلام): يجعل ثلاث حجج حجتين ان شاء اللّه «2» (فائدة) إذا دار الأمر بين ان ينقص من العدد أو القيمة كما إذا فرضنا انه اوصى بإعطاء الأجير لكل حج عشرة دنانير مثلا و اتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة و دار الأمر

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب النيابة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 117

بين ان ينقص من عدد الحج حتى يكفى ذلك المقدار في باقي الحج منه بان يحج عنه تسع حجج و بين ان ينقص من القيمة حتى يفي بتمام العدد و هو عشر حجج مقتضى القاعدة هو التخيير لاحتمال الأهمية في كل واحد منهما في نظر الموصى. نعم، إذا علم من القرائن الحالية، أو المقالية «أهمية العدد بنظره تعين تنقيص القيمة، و كذلك إذا علم أهمية القيمة بنظره تعين تنقيص العدد. الا ان يقال ان وجوب تقديم ما هو الأهم في نظر الموصى عند التزاحم غير معلوم إلا إذا كان اوصى بذلك ايضا. هذا كله إذا كان في البين من يرضى بالأقل، و الا فلا محالة ينقص من العدد فيصرف نصيب سنتين في سنة. ثم انه لا يخفى ان ما ورد في الرواية الاولى من انه: (يجعل حجتين في حجة). و في الرواية الثانية من انه:

(يجعل ثلاث حجج حجتين) انما يكون من باب المثال: كما افاده المصنف قده و لا خصوصية لها قطعا فربما يجعل اربع حجج حجا واحدا و هكذا. كما

لا يخفى

قوله قده: (و لو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجة فهل ترجع ميراثا أو في وجوه البر أو تزاد على اجرة بعض السنين وجوه. إلخ)

قال في الجواهر: (و لو فضل من الجميع ان حصر السنين في عدد كعشرة و نحوها فضلة لا تفي بالحج ففي كشف اللثام عاد ميراثا أو صرف في غيره من المبرات قلت: قد يقال بوجوب دفعها اجرة في بعض السنين و ان زادت عن اجرة المثل مع فرض الوصية فلا فضلة حينئذ نعم لو أمكن فرضها جرى فيها الوجهان بل يتعين الثاني منهما مع فرض الوصية بها و انه ذكر ذلك مصرفا لها فاتفق تعذره كما انها يتعين الأول إذا فرض إخراجها عن الوارث بالوصية المزبورة التي قد فرض تعذرها فتأمل. إلخ) يمكن ان يقال ان تنقيح البحث مبتن على ما فهم من كلام الموصي فإن فهم منه تعدد المطلوب فيصرف في مصرف الخير و الا فيرجع ميراثا

قوله قده: (و لو كان الموصى به الحج من البلد و دار الأمر بين جعل اجرة سنتين مثلا لسنة و بين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكل سنة ففي تعيين الأول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 118

أو الثاني وجهان و لا يبعد التخيير بل أولوية الثاني الا ان مقتضى إطلاق الخبرين الأول. إلخ)

قال في الجواهر: (و في كشف اللثام ايضا الظاهر انه ان لم يكف نصيبه حجة لها من البلد و كفى لها من غيره استؤجر من حيث يمكن و لا يصرف فيه مال اخرى و ان نص في الوصية على الاستئجار من البلد و لكن الخبر الأخير قد يوهم الخلاف و يمكن تنزيله على عدم إمكانه. إلخ و اعترض

عليه صاحب الجواهر بعد نقل كلامه حيث قال، قلت: لا داعي الى هذا الاجتهاد في مقابلة النص المعمول به بين الأصحاب مع انه تبديل للوصية أيضا و المحافظة على كونه في كل سنة و ان خالف في انها من البلد ليس بأولى من المحافظة على الأخير و ان خالف الوصية في الأول بل هو اولى بعد ظهور النص و الفتوى في ذلك، و على كل حال فما في ك من ان القول باعتبار الحج من البلد أو الميقات كما مر مخالف لظاهر الخبر المزبور في كون الوصية به من البلد) لا يخفى ان مقتضى القاعدة و إن كان تقديم العدد على الطريق عند الدوران بينهما لاهمية الحج من الطريق الا ان مقتضى إطلاق الخبرين المذكورين هو المحافظة على الطريق و جعل اجرة سنتين مثلا لسنة واحدة و لا بأس بالعمل به

[المسألة التاسعة إذا عين للحج أجرة لا يرغب فيها أحد]

قوله قده: (إذا عين للحج أجرة لا يرغب فيها أحد و كان الحج مستحبا بطلت الوصية إذا لم يرج وجود راغب لها، و حينئذ فهل ترجع ميراثا أو تصرف في وجوه البر، أو يفصل بين ما إذا كان كذلك من الأول فترجع ميراثا، أو كان الراغب موجودا ثم طرء التعذر؟ وجوه: و الأقوى هو الصرف في وجوه البر)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على أقوال:

(الأول): رجوعها ميراثا، و اختاره في المدارك، حيث قال في شرح قول المحقق طاب ثراه: «و ان قصر عن الحج عنه صرف في وجوه البر»: (ما اختاره المصنف قده من صرفه في وجوه البر هو المشهور بين الأصحاب، و به قطع من المنتهى و استدل عليه: بان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 119

هذا القدر

من المال قد خرج عن ملك الورثة بالوصية النافذة و لا يمكن صرفه في الطاعة التي عينها الموصى، فتصرف الى غيرها من الطاعات، لدخولها في الوصية ضمنا. و يتوجه عليه (أولا): منع خروجه عن ملك الوارث بالوصية، لأن ذلك انما يتحقق مع إمكان صرفه فيها و المفروض امتناعه و متى ثبت الامتناع المذكور كشف عن عدم خروجه عن ملك الوارث. و (ثانيا): ان الوصية انما تعلقت بطاعة مخصوصة و قد تعذرت، و غيرها لم يدل عليه لفظ الموصى نطقا و لا فحوى، فلا معنى لوجوب صرف الوصية اليه. و قوله:

«ان غيرها من الطاعات داخل في الوصية ضمنا» غير واضح، لما بيناه مرارا من ان الموجود في ضمن المقيد حصة من المطلق مقومة له و منعدمة بانعدامه لا نفس الماهية المطلقة و من هنا: يظهر قوة القول: بعوده ميراثا، و هو خيرة ابن إدريس و الشيخ (قدس سرهما) على ما حكى عنهما (الثاني): صرفها في وجوه البر، و قد نسبه صاحب المدارك قده الى المشهور، و اختاره المحقق (طاب ثراه) في الشرائع و قد تقدم كلامه في الوجه الأول و تبعهم المصنف (قدس سره) (الثالث): التفصيل بين ما إذا كان كذلك من الأول و ما إذا طرء التعذر بعد ما كان الراغب موجودا في الحكم برجوعه ميراثا في الأول و بصرفه في الأمور الخيرية في الثاني، اختاره المحقق الكركي (قده) و الشهيد الثاني (ره) في المسالك على ما نقل عنهما و التحقيق: هو انه ان استفدنا من وصيته تعدد المطلوب فالمتعين حينئذ هو القول الثاني- و هو صرفها في وجوه البر- و الا فيتعين القول الأول و هو رجوعها ميراثا الا يتمسك بإطلاق خبر علي بن

سويد المذكور في المتن عن الصادق (عليه السلام) قال:

قلت مات رجل فاوصى بتركته ان أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم تكف الحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا تصدق بها فقال عليه السلام ما صنعت قلت تصدقت بها فقال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 120

عليه السلام ضمنت الا ان تكون تبلغ ان يحج بها من مكة فإن كانت تبلغ ان يحج بها من مكة فأنت ضامن و رواه المشايخ الثلاثة قال اوصى الى رجل بتركته ان أحج بها عنه، فنظرت في ذلك فإذا شي ء يسير لا يكفى للحج، فسألت أبا حنيفة و فقهاء الكوفة؟ فقالوا: تصدق بها عنه، فلما حججت لقيت عبد اللّه بن الحسن في الطواف فسألته و قلت له: ان رجلا من مواليكم من أهل الكوفة مات فاوصى بتركته الى و أمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف الحج، فسألت من قبلنا من الفقهاء؟ فقالوا: تصدق بها فتصدقت بها، فما تقول؟ فقال:

لي هذا جعفر بن محمد (عليه السلام) فإنه و اسأله قال: فدخلت الحجر فإذا أبو عبد اللّه (عليه السلام) تحت الميزاب مقبل بوجه على البيت يدعو، ثم التفت فرآني فقال:

ما حاجتك؟ فقلت جعلت فداك: انى رجل من أهل الكوفة من مواليكم فقال (عليه السلام) دع ذا عنك حاجتك؟ قلت: رجل مات فاوصى بتركته ان أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا: تصدق بها فقال: ما صنعت؟ قلت:

تصدقت بها، فقال (عليه السلام) ضمنت الا ان لا يبلغ ان يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ان يحج به من مكة فليس عليك ضمان و ان كان يبلغ ان يحج

به من مكة فأنت ضامن و كيف ما كان فالتفصيل الذي نسب الى المحقق الكركي و الشهيد الثاني قدس سرهما لا وجه له ظاهرا

[المسألة العاشرة إذا صالحه داره مثلا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح]

قوله قده: (إذا صالحه داره مثلا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح و لزم و خرج من أصل التركة و ان كان الحج ندبيا و لا يلحقه حكم الوصية، و يظهر من المحقق القمي (قدس سره) في نظير المقام اجراء حكم الوصية عليه (بدعوى): انه بهذا الشرط ملك عليه الحج و هو عمل له اجرة، فيحسب مقدار اجرة المثل لهذا العمل، فان كانت زائدة عن الثلث توقف على إمضاء الورثة. و (فيه): انه لم يملك عليه الحج مطلقا في ذمته ثم اوصى ان يجعله عنه بل انما ملك بالشرط الحج عنه و هذا ليس ما لا تملكه الورثة فليس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 121

تمليكا و وصية و انما هو تمليك على نحو خاص لا ينتقل إلى الورثة. إلخ)

يمكن المناقشة في اعتراض المصنف قده على المحقق القمي (ره) بان الحج المشروط عليه و ان كان مقيدا بكونه عن نفس المصالح لا عن وارثه أو غيره لكن لا مانع من تملك الوارث بالإرث هذا الحج بهذا العنوان بأن يصير مالكا بالإرث للحج عن ذلك الميت كما يرث حق الشرط الا ان يقال ان مالكيته للحج بهذا العنوان لا اثر له أو يقال بانصراف دليل الإرث عن مثل هذا الملك أو يقال ان دليل: (المؤمنون عند شروطهم) لا يفيد الحكم الوضعي حتى يثبت بذلك الملكية بل يفيد الحكم التكليفي و لكن التحقيق: ان كلها مدفوعة: أما (اندفاع الأول): فلمنع عدم ترتب الأثر على هذا الملك بل الوارث قام مقام

المورث و كما انه كان للمورث مثلا مصالحة هذا الحج بمال كذلك يكون للوارث ذلك. و اما (اندفاع الثاني): فلمنع انصراف دليل الإرث عنه أولا و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا. فلا عبرة به، لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام حتى يكون من الانصراف الصالح لتقييد الإطلاق. و أما (اندفاع الثالث): فيما قد حقق في محله من ان دليل نفوذ الشروط مثل: (المؤمنون عند شروطهم) مفيد للحكم الوضعي فتأمل.

قوله قده: (و كذا الحال إذا ملكه داره بمائة تومان مثلا بشرط ان يصرفها في الحج عنه أو عن غيره، أو ملكه إياها يشرط ان يبيعها و يصرف ثمنها في الحج أو نحوه فجميع ذلك صحيح لازم من الأصل و ان كان العمل المشروط عليه ندبيا. إلخ)

لا إشكال في كون الفرض الثاني من قبيل الفرع المتقدم فالكلام فيه هو الكلام في الفرع المتقدم. و أما (الفرض الأول): و هو ما إذا ملكه داره بمائة تومان بشرط ان يصرفها في الحج عنه، فان كان المراد من ذلك تمليك المائة إياه بعد معاوضة الدار بمائة تومان و شرط عليه ان يحج بها كان ايضا هذا الفرض من قبيل الفرع المتقدم. و اما ان لم يملكها إياه بعد تلك المعاوضة بل أوقع تلك المعاوضة مشترطا عليه الحج بعد موته بتلك المأة التي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 122

هي ملك للشارط فلا خفاء في انطباق الوصية عليه و لزوم عدم كونه أزيد من الثلث فلا تغفل.

قوله قده: (بمعنى ان حق الشرط ينتقل الى الوارث فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث ان يفسخ المعاملة. إلخ)

لا يخفى انه ليس في البين غير ملك الحج في ذمة المشترط عليه شي ء

يسمى بحق الشرط و اما ما يترتب على هذا الشرط من الخيار عند التخلف فالتحقيق انه ليس نظير خيار المجلس و الحيوان و انما هو من باب احتياج المعاملة إلى الرضا و مع تخلف الشرط لم يكن رضي بالمعاملة و له حينئذ أن يرضى فتصح المعاملة و ان لا يرضى فتبطل

[المسألة الحادية عشرة]
[لو أوصى بأن يحج عنه ماشيا أو حافيا صح]

قوله قده: (لو أوصى بأن يحج عنه ماشيا أو حافيا صح و اعتبر خروجه من الثلث ان كان ندبيا و خروج الزائد عن اجرة الميقاتية عنه ان كان واجبا. إلخ).

أما صحة الوصية كذلك فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لعموم أدلة الوصية و أما خروج الزائد عن اجرة الميقاتية من الثلث في حجة الإسلام فقد مر الكلام فيه في الجزء الأول فراجع هذا و لا إشكال في ان مقدار التفاوت بين المشي و الركوب يخرج من الثلث و كذلك الحكم في جميع الخصوصيات التي يوصى بها حينما يوصى بالحج الواجب.

[و لو نذر في حال حياته أن يحج ماشيا أو حافيا]

قوله قده: (و لو نذر في حال حياته ان يحج ماشيا أو حافيا و لم يأت به حتى مات و أوصى به أو لم يوصى وجب الاستيجار عنه من أصل التركة. إلخ)

قد تقدم الاشكال و المناقشة في خروج مثل ذلك من أصل التركة في صدر المبحث إلا إذا قام الإجماع المورث للاطمئنان على وجوب إخراجه من الأصل. مضافا الى ان أصل وجوب قضاء حج النذري مطلقا محل اشكال فضلا عن الحكم بوجوب الاستيجار من أصل التركة، و ذلك لانه تابع لقصده ف (تارة): تعلق نذره بفعله المباشري. و (اخرى): تعلق نذره بنحو تعدد المطلوب بأن يأتي به بنفسه أو بنائبه. و (ثالثة): لم يعلم كيفية نذره ف (على الأول):

لا يجب القضاء عنه بعد موته مطلقا سواء كان نذره مطلقا أو مقيدا بسنة خاصة لأن المفروض

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 123

دخل خصوصية المباشرية في متعلق نذره. و (على الثاني): يجب القضاء في المطلق دون الموقت اما وجه وجوبه في الأول: فهو واضح و أما عدم وجوبه في الثاني فلان خصوصية نفسه و ان لم يكن

دخيلا في متعلق النذر الا ان خصوصية الوقتية دخيلة فيه لصدور نذره على المفروض هكذا و هذه الخصوصية معتبرة في جميع الواجبات من الصلاة و غيرها الا ان يقوم دليل تعبدي على وجوب القضاء و دل على تعدد المطلوب- كما قام ذلك في الصلاة و الصوم و حجة الإسلام- ففي مفروض المقام لا يجب القضاء. و (على الثالث): ايضا لا يجب القضاء و وجهه واضح

قوله قده: (نعم لو كان نذره مقيدا بالمشي ببدنه أمكن ان يقال بعدم وجوب الاستيجار عنه لان المنذور هو مشيه ببدنه فيسقط بموته لأن المشي الأجير ليس ببدنه ففرق بين كون المباشرة قيدا في المأمور به أو موردا. إلخ)

قد عرفت ان المباشرة إذا كانت قيدا في المنذور فينحل نذره بموت الناذر لانتفاء الموضوع إذ المفروض كون المنذور هو الحج المقيد بالمباشرة فيسقط بموته لتعذره فلا يجب القضاء عنه أصلا و ان كانت موردا للنذر لا قيدا في المنذور بحيث يقصد تحصيل الحج ببدنه على نحو تعدد المطلوب فيجب القضاء من أصل التركة بناء على عدم انصراف الأدلة المتقدمة في صدر المبحث عنه أو قام الإجماع المورث للاطمئنان على ذلك

[مسألة 13 لو مات الوصي بعد ما قبض من التركة أجرة الاستئجار]

قوله قده: (لو مات الوصي بعد ما قبض من التركة اجرة الاستئجار و شك في انه استأجر الحج قبل موته أولا فإن مضت مدة يمكن الاستئجار فيها فالظاهر حمل امره على الصحة مع كون الوجوب فوريا منه. إلخ)

قد تقدم الإشكال في جريان أصالة الصحة في مثل ذلك فالأقوى لزوم الاستئجار ثانيا من الأصل ان كان الحج واجبا و من الثلث ان كان مستحبا، لاستصحاب عدم استئجار الوصي أو قاعدة الاشتغال بالنسبة الى الموصى فتدبر.

قوله قده: (و في ضمانه لما قبض

و عدمه، لاحتمال تلفه عنده بلا ضمان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 124

وجهان. إلخ)

أقواهما هو الثاني- و هو عدم الضمان- لأصالة عدم الإتلاف و ليس في البين ما يوجب رفع اليد عنه الا عموم: (على اليد ما أخذت حتى تؤدى) و لكنه يجب الخروج عنه في اليد الأمانية التي يكون المقام منها و المفروض ان عروض ما يوجب الضمان من الإتلاف منفي بالأصل

[مسألة 14 إذا قبض الوصي الأجرة و تلف في يده]

قوله قده: (إذا قبض الوصي الأجرة و تلف في يده بلا تقصير لم يكن ضامنا)

لا ينبغي الارتياب في ذلك، لأنه أمين

قوله قده: (و وجب الاستئجار من بقية التركة أو بقية الثلث و ان اقتسمت على الورثة استرجع منهم. إلخ)

هذا مما لا اشكال فيه ايضا. اما وجوب الاستئجار فلوجوب العمل بالوصية و اما استرجاع التركة من الورثة فلبطلان القسمة بناء عليه

قوله قده: (و ان شك في كون التلف عن تقصير أولا فالظاهر عدم الضمان ايضا)

ما افاده قدس سره من عدم الضمان هو الصواب لأصالة عدم طرو سبب الضمان من التقصير في التلف و لا فرق بين هذه المسألة و بين سابقتها الا ان في المقام يعلم بالتلف و لكن لم يعلم بكونه عن تقصير و عدمه و أما المسألة السابقة فلم يعلم أصل التلف و كيف كان فحكم هذا المسألة عين حكم المسألة السابقة فتردد المصنف في الحكم بعدم الضمان في المسألة السابقة مما لا ينبغي

[مسألة 16 الطواف مستحب مستقلا من غير أن يكون في ضمن الحج]

قوله قده: (من المعلوم أن الطواف مستحب مستقلا من غير أن يكون في ضمن الحج)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا و يدل عليه جملة من النصوص الوارد في المقام- منها:

1- عن ابان بن تغلب عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث انه قال: يا ابان هل تدري ما ثواب من طاف بهذا البيت أسبوعا؟ فقلت: لا و اللّه ما أدرى قال: يكتب له له ستة آلاف حسنة، و يمحا عنه ستة آلاف سيئة، و يرفع له ستة آلاف درجة «1» 2- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: أن اللّه جعل حول

______________________________

(1) الوسائل: ج 2-

الباب- 4- من أبواب الطواف حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 125

الكعبة عشرين و مأة رحمة منها ستون للطائفين الحديث «1» 3- رواية إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): يا إسحاق من طاف بهذا البيت طوافا واحدا كتب اللّه له ألف حسنة، و محا عنه ألف سيئة، و رفع له ألف درجة، و غرس له ألف شجرة في الجنة، و كتب له ثواب عتق ألف نسمة حتى إذا صار الى الملتزم فتح اللّه له ثمانية أبواب الجنة فيقال له: ادخل من أيها شئت قال: فقلت جعلت فداك: هذا كله لمن طاف؟ قال: نعم أ فلا أخبرك بما هو أفضل من هذا؟ قال: قلت: بلى قال: من قضى لأخيه المؤمن حاجة كتب اللّه له طوافا و طوافا حتى بلغ عشرة «2» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) و في، الوسائل أبواب مختلفة و كلها تتضمن ذلك و من أراد الاطلاع عليها فليراجع الجزء الثاني منها أبواب الطواف

قوله قده: (و يجوز النيابة فيه عن الميت. إلخ)

و الظاهر انه المتسالم عليه و كأنه لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام منها ما ورد في الطواف عن المعصومين عليهم السلام احياء و أمواتا و هو ما عن موسى بن القسم قال قلت: لأبي: جعفر الثاني قد أردت أن أطوف عنك و عن أبيك، فقيل لي: ان الأوصياء لا يطاف عنهم؟ فقال: بلى طف ما أمكنك، فإن ذلك جائز ثم قلت بعد ذلك: بثلاث سنين انى كنت استأذنك في الطواف عنك و عن أبيك فأذنت لي في ذلك فطفت عنكما

ما شاء اللّه ثم وقع في قلبي شي ء فعملت به قال: و ما هو؟ قلت: طفت يوما عن رسول اللّه فقال ثلث مرات: صلى اللّه على رسول اللّه، ثم اليوم الثاني عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن ع و الرابع عن الحسين ع، و الخامس عن علي بن الحسين ع، و اليوم السادس عن ابى جعفر محمد بن علي الباقر ع و اليوم السابع عن جعفر بن محمد ع و اليوم الثامن عن أبيك على (عليه السلام) و اليوم العاشر عنك يا سيدي

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 4- من أبواب الطواف حديث 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 4- من أبواب الطواف حديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 126

و هؤلاء الذين أدين اللّه بولايتهم؟ فقال: إذا و اللّه تدين اللّه بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره، فقلت: و ربما طفت عن أمك فاطمة و ربما لم أطف؟ فقال: استكثر من هذا، فإنه أفضل ما أنت عامله ان شاء اللّه «1» و منها خبر يحيى الأزرق قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): الرجل يحج عن الرجل يصلح له ان يطوف عن أقاربه؟ فقال: إذا قضى مناسك الحج فليصنع ما شاء «2» و منها رواية أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: من وصل أباه أو ذا قرابة له فطاف عنه كان له اجره كاملا و للذي طاف عنه مثل اجره و يفضل هو بصلته إياه بطواف آخر الحديث «3»

قوله قده: (و كذلك عن الحي إذا كان غائبا عن مكة. إلخ)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، و يدل عليه الاخبار الواردة منها ما رواه إسماعيل بن عبد الخالق قال:

كنت الى جنب ابى عبد اللّه (عليه السلام) و عنده ابنه عبد اللّه أو ابنه الذي يليه فقال له، رجل: أصلحك اللّه يطوف الرجل عن الرجل و هو مقيم بمكة ليس به علة؟ فقال: لا لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني «4» و منها خبر ابن ابى نجران عمن حدثه عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت: له الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكة قال:

لا و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب عن مكة. إلخ «5»

قوله قده: (أو حاضرا و كان معذورا في الطواف بنفسه و اما مع كونه حاضرا و غير معذور فلا تصح النيابة فيه. إلخ)

و الظاهر انه لا خلاف فيه و يدل عليه جملة

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 26- من أبواب النيابة حديث 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب النيابة حديث 1 و في الباب- 51- من أبواب الطواف حديث 5

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 18- من أبواب النيابة حديث 2 و في الباب 51 من أبواب الطواف حديث 2.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 51- من أبواب الطواف حديث: 1

(5) الوسائل ج 2- الباب- 18- من أبواب النيابة حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 127

من النصوص الواردة في المقام منها صحيح حماد عن حريز بن عبد اللّه عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف عنه «1» و رواه الصدوق بإسناده عن حريز انه روى عن ابى عبد اللّه عليه السلام رخصة في ان يطاف عن المريض و عن المغمى عليه و يرمى عنه «2» و منها صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه (عليه

السلام) انه قال: المبطون و الكبير يطاف عنهما و يرمى عنهما «3» و رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير عن معاوية بن عمار مثله الا انه قال: (و يرمى عنهما الجمار) و منها صحيح الحبيب الخثعمي عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: أمر رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» ان يطاف عن المبطون و الكبير «4» و منها صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: الكبير يحمل فيرمى الجمار و المبطون يرمى عنه و يصلى عنه «5» لو كنا نحن و هذه الروايات فلا بد من الاقتصار على الأعذار المذكورة في الروايات و لا يمكن التعدي منها الى مطلق العذر إلا إذا قام دليل تعبدي على جواز التسرية أو تنقيح المناط القطعي

قوله قده: (و اما أفعال الحج فاستحبابها مستقلا غير معلوم. إلخ)

إذ لم تثبت مشروعيته في غير حال الانضمام إلى سائر الأفعال فلا بد من الاقتصار على حال الانضمام و عدم التعدي الى غير تلك الحال

قوله قده: (حتى مثل السعى بين الصفا و المروة)

الذي هو مستحب في نفسه، لخبر محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه الصلاة و السلام قال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لرجل من الأنصار: إذا سعيت بين الصفا و المروة كان لك عند اللّه تعالى أجر من حج ماشيا من بلاده، و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة «6» و خبر ابى بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 49- من أبواب الطواف حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 49- من أبواب الطواف حديث: 2

(3) الوسائل ج 2- الباب- 49-

من أبواب الطواف حديث: 3

(4) الوسائل ج 2- الباب- 49- من أبواب الطواف حديث: 5

(5) الوسائل ج 2- الباب- 49- من أبواب الطواف حديث: 6

(6) الوسائل ج 2- الباب- 1 من أبواب السعي حديث: 15

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 128

عليه الصلاة و السلام يقول: ما من بقعة أحبّ الى اللّه تعالى من السعي، لأنه يذل فيه كل جبّار «1» و مثلهما غيرهما و دلالتها على استحباب السعى نفسيا واضحة

[مسألة 17 لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها و كان عليه حجة الإسلام]

قوله قده: (لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها و كان عليه حجة الإسلام و علم أو ظن ان الورثة لا يؤدون عنه ان ردها إليهم جاز بل وجب عليه ان يحج بها عنه و ان زادت عن اجرة الحج ردّ الزيادة إليهم. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا، و يدل على ذلك ما ذكره المصنف (قده) في المتن من صحيح بريد العجلي عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لولده شي ء و لم تحج حجة الإسلام؟ قال: حج عنه و ما فضل فأعطهم «2» فالحكم في الجملة مما لا اشكال فيه انما الكلام في انه هل يعتبر في جواز صرفها في الحج علم المستودع أو ظنه بأن الورثة لا يؤدون أم لا مقتضى إطلاق الحديث عدم تقيد الحكم به فيجوز ذلك حتى مع العلم بأن الورثة يؤدون الحج لو سلم إليهم المال فضلا عما إذا شك في ذلك، حيث ان الامام (عليه السلام) كان في مقام البيان و لم يبينه فيكون الإطلاق محكما فلا وجه حينئذ لما يظهر من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) من تقييد الحكم بذلك

ان قلت: انه يمكن استفادة ذلك القيد من قوله (عليه السلام): (و ليس لولده شي ء) (بدعوى): انه بعد ان لم يكن لهم مال لو سلم إليهم المال يحصل العلم أو الظن بأنهم لا يؤدون عنه الحج بل يصرفونه في حوائجهم قلت: ان هذه الفقرة لا تكون قرينة على العلم أو الظن الغالب بأنه ان رد إليهم المال لا يحجوا عنه، و ذلك لانه ربّما يأكلونه و يأتون بالحج متسكعا، فإنه من الواضح عدم اعتبار صرف المال في الحج فإذا حج النائب و لو بدون صرف المال اجزء عن المنوب عنه بلا اشكال، فلا يمكن إثبات ذلك القيد بصرف احتمال

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب السعي حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 13- من أبواب النيابة حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 129

انه لو رد إليهم المال لصرفوه في حوائجهم و لا يؤدون الحج ان قلت: انه يقع التعارض بين إطلاق هذه الرواية و إطلاق دليل ثبوت الولاية للورثة (بدعوى): ان من المسلم ثبوت الولاية للورثة في أداء ديون الميت حجا كان أو غيره اما بان العين تنتقل إليهم حتى في مقدار الدين غاية الأمر انه لا يكون المال ملكا طلقا لهم «لتعلق حق الغير به، أو ان مقدار الدين يبقى على حكم مال الميت، أو انه ملك له حقيقة، و كيف كان فعلى جميع الصور تكون ولاية صرف التركة في ديون الميت ثابتة للورثة حتى لو لم نقل بانتقال المال إليهم محقوقا، و ذلك لقوله تعالى (أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ) «1» و لان الميت حين حياته كان له الولاية على ذلك و لذا كان له إعطاء هذه الولاية للغير بالوصية

و إذا مات و لم يكن أعطاها للغير بالوصية ورثها الوارث، و لانه ورد في تجهيزات الميت ثبوت الولاية للوارث معللا بكونه أولى بالإرث، فنتعدى الى ما نحن فيه بعموم العلة لا بالأولوية (بدعوى): ان الصلاة على الميت تكليف للاحياء و لم يكن للميت ولاية على ذلك و مع ذلك صار الولي أولى بها، ففي مثل ما نحن فيه بالطريق الاولى حتى يستشكل فيه بمنع الأولوية القطعية و بالجملة مقتضى الأدلة هو ثبوت الولاية للوارث في إعطاء ديون الميت من التركة أو من أنفسهم ليحل لهم التصرف في التركة فلا بد ان يحكم بإرجاع العين المودعة إلى الورثة الا انه لما ورد في الوديعة دليل خاص في صرف الودعي لها في الحج قيدنا به ولايتهم المطلقة و لكن لا بد لنا في مثل هذا الحكم المخالف للقواعد من الاقتصار على القدر المتيقن من ذلك و هو فرض امتناعهم عن أداء الحج إذا ردها إليهم لا مطلقا. قلت: إطلاق أدلة الولاية مخصص بإطلاق هذه الصحيحة المقتضي لعدم اختصاص الحكم بصورة امتناع الورثة هذا و لكن ذهاب المشهور الى اختصاص الحكم بصورة امتناع الوارث يوجب التوقف في الفتوى فلا بد من الاحتياط.

______________________________

(1) سورة: الأنفال في الآية. 76

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 130

قوله قده: (و الظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شي ء. إلخ)

يمكن دعوى احتمال الاختصاص به فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن في الحكم الذي عرفت انه خلاف القاعدة و ليس في الحديث إطلاق نتمسك به الا إذا كان هناك إجماع على عدم اختصاص الحكم بصورة عدم شي ء للورثة و لكنه لا يخلو من تأمل بل اشكال.

قوله قده: (و كذا عدم الاختصاص بحج

الودعي بنفسه لانفهام الأعم من ذلك منها. إلخ)

ما افاده المصنف قده هو الصواب: و ذلك لانه و ان كان مقتضى الإطلاق في سائر الموارد هو المباشرة لكن فيما نحن فيه علم ان مراده (عليه السلام) حصول الحج عن الميت ليفرغ ذمته بلا فرق بين ان يأتي به الودعي بنفسه أو يستنيب فتدبر

قوله قده: (هل يلحق بحجة الإسلام غيرها من أقسام الحج الواجب أو غير الحج من سائر ما يجب عليه- مثل الخمس و الزكاة، و المظالم، و الكفارات، و الدين، أولا،- و كذا هل يلحق بالوديعة غيرها مثل العارية، و العين المستأجرة و المغصوبة و الدين في ذمته أولا؟ وجهان قد يقال بالثاني لأن الحكم على خلاف القاعدة إذا قلنا ان التركة مع الدين تنتقل الى الوارث و ان كانوا مكلفين بأداء الدين و محجورين عن التصرف قبله بل و كذا على القول ببقائها معه على حكم مال الميت، لأن أمر الوفاء إليهم فلعلهم أرادوا الوفاء من غير هذا المال أو أرادوا أن يباشروا العمل. إلخ)

التحقيق: ان ما استفيد من هذا الحديث من حج الودعي بذلك المال بلا احتياج إلى الاستيذان من الشارع لا بد من تخصيصه بمورد النص اقتصارا على القدر المتيقن لما عرفت من انه خلاف القاعدة.

قوله قده: (و الأقوى مع العلم بأن الورثة لا يؤدون بل مع الظن القوي أيضا جواز الصرف فيما عليه. إلخ)

و (فيه): ان الظن القوى لا حجية فيه الا ان يكون المراد به الاطمئنان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 131

قوله قده: (لا لما ذكره في المستند من ان وفاء ما على الميت من الدين أو نحوه واجب كفائي على كل من قدر على ذلك و أولوية

الورثة بالتركة انما هي ما دامت موجودة و أما إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتى تكون الورثة أولى به إذ هذه الدعوى فاسدة جدا. إلخ)

و ذلك لعدم ورود دليل تعبدي على هذا الوجوب الكفائي و اخبار وجوب قضاء الحج عن الميت و نحو ذلك ليس لها إطلاق من هذه الجهة فلا وجه لهذه الدعوى، اللهم ان يقال ان إنقاذ الميت من العذاب يكون كإنقاذ الحي من الغرق و الهلاك بل اولى منه فكما يحكم بوجوب الثاني فكذلك لا بد ان يحكم بوجوب الأول.

و فيه (أولا): انه قياس و ليس في البين أولوية قطعية و (ثانيا): انه مع الفارق لعدم العلم بكونه في العذاب، و (ثالثا): انه لو سلمنا وجوب إنقاذه كفاية لا يثبت بذلك جواز التصرف في هذا المال بإنقاذه به بل الولاية في التصرف فيه بذلك مختصة بالوارث و من أراد إنقاذه فلينقذه تبرعا بماله و ان أراد إنقاذه بمال الميت فلا بد له من استيذان الولي نظير التجهيزات التي تكون واجبة على جميع المسلمين كفاية و مع ذلك لا بد من الاستيذان من الولي. و (رابعا): ان مقتضى ذلك وجوب الإنقاذ حتى لو لم يكن له مال فيجب على كل مسلم اطلع على موت من تكون ذمته مشغولة بواجب من الواجبات السعى في تفريغ ذمته و إنقاذه من الهلكة و لو بمال نفسه و هذا كما ترى ثم ان ما ذكره صاحب المستند قدس سره من (ان أولوية الورثة بالتركة انما هي ما دامت موجودة و اما إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتى تكون الورثة أولى به) كلام عجيب ما كان

ينبغي صدوره من صاحب المستند قده فان المفروض ان المال قبل العمل موجود فالولاية ثابتة فكيف يجوز له المبادرة في التصرف حتى يقال بأنه لم يبق موضوع حتى تكون الورثة أولى به

قوله قده: (بل لإمكان فهم المثالية أو دعوى تنقيح المناط. إلخ)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 132

لا يخفى ما فيهما من المناقشة و الإشكال أما (في الأول) فواضح حيث ان الوديعة ذكر في كلام السائل الظاهر في كونه يسئل عن حكم موضوع معين خارجي و أما (في الثاني):

فلان تنقيح المناط المعتبر هو القطعي منه دون الظني و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن و هو لا يغني من الحق شيئا. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل ايضا فلا محيص حينئذ عن التعدي و لكنه مجرد فرض لعدم العلم بالملاكات

[مسألة 19 يجوز لمن أعطاه رجل مالا لاستئجار الحج أن يحج بنفسه]

قوله قده: (يجوز لمن أعطاه رجل مالا لاستئجار الحج أن يحج بنفسه ما لم يعلم انه أراد الاستئجار من الغير. إلخ)

هذا إذا كان لكلامه إطلاق يشمل فرض حجه بنفسه و الا فلا

الفصل السادس في الحج المندوب

[مسألة 1 يستحب لفاقد الشرائط أن يحج مهما أمكن]

قوله قده: (يستحب لفاقد الشرائط- من البلوغ و الاستطاعة و غيرهما- أن يحج مهما أمكن بل و كذا من اتى بوظيفته من الحج الواجب. إلخ)

لا ينبغي الارتياب في ذلك بعد اتفاق جميع الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عليه و لم يتعرض أحد منهم للخلاف فيه، و يدل عليه الإطلاقات الدالة على رجحان الحج في نفسه.

قوله قده: (و يستحب تكرار الحج بل يستحب تكراره في كل سنة)

لا كلام لنا في ذلك، و تقتضيه- مضافا الى الإطلاقات الدالة على رجحان الحج و استحبابه- الروايات الواردة في حج النبي (صلى اللّه عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) لدلالتها على صدور الحج منهم مكررا. في رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: أحج رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) غير حجة الوداع؟ قال: نعم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 133

عشرين حجة «1» و في رواية بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:

كان لعلى بن الحسين عليه السلام) ناقة قد حج عليها اثنتين و عشرين حجة. إلخ «2» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام). و اما استحباب تكرار الحج في كل سنة ففي رواية سليمان الجصاص عن عذافر قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): ما يمنعك من الحج في كل سنة؟ قلت: جعلت فداك العيال قال: فقال: إذا متّ فمن لعيالك اطعم عيالك الخل و الزيت و حج بهم كل سنة «3»

و رواية عيسى بن أبى منصور قال: قال لي جعفر بن محمد (عليه السلام): يا عيسى ان استطعت أن تأكل الخبز و الملح و تحج في كل سنة فافعل «4» و نحوهما غيرهما من الاخبار، و قد عقد في الوسائل بابا مستقلا، للروايات المستفاد منها ذلك فراجع

قوله قده: (بل يكره تركه خمس سنين متوالية. إلخ)

في رواية ذريح على ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: من مضت له خمس سنين فلم يفد الى ربه و هو موسر انه لمحروم «5» و رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن احمد بن، محمد و رواه أيضا بإسناده عن محمد بن الحسين عن صفوان عن ذريح مثله. و في رواية عبد اللّه بن سنان عن حمران عن ابى جعفر (عليه السلام) قال: ان للّه مناديا ينادي أي عبد أحسن للّه تعالى اليه و أوسع عليه في رزقه فلم يفد إليه في كل خمسة أعوام مرة ليطلب نوافله ان ذلك لمحروم «6» و في مرسلة الصدوق (قدس سره) قال: ان الجبّار جل جلاله يقول: ان عبدا أحسنت اليه و أجملت إليه فلم يزرني في هذا المكان في كل خمس سنين لمحروم «7»

قوله قده: (و في بعض الاخبار من حج ثلاث حجات لم يصبه فقرا ابدا)

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 45- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 7

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 45- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 8

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 46- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 3

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 46- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 6

(5) الوسائل ج 2- الباب- 49 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1.

(6)

الوسائل ج 2- الباب- 49 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 2.

(7) الوسائل ج 2- الباب- 49 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 134

في مرسلة الصدوق قال: و روى ان من حج ثلاث حجج لم يصبه فقرا ابدا و أيما بعير حج عليه ثلاث سنين جعل من نعم الجنة «1» و في رواية صفوان بن مهران الجمال عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: من حج ثلاث حجج لم يصبه فقر أبدا «2» ثم انه لا يخفى ان كل ما زيد في مقدار الحج يزداد في ثوابه في خبر منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عمن حج اربع حجج ماله من الثواب؟ قال: يا منصور من حج اربع حجج لم تصبه ضغطة القبر. إلخ «3» و في رواية أبي بكر الحضرمي: قال قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام):

ما لمن حج خمس حجج قال: من حج خمس حجج لم يعذبه اللّه ابدا «4» و بهذا الاسناد قال:

قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): من حج عشر حجج لم يحاسبه اللّه ابدا «5» و في مرسلة الصدوق. من حج خمس حجج لم يعذبه اللّه ابدا، و من حج عشر حجج لم يحاسبه اللّه ابدا، و من حج عشرين حجة لم ير جهنم و لم يسمع شهيقها و لا زفيرها. و من حج أربعين حجة قيل له: اشفع في من أحببت و يفتح له باب من أبواب الجنة يدخل منه هو و من يشفع له، و من حج خمسين حجة بنى له مدينة في جنة عدن فيها الف قصور في كل قصر الف حوراء من الحور العين

و ألف زوجة و يجعل من رفقاء محمد (صلى اللّه عليه و آله) في الجنة و من حج أكثر من خمسين حجة كان كمن حج خمسين حجة مع محمد و الأوصياء و كان ممن يزوره اللّه تعالى في كل جمعة، و هو ممن يدخل جنة عدن التي خلقها اللّه عز و جل بيده و لم ترها عين، و لم يطلع عليها مخلوق و ما أحد يكثر الحج الا بنا اللّه تعالى له بكل حجة مدينة في الجنة فيها غرف كل غرفة فيها حوراء من الحور العين مع كل حوراء ثلاثة مأة جارية لم ينظر الناس الى مثلهن حسنا و جمالا «6»

[مسألة 2 يستحب نية العود الى الحج]

قوله قده: (يستحب نية العود الى الحج عند الخروج من مكة و في الخبر انها

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 13.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 22.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 25.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 26.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 27.

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 16.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 135

توجب الزيادة في العمر و يكره نية عدم العود. و فيه انها توجب نقص في العمر)

في خبر عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: من رجع من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره «1» و في مرسلة الصدوق قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله):

من أراد الدنيا و الآخرة فليؤم هذا البيت. و من رجع من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره، و من خرج من مكة و هو لا يريد العود إليها فقد اقترب اجله و دنا عذابه «2» و في رواية الحسين الأحمسي عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: من خرج من مكة و هو لا يريد العود إليها فقد اقترب اجله و دنا عذابه «3» و في رواية الحسن بن علي عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: ان يزيد بن معاوية حج فلما انصرف قال: إذا جعلنا ثافلا يمينا. فلن نعود بعدها سنينا. للحج و العمرة ما بقينا فنقص اللّه عمره و أما به قبل أجله «4» و نحوه خبر حذيفة قال: كنا عند أبى عبد اللّه «عليه السلام» و نزلنا الطريق فقال: ترون هذا الجبل ثافلا ان يزيد معاوية لما رجع من حجه مرتحلا الى الشام أنشأ يقول:

إذا تركنا ثافلا يمينا. إلخ الى ان قال: فأماته اللّه قبل أجله «5»

[مسألة 3 يستحب التبرع بالحج عن الأقارب]

قوله قده: (يستحب التبرع بالحج عن الأقارب و غيرهم أحياء و أمواتا)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، و يدل عليه جلة من النصوص الواردة عنهم (عليهم السلام) منها: مصحح إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يحج فيجعل حجته و عمرته أو بعض طوافه لبعض اهله و هو عنه غائب ببلد آخر قال: فقلت:

فينقص ذلك من اجره؟ قال: لا هي له و لصاحبه و له أجر ما سوى ذلك بما وصل قلت: و هو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له أو يكون مضيقا

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب-

57 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 57 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 3

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 57 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 2

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 57 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 5

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 57 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 136

عليه فيوسع عليه، فقلت: فيعلم هو في مكانه ان عمل ذلك لحقه؟ قال: نعم. إلخ «1» و منها رواية موسى بن القاسم البجليّ قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام).: فربما حججت عن أبيك و ربما حججت عن أبى و ربما حججت عن الرجل من إخواني و ربما حججت عن نفسي فكيف اصنع؟ فقال (عليه السلام): تمتع. الحديث «2» و منها خبر أبى بصير قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في حديث: من حج فجعل حجته عن ذي قرابته يصله بها كانت حجته كاملة و كان للذي حج عنه مثل اجره ان اللّه عز و جل واسع لذلك «3» و منها عن جابر عن أبى جعفر (عليه السلام قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): من وصل قريبا بحجة، أو عمرة، كتب اللّه له حجتين و عمرتين. الحديث «4» و منها عن صفوان الجمال قال:

دخلت على أبى عبد اللّه (عليه السلام) فدخل عليه الحارث بن المغيرة فقال: بأبي أنت و أمي لي ابنة قيمة لي على كل شي ء و هي عائق فاجعل لها حجتي؟ فقال: اما انه يكون لها أجرها و يكون لك مثل ذلك و لا ينقص من أجرها شي ء «5» الى غير ذلك من الاخبار

الواردة عنهم (عليهم السلام)

قوله قده: (و كذا عن المعصومين عليهم السلام أحياء أو أمواتا)

هذا مما لا ينبغي الكلام فيه، و يدل عليه ما تقدم في رواية البجليّ فراجعها

قوله قده: (و كذا يستحب الطواف عن الغير و عن المعصومين عليهم السلام. إلخ)

في خبر أبى بصير قال: قال أبو عبد اللّه (عليهم السلام): من وصل أبا أو ذا قرابة له فطاف عنه كان له اجره كاملا و للذي طاف عنه مثل اجره. الحديث «6» في صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قلت: له فأطوف عن الرجل و المرأة

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 25 من أبواب النيابة حديث: 5.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 25 من أبواب النيابة حديث: 1.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 25 من أبواب النيابة حديث: 4.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 25 من أبواب النيابة حديث: 6.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 25 من أبواب النيابة حديث: 3.

(6) الوسائل ج 2- الباب- 51- من أبواب الطواف حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 137

و هما بالكوفة؟ فقال: (عليه السلام) نعم. إلخ «1» و اما استحباب الطواف عن المعصومين ففي رواية موسى بن القاسم قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): قد أردت أن أطوف عنك و عن أبيك فقيل لي: ان الأوصياء لا يطاف عنهم فقال (عليه السلام):

بل طف ما أمكنك فإن ذلك جائز.، فقلت و ربما طفت عن أمك فاطمة و ربما لم أطف؟

فقال: استكثر من هذا فإنه أفضل ما أنت عامله (ان شاء اللّه تعالى) «2»

قوله قده: (مع عدم حضورهم في مكة و كونهم معذورين).

في رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال: كنت الى جنب أبى عبد اللّه (عليه السلام)

و عنده ابنه عبد اللّه أو ابنه الذي يليه فقال: له رجل أصلحك اللّه يطوف الرجل عن الرجل و هو مقيم بمكة ليس به علة؟ فقال: لا لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني فلانا فطاف عنى. الحديث «3» و في مرسلة ابن أبى نجران عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكة؟ قال: لا و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب عن مكة قال:

قلت: و كم مقدار الغيبة؟ قال: عشرة أميال «4»

[مسألة 4 يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج]

قوله قده: (يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج إذا كان واثقا بالوفاء بعد ذلك)

في رواية موسى بن بكر الواسطي قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يستقرض و يحج؟ فقال: ان كان خلف ظهره مال ان حدث به ما حدث ادى عنه فلا بأس «5» في رواية يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل يحجّ بدين و قد حج حجة الإسلام؟ قال: نعم ان اللّه سيقضي عنه (ان شاء اللّه تعالى) «6» و في رواية محمد بن أبي عمير عن حقبة قال: جاءني سدير الصيرفي فقال:

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 18- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 26- من أبواب النيابة حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 51- من أبواب الطواف حديث 1

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 18- من أبواب النيابة حديث: 3

(5) الوسائل ج 2- الباب- 50 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 7

(6) الوسائل ج 2- الباب- 50 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 138

ان أبا عبد اللّه يقرء

عليك السلام و يقول: مالك لا تحج استقرض و حجّ «1»

[مسألة 5 يستحب إحجاج من لا استطاعة له]

قوله قده: (يستحب إحجاج من لا استطاعة له)

في رواية الحسن بن على الديلمي مولى الرضا قال: سمعت الرضاء (عليه السلام) يقول: من حج بثلاثة من المؤمنين فقد اشترى نفسه من اللّه عز و جل بالثمن. إلخ «2»

[مسألة 6 يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها]

قوله قده: (يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها)

في صحيح حريز عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصرورة أ يحج من مال الزكاة؟ قال: نعم «3» و رواه الشيخ بإسناده عن حماد عن حريز في رواية على بن يقطين انه قال لأبي الحسن الأول (عليه السلام): يكون عندي المال من الزكاة فأحج به موالي و أقاربي؟ قال: نعم لا بأس «4» في صحيح محمد بن مسلم انه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصرورة أ يحج من الزكاة؟ قال: نعم «5» ما عنه قال:

سأل رجل أبا عبد اللّه (عليه السلام) و انا جالس؟ فقال: إني اعطى من الزكاة فأجمعه حتى أحج به؟ قال: نعم يأجر اللّه من يعطيك «6» و في رواية جميل عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن الصّرورة أ يحجّه الرّجل من الزكاة؟ قال: نعم «7» و رواه على بن جعفر في كتاب عن أخيه مثله

[مسألة 7 الحج أفضل من الصدقة بنفقته]

قوله قده: (الحج أفضل من الصدقة بنفقته)

في رواية موسى بن القسم عن صفوان و ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عن أبيه عن آبائه ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لقيه أعرابي فقال له: يا رسول اللّه انى خرجت أريد الحج ففاتني و انا رجل مميل (يعنى كثير المال) فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به أجر الحاج، فالتفت

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 50- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 3

(2) الوسائل ج 2 الباب- 39- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 32 من أبواب النيابة حديث: 1

(4)

الوسائل ج 2 الباب- 42- من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1

(5) الوسائل ج 2 الباب- 42- من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2

(6) الوسائل ج 2 الباب- 42- من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3

(7) الوسائل ج 2 الباب- 42- من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 139

اليه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فقال: انظر الى أبى قبيس فلو ان أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل اللّه ما بلغت به ما يبلغ الحاج. ثم، قال: ان الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا و لم يضعه الا كتب اللّه له عشر حسنات، و محا عنه عشر سيئات، و رفع له عشر درجات، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفا و لم يضعه الا كتب اللّه له مثل ذلك. إلخ «1» و منها عن إسحاق بن عمار عن ابى بصير و عثمان بن عيسى عن يونس بن ظبيان كلهم عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: صلاة فريضة أفضل من عشرين حجة، و حجة خير من بيت مملو من ذهب يتصدق به حتى لا يبقى منه شي ء «2» و منها خبر ابى بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: درهم في الحج أفضل من ألفي درهم فيما سوى ذلك من سبيل اللّه «3» و منها خبر علي ابن أبي حمزة عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: درهم تنفقه في الحج أفضل من عشرين الف درهم تنفقها في حق «4» و منها ما عن إبراهيم بن ميمون قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أنّى أحج سنة و شريكي سنته قال:

ما يمنعك من الحج يا إبراهيم؟ قلت: لا

أتفرغ لذلك جعلت فداك أتصدق بخمسمائة مكان ذلك؟ قال: الحج أفضل قلت: ألف؟ قال: الحج أفضل قلت: الف و خمسمائة؟ قال: الحج أفضل قلت: ألفين؟ قال: في ألفيك طواف البيت؟ قلت: لا قال: في ألفيك سعى بين الصفاء و المروة؟ قلت: لا قال: أفي ألفيك وقوف بعرفة؟ قلت: لا قال: أفي ألفيك رمى الجمار؟

قلت: لا قال: أفي ألفيك المناسك؟ قلت: لا قال: الحج أفضل «5» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)

[مسألة 8 يستحب كثرة الإنفاق في الحج]

قوله قده: (يستحب كثرة الإنفاق في الحج و في بعض الاخبار ان اللّه يبغض

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 42- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 42- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 2

(3) الوسائل ج 2- الباب- 42- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 3

(4) الوسائل ج 2- الباب- 42- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 5

(5) الوسائل ج 2- الباب- 42- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 140

الإسراف إلا بالحج و العمرة)

مراده قده من بعض الاخبار هو رواية ابن أبى يعفور عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) انه قال: قال رسول اللّه ما من نفقة أحب الى اللّه عز و جل من نفقة قصد و يبغض الإسراف إلا بالحج و العمرة، فرحم اللّه مؤمنا اكتسب طيبا و أنفق من قصد أو قدم فضلا «1»

[مسألة 9 يجوز الحج بالمال المشتبه مع عدم العلم بحرمتها]

قوله قده: (يجوز الحج بالمال المشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها)

في حديث أبى همام قال: قلت للرضاء (عليه السلام)، الرجل يكون عليه الدين أ يقضى دينه أو يحج؟ قال: يقضى ببعض و يحج ببعض قلت فإنه لا يكون الا بقدر نفقة الحج؟ قال: يقضى سنة و يحج سنة قلت: اعطى المال من ناحية السلطان: قال: لا بأس عليكم «2» و أما ما أفاده قده من عدم العلم بحرمتها، فلما ورد في صحيح محمد بن مسلم و منهال القصاب جميعا عن أبى جعفر الباقر (عليه السلام) قال من أصاب مالا من اربع لم يقبل منه في أربع من أصاب مالا من غلول أو رباء أو خيانة أو سرقة لم يقبل منه في زكاة و

لا صدقة و لا حج و لا عمرة «3»

[مسألة 11 يشترط في الحج الندبي إذن الزوج و المولى]

قوله قده: (يشترط في الحج الندبي إذن الزوج و المولى)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و في الذخيرة (بلا خلاف يعرف) على ما حكى عنه. و في المنتهى: (لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم) على ما في الجواهر، و استدل له: بأن حق الزوج واجب، فلا يجوز تفويته بما ليس بواجب، و بموثق إسحاق بن عمار عن أبى الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام تقول لزوجها أحجني من مالي إله أن يمنعها من ذلك؟ قال: نعم، و يقول لها، حقي عليك أعظم من حقك

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 55- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 50- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 6

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 52- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 141

في هذا «1» و رواه الصدوق بإسناده عن إسحاق بن عمار مثله الا انه قال تقول لزوجها:

(أحجني مرة أخرى) و رواه الكليني عن ابى على الأشعري عن محمد عبد الجبار عن صفوان عن إسحاق بن عمار مثله لكن في المدارك: (و قد يقال ان الدليل الأول انما يقتضي المنع من الحج إذ استلزم تفويت حق الزوج و المدعى أعم من ذلك، و الرواية انما تدل على ان للزوج المنع و لا يلزم منه التوقف على الاذن ما افاده صاحب المدارك قده تمام و لكن يستفاد اعتبار الاذن في مفروض المقام من النصوص الدالة على سقوط نفقة الزوجة إذا خرجت من بيت زوجها بلا اذن منه، و هو

خبر السكوني عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): أيما امرءة خرجت من بيتها بغير اذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع «2»، و صحيح ابن مسلم عن ابى جعفر «عليه السلام» في حقوق الزوج عن الزوجة. الى ان قال و لا تخرج من بيتها إلا باذنه «3» و خبر علي بن جعفر قال سألته عن المرأة إلها ان تخرج بغير اذن زوجها؟ قال: لا. إلخ «4» و أنت ترى أنه يستفاد منها انها تدل على ان من حقوق الزوج الاستيذان منه في السفر فتدبر أما اذن المولى في صحة حج العبد فهو مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المتسالم عليه بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و قد تقدم الكلام فيه في الجزء الأول من الكتاب فراجعه في حج العبد

[مسألة 13 يستحب لمن لا مال له أن يحج و لو بإجارة نفسه عن غيره]

قوله قده: (يستحب لمن لا مال له يحج به و لو بإجارة نفسه عن غيره و في بعض الاخبار ان للأجير من الثواب تسعا و للمنوب عنه واحد)

في رواية عبد اللّه بن سنان قال:

كنت عند أبى عبد اللّه (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل فأعطاه ثلاثين دينارا يحج بها عن إسماعيل و لم يترك من العمرة إلى الحج الا اشترط عليه حتى اشترط عليه ان يسعى في وادي محسّر ثم قال: يا هذا إذا أنت فعلت هذا كان لإسماعيل حجة، بما أنفق من ماله و كان لك تسع بما

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 59 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 2

(2) الوسائل: ج 3- الباب- 6- من أبواب النفقات حديث: 1

(3) الوسائل ج 3- الباب 79 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه

حديث: 1

(4) الوسائل ج 3- الباب 79 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 142

أتعبت من بدنك «1» و في رواية ابن مسكان عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) للذي يحج عن رجل أجر و ثواب عشر حجج «2» هذه الرواية كما ترى مطلقة تشمل المتبرع و الأجير

الفصل السابع في أقسام العمرة

[مسألة 1 تنقسم العمرة كالحج إلى واجب أصلي و عرضي و مندوب]

قوله قده: (تنقسم العمرة كالحج إلى واجب أصلي و عرضي و مندوب. إلخ)

أما كون العمرة في نفسها عملا مندوبا و مطلوبا للشارع فمما لا ينبغي الكلام فيه، بل هو من ضروريات الفقه و مستفاد من الاخبار كصحيحة زرارة بن أعين. في حديث قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الذي يلي الحج في الفضل؟ قال: العمرة المفردة ثم تذهب حيث شاء «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و أما وجوبها بالعرض- فكوجوبها بالنذر و غيره- و هذا ايضا مما لا اشكال فيه، و اما وجوبها الأصلي- كالحج- فهو ايضا مما لا اشكال فيه، و ذلك للأخبار الكثيرة الواردة عنهم «عليهم السلام» و هي:

1- صحيحة زرارة ابن أعين عن ابى جعفر «عليه السلام» في حديث قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، لان اللّه تعالى يقول «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ». «4»

و انما نزلت العمرة بالمدينة «5» 2- رواية الفضل ابن صالح عن ابى بصير، عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال:

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب النيابة حديث: 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 2- من أبواب العمرة حديث: 1

(4) سورة: البقرة الآية- 192.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب العمرة حديث: 2.

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 2، ص: 143

العمرة مفروضة مثل الحج «1» 3- صحيح ابن أبى عمير، عن عمر بن أذينة قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن قول اللّه عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» «2» يعنى به الحج دون العمرة؟ قال: لا و لكنه يعنى الحج و العمرة جميعا، لأنهما مفروضان «3» 4- صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع اليه سبيلا، لان اللّه عز و جل يقول «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» «4» 5- صحيحة أبان عن الفضل أبى العباس عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» في قول اللّه:

«وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِهِِٰم» قال: هما مفروضان «5» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و اما الاستدلال لوجوبها بالإجماع كما ادعاه صاحب الجواهر، و صاحب كشف اللثام «قدس سرهما» على ما هو المحكي عنهما، و بقوله تعالى «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ». إلخ «6» و قوله تعالى «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ.» «7»

فكلها كما ترى ليست على ما ينبغي [1]

______________________________

[1] [المؤلف]: «اما في الأول»:- و هو الإجماع- فلما قرر في محله ان الإجماع المعتبر هو التعبدي منه لا المدركى، و في المقام يحتمل ان يكون باقي الوجوه المذكورة في المقام، فلا عبرة به. ثم انه على فرض تسليم القطع باستناد المجمعين في حكمهم بوجوب العمرة المفردة الى

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب العمرة حديث: 5

(2) سورة آل عمران: الآية 91.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب العمرة حديث: 7

(4) الوسائل: ج 2- الباب-

1- من أبواب العمرة حديث: 8

(5) الوسائل ج 2- الباب- 1 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1 و الباب- 1- من أبواب العمرة حديث: 1

(6) سورة البقرة الآية 192

(7) سورة البقرة الآية 153

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 144

قوله قده: (فتجب بأصل الشرع على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج في العمر مرة. إلخ)

بلا كلام في ذلك، و يستدل له بوجهين:

«الأول»- الإجماع. و «فيه»: ما تكرر منا من ان الإجماع المعتبر هو التعبدي منه الكاشف قطعيا عن رأى المعصوم «عليه السلام» أو رضاه لا غيره، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه الوجه الآتي، فلا عبرة به، لاحتمال كونه مدركيا «الثاني»- ان ذلك مقتضى تعلق الأوامر بالعمرة كتابا و سنة، بداهة: ان المطلوب بها هو إيجاد الطبيعة الصادقة على أول وجودها، لانطباقها عليه قهرا الموجب للاجزاء و سقوط الأمر عقلا، فمطلوبية ما عدي الوجود الأول من وجودات الطبيعة محتاجة إلى دليل آخر، و هو مفقود و على تقدير الشك في وجوبها ثانيا فمقتضى أصل البراءة عدمه. و بالجملة فاوامر العمرة كتابا و سنة لا تقتضي إلا مطلوبية صرف الوجود من العمرة في تمام العمر

قوله قده: (و وجوبها بعد تحقق الشرائط فوري. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا و في الجواهر: «و لا خلاف أيضا أجده في انها على الفور كما صرح به الشّيخ، و الحلي، و الفاضلان «و غيرهم» بل عن السرائر: «نفى الخلاف فيه»: بل عن التذكرة: «الإجماع عليه». و لكن في كشف اللثام بعد ان حكى عن السرائر و المبسوط وجوب الفورية قال:

«لم أظفر بموافق لهم، و لا دليل الا على القول بظهور الأمر

فيه» و الحق ان دليله غير ظاهر لو لا الإجماع، و قد بينا مرارا و كرارا ان الإجماع و ان لم يكن بنفسه حجة تعبدية في قبال الكتاب و السنة. و لكنه مهما صار منشأ للاطمئنان فلا إشكال في حجية الاطمئنان،

______________________________

- الإجماع نقول ايضا بعدم اعتباره، لأن العمدة في وجه حجية الإجماع على ما تقدم في مبحث أدلة فورية وجوب الحج، وجهان: «الأول»: جهة كشفه عن الحجة المعتبرة التي لو ظفرنا بها- لكانت حجة عندنا أيضا «الثاني»: جهة كشفه عن سيرة أصحاب الفتاوى الكاشفة عن-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 145

و في مفروض المقام يحصل لنا من اتفاق جميع الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) الاطمئنان بالحكم. و اما باقي أدلة الفور التي تقدمت في الجزء الأول من الكتاب في مبحث أدلة فورية وجوب الحج فكلها تأتي بالنسبة إلى عمرة التمتع ايضا كما ان بعضها تأتي أيضا بالنسبة إلى العمرة المفردة لكن قد عرفت المناقشة في أكثرها

قوله قده: (و لا يشترط في وجوبها استطاعة الحج، بل تكفى استطاعتها في وجوبها و ان لم تتحقق استطاعة الحج كما ان العكس كذلك، فلو استطاع للحج دونها وجب دونها. إلخ)

لا ينبغي الارتياب في ذلك، لأنه الذي يقتضيه إطلاق أدلة الوجوب.

قوله قده: (و القول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كل منهما و انهما مرتبطان ضعيف. إلخ)

بلا كلام في ذلك، و وجه الضعف هو إطلاق أدلة الوجوب و عدم صلاحية أدلة شرطية الاستطاعة في وجوب الحج لإثبات شرطية الاستطاعة في وجوب العمرة و كذا العكس.

قوله قده: (كالقول باستقلال الحج في الوجوب دون العمرة. إلخ)

هذا القول حكى عن الشهيد الأول «قدس سره» في الدروس، حيث قال فيها: «و لو استطاع لها خاصة

لم تجب و لو استطاع للحج مفردا دونها فالأقرب الوجوب» و استدل له في كشف اللثام: بالأصل، و ظهور حج البيت في الآية في غير العمرة، ثم قال: و هو ممنوع لكن التحقيق: عدم تمامية هذا القول كما افاده المصنف «قده» و ذلك لقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن أذينة المتقدم في مقام الجواب عن سؤاله عن الآية: (يعني الحج و العمرة جميعا لأنهما مفروضان) و باقي الأخبار، المتقدمة الدالة على الوجوب

[مسألة 2 تجزء العمرة التمتع بها عن العمرة المفردة]

قوله قده: (تجزء العمرة التمتع بها عن العمرة المفردة. إلخ)

______________________________

- سيرة أصحاب الأئمة «رضوان اللّه تعالى عليهم» المتصلة الى الامام «عليه السلام» الكاشفة عن رضاه به و لكن قد عرفت في المبحث المزبور من سيدنا الأستاذ دام ظله عدم تمامية الوجهين:

أما في «الأول»: فلانه من المسلم عدم فوتها قبل زمن التصنيف و كتب الكتب-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 146

قد اتفقت الآراء على ذلك قديما و حديثا قال في الجواهر: (نعم لا خلاف في اجزاء عمرة التمتع عنها، كما اعترف غير واحد بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا كافة، و هو الحجة. إلخ) و يدل عليه الاخبار الواردة في المقام- منها:

1- صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) إذا تمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة «1» 2- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث له: قلت:

فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أ يجزي ذلك؟ قال: نعم «2» 3- خبر أبى نصر قال: سألت أبا الحسن عن العمرة واجبة هي؟ قال: نعم قلت:

فمن تمتع يجزى عنه؟ قال: نعم «3» 4- صحيح يعقوب بن شعيب قال قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام) قال اللّه عز

و جل «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» يكفى الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان العمرة المفردة؟

قال: كذلك أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و أصحابه) «4» 5- مصحح أبى بصير عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: العمرة مفروضة مثل الحج، فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة «5» 6- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: العمرة واجبة

______________________________

- الاستدلالية، و وجهه واضح، فحينئذ بعد العلم بعدم فوتها قبل التصنيف لو كانت لبانت قطعا، للعلم بعدم الداعي لهم على إخفائها: و «اما في الثاني»: فلاحتمال اشتباه الوسائط الذين كانوا موجودين بين أصحاب الفتاوى و أصحاب الأئمة ثم، بعد ان حصل الاشتباه استمرت السيرة، و المجمعين لم يدركوا جميع الوسائط كما لا يخفى فتحصل انه على فرض تسليم تعبديته لا عبرة به أيضا-

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 5- من أبواب العمرة حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 5- من أبواب العمرة حديث: 2

(3) الوسائل ج 2- الباب- 5- من أبواب العمرة حديث: 3

(4) الوسائل ج 2- الباب- 5- من أبواب العمرة حديث: 4

(5) الوسائل ج 2- الباب- 5- من أبواب العمرة حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 147

على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع لان اللّه عز و جل يقول (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ) و انما نزلت العمرة بالمدينة قال: قلت: له فمن تمتع الى الحج أ يجزي ذلك عنه؟ قال: نعم «1»

قوله قده: (و هل تجب على من وظيفته حج التمتع إذ استطاع لها و لم يكن مستطيعا للحج المشهور؟ عدمه بل أرسله بعضهم إرسال المسلمات، و هو الأقوى، و على هذا فلا

تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة و ان كان مستطيعا لها و هو في مكة، و كذا لا تجب على من تمكن منها و لا يتمكن من الحج لمانع و لكن الأحوط الإتيان بها)

قال الشهيد الثاني ره في المسالك على ما حكى عنه في الجواهر في شرح ما ذكره المحقق «طاب ثراه» في الشرائع من تقسيم العمرة: إلى متمتع بها و مفردة و ان الاولى تجب على من ليس في حاضري المسجد الحرام و المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام: (يفهم من لفظ السقوط ان العمرة المفردة واجبة بأصل الشرع على كل مكلف كما ان الحج مطلقا يجب عليه و انها انما تسقط عن التمتع إذا اعتمر عمرة تخفيفا و من قوله: «و المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام» عدم وجوبها على النائي من رأس و بين المفهومين تدافع ظاهر و كان الموجب لذلك كون عمرة التمتع أخف من المفردة و كانت المفردة بسبب ذلك أكمل و هي المشروعة بالأصالة المفروضة قبل نزول آية التمتع، و كانت عمرة التمتع قائمة مقام الأصلية مجزئة عنها، و هي منها بمنزلة الرخصة من العزيمة و يكون قوله ره: «و المفردة تلزم. إلخ» إشارة الى ما استقر عليه الحال و صار هو الحكم الثابت الآن بأصل الشرع ففي الأول إشارة إلى ابتدائه و الثاني إلى استقراره).

______________________________

- ان قلت: فما فائدة الإجماع. قلت: فائدته يترتب عليه ما يترتب على الشهرة الفتوائية، و قول الرجالي، و تراكم الظنون، لأنها و ان لم تكن بنفسها حجة تعبدية في قبال الكتاب و السنة، كالإجماع، و لكنها قد توجب العلم و الاطمئنان بالواقع، فيكون الاطمئنان حجة و بعينها الإجماع فإنه قد يوجب العلم بان

المجمع عليه هو الواقع، فما دام لم يحصل من الإجماع العلم أو الاطمئنان بالحكم-

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 148

قال صاحب الجواهر قدس سره بعد نقله: (و هو كالصريح في المفروغية عن عدم وجوب عمرة مفردة على النائي، و يؤيده ما ذكرناه) و يشير به «قدس سره» الى ما ذكره سابقا من السيرة على عدم استقرار عمرة عن من استطاع من النائين فمات أو ذهبت استطاعته قبل أشهر الحج، و عدم الحكم لفسقه لو أخر الاعتمار إلى أشهر الحج. الى ان قال: و قول المصنف و غيره فيما يأتي على وجه لم يعرف فيه خلاف بينهم: (انها قسمان متمتع بها و مفردة، و الاولى فرض النائي، و الثانية فرض حاضري مكة: و ظهور كلامهم في عدم وجوب غير حج التمتع على النائي لا انه يجب عليه مع ذلك العمرة.

قال في كشف اللثام: (و لو استطاع لحج الافراد دون عمرته فالأقرب وجوبه خاصة، لكون كل منهما عبادة برأسه، فلا يسقط شي ء منهما بسقوط الآخر و لا يجب بوجوبه بخلاف التمتع. الى ان قال: و كذا لو استطاع للعمرة دون الحج، وجبت خاصة لذلك نعم، لا يجب المبادرة إليها قبل أيام الحج، لاحتمال أن يجدد له استطاعته ايضا و في الدروس:

«لم يجب، و لعله للأصل، و ظهور حج البيت في الآية في غير العمرة، و هو ممنوع و لعدم ظهور وجوب إتمامهما في وجوب ان شائهما و منع استلزامه له، و لأنها لو وجبت لكان من استكمل الاستطاعة لها فمات قبلها و قبل ذي الحجة يجب استيجارها عنه من التركة و لم يذكر ذلك

في خبر أو كتاب، و كان المستطيع لها و للحج إذا اتى الحرم قبل أشهر الحج نوى بعمرته عمرة الإسلام، لاحتمال ان يموت أو لا تبقى استطاعته للحج الى وقته. و (فيه):

ان المستطيع لهما فرضه عمرة التمتع أو قسيميه و ليس له الإتيان بعمرة الإسلام إلا عند الحج فما قبله كالنافلة قبل فريضة الصبح مثلا. و احتمال الموت أو فوت الاستطاعة غير

______________________________

- لا يترتب عليه اثر و لو كان تعبديا، فلا يبقى مجال لاستدلال صاحب الجواهر «قدس سره» و غيره به في إثبات المدعى و اما «في الثاني» و هو قوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ.»- فلظهورها في وجوب الإتمام لا وجوب ان شائهما كما هو واضح و اما استفادة وجوبها ابتداء منها فهو أول الكلام-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 149

ملتفت اليه) و صاحب الجواهر «قدس سره» بعد ان نقل كلام صاحب كشف اللثام ره و هو:

(نعم لا تجب المبادرة إليها قبل أيام الحج، لاحتمال ان يتجدد له استطاعة أيضا) قال:

(و هو كما ترى خال عن التحصيل بعد ظهور ما سمعته من الأدلة في وجوبها، و انها كالحج حتى في الفورية، فالمتجه التزام إخراجها من التركة مع الاستطاعة إليها، و التمكن من أدائها و لو قبل أشهر الحج و نية كونها عمرة الإسلام، بل لا وجه لدعوى وجوبها و عدم وجوب المبادرة إليها قبل أيام الحج، للاحتمال المزبور. نعم، لو أمكن القول بعدم وجوبها على النائي الذي فرضه حج التمتع اتجه حينئذ سقوطها بالموت قبل أشهر الحج، فلا تخرج من التركة، و اتجه عدم نية عمرة الإسلام).

لكن الذي يظهر من التتبع في الاخبار وجوب العمرة المفردة على من استطاع لها دون

الحج و ان كان نائبا عن مكة، و ذلك لطائفتين من الاخبار. (الأولى): ما دل على وجوب العمرة على من استطاع لها، و قد تقدم ذكره، فإنه بإطلاقه يقتضي وجوبها على من استطاع لها و لو لم يكن مستطيعا للحج و ان كان نائيا، و لا يقيده ما دل على ان وظيفة النائي هي التمتع دون الافراد، و ذلك لوروده في حج التمتع في قبال حج القران و الافراد فلا ارتباط له بما نحن فيه (الثانية): ما دل على اجزاء عمرة التمتع عن العمرة المفردة، فلأنه لو لا وجوبها لم يكن معنى لاجزاء عمرة التمتع عنها، و حمله على الاجزاء عما عليه من العمرة المفردة المستحبة خلاف الظاهر، كما لا يخفى، كما ان حمله على الاجزاء عن عمرة التمتع بأن يكون المراد أنها مجزية عن نفسه ايضا كما ترى، لانه خلاف الظاهر. بل خلاف نص صحيح يعقوب بن شعيب حيث قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): قال اللّه عز و جل:

______________________________

و «اما في الثالث»: و هو قوله تعالى: «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ.»

فعدم دلالتها على وجوب العمرة المفردة أوضح من ان يخفى، بل لا دلالة فيها على وجوب الإتمام أيضا، كما هو واضح فينحصر إثبات وجوب العمرة المفردة بالأخبار المذكورة، كما افاده سيدنا الأستاذ «دام ظله» «م ا ج»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 150

«وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» يكفى الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان العمرة المفردة؟

قال: كذلك أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و أصحابه «1» ان قلت: كيف يتصور الاستطاعة للعمرة دون الحج حتى يحكم بوجوبها على النائي حيث ان الإتيان بالعمرة و الحج

معا لا يزيد نفقته على مؤنة الإتيان بالعمرة فقط، فان من وجد ما يفي بذهابه الى بيت اللّه الحرام للعمرة يمكنه أن يأتي بالحج ايضا معها، كما لا يخفى قلت: إنه يتصور ذلك في موردين: (أحدهما): بالنسبة إلى النائي الذي ذهب الى مكة لأن يأتي مثلا بالحج النيابي، حيث انه يستطيع للعمرة المفردة دون الحج، كما لا يخفى. (الثاني):

بالنسبة الى من استطاع للعمرة في غير أشهر الحج، فإنه حينئذ مستطيع للعمرة المفردة دون الحج، و لو فرض زوال استطاعته قبل وجوب الحج كانت العمرة المفردة ثابتة في ذمته و لو مات يحكم بخروج مصرفها عن أصل المال بناء على شمول الدين في قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) «2» لدين اللّه تعالى كشمولها لدين الناس لكن يمكن ان يقال انصرافها الى ديون الناس كما بيناه في محله ثم انه في كشف اللثام بعد نقل الإجماع على فوريتها عن التذكرة و نفى الخلاف عنه عن السرائر قال: (ثم الفورية انما هي المبادرة فيها في وقتها و وقت التمتع بها أشهر الحج و وقت المفردة لمن يجب عليه حج الافراد و القران بعد الحج كما سينص عليه و لا يجب عمرتان أصالة حتى تجب المبادرة إليها أول الاستطاعة لها إلا إذا لم يستطع الا لها، فان ذلك أول وقتها و لا يستقر في الذمة إذا استطاع لها و للحج إذا أخرجها إلى الحج أو أشهره فزالت الاستطاعة) و لكن لا يبقى مجالا لما افاده «قده» ضرورة اقتضاء الأدلة وجوب المبادرة إليها قبل أشهر الحج مع فرض الاستطاعة لها، لأنها موسعة و تصح في جميع السنة بخلاف الحج الذي لا يصح الا في وقت مخصوص

نعم، لا خلاف في

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 5- من أبواب العمرة حديث: 4

(2) سورة النساء: الآية 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 151

اجزاء العمرة التمتع عنها، للأخبار المتقدمة و أقصى دلالتها هو الاجتزاء بها عنها، لا ان وجوبها الفوري ساقط على من استطاع إليها، كما هو واضح ان قلت: انه بناء على عدم كون وجوب العمرة المفردة فوريا، لعدم دلالة دليل غير قابل للمناقشة عليه يوجب ذلك لغوية وجوب العمرة المفردة على النائي، و ذلك حيث انه لو فرض مثلا استطاعته لها في غير أشهر الحج، فإن بقي حينئذ إلى أشهر الحج فعليه ان يحج تمتعا و المفروض اجزاء المتعة عن العمرة المفردة، للأخبار المتقدمة، و ان مات قبل ذلك فلا عقاب عليه، لعدم كون وجوبها فوريا. فلا يوجب على هذا تأخيره العصيان لكونه باذن من الشارع، و المفروض ايضا عدم خروجها من أصل المال، فعليه لا ثمرة لوجوبها. قلت: نفس وجوب العمرة المفردة على من استطاع لها حكم شرعي و لا يحتاج الى ترتب ثمرة أخرى عليه، و يكفي في عدم لزوم اللغوية انه لو استطاع لها في غير أشهر الحج فاتى بها فقد اتي بواجب فعلى شرعي و حصل الامتثال، مضافا الى انه يكفى في ترتب الثمرة عليه فيما إذا استطاع لها قبل أشهر الحج ثم زالت استطاعته قبل وجوب الحج ثبوت العمرة المفردة في ذمته، و وجوب الوصية بها لو ظهر له أمارات الموت، و وجوب الإتيان بالعمرة المفردة فورا فيما لو علم أو حصل له الاطمئنان بعد استطاعته لها قبل أشهر الحج بان السلطان الجائر مثلا يقتله بعد مدة كذا و لا يتمكن من الحج، لئلا تبقى ذمته مشغولة

بواجب من الواجبات، فظهر بما ذكرنا ان الحكم بوجوب العمرة المفردة على النائي لا يوجب لغويته بل يترتب عليه ثمرة فقهية، و ظهر ايضا ضعف ما قواه المصنف (قده) من عدم وجوب العمرة المفردة على النائي إذ استطاع لها تبعا للمشهور، و كذا ما افاده صاحب الجواهر (قدس سره) بقوله: (و ان كان الذي يقوى في النظر سقوطها (أي العمرة) عن النائي الذي يجب عليه ان يتمتع بها الى الحج و لا عمرة مفردة عليه) و لكن مع ذلك كله تكون المسألة محتاجا إلى التأمل لذهاب المشهور الى الخلاف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 152

[مسألة 3 أسباب الوجوب و الاستحباب للعمرة]
[قد تجب العمرة]
[بالنذر و الحلف و العهد]

قوله قده: (قد تجب العمرة بالنذر و الحلف و العهد و الشرط في ضمن العقد و الإجارة و الإفساد. إلخ)

قال المحقق (طاب ثراه) في الشرائع: (و قد تجب- أي العمرة- بالنذر و ما في معناه، و الاستيجار، و الإفساد، و الفوات، قال في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه): (أراد بما في معنى النذر العهد و اليمين، و المراد بالإفساد إفساد العمرة، فإنه موجب لفعلها ثانيا و ان كانت مندوبة. كالحج و بالفوات فوات الحج، فإنه يوجب التحلل منه بعمرة مفردة) ما افاده (قده) هو الصواب و لا ينبغي التأمل فيه، و الظاهر انه المتسالم به بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و لم يتعرض أحد للخلاف فيه

[و أيضا لدخول مكة]

قوله قده: (و تجب ايضا لدخول مكة، بمعنى حرمته بدونها، فإنه لا يجوز دخولها الا محرما)

هذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) قديما و حديثا قال في المدارك على ما نقل عنه: (أجمع الأصحاب على انه لا يجوز لأحد دخول مكة بلا إحرام عدا ما استثنى. و في الجواهر: (بلا خلاف أجده) و يدل عليه مضافا الى إجماع الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) لروايات الواردة في المقام- منها:- 1- صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) هل يدخل الرجل مكة بلا إحرام؟ قال: (عليه السلام): لا الا ان يكون مريضا أو به بطن «1» و رواه الصدوق «قدس سره» بإسناده عن محمد بن مسلم مثله الى غير ذلك من الروايات الواردة عنهم (عليهم السلام)

قوله قده: (إلا بالنسبة الى من يتكرر دخوله و خروجه كالحطاب و الحشاش. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و يدل عليه صحيح رفاعة بن

موسى في حديث قال: و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): ان الحطابة و المجلبة أتوا النبي (صلى اللّه عليه و آله) فسألوه فأذن لهم ان يدخلوا حلالا «2» ثم التعدي

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 50- من أبواب الإحرام حديث: 4

(2) الوسائل ج 2- الباب- 51- من أبواب الإحرام حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 153

من الحطاب و المجلبة الى كل من يتكرر منه الدخول كالحجارة و الجصاصة و نحوها مشكل اللهم الا ان يقال ان الحطاب و المجلبة ذكرا في الرواية من باب المثال و لا خصوصية لهما في ذلك فحينئذ لا مانع من التعدي الى من يتكرر منه الدخول، و لكن التعدي مشكل، لاحتمال خصوصية في المورد، نعم، يجوز التعدي إذا حصل تنقيح المناط القطعي، و لكنه لا سبيل لنا الى ذلك في الشرعيات، لقصور عقولنا عن ادراك الملاكات فتسرية الحكم من المورد- و هو الحطاب و المجلبة- الى غيره قياس و هو باطل فلا بد من الاقتصار على المورد.

[و يستحب تكرارها كالحج]

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 2، ص: 153

قوله قده: (و يستحب تكرارها كالحج. إلخ)

لا ينبغي الارتياب في ذلك بعد تطابق النصوص و الفتاوى عليه، و يدل عليه جملة من النصوص الواردة عنهم «عليهم السلام» في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: اعتمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) ثلث: عمر متفرقات «عمرة ذي القعدة أهل من عسفان و هي عمرة الحديبية و عمرة أهل من الجحفة و هي عمرة القضاء و عمرة من الجعرانة بعد ما

رجع من الطائف من غزوة حنين «1» و رواه الصدوق مرسلا الا انه قال: (ثلث عمر متفرقات كلهن في ذي القعدة) 2- مرسلة محمد بن على بن الحسين قال: اعتمر رسول اللّه تسع عمر «2» 3- خبر ابن عباس ان النبي (صلى اللّه عليه و آله) اعتمر اربع عمر عمرة الحديبية و عمرة القضاء من قابل و الثالثة من الجعرانة و الرابعة التي مع حجته «3» 4- مرسلة الصدوق (قدس سره) قال الرضا (عليه السلام): العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما «4» الى غير ذلك من الاخبار الواردة «عنهم عليهم السلام»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب العمرة حديث: 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب العمرة حديث: 5

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب العمرة حديث: 6

(4) الوسائل ج 2- الباب- 3- من أبواب العمرة حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 154

[و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين]

قوله قده: (و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين، فقيل يعتبر شهر، و قيل عشرة أيام، و الأقوى عدم اعتبار فصل، فيجوز إتيانها كل يوم. إلخ)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على أقوال: (الأول): هو الشهر، و هو خيرة الشهيد الأول (قدس سره) في الدروس، و صاحب النافع، و الوسيلة و الكافي، و التهذيب، و الغنية، و المختلف على ما هو المحكي عنهم. (الثاني)، هو السنة و قد نسبه غير واحد إلى العماني و لكن كلامه غير صريح في ذلك حيث قال: (قد تأول بعض الشيعة هذا الخبر (و هو صحيح زرارة) لها على معنى المخصوص فزعمت انها في المتمتع خاصة فأما غيره فله ان يعتمر في أي الشهور شاء و كم شاء

من العمرة فإن يكن ما تأولوه موجودا في التوقيف عن السادة آل الرسول (صلى اللّه عليه و آله) فمأخوذا به و ان كان غير ذلك من جهة الاجتهاد و الظن في ذلك مردود عليهم و ارجع في ذلك كله الى ما قالته الأئمة) (الثالث): هو العشرة و اختاره المحقق «طاب ثراه» و المهذب و الجامع و الإصباح و قال في كشف اللثام: (و هو خيرة التحرير و التذكرة و المنتهى و الإرشاد و التبصرة).

(الرابع): عدم اعتبار الفصل بين العمرتين، و هو نقل عن الناصريات، و السرائر و المراسم و التلخيص، و اللمعة و جعله في كشف اللثام أقرب حيث قال: بعد نقل هذا القول من جماعة:

(و هو الأقرب، لعموم أدلة الندب إليها من غير معارض، فإن شيئا من الاخبار لا ينفيه و انما غايتها تأكّد الاستحباب. إلخ) و وافقهم المصنف (قده) و منشأ الاختلاف في ذلك هو اختلاف الروايات الواردة في المقام، فإنها على طوائف: (الأولى): ما تدل على اعتبار الفصل بين العمرتين بسنة و هي:

1- صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: العمرة في كل سنة مرة «1» 2- صحيح زرارة عن ابى جعفر (عليه السلام) قال: لا يكون عمرتان في سنة «2»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب العمرة حديث: 6

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب العمرة حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 155

و نحوهما غيرهما من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» (الثانية): ما تدل على اعتبار الفصل بينهما بالشهر- منها:

1- صحيح عبد الرحمن بن الحاج، عن ابى عبد اللّه (ع) في كتاب على (عليه السلام) في كل شهر عمرة «1» 2- موثق يونس بن يعقوب قال:

سمعت أبا عبد اللّه كان: يقول في كل شهر عمرة «2» 3- مصحح إسحاق ابن عمار قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): السنة اثنا عشر شهرا يعتمر لكل شهر عمرة «3» 4- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان على (عليه السلام) يقول: لكل شهر عمرة «4» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) «الثالثة»: ما تدل على اعتباره بينهما بعشرة أيام، و هو خبر على ابن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن عن الرجل يدخل مكة في السنة المرة و المرتين و الأربعة كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبيا و إذا خرج فليخرج محلا قال: و لكل شهر عمرة، فقلت يكون أقل؟ فقال: في كل عشرة أيام. إلخ «5» هذا و يمكن الاستدلال على القول الأول- و هو الشهر- بما عرفته من دلالة جملة من الاخبار على ان لكل شهر عمرة، و اما ما دل من الاخبار على كفاية الفصل بينهما بعشرة فضعيف من حيث السند «و اما ما دل على اعتبار السنة فلعدم عمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» به فعليه يكون المرجع هو اخبار الشهر، و يمكن حمل الأخبار الدالة على اعتبار الفصل بالسنة على عمرة التمتع جمعا بينها و بين غيرها من الروايات المتضمنة لأن لكل شهر أو في كل شهر عمرة، لأنه أولى من الطرح

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب العمرة حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب العمرة حديث: 2

(3) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب العمرة حديث: 8

(4) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب العمرة حديث: 4

(5) الوسائل ج 2- الباب- 6-

من أبواب العمرة حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 156

و يمكن الاستدلال للقول الثاني- و هو السنة- بان بعد تعارض الأخبار الواردة في المقام و تساقطها يتعين الأخذ في العبادة بالقدر المتيقن، لكونها توقيفية و مقتضى ذلك هو الاقتصار على عمرة واحدة في كل سنة. ثم، الظاهر انه ليس المراد منه اعتبار الفصل بينهما بسنة بل يجوز الإتيان بعمرة في آخر سنة و بعمرة أخرى في أول السنة اللاحقة، و كيف كان هذا القول ضعيف، لما عرفت من أعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عما دل على اعتبار السنة، فتحمل على عمرة التمتع مع انه نسب الشيخ ره في الخلاف هذا القول الى بعض العامة على ما هو المحكي عنه و يمكن الاستدلال للقول الثالث- و هو الفصل بعشرة- بأنه مقتضى الجمع بين الاخبار، فإن ما دل على ان لكل شهر عمرة لا ينافي ورود الدليل على ان لكل عشرة أيام عمرة أيضا. و أما ما دل على اعتبار السنة فقد عرفت إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عنهم» عنه. ثم، هل العبرة بالفصل عشرة أيام، أو ان لكل عشرة من العشرات الثلاث للشهر عمرة و لو بأن يأتي في آخر العشرة الأولى بعمرة و في أول الثانية بعمرة اخرى وجهان: أوجههما ظاهرا هو الثاني، لأن الظاهر من قوله «عليه السلام»: لكل عشرة أيام عمرة هو استحباب الإتيان بها فيها سواء وقعت في أولها أو في آخرها، أو في وسطها و كذلك العمرة الثانية في العشرة الثانية و كيف كان فهذا القول ساقط من أصله، لضعف ما دل على اعتبار الفصل بعشرة أيام سندا.

و يمكن الاستدلال للقول الرابع- و هو جواز الإتيان بها و لو

في كل يوم- بوجوه ثلاثة:

«الأول»- انه مقتضى الجمع بين الاخبار، فإنها تحمل جمعا على بيان تأكد الاستحباب، فيقال: ان العمرة بنفسها مستحبة في كل يوم لكنها تؤكد في كل عشرة أيام و يصير آكد في كل شهر و يزداد التوكيد بعد ذلك في كل سنة. و «فيه»: انه ليس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 157

جمعا عرفيا و لا شاهد له ايضا، فلا يصار اليه «الثاني»- انه بعد تعارض الاخبار و تساقطها يرجع الى الإطلاقات الدالة على أصل محبوبيتها و استحبابها، فان مقتضى إطلاقها استحبابها في كل يوم و في اليوم أكثر من مرة أيضا. و «فيه»: انه لم يثبت لها إطلاق لورودها في مقام بيان أصل التشريع مضافا الى انه ليس بينها معارضة، لما عرفت من ان المعتبر منها هي الطائفة الثانية- أعني الاخبار الدالة على اعتبار الفصل بين العمرتين بالشهر- لضعف الطائفة الثالثة و هي الأخبار الدالة على اعتبار الفصل بالعشرة سندا و أعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عن الطائفة الاولى و هي الأخبار الدالة على اعتبار الفصل بينهما بسنة و حملها على العمرة التمتع «الثالث»- انه بعد تعارض الاخبار و تساقطها نرجع إلى البراءة عن اعتبار الفصل بينهما. و «فيه»: مضافا الى ما عرفت من عدم التساقط ان أصل مشروعية العمرة أمر توفيقي لا بد ان يصل إلينا من الشارع، فمع فرض تساقط الأخبار الخاصة و عدم إطلاق حتى يرجع اليه لا بد من الاقتصار على القدر المتيقن، و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان الأقوى هو اعتبار الشهر بمعنى ان كل شهر مستحق لعمرة واحدة، فله ان يأتي بعمرة في آخر الشهر و بعمرة اخرى أول الشهر الثاني هذا

ان لم نقل باعتبار سند خبر على بن أبي حمزة، و الا اتجه القول باعتبار العشرة هذا و خبر على بن أبي حمزة قد روى بأسانيد ثلاثة، و كلها تنتهي إليه «أحدها»:

رواية الصدوق «قدس سره» له بإسناده إلى القسم بن محمد بن على بن أبي حمزة، و هذا أضعف أسانيده «ثانيها»: رواية الصدوق ايضا له بإسناده عن على بن أبي حمزة، و هذا أقوى أسانيده، و على بن أبي حمزة و ان كان ضعيفا في نفسه الا ان الراوي عنه في هذا السند هو البزنطي الذي نقل الكشي له إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و لكن من الرجال الموجودين في هذا السند محمد بن على ماجيلويه، و لا يبعد دعوى الوثوق به من جهة بعض

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 158

القرائن، ككونه من مشايخ الصدوق «قدس سره» و غير ذلك «ثالثها»: رواية الكليني «رحمه اللّه» له بسنده عن على ابن أبي حمزة، و الراوي في هذا السند هو يونس بن عبد الرحمن الذي نقل الكشي «قده» إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و لكن من الرجال الموجودين في هذا السند إسماعيل بن مرار و ادعى بعض الوثوق به، لبعض القرائن و بالجملة ان حصل الاطمئنان به بواسطة هذه الأمور أو قام دليل آخر على اعتبار الفصل بالعشرة كان المتجه اعتبار الفصل بينهما بالعشرة و الا كان المتجه اعتبار الشهر فتدبر [1]

______________________________

[1] (المؤلف): ثم انه لا بأس بذكر ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) في المقام في شرح قول المحقق «طاب ثراه»: [و تستحب المفردة في كل شهر] قال: (بلا خلاف أجده فيه. إلخ) ثم انه قال في شرح قوله (طاب ثراه):

«و أقله [أي الفصل بين العمرتين] عشرة أيام»: لما سمعته من الخبرين اللذين لا يعارضهما ما في باقي النصوص: من ان لكل شهر أو في كل شهر عمرة بعد عدم دلالته على عدم ذلك في الأقل، بل ما سمعته من سؤال الراوي عن الأقل كالصريح في عدم فهمه من العبارة المزبورة المنع عن غيره، خصوصا بعد ان أقرّه الإمام (عليه السلام) على ذلك، و قال: (لكل عشرة أيام عمرة) و يشير (قدس سره) بالخبرين الى ما ذكره سابقا من خبر على بن أبي حمزة (المروي في الوسائل، في المجلد الثاني «في الباب السادس» من أبواب العمرة، الحديث الثالث) و ما ذكره بعنوان الموثق، و هو: قال الصادق (عليه السلام): «السنة اثنى عشر شهرا يعتمر لكل شهر عمرة» قال: فقلت له أ يكون أقل من ذلك؟ قال: «لكل عشرة أيام عمرة» و لكن هذا الموثق الذي رواه (قدس سره) في الجواهر لم أجده في غيرها و راجعت كتب الحديث التي بأيدينا و لا حظتها بالدقة قدر المستطاع و سألت بعض أهل الخبرة في هذا الفن فادعى عدم وجوده بهذا العنوان بعد الفحص، و المذكور في الوسائل في المجلد الثاني في الباب المزبور الحديث الثامن هو مصحح إسحاق قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «السنة اثنى عشر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 159

الفصل الثامن في أقسام الحج

[و هي ثلاثة تمتع و قران و إفراد]

قوله قده: (و هي ثلاثة بالإجماع و الاخبار تمتع و قران و افراد. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا قال في الجواهر في شرح قول المحقق طاب ثراه «و هي ثلاثة تمتع و قران و افراد»: (بلا خلاف أجده فيه بين علماء الإسلام بل إجماعهم بقسميه عليه،

مضافا الى النصوص المتواترة فيه، و القطعية بل قيل: انه من الضروريات لكن عن عمر متواترا انه قال: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» انا محرمهما و معاقب عليهما متعة النساء و متعة الحج. إلخ) قال في المدارك في شرح قول المحقق المتقدم: (هذا موضع وفاق)، و يدل على ذلك الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: الحج ثلاثة أصناف: حج مفرد، و قران، و تمتع بالعمرة إلى الحج، و بها أمر رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و الفضل فيها و لا نأمر الناس الا بها «1»

______________________________

- شهرا يعتمر لكل شهر عمرة» و لم يذكر له الذيل الذي ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) و استدل الشيخ (ره) في المبسوط على ان أقل ما يكون بين العمرتين: «عشرة أيام» بخبر على بن أبي حمزة على ما نقله صاحب المدارك (رضوان اللّه تعالى عليه) «و نوقش فيها يضعف السند. لاشتماله على عدة من الضعفاء. و كذلك استدل في كشف اللثام و غيره بخبر على بن أبي حمزة على القول بالعشر، و لم يذكروا الموثق المزبور، و من ذكره ذكره في اخبار الشهر بعنوان مصحح أو موثق إسحاق. إلى قوله عليه السلام: «لكل شهر-

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 160

2- خبر منصور الصيقل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: الحج عندنا على ثلاثة أوجه: حاج متمتع، و حاج مفرد سائق للهدي، و حاج مقرن للحج «1» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب و كذا

الذي قبله الا انه قال: «مفرد سائق للهدي» محمد بن الحسين بإسناده عن منصور الصيقل مثله 3- صحيح زرارة بن أعين عن ابى جعفر (عليه السلام) قال: الحاج على ثلاثة وجوه: رجل أفرد الحج و ساق الهدى، و رجل أفرد الحج و لم يسق الهدى، و رجل تمتع بالعمرة إلى الحج «2» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) ثم انه لا يخفى ان العمرة في حج التمتع مرتبطة بالحج، كما نطقت به الأخبار بحيث لا يكون الإتيان بأحدهما منفردا مشروعا فالإتيان بأحدهما دون الآخر من قبيل الإتيان ببعض اجزاء المراكب الارتباطي من حيث عدم ترتب الأثر على المأتي به، كما لا يخفى

______________________________

- عمرة» من دون تذييل، فالظاهر ان المراد منه هو مصحح إسحاق المذكور في اخبار الشهر، فعلى هذا لا يبقى مجال لما افاده بقوله: «لما سمعته من الخبرين. إلخ» و لا لقوله: «ما سمعته من سؤال الراوي عن الأقل كالصريح. إلخ» و لكن مع ذلك كله، فلا بد من التوقف عن نفى الخبر «لما عرف عن صاحب الجواهر (قدس سره) في التحقيق و النظر الدقيق و الفحص الكامل.

ثم انه (قدس سره) بعد ان اختار بان المراد من قوله: (لكل عشرة أيام عمرة) هو كراهة الإتيان بعمرتين في حال كون الفصل بينهما أقل من عشرة أيّام، وفاقا لصاحب كشف اللثام (قدس سره) جمعا بين ذلك و بين ما دل على استحباب العمرة مطلقا و بعد ان ذكر القائلين بحرمة الفصل بأحد ما ذكر قال: (و لكن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها التسامح في المستحبات و عدم صراحة نصوص الشهر و العشر في التحريم-

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 1-

من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 161

و هذا بخلاف حج الافراد و القران، لعدم ارتباطها به فيهما، لكونها واجبة مستقلة فيهما. هذا و الفرق بينهما هو انه إذا ساق الهدى في حجه سمى قرانا و الاسمي افرادا.

[أدلة كون التمتع فرض من كان بعيدا عن مكة]
اشارة

قوله قده: (و الأول فرض من كان بعيدا عن مكة و الآخر ان فرض من كان حاضرا اى غير بعيد. إلخ)

قال في كشف اللثام:) لا يجزيه غيره اختيارا للاخبار و هي كثيرة و الإجماع، كما في الانتصار، و الخلاف، و الغنية، و التذكرة. و المنتهى و ظاهر المعتبر. إلخ) يمكن الاستدلال لذلك بوجوه:

(الأول)- الإجماع

. و (فيه): ما عرفت سابقا من انه لا عبرة به لاحتمال كونه مدركيا

(الثاني)- قوله تعالى

(فَإِذٰا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ، ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ. إلخ) «1» بناء على ان ظاهر قوله تعالى (ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ) ان ذلك فرض من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أو انه حج من لم يكن كذلك

(الثالث)- جملة من النصوص

الواردة عنهم «عليهم السلام» في المقام- منها:

1- صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: دخلت العمرة في الحج الى

______________________________

- بل و ظهورها، خصوصا بعد ما سمعته في الشهر و العشر. الى ان قال: و كذا ما دل على طلبها و الحث عليها- حتى شبه غيرها من العبادات بها و بالحج، كما لا يخفى على ذي مسكة- لا ينافيه نصوص الشهر و العشرة التي أقصاها عدم ترتب الاستحباب المخصوص أو الكراهة. نعم، في صحيحي حريز و زرارة النهى عنهما قبل سنة، و قد عرفت الإجماع على خلاف ذلك من غير العماني، فليحمل على التقية من بعض العامة، أو على ارادة التمتع، أو على إرادة مرتبة من مراتب الكراهة، أو على ان المراد: (أنى لا اعتمر في كل سنة الا مرة) كما ان المراد-

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 192.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 162

يوم القيامة، لأن اللّه تعالى يقول (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فليس لأحد الا ان يتمتع، لان اللّه انزل ذلك في كتابه و جرت به السنة من رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) «1» خرج من إطلاق هذا الحديث ما خرج و بقي الباقي. و رواه الصدوق مرسلا

في العلل عن أبيه عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير نحوه 2- صحيح زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام):

قول اللّه عز و جل في كتابه (ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ) «2» قال:

يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان اهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية، و كلمن كان اهله وراء ذلك فعليهم المتعة «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام).

[و حد البعد ثمانية و أربعون ميلا من كل جانب]

قوله قده: (و حد البعد الموجب للأول ثمانية و أربعون ميلا من كل جانب على المشهور الأقوى. إلخ)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على قولين: (الأول): ان الحد الموجب للتمتع هو البعد عن مكة باثني عشر

______________________________

- من الصحيح الآخر تأكد استحباب الاعتمار في كل سنة، أو غير ذلك مما هو اولى من الطرح، و ان أبيت فلا بأس به بعد ما عرفت من شذوذ القول به) ما افاده «قدس سره» أخيرا من حمل الأخبار الدالة على اعتبار الفصل بسنة على المحامل التي ذكروها فمما لإشكال فيه لانه و ان كانت أسانيدها صحيحة إلا ان ذهاب الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) الى الخلاف يوجب ضعفها، و خروجها عن حيز دليل الاعتبار، فلذا يتعين حملها على احدى المحامل المذكورة، لأنه أولى من الطرح، كما افاده (قدس سره) و أما ما افاده (قدس سره) من عدم المنافاة بين أخبار-

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(2) سورة البقرة: في الآية 192

(3) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب

أقسام الحج حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 163

ميلا فما زاد من كل جانب، و هو خيرة الشيخ في المبسوط، و ابن إدريس على ما نقل في المدارك و الاقتصار، و التبيان، و مجمع البيان و فقه القرآن، و روض الجنان، و الجمل، و العقود و الغنية و في السرائر و الجامع، و الإصباح، و الإشارة، على ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره) (الثاني): انه البعد عن مكة بثمانية و أربعين ميلا، ذهب اليه الشيخ (ره) في التهذيب و النهاية، و ابنا بويه على ما حكاه صاحب المدارك (قدس سره) و هو خيرة القمي (ره) في تفسيره و الصدوقين، و المحقق (طاب ثراه) في النافع و المعتبر، و الفاضل في المختلف، و التذكرة، و المنتهى، و التحرير، و الشهيدان و الكركي على ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره) و وافقهم المصنف قده على ذلك، و اختاره صاحب المدارك و نسبه الى أكثر الأصحاب و نسبه بعض الى المشهور على ما في الجواهر و لكن قال في الجواهر:

(و ان كنا لم نتحققه) و الأقوى في النظر هو القول الثاني- و هو البعد عن مكة بثمانية و أربعين ميلا- و يدل على ذلك الأخبار الكثيرة الواردة عنهم «عليهم السلام» في المقام- منها:

1- صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول اللّه عز و جل في كتابه (ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ)؟ قال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان اهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان، كما

______________________________

- العشر و الشهر و ما دل على طلبها و الحث عليها و الترغيب إليها

الظاهرة في استحبابها مطلقا فهو مما لا يخلو عن الإشكال، لأنه ان أريد منه الجمع بين الاخبار بوجه لا يزاحم التحديد الواقع فيها بالعشرة و الشهر بان يحمل اخبار الشهر على التأكد في الشهر على نحو كان أشد تأكدا فيها من العشرة؟ فحينئذ و ان كان لا يزاحم الاخبار الإطلاقات الدالة على الحثّ إليها و الترغيب إليها، لعدم دلالتها حينئذ على المنع من التوالي، و لكن هذا الجمع مما لا شاهد عليه، كما عرفته في مقالة سيدنا [الأستاذ دام ظله]، مضافا الى ضعف خبر ابن أبي حمزة الدال على اعتبار الفصل بعشرة، فلا يبقى في البين إلا أخبار الشهر و لا يمكن أيضا إثبات جواز التوالي-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 164

يدور حول مكة، فهو ممن دخل في هذه الآية، و كل من كان اهله وراء ذلك فعليه المتعة «1» 2- عنه ايضا قال: سألته عن قول اللّه عز و جل [ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ] قال: ذلك أهل مكة ليس لهم متعة و لا عليهم عمرة قلت: فما حد ذلك؟ قال: ثمانية و أربعون ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان و دون ذات عرق «2» و أنت ترى دلالتهما صريحا على المدعى لكن يمكن القول بمعارضتهما، لصحيح حريز، و هو ما عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عز و جل (ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ)؟ قال «عليه السلام»: من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها «و ثمانية عشر ميلا من خلفها، و ثمانية عشر ميلا عن يمينها، و ثمانية عشر ميلا عن يسارها، فلا متعة له، مثل مر، و أشباهه «3».

و صحيح حماد بن عثمان الدال على ان الحاضر من كان دون المواقيت إلى مكة، و هو ما عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في حاضري المسجد الحرام؟ قال: ما دون الأوقات إلى مكة «4» و صحيح الحلبي الدال ايضا على ان الحاضر من كان دون المواقيت إلى مكة و هو ما عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: في حاضري المسجد الحرام؟ قال: ما دون المواقيت إلى مكة، فهو حاضري المسجد الحرام، و ليس لهم متعة «5»

______________________________

- بإطلاقات الترغيب إليها بعد فرض معارضة الاخبار و تساقطها، لما قد عرفت منا من إمكان المناقشة فيها، بورودها في مقام بيان أصل التشريع لا في مقام بيان الشرائط، كي يدفع الشك بها و لكنه مع ذلك كله لا يخلو من تأمل ثم انه قدس سره بعد ان استغرب ما وقع عن بعض متأخر المتأخرين من القطع بجوازه في كل شهر و الاحتياط بالترك في الأقل منه، لضعف المستند فيه قال: (و هو كما ترى، لأن-

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 7

(3) الوسائل ج 2- الباب- 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 10

(4) الوسائل ج 2- الباب- 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 5

(5) الوسائل ج 2- الباب- 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 165

و لكن التحقيق عدم نهوضها للمعارضة مع الخبرين المتقدمين. أما صحيح حريز «ففيه»: انه و ان كان صحيحا، لكنه موهون بإعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه مضافا الى انه قابل للحمل بان يقال: انه ورد لبيان حكم من كان منزله على

ثمانية عشر ميلا من مكة، فلا يعارض الأخبار السابقة، لكن يرد على هذا الوجه كون الحديث في مقام التحديد كما لا يخفى و أما صحيحتا حماد و الحلبي، فيمكن حملهما على بيان حكم من كان منزله ما دون المواقيت، فلا معارضة بينها. و «فيه»: ما عرفته في حمل صحيح حريز من كون هذا الحمل ارتكابا خلاف الظاهر بلا موجب، إذ الظاهر من تلك الأخبار المفسرة للآية الشريفة هو كونها في مقام التحديد لا في مقام بيان الحكم لفرض خاص و لا وجه لرفع اليد عن هذا الظاهر، و كيف كان فلا عبرة بهذين الحديثين اما لحملهما على التقية و اما لإعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنهما هذا و أما القول الأول- و هو التحديد باثني عشر ميلا من كل جانب- فغاية ما يمكن

______________________________

القول بالتحريم الناشي من دعوى التشريع في العبادة لا ينافي القول بثبوتها بأدنى دليل صالح لإثبات الاستحباب فيها فضلا عما عرفت من المطلقات و غيرها. الى ان قال: (و بالجملة فالأقوى جواز التوالي على الوجه الذي ذكرناه بل لا يبعد جوازه في كل يوم. إلخ) ما افاده «قدس سره» «أولا»: بقوله: [لا ينافي القول بثبوتها. إلخ] و (فيه): عدم وجود دليل تعبدي عليه، اما الإطلاقات فلإمكان المناقشة فيها بورودها في مقام بيان أصل التشريع. و أما باقي الأدلة فلا يمكن إثبات الاستحباب مطلقا بها، كما لا يخفى. ثم، ان ما افاده بقوله: (ثانيا): [لا يبعد جوازه في كل يوم] و (فيه): انه بعد ان تم التمسك بالإطلاقات و حمل الاخبار على بيان مراتب الفضل بناء على تسليم المعارضة بينها فلا مانع من الإتيان بها في كل يوم، لاستحبابها على المفروض مطلقا،

بل في اليوم أكثر من مرة فلا مجال يبقى للتعبير به «لا يبعد» «م ا ج»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 166

ان يقال في وجهه أمور: و كلها لا يخلو من المناقشة و الاشكال «الأول»- ان لفظ الحاضر في الآية الشريفة و ان فسر في النصوص الواردة في تفسيره بمن كان اهله دون ثمانية و أربعين ميلا لكن ليس المقصود ثبوت هذا المقدار من البعد من كل جانب من مكة بل من جوانبها الأربعة فيكون الحد من كل جانب اثنى عشر ميلا، و قد نقل هذا التقريب في المدارك عن العلامة في المختلف في مقام توجيه كلام الشيخ ره. قال في المدارك: (و لم نقف للشيخ (ره) في اعتبار الاثني عشر ميلا على مستند، و قد اعترف بذلك المصنف في المعتبر، و الشهيد في الدروس «و قال العلامة في المختلف: و كان الشيخ نظره الى توزيع الثمانية و الأربعين من الأربع جوانب فكان قسط كل جانب ما ذكرنا). و (فيه): ما لا يخفى، لانه خلاف ظاهر الاخبار الواردة في تفسير الحاضر الواقع في منطوق الآية الشريفة، لأن ظاهرها هو اعتبار ثمانية و أربعين ميلا من كل جانب من جوانبها الأربعة لا كون مجموعها بهذا المقدار مضافا: الى ما في المدارك من انه عليه السلام ذكر: (ذات عرف و عسفان) بيانا للمكان الذي يكون دون ثمانية و أربعين ميلا و من الواضح ان بعدها عن مكة يكون أكثر من اثنى عشر ميلا (الثاني)- دعوى ان الحاضر الواقع في منطوق الآية الشريفة مقابل للمسافر و السفر أربعة فراسخ و هي اثنى عشر ميلا. و فيه (أولا): انه لا دليل على ان المراد من لفظ الحاضر مهما أطلق

في الاخبار هو المعنى المقصود منه في باب صلاة القصر و الإتمام و ان اصطلاح الشارع في الفقه جرى على ذلك و انما ثبت حد خاص لذلك شرعا في خصوص باب القصر و الإتمام و ثبت في مفروض المقام ايضا حد خاص غير ذلك الحد و هو ثمانية و أربعون ميلا بالنص. و (ثانيا): انه لو كان المراد من الحاضر مقابل المسافر بالمعنى المذكور في باب القصر و الإتمام يكون مرجعه الى ان من كان اهله مسافرا عن المسجد فعليه التمتع، و الا فعليه القران، و هذا كما ترى لا يرتضيه أحد حتى القائل بكون الحد اثنى عشر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 167

ميلا، فان المراد هو التوطن في الموضع القريب و البعيد لا المسافرة و الحضور كما لا يخفى (الثالث)- دعوى ان الحاضر المحكوم بوجوب غير التمتع عليه أمر عرفي و العرف لا يساعد على أزيد من اثنى عشر ميلا و «فيه» ان العرف كما لا يساعد على الأكثر منه كذلك لا يساعد على الأقل منه. و على فرض تسليم ذلك نقول: ان روايات التحديد بالثمانية و الأربعين تفسره و تبين المراد منه فلا مجال بعد ذلك للرجوع في مفهوم الحضور الى العرف فتحصل من جميع ما ذكرنا ان الحد الموجب للتمتع هو البعد عن مكة ثمانية و أربعين ميلا من كل جانب كما افاده المصنف «قدس سره»

[و هل يعتبر الحد المذكور من مكة أو من المسجد]

قوله قده: (و هل يعتبر الحد المذكور من مكة أو من المسجد؟ وجهان أقربهما الأول. إلخ)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) حسب ما يظهر من كلماتهم في هذه المسألة على قولين: (الأول): اعتبار الحد من المسجد و هو المنسوب الى الشيخ حيث قال

في محكي المبسوط: (كل من كان بينه و بين المسجد اثنى عشر ميلا من جوانب البيت) و مثله ما في التحرير: (و هو من كان بين منزله و بين المسجد اثنى عشر ميلا) (الثاني): اعتباره من مكة، و هو خيرة العلامة في القواعد، حيث قال: (من نأى عن مكة باثني عشر ميلا من كل جانب).

يمكن ان يقال بتمامية القول الأول- و هو اعتبار الحدّ من المسجد- و ذلك لان النصوص الواردة في المقام و ان كانت خالية عن التعرض لذلك و لكن صحيح زرارة و خبره الذي نقدم ذكرهما لما كان السؤال فيهما عن الآية الشريفة: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري لمسجد الحرام) «1» فالظّاهر منه أن يكون المبدأ نفس المسجد، اللّهم الا ان يقال انه ينافيه ما في خبر زرارة المتقدم ذكره من قوله عليه السلام: (من جميع نواحي مكة) و لكن الحق ما افاده المصنف (قده) من اعتبار الحد المذكور من مكة «لأنه الظاهر من قوله

______________________________

(1) سورة: البقرة في الآية- 192.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 168

عليه السلام: (ثمانية و أربعون ميلا من جميع نواحي مكة أو كما يدور حول مكة) ثم ان الأقوى في النظر هو ان المبدء لثمانية و أربعين ميلا هو سور مكة الذي كان موجودا في زمان صدور الرواية و لا عبرة بالتوسعة الحاصلة لها بعد ذلك هذا و يثبت مقدار ما كان لمكة من التوسعة في ذلك الزمان ان وجد ذلك في تاريخ معتبر يوجب الاطمئنان بان السابقين دققوا النظر في ذلك «و وضعوا له علائم عن تحقيق، فان لم يفد الاطمئنان فلا حجية فيه، و ذلك لعدم كون قول المورخ و صرف وجود العلامة لتعيين

السور حجة تعبدية حتى يعتمد عليه، و لا يكتفى بالظن الحاصل من العلامات، أو من قول المؤرخ بكون الموضع المخصوص سور مكة، لعدم دليل على اعتبار مطلق الظن و كذلك لا يكتفى بإخبار عدل واحد بكون الموضع الفلاني محل السور السابق بعد فرض كونه اخبارا عن حس ان لم يفد الاطمئنان، فإن حجية خبر الواحد تعبدا لو سلمناها فثبوتها في الموضوعات غير معلوم، مع ان أصل حجيته من باب التعبد غير صحيحة، كما أوضحناه في محله: نعم، لو فرض قيام البينة عن حس كان حجة، كما هو واضح

[من كان على نفس الحد فالظاهر أن وظيفته التمتع]

قوله قده: (و من كان على نفس الحد فالظاهر ان وظيفته التمتع لتعليق حكم الافراد و القران على ما دون الحد. إلخ)

لا يخفى ان تصوير كون الشخص لا في خارج الحد لا في داخله بل على نفس الحد مشكل، و ذلك لان نفس الحد خط موهوم بين داخل الحد و خارجه و ليس له مكان خارجي كي يكون محل الشخص على رأس الحد، فلا يبقى مجال للبحث عن وظيفة من كان على نفس الحد. نعم، يمكن تصوير كون نصف الدار في خارج الحد و نصفه في داخله و حكمه حكم من كان له وطنان أحدهما خارج الحد و الأخر داخله و كان إقامته فيهما على حد سواء، كما سيجي ء توضيحه ( «ان شاء اللّه تعالى») ان قلت: ان من كان في مكان يكون نصفه داخل الحد و نصفه الآخر خارجه و ان لم يكن على نفس الحد بالدقة العقلية الا انه يصدق عليه ذلك بالمسامحة العرفية قلت: هذه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 169

مسامحة في التطبيق و المسامحة العرفية في التطبيق غير مسموعة و انما

يرجع الى العرف في المفاهيم الغير المعينة من جانب الشارع لا في المصاديق

[و لو شك في كون منزله في الحد أو خارجه وجب عليه الفحص]

قوله قده: (و لو شك في كون منزله في الحد أو خارجه وجب عليه الفحص. إلخ)

يستدل لوجوب الفحص- في صورة الشك في كون منزله داخل الحد أو خارجه- بوجهين:

(الأول)- انه إذا ترك الفحص، فلا بد له من الاحتياط في مقام العمل بأن يأتي بحجتين في عامين (إحداهما): بعنوان التمتع و (الأخرى): بعنوان الافراد أو القران بمقتضى العلم الإجمالي بالتكليف المنجز المردد بين التمتع و غيره و هذا الاحتياط و ان كان موجبا للعلم بفراغ ذمته عنه الا انه على تقدير كون الواجب عليه في الواقع هو الحج الثاني يلزم تفويت فورية الواجب، و هذا بخلاف ما إذا لم يترك الفحص و (فيه): انه لا يلزم من ترك الفحص هذا المحذور، و ذلك لإمكان الاحتياط في نفس العام الأول بنحو لا يخل بفورية وجوب الحج و هو ان يحرم من الميقات و يدخل مكة، و يأتي بأعمال العمرة رجاء و يقصر و يجدد الإحرام احتياطا بعد التقصير، لاحتمال ان يكون تكليفه حج التمتع الذي يكون إحرامه في مكة، بخلاف القران و الافراد الذين إحرامهما من الميقات، و يأتي بالعمرة بعد الحج رجاء، فما أتى به من الحج يكون تمتعا على تقدير كون تكليفه التمتع، و إفرادا على تقدير كون تكليفه الافراد، و ما أتى به من اعمال العمرة قبل الحج يكون بناء على كون تكليفه الافراد فعلا لغوا غير مضر بالحج، و ما فعله من التقصير قبل الحج ليس بحرام على تقدير كون تكليفه التمتع «و حرام على تقدير كون تكليفه الافراد. و هو شاك في ان تكليفه التمتع أو غيره فهو

غير عالم بحرمة التقصير فلا بأس بإتيانه به (الثاني)- عدم كون الامتثال الإجمالي الاحتياطي مجزيا إلا بعد تعذر الامتثال التفصيلي، و في مفروض المقام مع تمكنه من الفحص لا يكون الامتثال التفصيلي متعذرا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 170

له فيتعين حينئذ عليه الفحص، و وجه تقديم الامتثال التفصيلي على الامتثال الإجمالي إما لاعتبار قصد الوجه أو التميز في العبادة، فإن احتمال اعتباره كاف في عدم التمكن من الاحتياط، أو لأن العقل لا يرى الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي امتثالا و اطاعة بل يكفى الشك في ذلك. و (فيه): ما حققناه في الأصول بما لا مزيد عليه من عدم اعتبار قصد الوجه أو التميز الذي لم يرد دليل تعبدي عليه مع انه محل ابتلاء عامة المكلفين في جميع الأزمان و العقل غير حاكم باعتباره كعدم حكم الشرع باعتباره و الا لوصل إلينا، كما ان عدم صدق الإطاعة على الامتثال الإجمالي أيضا ممنوع جدا، و انما يلزم ان تكون العبادة بقصد القربة و الداعي المولوي، و هذا حاصل للمحتاط، كما هو واضح و كاف في صدق الامتثال و الإطاعة كما ان ما يقال من ان التكرار لعب بأمر المولى ايضا ممنوع، و تفصيل ذلك كله موكول الى محله و الحاصل: ان الفحص فيما نحن فيه غير واجب فمع ترك الفحص يعمل بالاحتياط المتقدم كيفيته

[و إن كان لا يبعد القول بأنه يجري عليه التمتع]

قوله قده: (و إن كان لا يبعد القول بأنه يجرى عليه التمتع، لأن غيره معلق على عنوان الحاضر و هو مشكوك، فيكون كما لو شك في ان المسافة ثمانية فراسخ أو لا فإنه يصلى تماما، لان القصر معلق على السفر و هو مشكوك. إلخ)

لا يخفى ان ما افاده المصنف

(قده) من قياس المقام بمسألة الشك في المسافة في باب الصلاة قياس مع الفارق، و الفارق هو الدليل، لان الحكم بالتمام في المثال انما يكون لأجل الأصل- و هو استصحاب عدم كونه مسافرا- و هذا بخلافه في مفروض المقام. نعم، لو فرض في المقام انه كان في السابق ساكنا في خارج الحد ثم شك انه هل دخل بواسطة تغيير المكان في الحد، أو انه بعد داخل في عنوان من لم يكن حاضري المسجد الحرام، فلا إشكال حينئذ في انه يجرى الاستصحاب في حقه، و يكون حكمه التمتع، كما انه لو كان في السابق ساكنا في داخل الحد ثم شك في خروجه عن عنوان حاضري المسجد الحرام جرى الاستصحاب في حقه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 171

و ثبت ان حكمه الافراد. و أما إذا لم يكن له حالة سابقة معلومة فيتعين عليه الاحتياط، للعلم الإجمالي، و عدم دليل يدل على ان وظيفته التمتع سوى وجوه أربعة كلها مخدوشة (الأول)- دعوى صحة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فإذا شك في صدق عنوان حاضري المسجد الحرام يتمسك بعمومات التمتع. و (فيه): أولا: انه قد حققنا في محله عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقة و (ثانيا): انه ليس في مفروض المقام عموم فوق يدل على وجوب التمتع على كل أحد حتى نرجع إليه في صورة الشك (الثاني)- استصحاب العدم الأزلي، بتقريب: ان موضوع التمتع أمر عدمي- و هو عدم الحضور في المسجد الحرام- و الحضور موضوع لغيره، فباستصحاب عدم كونه حاضرا فيه من الأزل يحرز موضوع وجوب التمتع- و هو عدم الحضور و- (فيه):

أولا: منع حجيته على ما بيناه في الأصول و (ثانيا): عدم جريانه في المقام

على فرض صحته في نفسه، لمنع كون موضوع وجوب التمتع أمرا عدميا حتى يستصحب العدم، فإنه و ان كان ظاهر الآية الشريفة ذلك لكنها فسرت فيما مضى من صحيح زرارة بعنوان:

(من كان اهله وراء ذلك)- و هو أمر وجودي- كما ان موضوع وجوب الأفراد أيضا أمر وجودي، فظهر بما ذكر انه لا موضوع لجريانه في مفروض المقام أصلا (الثالث)- التمسك بالقاعدة المعروفة و هي: (ان كل حكم علق على أمر وجودي و كان المعلق عليه مشكوكا يحكم بضد ذلك الحكم الى ان يثبت ذلك الأمر الوجودي) و الوجه في صحتها هو فهم العرف ذلك من الأدلة الواردة في مقام بيان إنشاء الأحكام المعلقة على الأمور الوجودية، حيث انهم يرون الملازمة بين إنشاء الحكم المعلق على أمر وجودي بعنوانه الأولي الواقعي و بين إنشاء حكم ظاهري ضده مع الشك في وجود المعلق عليه، فعليه يكون في الواقع أنشأ آن لحكمين (أحدهما): الحكم الواقعي الذي دل الدليل عليه بالدلالة المطابقية و (ثانيهما): الحكم الظاهري الذي دل الدليل عليه بالدلالة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 172

الالتزامية العرفية» و في مفروض المقام حيث ان وجوب الافراد معلق على أمر وجودي- و هو الحضور- و هو مشكوك فيه فيحكم بضد ذلك الحكم- و هو وجوب حج التمتع- و لا يخفى ما فيه: أما (أولا): فلعدم دليل تعبدي على صحة هذه القاعدة لا من الكتاب و لا من السنة و لا الإجماع. و أما (دعوى): الملازمة العرفية فعهدتها على مدعيها، و نحن لا نرى الملازمة بحسب نظر العرف بين الحكم المعلق على الأمر الوجودي بعنوانه الأول الواقعي و بين ضده في صورة الشك في وجود المعلق عليه، و لا يفهم

العرف من ظاهر الدليل الا الحكم الواقعي- و هو وجوب حج الافراد إذا كان المعلق عليه و هو الحضور حاصلا- و أما (ثانيا): فلو سلمناها كبرويا فلا مورد لجريانها في مفروض المقام، لتوقف جريانها على ان لا يكون الحكم المضاد للحكم المعلق على أمر وجودي أيضا معلقا على أمر وجودي، و قد بينا انه كما يكون الحكم بوجوب حج الافراد معلقا على أمر وجودي- و هو كونه داخل الحد المذكور- كذلك الحكم المضاد له و هو وجوب حج التمتع ايضا معلق على أمر وجودي- و هو كونه في خارج الحد- فكلاهما معلقان على أمر وجودي و عليه فلا يبقى مجال للقول بجريانها في مفروض المقام أصلا.

(الرابع)- ان يتمسك بقاعدة المقتضى و المانع، بتقريب: ان شرائط الحج من الزاد و الراحلة و غيرهما مقتضية لوجوب الحج على المكلف على نحو التمتع و كونه داخل الحد مانع عن ذلك فإذا أحرز المقتضى و شك في وجوب المانع فلا بد من الأخذ بطبق المقتضى نظير ما افاده بعض المحققين (قدس سره) من ان الماء إذا شك في كريته يحكم بالنجاسة بصرف ملاقاته للنجاسة لكون الملاقاة مقتضية للنجاسة و هي على الفرض قطعية و الكرية المانعة من تأثيرها مشكوك فيها، فيحكم بطبق المقتضى لقوله بتمامية هذه القاعدة و فيه: (أولا): ما حققناه في الأصول من عدم تمامية هذه القاعدة كبرويا ما دام لم ينطبق عليها أصل أو حجة أخرى. و (ثانيا): انه على فرض تسليمها لا مورد لجريانها في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 173

مفروض المقام. لعدم دليل على كون شرائط وجوب الحج مقتضية لإتيانه على نحو التمتع و كونه داخل الحد مانعا عنه، كما لا يخفى فظهر

من جميع ما ذكرنا ان اجراء حكم التمتع على من شك في كون منزله داخل الحد أو خارجه مما لا وجه له، فيتعين في هذا الفرض الحكم بالاحتياط على النحو الذي ذكرنا ان لم يتمكن من الفحص أو تمكن و لم يتفحص بناء على ما بيناه من عدم وجوبه

[أما بالنسبة إلى الحج الندبي فيجوز لكل كل من الأقسام الثلاثة و الأفضل التمتع]

قوله قده: (ثم ما ذكر إنما هو بالنسبة إلى حجة الإسلام، حيث لا يجزء للبعيد الا التمتع و لا للحاضر إلا الافراد أو القران. و أما بالنسبة إلى الحج الندبي فيجوز لكل من البعيد و الحاضر كل من الأقسام الثلاثة بلا اشكال).

و في محكي المدارك: (و عن الشيخ في التهذيبين، و المحقق في المعتبر، و العلامة في جملة من كتبه، و الشهيد في الدروس، التصريح بذلك) لا ينبغي الكلام في ذلك بعد ثبوت الوفاق و الاتفاق عليه قديما و حديثا

قوله قده: (و ان كان الأفضل اختيار التمتع. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا. قال في الجواهر: (لا خلاف أيضا في أفضلية التمتع على قسيميه لمن كان الحج مندوبا بالنسبة إليه، لعدم استطاعته، أو لحصول حج الإسلام منه، و النصوص مستفيضة فيه أو متواترة و بل هو من قطعيات مذهب الشيعة). لا ينبغي الارتياب في ذلك بعد تطابق النصوص و الفتاوى عليه و لا بأس بذكر الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) الدالة على ذلك منها:

1- عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن احمد بن أبى نصر، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) في السنة التي حج فيها، و ذلك في سنة اثنتي عشرة و مائتين، فقلت: بأي شي ء دخلت مكة مفردا أو متمتعا؟

فقال: متمتعا، فقلت:

له أيما أفضل المتمتع بالعمرة إلى الحج أو من افراد و ساق الهدى؟ فقال: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: المتمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من المفرد السائق للهدي، و كان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 174

يقول: ليس يدخل الحاج بشي ء أفضل من المتعة «1» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله.

2- عن صفوان الجمال قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ان بعض الناس يقول: جرّد الحج و بعض النّاس يقول: اقرن وسق، و بعض الناس يقول: تمتّع بالعمرة إلى الحج؟ فقال: لو حججت الف عام لم اقرن بها الا متمتّعا «2» 3- مكاتبة على بن حديد، قال: كتبت اليه: على بن جعفر (عليه السلام) يسأله عن رجل اعتمر في شهر رمضان ثم حضر الموسم أ يحج مفردا للحج أو يتمتع أيهما أفضل؟

فكتب اليه: يتمتع أفضل «3» و رواه الصدوق بإسناده على على بن ميسر عن أبى جعفر الثاني (عليه السلام) مثله 4- صحيح عبد اللّه بن سنان «عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: قلت له: انى سقت الهدى و قرنت؟ قال: و لم فعلت ذلك التمتع أفضل «4» 5- صحيح حفص البختري، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: المتعة و اللّه أفضل و بها نزل القرآن و جرت السّنة «5» و رواه الصدوق بإسناده عن حفص بن البختري مثله الا انه قال: «و جرت السنّة إلى يوم القيامة» 6- صحيح عبد اللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: انى قرنت العام و سقت الهدى؟ فقال: و لم فعلت ذلك التمتّع و اللّه أفضل لا تعودن «6» 7- صحيح معاوية بن عمار، قال: قلت

لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: و نحن بالمدينة إني اعتمرت في رجب و انا أريد الحج، فأسوق الهدى، أو أفرد الحج، أو أتمتع، قال:

في كل فضل و كل حسن قلت: فأي ذلك أفضل؟ فقال: ان عليا «عليه السلام» كان يقول

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 4

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 17

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 175

«لكل شهر عمرة» تمتع فهو و اللّه أفضل. إلخ «1» 8- عن على بن جعفر، في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال:

سألته عن الحج مفردا هو أفضل أو الإقران؟ قال: إقران الحج أفضل من الافراد قال:

و سألته عن المتعة و الحج مفردا و عن الإقران آية أفضل؟ قال: المتمتع أفضل من المفرد و من القارن السائق. ثم قال: «ان المتعة هي التي في كتاب اللّه و التي أمر بها رسول اللّه» ثم قال: «ان المتعة دخلت الى يوم القيامة». إلخ «2» الى غير ذلك من النصوص الواردة عنهم «عليهم السلام»

[و كذا بالنسبة إلى الواجب غير حجة الإسلام كالحج النذري]

قوله قده: (و كذا بالنسبة إلى الواجب غير حجة الإسلام كالحج النذري و غيره)

ما افاده (قدس سره) انما يتم إذا كان النذر مطلقا، و أما إذا كان نذره مقيدا بنوع خاص من الأنواع الثلاثة- كما إذا تعلق نذره بحج المعنون بعنوان التمتع، أو بغيره من القران و الافراد- فلا

إشكال في عدم اجزاء غير المعين عن الواجب.

ثم ان الظاهر من قولهم: (التمتع فرض النائي) انه الفرض بالأصل لا بغيره- كالفرض بالنذر و نحوه- فتدبر.

[مسألة 1 من كان له وطنان]
[لزمه فرض أغلبهما]

قوله قده: (من كان له وطنان أحدهما: في الحد و الآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما. إلخ).

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا، قال في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه): [و لو كان له منزلان بمكة. إلخ]: (إنما لزمه فرض أغلبهما إقامة، لأن مع غلبة أحدهما يضعف جانب الآخر فيسقط اعتباره، كما في نظائره، و مع التساوي لا يكون حكم أحدهما أرجح من الآخر فيتحقق التخيير. إلخ): و قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده في ذلك) و الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لم يتعرض للخلاف فيه أحد، و يدل

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 18

(2) الوسائل ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 24

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 176

عليه صحيحة زرارة رواها الشيخ «ره» عن موسى بن القاسم، عن عبد الرحمن. عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: من اقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة و لا متعة له، فقلت لأبي جعفر «عليه السلام»: أ رأيت ان كان له أهل بالعراق و أهل بمكة؟ فقال (عليه السلام): فلينظر أيهما الغالب، فهو من اهله «1» و بإسناده عن زرارة مثله.

[فان تساويا]
[فان كان مستطيعا من كل منهما]
[تخير بين الوظيفتين]

قوله قده: (فان تساويا فان كان مستطيعا من كل منهما تخير بين الوظيفتين. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قال في الجواهر في شرح قول المحقق (طاب ثراه): [و ان تساويا كان الحج بأي الأنواع شاء]: (بلا خلاف أجده فيه ايضا سواء كان في أحدهما أو في غيرهما، لعدم المرجح حينئذ و لاندراجه

في إطلاق ما دل على وجوب الحج بعد خروجه عن المقيدين و لو لظهورهما في غير ذي المنزلين، بل لو سلم اندراجه فيهما كان المتجه التخيير ايضا بعد العلم بانتفاء وجوب الجمع عليه في سنتين، كالعلم بعدم سقوط الحج عنه). يمكن القول بذلك لان مقتضى إطلاق ما دل على وجوب الحج هو كون الواجب نفس الطبيعة الصادقة على كل واحد من أنواعها الثلاثة، فلا وجه لجعل الواجب خصوص نوع منها، كما ذهب إليه في الجواهر و الحاصل: انه بعد انطباق عنواني الداخل في الحد و الخارج عنه عليه لا وجه للرجوع الى خصوص دليل حكم الداخل في الحد أو دليل حكم الخارج عنه بل يرجع الى الإطلاق الفوق و قد ظهر مما ذكرنا ان التخيير بين الوظيفتين على القول به عقلي لا شرعي لكونه من التخيير بين افراد طبيعي الواجب و لكن يمكن المناقشة فيه: بأنه انما يتم إذا كان هناك إطلاق يدل على وجوب طبيعة الحج من دون تقييد و الظاهر عدمه لأن الأدلة لا تدل الّا على وجوب خصوص التمتع أو القران، أو الافراد و أما قوله تعالى:

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 177

[وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا] «1» فهو انما ورد في مقام أصل تشريع الوجوب من دون نظر له الى كيفيته هذا و يمكن ان يقال ان وظيفته الافراد لأنه الأصل الذي شرع قبل البعثة. و بعدها و أما وجوب التمتع على النائي فقد ثبت أخيرا و عليه فمع الشك في وجوب نوع خاص من الأنواع نتمسك في نفيه بذلك الأصل. و (فيه): انه بعد

انقلاب الحكم، و صيرورة التمتع وظيفة للنائي الخارج عن الحد و الأفراد للداخل في الحد لا يبقى مجال للنظر الى ما قبل الانقلاب من وجوب الأفراد مطلقا.

و يمكن ان يقال انه إذا كان فعلا في داره التي تكون في خارج الحد فأمره دائر بين التعيين و التخيير، لما في بعض الاخبار ان من يكون من أهل مكة إذا خرج الى بعض الأمصار ثم رجع فمرّ ببعض المواقيت كان له أن يتمتع، و على هذا فالتمتع بالنسبة إليه مجز قطعا، هذا بناء على شمول إطلاق تلك الأخبار لحجة الإسلام و عدم اختصاصها بالحج المندوب لكنه مشكل.

هذا و التحقيق: ان من يكون إقامته في الدارين على حد سواء يكون مخيرا بين الوظيفتين كما هو المشهور و لكن لا للتمسك بالإطلاق، لما عرفت من عدم ثبوته فيما نحن فيه، بل لان مقتضى الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» لما كان هو وجوب التمتع على من كان أهله في خارج الحد و وجوب قسيميه على من كان في داخل الحد، و أما فمن كان له أهل في داخله و أهل في خارجه يتخير بين التمتع و غيره، لانطباق العنوانين عليه فله اختيار التمتع، لأجل كونه معنونا بعنوان ان له أهلا في خارج الحد، و له اختيار القران و الافراد، لكونه معنونا بعنوان ان له أهلا في داخل الحد، فيكون التخيير شرعيا.

هذا و أما الفرق بين مفروض المقام و بين المسألة السابقة- و هو من شك في كون

______________________________

(1) سورة آل عمران: الآية 91.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 178

منزله داخل الحد أو خارجه حيث حكمنا هناك بالاحتياط و هنا بالتخيير، فهو ان العنوان هناك كان مجهولا مرددا بين العنوانين، لعدم

علمه بكونه في داخل الحد أو خارجه، فوجب الاحتياط للعلم الإجمالي بكونه مكلفا بإحدى الوظيفتين، و هذا بخلافه هنا، لصدق كلا العنوانين عليه الموجب لشمول أدلتهما له، و حيث نعلم بعدم وجوب حجين عليه كان مخيرا بينهما، فلا احتياط هنا، لعدم موضوعه.

هذا كله إذا كان له وطنان أحدهما في خارج الحد و الآخر في داخل الحد و أما من كان له منزل واحد و كان نصفه في داخل الحد و نصفه الآخر في خارجه، ففيه ايضا يحكم بالتخيير كالمسألة السابقة، لصدق العنوانين عليه، فيشمله أدلة الطرفين. نعم، يفرق بينهما من جهة أخرى: و هي ان في المسألة السابقة بمقتضى الاخبار قد بينا ان غالب إقامته إذا كان في أحدهما فالعبرة به، و لكن لا يجرى ذلك في مفروض المقام، لاختصاص النص بمن كان له وطنان «و لا يمكن التعدي عن المورد الى غيره» الا إذا قام دليل تعبدي على جواز التسرية «و هو لم يثبت، فلا بد من الاقتصار على المورد، و أما القول بإمكان التعدي بتنقيح المناط القطعي فلا مجال له، إذ لا سبيل الى العلم بالمناط، فلا يخرج هذا عن كونه قياسا، لاحتمال خصوصية في من كان له وطنان دون من كان له منزل نصفه داخل الحد و نصفه الآخر في خارجه. نعم، إذا حصل لنا القطع بملاك الحكم و عدم مانع عن الجعل فلا محيص حينئذ عن التعدي من مورد الاخبار الى مفروض المقام «و لكنه مجرد فرض لعدم احاطتنا بالملاكات، كما هو واضح فالتعدي قياس محض و هو باطل عند مذهب أهل الحق. ففي مفروض المقام لا بد من الحكم بالتخيير مطلقا سواء كان غالب إقامته في أحد النصفين أم لا

[و الأفضل التمتع]

قوله قده: (و إن كان الأفضل اختيار التمتع. إلخ)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لما تقدم من الاخبار المتضمنة لذلك، فراجعها

[و إن كان مستطيعا من أحدهما دون الآخر]

قوله قده: (و إن كان مستطيعا من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 179

الاستطاعة)

قال في الجواهر: (أما لو استطاع في أحدهما لزمه فرضه كما في كشف اللثام لعموم الآية و الاخبار).

لكن التحقيق: انه لا وجه لهذا التفصيل، لعدم الدليل عليه، فإنه لا عبرة بحصول الاستطاعة من خارج الحد أو داخله، فان المكي عليه غير التمتع و ان حصلت الاستطاعة له من خارج الحد، و الآفاقي عليه التمتع و ان استطاع من داخل الحد، فان كان له وطنان أحدهما في خارج الحد، و الأخر داخله، كما هو مفروض المقام، فيتعين عليه ملاحظة الغالب ان كان، و الا فالتخيير، بلا فرق في ذلك بين حصول الاستطاعة له من هذا البلد و بين حصولها من ذلك البلد، فتحصل ان تفصيل المصنف (قدس سره) بين ما إذا حصلت له الاستطاعة من كليهما فهو مخير، و بين ما إذا حصلت له من واحد عنهما فعليه فرضه في غير محله، سواء كان مراده من الاستطاعة من أحدهما: كونها ناشئة من أحدهما، أم كان المراد تمكنه من الرواح الى الحج من أحد الوطنين دون الآخر، أم كان المراد كونه حين حصول الاستطاعة في أحدهما، مع انه على الاحتمال الثالث لا يتصور الاستطاعة من كليهما، فإنه حين حصول الاستطاعة لا يعقل كونه في كليهما، الا ان يكون مراده منه حصول الاستطاعة له و هو في بلد ثالث.

[مسألة 2 من كان من أهل مكة و خرج إلى بعض الأمصار]

قوله قده: (من كان من أهل مكة و خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع إليها، فالمشهور: جواز حج التمتع له و كونه مخيرا بين الوظيفتين. الى ان قال: و عن ابن أبي عقيل عدم جواز ذلك، و انه يتعين عليه فرض

المكي إذا كان الحج واجبا عليه، و تبعه جماعة، لما دل من الاخبار على انه لا متعة لأهل مكة و حملوا الخبرين على الحج الندبي بقرينة ذيل الخبر الثاني. و لا يبعد قوة هذا القول، مع انه أحوط، لأن الأمر دائر بين التخيير و التعيين و مقتضى الاشتغال: هو الثاني. إلخ)

و الدليل على الحكم بالتخيير في مفروض المقام و جواز التمتع له صحيحتان: (الأولى): صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 180

عبد اللّه «عليه السلام» في حديث قال: سألته عن رجل من أهل مكة يخرج الى بعض الأمصار، ثم يرجع الى مكة فيمر ببعض المواقيت إله أن يتمتع، قال «عليه السلام»:

ما أزعم ان ذلك ليس له لو فعل و كان الإهلال أحب إلي «1» (الثانية): صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج و عبد الرحمن بن الأعين، قالا: سألنا أبا الحسن «عليه السلام» عن رجل من أهل مكة خرج الى بعض الأمصار ثم رجع فمر ببعض المواقيت التي وقت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) له ان يتمتع؟ فقال: ما أزعم ان ذلك ليس له و الإهلال بالحج أحب الى و رأيت من سأل أبا جعفر «عليه السلام» و ذلك أول ليلة من شهر رمضان فقال له: جعلت فداك اني قد نويت ان أصوم بالمدينة؟ قال: تصوم (ان شاء اللّه تعالى) قال له: و أرجو ان يكون خروجي في عشر من شوال؟ فقال: تخرج (ان شاء اللّه تعالى) فقال: قد نويت ان أحج عنك أو عن أبيك فكيف اصنع؟ فقال له: تمتع فقال له: ان اللّه ربما من على بزيارة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و زيارتك و

السلام عليك و ربما حججت عنك، و ربما حججت عن أبيك، و ربما حججت عن بعض إخواني، أو عن نفسي فكيف اصنع؟ فقال له: تمتع فرد عليه القول ثلاث مرات يقول: انى مقيم بمكة و أهلي بها فيقول: تمتع، فسأله بعد ذلك رجل من أصحابنا فقال: انى أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر يعنى شوال؟ فقال: له أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: ان أهلي و منزلي بالمدينة و لي بمكة أهل و منزل و بينهما أهل و منازل؟ فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: فإن لي ضياء حول مكة و أريد أن اخرج حلالا فإذا كان أبان الحج حججت «2» هذا و وجه الاستدلال بهذين الحديثين منحصر في دعوى شمولهما بالإطلاق لحجة الإسلام و يقدمان على الأخبار الدالة على انه لا متعة لمن كان حاضر المسجد الحرام، لإطلاقها و اختصاصهما بمن خرج الى بعض الأمصار، فيقيد إطلاقها بهما

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 181

هذا و لكن في ثبوت الإطلاق لقوله «عليه السلام»: «ما أزعم ان ذلك ليس له» تأمل فإنه انما يكون في مقام بيان صحة التمتع لمثل هذا الشخص كما يصح منه الافراد، أما فرضه ما ذا فليس في مقام بيانه. هذا مضافا الى ان ذيل الحديث الثاني لعله قرينة على اختصاصه بالحج الندبي، و هو استشهاد ابى الحسن «عليه السلام» لجواز حج التمتع له بقوله:

«و رأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام. إلخ» فإن المفروض في هذا الكلام هو الحج الندبي قطعا بل عن المحقق الشيخ حسن

في المنتقى الجزم بصراحته في ذلك على ما نقل صاحب الجواهر (قدس سره)، فعليه قد يقوى في النظر ما حكى عن ابن عقيل (رحمه اللّه تعالى) و مال اليه المصنف (قده) من انه يتعين عليه فرض المكي، و لكنه بعد لا يخلو من تأمل

[مسألة 3 الآفاقي إذا صار مقيما في مكة]
[فإن كان ذلك بعد استطاعته]

قوله قده: (الآفاقي إذا صار مقيما في مكة، فإن كان ذلك بعد استطاعته و وجوب التمتع عليه فلا إشكال في بقاء حكمه سواء كانت إقامته بقصد التوطن أو المجاورة و لو بأزيد من السنتين)

قال المحقق طاب ثراه في الشرائع: (لو اقام من فرضه التمتع بمكة سنة أو سنتين لم ينتقل فرضه و كان عليه الخروج الى الميقات إذا أراد حجة الإسلام. إلخ) قال في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه): (لا ريب ان من فرضه التمتع إذا أقام بمكة أو في حكمها اقامة لا يقتضي انتقال فرضه الى الأفراد أو القران يجب عليه التمتع، و قد قطع الأصحاب بأن من هذا شأنه إذا أراد حج الإسلام يخرج الى الميقات، فاستدل عليه: ان فرضه لم ينتقل عن فرض إقليمه، فلزمه الإحرام من ميقاتهم. إلخ) قال في الجواهر:

(بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى «بل لعله إجماعي، بل قيل: انه كذلك، للأصل و غيره). ما افاده المصنف (قدس سره) تبعا لهم هو الصواب، اللهم الا ان يقال بشمول الإطلاقات الآتية لهذا الفرض، فتدبر

[و أما إذا لم يكن مستطيعا ثم استطاع بعد إقامته في مكة]

قوله قده: (و أما إذا لم يكن مستطيعا ثم استطاع بعد إقامته في مكة، فلا إشكال في انقلاب فرضه الى فرض المكي في الجملة «كما لا إشكال في عدم الانقلاب بمجرد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 182

الإقامة، و انما الكلام في الحد الذي به يتحقق الانقلاب «فالأقوى ما هو المشهور من انه بعد الدخول في السنة الثالثة. إلخ)

اختلفت كلمات الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في هذه المسألة- أي انقلاب فرض التمتع الى الافراد للآفاتى الذي صار مقيما في مكة- على أقوال: (الأول): انه هو الدخول في السنة الثالثة، اختاره المحقق «طاب ثراه»

في الشرائع حيث قال: (و لو اقام فرضه التمتع بمكة سنة أو سنتين لم ينتقل فرضه و كان عليه الخروج الى الميقات إذا أراد حجة الإسلام و لو لم يتمكن من ذلك خرج الى خارج الحرم فان تعذر أحرم من موضعه فان دخل في الثالثة مقيما ثم حج انتقل فرضه الى القران و الافراد قال في الجواهر في شرح قول المحقق: (كما صرح به جماعة، بل نسبه غير واحد الى المشهور (بل ربما عزى إلى علمائنا عدا الشيخ) و وافقهم المصنف قده.

(الثاني): انه هو الدخول في السنة الثانية حكى هذا القول عن ظاهر الدروس، حيث قال على ما نقل في الجواهر: (و لو أقام النائي بمكة سنتين انتقل فرضه إليها في الثالثة، كما في المبسوط و النهاية، و يظهر من أكثر الروايات انه في الثانية)، و صاحب كشف اللثام بعد ان حكى هذا القول عن الشهيد قال: (و الأمر كذلك، فقد سمعت خبري الحلبي و حماد عن الصادق (عليه السلام) و قال (عليه السلام). في خبر عبد اللّه بن سنان: المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة. قال الراوي: (يعني يفرد الحج مع أهل مكة، و ما كان دون السنة له ان يتمتع «1» و قال الباقر «عليه السلام» في مرسل حريز قال: من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي. إلخ «2» و قد افتى بهذا الخبر الصدوق «قدس سره» في المقنع و لا يعارضها غيرها، لاحتمال صحيحي زرارة و عمر بن يزيد الدخول في الثانية و سنتي الحج بمعنى زمان يسع حجتين، و هو سنة، كما ان شهر الحيض ثلاثة عشر يوما. إلخ) و أشار (قدس سره) بخبري الحلبي و

حماد الى صحيح الحلبي، قال: سألت أبا

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 8

(2) الوسائل ج 2- الباب- 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 183

عبد اللّه «عليه السلام»، لأهل مكة ان يتمتعوا؟ قال: لا قال: قلت: فالقاطنين فيها؟ قال:

إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة، فإذا أقاموا شهرا فان لهم أن يتمتعوا قلت: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم قلت: من اين يهلون بالحج؟ فقال من مكة نحوا مما يقوله الناس «1» و الى خبر حماد، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن أهل مكة أ يتمتعون: قال «عليه السلام»: ليس لهم متعة، قلت: فالقاطن بها؟ قال: إذا أقام سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكة، قلت: فان مكث الشهر؟ قال «عليه السلام»: يتمتع قلت: من أين يحرم؟ قال: يخرج من الحرم قلت: من أين يهل بالحج؟ قال: من مكة نحوا مما يقوله الناس «2» و أشار (قدس سره، بصحيحي زرارة و عمر بن يزيد الى ما في صحيح زرارة عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: من اقام بمكة سنتين، فهو من أهل مكة و لا متعة له. إلخ «3» و الى ما في صحيح عمر بن يزيد قال: قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج الى سنتين «فإذا جاور سنتين كان قاطا، و ليس له ان يتمتع «4» (الثالث): انه هو الدخول في السنة الرابعة، قد نسب هذا القول الى الشيخ في المبسوط و النهاية، حيث قال في عبارته المحكية في الأول: (و المكي إذا انتقل الى غيرها من البلدان ثم جاه متمتعا لم

يسقط عنه الدم و ان كان من غيرها و انتقل إلى مكة فإن أقام بها ثلاث سنين فصاعدا كان من الحاضرين، و ان كان أقل من ذلك كان حكمه حكم أهل بلده).

و عبارته المحكية عن الثاني: (من جاور بمكة سنة أو سنتين جاز له أن يتمتع فيخرج الى الميقات و يحرم بالحج متمتعا، فان جاور بها ثلاث سنين لم يجز له التمتع و كان حكمه حكم أهل مكة). و في كشف اللثام حكى هذا القول عن السرائر أيضا (الرابع)- انه بعد ستة أشهر أو خمسة، و لم يذكر لذلك قائل، نعم، في المدارك ذكر إمكان الجمع بين الاخبار الدالة

______________________________

(1) و الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

(2) و الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

(3) و الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(4) و الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 184

على ذلك و بين غيرها بالتخيير بعد السنة و الستة أشهر.

و كيف كان و منشأ الاختلاف في ذلك هو اختلاف الروايات الواردة في المقام و الاخبار الواردة فيما نحن فيه عنهم (عليه السلام) على طوائف: (طائفة منها) تدل على كون العبرة في انقلاب فرض التمتع الى الافراد بسنتين: منها صحيحة زرارة المتقدمة، و منها صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة أيضا و دلالتهما على ما ذكر واضحة. و (طائفة منها) تدل على كون العبرة في ذلك هو سنة و منها ما عن عبد اللّه بن سنان، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» و قد تقدم ذكره ايضا عند نقل كلام كاشف اللثام «قدس

سره» و منها ما عن حريز و هو ايضا تقدم ذكره ايضا عند نقل كلامه «قدس سره» و (طائفة منها): تدل على أنه بعد سنة أشهر أو بعد خمسة أشهر، كصحيح حفص البختري عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في المجاور بمكة يخرج إلى أهله ثم يرجع الى مكة بأيّ شي ء يدخل؟ قال: ان كان بمكة أكثر من ستة أشهر، فلا يتمتع «و ان كان أقل من ستة أشهر فله ان يتمتع، «1» و ظاهره التخيير و (طائفة منها): تدل على أنه بعد خمسة أشهر، كخبر الحسين بن عثمان. قال: من اقام بمكة خمسة أشهر فليس له ان يتمتع «2» و (طائفة منها): تدل على بيان حكم من اقام بمكة سنة أو أكثر من دون ان يكون ذلك حدا للانقلاب، كما عن حماد قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن أهل مكة أ يتمتّعون؟ قال: ليس لهم متعة، قلت: فالقاطن بها؟

قال: إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكة. إلخ «3» و أنت ترى ورودها لبيان حكم من اقام بمكة سنة أو سنتين من دون ان يكون حدا للانقلاب، لعدم إمكان التحديد بين الناقص و الزائد و كيف كان فالأخبار الواردة في المقام تكون مختلفة «فلا بد من الجمع بينها صرف

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب أقسام الحج حديث: 5

(3) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 185

النظر عن أعراض المشهور، فنقول: ان يمكن الجمع بينها بان يقال: ان ما هو الحد لانقلاب الفرض الى الافراد تعيينا هو تمام

السنتين، و اما الحدود المذكورة قبل ذلك فهي حد لحصول التخيير، و اختلاف الحدود محمول على اختلاف مراتب الفضل. هذا و لكن لا يخفى ان هذا الجمع بالنظر الى مجموع الاخبار غير ممكن، و الذي يسهل الخطب هو إعراض المشهور عن جميع الطوائف المتقدمة إلا الطائفة الأولى منها، فالعمل بها متعين و أما ما تقدم من صاحب كشف اللثام في الجمع بين الاخبار عند نقل كلامه- من احتمال كون المراد من صحيحتي زرارة، و عمر بن يزيد الدالتين على اعتبار الدخول في السنة الثالثة هو الدخول في الثانية و يراد من سنتي الحج الزمان الذي يمكن فيه وقوع حجين كما يراد ذلك في شهر الحيض- ففيه: ما لا يخفى من البعد. و كذا ما ذكره صاحب الجواهر من الجمع بين الاخبار بأن يراد من الإقامة و المجاورة سنتين: الدخول في الثانية حيث قال بعد ذكر نقل الأقوال: (كما انه يتجه الاستدلال للقول المقابل له- و هو الانتقال بالدخول في الثانية الذي يظهر من الشهيد و الفاضل الأصبهاني الميل إليه. الى ان قال:

و بخبري الحلبي و حماد السابقين المشتملين على مجاورة السنة أو السنتين بناء على انه لا معنى لذلك الا على ارادة الدخول في الثانية. و من هنا بان لك: صحة استظهار الشهيد له من أكثر الروايات بل يمكن تنزيل الصحيحين المزبورين عليه (صحيح زرارة و صحيح عمر بن يزيد) و لو بقرينة هذه النصوص التي تصلح مرجحة لإحدى النسختين في إحديهما على الأخرى أيضا التي قيل: انها لا تقبل التنزيل المزبور. الى ان قال: و على كل حال فتجمع نصوص السنة و السنتين و السنة أو السنين حينئذ على معنى واحد. نعم، تبقى نصوص

الستة أشهر أو أكثر.

ثم انه (قدس سره) بعد ان ذكر الأخبار الدالة على ما ذكر قال: (و يمكن حملها على التقية بناء على اكتفاء العامة في صيرورته من حاضري المسجد الحرام بالاستيطان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 186

ستة أشهر أو الدخول في شهر السادس، أو على اعتبار مضى ذلك في إجراء حكم الوطن لمن قصد التوطن، و في كشف اللثام: «أو على ارادة بيان حكم ذي الوطنين بالنسبة إلى قيام الستة أشهر، أو أقل أو أكثر أو غير ذلك، و بذلك بان لك قوة هذا القول المزبور و ان قل القائل به صريحا بل لم نعثر عليه).

قوله قده: (و الظاهر من الصحيحين اختصاص الحكم بما إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة فلو كانت بقصد التوطن فينقلب بعد قصده من الأول، فما يظهر من بعضهم من كونها أعم لا وجه له

(قال في المدارك في ذيل المبحث: (إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بين كونها بنية الدوام أو المفارقة و ربما قيل: ان الحكم مخصوص بالمجاور بغير نية الإقامة اما لو كان بنيتها انتقل فرضه من أول سنة و إطلاق النص يدفعه) قال في الجواهر: (لا اشكال و لا خلاف في صيرورة المجاور بعد المدة المزبورة و ان لم يكن بقصد التوطن، كالمكي في نوع الحج.

نعم، بعض الحواشي تقييد ذلك بما أراد المقام بها ابدا. لكن عن المسالك:

انه مخالف للنص و الإجماع) ثم انه (قدس سره) بعد ان نقل عن بعضهم انه لا يشترط في وجوب الحج عليه الاستطاعة المشروطة له و لو الى الرجوع الى بلده بل يكفى فيه استطاعة أهل مكة لإطلاق و الآية كثير من الاخبار. الى

آخر ما نقله قال: (الا ان الجميع كما ترى مع عدم قصد التوطن ضرورة: انسباق ارادة نوع الحج خاصة من الجميع فيبقى عموم أدلة الاستطاعة النائي بحاله و كذا استصحابها بل و أصل البراءة و (دعوى): ان تلك الاستطاعة شرط للتمتع و لا تمتع هنا يدفعها انه شرط وجوب الحج على النائي مطلقا و تعين المتعة أمر آخر مع انه قد يجب عليه الافراد أو القران. نعم، الظاهر: انه كذلك مع قصد التوطن، لصدق كونه حينئذ من أهلها و ان وجب عليه التمتع قبل السنة أو السنتين، للأدلة الشرعية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 187

و من ذلك يظهر ضعف القول بتقييد إطلاق الحكم المزبور في النص و الفتوى بما إذا أراد المفارقة. أما مع ارادة المقام ابدا فينتقل فرضه بأول سنة، لصدق كونه حينئذ من أهلها.

لكن في الرياض: [ان كلا من القولين ضعيف، لان بين اطلاقيهما عموما و خصوصا من وجه، لتواردهما في المجاور سنتين مثلا بنية الدوام و افتراق الأول عن الثاني في المجاور سنتين بغير النية و العكس في المجاور دون السنتين مع النية المزبورة، فترجيح أحدهما على الآخر و جعله المقيد له غير ظاهر الوجه، و لكن مقتضى الأصل- و هو استصحاب عدم انتقال الفرض- يرجح الأول] قلت: مضافا الى تصريح البعض به، و بأنه المراد من إطلاق الفتوى بل قد يقال: بظهوره من صحيح زرارة و لو بقرينة سؤاله بعد ذلك عن ذي المنزلين بل و من غيره، فتكون مقيدة لتلك النصوص التي قد يدعى ظهورها في غير متجددي الاستيطان انتهى كلامه زيد في علو مقامه) يمكن ان يقال بما افاده المصنف (قده) من اختصاص الحكم بالمجاور دون ما إذا

قصد التوطن، و ذلك لما في صحيحتي زرارة و عمر بن يزيد لفظ: [جاور، و أقام] لأن المراد من المقيم هو من لم يقصد التوطن و أما جاور فيمكن ادعاه ظهوره في من لم يقصد التوطن فتأمل

قوله قده: (و من الغريب ما عن آخر من الاختصاص بما إذا كانت بقصد التوطن)

قد تقدم نقل هذا: عن بعض الحواشي في كلام صاحب الجواهر (قدس سره) و ناقشه في المسالك: (انه باطل مخالف للنص و الإجماع) و هو ايضا تقدم في كلام صاحب الجواهر آنفا

قوله قده: (ثم الظاهر ان في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكي بالنسبة إلى الاستطاعة لها أيضا فيكفي في وجوب الحج الاستطاعة من مكة و لا يشترط فيه حصول الاستطاعة من بلده، فلا وجه لما يظهر من صاحب الجواهر من اعتبار استطاعة النائي في وجوبه، لعموم أدلتها، و ان الانقلاب انما أوجب تغيير نوع الحج، و اما الشرط فعلى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 188

ما عليه فيعتبر بالنسبة إلى التمتع هذا. إلخ)

قد تقدم كلام صاحب الجواهر آنفا و انه (قدس سره) بعد ان حكى عن بعضهم انه لا يشترط في وجوب الحج عليه الاستطاعة المشروط له و لو الى الرجوع الى بلده بل يكفى فيه استطاعة أهل مكة، لإطلاق الآية و كثير من الاخبار. إلخ قال: (ان الجميع كما ترى مع عدم قصد التوطن ضرورة:

انسباق ارادة نوع الحج خاصة من الجميع، فيبقى عموم أدلة استطاعة النائي بحاله و كذا استصحابها بل و أصل البراءة. إلخ) يمكن ان يقال: انه لا ثمرة بين كلام المصنف و بين كلام صاحب الجواهر (قدس سرهما) في مفروض المسألة، لعدم الفرق بين حصول الاستطاعة من الميقات أو من

البلد أو من غيرهما أما من حيث أصل وجوب الحج فلما ذكرنا في المباحث السابقة انه إذا حصلت الاستطاعة للآفاقى المسافر حين وصوله الى الميقات جامعا للشرائط فلا إشكال في وجوب الحج عليه و لو لم يكن مستطيعا من البلد، أما لعدم المال له، و أما لعذر آخر و أما بعد تمامية الأعمال فقد تقدم أيضا في المباحث السابقة انه إذا عزم على البقاء إلى مكة و لم يرد الرجوع الى بلده لا إشكال في عدم اعتبار الاستطاعة إليه في وجوب الحج عليه بل يكفيه الاستطاعة إلى المحل الذي قصد ان يقيم فيه، فما يعتبر في وجوب الحج هو حصول الاستطاعة بمقدار ما يمكنه الرواح الى الحج و ما يتعلق به، و هو على الفرض في مفروض المقام حاصل له و على فرض تسليم ترتب الثمرة نقول: أنه لا مجال لما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) لان الظاهر من قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: [من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة فلا متعة] و كذا قوله «عليه السلام» في صحيحة عمر بن يزيد: [من جاور بمكة سنتين فهو يكون قاطنا] هو صيرورة الآفاقي بإقامته بهذا المقدار في مكة ملحقا بالمكي فعليه لا تشمله أدلة النائي و اما عدم جريان الاستصحاب و أصل البراءة في حقه فواضح

[و لو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكة لكن قبل مضى السنتين]

قوله قده: (و لو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكة لكن قبل مضى السنتين فالظاهر انه كما لو حصلت في بلده، فيجب عليه التمتع و لو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 189

فالمدار على حصولها بعد الانقلاب. إلخ)

و الظاهر انه مما لا خلاف فيه بين الأصحاب

[و أما المكي إذا خرج إلى سائر الأمصار فلا يلحقه حكمها إلا إذا كانت الإقامة بقصد التوطن]

قوله قده: (و أما المكي إذا خرج الى سائر الأمصار مقيما بها، فلا يلحقه حكمها في تعين التمتع عليه لعدم الدليل)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا، و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل أحد منهم للخلاف فيه. قال في المدارك: (و لو انعكس الفرض- بأن أقام المكي في الآفاق- لم ينتقل فرضه بذلك، الا مع نية الدوام و صدق خروجه عن حاضري مكة عرفا. و احتمل بعض الأصحاب:

الحاقه بالمقيم في مكة في انتقال الفرض بإقامة السنتين، و هو ضعيف. و هكذا نص على عدم انتقال فرض المكي إلى فرض النائي إذا صار مقيما في الآفاق، حيث قال: [و لو انعكس الفرض- بأن أقام المكي في غيرها- لم ينتقل فرضه و لو سنين، للأصل و غيره بعد حرمة القياس الا ان يكون بنية الاستيطان، فينتقل من أول سنة لصدق النائي عليه حينئذ كما هو واضح]. ما افاده المصنف (قدس سره) تبعا لهم هو الصواب، لعدم الدليل عليه.

ان قلت: انه يمكن التعدي من مورد الأخبار المتقدمة الواردة في حق الآفاقي المقيم في مكة إلى حاضري المسجد الحرام الذي صار مقيما في الآفاق بتنقيح المناط. قلت:

(أولا): انه لا مجال له أصلا. و (ثانيا): انه قد تكرر منا مرارا ان تنقيح المناط المعتبر هو القطعي منه دون غيره، و

هو غير ممكن في الشرعيات و غاية ما يحصل منه في مفروض المقام هو الظن الذي لا دليل على اعتباره. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل ايضا فلا محيص حينئذ عن التعدي، و لكن لا سبيل الى ذلك، كما لا يخفى، فتسرية الحكم من هناك الى المقام قياس، و هو باطل عند مذهب أهل الحق، فلا بد من الاقتصار على موردها. و هو الآفاقي المقيم بمكة سنتين-

قوله قده: (إلا إذا كانت الإقامة فيها بقصد التوطن و حصلت الاستطاعة بعده، فإنه يتعين عليه التمتع بمقتضى القاعدة و لو في السنة الاولى، و اما إذا كانت بقصد المجاورة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 190

أو كانت الاستطاعة حاصلة في مكة فلا. نعم، الظّاهر دخوله حينئذ في المسألة السابقة، فعلي القول بالتخيير فيها كما هو المشهور يتخير و على قول ابن أبى عقيل يتعين عليه وظيفة المكي)

ما افاده قده (أولا): من تعيين التمتع عليه إذا أقام في الآفاق بقصد التوطن و حصلت الاستطاعة له بعد الإقامة فلا ينبغي الإشكال فيه، لصدق النائي عليه حينئذ، فتشمله الأدلة و أما ما افاده (ثانيا): من عدم ثبوت التمتع عليه إذا كانت بقصد المجاورة أو حصلت الاستطاعة في مكة فأيضا مما لا اشكال فيه اما (الفرض الأول): فلصدق كونه من حاضري المسجد الحرام. و أما (الفرض الثاني): فلان العبرة انما تكون بحال الاستطاعة كما لا يخفى و أما ما أفاده: [من ان الظاهر دخوله في المسألة السابقة. إلخ] فهذا انما يتم في الفرض الأول- و هو ما إذا كانت بقصد المجاورة- و أما الفرض الثاني فدخوله فيها محل اشكال، لاختصاصها بحاضري المسجد الحرام، فلا يمكن التعدي عن موردها

[مسألة 4 المقيم في مكة إذا وجب عليه التمتع]

قوله قده: (المقيم في مكة إذا وجب عليه التمتع- كما إذا كانت استطاعته في بلده، و استطاع في مكة قبل انقلاب فرضه- فالواجب عليه الخروج الى الميقات لإحرام عمرة التمتع، و اختلفوا في تعيين ميقاته على أقوال: (أحدهما): انه مهل أرضه.

(ثانيها): انه أحد المواقيت المخصوصة مخيرا بينها (ثالثها): انه أدنى الحل. الى ان قال: و الأحوط الأول و ان كان الأقوى الثاني، لعدم فهم الخصوصية من خبر سماعة)

اختلفت كلمات الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في هذه المسألة على أقوال: (الأول):

انه مهل أرضه، و اختاره الشيخ، و أبى الصلاح و يحيى بن سعيد، و المحقق في النافع، و الفاضل في جملة من كتبه على ما حكاه صاحب الجواهر «قدس سره» (الثاني): انه أحد المواقيت مخيرا و هو ظاهر إطلاق كلام المحقق في الشرائع، و ظاهر إطلاق غيره ايضا كذلك كالنهاية و المقنع و المبسوط و القواعد اختاره صريحا الشهيد الأول في الدروس، و الشهيد الثاني في المسالك، و صاحب الروضة «قدس اللّه تعالى أسرارهم» على ما نقل في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 191

(الثالث): انه أدنى الحل، و هو خيرة الحلبي، و احتمله في المدارك. بل عن شيخه انه استظهره على ما هو المحكي عنهم.

يمكن ان يقال بالأول- و هو مهل أرضه- و يشهد لذلك خبر سماعة عن أبى الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن المجاور إله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: نعم، يخرج الى مهل أرضه، فليلب ان شاء «1» و رواه الشيخ (قدس سره)، بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله.

هذا مضافا الى الاخبار الواردة في الجاهل و الناسي للإحرام إذا دخل في مكة بدونه، في صحيح الحلبي قال: سألت أبا

عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم؟ قال قال: أبى: يخرج الى ميقات أهل أرضه، فإن خشي إن يفوته الحج أحرم من مكانه. إلخ «2» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله، و في صحيح ابن أبى عمير، عن حماد عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم؟ فقال: يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه. إلخ «3». و في رواية على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال: سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى الى الحرم كيف يصنع؟ قال: يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون به فيحرم «4». و في رواية عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة، فخاف ان رجع الى الوقت ان يفوته الحج؟ فقال: يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك «5» الى غير ذلك من الأخبار الواردة

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 19- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 1

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 7

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 9

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 192

عنهم «عليهم السلام» و مضافا الى الروايات الدالة على ان لكل قطر ميقات خاص.

و لكن جميعها قابل للمناقشة و الاشكال:

أما الاستدلال بخبر سماعة على وجوب

الرجوع الى ميقات مهل أرضه ففيه: (أولا):

بضعف سنده. و (أما القول): بانجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» (فمدفوع): فإنه ان ثبت كون هذا القول مشهورا بينهم نقول: أن انجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» غير معلوم، لعدم العلم باستنادهم في حكمهم بوجوب الخروج الى مهل أرضه الى ذلك، لاحتمال كون استنادهم فيه الى الأصل الجاري عند الترديد فيما إذا دار الأمر بين التعيين و التخيير و هو التعيينية- بأن يقال: انه اما عليه الخروج الى مهل أرضه تعيينا، و أما تخييرا، فيختار مهل أرضه، لحصول القطع بالامتثال به. نعم، إذا حصل العلم باستنادهم في هذا الحكم الى خبر سماعة انجبر ضعفه. و (ثانيا) بضعف دلالته، و ذلك لان كلمة: «ان شاء» الواقعة في منطوقها فيها احتمالات كثيرة: لأنه (تارة):

يكون قيدا للتلبية. و (اخرى): قيدا للخروج الى مهل أرضه. و (ثالثة): قيدا للتمتع و لكن الاحتمال الأول فاسد، لكون التلبية واجبة سواء شاء أولا، فيدور الأمر بين الاحتمال الثاني و الثالث، فبناء على احتمال الثاني- و هو كونه قيدا للخروج الى مهل أرضه- انما يدل على جواز الإحرام من مهل أرضه لا تعينه، لصيرورة معناه حينئذ: انه ان شاء الخروج الى مهل أرضه فهو ميقاته. و اما بناء على الاحتمال الثالث- و هو كونه قيدا للتمتع- فيتم الاستدلال به على المدعى، لصيرورة المعنى حينئذ انه أن شاء أن يأتي بالتمتع فعليه الخروج الى مهل أرضه، فمدلوله تعيين ذلك الميقات للإحرام لأن الإطلاق يقتضي التعيينية. هذا و الإنصاف: أن الاحتمال الثالث: هو الظاهر من الحديث، فالمناقشة في دلالة الحديث من هذه الجهة في غير محلها.

نعم، هنا كلام آخر: و هو انه انما يتعدى عن مورد

الحديث- و هو الحج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 193

المستحب- الى الحج الواجب بناء على استفادة كونه شرطا للواجب أيضا بالأولوية القطعية- كما افاده صاحب الجواهر (قدس سره)- و الا فلا يمكن التعدي عن المورد بالأولوية الظنية، لأنه لا يغني من الحق شيئا، و لكن قد ذكرنا مرارا و كرارا ان تنقيح المناط القطعي غير ممكن في الشرعيات، لقصور عقولنا عن إدراك الملاكات فتسرية الحكم الى مفروض المقام قياس، و هو باطل، و كيف ما كان و الوجه في كون مورد الحديث هو الحج الندبي هو تعليق إتيان الحج على المشية و لو كان واجبا لم يكن مجال التعليق، لكن هذا انما يتم بناء على عدم كون المجاور مخيرا بين الأنواع الثلاثة- التمتع و القران و الافراد- و أما على القول بان بعض افراد المجاور مخير بين الافراد و التمتع فلا يدل التعليق على المشية على كون حجه ندبيا كما هو واضح، فإنه يكفي في حسن التعليق على المشية ثبوت التخيير في بعض الافراد.

هذا و لكن التحقيق: ان هذا الحديث مطلق يشمل الواجب و المستحب و ليس مختصا بالمستحب، فإنه يكفي في حسن التعليق على المشية كون بعض أفراده مستحبا فإذا ما نقل عن الرياض من الاشكال فيه بضعف الدلالة من جهة قوله (عليه السلام): «ان شاء» مما لا يمكن المساعدة عليه ثم انه بناء على اختصاصه بالمستحب لا يمكن التعدي إلى الواجب و أما (دعوى): عدم الخصوصية فهو دعوى مجردة عن الدليل و أما (دعوى):

عدم ظهور الجملة الخبرية في الوجوب، و هو قوله «عليه السلام»: «نعم يخرج الى مهل أرضه» فمدفوع و ذلك لما قرر في محله ان الجملة الخبرية إذا وردت في

مقام الطلب فهي ظاهرة في الوجوب بل هي آكد فيه، و بالجملة: عمدة المناقشة في الاستدلال بهذا الحديث هو ضعف السند فلا عبرة به: فما أفاده في الرياض (قدس سره) من الإشكال في الخبر بضعف سنده على ما هو المحكي عنه هو الصواب، إلا إذا أحرز استناد الأصحاب في الحكم اليه و أما الاستدلال بالأخبار الواردة في الجاهل و الناسي بناء على تماميتها فالمناقشة فيها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 194

في غاية الوضوح، لعدم إمكان التعدي عن موردها الي مفروض المقام، لاحتمال الخصوصية في موردها- و هو الجهل و النسيان- فالتعدي عن موردها الى مقروض المقام قياس، و هو باطل. و أما القول بأنه يمكن التعدي عن موردها الى غيره بتنقيح المناط القطعي فلا يمكن المساعدة عليه، لأنه غير قطعي و غاية ما يحصل به هو الظن و هو لا يغني من الحق شيئا، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا، لاحتمال خصوصية للجاهل و الناسي للإحرام الذي دخل مكة بدونه دون غيره نعم، إذا قطعنا بملاك الحكم و عدم مانع عن الجعل أيضا فلا محيص عن التعدي من موردها الى غيره، و لكنه قد ذكرنا مرارا و كرارا أنه في الشرعيات مجرد فرض لا واقع له لعدم العلم بالملاكات و موانعها، كما لا يخفى.

هذا و أما الاستدلال بالأخبار الدالة على ان لكل قطر ميقات (ففيه): أن ثبوت الإطلاق لها بحيث يشمل من هو في مكة غير معلوم، فتحصل أن القول الأول- و هو لزوم الخروج الى مهل أرضه- مما لا مجال له إلا إذا ثبت انجبار خبر سماعة بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لإحراز استنادهم في مقام العمل به، و الا فلا

عبرة به أصلا و يمكن أن يقال بالثاني- أعني التخيير بين المواقيت المخصوصة- و يستدل لذلك بجملة من الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام»- منها:

1- مرسلة حريز عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي، و ان أراد أن يحج عن نفسه، أو أراد أن يعتمر بعد ما انصرف من عرفة فليس له ان يحرم من مكة، و لكن يخرج الى الوقت و كلما حول رجع الى الوقت «1» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب. و (فيه): انه ضعيف سندا بالإرسال فلا عبرة به.

2- موثق سماعة بن مهران عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» أنه قال: من حج معتمرا

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 195

في شوال و من نيته أن يعتمر و يرجع الى بلاده فلا بأس بذلك، و أن هو أقام إلى الحج فهو يتمتع، لأن أشهر الحج: [شوال و ذو القعدة و ذو الحجة] فمن أعتمر فيهن و أقام إلى الحج فهي متعة، و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهي عمرة، و أن أعتمر في شهر رمضان أو قبله و أقام إلى الحج فليس، بتمتع، و أنما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة إلى الحج فان هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى، الجعرانة فيلبي منها «1». و (فيه): أن هذا بظاهره كما ترى غير دال على المدعى و لم يفت أحد ممن ظفرنا بفتواه بظاهره،

لما فيه من الأمر بالخروج الى ذات عرق و عسفان.

و نحوه في ضعف الدلالة مضافا الى إمكان المناقشة في سنده، فلا مجال للاعتماد عليه 3- خبر إسحاق بن عبد اللّه قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن المعتمر بمكة يجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى؟ فقال: يتمتع أحب الى و ليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين «2». و (فيه) ان ظاهره غير معمول به عند الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و يمكن الاستدلال على المدعى بالأخبار الدالة على جواز الإحرام مما مر عليه من المواقيت (بدعوى) شمول إطلاقها لما نحن فيه لكنه مشكل، لاختصاص تلك الأخبار بالنائي العابر على الميقات إلى مكة، فلا تشمل مفروض المقام أصلا و يمكن ان يقال بالثالث- أنه يحرم من أدنى الحل- و يمكن الاستدلال لذلك بجملة من النصوص الواردة في المقام عنهم «عليهم السلام»- منها:

1- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» لأهل مكة أن يتمتعوا؟

قال: لا قال: قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 10- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 20

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 196

مكة، فإذا أقاموا شهرا فان لهم أن يتمتعوا قلت: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم قلت: من أين يهلون بالحج؟ قال: من مكة نحوا مما يقول الناس «1» 2- رواية على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمر عن داود عن حماد قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن أهل مكة أ يتمتعون؟ قال: ليس لهم متعة قلت: فالقاطن بها؟

قال: إذا أقام بها سنة أو

سنتين صنع صنع أهل مكة قلت: فان مكث الشهر؟ قال:

يتمتع قلت: من اين يحرم؟ قال: يخرج من الحرم. إلخ «2» 3- صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال: من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما «3» و هذا القول هو الأقوى في النظر الا إذا ثبت إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عن هذه الاخبار إنه ثم مقتضى الاحتياط هو أن يحرم من ميقات أهله لما فيه من الجمع بين الأقوال المذكورة في المسألة ثم تجديده في الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما ثم أنه لا بأس بذكر ما أفاده صاحب الجواهر «قدس سره» في المقام حيث أنه بعد أن ناقش في جميع الأخبار التي استدل بها على الأقوال الموجودة في المسألة قال: (و من هنا قال بعض أفاضل متأخري المتأخرين:

أن الواجب حينئذ الرجوع في المسألة الى ما تقتضيه الأصول الشرعية، لضعف أدلة الأقوال جميعها، و هو هنا البراءة من تعين ميقات عليه ان اتفق على الصحة مع المخالفة لما يوجب عليه، و وجوب الأخذ بالمبرء للذمة منها يقينا ان كان ما يوجب عليه شرطا، فالذي ينبغي تحصيله تشخيص محل النزاع من تعيين الوقت أ هو أمر تكليفي خاصة أو شرطي؟ و الظاهر: الثاني، لما مر من عدم الخلاف في الإحرام من كل وقت يتفق المرور عليه، و تصريح بعض من

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

(3) الوسائل ج 2- الباب- 22- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 197

صار الى اعتبار أدنى

الحل بجوازه و صحة إحرامه من غيره من المواقيت البعيدة، و عليه فيعود النزاع الى وجوب الخروج الى مهل أرضه أم لا بل يجوز الى اى وقت كان و لو أدنى الحل؟ و الحق: الثاني الا بالنسبة إلى أدنى الحل فلا يجوز الخروج اليه اختيارا، لدلالة الروايات المعتبرة و لو بالشهرة. على وجوب الخروج الى غيره، فيتعين. و أما وجوب الخروج الى مهل الأرض فالأصل عدمه بعد ما عرفت من ضعف دليله، و ان كان أحوط، للاتفاق على جوازه. و (فيه): بعد الإغماض عما ذكره- دليلا للثاني الذي استظهره- أنه لا ريب في رجحان القول الأول من الأقوال و هو: [لزوم الخروج الى مهل أرضه] إذ ضعف دليله منجبر بالشهرة المحكية في الحدائق ان لم يكن محصلة، و لا معارض له الا الإطلاق المنزل عليه. و قوله فيه: [ان شاء] ظاهر في إرادة التخيير له بين التمتع و غيره، لعدم كونه حج الإسلام، و لا ينافي الاستدلال به عليه ضرورة: اقتضاء شرطيته بالنسبة إلى المندوب اشتراطه في الواجب بطريق أولى، أو كون ذلك كيفية مخصوصة لأصل المشروعية التي لا تفاوت فيها بين الواجب و المندوب و نصوص الناسي و الجاهل، بل و العامد ظاهرة في ان السبب في ذلك مراعاة تكليفه الأصلي على وجه يقتضي عدم الفرق بين الفرض و غيره: و مع الإغماض عن ذلك كله فلا شبهة في اندراجه في أدلة حكم أهل أرضه ان لم يخرج بالمجاورة عنهم عرفا قطعا مع عدم نية الاستيطان و مقتضاه الإحرام من مهلهم، أو يكون مارا على غيره قاصدا إلى مكة لا إذا كان قصده الخروج منها إلى الإحرام منه، فإنه حينئذ لا يندرج في تلك

الأدلة الآمرة بالإحرام لأهل قطر إذا مر على ميقات غيره قاصدا إلى مكة، و انه لا يتجاوزه غير محرم و من ذلك حينئذ يظهر وجه الشرطية في الإحرام من مهل أرضه على وجه لا يجزيه الإحرام من غيره مع فرض كونه في حال لا يصدق عليه انه مر عليه قاصدا الدخول إلى مكة، كما ان منه يظهر النظر فيما في الحدائق، و الرياض، من الحكم بجواز ذلك له مطلقا. بل لعل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 198

منه يظهر ان إطلاق المصنف و غيره منزل على القول المزبور لحكمهم بالبقاء على فرضه الأول الذي هو ما عرفت، لا ان المراد به الإحرام من اى ميقات و ان لم يكن على الوجه المزبور، فيختص القول الثاني [و هو انه أحد المواقيت المخصوصة مخيرا] حينئذ بالمصرح به توهما له من هذه الإطلاقات. و أما القول الثالث [و هو أدنى الحل] فلم تتحققه لأحد و ان حكى عن الحلبي و انما استظهره الأردبيلي، و احتمل تلميذه تبعا له، لكنه واضح الضعف خصوصا بعد وضوح (ضعف دليله، كما عرفت، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى: الأول) تظهر المناقشة ما في ما أفاده بالنسبة إلى انجبار خبر سماعة بالشهرة، و تأييده بما دل على وجوب رجوع الجاهل و الناسي إلى مهل أرضه، و تنزيله المطلقات الدالة عن الخروج الى الوقت على التقييد- و هو الخروج الى مهل أرضه- و شمول ما دل على حكم الوطن لهم، و غير ذلك بما قدمنا لك، فلاحظ و تأمل.

قوله قده: (ثم الظاهر ان ما ذكرنا حكم من كان في مكة و أراد الإتيان بالتمتع و لو مستحبا، هذا كله مع إمكان الرجوع الى المواقيت.

و اما إذا تعذر فيكفي الرجوع الى أدنى الحل، بل الأحوط الرجوع الى ما تمكن من خارج الحرم مما هو دون الميقات و ان لم يتمكن من الخروج إلى أدنى الحل أحرم من موضعه، و الأحوط الخروج الى ما يتمكن)

ما أفاده قده (أولا): من شمول ما ذكر بمن كان في مكة و أراد الإتيان بالتمتع و لو مستحبا فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لاقتضاءه إطلاق النصوص المتقدمة: و أما ما أفاده (ثانيا): من كفاية الرجوع الى أدنى الحل في صورة التعذر فالظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و جعله في المدارك مما قطع به الأصحاب و يظهر من كلمات غيره انه مفروغ منه بين الفقهاء، و لكنه مع ذلك كله لا يخلو من الاشكال، و ما في بعض الاخبار من الحكم بالصحة عند ترك الإحرام نسيانا أو جهلا، فضاق الوقت لا يمكن التعدي عنه الى غيره، لاحتمال الخصوصية في المورد، كما عرفت. نعم، مع القطع بعدم الخصوصية فلا مانع من التعدي، فتدبر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 199

الفصل التاسع صورة حجّ التمتّع على الإجمال

اشارة

أن يحرم في أشهر الحج من الميقات بالعمرة المتمتع بها الى الحج، ثم يدخل مكة فيطوف فيها بالبيت سبعا، و يصلى ركعتين في المقام، ثم يسعى لها بين الصفاء و المروة سبعا. ثم يطوف للنساء احتياطا، و إن كان الأصح عدم وجوبه، و يقصر، ثم ينشئ إحراما للحج من مكة في وقت يعلم انه يدرك الوقوف بعرفة، و الأفضل إيقاعه يوم التروية، ثم يمضي الى عرفات فيقف بها من الزوال الى الغروب، ثم يفيض و يمضى منها الى المشعر فيبيت فيه و يقف به بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس، ثم يمضي

إلى منى فيرمي جمرة العقبة، ثم ينحر أو يذبح هديه و يأكل منه، ثم يحلق أو يقصر فيحل من كل شي ء إلا النساء و الطيب، و الأحوط اجتناب الصيد ايضا و ان كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام، ثم هو مخير بين ان يأتي إلى مكة ليومه فيطوف طواف الحج و يصلى ركعتيه و يسعى سعيه فيحل له الطيب، ثم يطوف طواف النساء و يصلى ركعتيه فتحل له النساء، ثم يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي التشريق و هي: [الحادي عشر و الثاني عشر، و الثالث عشر] و يرمى في أيامها. الجمار الثلاث، و أن لا يأتي إلى مكة ليومه بل يقيم بمنى حتى يرمى جماره الثلاث يوم الحادي عشر و مثله: يوم الثاني عشر، ثم ينفر بعد الزوال إذا كان قد اتقى النساء و الصيد. و ان أقام إلى النفر الثاني- و هو الثالث عشر- و لو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضا، ثم عاد إلى مكة للطوافين و السعى، و لا اثم عليه في شي ء من ذلك على الأصح، كما ان الأصح الاجتزاء بالطواف و السعى تمام ذي الحجة، و الأفضل الأحوط هو اختيار الأول بأن يمضي إلى مكة يوم النحر،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 200

بل لا ينبغي التأخير لغده فضلا عن أيام التشريق الا العذر) هذه الصورة التي أفادها المصنف (قدس سره) متفق عليها بين الأصحاب في الجملة و لكن لنا في بعض مواضعها كلام سيأتي في محله (ان شاء اللّه تعالى).

[شرائط حج التمتع]
[أحدها النية]

قوله قده: (يشترط في حج التمتع أمور: أحدها، النية بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحج حين الشروع في إحرام العمرة)

اعتبار النية في حج

التمتع في الجملة مما لا ينبغي التأمل فيه، انما الكلام في انه هل يكفي نية العمرة التمتع فقط بأن يقصد الأعمال من دون ان عنونها بعنوان التمتع أم لا؟ اختلفت ظاهر كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في ذلك، فذهب بعض منهم كالشهيد الأول (قدس سره) في الدروس الى أن المراد بها نية الإحرام. و ناقش فيه صاحب الجواهر (ره) حيث قال بعد نقله عنه: [و (فيه): ان ذكرها فيه حينئذ مغن عنه هنا، على أنه لا فرق بينه و بين باقي أفعال الحج و العمرة في اعتبار النية فيها، فلا معنى لتخصيص الإحرام من بينها بذلك، و أن قيل: أن الوجه في ذلك كونه معظم الأفعال و كثير الأحكام، لكنه كما ترى] و قال الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك: (و هو حسن، الا انه كالمستغنى عنه فإنه من جملة الأفعال، و كما تجب النية له تجب لغيره، و لم يتعرضوا لها في غيره بالخصوص). و ذهب بعض آخر منهم الى ان المراد بهذه النية نية الحج بجملته، و قد صرح بذلك سلار (ره) و قد نقل في المدارك عن الشارح ان ظاهر الأصحاب ذلك و في المسالك: (قد تكرر ذكر النية هنا في كلامهم و ظاهرهم أن المراد بها: نية الحج بجملته، و في وجوبها كذلك نظر).

و وجه النظر هو ما أفاده صاحب المدارك (قده): (من ان مقتضاه انه يجب الجمع بين هذه النية و بين نية كل فعل من أفعال الحج على حدة، و هو غير واضح، و الاخبار خالية عن ذلك. إلخ) و في كشف اللثام: (ان المراد النية لكل من العمرة و الحج و كل من أفعالهما المتفرقة من الإحرام

و الطواف و السعى و نحوها، كما يأتي تفصيلها في مواضعها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 201

لا نية الإحرام وحده، كما في الدروس). ثم انه نقل في الجواهر عن سلار هو أن المراد من النية: [نية الخروج إلى مكة] قال في كشف بعد نقله ما في الجواهر: (و لا ارى لظهوره جهة الا انه قدمها على الدعاء للخروج من المنزل و ركوب الدابة و المسير، و ان كان لا شبهة في اشتراط استحقاق الثواب على المسير بهذه النية، و كذا في وجوبها ان وجبت المقدمة أصالة باستئجار و نحوه). و تحقيق الكلام في ذلك هو انه (تارة): يتكلم في هذه المسألة على ما تقتضيه القاعدة، و (اخرى): على ما تقتضيه الأخبار الواردة «عليهم السلام»:

أما (على الأول): فمحصل الكلام فيه هو انه لا إشكال في ان العبادة تحتاج إلى النية لأن قوامها بها، كما هو واضح. و أما لزوم نية العناوين الخاصة- من قبيل عنوان التمتع و الافراد، و حجة الإسلام و غير ذلك- فيحتاج الى دليل خاص، فان قام دليل خاص على لزوم نيتها فهو، و الا فمقتضى القاعدة عدم وجوبها، لأصالة البراءة عن ذلك.

و أما (على الثاني):- و هو مقتضى الاخبار- فيمكن ان يقال ان مقتضى الأخبار الواردة في قلب العمرة المفردة بل انقلابها- إذا بقي إلى شهر ذي الحج، أو الى ان يدركه خروج الناس يوم التروية- إلى المتعة هو عدم اشتراط نية عنوان التمتع في صحته،- كما هو مقتضى القاعدة- بل عدم مضرية الخلاف و لا بأس بذكرها- منها:

1- موثق سماعة بن مهران، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» أنه قال: من حج معتمرا في شوال و من نيته أن يعتمر

و يرجع الى بلاده، فلا بأس بذلك، و ان هو أقام إلى الحج فهو يتمتع، لأن أشهر الحج: [شوال و ذو القعدة و ذو الحجة] فمن أعتمر فيهن فأقام إلى الحج فهي متعة. و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهي عمرة، و ان أعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس، بمتمتع و انما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان، فيدخل متمتعا بعمرته الى الحج، فان هو أحب ان يفرد الحج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 202

فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها «1» 2- عن موسى بن القسم، عن محمد بن عذافر. عن عمر بن يزيد «عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من دخل مكة معتمرا مفردا للعمرة فقضى عمرته فخرج كان له ذلك، و ان أقام الى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة، و قال: ليس يكون متعة إلا في أشهر الحج «2».

3- عن صفوان بن يحيى، عن يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن المعتمر في أشهر الحج؟ فقال: هي متعة «3» و رواه الشيخ «قدس سره» بإسناده عن محمد بن يعقوب و كذا كل ما قبله.

4- خبر وهيب بن حفص قال: سأله أبو بصير و أنا حاضر: عمن أهل بالعمرة في أشهر الحج له أن يرجع؟ قال «عليه السلام»: ليس في أشهر الحج عمرة يرجع منها إلى أهله، و لكنه يحتبس بمكة متى يقضى حجه، لأنه إنما أحرم لذلك «4» 5- صحيح عبد اللّه بن سنان، أنه سأل أبا عبد اللّه، «عليه السلام»

عن المملوك يكون في الظهر يرعى، و هو يرضى ان يعتمر ثم يخرج؟ فقال: ان كان أعتمر في ذي القعدة فحسن و ان كان في ذي الحجة فلا يصلح الا الحج «5» 6- صحيح عمر بن يزيد، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج مع الناس «6» 7- صحيحة أخرى عنه عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من اعتمر عمرة مفردة

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 10- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب أقسام الحج حديث 1 و في الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 5

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب أقسام الحج حديث 2

(4) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 7

(5) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 11

(6) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 203

فله أن يخرج إلى أهله متى شاء، الا أن يدركه خروج الناس يوم التروية «1» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و في عد المصنف «قدس سره» لمرسل موسى بن القاسم و هو: [من أعتمر في أشهر الحج فليتمتع]. المذكور في المتن من أخبار ما نحن فيه نظر، لان الظاهر منه الأمر بعدم إتيانه من أول الأمر إذا أعتمر الا بالمتعة لا أن ذلك من باب القلب أو الانقلاب، و كيف كان يمكن الاستدلال بهذه الطائفة من الاخبار على عدم اعتبار نية عنوان التمتع في صحته و وقوعه متعة بل عدم مضرية نية الخلاف.

لكن يظهر من طائفة

أخرى من الاخبار اعتبار نية عنوان التمتع- منها:

1- عن محمد بن يعقوب، عن أبى على الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي إبراهيم «عليه السلام»: أن أصحابنا يختلفون في وجهين من الحج يقول بعض: [أحرم بالحج مفردا، فإذا طفت بالبيت، و سعيت بين الصفاء و المروة فأحل و اجعلها عمرة]، و بعضهم يقول: [أحرم و انو المتعة بالعمرة إلى الحج] اى هذين أحب إليك؟ قال: أنو المتعة «2» 2- عن أبى نصر عن أبي الحسن «عليه السلام» قال: سألته عن رجل متمتع كيف يصنع؟ قال: ينوي العمرة و يحرم بالحج «3» 3- عن رفاعة بن موسى، عن أبان بن تغلب، قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: بأي شي ء أهل؟ فقال: لا تسم حجا و لا عمرة و أضمر في نفسك المتعة فإن أدركت كنت متمتعا و الا كانت حاجا «4» 4- عن أحمد بن محمد قال: قلت لأبي الحسن على بن موسى الرضاء «عليه السلام»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 9.

(2) الوسائل: ج 21- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج: 9

(3) الوسائل: ج 21- الباب- 22- من أبواب الإحرام حديث: 1

(4) الوسائل: ج 21- الباب- 21- من أبواب الإحرام حديث: 4 و قد ورد ايضا ما روى عن ابان بن تغلب في الباب 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 204

كيف أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال: لبّ بالحج، و انو المتعة. فإذا دخلت مكة و طفت بالبيت، و صليت الركعتين خلف المقام، و سعيت بين الصفاء و المروة «و قصرت فنسختها و جعلتها متعة «1»

5- عن عبد اللّه بن جعفر، في قرب الاسناد، عن أحمد بن محمد بن أبى نصر، عن الرضا «عليه السلام»: قال: قلت له: جعلت فداك كيف نصنع بالحج؟ فقال: أما نحن فنخرج في وقت ضيق يذهب فيه الأيام فأفرد فيه الحج، قلت؟ أ رأيت أن أراد المتعة كيف يصنع؟ قال: ينوي المتعة و يحرم بالحج «2» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» هذا و هناك طائفة ثالثة من الاخبار تكون شاهدة للجمع بين هاتين الطائفتين: و هي ما دل على أنه لو أتى أولا بالعمرة المفردة ثم جعلت قلبا أو انقلابا متعة فعمرته تمتع و حجه أفراد و هذا بخلاف ما لو كان قاصدا للمتعة من أول الأمر فإنه حينئذ عمرته و حجه تمتع- منها:

1- عن موسى بن القسم، عن صفوان بن يحيى، عن عبد اللّه بن مسكان عن حمران بن أعين قال: دخلت على أبى جعفر «عليه السلام» فقال لي: بما أهللت؟ فقلت:

بالعمرة فقال لي: أفلا أهللت بالحج و نويت المتعة فصارت عمرتك كوفية و حجتك مكية، و لو كنت نويت المتعة و أهللت بالحج كانت حجتك و عمرتك كوفيتين «3» 2- صحيح عمر بن أذينة «عن أبى جعفر «عليه السلام». في حديث قال: و أفضل العمرة عمرة رجب و قال: المفرد للعمرة إن أعتمر ثم أقام للحج بمكة كانت عمرته تامة

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 22 من أبواب الإحرام حديث: 4

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 16 و الباب 22 من أبواب الإحرام حديث: 7

(3) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب الإحرام حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 205

و حجته ناقصة مكبة

«1» 3- صحيح زرارة عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: قلت لأبي جعفر: ما أفضل ما حج الناس؟ فقال عمرة في رجب و حجة مفردة في عامها، فقلت: فالذي يلي هذا؟ قال:

المتعة. الى ان قال: قلت: فما الذي يلي هذا؟ قال: القران، و القران ان يسوق الهدى قلت: فما الذي يلي هذا؟ قال: عمرة مفردة و يذهب حيث شاء فإن أقام بمكة إلى الحجّ فعمرته تامة و حجته ناقصة مكية «قلت فما الذي يلي هذا؟ قال: ما يفعله الناس اليوم يفردون الحج، فإذا قدموا مكة و طافوا بالبيت أحلوا، و إذا لبوا أحرموا فلا يزال يحل و يعقد حتى يخرج إلى منى بلا حج و لا عمرة «2» هذا و يتضح من هذه الطائفة من الاخبار غاية الوضوح انه إذا كان وجب عليه حج التمتع فالإتيان بعمرة مفردة ثم انقلابها أو قلبها متعة و الإتيان بالحج غير مجز للتصريح في هذه الاخبار بان حجته مكية فلاحظ و تأمل

قوله قده: (نعم في جملة من الاخبار انه لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز ان يتمتع بها بل يستحب ذلك إذا بقي في مكة إلى هلال ذي الحجة و يتأكد إذا بقي إلى يوم التروية بل عن القاضي وجوبه حينئذ و لكن الظّاهر تحقّق الإجماع على خلافه)

ما افاده «قدس سره» (أولا): من جواز التمتع بالعمرة المفردة انما يتم بناء علي حمل الأخبار المتقدّمة على ذلك، و الا فظاهرها الانقلاب. و اما مرسل موسى بن القاسم و هو:

[من أعتمر في أشهر الحج فليتمتع] و ان كان قد ينسبق الى الذهن دلالته على ذلك، و لكن قد عرفت ان الظاهر منه ان لا يأتي بالعمرة في أشهر

الحج الا بعنوان المتعة و اما ما افاده (قدس سره) (ثانيا): من انه يستحب إذا بقي إلى هلال ذي الحجة فلما عرفت في صحيح عمر بن يزيد و أما ما أفاده (ثالثا): من انه يتأكد: [أي الاستحباب] إذا بقي إلى يوم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 3- من أبواب العمرة حديث: 2

(2) الوسائل ج 3 الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث 23

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 206

التروية فلما عرفت في صحيحة أخرى عنه اما ما نقله عن القاضي بالوجوب فيدل على خلافه خبر ابن عمار الآتي

قوله قده: (و مقتضاها: [اى الطائفة الاولى من الاخبار المتقدمة] صحة التمتع مع عدم قصده حين إتيان العمرة، بل الظاهر من بعضها أنه يصير تمتعا قهرا من غير حاجة الى نية التمتع بها بعدها، بل يمكن ان يستفاد منها ان التمتع هو الحج عقيب عمرة وقعت في أشهر الحج بأي نحو أتى بها، و لا بأس بالعمل بها، لكن القدر المتيقن منها هو الحج الندبي، ففيما إذا وجب عليه التمتع فأتى بعمرة مفردة ثم أراد ان يجعلها عمرة التمتع يشكل الاجتزاء بذلك عما وجب عليه سواء كان حجة الإسلام أو غيرها- مما وجب بالنذر أو الاستيجار-)

ما أفاده المصنف «قدس سره» بقوله: (و لا بأس بالعمل بها) ان أريد به أنه لو أتى بالحج بعدها في وقته يحسب حجه تمتعا فهو تنافي الطائفة الثانية من الاخبار المتقدمة الدالة على اعتبار النية في عمرة التمتع، و قد عرفت ايضا ان مقتضى الجمع بين الطائفة الاولى من الاخبار المتقدمة الدالة على صيرورة العمرة المفردة تمتعا قهرا إذا أقام إلى الحج و بين الطائفة الثانية من الاخبار المتقدمة- الدالة على اعتبار

النية في المتعة- هو ذلك حيث أنه بمقتضى الطائفة الثالثة من الأخبار المتقدمة جمعت بينها بأنه إذا نوى المتعة من أول الأمر و اتى بالحج فيحسب حجه التمتع و يجزيه عن الواجب لما عرفت من قوله «عليه السلام» في ذيل خبر حمران بن أعين: (و لو كنت نويت المتعة و أهللت بالحج كانت حجتك و عمرتك كوفيتين) و الا فلا يحسب ما اتى به المتعة و لا يجزيه عن الواجب لما عرفت من قوله «عليه السلام» في ذيل صحيحة عمر بن أذينة: (المفرد للعمرة إن اعتمر ثم اقام الحج بمكة كانت عمرته تامة و حجه ناقصة مكية) و أما ما افاده، قدس سره، بقوله:

(و لكن القدر المتيقن منها هو الحج الندبي) فهو بناء على عدم ثبوت الإطلاق للروايات المتقدمة تمام و الا فلا و لكن يمكن ان يقال ان الطائفة الاولى من الروايات المتقدمة التي ذكرها المصنف (قده) أكثرها في المتن انما وردت في بيان جعل العمرة المفردة متعة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 207

و إلحاقها بحج التمتع و ليست في مقام بيان تنزيله منزلة حج التمتع الواجب بحيث تفرغ به به الذمة إذا كان الحج عليه واجبا سواء كان ذلك بعنوان حجة الإسلام أو غيرها بالنذر و نحوه فشموله للواجب يتوقف على عموم ذلك و هو أول الكلام و لكنه لا يخلو من تأمل لأن نفى الإطلاق منها و القول بورودها في مقام بيان الأمر يجعل العمرة المفردة متعة مشكل

[الثاني أن يكون مجموع عمرته و حجه في أشهر الحج]

قوله قده: (الثاني: أن يكون مجموع عمرته و حجه في أشهر الحج فلو اتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له ان يتمتع بها)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى

أسرارهم» قديما و حديثا و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع بقسميه قال في الجواهر:

(بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه) و يدل عليه صحيحة عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» من دخل مكة معتمر مفردا للحج فيقضى عمرته كان له ذلك. الى ان قال: و ليس تكون متعة إلا في أشهر الحج «1» و موثق سماعة عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» من حج معتمرا في شوال و من نيته أن يعتمرا و رجع الى بلاده فلا بأس بذلك، و ان هو أقام إلى الحج فهو متمتع، لأن أشهر الحج: [شوال و ذو القعدة و ذو الحجة] فمن اعتمر فيهن. فأقام إلى الحج فهي متعة. إلخ) «2»

قوله قده: (و أشهر الحج: [شوال و ذو القعدة و ذو الحجة] بتمامه على الأصح)

اختلفت كلمات الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في هذه المسألة على أقوال: (الأول): أنها شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة، بتمامه، و اختار المحقق (طاب ثراه) في الشرائع، و ذهب اليه الشيخ «قدس سره» في النهاية، و به قال ابن الجنيد «رحمه اللّه تعالى»، و رواه الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه على ما نقل في المدارك و تبعهم المصنف «قده» (الثاني): انها الشهران الأولان مع العشر الأول من ذي الحجة

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 15 من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 10 من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 208

نقل في الجواهر ذلك عن الحسن، و التبيان، و الجواهر، و روض الجنان. (الثالث):

انها الشهران الأولان مع ثمانية أيام من ذي الحجة نقل عن ابن زهرة في الغنية و

في محكيه:

(لأنه جعلها الشهرين و تسع ليال فيخرج التاسع و (الرابع): مع تسعة أيام و ليلة يوم النحر الى طلوع فجره، حكى عن المبسوط و الخلاف و الوسيلة و الجامع و قد نسب ذلك الى ظاهر جمل العلم و العمل و المصباح و مختصره و مجمع البيان و متشابه القران، لانه عبر فيها بأنها الشهر ان و عشرة من ذي الحجة بالتأنيث الظاهر في ان المراد الليالي فيخرج اليوم العاشر (الخامس): مع تسعة أيام و ليلة يوم النحر الى طلوع شمسه اختاره ابن إدريس على ما حكى في الجواهر. و لكن الصّواب هو ما أفاده المصنف «قده»- من كون أشهر الحجّ شوال و ذو القعدة و ذو الحجّة بتمامه- و يدل عليه قوله تعالى: [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ. إلخ «1» لظهور الشهر في تمامه، كما هو واضح، و الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: أن اللّه تعالى يقول:

[الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ] و هي:

شوال و ذو القعدة و ذو الحجة «2» 2- ما عنه ايضا عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في قول اللّه تعالى: [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ.] و الفرض هو التلبية و الاشعار و التقليد فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحج و لا يفرض الحجّ إلا في هذه الشهور التي قال اللّه عز و جل الحجّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة «3»

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 192

(2) الوسائل ج 2- الباب- 11- من أبواب أقسام الحج حديث:

1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 11- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 209

3- خبر زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ شوال و ذي القعدة و ذو الحجة ليس لأحد ان يحرم بالحج فيما سواهن «1» 4- في موثق سماعة. و ان هو أقام إلى الحج فهو متمتع لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة. إلخ «2» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» هذا كله بناء على ان النزاع معنوي لا لفظي.

قوله قده: (على أن الظاهر ان النزاع لفظي، فإنه لا إشكال في جواز إتيان بعض الأعمال إلى آخر ذي الحجة، فيمكن ان يكون مرادهم ان هذه الأوقات هي آخر الأوقات التي يمكن بها ادراك الحج)

و قد اعترف به جماعة من الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قال العلامة في المنتهى: (و ليس يتعلق بهذا الاختلاف حكم) على ما حكاه صاحب المدارك (قدس سره). و عن المختلف: (التحقيق: ان هذا نزاع لفظي، فإنهم إن أرادوا بأشهر الحج ما يفوت الحج بفواته فليس كمال ذي الحجة من أشهره، لما يأتي من فوات الحج دونه على ما تأتى تحقيقه و ان أرادوا بها ما يقع فيه أفعال الحج فهي الثلاثة كلا لأن باقي المناسك تقع في كمال ذي الحجة فقد ظهر ان النزاع لفظي) و صاحب المدارك بعد ان نقل هذا القول عن المختلف قال: (و هو حسن إذ لا خلاف في فوات وقت الإنشاء بعدم التمكن من ادراك المشعر قبل زوال يوم النحر، كما انه لا خلاف في وقوع بعض أفعال الحج- كالطوافين و السعى و الرّمي- في ذي الحجة بأسره و قد

ظهر من ذلك ان هذا الاختلاف لا يترتب عليه حكم و ان النزاع في هذه المسألة يرجع الى تفسير هذا اللفظ- و هو أشهر الحج- و الظاهر إطلاقها على مجموع الثلاثة حقيقة لأنها أقل الجمع. إلخ) و قال في الجواهر: (الظاهر لفظية الاختلاف في ذلك، كما اعترف به غير

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 11- من أبواب أقسام الحج حديث: 5

(2) الوسائل ج 2- الباب- 10- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 210

واحد، للاتفاق على ان الإحرام بالحج لا يتأتى بعد عاشر ذي الحجة و كذا عمرة التمتع و على اجزاء الهدي و بدل الهدى طول ذي الحجة و أفعال أيام منى و لياليها. إلخ)

قوله قده: (إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج قاصدا بها التمتع فقد عرفت عدم صحتها تمتعا، لكن هل تصح مفردة أو تبطل من الأصل؟ قولان: اختار الثاني في المدارك، لان ما نواه لم يقع، و المفردة لم ينوها. و بعض اختار الأول، لخبر الأحول عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج؟ قال: يجعلها عمرة و قد يستشعر ذلك من خبر سعيد الأعرج قال: أبو عبد اللّه «عليه السلام»: من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل، فعليه شاة، و ان تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم انما هي حجة مفردة إنما الأضحى على أهل الأمصار «1» و مقتضى القاعدة و ان كان هو ما ذكره صاحب المدارك لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض للخبرين)

قال صاحب المدارك «قدس سره» في شرح قول المحقق (طاب ثراه): [و لو

أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج لم يجز التمتع بها و كذا لو فعل بعضها في أشهر الحج]. هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب و يدل عليه روايات منها صحيحة عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» انه قال: ليس يكون متعة إلا في أشهر الحج «2» ورود المصنف بقوله «و كذا لو فعل بعضها في أشهر الحج» على العامة، حيث ذهب بعضهم الى الاكتفاء بوقوع التحلل من العمرة في أشهر الحج. و ذهب بعض آخر الى ان من اتى بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحج صار متمتعا، و لا ريب في بطلانهما و متى لم يصح التمتع بالعمرة انتفى لزوم الهدي، لأنه من توابعه، و ربما لاح من العبارة ان

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 10- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 15- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 211

من أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج تقع عمرته صحيحة لكن لا يتمتع بها، و به جزم العلامة في التذكرة و المنتهى من غير نقل خلاف. بل صرح في المنتهى بما هو أبلغ من ذلك فقال: [ان من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لا ينعقد إحرامه للحج و انعقد للعمرة] و استدل عليه بما رواه ابن بابويه عن أبى جعفر الأحول. الى ان قال و هي لا تدل على المطلوب صريحا، لاحتمال أن يكون المراد منها ان من أراد فرض الحج في غير أشهره لا يقع حجه صحيحا. بل ينبغي ان يجعل النسك الذي يريد فعله عمرة و الأصح عدم الصحة مطلقا: أما (عن المنوي): فلعدم حصول شرطه و

اما (عن غيره): فلعدم نيته، و نية المقيد لا يستلزم نية المطلق كما بيناه مرارا) قال في الجواهر بعد نقل ما في المدارك و انه تبعه عليه في كشف اللثام.: و (فيه): انه لا ريب في البطلان بمقتضى القواعد العامة و لكن لا بأس بالقول به للخبر المزبور: [و هو خبر الأحول] مؤيدا بخبر سعيد الأعرج ثم انه (قدس سره) بعد أن نقل ذلك و احتمال الذي ذكره صاحب المدارك «قدس سره» بصورة الدعوى المتقدم عند نقل كلامه قال: (يدفعها ان ذلك لا ينافي الظهور المعلوم كفايته كما هو واضح. إلخ) ما افاده المصنف قده من ان: [مقتضى القاعدة و ان كان ما افاده صاحب المدارك] و (فيه): ما لا يخفى، لانه قد عرفت ان مقتضى القاعدة عدم وجوب نية هذه العناوين، اللهم الا ان يكون على نحو التقييد، فحينئذ لا إشكال في بطلانه لكن ذلك لا يصدر عن عاقل. و أما ما أفاده بقوله: [و لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض: [و هو عدم بطلان العمرة من أصله] للخبرين (فهو متين، لدلالة الخبر الأول عليه و استشعاره من الثاني كما افاده فتدبر.

[الثالث أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة]

قوله قده، (الثالث: أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة، كما هو المشهور المدعى عليه الإجماع. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قال في المدارك في شرح قول ماتنه: [و ان يأتي بالحج و العمرة في سنة واحدة]

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 212

(هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء. إلخ) و نحوه ما في غيره و في كشف اللثام حكاية الاتفاق عن ظاهر التذكرة عليه، على ما نقل في الجواهر. نقول: (تارة): يتكلم في هذه المسألة

على ما تقتضيه القاعدة. و (اخرى): على ما تقتضيه الأدلة الخاصة: أما (على الأول) فالكلام فيه مبتن على جريان البراءة في الأقل و الأكثر الارتباطيين و عدمه، فبناء على القول بجريان ذلك فيه- كما اخترناه في الأصول- فلا بد من الالتزام به أيضا في المقام فيحكم بمقتضى الأصل العملي- و هو البراءة- بعدم وجوب جمعهما في سنة واحدة، و ذلك لرجوع الشك فيه حينئذ إلى الشك في دخل قيد الاجتماع في حصول المأمور به.

و أما بناء على القول بالاشتغال فيه جرى ذلك أيضا في المقام. و قد حقق في محله: ان جريان البراءة أو الاشتغال في الأقل و الأكثر الارتباطيين يبتنى على كون التقابل بين الإطلاق و التقييد تقابل العدم و الملكة، أو الإيجاب و السلب، أو التضاد، فعلى الأول تجري البراءة، لعدم لزوم المثبتية من جريان الأصل بناء عليه على ما بين في محله و هذا بخلاف الأخيرين و قد اخترنا في الأصول كون التقابل بينهما تقابل العدم و الملكة و التزمنا بجريان الأصل في الأقل و الأكثر بالارتباطيين- كما أشرنا إليه آنفا- و كيف كان تفصيل الكلام في ذلك موكول الى محله. و أما (على الثاني):- و هو مقتضى الأدلة الخاصة- فلا إشكال في ان مقتضاها اشتراط كونهما: [أي العمرة و الحج] في عام واحد، و ذلك لطوائف من الاخبار:

(الأولى): الأخبار المبينة لكيفية حج التمتع مطلقا أو مع خوف فوت الحج.

(الثانية): الأخبار الدالة على انه مرتهن بالحج فإنها ايضا ظاهرة في لزوم ذلك.

(الثالثة): الأخبار الواردة الناهية عن جواز الخروج من مكة بعد الإتيان بالعمرة و قبل الإتيان بالحج المتبادر منها التتابع بين الأعمال- بمعنى إيقاعها في عام واحد.

(الرابعة): الأخبار الدالة على الانقلاب حجه

الى حج الافراد بضيق وقت المتعة- لحيض أو غيره من الأعذار الموجبة لذلك-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 213

(الخامسة): الأخبار الدالة على ارتباط العمرة بالحج [1] و ستأتي جميع هذه النصوص في الفروع الآتية (إن شاء اللّه تعالى) ثم هنا وجوه آخر الا انها لا تصلح جعلها دليلا على المدعى و لكنها مؤيدة للمدعى (الأول)- الإجماع و (فيه) ما تكرر منا مرارا و كرارا ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم «عليه السلام» و في المقام يحتمل أن

______________________________

[1] من السيد دام ظله و لكن لا بأس بذكر بعض الطائفة الأخيرة من الروايات هنا و هو خبر معاوية بن عمار قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام» من ان يفترق المتمتع و المعتمر، فقال «عليه السلام»: ان المتمتع مرتبط بالحج و المعتمر إذا فرع منها ذهب حيث شاء، و قد اعتمر الحسين «عليه السلام» في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق و الناس يروحون إلى منى، و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج «1» و أنت ترى دلالته على ارتباط العمرة بالحج و لكن يمكن المناقشة فيه: بأنه لا مناة بين القول بارتباطها بالحج و بين القول بعدم وجوب إيقاعهما في عام واحد لانه لا يلزم من القول بذلك لزوم اتصالهما فلا يضر الفصل بالسنة، و كيف ما كان يستفاد من هذا الحديث شي ء لا بأس بذكره و هو انه يظهر منه ان ما في بعض الأفواه و في بعض كتب المقاتل من ان الحسين «عليه السلام» جعل عمرته عمرة مفردة الظاهر منه انه اعتمر أولا بعمرة التمتع ثم عدل منها الى الافراد فليس بصحيح، لانه

يستفاد منه انه «عليه السلام» اعتمر من أول الأمر بعمرة مفردة، و يستفاد ذلك ايضا بما في صحيح إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» انه سأل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم خرج الى بلاده قال «عليه السلام»: لا بأس و ان حج من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم و ان الحسين بن على «عليه السلام» خرج يوم التروية إلى العراق و كان معتمرا «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 214

يكون مدركه ما تقدم من الأدلة و ما سيأتي فالعبرة بها ان تمت دون الإجماع.

(الثاني)- الشهرة بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا و (فيه) ما ذكرناه في الأصول من ان الشهرة ليست بنفسها حجة تعبدية فلا يصار إليها. نعم إذا حصل منها الوثوق و الاطمئنان بالحكم فلا مناص عن الاعتماد عليها- كما يكون كذلك الإجماع- فيكون الاطمئنان حجة.

(الثالث)- قاعدة توقيفية العبادات التي ذكرها المصنف «قدس سره» يمكن المناقشة فيها بأن اقتضائها وجوب الاحتياط بإتيانهما: [أي العمرة و الحج] في عام واحد أول الكلام.

(الرابع)- ما ورد من الأفعال البيانية فإنه لم يرد خبر عن المعصوم «عليه السلام» و لم يسمع أحد بأن يأتي واحد من الحجج الطاهرة (صلوات اللّه عليهم أجمعين) بالتمتع مفرقا بين حجه و بين عمرته و هذا ايضا لا يخلو من الاشكال، و كيف كان لا مجال للمناقشة في أصل اعتبار كون العمرة و الحج في سنة واحدة بعد ثبوت اتفاق جميع الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا عليه

و مضافا الى ما تقدم، فعلى هذا لو أتى بالعمرة في عام و أخر الحج الى العام الأخر لم يصح تمتعا سواء أقام في مكة إلى العام القابل أو رجع الى أهله ثم عاد إليها و سواء أحل من إحرام عمرته أو بقي عليه إلى السنة الأخرى- كما افاده المصنف (قده)

قوله قده: (و لا وجه لما عن الدروس من احتمال الصحة في هذه الصورة:

[و هي ما إذا بقي على إحرامه إلى السنة الأخرى] قال الشهيد الأول في الدروس: (و الاعتبار بالإحلال في أشهر الحج لا بالافعال و الإحلال ثم قال:- لو أتى بالحج في السنة القابلة فليس، بمتمتع. نعم، لو بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام الأفعال إلى القابل احتمل الاجزاء و لو قلنا انه صار معتمرا بمفردة بعد خروج أشهر الحج و لما يحل لم يجز) على ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره (ثم انه (قدس سره) بعد ان حكى عنه ذلك قال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 215

(و ان كان فيه ايضا لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا، ضرورة: ان ما ذكره من كون الاعتبار بالإحلال خلاف ظاهر النص و الفتوى الدال على اشتراط وقوع العمرة في أشهر الحج، فإنها اسم لمجموع الأفعال، فيجب وقوعها فيها، و لا يكتفى بالإحلال، كضرورة منافاة ذلك لما سمعت من خبره: [الناس على الإتيان بهما في سنة واحدة] إذ من المعلوم عدم وقوع العمرة بتمامها في سنة الحج في الفرض، لأن من أفعالها الإحرام، و الفرض وقوعه في السنة الماضية، على ان مقتضى قوله: (دخلت العمرة في الحج) كون حكمها حكم الحج «فكما لا يجوز البقاء على إحرام الحج الى العام القابل فكذا العمرة) ما

افاده المصنف «قدس سره» تبعا لصاحب الجواهر (ره) مما لا ينبغي الإشكال فيه.

[الرابع أن يكون إحرام حجه من بطن مكة مع الاختيار]

قوله قده: (الرابع: ان يكون إحرام حجه من بطن مكة مع الاختيار للإجماع و الاخبار. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) و في الجواهر: (بلا خلاف أجده نصا و فتوى. بل في كشف اللثام: الإجماع عليه). و في المدارك: (و قد اجمع العلماء كافة على ان ميقات حج التمتع مكة) و يدل عليه الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام»- منها:

1- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» لأهل مكة أن يتمتعوا؟

قال: لا قال: قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة، فإذا أقاموا شهرا فان لهم أن يتمتعوا، قلت: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم، قلت: من أين يهلون بالحج؟ فقال: من مكة نحوا مما يقول الناس «1» 2- صحيح ابن أبى عمير عن داود، عن حماد، قال، سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام»، عن أهل مكة أ يتمتعون؟ قال: ليس لهم متعة، قلت: فالقاطن بها؟ قال: إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكة، قلت: فان مكث الشهر؟ قال: يتمتع قلت: من أين

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 216

يحرم؟ قال: يخرج من الحرم قلت: من اين يهل بالحج؟ قال: من مكة نحوا مما يقول الناس «1» و قد تقدم ذكرهما أيضا في حكم المقيم بمكة سنتين.

3- خبر عمرو بن حريث الصيرفي قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: من أين أهل بالحج؟ فقال: ان شئت من رحلك، و ان شئت من الكعبة، و ان شئت من الطرق

«2» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عمرو بن حريث مثله الا انه قال: في اوله: [و هو في مكة] ثم قال: (و من المسجد) بدل قوله:

(من الكعبة). و استدل ايضا لذلك بصحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا كان يوم التروية ان شاء اللّه تعالى فاغتسل، ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم «عليه السلام» أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فأحرم بالحج. إلخ «3» و قد استدل به صاحب المدارك «قدس سره»، و لكن دلالتها على المدعى قابل للمناقشة و الأشكال، لاشتمالها على المستحبات الموجب لتعين صرف الأمر به فيها الى الاستحباب فتدبر، و كيف كان لا يعارضها خبر إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و الى ذات عرق أو الى بعض المعادن؟ قال:

«عليه السلام»: يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لان لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحجّ قلت: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه؟ قال (عليه السلام) كان ابى مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث 7

(2) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب المواقيت حديث: 2

(3) الوسائل ج 2 الباب- 1- من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 2، ص: 217

ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج «1» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب و كذا كل من كان قبله و لا ما عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام» من اىّ المسجد أحرم يوم التروية؟ فقال: من اى المسجد شئت «2» أما (عدم معارضة الأول): فلا مكان القول بعدم صراحته في الخلاف مضافا الى انه محمول على محامل:

1- ان يقال ان المراد بالحج فيه هو عمرته، حيث انها أول إعماله. كما أفاده المصنف «قدس سره» و احتمله ايضا صاحب كاشف اللثام.

2- انه «عليه السلام» أحرم بعنوان حج الافراد لا بعنوان التمتع لجوازه له كما في كشف اللثام 3- ان يحمل على التقية.

4- الحمل على التجديد بأن يقال: [انه أحرم من هناك وجوبا أو استحبابا ثم يجدده في مكة] و لكن المناقشة في جميعها واضحة، و العمدة هو ما ذكر أولا- و هو القول بعدم صراحته في الخلاف- و لكن الحق ان ظاهره معارض للأخبار المتقدمة الا انه موهون بإعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عن العمل بظاهره و لذا حملوه على المحامل فلا يصار اليه، لعدم العبرة به بناء عليه.

و أما عدم (معارضة الثاني):- و هو خبر يونس بن يعقوب- فلانه ليس المراد من قوله: [من اى المسجد] هو انه من اى المساجد شئت سواء كان خارج مكة أم داخلها، بل المراد على ما هو الظاهر منه هو انه من اى موضع من مواضع المسجد شئت فأحرم نعم، فيما رأيته من نسخة الجواهر هكذا: [من اى المساجد أحرم يوم التروية؟

فقال: من اى المسجد شئت] و لو ثبت هذه النسخة أيضا لا تقع المعارضة

بينها و بين ما تقدم

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب المواقيت حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 218

من الاخبار الدالة على كون الإحرام من مكة، لعدم شمول إطلاقها لمسجد خارج مكة، كما لا يخفى، كما ان قوله في خبر عمرو بن حريث المتقدم: (و ان شئت من الطريق لا يدل على خلاف المدعى، فان المراد من الطريق هو سكك مكة لا الطريق الذي يؤتى منه الى مكة كما لا يخفى- كما افاده المصنف «قدس سره»- ثم لا يخفى أن أفضل مواضعها: (اى المكة) للإحرام هو المسجد، و عليه اتفاق جميع الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم)، قديما و حديثا كما في المدارك و غيرها و لم ينقل من أحد منهم للخلاف فيه، و ذلك لكونه أشرف الأماكن، و لاستحباب الإحرام عقيب الصلاة التي هي في المسجد أفضل لما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم. قوله «عليه السلام» (و ادخل المسجد حافيا.، الى ان قال: فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فأحرم بالحج. إلخ) ثم إن أفضل مواضعه، (أى المسجد) المقام أو الحجر مخيرا بينهما. و حكى ذلك عن جماعة من الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» لما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم ايضا و هو قوله «عليه السلام»: فيه:) (ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر ثم أقعد حتى تزول الشمس. الى ان قال فأحرم بالحج) و لكن نقل صاحب الجواهر «قدس سره» عن الكافي، و الغنية، و الجامع، و النافع و شرحه، و التحرير، و المنتهى، و التذكرة، و الدروس، القول

بالتخيير بينه و بين تحت الميزاب في الأفضلية) و في كشف اللثام:

(و كان المعنى واحد). و اقتصر في محكي القواعد، و التلخيص، و التبصرة على فضل ما تحت الميزاب، و لم يذكر المقام. قال في الجواهر: (و لم نعثر له شاهد يقتضي فضله على المقام و الأمر في ذلك سهل بعد عدم تعين شي ء منهما قطعا) ثم ان مقتضى الاحتياط هو الاقتصار في حد مكة الذي يجوز الإحرام فيه على ما كان معينا في زمان صدور الرواية و وجهه واضح.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 219

[الخامس ربما يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته و حجه من واحد عن واحد]

قوله قده: (الخامس ربما يقال انه يشترط فيه ان يكون مجموع عمرته و حجه من واحد عن واحد فلو استوجر اثنان لحج التمتع عن ميت أحدهما لعمرته و الأخر لحجة لم يجزى عنه. و كذا لو حج عن شخص و جعل عمرته عن شخص و حجه عن آخر لم يصح و لكنه محل تأمل، بل ربما يظهر من خبر محمد بن مسلم عن أبى جعفر «عليه السلام» صحة الثاني حيث انه قال: سألته عن رجل يحج عن أبيه أ يتمتع؟ قال: نعم، المتعة له و الحج عن أبيه)

نقل القول المذكور في مفروض المسألة صاحب الجواهر «قدس سره» عن بعض الشافعية حيث انه بعد أن ذكر شرائط حج التمتع قال: (و ظاهر الأصحاب عدم اشتراط أمر آخر غير الشرائط الأربعة المتقدمة في حج التمتع، (النية- وقوعه في أشهر الحج- لزوم كون العمرة و الحج في سنة واحدة- إحرامه من بطن مكة-) لكن عن بعض الشافعية (اشتراط أمر آخر و هو كون الحج و العمرة عن شخص واحد فلو أوقع المتمتع الحج عن شخص و العمرة عن آخر تبرعا لم يصح

و يمكن ان يكون عدم ذكر أصحابنا لذلك اتكالا على معلومية كون التمتع عملا واحد عندهم و لا وجه لتبعيض العمل الواحد فهو في الحقيقة مستفاد من كون حج التمتع قسما مستقلا و يمكن أن لا يكون ذلك شرطا عندهم لعدم الدليل على الوحدة المزبورة التي تكون العمرة كالركعة الاولى من صلاة الصبح و الا لم تصح عمرته مثلا مع اتفاق العارض عن فعل الحج الى ان فات بل المراد اتصاله بها و إيجاب إردافه بها مع التمكن و حينئذ فلا مانع من التبرع بعمرته عن شخص و بحجه عن آخر لإطلاق الأدلة بل لعل خبر محمد بن مسلم عن أبى جعفر دال عليه. إلخ) و الأقوى في النظر هو القول باعتبار ان يكون مجموع عمرته و حجه من واحد عن واحد لانه القدر المتيقن في باب النيابة التي هي خلاف الأصل- كما تقدم بيانه مفصلا في مبحث حج النيابي فراجعه و ليس لنا إطلاق كي يتمسك به في إثبات صحته فصحة نيابة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 220

شخصين عن واحد أحدهما لعمرته و الآخر لحجة متوقف على الدليل و هو لم يثبت مضافا الى أنه حسب ما يستفاد من الأخبار الواردة عنهم (عليه السلام) هو كون عمرة التمتع و حجه من قبيل العمل الواحد فلا بد من وقوعهما عن شخص واحد و لم يقل أحد بصحة نيابة اثنان لصلاة الصبح مثلا عن ميت أحدهما لركعتها الاولى و الثاني لركعتها الثانية و بناء على الارتباط تصير العمرة التمتع و حجه من قبيل الجزئين للصلاة كما لا يخفى، و كذلك الحكم في الفرض الذي ذكره «قدس سره» ثانيا و أما ما ذكره «قدس سره» في

المتن من خبر محمد بن مسلم تبعا لصاحب الجواهر «رحمه اللّه» ففيه: أما (أولا): فلا جماله و قاصر عن دلالته على مقصوده لان لقول السائل: فيه، (أ يتمتع) احتمالات:

1- يحتمل أن يكون المراد منه أنه يحج حج التمتع عن أبيه.

2- يحتمل أن يكون المراد منه انه يتمتع لنفسه زائدا على حج المتمتع مع عمرته عن أبيه.

3- ما استظهره المصنف «قده» تبعا لصاحب الجواهر «رحمه اللّه تعالى» فعلا هذا لا يبقى مجال للأخذ به لإجماله و على فرض تسليم ظهوره فيما أفاده و الإغماض أيضا عما دل على ارتباط العمرة بالحج فلا بد من الاقتصار على مورده مضافا الى انه يمكن حمله على إهداء الثواب دون النيابة في خصوص الحج بأن يكون متعة له و حجه عن أبيه، فإنه لم يفصل في الحديث بين الحج الواجب و المستحب و من المعلوم انه لو فرض وجوب الحج على أبيه لم تبرأ ذمته بذلك قطعا، فإنه ان كانت ذمته مشغولة بحج الأفراد فهو خلاف ما أتى به و ان كانت مشغولة بالتمتع فالمفروض انه لم يأت بعمرته عنه و انما أتى بحجة فقط بعنوانه فتدبر.

[مسألة 2 لا يجوز الخروج من مكة بعد عمرة التمتع و قبل الحج]

قوله قده: (المشهور انه لا يجوز الخروج من مكة بعد الإحلال من عمرة التمتع قبل ان يأتي بالحج و أنه إذا أراد ذلك عليه ان يحرم بالحج فيخرج محرما به و ان خرج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 221

محلا و رجع بعد شهر فعليه ان يحرم بالعمرة، و ذلك لجملة من الاخبار الناهية عن الخروج. إلخ)

كصحيح زرارة عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتى الوقت فتلبي بالحج، فإذا أتى مكة طاف و سعى و أحل من كل شي ء

«و هو محتبس، و ليس له ان يخرج من مكة حتى يحج «1» و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام» و نحن بالمدينة، إني اعتمرت في رجب و انا أريد الحج فأسوق الهدى أو أفرد الحج أو أتمتع؟ قال: في كل فضل و كل حسن، قلت:

فأي ذلك أفضل؟ فقال: ان عليا (عليه السلام) كان يقول: لكل شهر عمرة تمتع فهو و اللّه أفضل. ثم قال: ان أهل مكة يقولون ان عمرته عراقية و حجته مكية و كذبوا أو ليس هو مرتبطا بحجه لا يخرج حتى يقضيه «2» و رواه الكليني عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن معاوية بن عمار مثله و ترك قوله: (أن عليا. الى قوله عمرة) و دلالتهما على المدعى واضحة و مقتضى إطلاقهما كما ترى هو حرمة الخروج من مكة حتى الى مكان القريب منها- كالطائف و نحوه- لكنه يقيد بصحيح الحلبي أو حسنه قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل: يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج إلى الطائف؟ قال: يهل بالحج من مكة و ما أحب ان يخرج منها الا محرما و لا يتجاوز الطائف انها قريبة من مكة «3» فإن هذا الحديث كما ترى يدل على جواز الخروج إلى الطائف و شبهه، كما يدل ايضا على كراهته بدون الإحرام بالحج، لقوله «عليه السلام» فيه: (ما أحب ان يخرج الا محرما) و عليه فيحمل ما دل بظاهره على حرمة الخروج إلى الطائف و شبهه، بدون ان يحرم بالحج على الكراهة، و هو خبر على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عن رجل

قدم متمتعا ثم

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 4 من أبواب أقسام الحج حديث: 18

(3) الوسائل ج 2- الباب- 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 222

أحل يوم التروية إله الخروج؟ قال: لا يخرج حتى يحرم بالحج و لا يجاوز الطائف و شبهها «1» و نحوه خبره الآخر قال: و سألته عن رجل قدم مكة متمتعا فأحل أ يرجع؟ قال: لا ترجع حتى يحرم بالحج و لا يجاوز الطائف و شبهها مخافة ان لا يدرك الحج فإن أحب ان يرجع الى مكة رجع و ان خاف ان يفوته الحج مضى على وجهه الى عرفات «2» و يدل ايضا على جواز الخروج الى ما يقرب من مكة المرسل: و هو عنه عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا جعفر «عليه السلام» في عشر من شوال: فقال: أنى أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر؟ فقال: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: ان المدينة منزلي و مكة منزلي و لي بينهما أهل و بينهما أموال؟ فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكة و احتاج الى الخروج إليها؟ فقال: تخرج حلالا و ترجع حلالا الى الحج «3» و بالجملة: مقتضى الجمع بين هذه الاخبار هو التفصيل بين الخروج إلى حوالي مكة و بين الخروج الى ما يقرب من مكة- كالطائف و شبهه- و بين الخروج إلى مسافة بعيدة عن مكة «في الحكم بجواز الخروج عنها على الأول بدون إحرام و بجوازه على الثاني أيضا الا انه على كراهية ان لم يحرم بالحج و بعدم جوازه على الثالث.

و لكن

قد وردت طائفة أخرى من الاخبار تدل على جواز مطلق الخروج مع الإحرام بالحج إذا كان له حاجة، فنقيد بها أيضا إطلاق الصحيحين المتقدمين: [صحيح زرارة و صحيح معاوية بن عمار]- فمنها:

1- صحيح حماد بن عيسى أو حسنه، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضى الحج، فان عرضت له حاجة الى عسفان، أو الى الطائف، أو الى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبيا بالحج فلا يزال على إحرامه، فإن رجع الى مكة رجع محرما و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس الى منى،

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 11

(2) الوسائل ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 12

(3) الوسائل ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 223

قلت: فان جهل فخرج الى المدينة أو الى نحوها بغير إحرام ثم رجع في أبان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ قال: ان رجع في شهره دخل مكة بغير إحرام و ان دخل في غير الشهر دخل محرما، قلت: فأي الإحرامين و المتعتين متعة الأولى أو الأخيرة؟؟ قال: الأخيرة عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته، قلت: فما فرق بين المفردة و عمرته المتعة إذا دخل في أشهر الحج؟ قال: أحرم بالحج و هو ينوي العمرة ثم أحل منها: و ليس عليه دم. و لم يكن محتسبا، لانه لا يكون ينوي الحج «1» 2- خبر حفص بن البختري عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في رجل قضى متعته و عرضت له حاجة

أراد ان تمضى إليها؟ قال: فقال: فلتغتسل للإحرام و ليهل بالإحرام بالحج و ليمض في حاجته، فان لم يقدر على الرجوع الى مكة مضى الى عرفات «2» و رواه الكليني عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير مثله.

3- مرسل أبان بن عثمان عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج الى الحج الا أن يأبق غلامه أو تضل راحلته فيخرج محرما و لا يجاوز الا على قدر ما لا تفوته عرفة «3» و بالجملة الصحيحان المتقدمان [و هما صحيح زرارة و صحيح معاوية بن عمار] و ان كان مقتضى إطلاقهما هو حرمة الخروج من مكة قبل الإتيان بالحج مطلقا، و لكن خرج من إطلاقهما موردان (أحدهما): الخروج منها إلى الطائف و شبهه و لو بدون حاجة مع الكراهة ان لم يحرم إلا إذا خرج الى حوالي مكة لأجل حاجة فيها لجواز الخروج اليه و لو بدون الإحرام من دون كراهة: (ثانيهما): الخروج منها لأجل حاجة و لو الى مسافة بعيدة بشرط الإحرام بالحج بلا ثبوت كراهة فيه، لعدم دليل تعبدي عليه، فان مقتضى الجمع بين الاخبار هو ما ذكرنا لا الحمل على الكراهة، لما قد تقدم منا مرارا و كرارا ان الجمع الموضوعي مقدم على الجمع الحكمي.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 6

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 4

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 224

ثم أعلم أن المراد من الحاجة التي توجب لجواز الخروج من مكة قبل الحج معها هو الحاجة العادية لا الحاجة

الضرورية الموجبة فوتها العسر و الحرج، لإطلاق الحاجة على الأعم كما لا يخفى الا أن يقوم دليل تعبدي بالخصوص على كون المراد منها هو الحاجة العظيمة الموجبة فوتها الخسارة، كما قد يستظهر ذلك من مرسل عثمان المتقدم لما فيه: [لا يخرج من مكة حتى يقضي الحج الا ان يأبق غلامه أو تضل راحلته].

قوله قده: (و الأقوى عدم حرمة الخروج و جوازه محلا حملا للاخبار علي الكراهة- كما عن ابن إدريس رحمه اللّه و جماعه أخرى- بقرينة للتعبير به [لا أحب] في بعض تلك الاخبار)

مراده «قدس سره» من بعض تلك الاخبار هو ما تقدم من صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج إلى الطائف؟ قال: يهل بالحج من مكة و ما أحب أن يخرج منها الا محرما و لا يتجاوز الطائف انها قريبة و (فيه): انه انما يدل على الكراهة في خصوص الخروج الى ما يقرب من مكة بلا إحرام و لا يصير قرينة على حمل مطلق نواحي الخروج على الكراهة بل بعضها غير قابل لهذا الحمل. و من هنا: ظهر ضعف ما مال اليه صاحب الجواهر «قدس سره» في ذيل المبحث حيث قال:) فالمتجه للاقتصار في الخروج على الضرورة و ان لا يخرج منها الا محرما لإطلاق النصوص المزبورة. الى ان قال: «نعم عن التحرير» و النافع، و المنتهى، و التذكرة. و موضع من السرائر، و ظاهر للتهذيب، و موضع من النهاية و المبسوط، كراهة الخروج لا حرمته، للأصل و الجمع بين النصوص بشهادة قوله:

«ما أحب». الى ان قال: «و هو لا يخلو من وجه»:

قوله قده: (و قوله (ع) في مرسلة الصدوق (قده) إذا أراد

المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه الا ان يعلم انه لا يفوته الحج «1» و نحوه الرضوي. إلخ)

و (فيه): أن مرسلة الصدوق ليس بحجة

______________________________

(1) الوسائل: ج 21- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 225

كي ترفع اليد بها عن ظاهر الاخبار المتقدمة الدالة على الحرمة و أسوأ حالا منها الرضوي.

قوله قده: (بل و قوله في مرسل أبان و لا يتجاوز الا على قدر ما لا تفوته عرفة إذ هو و ان كان بعد قوله فيخرج محرما الا انه يمكن ان يستفاد منه ان المدار فوت الحج و عدمه. إلخ)

يريد به أبان بن عثمان عمن أخبره المتقدم ذكره آنفا، و لكن فيه ما لا يخفى أما (أولا): فلأنه يستفاد منه ذلك في خصوص مورده- اعنى فرض الحاجة و الإحرام بالحج، و جواز الخروج له على قدر لا تفوته عرفة و أما مطلقا فلا. و أما (ثانيا): فلان فيه ضعف من حيث السند فلا عبرة به أصلا.

قوله قده: (بل يمكن أن يقال ان المنساق من جميع الأخبار المانعة ان ذلك للتحفظ عن عدم ادراك الحج و فوته، لكون الخروج في معرض ذلك و على هذا فيكن، دعوى»: عدم الكراهة أيضا مع علمه بعدم فوات الحج منه نعم لا يجوز الخروج لا بنية العود أو مع العلم بفوات الحج منه إذا خرج)

كون المنساق من الاخبار المتقدمة ذلك ممنوع جدا سوى مرسلة الصدوق و الرضوي الذي قلنا بعدم حجيتهما. و أما مرسل أبان فقد تقدم ايضا ما فيه من ضعف السند و اختصاص مفاده- من كون العبرة بالفوت- بمورده و أما ما تقدم

من الخبر الثاني لعلي بن جعفر ففيه: ايضا مضافا الى ضعف سنده اختصاص ما يستفاد منه- من كون العبرة بالفوات و عدمه- بمورده- و هو ما إذا خرج محرما بالحج لا مطلقا-

قوله قده: (ثم الظاهر ان الأمر بالإحرام إذا كان رجوعه بعد شهر انما هو من جهة أن لكل شهر عمرة لا ان يكون ذلك تعبدا. إلخ).

هذا ممنوع جدا لظهور الخبر في الوجوب، كما لا يخفى.

قوله قده: (بل هو صريح خبر إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن المتمتع يجي ء فيقضى متعته ثم تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة أو الى ذات

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 226

عرق أو الى بعض المنازل؟ قال «عليه السلام»: يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج. إلخ «1» و حينئذ فيكون الحكم بالإحرام إذا رجع بعد شهر على وجه الاستحباب لا الوجوب، لأن العمرة التي هي وظيفة كل شهر ليست واجبة)

ما أفاده (قدس سره) من الاستدلال على مدعاه بخبر إسحاق بن عمار فمما لا يمكن المساعدة عليه، لأن ما فيه من التعليل بان: [لكل شهر عمرة] لا ينافي صيرورة هذا العمرة المستحبة واجبة بقصد دخول مكة و أنما يدل على انه رخص في عدم الاعتمار لدخول مكة ان دخل فيها في الشهر الأول و لم يرخص في ذلك له ان دخل في غيره لان لكل شهر عمرة فجعل الامام «عليه السلام» استحقاق كل شهر للعمرة علة لعدم نفى العمرة الواجبة لدخول مكة، و هذا لا يدل على عدم وجوبها إذ دخل فيها في غير الشهر الأول فتأمل.

ثم، الظاهر من هذا الحديث هو أن

العبرة بكون شهر الدخول غير شهر التمتع لا كونه غير شهر الخروج، و عليه يحمل ما تقدم من حديث حماد، لانه لم يصرح فيه بكون العبرة بشهر الخروج و انما جي ء فيه بالضمير لقوله عليه السلام فيه: [ان رجع في شهره دخل مكة بغير إحرام و ان دخلها في غير الشهر دخل محرما.] فهو قابل لهذا الحمل في مقام الجمع. نعم، مرسلة الصدوق تدل على ان العبرة بشهر الخروج لا التمتع و هي:

قال الصادق «عليه السلام»: إذا أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك، لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه الا ان يعلم انه لا يفوته الحج، و ان علم و خرج و عاد في الشهر الذي خرج دخل مكة محلا و ان دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما «2» و لكن الذي يسهل الأمر هو عدم حجيتها لإرسالها و في مرسلة حفص و أبان أيضا ذلك

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

(2) الوسائل ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 227

عن رجل عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم قال «عليه السلام»: ان رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام و ان دخل في غيره دخل بإحرام و لكن يرد فيها ما أوردناه في مرسلة الصدوق. ثم الظاهر ان المراد من الشهر هو الشهر الهلالي.

قوله قده: (إذا ترك الإحرام مع الدخول في شهر آخر و لو قلنا بحرمته لا يكون موجبا لبطلان عمرته السابقة فيصح حجه بعدها)

قال الجواهر في آخر البحث:

(ليس في كلامهم تعرض لما لو رجع حلالا

بعد شهر و لو آثما فهل له الإحرام بالحج ثانيا على عمرته الأولى أو انها بطلت التمتع بالخروج شهرا؟ و لكن الذي يقوى في النظر:

الأول، لعدم الدليل على فسادها. إلخ) الكلام في انه إذا دخل مكة بغير إحرام فهل يكفي العمرة السابقة و تكون متعة أو انها بمجرد مضى الشهر تنقلب الى الافراد يمكن ان يقال بالثاني بتقريب ان ما في الاخبار من الأمر بإتيان العمرة ثانيا يكون من قبيل الأمر بشي ء في شي ء الدال على الحكم الوضعي من الجزئية و الشرطية و بضم ذلك الى ما هو المسلم من عدم احتياج حج التمتع الى العمرتين يستكشف سقوط العمرة الأولى عن كونها متعة.

و (فيه): منع ثبوت كون هذا الأمر من قبيل الأمر بشي ء في شي ء و إذا شك في ذلك، فالمرجع حينئذ هو أصالة عدم مانعية ذلك عن كون العمرة متعة و استصحاب بقاء العمرة الأولى على حالتها السابقة من كونها متعة، بل يكفي في نفى القيد الزائد في عمرة التمتع التمسك الإطلاقات المبيّنة و من هنا ظهر: ان كلام صاحب الجواهر «قدس سره» انما يتم بناء على كون الأمر بالإحرام صرف حكم تكليفي و اما بناء على القول بأنه مفيد للحكم الوضعي فلا مجال لاحتساب العمرة الاولى متعة، فيدور الأمر حينئذ بين القول بفسادها و بين القول بانقلابها مفردة.

قوله قده: (الظاهر اختصاص المنع [عن الخروج] على القول به بالخروج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 228

الى المواضع البعيدة فلا بأس بالخروج الى فرسخ أو فرسخين بل يمكن أن يقال باختصاصه بالخروج الى خارج الحرم و إن كان الأحوط خلافه)

قد تقدم عند ذكر الأخبار ان الحق كراهته بلا إحرام.

قوله قده: (ثم الظاهر أنه لا فرق في

المسألة بين الحج الواجب و المستحب فلو نوى التمتع مستحبا ثم أتى بعمرته يكون مرتهنا بالحج و يكون حاله في الخروج محرما أو محلا و الدخول كذلك كالحج الواجب).

ما أفاده (قده) في مفروض المسألة هو الصواب لإطلاق الأخبار المتقدمة.

قوله قده: (ثم أن سقوط وجوب الإحرام عمن خرج محلا و دخل قبل شهر مختص بما إذا أتى بعمرة بقصد التمتع و أما من لم يكن سبق منه عمرة فيلحقه حكم من دخل مكة في حرمة دخوله بغير الإحرام إلا مثل الحطاب و الحشاش و نحوهما. إلخ).

ما أفاده (قدس سره) في مفروض المسألة هو الصواب، و لا ينبغي الكلام فيه.

قوله قده: (و ايضا سقوطه إذا كان بعد العمرة قبل شهر انما هو على وجه الرخصة بناء على ما هو الأقوى من عدم اشتراط فصل شهر بين العمرتين فيجوز الدخول بإحرام قبل الشهر أيضا).

تقدم الكلام في ذلك مفصلا في مبحث العمرة و من أراد الوقوف عليه فليراجعه.

قوله قده: (ثم إذا دخل بإحرام فهل عمرة التمتع هي العمرة الأولى أو الأخيرة مقتضى حسنة حماد انها الأخيرة المتصلة بالحج. إلخ).

ما أفاده (قدس سره) هو الصواب لانه صرح الامام (عليه السلام) بذلك فيه في مقام الجواب عن سؤال السائل حيث قال: السائل: قلت: فأي الإحرامين و المتعتين متعته الأولى أو الأخيرة؟؟ قال (عليه السلام): الأخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته) قال في الجواهر:

فلو جدد عمرة بخروجه محلا لرجوعه بعد شهر تمتع بالأخيرة و تصير الأولى مفردة لحسن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 229

حماد السابق و لارتباط العمرة التمتع بحجه و ظهور الآية في الاتصال بل في كشف اللثام و لعله اتفاقي.

قوله قده: (و عليه لا يجب

فيها طواف النساء و هل يجب حينئذ في الأولى أولا؟

وجهان؟ اقوائهما: نعم، و الأحوط الإتيان بطواف مردد بين كونه للأولى أو الثانية) قال في الجواهر: (و الظاهر عدم طواف النساء عليه، و ان احتمله بعضهم، لأنه أحل منها بالتقصير و ربما أتى النساء قبل الخروج و من البعيد جدا حرمتهن عليه بعده من غير موجب و قال في كشف اللثام: (و هل عليه طواف النساء للأولى احتمال، كما في الدروس من انقلابها مفردة و من إحلاله منها بالتقصير و ربما أتى النساء قبل الخروج و من البعيد جدا حرمتهن عليه بعده من غير موجب، و هو أقوى)

ما أفاد (قدس سره): من ان الأقوى هو وجوب طواف النساء للعمرة الاولى هو الصواب، لأنه بعد انفصالها عن الحج يستكشف كونها عمرة مفردة من أول الأمر، و قد صرح الامام (عليه السلام) في صحيح حماد أن متعته الأخيرة في مقام الجواب عن سؤال السائل فيجب عليه أن يأتي بطواف النساء بعنوان عمرته الاولى و المفروض انه لم يكن مقيدا بوقت كما هو واضح و (بعبارة اخرى): ان أمر العمرة الاولى يدور بين القول بوقوعها عمرة مفردة واقعا و لكن في الظاهر كانت محكومة بأنها عمرة التمتع و بين القول بفسادها من أصلها بعد ان أحرم ثانيا لها فعلى الثاني يحكم بعدم لزومه كما هو واضح و على الثاني فيتعين الحكم بوجوبه، لما قد ثبت في محله وجوب طواف النساء في العمرة المفردة و من هنا ظهر ضعف ما أفاده صاحب كشف اللثام (رحمه اللّه تعالى) من ان الأقوى عدم وجوبه و كذا ما افاده صاحب الجواهر (قدس سره) تبعا له و وجه الأقوائية حسب ما يستفاد من كلامه

ليس الا مجرد استبعاد الحرمة بعد التحليل و هو كما ترى لعدم المانع من إحلاله من كل شي ء إلا النساء فتدبر.

[مسألة 3 لا يجوز لمن وظيفته التمتع أن يعدل إلى غيره]

قوله قده: (لا يجوز لمن وظيفته التمتع أن يعدل الى غيره- من القسمين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 230

الأخيرين- اختيارا. نعم «ان ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج جاز له نقل النية الى الافراد و أن يأتي بالعمرة بعد الحج بلا خلاف و لا اشكال، و انما الكلام في حد الضيق المسوغ لذلك و اختلفوا فيه على أقوال: (الأول): خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة. (الثاني): فوات الركن من الوقوف الاختياري- و هو المسمى منه.

(الثالث): فوات الاضطراري منه. (الرابع): زوال يوم التروية (الخامس):

غروبه: (أى يوم التروية). (السادس) زوال يوم عرفة. (السابع): التخيير بعد زوال يوم التروية بين العدول و الإتمام إذا لم يخف الفوت، و المنشأ اختلاف الأخبار، فإنها مختلفة أشد الاختلاف. و الأقوى أحد القولين الأولين، لجملة مستفيضة من الاخبار، فإنها يستفاد منها على اختلاف ألسنتها ان المناط في الإتمام عدم خوف فوت الوقت بعرفة)

منشأ الاختلاف في ذلك- كما افاده المصنف «قدس سره»- هو اختلاف الأخبار الواردة في المقام فإنها على طوائف عديدة:

(الأولى): ما دلت على أن العبرة بخوف فوت الوقوف بعرفات- منها:

1- خبر الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل أهل بالحج و العمرة جميعا، ثم قدم مكة و الناس بعرفات فخشي ان هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف؟ قال: يدع العمرة، فإذا أتم حجه، صنع كما صنعت عائشة، و لا هدى عليه «1» يمكن الاستدلال به على ان العبرة بخوف فوت الركن من الوقوف بعرفات، حيث انه دل على ترك المتعة

حين ما كان الناس بعرفات و هو بمكة، و مقتضى العادة هو كون الناس بعرفات في أول الزوال من يوم عرفة فلازم ذلك فوت مقدار من الوقوف من أول الزوال فالذي يخاف فوته من الوقوف هو فوت الركن لا انه يخاف فوته عن أول الزوال، لفوته منه ذلك من أول الزوال فيكون مراد السائل خوف فوت مسمى الوقوف و انه يسأل هل

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 231

يجوز له المتعة أولا فأجاب الإمام «عليه السلام» يترك المتعة و يأتي الحج يمكن المناقشة فيه بأن هذه الخصوصية- أعني خوف فوت المسمى- انما هي في كلام السائل و كان مورد السؤال ذاك الرجل فأجاب بما ذكر و بين حكمه به. و اما من كان بمكة قبل الزوال و خاف فوت الوقوف من أول الزوال و لم يبين حكمه، يحتمل ان يكون حكمه ترك العمرة و إتيان الحج فلا يكون لها مفهوم أصلا و لكنه لا يخلو من التأمل 2- خبر يعقوب بن شعيب، قال: سمعت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: لا بأس للمتمتع أن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له ما لم يخف فوت الموقفين «1» و هذا كما ترى وارد في إحرام الحج قال في الوافي و في بعض النسخ: [أن يحرم من ليلة عرفة] مكان: [ان لم يحرم من ليلة التروية]. على ما حكاه صاحب الحدائق «رضوان اللّه تعالى عليه» و غيره 3- خبر محمد بن سرو قال: كتبت الى أبى الحسن الثالث «عليه السلام» ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وافى غداة عرفة و خرج الناس

من منى الى عرفات أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه الى اى وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية و لا ليلة التروية فكيف يصنع؟ فوقع «عليه السلام» ساعة يدخل مكة (أن شاء اللّه تعالى) يطوف و يصلى ركعتين، و يسعى و يقصر و يخرج بحجته، و يمضى إلى الموقف و يفيض مع الامام «2» قال المحقق الشيخ بن زيد الدين (رحمهما اللّه تعالى) في كتاب المنتقى على ما حكى عنه في الحدائق و الوافي: ان محمد بن سرو هو ابن جزك. و الغلط وقع في اسم أبيه من الناسخين و صاحب الحدائق قبل ان يذكر الحديث قال: (و ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن سرو و هو مجهول) ثم انه «قدس سره» بعد أن نقل ما في المنتقى- و هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث 5

(2) الوسائل ج 2- الباب- 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 16

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 232

ما عرفت قال: (و حينئذ فالخبر صحيح. لان محمد بن جزك ثقة) أقول: لو ثبت ذلك:

(أى وقوع الغلط في اسم أبيه من الناسخين، كما أفاده المحقق في كتاب المنتقى) فحينئذ لا إشكال في كون الخبر صحيحا و لا بد من الاعتماد عليه و لكن الكلام في تمامية هذا القول، لعدم المستند ظاهرا لكون كلمة سرو غلطا من الناسخين و كونه ابن جزك سوى ان الراوي عنه هو عبد اللّه بن جعفر الحميري (رحمه اللّه تعالى) و هو الذي يروى عن محمد بن جزك، و انه روى عن ابى الحسن الثالث (عليه السلام) و الذي يروى عنه هو محمد

بن جزك. و أما محمد بن سرو فليس له عين و لا أثر في كتب الرجال و انما الموجود فيها هو كون محمد بن جزك من أصحاب أبي الحسن الثالث «عليه السلام» هذا غاية ما يمكن ان يقال في كونه محمد بن جزك و ان كلمة «سرو» غلط من الناسخين و لكن الإنصاف ان هذا كله لا يوجب الاطمئنان بكون كلما سرو غلطا منهم و الصحيح كونها جزك، لاحتمال كونه شخصا آخر الذي أهمل في كتب الرجال و كما أهمل فيها غيره من أشخاص أخر و أنه روى عند عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبى الحسن الثالث (عليه السلام) كما روى عن محمد بن جزك عنه «عليه السلام».

4- خبر أبى بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) تجيى ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت فيكون طهرها يوم عرفة؟ فقال: ان كانت تعلم انها تطهر فتطوف بالمبيت و تحل من إحرامها و تلحق الناس فلتفعل «1» هذا الحديث وارد في خصوص الحائض، و لكنه كما ترى مطلق من حيث الواجب و المسمى و كيف كان فقد افتى بمضمون هذه الاخبار- أعني التحديد بخوف فوت الموقف جماعة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»، و لكن المشهور بين تلك الجماعة هو أن العبرة بفوات الركن، و هو الظاهر من هذه الطائفة من الاخبار، فإن الظاهر من كلمة

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 84- من أبواب الطواف حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 233

فوت الموقف هو فوته تماما، اختاره العلامة «قدس سره» في القواعد، و هو منسوب الى الحلبيين «و ابن إدريس و سعيد «و حكى عن الشهيد الأول «قدس سره» في الدروس تقوية اشتراط ادراك

الموقف الاختياري تمسكا بما عن زرارة قال: سألت أبا جعفر «عليه السلام» عن الرجل يكون في يوم عرفة و بينه و بين مكة ثلاثة أميال و هو متمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال «عليه السلام»: يقطع التلبية: تلبية المتعة، و يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر و يمضى اى عرفات، فيقف مع الناس، و يقضى جميع المناسك، و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم و لا شي ء عليه «1» و لكن دلالة هذا الحديث على مدعاه- و هو كون العبرة بدرك اختياري عرفة- تأمل، لاحتمال كونه من الاخبار الدالة على التحديد بأول زوال يوم عرفة، فتدبر.

(الثانية): ما دلت على التحديد بزوال الشمس من يوم عرفة- منها.

1- صحيحة جميل بن دراج، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر «2» يمكن الاستدلال به على حد كون ضيق وقت العمرة خوف فوت الركن الاختياري من الوقوف بعرفات، لأنه إذا تمتع الرجل الى زوال الشمس من يوم عرفة كان حينئذ بمكة، فعليه لا يمكنه ان يدرك تمام الوقوف الاختياري بعرفات بل يمكنه درك الركن من الوقوف- و هو المسمى منه. و لكن يمكن المناقشة فيه انه إذا كان المناط هو ادراك المسمى من الوقوف لزم جواز تأخير المتعة الى بعد زوال الشمس بمقدار يمكنه درك المسمى من الوقوف في عرفات مع ان ذلك مخالف لها، حيث انه وقت فيه صريحا حد المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة فمقتضى هذا التحديد كما ترى عدم جواز التأخير عن أول الزوال من يوم عرفة، فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج

حديث: 7

(2) الوسائل ج 2- الباب- 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 15

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 234

2- مرفوعة سهل بن زياد، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في متمتع دخل يوم عرفة؟ قال: متعته تامة الى ان يقطع التلبية «1» و قطع التلبية كناية عن زال الشمس من يوم عرفة، لانه وقت القطع، يمكن ان يقال أن مقتضاه كفاية درك مسمى الوقوف الاختياري بتقريب الذي تقدم آنفا للاستدلال بصحيحة جميل بن دراج على ذلك، حيث أنه من البعيد إتمام العمرة قبل الزوال من عرفة و إدراك الناس في أول زوال الشمس بعرفات مضافا الى صدق ادراك الموقف إذا أدرك الناس قبل غروب الشمس من يوم عرفة و يمكن المناقشة فيه بما عرفته في الاستدلال بصحيحة جميل بن دراج على ذلك، لأن المنساق منه هو ادراك تمام الواجب الذي لا يتحقق الا باستيعاب تمام ما بين زوال الشمس و غروبها بالوقوف و ان كان الركن هو المسمى، و لكن مع ذلك لا يخلو من تأمل و كيف كان و قد عمل بمضمون هذه الاخبار- أعني التحديد بزوال الشمس من يوم عرفة- جماعة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»، كما حكى عن المبسوط و النهاية قال الشيخ في النهاية على ما حكاه صاحب الحدائق «قده»: (فإذا دخل مكة يوم عرفة جاز له ان يتحال ايضا ما بينه و بين زوال الشمس، فإذا زالت الشمس فقد فاته العمرة و كانت حجة مفردة) و حكى ايضا عن الوسيلة و المهذب و الذخيرة و هو منسوب الى صاحب كاشف اللثام و لكن حكى عنه ان ذلك في غير من يتعين عليه التمتع و الا لم يجز العدول ما

لم يخف فوتها بفوت اضطراري عرفة. و اختاره صاحب المدارك «قدّس سرّه»، حيث انه بعد ان نقل من الشيخ (رحمه اللّه تعالى) ما في النهاية بعين ما نقله صاحب الحدائق فيها قال: (و الأصح ما اختاره الشيخ في النهاية- من فوت المتعة بزوال الشمس من يوم عرفة- و استدل لمدعاه بصحيحة جميل بن دراج المتقدم و استشهد بحسنة الحلبي المتقدم عند ذكر الطائفة الاولى من الاخبار)، و كيف كان لا يعارض هاتين الطائفتين من الاخبار ما عن، أبى الحسن موسى

______________________________

(1) الوسائل ج 3- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 235

«عليه السلام» انه قال: أهل بالمتعة بالحج يريد يوم التروية إلى زوال الشمس و بعد العصر و بعد المغرب و بعد العشاء الآخرة ما بين ذلك كله واسع «1» و لا خبر محمد بن ميمون قال:

قدم أبو الحسن «عليه السلام» متمتعا ليلة عرفة فطاف و أحل و أتى جواريه ثم أحرم بالحج و خرج «2» و لا خبر شعيب العقرقوفي قال: خرجت أنا و حديد فانتهينا الى البستان يوم التروية فتقدمت على حمار فقدمت مكة فطفت و سعيت و أحللت من تمتعي ثم أحرمت بالحج و قدم حديد من الليل، فكتبت الى أبى الحسن «عليه السلام» في أمره فكتب الى مره يطوف و يسعى و يحل من متعته و يحرم بالحج و يلحق الناس بمنى و لا يبيتن بمكة «3» أن و الظاهر المراد من ادراك الناس بمنى في الرواية الأخيرة و إدراكهم قبل الوقوف بعرفات لا بعد الوقوف فتأمل.

(الثالثة): ما دلت على التحديد بغروب يوم التروية- منها:

1- صحيح عيص بن القسم، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه

السلام» عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية: صلاة العصر، تفوته المتعة؟ فقال: له ما بينه و بين غروب الشمس و قال: قد صنع ذلك رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» «4» 2- خبر إسحاق بن عبد اللّه، قال: سألت أبا الحسن موسى «عليه السلام» عن المتمتع يدخل مكة يوم التروية؟ فقال: للمتمتع ما بينه و بين الليل «5» 3- صحيح عمر بن يزيد. عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا قدمت مكة يوم التروية و أنت متمتع فلك ما بينك و بين الليل ان تطوف بالليل و تسعى و تجعلها متعة «6».

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 13

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 4

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 10

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 11

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 12

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 236

4- خبر إسحاق بن عبد اللّه، عن أبى الحسن «عليه السلام» قال: المتمتع إذا قدم ليلة عرفة فليس له متعة يجعلها حجة مفردة. إلخ «1» 5- خبر موسى بن عبد اللّه، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن المتمتع يقدم مكة ليلة عرفة؟ قال: لا متعة له يجعلها حجة مفردة و يطوف بالبيت و يسعى بين الصفاء و المروة و يخرج إلى منى و لا هدى عليه و انما الهدي على المتمتع «2» 6- خبر زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن المتمتع إذا دخل يوم

عرفة؟ قال: لا متعة له يجعلها عمرة مفردة «3» و لكن يمكن المناقشة في دلالة الخبرين الأخيرين على المقصود أما خبر موسى بن عبد اللّه فلعدم دلالته على التحديد بآخر يوم التروية و غاية ما يدل عليه هو أنه لا متعة له في ليلة عرفة. و أما ان حد انتهاء وقت المتعة ما ذا فلا يستفاد منه فتأمل. و أما خبر زكريا بن آدم فلدلالته على نفى المتعة في يوم عرفة و لا يدل على ما هو الحد، كما لا يخفى، و كيف كان فقد حكى عن الصدوق «قدس سره» في المقنع و الشيخ المفيد «رحمه اللّه تعالى» في المقنعة العمل بمضمون هذه الطائفة من الاخبار حيث قال الصدوق في المقنع: (فان قدم المتمتع يوم التروية فله ان يتمتع له ما بينه و بين الليل و أن قدم ليلة عرفة فليس له ان يجعلها متعة بلى يجعلها حجة مفردة، فإن دخل المتمتع مكة فنسي أن يطوف بالبيت و بالصفاء و المروة حتى كان ليلة عرفة فقد بطلت متعته و يجعلها حجة مفردة) و قال الشيخ المفيد على ما حكاه صاحب المدارك «قدس سره»: (من دخل مكة يوم التروية و طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة فأدرك قبل مغيب الشمس أدرك المتعة «فإذا غايت الشمس قبل أن يفعل ذلك فلا متعة له فيقيم على إحرامه و يجعلها حجة مفردة» و نقل الشهيد الأول «قدس سره» في الدروس عن الحلبي من قدماء أصحابنا انه قال: وقت طواف العمرة إلى غروب الشمس يوم التروية للمختار و المضطر الى ان يبقى ما يدرك

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 9

(2) الوسائل ج

2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 10

(3) الوسائل ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 237

عرفة في آخر وقتها على ما حكى في الحدائق.

(الرابعة): ما دلت على التحديد بأول يوم التروية- منها:

1- صحيحة على بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن موسى «عليه السلام» عن الرجل و المرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج يدخلان مكة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال:

يجعلانها حجة مفردة، و حد المتعة إلى يوم التروية «1» 2- صحيحة جميل بن دراج، قال سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية؟ قال: تمضى كما هي الى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة «2» قال ابن أبى عمير: (كما صنعت عائشة) و رواه الصدوق بإسناده عن جميل مثله الى قوله: (فتجعلها عمرة) و كيف كان هذا الحديث كما ترى وارد في خصوص الحائض و لا يمكن التعدي من مورده الى غيره، لاحتمال خصوصية لها.

3- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج، قال: أرسلت الى أبى عبد اللّه «عليه السلام» أن بعض من معنا من صرورة النساء قد اعتللن فكيف نصنع؟ قال تنظر ما بينها و بين التروية فإن طهرت فلتهل، و الا فلا يدخل عليها التروية الا و هي محرمة «3» 4- رواية إسحاق بن عبد اللّه عن أبى الحسن «عليه السلام» قال: المتمتع إذا قدم ليلة ليلة عرفة فليس له متعة يجعلها حجة مفردة إنما المتعة إلى يوم التروية «4» و لم نجد عاملا بها.

(الخامسة): ما دلت على التحديد بأول يوم عرفة- منها:

1- حديث زرارة قال: سألت أبا جعفر «عليه السلام» عن الرجل يكون

في يوم

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 11

(2) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(3) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 15

(4) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 238

عرفة و بينه و بين مكة ثلاثة أميال و هو متمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال: يقطع التلبية تلبية: المتعة و يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر و يمضى الى عرفات فيقف مع الناس و يقضى جميع المناسك و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم و لا شي ء عليه «1» و هذا هو الذي تمسك به الشهيد «قدس سره» لتقوية مدعاه في الدروس و قد أشرنا إليه آنفا فإنه يصير دليلا على التحديد بأول عرفة على احتمال، و لكن الإنصاف إجماله كما يظهر من التأمل في متنها.

2- ما تقدم خبر زكريا بن آدم انه سأله السائل فيه عن المتمتع إذا دخل يوم العرفة و أجابه لا متعة له.

3- ما عن دعائم الإسلام عن أبى جعفر «عليه السلام» انه سأل عن المتمتع يقدم يوم التروية؟ قال: إذا قدم مكة قبل الزوال طاف بالبيت و حل فإذا صلى الظهر أحرم و ان قدم آخر النهار فلا بأس أن يتمتع و يلحق الناس بمنى، و ان قدم يوم عرفة فقد فاتته المتعة و يجعلها حجة مفردة «2» هذا الحديث أيضا لا يخلو من الإشكال، لإمكان حمله على الطائفة الآتية من الاخبار، مضافا الى عدم عمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بهذه الطائفة لو تمت سندا و دلالة.

(السادسة): ما دلت على التحديد بإدراك الناس بمنى- منها:

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود

بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 2، ص: 238

1- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال: المتمتع يطوف بالبيت و يسعى بين الصفاء و المروة ما أدرك الناس بالمني «3» 2- صحيح مرازم بن حكيم قال: قلت لأبي عبد الله «عليه السلام»: المتمتع يدخل ليلة عرفة أو المرأة الحائض متى يكون لها المتعة، قال: ما أدركوا الناس بمنى «4»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

(2) المستدرك ج 2- الباب- 15- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

(4) الوسائل ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 239

3- مرسل ابن بكير عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المتعة متى تكون؟ قال: يتمتع ما ظن انه يدرك الناس بمنى «1» 4- عن هشام و مرازم و شعيب كلهم عن أبى عبد اللّه عليه السلام في الرجل المتمتع يدخل ليلة عرفة فيطوف و يسعى ثم يحرم و يأتي بمنى؟ فقال: لا بأس «2» و رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمر الا انه قال: ثم يحل ثم يحرم.

و في دلالة هذا الحديث على التحديد بذلك مناقشة واضحة.

5- خبر أبى بصير قال قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) المرأة تجيى ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة؟ فقال: ان كانت تعلم انها تطهر و تطوف بالبيت و تحل من إحرامها و تلحق الناس بمنى فلتفعل «3» و رواه الشيخ

بإسناده عن أحمد بن محمد عن الحسين عن النضر عن محمد بن أبي حمزة عن أبي بصير و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد مثله و كيف كان هذا الحديث كما ترى وارد في خصوص الحائض فلا بد من الاقتصار على مورده على فرض تماميته سندا الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام».

و بالجملة هذه الطائفة من الاخبار و ان كان بعضها غير تام سندا أو دلالة لكن بعضها تام سندا و دلالة و لكن لم نجد من أفتى بمضمونها من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) (السابعة): ما دلت على التحديد بزوال الشمس من يوم التروية- منها:

1- صحيحة إسماعيل بن بزيع قال: سألته أبا الحسن الرضاء (عليه السلام) عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل ان تحل منى تذهب متعتها؟ قال: كان أبو جعفر «عليه السلام» يقول: زوال الشمس من يوم التروية، و كان موسى «عليه السلام» يقول:

صلاة الصبح من يوم التروية، فقلت جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 6

(2) الوسائل ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 240

و يطوفون و يسعون ثم يحرمون بالحج؟ فقال: زوال الشمس، فذكرت له رواية عجلان أبى صالح [1]؟ فقال: لا إذا زالت الشمس ذهبت المتعة، فقلت: فهي على إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال لا هي على إحرامها، قلت: فعليها هدى؟ قال: لا الا ان تحب ان تطوع. ثم قال: أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل ان نحرم فأتتنا

المتعة «1» 2- ما عن الفقه الرضوي، فإن طهرت ما بينها و بين التروية قبل الزوال فقد أدركت متعتها. الى أن قال: و ان طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة. و حكى هذا القول عن على بن بابويه «قدس سره» و عن الشيخ المفيد (رحمه اللّه تعالى) و العمدة في وجه هذا القول هو ما عرفته من صحيحة إسماعيل بن بزيع و أما الرضوي فلا عبرة به. أما (أولا): فلعدم ثبوت كونه حديثا. و أما (ثانيا فلضعف سنده، مع أنه ورد في خصوص الحائض.

(الثامنة): ما دلت على التحديد بسحر عرفة- منها، 1- صحيحة محمد بن مسلم قال قلت: لأبي عبد اللّه «عليه السلام» الى متى يكون للحاج

______________________________

[1] رواية عجلان أبى صالح، هي ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن درست، عن عجلان أبى صالح قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»، متمتعة قدمت مكة فرأت الدم كيف تصنع؟ قال: «عليه السلام»: تسعى بين الصفاء و المروة و تجلس في بيتها، فان طهرت طافت بالبيت و ان لم تطهر فإذا كانت يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلت بالحج و خرجت إلى منى فقضت المناسك كلها، فإذا قدمت مكة طاف بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفاء و المروة فإذا فعلت ذلك فقد حل لها كل شي ء ما عدا فراش زوجها قال: و كنت أنا و عبد اللّه بن صالح سمعنا هذا الحديث في المسجد فدخل عبيد اللّه على أبى الحسن «عليه السلام» فخرج الى فقال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رواية عجلان فحدثنا بنحو ما سمعنا عن عجلان «2».

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث:

14

(2) الوسائل ج 2- الباب- 84- من أبواب الطواف حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 241

عمرة قال: الى السحر من ليلة عرفة «1» و لكن لم نجد من افتى بمضمونها من الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» فهذه الروايات- كما ترى- معارضة بعضها مع بعض، و يمكن الجمع بينها مع صرف النظر عن أعراض المشهور بوجوه:

(الأول)- حمل الاخبار على تفاوت مراتب الفضل، بان يحمل ما دل على التحديد بزوال الشمس من يوم التروية على كون الإتيان بالعمرة قبله أفضل من الإتيان بها بعده، و ما دل على التحديد بغروب يوم التروية على كون إتيانها قبله أفضل من الإتيان بها بعده، و ما دل على التحديد بأول يوم التروية على كون الإتيان بها قبله أفضل من الإتيان بها بعده، و ما دل على التحديد بسحر عرفة على كون الإتيان بها قبله أفضل من الإتيان بها بعده و هكذا الى ان يصل الى وقت الاجزاء- و هو قبل فوت الموقف- و اختاره الشيخ رحمه اللّه تعالى في التهذيب حيث انه بعد أن ذهب الى ان المتمتع بالعمرة إلى الحج تكون عمرته تامة إذا أدرك الموقفين قبل زوال الشمس من يوم عرفة و إذا زالت تفوته المتعة قال: (الا ان مراتب الناس تتفاضل بالفضل و الثواب، فمن أدرك يوم التروية عند زوال الشمس يكون ثوابه أكثر و متعته أكمل ممن لحق بالليل، و من أدرك بالليل يكون ثوابه دون ذلك و فوق من يلحق يوم عرفة الى بعد الزوال، و الاخبار التي وردت في أن من لم يدرك يوم التروية فقد فاتت المتعة المراد بها فوات الكمال الذي يرجوه بلحوقه يوم التروية و ما تضمنت من قوله: (و

يجعلها حجة مفردة) فالإنسان بالخيار في ذلك بين ان يمضي المتعة و بين ان يجعلها حجة مفردة إذا لم يخف فوات الموقفين و كانت حجته غير حجة الإسلام التي لا يجوز فيها الافراد مع الإمكان حيث ما بيناه و انما يتوجه وجوبها و الحتم على أن تجعل حجة مفردة إن غلب على ظنه أنه ان اشتغل بالطواف و السعى و الإحلال ثم الإحرام بالحج يفوته الموقفان، و مهما حملنا هذه الاخبار على ما ذكرنا

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 242

لم يكن قد دفعنا شيئا منها). و اختاره ايضا صاحب المدارك «قدس سره» حيث أنه بعد أن نقل هذا القول من الشيخ «رحمه اللّه تعالى» قال: (و هو في غاية الجودة) و قال صاحب الجواهر و المراد تفاوت مراتب افراد المتعة في الفضل بمعنى أن أفضل أنواع المتمتع ان تكون عمرته قبل ذي الحجة، ثم يتلوه ما تكون عمرته قبل يوم التروية، ثم ما يكون قبل عرفة، ثم ما يمكن معها ادراك الموقفين، ثم من كانت فرضه التمتع يكتفي بإدراك الأخير منها. إلخ) و كيف كان يمكن ان يشهد لهذا الجمع بما في ذيل صحيحة إسماعيل بن بزيع المتقدم عند ذكر الطائفة السابعة من الاخبار و هو قوله «عليه السلام»: (أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل ان نحرم فأتتنا المتعة)، فإن المراد بفوت المتعة عند رؤية هلال ذي الحجة انما هو أفضل الأفراد- كما هو واضح- لا فوت وقت المتعة لهم بمجرد رؤيتهم الهلال، و ذلك لجواز الإتيان بالعمرة التمتع في شهر ذي الحجة بلا اشكال و (فيه):

انه جمع بلا شاهد، فلا

يصار اليه. و أما صحيحة إسماعيل بن بزيع فلا يمكن جعلها شاهدا عليه، لاحتمال ان يكون المراد منه فوت وقت المتعة عند رؤية الهلال، لأجل اختصاص الامام (عليه السلام) بالإتيان بها قبل رؤية الهلال من ذي الحجة، فلا ينافي جواز الإتيان بها في شهر ذي الحجة لغير الامام.

و أما ما افاده الشيخ «رحمه اللّه تعالى» في التهذيب- من ان المراد بفوت المتعة إذا لم يدرك يوم التروية هو فوت الكمال (ففيه): أن ذلك لا يلائم الأمر بالعدول الى الافراد الذي هو حقيقة في الوجوب، و قد ذكرنا في الأصول ان الجملة الخبرية إذا وردت في مقام الطلب فهي آكد فيه.

ثم انه على فرض تسليم ذلك و القول بأن له الخيار بين ان يمضي المتعة و بين ان يجعلها حجة مفردة إذا لم يخف فوت الموقفين نقول: انه لا وجه للتخصيص بغير حجة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 243

الإسلام، لشمولها الاخبار، لإطلاق جميع الطوائف من الاخبار [1] (الثاني) حمل الاخبار على بيان ان للعمرة التمتع أوقاتا مختلفة- و هو طريق آخر لحملها على بيان مراتب الفضل 1- ما يكون وقتها الاضطراري- و هو بعد زوال الشمس من يوم عرفة الى ان يدرك المسمى من الوقوف.

2- ما يكون وقتها الاختياري و هو على قسمين: وقت الاجزاء و وقت الفضيلة.

أما (الأول): و هو وقت الاجزاء- فهو يوم عرفة ما قبل زوال الشمس.

و أما (الثاني):- و هو وقت الفضيلة فله مراتب:

1- ما يكون في الفضل الى زوال الشمس من يوم التروية.

2- إلى غروب الشمس من يوم التروية.

3- إلى سحر عرفة. و الشاهد له هو نفس اختلاف الروايات الواردة عنهم «عليهم السلام» في مقام التحديد نظير الجمع بين الروايات

المختلفة الواردة في التحديد في أوقات الصلاة. و لكن لا يخفى ما فيه، و ذلك لعدم إمكان جعل نفس الاختلاف شاهدا على الجمع و أما الجمع بين الاخبار المختلفة الواردة في التحديد في أوقات الصلاة فإنما كان لأجل بعض النصوص الخاصة فيصح هناك تلك الجمع و هذا بخلافه في مفروض المقام، لعدم الشاهد له من الاخبار فلا يصار اليه.

(الثالث)- حملها على اختلاف النّاس من جهة الوصول الى العرفات للوقوف بها- كما ذكره صاحب الجواهر «قدس سره»- لان بعض منهم لا يصل الى عرفات في أول

______________________________

[1] المؤلف: مضافا الى ان صحيح ابن الحجاج المتقدم في التحديد بيوم التروية مورده صرورة النساء فحجهن غير حجة الإسلام، لتصريح السائل فيه بذلك حيث قال: (ان بعض من معنا من صرورة النساء قد اعتللن فكيف نصنع) و اجابه الإمام «عليه السلام»: (بأنها تنظر ما بينها و بين التروية. إلخ).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 244

زوال الشمس من يوم عرفة إلا إذا خرج إليها من أول زوال الشمس من يوم التروية و منهم لا يصل إليها إلا إذا خرج إليها من غروب الشمس من يوم التروية و منهم لا يصل إليها إلا إذا خرج إليها من غروب يوم التروية و منهم لا يصل إليها إلا إذا خرج إليها في سحر عرفة و منهم لا يصل إليها إلا إذا خرج بعد صلاة الفجر من يوم عرفة و يكون حد العمرة هو ما يدرك فيه بعد الإتيان بالعمرة الوقوف بالعرفات. و (فيه) انه جمع بلا شاهد فلا عبرة به.

(الرابع)- حملها على التخيير. و (فيه): ما كان في سابقه، و يمكن ان يقال بالتخيير الأصولي و لكنه لم يلتزم به أحد من الأصحاب

«رضوان اللّه تعالى عليهم» في المقام و كيف كان فالمعارضة باقية على حالها و لكن حيث ان الروايات الدالة على التحديد بزوال الشمس معمولا بها عند الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و ان الظاهر منها هو خوف الواجب من الوقوف الاختياري بعرفات- و هو أول زوال الشمس من يوم عرفة الى غروبه- لتعين العمل بها و لكن الظاهر من الطائفة الأولى- الدالة على التحديد بخوف فوت الموقف- هو وجوب المسمى- كما ذكرنا لان الظاهر من خوف فوت الموقف هو فوته تماما.

و كيف ما كان و أما باقي الطوائف فلم يجرى العمل على طبقها الا الطائفتين منها:

(الأولى): هي الطائفة الثالثة من الاخبار المتقدمة- الدالة على تحديد المتعة إلى غروب يوم التروية- و لم يعمل بها الا الشيخ المفيد «قدس سره» في المقنعة على ما حكى عنه و الصدوق «رحمه اللّه تعالى في المقنع كما ذكرنا ذلك سابقا بعد ذكرها- (و الثانية) هي الطائفة السابعة من الاخبار- الدالة التحديد بزوال الشمس من يوم التروية- و لم يعمل بها أحد إلا ابن بابويه على ما حكى عنه فلأجل ذهاب جل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»، الى خلافها فلا يبقى مجال للاعتماد عليها و أما الطوائف الأخر فلم يعمل بها أصلا-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 245

كما أشرنا الى ذلك عند ذكرها فلا مجال للاعتماد عليها- كما لا يخفى فالعمدة هي الطائفتين الأولتين من الاخبار.

ثم انه بناء على القول بتعارض الروايات و تساقطها كان المرجع هو ما دل علي ان من أدرك المشعر فقد درك الحج و من فاته المشعر فقد فاته الحج فعليه التمتع الا ان لم يدرك المشعر، و ذلك لأنه إذا كان الإتيان بالعمرة موجبا لفوات

المشعر فإنه حينئذ غير متمكن من الحج التمتع- كما هو واضح- فينقلب حج تمتعه الى الافراد و الا فلا دليل على الانقلاب. و (فيه): انه لا يمكن الاستدلال بما دل على ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج في مفروض المقام و ذلك لوروده في صورة كون الوقت مضيقا في حد نفسه لا في صورة كون الإتيان بالعمرة موجبا للضيق- كما هو المفروض- فهو أجنبي عن المقام بل بناء على التساقط لا إشكال في فوت المتعة و الانقلاب الى الافراد إذا كان إتيانه بالعمرة موجبا لفوت الموقف، فإنه القدر المتيقن من اخبار الباب، لان القدر المتيقن منها هو انتهاء وقت العمرة إلى أول زوال الشمس من يوم عرفة، لثبوت التعارض بين الروايات في ما قبل الزوال من يوم عرفة الى أول زوال الشمس من يوم التروية. و أما في ما بعد الزوال من يوم عرفة فقد اتفقت الروايات على عدم جواز إتيان العمرة فيه.

ثم أن في مورد الانقلاب يكون القول بإجزاء الأفراد عن التمتع مشكلا و دلالة قوله عليه السلام: (لا شي ء عليه) في ذيل ما تقدم من حديث زرارة على ذلك بالإطلاق مشكلة كما لا يصح التمسك لذلك بالمرسل عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» عن المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة أقام إلى هلال المحرم و اعتمر فأجزأت عنه مكان عمرة المتعة «1» فإنه يكفيه إرساله و أما الاستدلال بأن الإتيان بالحج المفرد واجب عليه بمقتضى ظاهر الأخبار و نضم ذلك الى ما دل على ان الحج انما يجب في العمر مرة واحدة فيستفاد الاجزاء (ففيه): ان

______________________________

(1) الوسائل: ج 21- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 246

ما دل على عدم وجوب الحج في العمر الإمرة واحدة انما هو بمقتضى طبيعته الأولية و لا ينافي ذلك وجوبه بعنوان آخر- كالنذر و اليمين و الشروع في الحج الموجب لإتمامه و لعل ما نحن فيه من هذا القبيل فتدبر- الا ان تقوم حجة تعبدية بالخصوص على الاجزاء

[مسألة 4 اختلفوا في الحائض و النفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر و إتمام العمرة و إدراك الحج]
[أحدها أن عليهما العدول إلى الافراد]

قوله قده: (اختلفوا في الحائض و النفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر و إتمام العمرة و ادراك الحج على أقوال: (أحدها): ان عليهما العدول الى الافراد و الإتمام ثم الإتيان بعمرة بعد الحج،. إلخ)

قال في المدارك في شرح قول المحقق «طاب ثراه»:

[و كذا الحائض و النفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلل و إنشاء الإحرام بالحج لضيق الوقت عن التربص]: (هذا هو المشهور بين الأصحاب بل ادعى عليه العلامة في المنتهى الإجماع، و هذه عبارته: «إذا دخلت المرأة مكة متمتعة طافت و سعت و قصرت ثم أحرمت بالحج- كما يفعل الرجل سواء- فان حاضت قبل الطواف لم يكن لها ان تطوف بالبيت إجماعا لأن الطواف صلاة، و لأنها ممنوعة من الدخول في المسجد و تنتظر الى وقت الوقوف بالموقفين فان طهرت و تمكنت من الطواف، و السعى، و التقصير، و ان شاء الإحرام بالحج، و ادراك عرفة، صح لها التمتع، و ان لم تدرك ذلك- و ضاق عليها الوقت أو استمرها الحيض الى وقت الوقوف- بطلت متعتها و صارت حجتها مفردة، ذهب إليه علمائنا أجمع و نحوه قال في التذكرة)، و يدل على ذلك جملة من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» في المقام- منها:

1- صحيح جميل قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية؟ قال «عليه السلام»: تمضى كما هي

الى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر، فتخرج الى التنعيم، فتحرم فتجعلها عمرة «1» قال ابن أبى عمير: (كما صنعت عائشة).

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 247

2- مصحح إسحاق بن عمار عن أبى الحسن «عليه السلام» سألته عن المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت حتى تخرج الى عرفات؟ قال (عليه السلام):

تصير حجة مفردة، قلت عليها شي ء؟ قال: دم تهريقه و هي دم أضحيتها «1» و رواه الصدوق بإسناده عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار مثله، الا انه قال: (تصير حجة مفردة و عليها دم أضحيتها).

3- صحيح إسماعيل بن بزيع- السابق- الذي تقدم ذكره عند الطائفة السابعة من الأخبار- الدالة على التحديد بزوال الشمس من يوم التروية- و يستفاد ذلك من بعض أخبار الآتية في هذه المسألة أيضا، و لكنه كما ترى لا يمكن استفادة لزوم الإتمام عليهما منها. نعم، يستفاد من بعضها الانقلاب و إتمام العمرة بعد الحج.

[الثاني أن عليهما ترك الطواف و إدراك الحج و قضاء طواف العمرة بعده]

قوله قده، (الثاني: ما من جماعة من ان عليهما ترك الطواف و الإتيان بالسعي،، ثم الإحلال و ادراك الحج، و قضاء طواف العمرة بعده فيكون عليهما الطّواف ثلاث مرات:

مرّة لقضاء طواف العمرة، و مرّة للحج، و مرّة للنساء،. إلخ)

حكى الشهيد الأول «قدس سره» هذا القول عن على بن بابويه و أبى الصلاح الحلبي و ابن الجنيد، و يدل عليه جملة من الاخبار- منها:

1- ما في الصحيح عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال: المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت، و ان لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت و احتشت

ثم سعت بين الصفاء و المروة ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك و زار البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم الا فراش زوجها، فإذا

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 248

طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها «1» 2- خبر عجلان أبى صالح، قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: متمتعة قدمت مكة فرأت الدم كيف تصنع؟ قال: عليه السلام تسعى بين الصفاء و المروة. إلخ «2» [1] 3- رواية عجلان الأخرى أنه سمع أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: إذ اعتمرت المرأة ثم اعتلت قبل أن تطوف قدمت السعى و شهدت المناسك، فإذا طهرت و انصرفت من الحج قضت طواف العمرة و طواف الحج و طواف النساء. ثم أحلت من كل شي ء «3» 4- نحوهما رواية الثالثة، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام»: عن متمتعته دخلت مكة فحاضت؟ قال «عليه السلام»: تسعى بين الصفاء و المروة، ثم تخرج مع الناس حتى تقضى طوافها بعده «4».

[الثالث التخيير بين الأمرين للجمع بين الطائفتين]

قوله قده: (الثالث ما عن الإسكافي و بعض متأخري المتأخرين من التخيير بين الأمرين للجمع بين الطائفتين بذلك)

صاحب المدارك (قده) بعد ما ذكر فيها ما رواه الكليني. عن عجلان صالح الدّال على القول الثاني و ناقش فيه بضعف السند قال: (و أوضح ما وقفت عليه في ذلك سندا و متنا ما رواه الكليني «رضوان اللّه تعالى عليه» عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبى عمير، عن حفص بن البختري عن العلاء بن صبيح،

و عبد الرحمن الحجاج، و على بن رئاب عن عبد اللّه بن صالح كلهم يروونه عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» ثم انه قدس سره، بعد ان ذكره قال: (و الجواب أنه بعد تسليم السند و الدلالة يجب الجمع بينها و بين الروايات السابقة المتضمنة للعدول الى

______________________________

[1] قد تقدم ذكره عند ذكر الطائفة السابعة من الاخبار الدالة على تحديد المتعة بزوال الشمس من يوم التروية فراجعه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 84- من أبواب الطواف حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 84- من أبواب الطواف حديث: 6

(3) الوسائل ج 2- الباب- 84- من أبواب الطواف حديث: 3

(4) الوسائل ج 2- الباب- 84- من أبواب الطواف حديث: 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 249

الافراد بالتخيير بين الأمرين، و متى ثبت ذلك كان العدول أولى: لصحة مستنده، و صراحته و إجماع الأصحاب عليه، كما عرفت. إلخ) و لكن الجمع بينهما بالتخيير مما لا شاهد عليه، كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره فلا يصار اليه.

[الرابع التفصيل بين ما إذا كانت حائضا قبل الإحرام أو كانت طاهرا حال الشروع]

قوله قده: (الرابع التفصيل بين ما إذا كانت حائضا قبل الإحرام فتعدل أو كانت طاهرا حال الشروع فيه ثم طرء الحيض في الأثناء فتترك الطواف و تتم العمرة و تقضى بعد الحج اختاره بعض (بدعوى): أنه مقتضى الجمع بين الطائفتين)

اختاره صاحب الحدائق «قدس سره» حيث قال بعد ذكر الروايات، و الأقوال: (أقول:

و الأظهر في الجمع بين روايات المسألة هو ما دل عليه ما رواه في الكافي عن أبى بصير، قال:

سمعت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: (في المرأة المتمتعة إذا أحرمت و هي طاهر ثم حاضت قبل تقضى متعتها سعت و لم تطف حتى تطهر ثم تقضى طوافها و قد قضت عمرتها، و

ان هي أحرمت و هي حائض لم تسع و لم تطف حتى تطهر) و على هذا فتحمل اخبار البقاء على المتعة و قضاء طواف العمرة بعد المناسك على ما إذا أحرمت و هي طاهر. إلخ) و يدل على ذلك ما في محكي كتاب الفقه الرضوي و إذا حاضت المرأة من قبل ان تحرم فعليها أن تحتشي إذ بلغت الميقات و تغتسل و تلبس ثياب إحرامها و تدخل مكة و هي محرمة و لا تدخل المسجد الحرام، فان طهرت ما بينها و بين يوم التروية قبل الزوال فقد أدركت متمتعا، فعليها ان تغتسل و تطوف بالبيت و تسعى بين الصفاء و المروة و تقضى ما عليها من المناسك، و ان طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة، و ان حاضت بعد ما أحرمت سعت بين الصفا و المروة و فرغت من المناسك كلها الا الطواف بالبيت فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت و هي متمتعة بالعمرة إلى الحج، و عليها طواف الحج و طواف العمرة و طواف النساء.

[الخامس أنهما تستنيبان للطواف ثم تتمان العمرة و تأتيان بالحج]

قوله قده: (الخامس: ما نقل عن بعض من انها تستنيب للطواف ثم تتم العمرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 250

و تأتى بالحج لكن لم يعرف قائله)

قال في الجواهر: (و أما ما يحكى عن بعض الناس من استنابتها من يطوف عنها فلم نعرف القائل به و لا دليله، بل مقتضى القواعد فضلا عن الأدلة خلافه. إلخ)

[و الأقوى هو القول الأول]

قوله قده: (و الأقوى من هذه الأقوال هو القول الأول: [أي وجوب العدول الى الأفراد و الإتمام ثم الإتيان بعمرة بعد الحج] للفرقة الاولى من الاخبار التي هي أرجح من الفرقة الثانية، لشهرة العمل بها دونها)

قد حقق في الأصول عدم حجية الشهرة العلمية و على فرض تسليم ذلك و ترجيحها على الفرقة الثانية من الاخبار نقول: انه لا يمكن استفادة لزوم الإتمام منها اللهم الا ان يكون المراد إتمام غير الطواف من الأعمال و لكنه كما ترى لا يستفاد ذلك من الفرقة الاولى من الاخبار بل يستفاد من الفرقة الثانية منها و المفروض انه «قدس سره» لم يعمل بها لترجيحه الاولى منها على الثانية فتأمل.

قوله قده: (و أما القول الثالث و هو التخيير فان كان المراد منه الواقعي بدعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين ففيه انهما يعدان من المتعارضين و العرف لا يفهم التخيير منهما و الجمع الدلالي فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرين ذلك و ان كان المراد التخيير الظاهري العملي فهو فرع مكافئة الفرقتين و المفروض ان الفرقة الأولى أرجح من حيث شهرة العمل بها)

و لكن الذي يسهل الخطب هو إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عن الطائفة الثانية من الاخبار عدي النادر منهم، فلا تصلح لمعارضة الطائفة الاولى من الاخبار.

قوله قده: (و أما التفصيل المذكور فموهون بعدم

العمل مع ان بعض اخبار القول الأول ظاهر في صورة كون الحيض بعد الدخول في الإحرام. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» (أولا): من الوهن في التفصيل المذكور: [و هو ما إذا كانت حائضا قبل الإحرام فتعدل و ما إذا كانت طاهرا ثم طرء الحيض في الأثناء فتترك الطواف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 251

و تتم العمرة و تقضى بعد الحج] فهو متين، لانه لم ينقل الا من نادر من السابقين على ما نقل. و أما ما أفاده (ثانيا): من ظهور بعض اخبار القول الأول في صورة كون الحيض بعد الدخول في الحرم فهو ايضا كذلك، لما في صحيح إسحاق بن عمار قول السائل:

(سألته عن المرأة تجيى ء متمتعة) و من الواضح أن المراد منه انها تجيى ء إلى مكة متمتعة و من المسلم ان دخول المكة للمتمتع انما يكون بعد الإحرام. و كذا في صحيح ابن بزيع المتقدم عند ذكر الطائفة السابعة من الاخبار الدالة على تحديد المتعة بزوال الشمس من يوم التروية قول السائل: (المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل ان تحل)

قوله قده: (و أما القول الخامس: [و هو استنابتها لطوفها] فلا وجه له و لا له قائل معلوم)

لا ينبغي الإشكال في ذلك لأن النيابة كما ذكرنا مرارا خلاف الأصل، فلا يصار إليها إلا إذا قام دليل تعبدي على جوازها، و الظاهر انه لم يرد دليل في المقام على جواز الاستنابة فالمرجع في مفروض المقام هو الاخبار المتقدمة.

قوله قده: (إذا حدث الحيض و هي في أثناء طواف عمرة التمتع، فان كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافها على الأقوى و حينئذ ان كان الوقت واسعا أتمت عمرتها بعد الطهر و الا فلتعدل الى حج الافراد و

تأتي بعمرة مفردة بعده و ان كان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف و بعد الطهر، تأتى بالثلاثة الأخرى و تسعى و تقصر مع سعة الوقت و مع ضيقه تأتى بالسعي و تقصير ثم تحرم للحج و تأتي بأفعاله ثم تقضى بقية طوافها قبل طواف الحج أو بعده ثم تأتي ببقية أعمال الحج و حجها صحيح تمتعا)

ما أفاده «قدس سره» (أولا): من بطلان طوافها إذا حدث لها الحيض قبل تمام أربعة أشواط:

فالظاهر أنه المتسالم عليه بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لم ينقل الخلاف الا من الصدوق لصحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن امرأة طافت ثلاثة أطواف ثم رأت دما قال «عليه السلام»: تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت بقيته

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 252

و اعتدت بما مضى «1» و لكنه لا تقاوم الأخبار الآتية الدالة على بطلان الطواف إذا حدث الحيض قبل أربعة أشواط بعد جرى العمل على طبقها و لم يلتزموا الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» العمل بمقتضاه الا الصدوق «قدس سره» على ما حكى عنه فلأجل ذهاب جل الأصحاب إلى خلافه لا يبقى مجال للاعتماد عليه.

و صاحب الجواهر «قدس سره» بعد ما ذكر الأخبار الدالة على صحة المتعة إذا حدث الحيض بعد أربعة أشواط و. قال: (لا ريب في عدم مقاومة الخبر المزبور لغير ما سمعت من وجوه، فمن هنا: كان المتجه حمله على طواف النافلة الذي ستعرف فيما سيأتي جواز البناء فيه على الأقل من الأربع، و ما أبعد ما بينه و بين المحكي عن ابن إدريس من بطلان متعتها بعروض الحيض في أثناء الطواف و لو بعد الأربع، و كأنه مال اليه

صاحب المدارك «قدس سره» لامتناع إتمام العمرة المقتضي، لعدم وقوع التحلل. و لإطلاق صحيح محمد بن إسماعيل [1] و غيره الا انه- كما ترى- اجتهاد في مقابلة النصوص السابقة المعتضدة بالنصوص العامة التي لا يعارضها الإطلاق المزبور المنزل على عروض الحيض قبل حصول الطواف، و لقد أطنب في المنتهى في نقل القولين المزبورين و دليلهما، ثم جعل الإنصاف التوسط بين القولين.)

و أما ما أفاده «قدس سره» (ثانيا): «من أنه إذا حدث الحيض بعد أربعة أشواط فتقطع الطواف فهو ايضا مما لا اشكالا فيه و ذلك للحدث المانع عن صحته. و أما ما أفاده (ثالثا): من انها بعد الطهر تأتى بالثلاثة الأخرى فهو معروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا. قال المحقق (طاب ثراه) في الشرائع: (و لو تجدد العذر

______________________________

[1] «قال: سألت أبا الحسن الرضا [عليه السلام] عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل ان تحلى منى تذهب متعتها» ذكرها صاحب المدارك «قدس سره» فيها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 85- من أبواب الطواف حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 253

و قد طافت أربعا صحت متعتها و أتت بالسعي و بقية المناسك و قضت بعد طهرها ما بقي من طوافها و إذا صح التمتع سقطت العمرة المفردة) قال في المدارك: (ما اختاره المصنف «رحمه اللّه تعالى» من صحة المتعة إذا تجدد العذر بعد الأربع هو المشهور بين الأصحاب ذهب اليه الشيخان و الصدوقان و ابن زهرة و ابن البراج و غيرهم) قال في الجواهر: (كما هو مقتضى إطلاق الأدلة على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، لعموم ما دل على إحراز الطواف بإحراز الأربع منه و خصوص النصوص).

و استدلوا له بما رواه الشيخ

عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ قال: حدثني من سمع أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة و تقضى ما فاتها من الطواف بالبيت «1» و بما رواه سعيد الأعرج قال: سأل أبو عبد اللّه «عليه السلام»: عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت، قال: تتم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة و لها ان تطوف بين الصفاء و المروة، و ذلك لأنها زادت على النصف و قد مضت متعتها و لتستأنف بعد الحج «2» و بهذا الاسناد عن إبراهيم بن أبي إسحاق عمن سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) مثله الا انه قال: (و ليس عليها عمرة) و رواه الصدوق كما مر.

و لكن ناقش فيهما صاحب المدارك (قدس سره) بالإرسال حيث قال بعد ما ذكرهما فيها: (و في الروايتين قصور من حيث السند بالإرسال) مضافا الى ان ما تضمنه سعيد الأعرج من قوله: (تتم طوافها و ليس عليها غيره) لا بد من توجيهها، لانه لا معنى لذلك بعد صيرورتها حائضا، و كيف كان تحقيق الكلام في هذه المسألة و بيان ما هو المختار سيأتي في مبحث الطواف (ان شاء اللّه تعالى)

قوله قده: (و كذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطواف و قبل صلاته)

هذا هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 86- من أبواب الطواف حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 86- من أبواب الطواف حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 254

المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا. و في الجواهر:

(لو عرض لها الحيض بعد قضاء الطواف اجمع قبل صلاة ركعتين فان متعتها صحيحة لأولويتها من

الصورة الأولى) قال في المدارك: (و لو حاضت بعد الطواف و قبل صلاة الركعتين فقد صرح العلامة و غيره بأنها تترك الركعتين و تسعي و تقصر فإذا فرغت من المناسك قضتهما) يمكن الاستدلال لذلك بصحيح ابى الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثم حاضت قبل ان تصلى الركعتين؟ قال (عليه السلام): إذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) و قد قضت طوافها «1».

و بمضمر زرارة قال: سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلى الركعتين؟ فقال: ليس عليها إذا طهرت الا الركعتين و قد قضت الطواف «2» و استدل في المنتهى علي الحكم المزبور بصحيح ابى الصباح. ثم ان صاحب المدارك (قدس سره) بعد ما ذكر صحيح الكناني قال: (و في الدلالة نظر و في الحكم اشكال) قال في الجواهر:

(نعم لا دلالة فيهما على جواز فعل بقية أفعال العمرة ثم الإحلال فيها ثم قضاء الركعتين بعد ذلك مع السعة فالأحوط حينئذ و الاولى انتظارها الطهر مع السعة و لكن قد اتضح دليل الحكم في الفرض الأول).

يمكن ان يكون وجه النظر الذي في كلام صاحب المدارك في الدلالة و هو ما أفاده صاحب الجواهر من انه لا دلالة فيهما على جواز فعل بقية أفعال العمرة. و يمكن ان يكون وجه الاشكال هو عدم الموجب للخروج عما دل على اعتبار الترتيب و لكنه كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- قد اتضح دليل الحكم في الفرض المزبور و لكن التعدي عن الصورة السابقة إلى مفروض المقام لا يخلو من تأمل و كيف كان سيتضح لك تحقيق ذلك و بيان المختار في مبحث الطواف (أن

شاء اللّه تعالى)

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 88- من أبواب الطواف حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 88- من أبواب الطواف حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 255

الفصل العاشر في المواقيت

اشارة

قوله قده: (و هي الواضع المعينة للإحرام أطلقت عليها مجازا أو حقيقة متشرعة [1] و المذكور منها في جملة من الأخبار خمسة)

لا بأس بذكر الأخبار الدالة على انها خمسة- منها:

1- صحيح الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لا ينبغي لحاج و لا معتمر ان يحرم قبلها و لا بعدها [وقت لأهل المدينة: ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة يصل فيه و يفرض الحج- و وقت لأهل الشام: الجحفة- و وقت لأهل نجد: العقيق- و وقت لأهل الطائف: قرن المنازل- و وقت لأهل اليمن: يلملم-] و لا ينبغي لأحد ان يرغب مواقيت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله «1» و رواه الصدوق بإسناده عن عبيد اللّه بن على الحلبي مثله الا انه قال: (و هو مسجد الشجرة كان يصلى فيه و يفرض الحج فإذا خرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحرم).

______________________________

[1] المواقيت: و هي جمع ميقات، و هو الوقت المضروب للفعل و الموضع، يقال: هذا ميقات أهل الشام الموضع الذي يحرمون منه قاله الجواهري. و في القاموس: «الوقت المقدار من الدهر و أكثر ما يستعمل في الماضي- كالميقات- ثم قال: «و ميقات الحاج مواضع إحرامهم» و ظاهرهما- كما ترى- ان استعماله في المواضع المذكورة على وجه الحقيقة. اللهم الا ان يكون المراد منه هو حقيقة متشرعة. و كيف ما كان ما أفاده الجوهري و القاموس

مخالف لما صرح به غيرهما.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 256

2- صحيح أبي أيوب الخزاز، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): حدثني عن العقيق أ وقت وقته رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أو شي ء صنعه الناس؟ فقال:

ان رسول اللّه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، و وقت لأهل المغرب الجحفة،- و هي عندنا مكتوب مهيعة- و وقت لأهل اليمن يلملم، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل نجد العقيق و ما أنجدت «1» و رواه الصدوق في العلل عن أبيه عن على بن إبراهيم عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن أبي أيوب مثله الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم عليهم السلام.

قوله قده: (و في بعضها ستة)

كصحيح معاوية بن عمار، عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من تمام الحج و العمرة ان تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لا تجاوزها الا و أنت محرم، فإنه وقت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق «و وقت لأهل اليمن يلملم، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل المغرب الجحفة- و هي مهيعة- و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله «2» و رواه الصدوق

______________________________

- قال في نهاية ابن الأثير: «قد تكرر ذكر التوقيت و الميقات في الحديث، و التوقيت و التأقيت أن يجعل للشي ء وقت يختص به، و هو بيان مقدار المدة يقال: وقت الشي ء يوقته و وقته يقته إذا بين حده ثم اتسع فيه، فأطلق

على المكان فقيل: الموضع ميقات، و هو مفعال منه، و أصله موقات فقلبت الواو ياء، لكسر الميم.

و قال في كتاب المصباح المنير ايضا: «الوقت مقدار من الزمان مفروض لأمر ما و كل شي ء قدرت له حينا فقد وقته توقيتا، و كذلك ما قدرت له غاية، و الجمع أوقات، و الميقات: الوقت و الجمع مواقيت، و قد أستعير الوقت للمكان، منه مواقيت الحج مواضع الإحرام».

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 257

في العلل عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن أيوب بن نوح عن صفوان مثله.

قوله قده: (و لكن المستفاد من مجموع الاخبار ان المواضع التي يجوز الإحرام منها عشرة)

لا ينبغي الإشكال في ذلك و عليه فتوى الفقهاء قديما و حديثا و لا بد من الأخذ بجميع الاخبار لعدم الاختلاف بينها فإن أخبار الخمسة مثلا لا تنفى غيرها و هكذا باقي الأخبار. و أما المكان الذي لم يتعين له ميقات فلا بد لأهله إما من المرور من طرق البلاد التي تعين لأهلها ميقات، و إما أن يحرموا من المحاذي بناء على كفاية المحاذاة، و سيجي ء البحث عن ذلك إنشاء اللّه تعالى. ثم، أن المعتبر في تعيين الميقات هو العلم و لا يكفى الظن، لعدم دليل على اعتباره فلا بد من حصول العلم و طريق حصوله منحصر في أمرين: التواتر، و دلالة من جانب المعصوم «عليه السلام».

[أحدها ذو الحليفة و هي ميقات أهل المدينة]

قوله قده: (أحدها ذو الحليفة [1] و هي ميقات أهل المدينة و من يمر علي طريقهم، و هل هو مكان فيه مسجد الشجرة أو نفس المسجد؟ قولان)

قد اختلفت عبارات الفقهاء

«قدس اللّه تعالى أسرارهم» في تعيين الميقات المزبور، ذهب المحقق طاب ثراه في الشرائع إلى كون ميقاتهم هو مسجد الشجرة، حيث قال: (و لأهل المدينة مسجد

______________________________

[1] في القاموس: «ذو الحليفة» موضع على ستة أميال من المدينة، و هو ماء لبني جشم و في الصحاح: «انه موضع». و في تحرير النووي: «بضم الحاء المهملة، و فتح اللام، و بالفاء، على ستة أميال من المدينة، و قيل: سبعة و قيل: أربعة، و من مكة نحو عشر مراحل، و نحوه منه في تهذيبه.

في مصباح المنير: «ماء من مياه بنى جشم ثم سمى به الموضع، و هو ميقات أهل المدينة نحو مرحلة منها، و يقال: على ستة أميال، قلت: و يقال على ثلاثة، و يقال: على خمسة و نصف، و في المبسوط و التذكرة: «انه مسجد الشجرة، و انه على عشرة مراحل مكة، و عن المدينة ميل و وجه بأنه ميل الى منتهى الأمارات في وادي العقيق التي ألحقت بالمدينة».

و قال فخر الإسلام في شرح الإرشاد: «و يقال: لمسجد الشجرة ذو الحليفة و كان قبل الإسلام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 258

الشجرة) و قد نسبه غير واحد الى القواعد و النافع و الجامع. و ذهب بعض آخر منهم الى كون ميقاتهم هو ذو الحليفة، و هو المحكي عن المقنعة و غيرها، و لكن عن المعتبر و المهذب و كتب الشيخ و الصدوق و القاضي و سلار و ابني إدريس و زهرة و التذكرة و المنتهى و التحرير انه ذو الحليفة و أنه مسجد الشجرة، بل عن ابن زهرة منهم: الإجماع على ذلك، على ما حكاه صاحب الجواهر «قدس سره» و المنشأة اختلاف لسان الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام»

في بيان هذا الميقات، فإنها على طوائف:

(الأولى): ما دلت على ميقات أهل المدينة: ذو الحليفة من دون أن تفسرها بشي ء و هي: 1- صحيح أبي أيوب الخزاز المتقدم، قال «عليه السلام» فيه: (وقت لأهل المدينة: ذو الحليفة) «1» و لم تفسره بشي ء. 2- صحيح معاوية ابن عمار قال «عليه السلام» فيه أيضا: (وقت لأهل المدينة ذو الحليفة) «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام».

(الثانية): ما دلت على ان ميقاتهم ذو الحليفة و لكن فسرت بها بالشجرة و هي:

1- صحيح على ابن رئاب قال: سألت أبى عبد اللّه «عليه السلام»: عن الأوقات التي وقتها رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) للناس؟ فقال «عليه السلام»: أن رسول اللّه

______________________________

اجتمع فيه ناس و تحالفوا» و نحوه في التنقيح، و قيل: الحليفة تصغير الحلفة بفتحات واحدة الحلفاء و هو النبات المعروف و ينص على ستة أميال صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: من اقام بالمدينة شهرا، و هو يريد الحج، ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) كان من أهل المدينة و وقته من ذي الحليفة و انما كان بينهما ستة أميال.

و قال السمهودي في خلاصة الوفاء: «و قد اختبرت فكان من عتبة باب المسجد النبوي المعروف بباب السلام إلى عتبة مسجد الشجرة بذي الحليفة تسعة عشر الف ذراع و سبعمائة ذراع و اثنان

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 259

(صلى اللّه عليه

و آله): وقت لأهل المدينة: ذو الحليفة، و هي الشجرة. إلخ) «1» (الثالثة): ما دلت على ان ميقاتهم ذو الحليفة، و لكنها قد فسرت فيها بمسجد الشجرة، و هي: 1- صحيح الحلبي المتقدم قال «عليه السلام» فيه: (وقت لأهل المدينة ذو الحليفة، و هو مسجد الشجرة «2» و ما في الأمالي، قال: أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) وقت لأهل العراق العقيق، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل اليمن يلملم، و لأهل الشام المهيعة: و هي الجحفة، و لأهل المدينة ذو الحليفة، و هو مسجد الشجرة «3» و ما في كتاب المقنع قال: وقت رسول اللّه لأهل الطائف قرن المنازل. الى ان قال:

وقت لأهل المدينة ذو الحليفة و هو مسجد الشجرة. إلخ «4» (الرابعة): ما دلت على ان الميقات هو الشجرة- منها:

1- خبر على بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن المتعة في الحج من أين إحرامها و إحرام الحج؟ قال: وقت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لأهل العراق من العقيق،

______________________________

و ثلاثون ذراعا و نصف ذراع». قال: العلامة (قدس سره) في المنتهى: «ان ذا الحليفة أبعد المواقيت إلى مكة المكرمة، قيل: ان المسافة بين ذي الحليفة و بين مكة المكرمة تقرب: (أربعمائة و أربعة و ستون) كيلو مترا، و هي بينها و بين المدينة المنورة تقرب: «سبعة» كيلو مترا.

و التحقيق أنه لا يترتب على هذا الاختلاف اثر، لكون المسجد معروفا عند المترددين من صدر الإسلام إلى زماننا هذا و صاحب الجواهر «قدس سره» بعد ما ذهب الى ان ميقات أهل المدينة هو مسجد الشجرة قال: و على كل حال فقد ظهر لك على المختار ان المدار البقعة الخاصة

من ذي الحليفة أو هو ذو الحليفة و هي معروفة على وجه لا شك فيها الى زماننا هذا، فان مسجد الشجرة معلوم عند المترددين، فالاطناب في البحث عن ذي الحليفة و انه موضع على ستة أميال عن المدينة، و هو ماء لبني جشم كما عن القاموس. الى ان قال: لا فائدة فيه الآن، لما عرفته من معلومية مسجد الشجرة».

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 7

(2) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 11

(4) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 12

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 260

و لأهل المدينة و من يليها من الشجرة، و لأهل الشام و من يليها من الجحفة، و لأهل الطائف من قرن المنازل، و لأهل اليمن من يلملم، فليس لأحد ان يعدوا من هذه المواقيت الى غيرها «1» 2- صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء «2» 3- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال «عليه السلام»: من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلا محرما «3».

هذا و الطائفة الثانية و الرابعة مجملة، حيث ان من الواضح عدم كون المراد منها هو ان الميقات نفس الشجرة بأن يجب الصعود إليها للإحرام، فيدور الأمر بين ان يكون المراد منه هو كون الميقات المسجد الذي فيه الشجرة، فحينئذ تنطبق

على الطائفة الثالثة من الاخبار و بين ان يكون المراد منه قطعة مخصوصة من الأرض التي فيها المسجد فحينئذ تنطبق على الطائفة الاولى. و الحاصل: ان العمدة هي الطائفة الاولى و الثالثة، و نقول في مقام الحج يجعل الطائفة الثالثة مفسرة للطائفة الأولى، أو حاكمة عليها، فينتج ان ميقات أهل المدينة هو نفس مسجد الشجرة و (بعبارة اخرى): ان ما فسر ذي الحليفة بالمسجد (تارة) يعتبر من باب التعبد و التنزيل، فيكون حاكما على الطائفة الاولى. و (اخرى): يكون اخبارا عن المسمى الخارجي فيكون دليلا على ان ذا الحليفة اسم للمسجد و ليس بأعم حتى يحتاج الى التعبد و الحكومة.

قوله قده: (الأقوى هو أن الإحرام من خارج المسجد و لو اختيارا، و ان قلنا ان وا الحليفة هو المسجد، و ذلك لان مع الإحرام من جوانب المسجد يصدق الإحرام منه عرفا، إذ فرق بين الأمر بالإحرام من المسجد أو بالإحرام فيه)

ما افاده المصنف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث 9

(2) الوسائل ج 2 الباب- 7- من أبواب المواقيت حديث 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب المواقيت حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 261

«قدس سره» من صدق الإحرام من المسجد عرفا إذا أحرم من جوانبه ممنوع جدا الا من باب المسامحة في التطبيق التي ليست بحجة على ما قرر في محله.

قوله قده: (هذا مع إمكان (دعوى): ان المسجد حد للإحرام فيشمل جانبيه مع محاذاته، و ان شئت فقل: المحاذاة كافية و لو (مع القرب مع الميقات)

ما أفاده «قدس سره» يرجع الى ان المراد من كون المسجد الميقات هو كونه موضعا لاحرامهم منه بلحاظ بعده عن مكة، فجميع ما يحاذيه

من المواضع المساوية له في ذلك يجوز الإحرام منها و لكن الحق ان هذه الدعوى مما لا دليل عليها بل هي خلاف ظاهر الاخبار المتقدمة الدالة على لزوم صيرورته محرما من المسجد و استفادة ذلك من لفظ: (من) الواقع في الأخبار المتقدمة عرفا ممنوعة. نعم، بناء على القول بكفاية المحاذاة، لما سيأتي من صحيحتي ابن سنان، و بناء على القول بعدم اختصاص ذلك بصورة البعد عن المسجد ايضا يتم حينئذ ما أفاده المصنف (قدس سره) و صح الإحرام من جانبي المسجد، لكن الظاهر ان حديث المحاذاة مختص بالبعيد عن الميقات، فتدبر.

قوله قده: (الأقوى عدم جواز التأخير إلى الجحفة: و هي ميقات أهل الشام اختيارا. نعم، يجوز مع الضرورة- لمرض أو ضعف أو غيرهما من الموانع- إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا، و يدل عليه مضافا الى الاخبار المتقدمة في صدر المبحث المتضمنة: ان مسجد الشجرة ميقات أهل المدينة الظاهرة في تعيين مسجد الشجرة ميقاتا لهم الأخبار الواردة في المقام- منها:

1- رواية إبراهيم عن عبد الحميد عن أبى الحسن موسى «عليه السلام» قال:

سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرة، فأرادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها؟ قال: «عليه السلام» لا، و هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 262

مغضب: من دخل المدينة فليس له ان يحرم الا من المدينة «1» 2- خبر أبى بصير عبد اللّه (عليه السلام): خصال عابها عليك أهل مكة قال:

و ما هي؟ قلت: قالوا: أحرم من الجحفة و رسول اللّه، «صلى اللّه عليه و آله» أحرم من الشجرة، فقال: الجحفة أحد الوقتين فأخذت بأدناهما و كنت

عليلا «2».

3- خبر أبى بكر الحضرمي قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: اني خرجت بأهلي ماشيا فلم أهل حتى أتيت الجحفة و قد كنت شاكيا فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون:

لقيناه و عليه ثيابه و هم لا يعلمون، و قد رخص رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لمن كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة «3». الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و أنت ترى دلالتها على عدم جواز التأخير من دون ضرورة. و لكنه ذهب بعض الى جواز الإحرام من الجحفة اختيارا و هو خيرة الجعفي على ما حكاه صاحب المدارك «قدس سره» و استدل لذلك بعدة اخبار- منها:

1- صحيحة على بن جعفر، عن أخيه موسى «عليه السلام» قال سألته عن إحرام أهل الكوفة و أهل خراسان و ما يليهم و أهل الشام و مصر من اين هو؟ قال: اما أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق، و أهل المدينة من ذي الحليفة، و الجحفة و أهل الشام و مصر من الجحفة، و أهل اليمن من يلملم، و أهل السند من البصرة يعني ميقات أهل البصر «4» 2- صحيح معاوية بن عمار انه سأل أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة؟ فقال «عليه السلام»: لا بأس «5»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 8- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب المواقيت حديث: 4

(3) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب المواقيت حديث: 5

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 5

(5) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص:

263

3- صحيح الحلبي، سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال «عليه السلام»: من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلا محرما «1» فحينئذ- كما ترى- تقع المعارضة بينهما يمكن الجمع بينهما بحمل الأخبار الدالة على تعيين مسجد الشجرة ميقاتا لأهل المدينة على الأفضلية، فيحكم بجواز تأخير الإحرام لهم إلى الجحفة بدون ضرورة، و لكن الأفضل ان يحرموا من مسجد الشجرة. و (فيه): انه جمع بلا شاهد فلا عبرة به. و لكن يمكن ان يقال في مقام الجمع بينهما بحمل الطائفة الثانية الدالة على جواز الإحرام من الجحفة على صورة الاضطرار، فحينئذ تصير النتيجة انه لا يجوز لهم التأخير إلى الجحفة إلا في حال الضرورة، وفاقا لصاحب الجواهر «قدس سره» حيث قال فيها:

(ان الذي يقتضيه الجمع بين ذلك: [اى الاخبار الدالة على جواز الإحرام من الجحفة مطلقا]. و بين ما يفهم من الرخصة في خبر ابى بكر الحضرمي بل و قوله في خبر ابى بصير:

«و كنت عليلا» المؤيدين بفتوى المعظم هو اختصاص ذلك بالحال المزبور الموافق لقاعدة الاحتياط، بل يقوى الظن بإرادة بيان أصل مشروعية الإحرام منها و انها أحد المواقيت في الجملة في النصوص المزبورة فلا معارضة حينئذ. إلخ) ثم انه لا يخفى ان الروايات الدالة على عدم جواز التجاوز من الميقات الا محرما لا يستفاد منها الا الحكم التكليفي- و هو وجوب الإحرام عند المرور عليه- فإذا تجاوز منه بدون إحرام عصى ثم انه بناء على ثبوت ميقاتين اختياريين لأهل قطر فلا كلام في حرمة المرور منهما على أهل ذلك القطر بلا إحرام إنما الكلام في حرمة المرور عليهم بلا إحرام من الميقات الأول يمكن ان يقال

بعدم حرمته: لعدم كونهما ميقاتا عرضا بل الميقات هو أحدهما على البدل على نحو صرف الوجود، فحينئذ إذا ترك الإحرام منهما فهو حرام مسلما، و الا فلا، و ذلك لحصول امتثال الأمر بالإحرام من الميقات بصرف الوجود

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب المواقيت حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 264

منه بلا فرق بين حصوله من الأول أو الثاني- كما هو واضح- و اما ما دل على النهي عن المرور من الميقات بلا إحرام فيمكن أن يقال بعدم شموله المقام، و ذلك لعدم صدق التجاوز بلا إحرام في ما نحن فيه الا إذا تجاوز عن كليهما (أى الميقاتين) كذلك و أما إذا خرج من أحدهما بلا إحرام و أحرم من الأخر فلا.

و لكن يمكن المناقشة فيه: بأن لفظ الميقات صار في العرف علما لتلك الأماكن و كذلك شرعا، فعليه يحكم بحرمة المرور على الميقات الأول بلا إحرام و لو أحرم من الميقات الثاني، و ذلك لصدق انه جاوز من الميقات بلا إحرام عرفا في مفروض المقام كصدق ذلك على من كان له ميقات واحد و تجاوز منه بلا إحرام. نعم، يجزيه الإحرام من الميقات الثاني و ان حصل له الإثم بتركه الإحرام من الميقات الأول.

و لكن يمكن ان يقال: ان هذا أنما يتم إذا كان النهى عن المرور من الميقات بلا إحرام نفسيا و أما بناء على القول بكونه إرشادا الى ان اللازم في الحج لمن اراده هو لزوم الإحرام من الميقات فلا مانع له حينئذ ان يأخر الإحرام من الميقات الأول ثم الإحرام من الميقات الثاني بدون حصول العصيان من ذلك، و يمكن ان يقال: ان الظاهر كونه إرشادا اليه، و

ذلك للقاعدة المعروفة: (و هي أنه في المركبات الارتباطية ينعكس الظهور فيكون الأمر بإتيان شي ء في شي ء ظاهرا في الإرشاد إلى الجزئية و النهى عن الإتيان بشي ء في شي ء ظاهرا في الإرشاد إلى المانعية، فعليه ليس الأمر بالإحرام من الميقات امرا مولويا، و كذلك ليس النّهى عنه نهيا نفسيا بل الظّاهر من النهى هنا إرشاد إلى جزئية الإحرام للحج و مانعية ترك الإحرام له، و هذا المعنى جار في جميع الأوامر و النواهي الواردة في مقام بيان ماهيات المخترعة. و لكن يمكن المناقشة فيه: بأنه لا ربط للمقام بتلك القاعدة لعدم كون المقام من قبيل المركبات الارتباطية، لأنه لا ربط للنهى عن التجاوز من الميقات الا محرما بأصل ماهيّة الحج فالنهي عن المرور نفسي و توجب مخالفته الإثم و لكن يمكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 265

ان يقال ان التنظير انما يتم بناء على القول بجزئية الإحرام للحج و اما بناء على القول بشرطية له فلا، فيجوز له التأخير إلى الميقات الثاني بلا حصول عصيان منه و لكنه لا يخلو من تأمل.

قوله قده: لكن قد خصها بعضهم بخصوص المرض و الضعف، لوجودهما في الاخبار، فلا يلحق بهما غيرهما من الضرورات و الظاهر ارادة المثال فالأقوى جوازه مع الضرورة. إلخ)

و المراد من البعض هو صاحب الجواهر «قدس سره» حيث انه يستفاد التخصيص بصورة المرض و الضعف بما أفاده في ذيل المبحث بقوله: (و كيف كان فهذا ميقاتهم مع الاختيار و أما عند الضرورة التي هي المرض و الضعف فالجحفة) و كيف كان الأقوى في النظر هو الاقتصار على المرض و الضعف لقوله «عليه السلام» في خبر أبى بكر الحضرمي المتقدم: (و قد رخص رسول اللّه

«صلى اللّه عليه و آله» ذلك لمن كان مريضا أو عليلا «1» فلا يلحق بهما غيرهما من الضرورات الأخر، خلافا لما افاده المصنف (قده) و وفاقا لما يستفاد من ظاهر كلام صاحب الجواهر (قدس سره) و ذلك لاحتمال خصوصية فيهما. فلا بد من الاقتصار على المورد. نعم، يمكن التعدي عن المورد الى غيره إذا حصل القطع بالمناط، أو قام دليل تعبدي على جواز التسرية، و لكن كلاهما غير حاصلان. اما (الأول): فلعدم إمكان حصوله في الشرعيات بعد الالتفات إلى قضية أبان، و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و لا دليل على اعتباره. و أما (الثاني): فلعدم ثبوته في المقام ظاهرا فتسرية الحكم من المورد الى غيره قياس، و هو ليس من مذهب أهل الحق «فتأمل».

قوله قده: (يجوز لأهل المدينة و من أتاها العدول الى ميقات آخر- كالجحفة أو العقيق- فعدم جواز التأخير إلى الجحفة انما هو إذا مشى من طريق ذي الحليفة. إلخ)

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب المواقيت حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 266

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم). قال في المدارك: (و انما يتوقف التأخير على الضرورة على القول به مع مروره على ذي الحليفة، فلو عدل ابتداء عن ذلك الطريق جاز و كان الإحرام من الجحفة اختياريا) قال صاحب الجواهر: (ثم لا يخفى عليك ان الاختصاص بالضرورة مع المرور على الميقات الأول، فلو عدل عن طريقه و لو من المدينة ابتداء جاز، و أحرم منها اختيارا، لأنها أحد الوقتين يمكن ان يقال بعدم جواز العدول الى ميقات آخر لأهل المدينة و من أتاها، و ذلك لخبر عبد الحميد المتقدم ذكره قال فيه: (انه

سأل الكاظم (عليه السلام) عن قوم قدموا المدينة فخافهم كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرة، فأرادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها؟ قال (عليه السلام): لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له الا ان يحرم الا من المدينة «1» و هو- كما ترى- ظاهر في عدم جواز العدول الى ميقات آخر لأهل المدينة و من أتاها. و لكن المصنف (قدس سره) في ذيل المسألة نزله على الكراهة، تبعا لصاحب الجواهر. و لكن العمدة هو ضعف سنده فلا يصار اليه- كما أفاده صاحب المدارك «قدس سره».

قوله قده: (الحائض تحرم خارج المسجد على المختار، و يدل عليه- مضافا الى ما مر- مرسلة يونس في كيفية إحرامها و لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير صلاة. إلخ)

يشير «قدس سره» بها الى ما رواه محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن ابن فضال عن يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الحائض تريد الإحرام؟

قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف، و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة، و لا تدخل المسجد، و تهل بالحج بغير صلاة «2» و الظاهر من قوله «عليه السلام»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 8 من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل ج 2 الباب- 48- من أبواب الإحرام حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 267

و تهل بالحج. إلخ) هو ورودها في إحرام الحج فعليه لا ربط لها بالمقام كي يتم استدلال المصنف بها في المقام. اللهم الا ان يقال: ان العمرة جزء من الحج- كما بيناه سابقا- (فتصح ان يقال انه تهل بالحج): في صورة ما إذا كان المراد الإهلال

بالعمرة فيتم دلالته بناء عليه على مدعاه. فتأمل. ثم ان ما أفاده المصنف بقوله: (مرسلة يونس) فهو مما لا يمكن المساعدة عليه لانه- كما ترى- مسندة. ثم، انه يجوز للحائض الإحرام من المسجد في حال الاجتياز، و صاحب الوسائل (رضوان اللّه تعالى عليه) بعد ما ذكرها مسندة قال:

(أقول: المراد لا تدخل المسجد: فتلبث فيه، أو تصلي فيه، بل تحرم مجتازة به أو من خارجه أو يحمل النهى على الكراهة، أو خوف تعدى النجاسة، و يحتمل ان يكون المراد المسجد الحرام. إلخ)

قوله قده: (و أما على القول بالاختصاص بالمسجد فمع عدم إمكان صبرها الى ان تدخل المسجد و تحرم في حال الاجتياز إن أمكن، و ان لم يمكن- لزحم أو غيره- أحرمت خارج المسجد و جددت في الجحفة أو محاذاتها)

ما أفاده المصنف «قدس سره» (أولا) بقوله: (فمع عدم إمكان صبرها. إلخ) فلا نحتاج في الحكم بجواز إحرامها حينئذ من المسجد في حال الاجتياز الى ذلك القيد، لجواز إحرامها منه كذلك حتى إذا أمكنها صبرها. و أما ما أفاده (ثانيا): بقوله: (و ان لم يمكن لزحم أو غيره أحرمت من خارج المسجد) فهو مما ذهب إليه جماعة من الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» لا بأس بذكر ما أفاده صاحب المستند «رضوان اللّه تعالى عليه» في ذيل هذا المبحث قال: (و إذ عرفت تعيين الإحرام من مسجد الشجرة، فلو كان المحرم جنبا أو حائضا أحرما عنه مجتازين، لحرمة اللبث، فان تعذر بدونه فهل يحرمان من خارجه- كما صرح به الشهيد الثاني و المدارك و الذخيرة- لوجوب قطع المسافة من المسجد إلى مكة محرما، أم يؤخر أنه إلى الجحفة، لكون العذر ضرورة مبيحة للتأخير؟؟ الأحوط: الإحرام منهما و ان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 268

كان الأظهر: الثاني لما ذكر و لعدم الدليل على توقيت الخارج لمثلهما، و منع وجوب قطع المسافة محرما عليه، و تمثيل الضرورة في الاخبار بالمرض و الضعف لا يوجب التخصيص بعد اتحاد العلة قطعا و لعدم القول بالفصل ظاهرا). لا يخفى ما في كلامه من المناقشة و الاشكال:

أما في ما أفاده بقوله: (و تمثيل الضرورة في الاخبار بالمرض و الضعف. إلخ) ففيه:

أنه يوجب التخصيص و لا يمكن التعدي من مورد الخبر الى غيره. نعم، إذا حصل القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل ايضا فلا محيص عن التعدي الا انه مجرد فرض. لا واقع له، لعدم العلم بالملاكات و موانعها، فتدبر و على فرض تسليم ذلك نقول: أن إلحاق الحيض بالضرورة محل تأمل و وجهه واضح.

[الثاني العقيق و هو ميقات أهل نجد و العراق]

قوله قده: (الثاني: العقيق [1] و هو ميقات أهل نجد و العراق و من يمر عليه من غيرهم)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا و في المستند: (ثم كون العقيق: ميقاتا لمن ذكر مما لا خلاف فيه بل نقل عليه الإجماع مستفيضا) و يدل على كونه ميقات أهل نجد، و العراق، و من يمر عليه من غيرهم، جملة من الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» قد ذكر الأول- و هو أهل نجد- في صحيح أبي أيوب الخزاز المتقدم قال «عليه السلام» فيه: «و وقت لأهل نجد: العقيق و ما أنجدت «1» و في صحيح رفاعة قال «عليه السلام» فيها: وقت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله العقيق:

لأهل نجد و قال: هو وقت لما أنجدت الأرض و أنتم منهم «2» و في صحيح على بن رئاب قال «عليه السلام»:

و لأهل نجد العقيق «3» و في صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه «عليه

______________________________

[1] و هو في اللغة: كل واد عقه السيل- اى شقه فأنهره و وسعه- و سمى به أربعة أودية في بلاد العرب «أحدها»: الميقات: و هو واد يندفق سيله في غوري تهامة- كما عن تهذيب اللغة.

و في المستند: «و له طرفان و وسط، فأوله المسلخ: بفتح الميم و كسرها- كما في السر، ثم

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 1 من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 1 من أبواب المواقيت حديث: 10

(3) الوسائل ج 2- الباب- 1 من أبواب المواقيت حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 269

السلام»: و وقت لأهل نجد: العقيق «1» و ذكر الثاني- و هو أهل العراق- في صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام»: من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّه: «صلى اللّه عليه و آله» لا تتجاوزها الا و أنت محرم، فإنه وقت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق: بطن العقيق من قبل أهل العراق. إلخ «2» و في صحيح على بن جعفر عن أخيه «عليهما السلام»: أما أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق «3» و في صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» وقت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لأهل المشرق العقيق نحوا من يريد ما بين يريد البعث إلى غمرة «4» و في خبر على بن جعفر وقت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لأهل العراق: من العقيق «5» و قد ذكر الثالث- و هو من يمر عليه من غيرهم- في صحيح الخزاز

المزبور قال «عليه السلام»: و وقت لأهل نجد العقيق و ما أنجدت) و أنجدت: الدخول في أرض النجد اى وقته لمن دخل في أرض النجد. و في صحيح رفاعة المزبورة قال: العقيق لأهل نجد، و قال:

هو وقت لما أنجدت الأرض و نحوهما غيرهما من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام».

قوله قده: (و أوله المسلخ و أوسطه غمرة و آخره ذات عرق و المشهور جواز

______________________________

ثم بالمهملتين- كما عن فخر المحققين و التنقيح اى الموضع العالي، أو مكان أخذ السلاح و لبس لامة الحرب، و يناسبه تسميته ببريد البعث ايضا- كما يأتي- أو بالخاء المعجمة- كما حكاه الشهيد الثاني عن بعض الفقهاء- اى موضع النزع سمى به لانه ينزع فيه الثياب للإحرام، و مقتضى ذلك تأخير التسمية عن وضعه ميقاتا.

و أوسطه غمرة بالمعجمة ثم الميم الساكنة، و قيل: المكسورة، ثم المهملة: منهلة من مناهل طريق مكة، و هي فصل ما بين نجد و تهامة- كما عن الأزهري- و في القاموس: «سميت بها لزحمة الناس فيها»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 3

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 5

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 6

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 270

الإحرام من جميع مواضعه اختيارا و أن الأفضل الإحرام من المسلخ ثم من غمرة و الأحوط عدم التأخير إلى ذات عرق الا لمرض أو تقية فإنه ميقات العامة لكن الأقوى ما هو المشهور. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» بقوله: (و أوله المسلخ. إلخ) فمما لا ينبغي الإشكال فيه و

هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» و يدل عليه الروايات الواردة في المقام- منها:

1- خبر أبى بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول حد العقيق أوله المسلخ و آخره ذات عرق «1» 2- مرسل الصدوق «رحمه اللّه تعالى» قال و قال الصادق «عليه السلام»: وقت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لأهل العراق العقيق و أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و أوله أفضل «2» 3- خبر إسحاق قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن التمتع يجي ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و الى ذات عرق أو الى بعض المعادن؟ قال «عليه السلام»: يرجع الى مكة بعمرة. الى أن قال «عليه السلام»: كان أبى مجاورا ها هنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج «3» فالظاهر أنه لا خلاف في ذلك التحديد قال الشهيد الأول «قدس سره»

______________________________

و آخره ذات عرق، بالمهملة المكسورة: و هو الجبل الصغير، سميت بها، لانه كان به عرق من الماء- اى قليل- و قيل: انها كانت قرية فخربت. و قيل: «إنها قرية تبعد عن مكة المكرمة تقريبا: (أربعة و تسعون) كيلو مترا و سميت بها لأن بها جبلا يسمى عرقا.

و في المدارك: «قال في القاموس: أنها بالبادية ميقات العراقين. الى ان قال: و نقل العلامة في المنتهى عن سعيد بن جبير: انه رأى رجلا يريد ان يحرم بذات عرق فأخذ يده حتى أخرجه من البيوت و قطع به الوادي فاتى به المقابر ثم قال: هذه ذات عرق الأولى».

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 2- من أبواب

المواقيت حديث: 7

(2) الوسائل ج 2- الباب- 2- من أبواب المواقيت حديث: 9

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 271

في الدروس: (و لأهل العراق العقيق و أفضله المسلخ، و أوسطه غمرة، و آخره ذات عرق، على ما حكى عنه و في الحدائق: (صرح الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم بان العقيق المتقدم في الاخبار أوله المسلخ، و وسطه غمرة، و آخرة ذات عرق، و أن الأفضل الإحرام من أوله ثم وسطه، نعم في صحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: أول العقيق يريد البعث و هو دون المسلخ بستة أميال مما يلي العراقي و بينه و بين غمرة أربعة و عشرون ميلا بريدان «1» و مقتضاها- كما ترى- تقدم مبدء العقيق على المسلخ بستة أميال فتكون مخالفا لما تقدم في أول العقيق «فحينئذ تقع المعارضة بينها و بين الاخبار المتقدمة يمكن أن يقال انه لا معارضة في البين أصلا لأن المراد من الصحيحة هو مطلق العقيق و الاخبار المتقدمة تبيينه بأن المراد من العقيق الذي جعل ميقاتا هو المكان الذي أوله المسلخ، فلا تهافت في البين- كما لا يخفى- مضافا الى كونها خلاف ما اتفقت عليه الأصحاب فلا مجال للعمل بها فتدبر.

ثم انه قد ورد بعض أخبار تدل على خروج ذات عرق منه و هو ما في خبر أبى بصير الآخر عن أحدهما قال: حد العقيق ما بين المسلخ الى عقبة غمرة «2» و ظاهره- كما ترى- خروج غمرة فضلا عن ذات عرق عن العقيق، و صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: وقت رسول اللّه (صلى اللّه

عليه و آله) لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث [1] إلى غمرة، و وقت لأهل المدينة ذو الحليفة و لأهل النجد قرن النازل، و لأهل الشام الجحفة، و لأهل اليمن يلملم «3» فيكونان- كما ترى-

______________________________

[1] قال في الوافي: «و البعث بالموحدة ثم المهملة ثم المثلثة أول العقيق و هو بمعنى الجيش كأنه بعث الجيش من هناك و لم نجده في اللغة اسما لموضع و كذلك ضبط من يعتمد عليه من أصحابنا فما يوجد في بعض النسخ على غير ذلك لعله مصحف، هذا كله على ما حكاه صاحب الحدائق (قده)

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب المواقيت حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب المواقيت حديث: 5

(3) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 272

مخالفين لما تقدم من الأخبار الواردة في أن آخر العقيق ذات عرق و التحقيق: انه ان ثبت إعراض الأصحاب عن الطائفة الثانية فهو موجب لسقوطها عن الحجية، و لكن الكلام في ذلك، لان حكى القول بمضمونها عن على بن بابويه و عن ولده في المقنع و الشيخ في النهاية و ظاهر المدارك الميل إليها حيث قال: (و لا ريب ان الاحتياط يقتضي ان لا يتجاوز غمرة إلا محرما، لضعف الخبرين المتضمنين لتحديده بذات عرق) و لذلك قد يقوى في النظر حمل الطائفة الأولى على التقية، لما رواه الثقة الجليل أحمد بن أبى طالب الطبرسي، في كتاب الاحتجاج، عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري في جملة من كتبه الى صاحب الزمان (عجل اللّه تعالى فرجه) انه كتب إليه يسأله على الرجل يكون مع بعض هؤلاء و

يكون متصلا بهم يحج و يأخذ عن الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ فهل يجوز لهذا الرجل ان يأخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف من الشهرة أم لا يجوز ان يحرم الا من المسلخ؟؟ فكتب إليه في الجواب يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبي في نفسه فإذا بلغ الى ميقاتهم أظهره «1» و في كشف اللثام (لا ريب انه أحوط) و في الجواهر قلت: (لعل الوجه في الجمع بين النصوص المزبورة بعد تعارف إحرام العامة من ذات عرق ما عن ابن إدريس من انه وقت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لأهل العراق العقيق فمن أى جهاته و بقائه أحرم فيعقد الإحرام منها الا ان له ثلاثة أوقات: (أولها):

المسلخ و هو أفضلها عند ارتفاع التقية و (أوسطها): غمرة و هي يلي المسلخ في الفضل عند ارتفاع التقية و (آخرها): ذات عرق و هي أدونها في الفضل الا عند التقية و الشناعة و الخوف، فذات عرق هي أفضلها في هذا الحال، و حينئذ فما في مكاتبة الحميري تعليم للجمع بين مراعاة الفضل و التقية) و هذا الجمع لا يخلو من الإشكال.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب المواقيت حديث: 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 273

[الثالث الجحفة و هي لأهل الشام و مصر و المغرب]

قوله قده: (الثالث الجحفة [1] و هي لأهل الشام و مصر و المغرب و من يمر عليهم عليها من غيرهم إذا لم يحرم من الميقات السابق عليها. إلخ)

الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و لم ينقل من أحد منهم للخلاف فيه و قد ذكر الأول- و هو أهل الشام- في صحيح ابن رئاب المتقدم عن أبى عبد اللّه

«عليه السلام» قال: (و وقت لأهل الشام الجحفة) و في صحيح رفاعة بن موسى قال (عليه السلام) (و وقت لأهل الشام المهيعة و هي الجحفة) و في صحيح الحلبي قال: (و وقت لأهل الشام الجحفة) و قد ذكر الثاني- و هو أهل مصر- في صحيح على بن جعفر «عليه السلام» قال عليه السلام فيه: «و أهل الشام و مصر من الجحفة» و قد ذكر الثالث- و هو أهل المغرب- في صحيح الخزاز المتقدم: (و وقت لأهل المغرب الجحفة و هي عندنا مكتوب مهيعة) و في صحيح معاوية بن عمار قال «عليه السلام»: (و وقت لأهل المغرب الجحفة و هي مهيعة). و قد ذكر الرابع- و هو من يمر عليها من غيرهم- في صحيح صفوان بن يحيى عن أبى الحسن الرضا «عليه السلام» قال: كتبت اليه: ان بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق و ليس بذلك الموضع ماء و لا منزل و عليهم في ذلك مؤنة شديدة و يعجلهم أصحابهم و جمالهم من وراء بطن عقيق بخمسة عشرة ميلا، منزل فيه ماء و هو منزلهم الذي

______________________________

[1] الجحفة في تحرير النووي و تهذيبه: «بجيم مضمومة، فحاء مهملة، ففاء على سبع مراحل من المدينة، و ثلاث من مكة». و في تهذيبه: «بينها و بين البحر نحو ستة أميال». و قيل.

بينها و بين البحر ميلان. و لا تناقض لاختلاف البحر باختلاف الأزمنة.

و في القاموس: «كانت قرية جامعة على اثنين و ثلاثين ميلا من مكة يسمى مهيعة تنزل بها بنو عبيد و هم اخوة عاد و كان أخرجهم العماليق من يثرب فجائهم سيل فاجحفتهم فسميت جحفة».

و في مصباح المنير: «منزل بين مكة و المدينة قريب من رابغ بين بدر

و خليص» و قيل:

انه كانت قرية معمورة في زمن السابق و لكن الآن خربة و كانت تسمى: (مهيعة) و تبعد من مكة المكرمة تقريبا: (مأتين و عشرون) كيلو مترا. و في الجواهر: «فهي كما في جملة من النصوص المهيعة و انما سميت الجحفة لإجحاف السيل بها و بأهلها.

و في كشف اللثام: المهيعة: «بفتح الميم، و سكون الهاء، و فتح الياء، المثناة التحتانية، قيل و يقال: كمعيشة من الهيع: و هو السيلان، و يقال: ارض هيعة: اى واسعة مبسوطة، و طريق مهيع اى واسع بين و انما سميت الجحفة لأن السيل أجحف بها و بأهلها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 274

ينزلون فيه فترى ان يحرموا من موضع الماء لرفقه بهم و خفته عليهم؟ فكتب: ان رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» وقت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز الميقات الا من علة «1»

[الرابع يلملم و هو لأهل اليمن]

قوله قده: (الرابع: يلملم [1] و هو لأهل اليمن)

لا ينبغي الكلام في ذلك، و الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب و لم ينقل من أحد منهم للخلاف فيه، و قد ذكر كونه ميقات أهل اليمن في صحيح الحلبي المتقدم في صدر المبحث قال «عليه السلام»:

(و وقت لأهل اليمن يلملم) و في صحيح معاوية بن عمار: (و وقت لأهل اليمن يلملم)، و نحوهما غيرهما من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام»

______________________________

[1] يلملم: في القاموس و مصباح المنير: «قيل: الأصل: المسلم، فخففت الهمزة، و قد يقال: يرموم.

و في اصطلاح المنطق: «انه واد». و كذا في شرح الإرشاد لفخر الإسلام.

و في كشف اللثام: «و على كل فهو من ألملم بمعنى الجمع و هو

على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلا و في القواعد: «هو جبل».

و في الجواهر: «جبل، آو واد، يقال له: يلملم، و ألملم، و يرمرم، و هو على مرحلتين من مكة» و قيل: انه جبل من جبال تهامة، و يبعد عن مكة للمكرمة تقريبا: (أربعة و تسعون) كيلو مترا.

و في كتاب البلدان على ما حكى عنه: «من مكة إلى صنعاء احدى و عشرون مرحلة فأولها المكان ثم يلملم و منها يحرم حاج اليمن ثم الليث. إلخ».

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 15- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 275

[الخامس قرن المنازل و هو لأهل الطائف]

قوله قده: (الخامس: قرن المنازل [1] و هو لأهل الطائف)

بلا اشكال و لا خلاف فيه و هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و قد صرح ذلك في صحيح الخزاز المتقدم عن أبى عبد اللّه عليه السلام: (و وقت لأهل الطائف قرن المنازل) و في صحيح الحلبي: (و وقت لأهل نجد العقيق و وقت الطائف قرن المنازل) و في صحيح معاوية بن عمار: (و وقت لأهل الطائف قرن المنازل) و نحوها غيرها من الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و أما ما في صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال وقت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لأهل المشرق: العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث إلى غمرة و وقت لأهل المدينة ذو الحليفة و لأهل نجد قرن المنازل. إلخ «1» و ما في صحيح على بن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الأوقات التي وقتها رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) للناس؟ فقال: ان رسول اللّه وقت لأهل المدينة ذو الحليفة و هي

الشجرة و وقت لأهل الشام الجحفة و وقت لأهل اليمن قرن المنازل. إلخ «2» حيث انه يستفاد من الأول ان ميقات أهل النجد قرن المنازل مع أنه قد سبق ان ميقاتهم العقيق و من الثاني أن ميقات أهل اليمن قرن المنازل مع أنه قد سبق ان ميقاتهم يلملم فلا بد من التوجيه

______________________________

[1] قرن المنازل: بفتح القاف، و سكون الراء، و هو ميقات: أهل الطائف، و هو قرية عند الطائف، أو اسم الوادي كله كما في القاموس قال: «و غلط الجوهر: في تحريكه و في نسبته أويس القرني إليه، لأنه منسوب الى قرن بن دومان بن ناجية بن مراد. بل قيل: اتفق العلماء في تغليطه فيهما و انما أويس من بنى قرن من بطن مراد، و لا يخفى انه لم يصرح بالتحريك و لا بنسبته أويس اليه و انما قال: و القرن حي من اليمن و منه أويس القرن».

و في شرح القاموس نص عبارة الصحاح: «و القرن موضع و هو ميقات أهل نجد و منه أو يس القرني». و في مجمع البلدان عن الصحاح على ما حكى عنه انه قال: «قرن بالتحريك ميقات».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 2- من أبواب المواقيت حديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب- 2- من أبواب المواقيت حديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 276

كان يقال: أن للنجد طريقين. (أحدهما): يمر بالعقيق. و (ثانيهما): يمر بقرن المنازل فيجب عليهم الإحرام عند مرورهم بأحد الميقاتين و كذلك في الثاني و لا تهافت بين النصوص

[السادس مكة و هي لحج التمتع]

قوله قده: (السادس مكة و هي لحج التمتع).

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا قال في المدارك: قد أجمع العلماء كافة على

أن ميقات حج التمتع مكة و يدل عليه روايات منها صحيحة عمرو بن حريث الصيرفي قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: من أين أهل بالحج، فقال: أن شئت من رحلك، و ان شئت من الكعبة، و ان شئت من الطريق «1» و المراد من الطريق هو سكك مكة لا خارجها و في الجواهر: (بلا خلاف أجده نصا و فتوى بل في كشف اللثام الإجماع عليه).

و في المستند: (بلا خلاف كما قيل بل بإجماع العلماء كما في المدارك و المفاتيح و شرحه و غيرها) و استدل بصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» لأهل مكة أن يتمتعوا؟ قال «عليه السلام:» لا قلت: فالقاطنين بها؟ قال «عليه السلام»: إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا

______________________________

و في مجمع البحرين قال: «و القرن موضع و هو ميقات أهل نجد و منه أويس القرني و يسمى أيضا قرن المنازل و قرن الثعالب».

و في كشف اللثام انه يقال له: «قرن الثعالب و قرن بلا اضافة و هو جبل مشرف على عرفات على مرحلتين من مكة و قيل: قرن الثعالب غيره، و انه جبل مشرف على أسفل منى بينها و بين مسجده الف و خمسمائة ذراع القرن الجبل الصغير أو قطعة منفردة من الجبل و قيل: ان قرن جبل مشرف على عرفات و يقال له: قرن المنازل و يبعد عن مكة المكرمة تقريبا [أربعة و تسعون] كيلو مترا و قيل: القرن بالإسكان. اسم الجبل. و بالفتح. الطريق ثم ان اختلاف عبارة ما نقل عن الصحاح يمكن ان يكون لأجل اختلاف النسخ.

ثم لا يخفى انه بعد ما نقل الاتفاق على عدم كون أويس القرني منسوبا الى قرن المنازل و مع

ذلك قد نسبه الصحاح اليه و كذلك مجمع البحرين و كيف ما كان ان قرن المنازل ميقات لأهل الطائف و هو معلوم عد المترددين فلا يترتب على هذا الاختلافات اثر كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب المواقيت حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 277

كما صنع أهل مكة فإذا أقاموا شهرا فان لهم ان يتمتعوا، قلت: من أين؟ قال «عليه السلام» يخرجون من الحرم. قلت: من أين يهلون بالحج؟ فقال «عليه السلام»: من مكة نحوا مما يقول الناس «1» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و ما في خبر إسحاق عن أبى الحسن «عليه السلام» من قوله: (كان أبى مجاورا ها هنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج «2» حيث ان المستفاد منه جواز الإحرام بالحج من غير مكة محمول على محامل و قد تقدم ذكرها في شرائط حج التمتع عند ذكر شرط الرابع منها بناء على تماميتها كما انه تقدم ذكر جميع الاخبار و البحث عنها فيه و من أراد الوقوف على ذلك فليراجعه. و كيف كان لا ينبغي الإشكال في ذلك بعد ثبوت الوفاق و الاتفاق من جميع الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» عليه

[السابع دويرة الأهل أى المنزل و هي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكة]

قوله قده: (السابع: دويرة الأهل: أى المنزل و هي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكة. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قال في المدارك: (هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب. إلخ). قال في الجواهر: (بلا خلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه. بل في المنتهى: (انه قول أهل العلم كافة إلا مجاهدا. إلخ) و

يدل عليه جملة من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام»- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار، عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله «3» قال في محكي التهذيب بعد ما روى ذلك: (و قال في حديث آخر: إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من دويرة أهله «4» 2- عن الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن مسمع عن أبى عبد اللّه «عليه السلام»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 3

(2) الوسائل ج 2 الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

(3) الوسائل ج 2- الباب- 17- من أبواب المواقيت حديث: 1

(4) الوسائل ج 2- الباب- 17- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 278

قال: إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله «1» 3- عن صفوان بن يحيى، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبى سعيد، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة؟ قال: يحرم منه «2» 4- عن محمد بن فضل، عن ابن أبى عمير، عن صفوان، عن معاوية بن عمار، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فميقاته (فوقته) منزله «3» 5- عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن رياح ابن أبى نصر، قال:

قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): يروون أن عليا (عليه السلام) قال: من تمام حجك إحرامك من دويرة أهلك؟ فقال: سبحان اللّه لو كان كما يقولون لم يتمتع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) بثيابه

إلى الشجرة!؟ و انما معنى دويرة أهله من كان اهله وراء الميقات إلى مكة «4» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) المتفقة في الدلالة على اعتبار القرب إلى مكة- كما صرح غير واحد به من الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر: (خلافا للمصنف عن موضع من المعتبر. فاعتبر القرب الى عرفات، و لم نقف له على دليل. و ان كان قد يؤيده الاعتبار فيما إذا كان الإحرام للحج الذي لا يتوقف على الدخول إلى مكة، بخلاف ما إذا كان للعمرة التي لا مدخلية لها بعرفات. و لعله لذا قال في المسالك: «لو لا النصوص أمكن اختصاص القرب في العمرة بمكة و في الحج بعرفة، إذ لا يجب المرور على مكة في إحرام الحج من المواقيت»: بل جزم أول الشهيدين في اللمعة:

باعتبار القرب الى عرفات في حج الأفراد لغير النائي فقال: «يحج من منزله لأنه أقرب إليها من الميقات مطلقا، إذا قرب المواقيت إلى مكة مرحلتان هي: (ثمانية و أربعون ميلا

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 17- من أبواب المواقيت حديث: 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 17- من أبواب المواقيت حديث: 4

(3) الوسائل ج 2- الباب- 17- من أبواب المواقيت حديث: 8

(4) الوسائل ج 2- الباب- 17- من أبواب المواقيت حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 279

و هي منتهى مسافة حاضري مكة» و أشكله في الروضة: بإمكان زيادة منزله بالنسبة الى عرفات و المساواة فيتعين الميقات فيهما». و الجميع كما ترى، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص المصرح فيه باعتبار القرب إلى مكة) و هو كما ذكره «قدس سره» و قال في المدارك بعد ذكر النصوص: (و يستفاد من هذه

الروايات أن المعتبر: القرب إلى مكة و اعتبر المصنف القرب: الى عرفات و الأخبار تدفعه)

قوله قده: (بل لأهل مكة ايضا على المشهور- و أن استشكل فيه بعضهم- فإنهم يحرمون لحج القران و الافراد من مكة. إلخ)

قال في الجواهر: (الكلام في أهل مكة من حيث عدم اندراجهم في اللفظ المزبور المقتضي للمغايرة، لكن عن صريح ابني حمزة و سعيد و ظاهر الأكثر الإحرام منها بالحج، لإطلاقهم الإحرام من المنزل لمن كان منزله دون الميقات أو ورائه بل في الرياض بعد نسبته إلى الشهرة حاكيا لها عن جماعة من الأصحاب، قال: «بل زاد بعضهم فنفى الخلاف فيه بينهم مشعرا بدعوى: الإجماع عليه- كما حكاه في الذخيرة، قلت و يؤيده النبوي: «فمن كان دونهن فمهله من أهله» بل و المرسل: «عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟ قال: منزله» لكن قد سمعت سابقا في الصحيحين الواردين في المجاور أمره بالإحرام بالحج من الجعرانة، و هو بإطلاقه شامل لمن انتقل فرضه الى فرض أهل مكة أم لا و يمكن ان يقيد بالأخير أو بجعل ذلك من خصائص المجاور- كما في الحدائق- أو يحمل على الأفضل، لبعد المسافة، و حينئذ فالمراد من الإحرام من المنزل رخصة لا عزيمة و لذا كان المحكي عن الكافي و الغنية و الإصباح ان الأفضل لمن منزله أقرب الإحرام من الميقات) و في كشف اللثام: (وجهه ظاهر لبعد المسافة.

و طول الزمان و كل من حج على ميقات لزمه الإحرام منه و هو واضح) و لكن الأخبار المتقدمة لا تشمله، لاختصاصها بمن كان منزله بين مكة و الميقات و اما المرسل و النبوي فالمناقشة فيهما واضحة قال في المستند: (ثم الحكم يعم أهل مكة ايضا

على المشهور بين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 280

الأصحاب بل نفى بعضهم الخلاف فيه، و يدل عليه مرسلة الصدوق المتقدمة و ما روى عن النبي. الى ان قال: بل يمكن الاستدلال بجميع اخبار الباب المتقدمة سوى المرسلة الأخيرة بأن يفسر نحو قوله: (من كان منزله دون الميقات إلى مكة) بأن المراد من كان منزله في جميع ذلك الموضع المبتدء بدون الميقات المنتهى الى مكة، و استشكل بعضهم فيهم من جهة ان الأقربية إلى مكة يقتضي المغايرة و من جهة الصحيحين الواردين في المجاور و انه يحرم من الجعرانة سواء انتقل فرضه إلى أهله أم لا «و لا يخفى ان الأقرب انما ورد في كلام الأصحاب دون أخبار الأطياب و الصحيحان واردان في حكم المجاور فلعل هذا مختص به. إلخ) و كيف كان هذا الفرع بعد يحتاج إلى التأمل.

قوله قده: (بل كذا المجاور الذي انتقل فرضه الى فرض أهل مكة، و ان كان الأحوط إحرامه من الجعرانة، و هي أحد مواضع أدنى الحل، للصحيحين الواردين فيه المقتضي إطلاقهما عدم الفرق بين من انتقل فرضه أو لم ينتقل، و ان كان القدر المتيقن:

الثاني فلا يشمل ما نحن فيه، لكن الأحوط ما ذكرنا عملا بإطلاقهما. إلخ)

و يشير «قدس سره» بالصحيحين الى ما رواه يعقوب، عن أبى على الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: انى أريد الجوار بمكة فكيف اصنع؟ فقال، «عليه السلام»: إذا رأيت الهلال: هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة و أحرم منها للحج. الى ان قال: ان سفيان فقيهكم أتاني فقال:

ما يحملك على ان تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟! قلت:

هو وقت من رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» فقال: و أى وقت من مواقيت رسول اللّه هو؟ فقلت أحرم منها حين قسم غنائم حنين و مرجعه إلى الطائف فقال: ان هذا شي ء أخذته عن عبد اللّه بن عمر، كان إذا رأى الهلال صاح بالحج: فقلت أ ليس قد كان عندكم مرضيا؟ فقال: بلى، و لكن أما علمت: ان أصحاب رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أحرموا من المسجد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 281

فقلت: إن أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء، و أن هؤلاء قطنوا مكة فصاروا كأنهم من أهل مكة، و أهل مكة لا متعة لهم، فأحببت أن يخرجوا من مكة الى بعض المواقيت و ان يستغبوا به أياما؟ فقال لي: و انا أخبره أنها وقت من مواقيت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله» يا أبا عبد اللّه: فإني أرى لك أن لا تفعل، فضحكت، و قلت: و لكني أرى لهم ان يفعلوا. إلخ «1» و الى ما رواه أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان عن أبى الفضل، قال: كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» من أين أحرم بالحج؟

فقال «عليه السلام»: من حيث أحرم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» من الجعرانة أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح، فقلت متى اخرج؟ قال: إذا كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم و ان كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس «2»

[الثامن فخ و هو ميقات الصبيان في غير حج التمتع عند جماعة]

قوله قده: (الثامن: فخ [1] و هو ميقات الصبيان في غير حج التمتع عند جماعة بمعنى جواز تأخير إحرامهم الى هذا المكان

لا انه يتعين ذلك)

و استدلوا لذلك بصحيح أيوب قال: سأل أبو عبد اللّه «عليه السلام» عن الصبيان من أين تجرد الصبيان؟ قال «عليه السلام»: كان أبى يجردهم من فخ «3» و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن

______________________________

[1] بفتح الفاء، و تشديد الخاء المعجمة: بئر معروف على نحو فرسخ من مكة، كما قيل. و في القاموس: «موضع بمكة، دفن فيه ابن عمر» في نهاية ابن الأثير: «موضع عند مكة. و قيل: واد دفن عبد اللّه بن عمر».

و في السرائر: «انه موضع على رأس فرسخ من مكة قتل فيه الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي أمير المؤمنين عليه [أفضل الصلاة و السلام]. على ما حكاه صاحب كشف اللثام [قدس سره].

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 5

(2) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 6

(3) الوسائل ج 2- الباب- 18- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 282

زياد، عن أحمد بن محمد بن أبى نصر، عن عبد الكريم أخي أديم مثله. محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القسم، عن صفوان، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أيوب بن الحر نحوه هذا مما لا كلام فيه انما الكلام- كما افاده صاحب الجواهر- في ان ذلك كفاية عن جواز إحرامهم منه- كما صرح به بعض الفقهاء بل ربما نسب إلى الأكثر بل في الروضة يظهر من آخر عدم الخلاف فيه- أو ان إحرامهم من الميقات و لكن رخص لهم في لبس المخيط الى فخ فيجردون منه- كما عن التحرير و المقداد و الكركي قولان؟ مقتضى ظاهر صحيح المتقدم هو

الثاني، و يمكن ان يستدل لذلك ايضا بما في صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: انظروا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو الى بطن مر، ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يرمى عنهم و من لا يجد الهدى منهم فليصم عنه وليه «1» و رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار مثله و رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القسم عن صفوان عن معاوية بن عمار مثله و زاد بعد قوله: «و يطاف بهم» «و يسعى بهم» كان على بن الحسين عليه السلام يضع السكين في يد الصبي ثم يقبض على يديه الرجل فيذبح و كيف كان انما تتم دلالته على ما ذكر بناء على ان بطن مر غير خارج عن الميقات كما افاده صاحب الجواهر في ذيل المبحث و نحوه صحيح على بن جعفر عن أخيه عليه السلام و صاحب الجواهر «قدس سره» اختار الثاني من القولين حيث قال: (أقواهما الثاني، لعموم نصوص المواقيت و النهى عن تأخير الإحرام عنها. الى ان قال: و ليس في الخبرين الا التجريد الذي لا ينافي ذلك على ان فخ انما هو طريق المدينة أما لو كان غيره فلا رخصة لهم في تجاوز الميقات بلا إحرام الذي صرح في النص بأن الإحرام من غيره كالصلاة أربعا في السفر، و احتمال حمل أدنى الحل من سائر الطرق على فخ الذي هو أدناه في طريقها. بل قيل: انه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 283

يعطيه كلام التذكرة واضح الضعف،

و تخصيص أدلة لزوم الكفارة على الولي بما دل على الرخصة في اللبس الى فخ متحقق على القولين، إذ لا كلام و لا خلاف في جواز الإحرام بهم من الميقات. و اما الصحيح عن الصادق: «قدموا من كان معكم من الصبيان. إلخ» فقد استدل به بعضهم على المختار بناء على ان بطن مر غير خارج عن الميقات لكن في الرياض: «انه على خلافه أرجح و لعله، لخروج بطن مر عن الميقات» ثم قال: و المسألة قوية الاشكال، و حيث أن المستفاد من جماعة عدم إشكال في جواز الإحرام بهم من الميقات بل و أفضليته و ان التأخير إلى فخ انما هو على سبيل الجواز كان الإحرام بهم من الميقات أولى و أحوط. قلت: مضافا الى معلومية كون الحكمة في التأخير إلى فخ ضعف للأطفال عن البرد و الحر و نحوهما، و ستعرف انه متى كان ذلك في المكلف أحرم من الميقات و جاز له اللبس للضرورة، فالمتجه حينئذ هنا ذلك ايضا و في خبر يعقوب قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ان معي صبية صغارا و انا أخاف عليهم البرد فمن أين يحرمون؟ فقال: ائت بهم العرج فليحرموا منها فإنك إذا أتيت العرج وقعت في تهامة ثم قال فان خفت عليهم فائت بهم الجحفة «1» و هو ظاهر في مراعاة الميقات و لو ميقات الاضطرار و لعل التخيير بين لجحفة و بطن مر و غيرهما لاختلاف الأزمنة و اختلاف حال الصبيان كما انه قد يطلق الإحرام بهم من غير الميقات على إرادة التجريد مجازا). و لكن صاحب المدارك (قدس سره» قال في شرح قول ماتنه: [و يجرد الصبيان من فخ] المراد بالتجريد الإحرام- كما صرح

به المصنف في المعتبر و العلامة في جملة من كتبه الى ان قال: و قد ذكر المحقق الشيخ على «رحمه اللّه تعالى» أن المراد بالتجريد التجريد من المخيط خاصة فيكون الإحرام من الميقات كغيرهم لان الميقات موضع الإحرام فلا يتجاوزه الا محرما و هو ضعيف لمنع ما ادعاه من العموم بحيث يتناول غير المكلف و ظهور التجريد في المعنى الذي ذكرناه) و لكن

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 284

لا يخفى ما في كلامه «قدس سره» من الاشكال قال في الحدائق: (لا يخفى أن ما ذكره الشيخ على «قده» لا يخلو من قرب فان ظاهر لفظ التجريد يساعد و ما ادعاه (يعنى السيد قدس سره) من ظهور التجريد في معنى الإحرام لا يخفى ما فيه فان التجريد لغة انما هو نزع شي ء من شي ء كما يقال جردته عن ثيابه اى نزعتها عنه و المعتبر في الإحرام أمور عديدة لا يدخل منها شي ء تحت هذا اللفظ سوى نزع المخيط و ما ادعاه من منع العموم لا يخلو من شي ء أيضا. إلخ).

قوله قده: (ثم ان جواز التأخير على القول الأول انما هو إذا مروا على طريق المدينة و أما إذ سلكوا طريق لا يصل الى فخ فاللازم إحرامهم من ميقات البالغين)

لا ينبغي الإشكال في ذلك لاختصاص الدليل بناء على تماميته به فيرجع بالنسبة إلى غيره إلى الأدلة المقتضية لزوم الإحرام من الميقات الشاملة بإطلاقها الصبي كما هو واضح.

[التاسع محاذاة أحد المواقيت الخمسة و هي ميقات من لم يمر على أحدها]
اشارة

قوله قده: (التاسع: محاذاة أحد المواقيت الخمسة و هي ميقات من لم يمر على أحدها و الدليل عليه صحيحتا ابن سنان و لا يضر اختصاصهما بمحاذاة مسجد الشجرة

بعد فهم المثالية و عدم القول بالفصل و مقتضاهما محاذاة أبعد الميقاتين إلى مكة إذا كان في طريق يحاذي اثنين فلا وجه للقول بكفاية أقربهما إلى مكة. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدّس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و يدل عليه صحيحتا ابن سنان: (الاولى): ما عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء «1» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله الى قوله: «ستة أميال» الا انه ترك لفظ: (غير) قال الكليني: و في

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 7- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 285

رواية أخرى: يحرم من الشجرة ثم يأخذ أي طريق شاء «1» لكن ما ذكره «قدس سره» مرسل لا ينهض للمعارضة. (الثانية): ما عن الحسن محبوب، عن عبد اللّه سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من اقام بالمدينة و هو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له ان يخرج في غير طريق المدينة فإذا كان حذاء الشجرة و البيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها «2» و أنت ترى دلالتهما على المدعى. لكن في خصوص محاذاة مسجد الشجرة، لكونه موردهما، فلا كلام في كفاية الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة، إنما الكلام في انه هل يمكن التعدي عن موردهما إلى سائر المواقيت- كما ذهب

اليه المصنف و غيره من الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم- أولا؟؟ يمكن أن يقال بجواز التعدي إليها، و ما يمكن الاستدلال به على ذلك وجوه:

(الأول)- الإجماع و عدم القول بالفصل. و (فيه): انه قد تكرر منا مرارا و كرارا أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم «عليه السلام» و في المقام من المحتمل كون مدركه ما سيأتي، فلا عبرة به، الا ان يدعى حصول الاطمئنان منه.

(الثاني)- دعوى: استفادة العموم من صحيحتي ابن سنان- و أن ذكر الشجرة فيهما كان من باب المثال- و لكن القول بأن ذكرها فيهما من باب المثال أول الكلام لاحتمال خصوصية لها.

(الثالث)- دعوى: القطع بوحدة المناط. و (فيه): ايضا ما لا يخفى بعد الالتفات إلى قضية أبان، و قد تكرر: أن تنقيح المناط المعتبر هو القطعي منه، و هو غير ممكن أصلا في الشرعيات، و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن، و هو لا يغني من الحق شيئا نعم، إذا حصل القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل ايضا فلا محيص حينئذ من التعدي،

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 7 من أبواب المواقيت حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 7 من أبواب المواقيت حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 286

و لكنه مجرد فرض لا واقع له، فتسريه الحكم من المورد الى غيره قياس. و (من هنا): يشكل الحكم بكفاية المحاذاة بالنسبة إلى مسجد الشجرة أيضا في غير مورد النص و هو:

1- الإقامة بالمدينة شهرا.

2- انه كان يريد الحج في إقامته بها.

3- ان يخرج في غير طريق أهل المدينة فالأحوط في غير مورد النص هو إتيان الميقات للإحرام و لكن هذه المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

[كيفية تحقق المحاذاة]

قوله قده: (و تتحقق المحاذاة بان يصل في طريقه الى مكة إلى موضع يكون بينه و بين مكة باب و هي بين ذلك الميقات و مكّة بالخط المستقيم. و بوجه آخر: ان يكون الخط من موقفه الى الميقات اقصر الخطوط في ذلك الطريق. ثم، ان المدار على صدق المحاذاة عرفا فلا يكفي إذا كان بعيدا عنه فيعتبر فيها المسامتة كما لا يخفى. إلخ)

يمكن تفسير المحاذاة المطلوبة في ما نحن فيه بوجوه:

(الأول)- ان تكون المسافة بينه و بين مكة بمقدار المسافة بينها و بين الميقات، و لعله مراد المصنف «قدس سره» من قوله: (بينه و بين مكة. إلخ) و الظاهر وقوع غلط في العبارة- كما يظهر ذلك بأدنى تأمل فيها- و (فيه): انه لا يصلح هذا الوجه ان يكون ضابطا للمحاذاة، لإمكان تفاوت النقطتين من مكة و عدم كونهما في عرض واحد.

(الثاني) ما أفاده المصنف «قدس سره» بقوله: (و بوجه آخر: ان يكون الخط من موقفه الى الميقات اقصر الخطوط في ذلك الطريق) و يمكن المناقشة فيه: ان مقتضى إطلاقه- كما ترى- كفاية المحاذاة من الخلف أو الإمام عند التوجه إلى مكة المكرمة إذا كان في جانبهما اقصر الخطوط الى الميقات اللهم الا ان يكون المراد منه هو خصوص الخطوط

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 287

المتصلة من اليمين أو اليسار- كما هو الظاهر- و كيف كان فظاهر ذلك هو اعتبار المحاذاة الحقيقية. و (فيه): انه لا ينبغي الإشكال في كفاية المحاذاة العرفية، لأنها كسائر المفاهيم العرفية، فالعبرة بنظرهم.

(الثالث)- ان يقع الميقات في حال السير على يمينه أو على يساره سواء كان مواجها إلى مكة المكرمة أولا و (فيه): ان هذا الإطلاق خلاف ما يستفاد من

ظاهر الحديث كما لا يخفى.

(الرابع)- ان يفرض خط مستدبر حول مكة تصل قطعة منه الى الميقات، فيجوز له الإحرام من ذلك الخط. و (فيه): انه يلزم من ذلك جواز الإحرام من ذلك الخط و لو مع البعد الكثير و لا يمكن الالتزام به.

(الخامس)- ان يقع الميقات على يمينه أو على يساره حينما كان متوجها الى مكة المعظمة هذا هو الحق في النظر، و لكن لا مطلقا بل بقيد عدم بعد كثير بينه و بين الميقات و هذا ليس من جهة عدم صدق المحاذاة عرفا مع البعد الكثير، لأنه كما تصدق المحاذاة عرفا مع القرب كذلك تصدق مع البعد بل انما يكون ذلك لأجل عدم إطلاق في صحيح بن سنان حتى يشمل البعد الكثير، لوروده في مورد خاص و هو المحاذاة للشجرة بمسيرة ستة أميال عن المدينة و من الواضح حصول المحاذاة بذلك مع قرب المسافة بين الشخص و الشجرة فلا يمكن التعدي منه الى مطلق المحاذاة العرفية لأنه يحتاج الى دليل تعبدي و هو لم يثبت ثم، انه لا يشترط في ذلك ان يكون سيره في طريق مستقيم إلى مكة المكرمة بل يكفيه الإحرام فيه و لو اتفق له ذلك في الطريق الاعوجاجى مع كونه قاصدا إليها. فظهر: ان الضابط في المحاذاة كون الميقات عن يمين الشخص أو يساره حين ما كان مواجها لمكة المكرّمة سواء كان في طريق مستقيم أو في طريق اعوجاجى، بشرط عدم كونه في بعد كثير. ثم، انه إذا أحرم من مكان المحاذاة ثم خرج منه بواسطة اعوجاج الطريق ثم عاد اليه لم يجب عليه تجديد إحرامه، و انما هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 288

نظير وصول الشخص ثانيا بعد

التجاوز عن الميقات الأول محرما الى ميقات ثاني فتدبر.

[و اللازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن]

قوله قده: (و اللازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن، و الا فالظن الحاصل من قول أهل الخبرة، و مع عدمه أيضا فاللازم الذهاب الى الميقات أو الإحرام من أول موضع احتماله و استمرار النية و التلبية إلى آخر مواضعه و لا يضر احتمال كون الإحرام قبل الميقات حينئذ مع انه لا يجوز، لانه لا بأس به إذا كان بعنوان الاحتياط، و لا يجوز إجراء أصالة عدم الوصول الى المحاذاة، أو أصالة عدم وجوب الإحرام، لأنهما لا يثبتان كون ما بعد ذلك محاذيا، و المفروض لزوم كون ان شاء الإحرام من المحاذاة و يجوز لمثل هذا الشخص ان ينذر الإحرام قبل الميقات فيحرم في أول موضع الاحتمال أو قبله على ما سيأتي من جواز ذلك مع النذر. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» (أولا): بقوله: «و اللازم حصول. إلخ» فهو مما لا شبهة فيه، و وجهه واضح. و أما ما أفاده (ثانيا): بقوله:

«و الا فالظن.» فهو مما لا يمكن المساعدة عليه، لعدم الدليل على اعتباره، فإذا ظهر ضعف ما حكى عن المبسوط و الجامع، و التحرير. و التذكرة. و المنتهى، و الدروس من كفاية الظن في ذلك. بل ظاهر المحكي عنهم الاكتفاء به و لو مع إمكان العلم، و استدل لهم في الجواهر: بالحرج، و الأصل، و انسباق ارادة الظن في أمثال ذلك، و كأنه مال اليه صاحب الجواهر «قدس سره» حيث قال في ذيل المبحث: (نعم قد يقال: ان المتجه اعتبار العلم بالمحاذاة، لكن صرحوا بكفاية الظن و لعله للحرج، و الأصل، و انسباق ارادة الظن في أمثال ذلك، بل لا يبعد الاجتزاء به لو تبين فساد ظنه،

لقاعدة الإجزاء. نعم، لو تبين فساد ظنه بتقدم الإحرام على محل المحاذاة و كان لم يتجاوزه أعاد حينئذ لكن أطلق في الدروس و المسالك، الإعادة لو ظهر التقدم و عدمها لو ظهر التأخر، و هو مشكل ان لم ينزل علي ما ذكرنا، لإطلاق قاعدة الإجزاء. إلخ) و لكن المناقشة في الأدلة المذكورة لكفاية الظن بها واضحة. أما (في الأول):- و هو الحرج- فلمنعه،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 289

و ذلك اما مع إمكانه الذهاب الى الميقات فمنعه واضح، و أما مع عدم إمكانه فيحتاط بالكيفية التي سيأتي و لا يلزم منه الحرج أصلا. و اما (في الثاني):- و هو الأصل- فلا مجال له أصلا- كما هو واضح. و اما (في الثالث):- و هو انسباق ارادة الظن في أمثال ذلك- فهو أول الكلام بل ليس في البين ذلك فمع عدم إمكان العلم بالمحاذاة يتعين عليه اما بالذهاب الى الميقات أو بالاحتياط بتجديد الإحرام في النقاط الداخلة في علمه الإجمالي، بناء على ما هو الحق من كون الامتثال الإجمالي في عرض الامتثال التفصيلي، أو نذر الإحرام من مكان خاص بناء على جواز تقديم الإحرام بالنذر على الميقات- كما سيتضح لك تحقيق ذلك في الفروع الآتية (ان شاء اللّه تعالى). ثم، انه إذا اختار الاحتياط بتجديد الإحرام في جميع النقاط الداخلة في العلم الإجمالي لم يضره احتمال صدور الإحرام قبل الميقات الذي هو المنهي عنه- كما افاده المصنف قدس سره-، و ذلك لان حرمته تشريعية لا ذاتية، فلا بأس به إذا كان بعنوان الاحتياط ثم انه لا بأس بذكر ما في الجواهر من الاشكال على الاحتياط المزبور قال: (و لو لم يعرف حذو الميقات لا علما و لا

ظنا فمن المنتهى و ير: احتاط و أحرم من بعد بحيث يتيقن انه لم يجاوز الميقات الا محرما. و أشكل: بأنه كما يمتنع تأخير الإحرام عن الميقات كذا يمتنع تقديمه عليه، و تجديد الإحرام في كل مكان يحتمل فيه المحاذاة مشكل، لانه تكليف شاق لا يمكن إيجابه بغير دليل. و (يدفع): بأن ذلك لا ينافي كونه طريق احتياط عليه بل قد لا ينافيه على الوجوب ايضا، بناء على أن النية هي الداعي، إذ لا مشقة في استمرارها في أماكن الاحتمال فتأمل جيدا). بل يكون كذلك حتى بناء على القول بعدم انعقاد الإحرام بمجرد النية و يحتاج إلى عقده بالتلبية لأن لزوم المشقة و الحرج منه غير معلوم.

[ثم إن أحرم في موضع الظن بالمحاذاة]

قوله قده: (ثم إن أحرم في موضع الظن بالمحاذاة و لم يتبين الخلاف فلا اشكال، و ان تبين بعد ذلك كونه قبل المحاذاة و لم يتجاوزه أعاد الإحرام، و أن تبين كونه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 290

قبله و قد تجاوز أو تبين كونه بعده فإن أمكن العود و التجديد تعين، و الا فيكفي في الصورة الثانية و يجدد في الاولى في مكانه، و الاولى التجديد مطلقا و لا فرق في جواز الإحرام في المحاذاة بين البر و البحر. إلخ)

ما أفاده قدس سره (أولا): أن أحرم في موضع الظن.) انما يتم بناء على القول بكفاية الظن و أما ما أفاده (ثانيا): من إعادة الإحرام لو تبين وقوع إحرامه قبل المحاذاة مع عدم تجاوزه عنها فهو لأجل أنه يكشف به بطلان إحرامه، لوقوعه قبل المحاذاة. و أما ما أفاده (ثالثا): من أنه أمكن العود.) أما في (الفرض الأول): فمن جهة وقوع إحرامه قبل الميقات يحكم ببطلان إحرامه، خلافا لما

تقدم من صاحب الجواهر من ميله الى الاجزاء لو ظهر التقدم لقاعدة الأجزاء التي قد قرر في الأصول عدم تماميتها و أما (الفرض الثاني): فبعض الفقهاء أطلق عدم الإعادة لو ظهر، التأخر و لكن في المدارك في آخر البحث: (قال: الثالث: لو أحرم كذلك بالظن ثم تبينت الموافقة و استمر الاشتباه اجزء، و لو تبين تقدمه قبل تجاوز محل المحاذاة أعاد.

و لو كان بعد التجاوز أو تبين تأخره عن محاذاة المواقيت، ففي الإعادة وجهان: من المخالفة، و من تعبده بظنه المقتضي للاجزاء) و يظهر المناقشة ما في أفاده صاحب المدارك «قدس سره» أخيرا بقوله، (و لو كان بعد التجاوز أو تبين تأخره عن محاذاة المواقيت ففي الإعادة. إلخ) مما بينا لك فلاحظه

[الظاهر انه لا يتصور طريق لا يمر على ميقات و لا يكون محاذيا لواحد منها]

قوله قده: (ثم أن الظاهر انه لا يتصور طريق لا يمر على ميقات و لا يكون محاذيا لواحد منها إذا المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب فلا بد من محاذاة واحد منها و لو فرض إمكان ذلك فاللازم الإحرام من أدنى الحل و عن بعضهم انه يحرم من موضع يكون بينه و بين مكة بقدر ما بينها و بين أقرب المواقيت إليها و هو مرحلتان لانه لا يجوز لأحد قطعه الا محرما. و (فيه): أنه لا دليل عليه لكن الأحوط الإحرام منه و تجديده في أدنى الحل)

هذا هو المعروف بين الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم قال في المدارك:

(و لو سلك طريقا لم يؤد الى محاذاة ميقات قيل: يحرم من مساواة أقرب المواقيت الى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 291

الى مكة. الى أن قال و استقرب العلامة في القواعد و ولده في الشرح وجوب الإحرام من ادنى الحل و هو حسن لأصالة البراءة

من وجوب الزائد و قولهم ان هذه المسافة لا يجوز قطعها الا محرما في موضع المنع لان ذلك انما يثبت مع المرور على الميقات لا مطلقا و في القواعد على ما حكى عنه: (و لو لم يؤد الطريق الى المحاذاة فالأقرب ان ينشأ الإحرام من أدنى الحل و لكن في الجواهر: (و كيف كان و من التأمل في ما ذكرناه يستفاد سقوط فرض ما ذكره من أنه: «لو سلك طريقا لم يكن فيه محاذاة لميقات من المواقيت، و أن كان قد عرفت أن فيه الاحتمالين بل القولين: [الإحرام من مقدار أقرب المواقيت- أو من أدنى الحل]:

ضرورة: أنه بناء على اعتبار الجهة المزبورة لا يخلو طريق منها بالنسبة إلى محاذاة ميقات منها، لأنها محيطة بالحرم، و لعله على ذلك ينزل ما عن ابن إدريس من أن ميقات أهل مصر و من صعد البحر جدة بناء على انها تحاذي أحدها لأنها ميقات بخصوصها و ان كان المصنف قد أشار الى خلافه بقوله: «و كذا من حج في البحر في اعتبار المحاذاة المزبورة».)

و قال النراقي «قدس سره» في المستند على ما حكى عنه: (و اختلفوا في حكم من سلك طريقا لا يحاذي شيئا منها و هو خلاف لا فائدة فيه، إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب).

و لكن لم يعلم إحاطة المواقيت بالحرم، بل الظاهر حسب ما نقل انها غير محيطة به، و ذلك لان ذا الحليفة و الجحفة كليهما في شمال الحرم على خط واحد تقريبا، و قرن المنازل في المشرق منه، و العقيق بين الشمال و المشرق فتبقى يلملم وحدها لثلاثة أرباع الدورة المحيطة بالحرم، و بينها و بين قرن المنازل أكثر من ثلاثة أثمان الدورة، و

منها إلى الجحفة قريب من ذلك فعليه لا يمكن القول بإحاطتها به، فلا يتم حينئذ ما أفاده المصنف «قدس سره» من أنه:

(لا يتصور طريق لا يمر على ميقات الا يكون محاذيا إذ المواقيت بالحرم). لإمكان تصوير سيره من طريق يصل الى الدائرة و لا يكون محاذيا لأخذها ثم أنه على فرض تسليم أنها محيطة بالحرم و فرض أيضا أنه علم بتحقيق المحاذاة فلا إشكال في كفاية الإحرام منه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 292

من دون احتياج إلى الإحرام من أدنى الحل، بناء على القول بكفاية مطلق محاذاة المواقيت، و لو شك في موضع الميقات فقد تقدم انه يحتاط و بين كيفيته أو ينذر الإحرام قبله فيحرم في أول موضع الاحتمال أو قبله. و أما إذا لم يعلم بتحقق المحاذاة فإن أمكنه الإحرام من ميقات أهل أرضه فهو و الا فمن مواقيت آخر و أما إذا لم يمكنه فمن أدنى الحل و لا ينبغي الإشكال فيه.

[العاشر أدنى الحل و هو ميقات العمرة المفردة]

قوله قده: (العاشر: أدنى الحل و هو ميقات العمرة المفردة بعد حج القران أو الافراد. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع قال في الجواهر: (قد ذكر غير واحد من الأصحاب اعتبار الخروج إلى أدنى الحل في العمرة المفردة للقارن و المفرد بعد الحج بل في كشف اللثام: «لا نعلم في ذلك خلافا». بل حكى عن المنتهى نفى الخلاف في ذلك أيضا. إلخ) و قال في الحدائق: (و أما العمرة المفردة بعد حجى القران و الافراد فميقاتهم أدنى الحل- كما تقدم) و استدل له- مضافا الى اتفاق الأصحاب عليه قديما و حديثا بما رواه ابن

بابويه في الصحيح عن عمر بن يزيد، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر فليعتمر من الجعرانة، أو الحديبية، أو ما أشبههما «1» قال: و أن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أعتمر ثلاث عمر متفرقات كلها في ذي القعدة عمرة أهل فيها من عسفان و هي عمرة الحديبية. و عمرة للقضاء، أحرم فيها من الجحفة، و عمرة أهل فيها من الجعرانة، و هي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين «2» و يمكن أن يستدل لذلك أيضا بصحيح جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية؟ قال «عليه السلام»: تمضى كما هي الى عرفات

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 293

فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة «1» قال ابن أبى عمير: (كما صنعت عائشة و رواه الصدوق بإسناده عن جميل مثله الى قوله: (فتجعلها عمرة)

قوله قده: (بل لكل عمرة مفردة. إلخ)

قال في المستند: (و إطلاقها يشمل كل من أراد العمرة المفردة من مكة أيضا، و ان لم يكن مفردا أو قارنا. إلخ) و لكن لا يخفى ان صحيح جميل بن دراج فهو ورد في خصوص العمرة المفردة بعد حج القران أو الأفراد كما هو واضح.

قوله قده: (و الأفضل أن يكون من الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم فإنها منصوصة و هي من حدود الحرم على اختلاف بينها في القرب و البعد)

و في الجواهر: (لكن يستحب أن يكون من الجعرانة. أو

من التنعيم منه، للنصوص السابقة. و عن التذكرة:

«ينبغي الإحرام من الجعرانة، فإن النبي «صلى اللّه عليه و آله» أعتمر منها، فمن فاتته فمن التنعيم، لأنه أمر (ص) عائشة بالإحرام منه فمن فاته فمن الحديبية). و في كشف اللثام بعد ما نقل عن التذكرة بعين ما ذكرناه عنه من الجواهر قال: (لانه «صلى اللّه عليه و آله» لما غفل من حنين أحرم بالجعرانة، و لعل هذا دليل تأخير الحديبية و التنعيم عن الجعرانة فضلا، و تفصيل لما ذكره أو لا عن اعتماره منه) في الدروس نحو ذلك لكن فيه «ثم الحديبية، لاهتمامه به، و كأنه أراد الاهتمام بذكرها، حيث اختصت بالذكر في خبر عمر بن يزيد مع الجعرانة و في المحرم، و الأفضل الجعرانة، ثم الحديبية، ثم التنعيم. إلخ) و في الجواهر: (و ان كان استفادة الترتيب المزبور من النصوص لا يخلو من اشكال. إلخ) ما أفاده صاحب الجواهر «قدس سره» هو الصواب، لعدم دلالة النصوص المتقدمة على ذلك و لا يمكن إثبات الأفضلية لأحدها فضلا عن لزوم الترتيب بفعل النبي «صلى اللّه عليه و آله» و وجه عدم إمكان لزوم الترتيب بفعل النبي (صلى اللّه عليه و آله) في مفروض المقام واضح.

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 294

قوله قده: (فان الحديبية [1])

بالتخفيف أو التشديد بئر يقرب مكة على طريق جدة دون مرحلة ثم أطلق على الموضع. إلخ

قوله قده: (و الجعرانة [2])

بكسر الجيم و العين و تشديد الراء أو بكسر الجيم و سكون العين و تخفيف الراء موضع بين مكة و الطائف على سبعة أميال. إلخ

______________________________

[1] الحديبية: «بضم الحاء المهملة، ففتح الدال المهملة،

ثم ياء مثناة تحتانية ساكنة، ثم باء موحدة، ثم ياء مثناة تحتانية، ثم تاء التأنيث: و هي في الأصل اسم بئر خارج الحرم على طريق جدة عند مسجد الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان». قال الفيومي: «دون مرحلتين». و قال النووي: «على نحو مرحلة من مكة». و عن الواقدي: «أنها على تسعة أميال من المسجد الحرام. و قيل: اسم شجرة حدباء ثم سميت بها قرية هناك ليست بكبيرة قيل: أنها من المحل. و قيل: من الحرم. و قيل: بعضها في الحل و بعضها في الحرم و يقال:

انها أبعد أطراف الحل إلى الكعبة، يخفف ياؤها الثانية، و يثقل فيكون منسوبا إلى المخففة». و في تهذيب الأسماء، عن مطالع الأنوار: «ضبطناها بالتخفيف عن المتقنين، و أما عامة الفقهاء و المحدثين فيشددونها انتهى».

و قال السهيلي: «: (التخفيف اعرف عند أهل العربية، و قال احمد بن يحيى: لا يجوز فيها غيره، و كذا عن الشافعي): و قال أبو جعفر النحاس (سالت كل من لقيت ممن أثق بعلميته من أهل العربية عن الحديبية فلم يختلفوا على في أنها مخففة. و قيل: (ان التثقيل لم يسمع من فصيح). انتهى ما في كشف اللثام قال في الحدائق: (قال ابن إدريس في السرائر: (الحديبية اسم بئر، و هو خارج الحرم يقال: الحديبية بالتخفيف و التثقيل. و سالت ابن العطار الفرهي؟؟ فقال: (أهل اللغة يقولون بالتخفيف، و أصحاب الحديث يقولونها بالتشديد، و خطه عندي بذلك و كان إمام اللغة ببغداد).

[2] الجعرانة: «بكسر الجيم و العين المهملة و تشديد الراء المهملة المفتوحة- كما عن الجمرة-» و عن الأصمعي و الشافعي: «بكسر الجيم، و إسكان العين، و تخفيف الراء قيل: العراقيون يثقلونه، و الحجازيون يخففونه». و

حكى عن ابن إدريس:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 295

قوله قده: (و التنعيم [1]

موضع قريب مكة و هو أقرب أطراف الحل إلى مكة و يقال بينه و بين مكة أربعة أميال و يعرف بمسجد عائشة كذا في مجمع البحرين. إلخ).

قوله قده: (و أما المواقيت الخمسة، فعن العلامة «رحمه اللّه» في المنتهى: أن أبعدها من مكة ذو الحليفة، فإنها على عشرة مراحل من مكة، و يليه في البعد الجحفة، و المواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة بينها و بين مكة ليلتان قاصدتان. و قيل أن الجحفة على ثلاثة مراحل من مكة).

قد تقدم مقدار بعدها عن مكة المكرمة عند ذكرها و من أراد الوقوف على ذلك فليراجعها.

______________________________

«بفتح الجيم و كسر العين و تشديد الراء ايضا: و هي موضع بين مكة و الطائف، من الحل بينها و بين مكة ثمانية عشر ميلا على ما ذكره الباحي، سميت بريطة بنت سعد بن زيد مناة من تميم أو قريش كانت تلقب بالجعرانة. و يقال: انها المرادة: «بالتي نقضت غزلها». قال الفيومي: «انها على سبعة أميال عن مكة و هو سهو في سهو في سهو فان الحرم من جهته تسعة أميال أو بريد كما يأتي انتهى ما في كشف اللثام.

[1] التنعيم: «بلفظ المصدر سمي به موضع على ثلاثة أميال من مكة أو أربعة.

و قيل على فرسخين على طريق المدينة، به مسجد أمير المؤمنين (عليه السلام) و مسجد زين العابدين (عليه السلام) و مسجد عائشة. و سمي به، لان عن يمينه جبلا اسمه نعيم، و عن شماله جبلا اسمه ناعم، و اسم الوادي نعمان، و يقول. هو أقرب أطراف الحل إلى مكة»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 296

فصل في أحكام المواقيت

[مسألة 1 لا يجوز الإحرام قبل المواقيت و لا ينعقد]

قوله قده: (لا يجوز

الإحرام قبل المواقيت و لا ينعقد و لا يكفى المرور عليها محرما بل لا بد من ان شاءه جديدا. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه و النصوص وافية في الدلالة عليه). قال في المدارك: (فقال في المنتهى أنه قول علمائنا أجمع و الأخبار الواردة بعدم انعقاد الإحرام قبل هذه المواقيت مستفيضة) و يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح ابن أبي عمير عن ابن أذينة قال: قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: من أحرم بالحج في غير أشهر الحج فلا حج له و من أحرم دون الميقات فلا إحرام له «1» 2- صحيح عبيد اللّه على الحلبي عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لا ينبغي لحاج و لا معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها و ذكر المواقيت ثم قال: و لا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «2» 3- عن أحمد بن محمد عن على بن النعمان عن على بن عقبة عن ميسر قال: دخلت على أبى عبد اللّه «عليه السلام» و أنا متغير اللون، فقال لي: من أين أحرمت؟ قلت: من موضع كذا و كذا، فقال «عليه السلام»: رب طالب خير يزل قدمه. ثم قال: أ يسرك ان صليت الظهر في السفر أربعا!؟ قلت: لا: قال: فهو و اللّه ذاك «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 11 من أبواب أقسام الحج حديث: 4

(2) الوسائل ج 2- الباب- 11 من أبواب المواقيت حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 11

من أبواب المواقيت حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 297

4- خبر زرارة عن أبى جعفر «عليه السلام» في حديث قال: و ليس لأحد أن يحرم دون الوقت الذي وقته رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فإنما مثل ذلك من صلى في السفر أربعا و ترك اثنتين «1» و رواه الشيخ عن محمد بن يعقوب مثله.

قوله قده: (نعم يستثني من ذلك موضعان (أحدهما): إذا نذر الإحرام قبل الميقات، فإنه يجوز و يصح. إلخ)

هذا هو المعروف، بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا و في الجواهر: (كما صرح به كثير بل المشهور نقلا ان لم يكن تحصيلا. إلخ) و في كشف اللثام بعد ما حكم بعدم جواز الإحرام قبل هذه المواقيت للنصوص و الأصل و الإجماع خلافا للعامة قال: (الا لناذر الإحرام من مكان قبل الميقات فعليه الإحرام منه كما في النهاية و المبسوط و الخلاف و التهذيب و المراسم و المهذب و الوسيلة و النافع و الشرائع و الجامع و حكى عن المفيد «رحمه اللّه». إلخ) لا ينبغي الإشكال في ذلك و يدل عليه الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- ما رواه محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن أبى نصر، عن عبد الكريم عن سماعة، عن أبى بصير عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال:

سمعته، يقول: لو أن عبدا أنعم اللّه عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان كان عليه أن يتم «2».

2- ما رواه عن الحسين بن سعيد عن حماد، عن الحلبي أو على على اختلاف النسخ قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن

رجل جعل للّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة قال: فليحرم من الكوفة و ليف للّه بما قال «3».

3- ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل. عن صفوان، على على بن

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 11- من أبواب المواقيت حديث 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 13 من أبواب المواقيت حديث: 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 13 من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 298

حمزة، قال: كتبت الى أبى عبد اللّه «عليه السلام» أسأله عن رجل: جعل للّه عليه أن يحرم من الكوفة؟ قال: يحرم من الكوفة «1». و لكن خالف في ذلك جماعة من الفقهاء و منهم ابن إدريس على ما حكاه صاحب كشف اللثام فلم يعتبر هذا النذر لانه نذر غير مشروع- كنذر الصلاة في غير وقتها، أو إيقاع المناسك في غير مواضعها- مع ضعف الاخبار و أما العلامة و أن حكم بصحة خبر الحلبي في المنتهى على ما نقل عنه إلا ان أكثر نسخ التهذيب بل قيل جميعها متفقة على ان السائل فيه: (على) و الظاهر انه ابن حمزة (على ما حكى في كشف اللثام) فان السند هكذا: (عن الحسين بن سعيد عن حماد عن على) و انما الحلبي بدله مذكور في نسخ الاستبصار على ما قيل مع ان السند فيه هكذا: (الحسين بن سعيد عن حماد عن الحلبي) و المعروف في الحلبي مطلقا عبيد اللّه و أخوه محمد، و حماد ان كان ابن عيسى فتبعد روايته عن عبيد اللّه بلا واسطة و ان كان ابن عثمان فتبعد رواية الحسين ابن سعيد عنه بلا واسطة و تبعد أيضا إرادة عمران من إطلاق الحلبي و التحقيق

انه على فرض تسليم عدم تماميتها من حيث السند فلا يضر ذلك بالاستدلال بها، لانجبارها بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» كما أفاده صاحب الجواهر «قدس سره» في ذيل البحث حيث قال:

(و المناقشة في السند لو سلمت في الجميع مدفوعة بالشهرة، و في الدلالة: باحتمال ارادة المسير للإحرام من الكوفة أو خراسان أو نحو ذلك كما ترى على انها لا تنافي الظهور الذي هو المدار في الأحكام خصوصا مع عدم المعارض سوى قاعدة اعتبار مشروعية متعلق النذر في نفسه التي يجب الخروج عنها بما عرفت، سيما مع وجود النظير الذي قد مر في الصوم، فالاستناد إليها، كما عن الحلي و الفاضل في المختلف بل عن المصنف الميل إليه في المعتبر «بل في كشف اللثام: انه الأقوى كالاجتهاد في مقابلة النص. إلخ) و في المدارك: (احتج المانعون: بأن نذر التقديم نذر عبادة غير مشروعة فكان معصية فلا ينعقد نذرها و الجواب

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 13- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 299

ان هذه القاعدة مخصوصة بما نقلنا من الروايات، و لا استبعاد في ان يقول الشارع: ان الفعل محرم بدون النذر، و واجب معه، لمصلحة لا نعلمها، و بالجملة فقول ابن إدريس:

متجه لو لا ورود الرواية الصحيحة بالجواز) ثم انه لا فرق بين ان يكون نذره من كوفة أو خراسان أو غيرهما من البلاد و أما ما ذكر في منطوقها: (الكوفة و الخراسان) فلا يضر بعد فهم المثالية منهما فلا خصوصية لهما (كما هو واضح)

قوله قده: (و لا يضر عدم رجحان ذلك بل مرجوحيته قبل النذر، مع ان اللازم كون متعلق النذر به راجحا و ذلك لاستكشاف رجحانه بشرط النذر

من الاخبار و اللازم رجحانه حين العمل و لو كان ذلك للنذر و نظيره مسألة الصوم في السفر المرجوح أو المحرم من حيث هو مع صحته و رجحانه بالنذر و لا بد من دليل يدل على كونه راجحا بشرط النذر فلا يرد: ان لازم ذلك صحة نذر كل مكروه أو محرم و في المقامين المذكورين الكاشف هو الاخبار. إلخ)

ما أفاده المصنف «قدس سره» بقوله أن اللازم رجحانه حين العمل و لو كان ذلك للنذر بظاهره غير صحيح، لاستلزامه للدور، لان المفروض ان صحة النذر متوقفة على الرجحان و هو على الفرض متوقف على النذر، و هذا- كما ترى- دور صريح المجمع على بطلانه اللهم الا ان يقال: ان الاخبار الواردة في المقام الدالة على صحة النذر هنا انما تدل على رجحان العمل حين النذر لا على ان رجحانه آت من قبل النذر حتى يلزم الدور، فان من الممكن ان يكون رجحانه متوقفا على إرادة النذر أو على النذر الجامع لشرائط الصحة سوى شرط الرجحان، و كيف كان فلا حاجة الى إثبات رجحان العمل من دون توقف ذلك على النذر فان غاية الأمر ان تكون الأخبار الواردة في ما نحن فيه مخالفة لما دل على اشتراط الرجحان في متعلق النذر فنقول: انها تقدم عليه بالأخصية هذا كله بناء على اعتبار الرجحان في متعلق النذر- كما هو المشهور- و الا فلا اشكال حتى نحتاج الى الجواب فتقدم اخبار ما نحن فيه على الاخبار الدالة على عدم جواز الإحرام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 300

قبل الميقات بالأخصية.

قوله قده: (فالقول بعدم الانعقاد كما عن جماعة لما ذكر لا وجه له لوجود النصوص و إمكان تطبيقها على القاعدة. إلخ)

يظهر

من كلام صاحب الجواهر (قدس سره) المتقدم ان المراد بالجماعة المذكورة في المتن هو الحلي و العلامة في المختلف و عن المحقق في المعتبر الميل اليه و صاحب كشف اللثام «قدس سرهم»

قوله قده: (و في إلحاق العهد و اليمين بالنذر و عدمه وجوه: ثالثها: إلحاق العهد دون اليمين و لا يبعد الأول، لإمكان الاستفادة من الاخبار، و الأحوط: الثاني لكون الحكم على خلاف القاعدة. إلخ)

يمكن ان يتوهم ان كلام المصنف في ما نحن فيه، و هو: (لكون الحكم على خلاف القاعدة) مع ما سبق منه من تطبيقه لصحة النذر في ما نحن فيه على القاعدة متهافتان، لكن الظاهر عدم التهافت بينهما، و ذلك لان مراده (قدس سره) مما ذكر في ما سبق من إمكان التطبيق على القاعدة، هو كونه كذلك من حيث اشتراط الرجحان أو عدم المرجوحية في متعلق النذر، لأنه يكفي الرجحان حين العمل و الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) فيما نحن فيه كاشفة عنه حينه. و أما مراده (قدس سره) مما ذكره هنا من كونه على خلاف القاعدة: اى انه على خلاف الإطلاقات الواردة في عدم جواز الإحرام قبل الميقات المقتضية لعدم الرجحان و ثبوت المرجوحية مطلقا. ثم ان ما أفاده المصنف «قدس سره» بقوله: «لا يبعد الأول». و هو انما يكون لأجل انه لم يذكر في اخبار الباب عنوان النذر أو العهد أو اليمين فمقتضى إطلاقها شمول جميعها. لكن التحقيق أن الظاهر من قوله: (جعل للّه عليه أن يحرم من كذا) هو ارادة النذر فلا تشمل غيره نعم يمكن استفادة التعميم من إطلاق قوله: (فجعل على نفسه ان يحرم) الواقع في خبر أبى بصير المتقدم لا من جهة ما قيل من

كونها من باب واحد و حقيقة واحدة و وجه شمول إطلاقه للعهد و اليمين هو انه كما ترى لم يذكر فيه صيغة النذر و هو: (للّه) فالعبرة انما يكون

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 301

على الالتزام و الجعل على النفس و هذا المعنى كما يحصل بسبب النذر كذلك يحصل بسبب العهد و اليمين كما لا يخفى.

قوله قده: (و لا يلزم التجديد في الميقات و لا المرور عليها و ان كان الأحوط التجديد خروجا عن شبهة الخلاف. إلخ)

قال في كشف اللثام: (و طريق الاحتياط واضح و هو ما في المراسم و حكى عن الراوندي من الإحرام مرتين في المنذور و في الميقات و لكن التحقيق، انه لا وجه له أصلا بعد تمامية أدلة المتقدمة الدالة علي صحة إحرام المنذور و أشكل مما ذكر هو ما حكاه صاحب كشف اللثام «رضوان اللّه تعالى عليه» عن بعض:

(من أنه إذا نذر إحراما واجبا وجب تجديده في الميقات و الا استحب) فإنه- مضافا الى عدم تمامية أصل الحكم- انه لا وجه لهذا التفصيل أصلا. كما لا يخفى.

قوله قده: (و الظاهر اعتبار تعيين المكان فلا يصح نذر الإحرام قبل الميقات مطلقا فيكون مخيرا بين الأمكنة، لأنه القدر المتيقن بعد عدم الإطلاق في الاخبار، نعم.

لا يبعد الترديد بين المكانين بأن يقول: «للّه على أن أحرم أما من الكوفة أو من البصرة» و أن كان الأحوط خلافه. إلخ)

الظاهر عدم ثبوت إطلاق للأخبار الواردة في المقام يشمل فرض الترديد، فلا فرق بين ما إذا نذر الإحرام قبل الميقات مطلقا أو مرددا، لان كلا منهما غير المتيقن من الإطلاق بل صورة الترديد يكون أسوء حالا من صورة الإطلاق لأنه كما بين في محله لا

بد و أن يكون للنذر مصبا كي يحكم بتحققه و فرض الترديد ليس كذلك و أما عنوان المردد و ان كان له مفهوما و لكن ليس له مصداقا خارجيا كي تعلق النذر به كما لا يخفى و قد مر تفصيل الكلام في ذلك في محله.

قوله قده: (و لا فرق بين كون الإحرام للحج الواجب و المندوب أو للعمرة المفردة. إلخ)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لإطلاق النصوص المتقدمة.

قوله قده: (نعم لو كان للحج أو عمرة التمتع يشترط أن يكون في أشهر الحج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 302

لاعتبار كون الإحرام لهما فيها و النصوص انما جوزت قبل الوقت المكاني فقط. إلخ)

لا ينبغي الإشكال في ذلك ايضا لعدم ورود أخبار الباب في مقام البيان من هذه الجهة حتى يستفاد من إطلاقها سقوط قيد الزمان الخاص و غاية ما دلت عليها هي دلالتها على صحة النذر إذا قدمه على الميقات و أما صحة نذره إذا نذر تقديم الإحرام على أشهر الحج أيضا فلا بعبارة أوضح أنها دلت على الصحة في صورة التقديم من حيث المكان و أما مطلقا حتى من حيث الزمان فلا فتدبر.

قوله قده: (ثم لو نذر و خالف نذره فلم يحرم من ذلك المكان نسيانا أو عمدا لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات نعم عليه الكفارة إذا خالفه عمدا)

لا ينبغي الإشكال في ذلك أما وجه عدم بطلان إحرامه إذا تركه نسيانا فهو واضح و أما إذا تركه عمدا فلأجل أنه غاية ما في الباب هو تحقق العصيان بالنسبة إلى مخالفته النذر و هذا لا يدل على عدم صحة إحرامه من الميقات كما لا يخفى الا على القول باقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده و لكن

قد قرر في الأصول عدم اقتضاءه له و أما ثبوت الكفارة في هذا الفرض فلأجل تحقق الحنث المتحقق بتركه. فاحرامه من الميقات صحيح.

قوله قده: ( «ثانيهما»: إذا أراد إدراك عمرة رجب و خشي تقضيه إن أخر الإحرام إلى الميقات فإنه يجوز له الإحرام قبل الميقات و تحسب له عمرة رجب و أن أتى لبقية الأعمال في شعبان. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا قال في الجواهر في شرح قول ماتنه: [و لمن أراد العمرة المفردة في رجب و خشي تقضيه]» بلا خلاف أجده فيه. بلى عن المعتبر: «عليه اتفاق علمائنا» و في المنتهى: «و على ذلك فتوى علمائنا». و في المسالك: «هو موضع نص و وفاق»). لا ينبغي الإشكال في ذلك و يدل عليه- مضافا الى اتفاق الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم- ما رواه صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 303

«عليه السلام»: عن الرجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال (هلال شعبان) قل أن يبلغ العقيق فيحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أم يؤخر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان؟ قال: يحرم قبل الوقت لرجب فيكون لرجب فضلا و هو الذي نوى «1» و رواه الكليني عن أبى على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان و الذي قبله عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن معاوية. و ما رواه الحسين بن سعيد عن فضالة عن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقته رسول اللّه «صلى اللّه عليه و

آله» الا أن يخاف فوت الشهر في العمرة «2». و مقتضى إطلاق الثانية جواز ذلك حتى لإدراك عمرة غير رجب، حيث أن لكل شهر عمرة- كما أفاده المصنف «قدس سره»- و لكن الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» خصصوا ذلك برجب قال في الجواهر: (لكن الظاهر اختصاص الحكم المزبور في عمرة رجب و الصحيح الأول [مراده قدس سره منه صحيحة معاوية بن عمار] و أن كان مطلقا الا انه لم أجد به عاملا في غير رجب، و لعله للعلة التي أشار الإمام في الصحيح الآخر. إلخ).

قوله قده: (و الأولى و الأحوط مع ذلك التجديد في الميقات كما أن الأحوط التأخير إلى آخر الوقت و أن كان الظاهر جواز الإحرام قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخره إلى الميقات. إلخ)

لكن التحقيق: أنه لا يعتبر وقوع الإحرام بعد الضيق إذا علم عدم الإدراك قبله بل يجوز له الإحرام في المقام و لو قبل الضيق، و ذلك لإطلاق الأخبار الواردة في المقام نعم الاحتياط مطلب آخر فما أفاده صاحب الجواهر في مفروض المقام بقوله: (و ان كان الأقوى الجواز فيه مطلقا مع خوف الفوات) هو الصواب و لكن لو علم عدم الإدراك و أحرم قبل الميقات ثم بان الخلاف فيجب عليه الإحرام من الميقات

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 12- من أبواب المواقيت حديث 2.

(2) الوسائل ج 2 الباب- 12- من أبواب المواقيت حديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 304

بناء على ما هو الحق من عدم الاجزاء في صورة كشف الخلاف على ما بين في محله و أن قيل بالاجزاء في مسألة البدار في صورة القطع بعدم زوال العذر الى آخر الوقت مع كشف الخلاف فيه.

قوله قده:

(و الظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة و الواجبة بالأصل أو بالنذر و نحوه)

لكن الظاهر ليس كذلك لان المنساق منها هو العمرة المندوبة فتأمل

[مسألة 2 و كذلك لا يجوز تأخير الإحرام عن المواقيت]

قوله قده: (كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات كذلك لا يجوز التأخير عنها. إلخ)

لا ينبغي الكلام في ذلك و هو المعروف بين الفقهاء قديما و حديثا و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع بقسميه، و يدل عليه الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام»- منها:

1- صحيح صفوان بن يحيى، عن أبى الحسن الرضا «عليه السلام» قال: كتبت اليه: بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق و ليس بذلك الموضع ماء و لا منزل.

الى ان قال: فكتب ان رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» وقت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علة، فلا تجاوز الميقات الا من علة «1» 2- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و لا تجاوزها الا و أنت محرم «2» 3- صحيح ابن أبي عمر عن حماد، عن الحلبي، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في حديث: (و لا تجاوز الجحفة إلا محرما «3». و أنت ترى أن مقتضاها عدم جواز التجاوز عن الميقات اختيارا لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكة بدون إحرام- كما أفاده المصنف «قدس سره» في المتن-

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 15- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 16- من أبواب المواقيت حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 16- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 2، ص: 305

قوله قده: (بل الأحوط عدم المجاوزة عن محاذاة الميقات أيضا إلا محرما و ان كان أمامه ميقات آخر. إلخ)

يمكن أن يقال بعدم حرمة المرور من المحاذاة بلا إحرام، لعدم كونه كالميقات في جميع الآثار كي يحرم المرور عليه، لعدم الدليل على عموم المنزلة في أن المحاذاة بمنزلة الميقات في جميع الآثار، لانه لم يرد في لسان الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» عنوان: أن المحاذاة بمنزلة الميقات، كي يجرى عليه جميع أحكامه، فعليه تكون كالميقات في جواز الإحرام له منها.

لكن التحقيق: هو حرمة المرور منها بلا إحرام، كما يكون كذلك المرور من الميقات بلا إحرام، و ذلك لما تقدم من صحيحتي ابن سنان، لان قوله «عليه السلام» فيهما:

(فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال. إلخ) ظاهر في الوجوب فتركه حرام. نعم، إذا لم يرد الأعمال فلا مانع له من أن يمر من المحاذاة بلا إحرام و لو كان مريدا لدخول مكة لقوله (عليه السلام) فيهما: (و هو يريد الحج) و هذا بخلاف الميقات، لحرمة المرور منه بلا إحرام لمن أراد دخول مكة، بل و كذا الحرم بناء على حرمة الدخول في الحرم أيضا بلا إحرام على ما دل عليه بعض النصوص الآتي ان لم نقل بكونه معرضا عنه.

قوله قده: (فلو لم يحرم منها وجب العود إليها مع الإمكان إلا إذا كان امامه ميقات آخر فإنه يجزيه الإحرام منها و ان أثم بترك الإحرام من الميقات الأول)

. يشكل ما أفاده (قدس سره) في المقام تبعا لهم بما سيأتي (أن شاء اللّه تعالى) من الاخبار الآمرة لمن ترك الإحرام جهلا أو نسيانا بالرجوع الى ميقات أهل أرضه.

قوله قده: (و أما إذا لم يرد النسك و لا

دخول مكة بأن كان له شغل خارج مكة و لو كان في الحرم فلا يجب الإحرام. نعم، في بعض الأخبار وجوب الإحرام من الميقات إذا أراد دخول الحرم و ان لم يرد دخول مكة، لكن قد يدعى الإجماع على عدم وجوبه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 306

و ان كان يمكن استظهاره من بعض الكلمات).

مراده (قدس سره) من بعض الاخبار هو ما رواه أحمد بن محمد بن أبى نصر عن عاصم بن حميد قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام» يدخل الحرم أحد إلا محرما؟ قال: لا الا مريض أو مبطون «1» و ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): هل يدخل الرجل: الحرم بغير إحرام؟ قال: لا الا أن يكون مريضا أو به بطن «2» و مقتضى ظاهرهما- كما ترى- عدم جواز دخول الحرم بغير إحرام، فحينئذ ان ثبت إعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنهما فلا يمكن العمل بهما حينئذ لخروجهما عن حين دليل الحجية و الاعتبار فالمتعين هو الطرح أو الحمل على صورة إرادة دخول مكة من دخول الحرم لأنه أولى من الطرح و الا فلا موجب لرفع اليد عن ظاهرهما. و صاحب المدارك «قدس سره» و ان ادعى إجماع العلماء على عدم وجوب الإحرام لمن مر على الميقات و هو لا يريد دخول مكة بل يريد حاجة في سواها الا أن ثبوته غير معلوم لما في محكي المستند: (و مقتضى بعض هذه الأخبار عدم جواز دخول الحرم بغير إحرام كما حكى الفتوى به عن جمع و هو الأحوط بل الأظهر).

[مسألة 3 لو أخر الإحرام من الميقات عالما عامدا]

قوله قده: (لو أخر الإحرام من الميقات عالما عامدا و لم يتمكن من العود إليها- لضيق الوقت أو

لعذر آخر- و لم يكن أمامه ميقات آخر بطل إحرامه و حجه على المشهور الأقوى. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء، «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا قال في الجواهر: (أما لو أخره عامدا مريدا للنسك لم يصح إحرامه للحج حتى يعود الى الميقات و حينئذ فلو تعذر لم يصح إحرامه وفاقا للأكثر بل المشهور بل ربما يفهم من غير واحد عدم خلاف فيه بيننا مؤاخذة له بسوء فعله و لإطلاق ما دل على اعتبار الوقت في صحة الإحرام المقتصر في تقييده على من عرفت بخلاف الفرض و إطلاق صحيح الحلبي غير معلوم الشمول له- كما اعترف به بعضهم- و (دعوى): تنزيل إطلاق

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 50 من أبواب الإحرام حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 50 من أبواب الإحرام حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 307

دليل الشرطية على غير صورة التعذر ليس بأولى من تنزيل إطلاق صحيح الحلبي على غير الفرض بل هو أولى من وجوه فحينئذ لا يصح إحرامه من غيره حتى لو كان الحج واجبا عليه مضيقا لما عرفت خلافا للمحكي عن جماعة من المتأخرين. بل قيل: انه يحتمل إطلاق المبسوط و المصباح و مختصره و على كل حال فلو جاء بالمناسك من دون إحرام أو معه دون الميقات كان حجه فاسدا و وجب عليه قضاءه) لا ينبغي الإشكال في ذلك و هذا مما تقتضيه القاعدة و لكن يمكن دعوى الخروج عن مقتضاها بصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم؟ فقال: يرجع الى ميقات بلاده الذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه فان استطاع أن

يخرج من الحرم فليخرج «1» ب (دعوى): شمول إطلاقه لفرض ترك الإحرام عن عمد- كما أفاده صاحب المستند «قدس سره»- و لكن يمكن المناقشة فيه بمنع شمول إطلاق صحيح الحلبي لهذا الفرض، لانه لا يوجد ظاهرا من كان عالما بالحكم و الموضوع و قاصدا للحج و متحملا للمشاق الكثيرة من الذهاب و الإياب و مع ذلك ترك الإحرام منه عمدا و على فرض وجوده فهو نادر بحكم العدم فيكون الفرض خارجا عن مورد الصحيحة فحجة في مفروض المقام- كما أفاده المصنف تبعا للأكثر- باطل لان الاضطرار و عدم المكنة من العود إليها لضيق الوقت أو غيره انما يكون موجبا للاكتفاء بالإحرام من مكانه إذا كان منشأه النسيان أو الجهل و أما إذا كان العمد فلا و من هنا أشكل في نظائره:

1- أشكل الحكم بجواز التيمم و صحة الصلاة به لمن ترك التوضؤ عمدا الى ان ضاق الوقت، للمناقشة في شمول ما دل على كون التيمم بدلا عن الوضوء في صورة العذر، لمثل الفرض لان مورده هو ما إذا كان عدم التمكن من الوضوء لأجل ضيق الوقت الناشئ من تركه لعذر

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 14 من أبواب المواقيت حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 308

و أما إذا كان ذلك لأجل العمد فلا.

2- أشكل شمول ما دل على كون درك ركعة من الصلاة في الوقت بدلا عن الوقت الاختياري- و هو دركها تماما في الوقت- لصورة العمد، للقول بأن مورده ما إذا لم يأت بالعمل الى قريب آخر الوقت لأجل العذر فحينئذ درك ركعة في الوقت بدل عن دركها تماما و أما إذا كان التأخير مستندا الى سوء اختياره و عمده فلا.

3- أشكل شمول

ما دل على كون النصف من الليل الى طلوع الفجر بدلا عن الوقت الاختياري- و هو من أول الليل الى نصفه- لمثل الفرض، للقول بأن مورده هو ما إذا كان التأخير الى ذلك الوقت لأجل عذر يعذره اللّه تعالى بحيث لم يكن متمكنا من الإتيان بها في وقتها الاختياري و أما إذا كان تركها في وقتها الاختياري بدون عذر فلا. و لكن يمكن رفع الإشكال في المقام بمثل ما رفعناه في نظائره على ما بيناه في محله و كيف كان ان قلت: أن القاعدة تقتضي سقوط خصوصية الميقات عنه بعد فرض كون رجوعه اليه مفوتا للموقف فيقدم الموقف عليها بالأهمية نظير سقوط بعض شرائط صحة الصلاة عند مزاحمته للوقت لاهمية الوقت و لو كانت مزاحمته بسوء اختياره فلا نحتاج حينئذ إلى التمسك بإطلاق الحديث كي يشكل قلت: لا يخفى ما فيه، أما (أولا): فلمنع أهمية الموقف من وقوع الإحرام من الميقات لعدم ورود دليل تعبدي على ذلك. و (ثانيا): يمكن أن يقال عدم كفاية صرف أهمية الموقف في ذلك بل يشترط فيه أيضا أهمية الفورية و لم يرد دليل على ذلك. و (ثالثا): انه بعد فرض تسليم أهمية الموقف و الفورية نقول: ان من المحتمل أن لا يكون لمطلق الإحرام و لو من غير الميقات مطلوبية أصلا حتى يحكم بسقوط القيد الزائد عليه و هو كونه من الميقات و الحاصل: أن مقتضي القاعدة في ما تعذر جزئه أو شرطه و لو من جهة المزاحمة مع جزء آخر أو شرط كذلك هو البطلان فظهر انه لا يمكن القول بسقوط قيد الميقات كما انه ظهر عدم إمكان القول ايضا بسقوط أصل الإحرام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 309

قوله قده: (و وجب عليه قضاءه إذا كان مستطيعا و أما إذا لم يكن مستطيعا فلا يجب و أن أثم بترك الإحرام بالمرور على الميقات خصوصا إذا لم يدخل مكة و القول بوجوبه عليه و لو لم يكن مستطيعا ب (دعوى): وجوب ذلك عليه إذا قصد مكة فمع تركه يجب قضاءه لا دليل عليه خصوصا إذا لم يدخل مكة، و ذلك لان الواجب عليه انما كان الإحرام لشرف البقعة- كصلاة التحية في دخول المسجد- فلا قضاء مع تركه)

ما أفاده «قدس سره» (أولا): من وجوب قضاءه- اى أدائه في العام القابل- إذا كان مستطيعا و ما أفاده (ثانيا): من عدم الوجوب مع عدم الاستطاعة و ما أفاده من عدم الدليل على القول بوجوبه جميعها صحيح و لا ينبغي الإشكال فيها و لكن قال الشهيد (قدس سره) في المسالك على ما حكاه صاحب الجواهر «قدس سره»: (و حيث تعذر رجوعه مع التعمد يبطل نسكه و يجب عليه قضاءه و ان لم يكن مستطيعا للنسك بل كان وجوبه بسبب ارادة دخول الحرم فان ذلك موجب للإحرام فإذا لم يأت به وجب قضائه كالمنذور. نعم، لو رجع بعد تجاوز الميقات و لما يدخل الحرم فلا قضاء عليه و ان أتم بتأخير الإحرام و ادعى العلامة في التذكرة الإجماع عليه) و اعترضه عليه صاحب المدارك «قدس سره» فيها حيث قال: (على ما حكاه صاحب الجواهر: (هو غير جيد لان القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل و هو منتف هنا، و الأصل سقوط القضاء- كما اختاره في المنتهى و استدل عليه: بأصالة البراءة من القضاء، و بأن الإحرام مشروع لتحية البقعة فإذا لم يأت سقط- كتحية المسجد- و هو حسن). قال

صاحب الجواهر بعد ما نقل كلام صاحب المدارك: (قلت:

و يمكن ان يريد الشهيد وجوب القضاء على تارك الإحرام من الميقات و مع ذلك قد دخل الحرم حاجا و لو بإحرام من دونه). و لكن فيه ما لا يخفى أما (أولا): فلأنه خلاف ظاهر قوله: (فان ذلك موجب للإحرام) و (ثانيا): انه لم يرد دليل تعبدي على وجوب القضاء في ما نحن فيه، فبدونه كيف يمكن القول به و إذا شك فالمرجع هو الأصل العملي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 310

- أي البراءة- فما ذا أفاده المصنف «قدس سره» في مفروض المقام تبعا لصاحب المدارك هو الصواب.

قوله قده: (مع أن وجوب الإحرام لذلك لا يوجب وجوب الحج عليه. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» هو الصواب، لانه على فرض تسليم وجوب قضاء الإحرام لا يقتضي ذلك وجوب الحج عليه، لانه لا مانع أن يحرم و لو للعمرة المفردة و أما وجوب الحج عليه حينئذ فليس له دليل.

قوله قده: (و ذهب بعضهم إلى انه لو تعذر عليه العود الى الميقات أحرم من مكانه- كما في الناسي و الجاهل- نظير: ما إذا ترك التوضؤ الى أن ضاق الوقت، فإنه يتيمم و تصح صلاته و ان أثم بترك الوضوء متعمدا، و (فيه): ان البدلية في المقام لم تثبت بخلاف مسألة التيمم و المفروض انه ترك ما وجب عليه متعمدا).

و قد حكاه هذا القول- و هو إحرامه من مكانه لو تعذر عليه العود الى الميقات في مفروض المقام- صاحب الجواهر «قدس سره» عن جماعة من المتأخرين، حيث قال: (لا يصح إحرامه من غيره حتى لو كان الحج واجبا عليه مضيقا، لما عرفت، خلافا للمحكي عن جماعة من المتأخرين بل قيل: انه

يحتمل إطلاق المبسوط و المصباح و مختصره). و قواه صاحب كشف اللثام.

و صاحب المستند بعد ما حكم بأن ذا المانع من الإحرام كالناسي و الجاهل من حيث الحكم، و كذا من لا يريد النسك أو لا ممن لا يريد دخول مكة، أو جاز له دخول مكة بغير إحرام- كالمتكرر مثلا- إذا قصد النسك بعد مروره على الميقات أو تجدد له قصد دخول مكة بعد المرور عليه قال: (بل و كذا تارك الإحرام عمدا عصيانا فإنه كمن ذكر في جميع الأحكام، اما في الرجوع الى الميقات و الإحرام منه فبالإجماع، و وجهه ظاهر. و أما ما في الأحكام، فوفاقا للمحكي عن المبسوط و المصباح و مختصرة و جماعة من متأخري المتأخرين لإطلاق صحيحة الحلبي الاولى. و (دعوى): عدم انصرافه الى العامد ممنوعة، و خلافا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 311

للأكثر فحكموا بفوات الحج عنه، لعدم ثبوت الاذن له من الشارع، و للإطلاقات المتقدمة النافية للإحرام عمن أحرم دون الميقات. و يرد: بثبوت الاذن، بما مر، و شمول الإطلاقات لما قبل الميقات أيضا فيكون أعم مطلقا فيجب تخصيصها بما مر قطعا).

و نتيجة كلام صاحب المستند «قدس سره»- كما ترى- هو تنزيل إطلاق أدلة التوقيت على غير فرض التعذر من الرجوع الى الميقات. و لكن يمكن المناقشة فيه- مضافا الى إمكان دعوى انصراف إطلاق صحيحة الحلبي عن هذا الفرض، لما عرفت سابقا لعدم وجود شخص كذلك و على فرض وجوده فنادر و هو بحكم العدم- بما أفاده صاحب الجواهر «قدس سره» في كلامه المتقدم و هو أن تنزيل إطلاق أدلة التوقيت على غير صورة التعذر ليس بأولى من إطلاق صحيحة الحلبي على غير هذا الفرض و هو

غير العامد و لكنه لا يخلو من تأمل.

[مسألة 4 لو كان قاصدا من الميقات للعمرة المفردة و ترك الإحرام لها متعمدا]

قوله قده: (لو كان قاصدا من الميقات للعمرة المفردة و ترك الإحرام لها متعمدا يجوز له أن يحرم من أدنى الحل و ان كان متمكنا من العود الى الميقات فادنى الحل له مثل كون الميقات امامه و أن كان الأحوط مع ذلك العود الى الميقات و لو لم يتمكن من العود و لا الإحرام من ادنى الحل بطلت متعته).

ما أفاده «قدس سره» بقوله أولا، (يجوز له أن يحرم. إلخ مما لا اشكال فيه، لكون أدنى الحل ميقات اختياري للعمرة المفردة- كما عرفته في الميقات العاشر- و أما مروره على الميقات بلا إحرام فهو لا يوجب خروج الأدنى الحل عن كونه ميقاتا لها بل غاية ما في الباب هو تحقق الإثم لذلك و في الجواهر:

(ثم أن ظاهر المتن و القواعد و غيرهما بطلان الإحرام منه و لو للعمرة المفردة و حينئذ فلا يباح له دخول مكة حتى يحرم من الميقات بل عن بعض الأصحاب التصريح بذلك لكن قد يقال: أن المراد بطلان الإحرام لا للعمرة المفردة التي أدنى الحل ميقات لها اختياري و ان أثم بتركه الإحرام عند مروره بالميقات، بل قيل: أن الأصحاب صرحوا بذلك لا بطلانه مطلقا و يمكن صرف ظاهر المتن و غيره اليه و لعله أقوى). اللهم ألا ان يقال أن ما دل على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 312

ان أدنى الحل ميقات للعمرة المفردة لا يشمل مفروض المقام لاختصاصه بمن أراد أن يخرج من مكة ليعتمر كما هو صريح الرواية المتقدمة، فعليه يكون المرجع ما دل على التوقيت الشامل بإطلاقه للعمرة المفردة، فيتعين عليه الرجوع الى ميقاته، و لكن فيه تأمل واضح

و ذلك لان ما ورد: ان من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر انما يستفاد منه انه لما كان لمن أراد ان يعتمر من مكة ميقات و هو أدنى الحل لا يلزمه الذهاب الى ميقات آخر بعيد و هذا لا يدل على اختصاصه به بعد ان كان ادنى الحل ميقاتا اختياريا للعمرة المفردة كما لا يخفى، ثم أن ما افاده المصنف «قدس سره» بقوله:) و لو لم يتمكن من العود. إلخ «فهو ايضا مما لا ينبغي الإشكال فيه، لان الظاهر اختصاص الأخبار الآتية الدالة على جواز الإحرام من موضعه إذا لم يتمكن من الرجوع الى الميقات بالحج التمتع أو غيره.

ان قلت: انه يجرى الحكم في العمرة المفردة بالأولويّة. قلت: ان المعتبر منها- كما بيّنا مرارا و كرارا- هو القطيعة لا الظنّية، و حصول ذلك في المقام غير معلوم، لعدم العلم بملاكات الأحكام و موانعها، فلا يمكن التّعدي عن موردها الى مفروض المقام.

لانه قياس و هو باطل.

[مسألة 5 لو كان مريضا لم يتمكن من النّزع و لبس الثوبين يجزيه النيّة و التلبية]

قوله قده: (لو كان مريضا لم يتمكن من النّزع و لبس الثوبين يجزيه النيّة و التلبية فإذا زال عنه عندها نزع و لبسهما و لا يجب حينئذ عليه العود الى الميقات. إلخ)

يمكن الاستدلال لذلك بمرسل أبى شعيب المحاملي عن بعض أصحابنا عن أحدهما قال: إذا خاف الرجل على نفسه أخر إحرامه إلى الحرم «1» و صحيح صفوان المتقدم قال (عليه السلام) فيه:

(فلا تجاوز الميقات الا من علة) قال في الجواهر: (لا يجوز تأخير الإحرام اختيارا إجماعيا بقسميه و نصوصا، نعم لو أخره عن الميقات لمانع من مرض و نحوه جاز، على ما صرح به الشّيخ في محكي النّهاية قال فيها: (ان من عرض له مانع من الإحرام جاز له

ان يؤخر

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب المواقيت حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 313

عن الميقات فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى اليه و لعله للحرج و قول أحدهما. الى أن قال: لكن عن ابن إدريس أن المراد من ذلك تأخير الصورة الظاهر للإحرام من التعري و لبس الثوبين دون غيرهما، فان المرض و التقية و نحوهما لا تمنع النية و التلبية. إلخ.

قوله قده: (نعم لو كان له عذر عن أصل إن شاء الإحرام- لمرض أو إغماء ثم زال وجب عليه العود الى الميقات إذا تمكن، و الا كان حكمه حكم الناسي في الإحرام من مكانه إذا لم يتمكن الا منه، و ان تمكن العود في الجملة وجب. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» من وجوب العود الى الميقات على من زال عذره لمن كان معذورا عن أصل أن شاء الإحرام فمما لا ينبغي الإشكال فيه، و وجهه واضح. و أما ما أفاده من أن حكمه حكم الناسي في الإحرام إذا لم يتمكن العود فيمكن المساعدة عليه، لإطلاق بعض الأخبار الآتي الوارد في نسيان الإحرام من الميقات، ان لم نقل بانصرافه عنه،

قوله قده: (و ذهب بعضهم إلى انه إذا كان مغمى عليه ينوب عنه غيره، لمرسل جميل عن أحدهما في مريض أغمي عليه فلم يفق حتى أتى الموقف؟ قال «عليه السلام»:

يحرم عنه رجل «1» و الظاهر، أن المراد انه يحرمه رجل و يجنّبه عن محرمات الإحرام، لا انه ينوب عنه في الإحرام)

قد ذهب إليه جماعة من الفقهاء، و هو المحكي عن النهاية و المبسوط و غيرهما. و في محكي الدروس: و لو جن في الميقات أو أغمي عليه أحرم عنه وليه

و جنبه ما يتجنبه المحرم) و نحوه كلام غيره.

قوله قده: (و مقتضى هذا القول عدم وجوب العود الى الميقات بعد إفاقته و ان كان ممكنا و لكن العمل به مشكل، لإرسال الخبر و عدم الجابر، فالأقوى العود مع الإمكان، و عدم الاكتفاء به مع عدمه).

ما أفاده «قدس سره» من أن العمل به

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 20 من أبواب المواقيت ذيل حديث: 1

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 2، ص: 314

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 314

مشكل لأجل إرساله انما يتم في صورة عدم حصول الاطمئنان بصحة الخبر لأجل ذهاب جماعة من الأصحاب إلى العمل به و الا فلا بأس بالعمل به كما لا يخفى

[مسألة 6 إذا ترك الإحرام من الميقات ناسيا أو جاهلا]

قوله قده: (إذا ترك الإحرام من الميقات ناسيا أو جاهلا بالحكم أو الموضوع وجب العود اليه مع الإمكان. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا، بل الظاهر عدم الخلاف فيه، و هو على طبق القاعدة، و يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم؟ قال «عليه السلام»: قال أبى «عليه السلام»: يخرج الى ميقات أهل أرضه فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم «1» 2- صحيحة الآخر، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم؟ فقال «عليه السلام»: يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم

من مكانه، فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم «2».

3- صحيح معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت عليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم؟ فقال «عليه السلام»: أن كان عليها مهملة فترجع الى الوقت فلتحرم منه، فان لم يكن عليها وقت فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا تفوتها «3».

4- خبر على بن جعفر «عليه السلام» عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 14 من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 14 من أبواب المواقيت حديث: 7

(3) الوسائل ج 2- الباب- 14 من أبواب المواقيت حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 315

قال: سألته عن رجل ترك الإحرام حتى أنتهي الى الحرم كيف يصنع؟ قال يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه «1» و يقيد بهذه الأخبار إطلاق خبر أبى الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع؟ قال: يخرج من الحرم ثم يهل بالحج «2» و خبر سورة بن كلب، قال:

قلت لأبي جعفر) عليه السلام»: خرجت معنا امرأة من أهلنا فجهلت الإحرام فلم تحرم حتى دخلنا مكة و نسينا أن نأمرها بذلك؟ قال: فمروها فلتحرم من مكانها من مكة أو من المسجد «3» نعم يعارضها خبر على بن جعفر «عليه السلام» عن أخيه «عليه السلام» قال سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى الى الحرم فأحرم قبل ان يدخله؟ قال «عليه السلام»: أن كان فعل ذلك

جاهلا فليبن مكانه ليقضي فإن ذلك يجزيه أن شاء اللّه تعالى، و ان رجع الى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده، فإنه أفضل «4» هذا الحديث و ان كان صريحا في عدم لزوم الرجوع الى ميقات أهل بلاده للإحرام و لو في صورة التمكن لكنه لا مجال للاعتماد عليه بعد إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه، لخروجه بذلك عن حين دليل الاعتبار، مضافا الى ضعفه سندا كما قيل به.

قوله قده: (و مع عدمه فالى ما أمكن. إلخ)

و ذلك لما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم من قوله «عليه السلام»: (فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا تفوتها العرفة). و لكن مقتضى غيره من الاخبار هو خصوص الخروج من الحرم مع عدم إمكان رجوعه الى الميقات كما تقدم من صحيحتي الحلبي و خبر أبى الصباح الكناني، و نحوها صحيح عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتي مكة فخاف ان

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 9

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 3

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 5

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 316

رجع الى الوقت أن يفوته الحج؟ فقال: يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك «1» اللهم الا أن يقال: ان هذه الاخبار انما دلت بالنصوصية على لزوم الخروج من الحرم مع الإمكان. و أما كفاية الخروج من الحرم و أن تمكن من الذهاب

إلى أزيد من ذلك فإنما تدل عليها بالإطلاق فنقيدها بصحيح معاوية بن عمار المتقدم و لكن لا يخفى: أن هذا التقريب على فرض تماميته انما يثبت به لزوم الخروج الى مقدار لا يفوته الحج بذلك في خصوص الجاهل. و أما في الناسي فيشكل القول بوجوبه. لان الدليل انما دل على وجوبه في خصوص الجاهل ان لم نقل بلزوم الاقتصار على خصوص فرض الطمث و كيف كان لا ينبغي الإشكال في لزوم الخروج من الحرم مع التمكن منه، لما تقدم، و يقيد بذلك ما دل على كفاية الإحرام من مكانه مطلقا، و هو ما مضى من خبر سورة بن كلب، لما فيه قوله:

(فمروها فلتحرم من مكانها أو من المسجد). و نحوه خبر زرارة عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا الى الميقات و هي لا تصلى، فجهلوا أن مثلها ينبغي أن يحرم فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة و هي طامث حلال فسألوا الناس؟ فقالوا: تخرج الى بعض المواقيت فتحرم منه فكانت إذا فعلت لم تدرك الحج، فسألوا أبا جعفر «عليه السلام»؟

فقال: تحرم من مكانها قد علم اللّه نيتها «2»، و من هنا ظهر ضعف ما استظهره صاحب المدارك حيث قال: (و لو وجب العود فتعذر ففي وجوب العود الى ما أمكن من الطريق وجهان أظهرهما العدم للأصل و ظاهر الروايات المتضمنة لحكم الناسي)، و ذلك أما الأصل فلا مجال له أصلا، كما هو واضح، و أما الروايات الواردة في الناسي فلا بد من تقييدها بصحيحة معاوية بن عمار الدالة على لزوم الخروج الى ما أمكن بقدر ما لا تفوت العرفة، و لكن ذلك انما يتم بناء على كون حكم الجهل و النسيان في

المقام واحد و أما إذا قلنا بعدم تمامية ذلك فلا، فلا بد من الاقتصار على مورد الصحيحة و الاخبار الواردة في الناسي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث 2.

(2) الوسائل ج 2 الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث 6.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 317

- كما ترى- تدل على لزوم خروجه من الحرم إذا استطاع له، فلاحظها.

قوله قده: (و كذا إذا جاوزها محلا لعدم كونه قاصدا للنسك و لا لدخول مكة ثم بدا له ذلك فإنه يرجع الى الميقات مع التمكن. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا، و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و صاحب المدارك «قدس سره» بعدا ان ادعى إجماع العلماء على عدم وجوب الإحرام لمن مر على الميقات و هو لا يريد دخول مكة بل أراد حاجة في ما سواها، و استدل له أيضا بالأصل، و بان النبي «صلى اللّه عليه و آله» أتى بدرا مرتين و مر على ذي الحليفة و هو محل قال: (و لو تجدد له ارادة الدخول إلى مكة أو تجدد لمن لا يلزمه الإحرام لدخول مكة إرادة النسك فقد قطع الأصحاب بمساواته للناسي في وجوب العود الى الميقات مع المكنة فيحرم منه، و مع التعذر يحرم من موضعه، أما انه لا يجب عليه العود مع التعذر فلا ريب فيه، لان من هذا شأنه أعذر من الناسي و انسب بالتخفيف. و اما وجوب العود مع الإمكان فاستدل عليه في المعتبر: بأنه يتمكن من الإتيان بالنسك على الوجه المأمور به فيكون واجبا. إلخ) و في الجواهر: (بلا خلاف أجده في مساواته للناسي في الحكم المزبور لفحوى النصوص الواردة فيه

و في الجاهل بل هو أعذر من الناسي و انسب بالتخفيف.

إلخ) يمكن الاستدلال لذلك بصحيح الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم؟ فقال: يرجع الى ميقات أهل بلده الذي يحرمون منه، و ان خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه، فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم «1» (بدعوى): شمول إطلاق قوله: (رجل ترك الإحرام.) لمن تركه من جهة جواز تجاوزه عن الميقات بلا إحرام. اللهم الا ان يقال بانصرافه عن المقام لوروده في حق من ترك الإحرام من الميقات نسيانا أو جهلا و هو مريد للنسك. و لكن

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 318

يمكن المناقشة فيه: بأنه (أولا): لا انصراف في البين، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا فلا عبرة به، لعدم كونه بمنزلة القرينة الحافة بالكلام الذي هو المعتمد في الانصراف الصالح للتقييد على ما قرر في محله.

قوله قده: (و الى ما أمكن مع عدمه. إلخ)

هذا لا يخلو من اشكال، لورود ما دل على صحة الإحرام من غير الميقات إذا تجاوز عنه محلا في خصوص الناسي و الجاهل دون غيرهما، الا ان يدعى إطلاق بعضها، فتدبر.

[مسألة 8 لو نسي المتمتع الإحرام للحج بمكة ثم ذكر وجب عليه العود]

قوله قده: (لو نسي المتمتع الإحرام للحج بمكة ثم ذكر وجب عليه العود مع الإمكان و الا ففي إمكانه. إلخ)

هذا ما تقتضيه القاعدة، و لكن يمكن الاستدلال على خلافها بما رواه على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال: سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟ قال: يقول: اللهم على كتابك و سنة نبيك فقد تم إحرامه فإن

جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ان كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه «1» اللهم الا ان يقال بتقييده بما دل على لزوم الإحرام من الميقات مع المكنة منه، فعليه يحمل على صورة عدم التمكن من الرجوع الى الميقات.

قوله قده: (لو أحرم له من غير مكة مع العلم أو العمد لم يصح و ان دخل مكة بإحرامه بل وجب عليه الاستئناف مع الإمكان و الا بطل حجه)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لانه مقتضى دليل التوقيت الموجب لبطلان الإحرام من غيره عمدا و أما بطلان حجه فلانتفاء الكل بانتفاء جزئه بناء على القول بأن الإحرام جزء للحج، و لانتفاء كل مشروط بانتفاء شرطه بناء على القول بكونه شرطا له.

قوله قده: (لو نسي الإحرام و لم يذكر حتى أتى بجميع الأعمال- من الحج و العمرة- فالأقوى صحته عمله).

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 14 من أبواب المواقيت حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 319

أسرارهم) قديما و حديثا قال النراقي (قدس سره) في المستند: (لو نسي الإحرام أو جهل حتى قضى المناسك كله يجزيه و لا قضاء عليه، وفاقا للتهذيبين و النهاية و المبسوط و الجمل و العقود و الاقتصاد و الوسيلة و المهذب و الجامع و المعتبر و القواعد و التحرير و المنتهى و التنقيح و النكت و المسالك و غيرها، بل الأكثر كما قيل. و عن المسالك: «انه فتوى المعظم» و عن الدروس: «انه فتوى الأصحاب عد الحلبي». لا كلام لنا في ذلك من حيث الفتوى، انما الكلام في دليله و مداركه، و ما يمكن الاستدلال لذلك وجوه:

(الأول)- الإجماع. (و فيه): ما تكرر

منا مرار و كرارا: أن الإجماع المعتبر هو التعبدي منه الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم (عليه السلام) لا المدركى، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض الوجوه الآتية، فالعبرة بالمدرك لا بالإجماع، الا ان يدعى حصول الاطمئنان منه في المقام، فيكون الاطمئنان حجة.

(الثاني)- انه كما هو المفروض فات منه الإحرام نسيانا لا عمدا و لا يوجب ذلك فساد حجه كما يكون كذلك لو نسي الطواف. و (فيه): انه كما ترى ان الناسي للإحرام غير آت بالمأمور به على وجهه و ذلك لإتيانه به فاقدا للجزء بناء على كونه جزءا و فاقدا للشرط بناء على كونه شرط فعلى القاعدة لا يفرغ ذمته عن الواجب بما أتى به، لعدم انطباق المأتي به في المقام على المأمور به، لفقدانه الجزء أو الشرط- كما هو واضح- و هذا انما يجرى في جميع الموارد التي أتى بالعمل فاقدا للجزء أو الشرط، و لا يختص بالمقام، و أما الحكم بصحة الحج مع نسيان الطواف فإنما كان لأجل النص الخاص، و لولاه لما قلنا بها فيه ايضا فعلى القاعدة يحكم ببطلان العمل الفاقد الجزء أو الشرط الا انه لا بد ان ترفع اليد عنها فيما إذا ثبت الصحة بدليل خاص- كما في نسيان الطواف- أن قلت: انه يمكن التعدي عن مورد الطواف الى غيره- و هو صورة نسيان الإحرام- بتنقيح المناط. قلت: انه قد مر مرارا أن تنقيح المناط المعتبر هو القطعي منه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 320

دون الظني و هو غير ممكن في الشرعيات، لعدم العلم بملاكات الأحكام و موانعها، و غاية ما يحصل منه هو الظن، و لا دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا عن كونه

قياسا المجمع على بطلانه عند مذهب أهل الحق، لاحتمال خصوصية في الطواف دون غيره. نعم، إذا حصل القطع بالمناط و بملاك الحكم فيمكن التعدي عن مورد النص، و لكنه مجرد فرض لعدم السبيل اليه.

(الثالث)-: قوله «صلى اللّه عليه و آله»: (رفع عن أمتي الخطأ و النسيان).

و (فيه): ما أفاده بعض المحققين من أن المرتفع في الخطأ و النسيان هو المؤاخذة خاصة لا جميع الأحكام، فعليه لا يبقى مجال لجريانه لإثبات الصحة في مفروض المقام أصلا «بل بناء على رفع جميع الآثار ايضا لا مجال لجريانه في المقام، لان جريانه- كما قد قرر في محله- لا بد و ان يكون بلحاظ أثر شرعي حتى يرتفع بدليل التعبد، و في المقام ليس أثر شرعي في البين لان الفرض هو ترك الإحرام نسيانا و ليس للترك أثر شرعي في المقام كما لا يخفى. نعم، يفرض الأثر بلحاظ المنسي فيه- و هو الأعمال- و لكنه لا مجال لجريانه بلحاظه، و ذلك لأنه ان أريد منه: عدم الاجتزاء و هو كما ترى خلاف المقصود، و ان أريد منه: الاجزاء و هو أمر عقلي فلا ربط له بالمقام، لعدم كونه اثر شرعيا كي يرتفع بدليل التعبد، و في المقام لما لا يفرض أثر شرعي فمرجعه الى رفع المؤاخذة الذي هو أمر تكويني، و كيف كان قد مر تفصيل الكلام في ذلك في محله.

(الرابع)- هو انه مع استمرار النسيان يكون مأمورا بإتيان بقية الأركان و الأمر يقتضي الاجزاء. و (فيه): انه و ان كان الأمر يقتضي الاجزاء مع الإتيان بالمأمور به جامعا للشرائط، لحصول الامتثال به الا انه لا مجال له في المقام، لانه- كما ترى- لم يتحقق الامتثال بالنسبة الى ذلك

الجزء المنسي، و من الواضح ان الكل يعدم على القاعدة بعدم جزءه ما لم يكن دليل تعبدي على سقوط ذلك الجزء المنسي في حال النسيان فبدونه و مع نسيان الجزء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 321

أو الشرط و الإتيان بباقي الاجزاء و الشرائط لا ينطبق على المأتي به المأمور به كي يحكم بالاجزاء، لحصول الامتثال- كما لا يخفى.

(الخامس)- ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال: سألته عن رجل متمتع خرج الى عرفات و جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى أهل بلده؟ قال «عليه السلام»: إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه «1». و (فيه): أنه كما ترى أنما تدل على صحة الحج إذا ترك الإحرام جهلا و هو خلاف محل البحث، فما نحن فيه خارج عن مورد الرواية- كما لا يخفى- و أما الاستدلال لشمولها المورد ب (دعوى): أولوية الناسي، لأنه أعذر من الجهل و أنسب بالتخفيف أو (دعوى): شمول معناه الحقيقي اللغوي للناسي- كما أفاده النراقي صاحب المستند «قدس سره»،- و حكى أيضا عن العلامة الأصبهاني- رحمه اللّه تعالى- في كشف اللثام دعوى شموله له فلا يمكن المساعدة عليه.

(السادس)- مرسل جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما: في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلها و طاف و سعى؟ قال «عليه السلام»: يجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه و ان لم يهل «2». و يمكن المناقشة فيه بأنه و ان كانت دلالته واضحة على المقصود الا انه ضعيف سندا فلا عبرة به، و لكن التحقيق: انه لا مجال للمناقشة في أصل

الحكم بعد ثبوت الوفاق و الاتفاق من الفقهاء، قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا، و ما رواه جميل بن دراج و أن كان مرسلا الا أنه لا مجال للمناقشة فيه، لانجبار ضعفه بعمل المشهور مع أن المرسل هو مثل جميل الذي هو من أصحاب الإجماع و الراوي عنه في هذا الحديث هو ابن أبى عمير الذي هو أيضا من أصحاب الإجماع. و خالف في هذا الحكم- و هو صحة الحج- فيما لو نسي الإحرام

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 20 من أبواب المواقيت حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 20 من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 322

و لم يذكر حتى أتى بجميع الأعمال من الحج و العمرة ابن إدريس (رحمه اللّه تعالى) و احتج على ما ذهب اليه بقوله: (إنما الأعمال بالنيات). حيث قال بعد ذكر قول المشهور و إسناده الى ما روى في أخبارنا ما صورته: «و الذي تقتضيه أصول المذهب انه لا يجزى و تجب عليه الإعادة لقوله «صلى اللّه عليه و آله»: (إنما الأعمال بالنيات) و هذا عمل بلا نية فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد و لم يوردها و لم يقل به أحد من أصحابنا سوى شيخنا أبى جعفر، فالرجوع إلى الأدلة أولى من تقليد الرجال). و اعترضه المحقق (طاب ثراه) في المعتبر فقال بعد نقل استدلاله بالخبر: (و لست أدرى كيف تخيل له هذا الاستدلال و لا كيف توجيهه، فان كان يقول: ان الإخلال بالإحرام إخلال بالنية في بقية المناسك فنحن نتكلم على تقدير إيقاع كل على وجهه ظانا أنه أحرم أو جاهلا بالإحرام فالنية حاصلة مع إيقاع كل نسك، فلا وجه لما قاله). و

أجاب عنه الشهيد «قدس سره»:

(بأن مراد ابن إدريس: ان فقد نية الإحرام يجعل باقي الأفعال في حكم العدم، لعدم صحة نيتها محلا فتبطل، إذ العمل بغير نية باطل) و نوقش في ذلك ايضا: (أن ما ادعاه- من أن فقد نية الإحرام تجعل باقي الأفعال في حكم العدم- ممنوع و أماما أفاده بقوله: (لعدم صحة نيتها محلا) ففيه: ان أريد بكونه محلا يعني عالما حين الإتيان بتلك الأفعال انه محل فهو مسلم و لكنه خارج عن حريم النزاع و ان أريد في الواقع و نفس الأمر حيث ان ظن الإتيان بالإحرام أو جهله فهو ممنوع لان التكاليف انما نيطت بالظاهر في نظر المكلف لا نفس الأمر و الواقع و حينئذ فما ذكره من بطلان تلك الأفعال باطل على ان المتبادر من العمل بغير النية انما هو ترك النية بالكلية لا الإتيان بنيته و ان ظهر بطلانها. إلخ) و لا يخفى ان الظاهر ان كلام ابن إدريس تعريض على الشيخ «قدس سره» و لذا قال العلامة «رضوان اللّه تعالى عليه» في المنتهى على ما حكى عنه: (الظاهر ابن إدريس و هم في هذا الاستدلال لان الشيخ اجتزأ بالنية عن الفعل فتوهم أنه اجتزأ بالفعل بغير نية) و ناقش في ذلك صاحب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 323

الحدائق «قدس سره» و حاصله: انه ان أراد بالنية التي اكتفى بها الشيخ يعني النية المقارنة للإحرام فهو غير متجه، إذ ليس في كلام الشيخ دلالة على اعتبارها بوجه- كما صرح به صاحب المدارك ايضا- و ان أراد اجتزاءه بالعزم المتقدم كما يحتمل حيث قال: (فان لم يذكر أصلا حتى فرغ من جميع مناسكه فقد تم حجه و لا شي ء

عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام). و لكنه بعيد عن ظاهرة العبارة. إلخ) و كيف كان تحصل انه أتى بالأعمال مع النية. نعم، انه ترك جزءا نسيانا و مقتضي القاعدة و ان كان بطلان العمل بدونه و لكنه ليس بطلان العمل من جهة فقد النية بل انما يكون من جهة فقد الجزء كما لا يخفى، فلا مجال للاستدلال به في المقام، لانه كما ترى لا يظهر له وجه ضرورة: أن في مفروض المقام ليس إحرام أصلا لأجل نسيانه لا صحته بلا نية حتى يحكم بعدم صحته بلا نية لقوله (إنما الأعمال بالنيات) بل ان كان التعريض على الشيخ ففيه: أنه قد عرفت ان المحكي عن الشيخ انه نية بلا عمل لا عمل بلا نية، كما انه لو أراد عدم نية بقية المناسك، ففيه:

كون المفروض حصولها مع النية و لكن بدون إحرام و (دعوى): فساد نياتها فممنوع الا أن يريد البطلان على القاعدة حيث أنه لا ينطبق المأتي به على المأمور به كما عرفت.

ثم لا يخفى أن مورد المرسل هو فرض نسيان إحرام الحج بقرينة قوله «عليه السلام» فيه (قد تم حجه). فلا بد من الاقتصار على مورده لاحتمال خصوصية فيه فلا يمكن التعدي إلى نسيان إحرام عمرة حجى القران و الافراد و كذا مطلق العمرة المفردة لاحتمال خصوصية المورد و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب المستند «قدس سره» من شموله لغير المورد.

ثم ان المتبادر من قوله: (إذا كان قد نوى ذلك) هو انه نوى الحج بجميع اجزاءه جملة لا انه نوى الإحرام لأنه لا يأتي نيته من الجاهل- كما هو ظاهر- فكذا الناسي أيضا- كما أفاده صاحب المدارك و غيره

من الفقهاء (قدس سرهم).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 324

[مسألة 9 لو نسي الإحرام و لم يذكر حتى أتى بجميع الأعمال]

قوله قده: (و كذا لو تركه جهلا حتى أتى بالجميع)

هذا هو المعروف الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) و يدل عليه ما تقدم من مرسل جميل بن دراج قال السائل فيه: (في رجل نسي أن يحرم أو جهل. إلخ «1» و ذيل خبر على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله قال: يقول: اللّهم على كتابك و سنة نبيّك فقد تم إحرامه فإن جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجح الى بلاده ان كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه «2»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 14 من أبواب المواقيت حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 325

فصل في مقدمات الإحرام

[يستحب قبل الشروع في الإحرام أمور]
[أحدها توفير شعر الرأس]

قوله قده: (يستحب قبل الشروع في الإحرام أمور: أحدها: توفير شعر الرأس، بل و اللحية لإحرام الحج مطلقا لا خصوص التمتع، كما يظهر من بعضهم، لإطلاق الاخبار من أول ذي القعدة بمعنى عدم إزالة شعرهما، لجملة من الاخبار، و هي و ان كانت ظاهرة في الوجوب الا انها محمولة على الاستحباب لجملة أخرى من الاخبار ظاهرة فيه فالقول بالوجوب كما هو ظاهر جماعة ضعيف. إلخ)

استحباب توفير شعر الرأس معروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قال في الجواهر: (و أما المقدمات فكلها مستحبة و هي أمور منها: توفير شعر رأسه من أول ذي القعدة إذا أراد التمتع، و يتأكد عند هلال ذي الحجة على الأشبه، وفاقا للمشهور شهرة عظيمة، و خصوصا بين المتأخرين. بل لعل كافتهم عليه، إذ ابن إدريس و ان حكى عنه الخلاف، لظهور أول كلامه فيه، لكن كما قيل صرح

بعد ذلك بالندب. بل لم أجد فيه خلافا من غيرهم أيضا، الا من الشيخين في المقنعة و النهاية و الاستبصار، مع أن الأول منهما انما قال: (إذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة، فإن حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهريقه). و الثاني في الأول: (إذا أراد الإنسان ان يحج متمتعا فعليه ان يوفر شعر رأسه و لحيته من أول ذي القعدة و لا يمس شيئا منها). و نحوه في الثاني و لا صراحة بذلك في الوجوب نصوصا بعد معلومية التسامح من مثلهم بإطلاق لفظه و ارادة الندب فضلا عن التعبير المزبور و على تقديره فلا ريب في ضعفه. إلخ) يستفاد من طائفة من الاخبار الواردة في المقام وجوب التوفير و عدم الإزالة- منها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 326

1- صحيح عبد اللّه بن مسكان عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: لا تأخذ من شعرك و أنت تريد الحج في ذي القعدة و لا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة «1» و بإسناده عن موسى بن القسم عن عبد الرحمن عن عبد اللّه بن مسكان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» مثله الا انه قال: (تريد فيه العمرة).

2- عن عبد اللّه بن بكير عن محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال:

خذ من شعرك إذا أزمعت على الحج شوال كله الى غرة ذي القعدة «2».

3- صحيح معاوية بن عمار، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ: [شوال و ذو القعدة و ذو الحجة] فمن أراد الحج وفر شعره إذا نظر الى هلال ذي القعدة و من أراد العمرة وفر شعره شهرا «3»

4- صحيح عبد اللّه سنان، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة و للعمرة شهرا «4».

5- ما رواه سعيد بن عبد اللّه الأعرج عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال: لا يأخذ الرجل إذ رأى هلال ذي القعدة و أراد الخروج من رأسه و لا من لحيته «5» 6- ما رواه ابن حمزة عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: لا تأخذ من شعرك و أنت تريد الحج في ذي القعدة و لا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة «6» 7- ما عن الحسين بن أبى العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام»: عن الرجل يريد الحج أ يأخذ من رأسه في شوال كله ما لم ير الهلال؟ قال: لا بأس ما لم ير الهلال «7» و هذه الاخبار كما ترى ظاهرة في الوجوب لان بعضها تضمن النهى عن أخذ الشعر فتركه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام حديث: 4

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام حديث: 5

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام حديث: 6

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام حديث: 7

(7) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 327

به الأوامر المقدمة عليه، فإنها للندب بغير خلاف.)

و لكن يمكن المناقشة في ما أفاده صاحب المدارك: أما في الأصل، فلانقطاعه بالدليل و اما الأمر بالغسل فظاهره الوجوب، و اما ذكره في عداد المستحبات فلا يوجب انصراف، الأمر

إلى الاستحباب، لإمكان القول: بأنه إذا أمر الشارع بأشياء عديدة فظاهر الإطلاق كونه بداعي الجد في الجميع، ففي ما قامت قرينة على الاستحباب ترفع اليد عن الإطلاق بالنسبة اليه و اما فيما لم تقم قرينة على ذلك فتؤخذ بظهوره، اللهم الا ان يقال: ان نفس وحدة السياق مع فرض استحباب ما ذكر فيه يوهن الظهور الإطلاقي في وجوب الباقي مضافا الى ذهاب المشهور الى الخلاف فتأمل.

ثم، انه يمكن ان يستدل لوجوب غسل الإحرام بما رواه محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: الغسل في سبعة عشر موطنا: الفرض ثلاثة: غسل الجنابة، و غسل من غسل ميتا، و الغسل للإحرام. و لكن فيه ما لا يخفى أما (أولا): فلما أفاده صاحب المدارك «قدس سره» من ان محمد بن عيسى ضعيف، و ما يرويه عن يونس لا يعمل به، كما ذكره ابن بابويه عن ابن الوليد، و أما (ثانيا): بعد الغض عن تضعيف محمد فلضعف سنده بالإرسال المانع عن العمل به و أما (ثالثا): بعد تسليم سنده فلاعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنه فلا مجال للاستناد إليه في وجوب الغسل و من هنا يشكل حمله على الاستحباب أيضا، لأنه متجه بعد البناء على الصدور و بدونه لا مجال للحمل على الندب. نعم لا بأس بهذا الحمل بناء على قاعدة التسامح في أدلة السنن عند القائلين بها لكنه في حين المنع، كما حققنا من الأصول.

ثم ان ما أفاده «قدس سره» من استحباب الغسل للإحرام في خصوص الميقات فهو مما لا اشكال فيه، و يدل عليه صحيح معاوية ابن عمار و غيره من الاخبار المتقدمة قال «عليه السلام» فيه: إذا

انتهيت الى بعض المواقيت التي وقت رسول اللّه (ص) فانتف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 328

به و السواك و النورة «1» و ما رواه محمد بن الخالد الخزاز قال سمعت أبا الحسن «عليه السلام» يقول: أما أنا فآخذ من شعري حين أريد الخروج إلى مكة للإحرام «2» و لكن يمكن المناقشة فيها: أما «في الأول»: فبأن كونه من الصحاح غير معلوم و على فرض كونه منها فأيضا لا يمكن الحكم باستحباب عدم الإزالة مطلقا به و سيظهر وجهه في ذيل المسألة و أما في الثاني: فبأن الاجزاء كما ترى؟؟؟ ل؟؟؟ لانه لم يدر انه مجز عن الواجب أو المستحب و اما «في الثالث»: فبما عرفته من كلام صاحب المدارك «قدس سره» حيث أنه ناقش فيها بضعف السند و قصور الدلالة أما من جهة الدلالة فلأنه- كما ترى- لم ترد في شعر الرأس و اللحية مضافا الى ان أشهر الحج من ذي القعدة و غيره- كما لا يخفى- فلا تنافي الاخبار و لذا حمله الشيخ «رحمه اللّه تعالى» على ما سوي ذي القعدة- كشوال- و في الوسائل: «و يمكن حمله على الجواز و غيره على الكراهة و استحباب الترك أو يحمل القفاء و محل الحجامة على ما دون حد الرأس. و أما (في الرابع): فبأنه لا بد من توجيهه حتى على القول المشهور، لاشتماله على شي ء لا يمكن الالتزام بظاهره و هو مواظبة الإمام (عليه السلام) على ترك المستحب مع انه ليس كذلك قطعا، و في الوسائل بعد ما ذكره قال: «جوز الشيخ حمله على ما سوى شعر الرأس، و على ما سوى ذي القعدة، لما مر، و الأقرب حمله على ارادة بيان الجواز و

نفى التحريم دون الكراهة،.

و لكن قال: في الجواهر بعد ذكر الاخبار: «فيجب الجمع بينهما بتفاوت مراتب الندب- كما فهمه المشهور- الذي قد يؤيده أيضا خبر على بن جعفر عن أخيه المروي عن قرب الاسناد من أراد الحج فلا يأخذ من شعره إذا مضت عشرة من شوال «3» المعلوم عدم إرادة الحرمة منه، بل لم أعثر على مفت فيه بالكراهة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث 3.

(2) الوسائل ج 2 الباب- 4- من أبواب الإحرام حديث 5.

(3) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب الإحرام حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 329

عدا الحر في الوسائل ثم انه قال «قدس سره»: (و على كل حال فوسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور عملا بالأمر و النهى المزبورين في النصوص السابقة مقتصرا على ذكر موثقة عمار في المعارضة طاعنا فيه في السند، بل و الدلالة باعتبار إمكان إرادة ذي القعدة، من أشهر الحج فيه في غير محلها بل هو ناشئ من اختلاف الطريقة و من قصور الباع، لما عرفت من الشهرة العظيمة و صحيح على بن جعفر و غيره). و لكن هذا الجمع كما ترى لعدم كونه عرفيا و لا مما له شاهد، و مجرد فهم المشهور لا عبرة به الا إذا أوجب الظهور العرفي، و هو لم يثبت ايضا، و أما خبر على بن جعفر (عليه السلام) ايضا لا يؤيد الجمع المزبور، لان ظاهره حرمة أخذ الشعر بعد مضى عشر أيام و عدم حرمته قبله، و هو مما لم يفت به أحد. و حمله على خلاف الظاهر: و هو الكراهة لا يجعله قرينة على حمل تلك الاخبار على مراتب الاستحباب، لأن القرينة

تستند الى الظهور العرفي لا الى المعنى التأويلي الذي لا يصار اليه الا لضرورة ملزمة بذلك، و كيف كان فلا عبرة بالجمع الذي ذكره صاحب الجواهر «قدس سره».

مضافا الى انه يمكن الجمع الموضوعي بين الطائفتين من الاخبار، و قد قرر في محله:

أنه إذا أمكن الجمع الموضوعي لا تصل النوبة إلى الجمع الحكمي و هو ان تقيد الأخبار الدالة على جواز أخذ الشعر و عدم وجوب التوفير بالاخبار الناهية الظاهرة منها عدم جواز الأخذ من أول ذي القعدة، فيحكم بجواز الأخذ الا من أول ذي القعدة فيحرم. اللّهمّ الا ان يقال: انه تقع المعارضة بين ما رواه على بن جعفر و بين الطائفة الاولى من الاخبار لاشتماله على: (ما لم يحرم). لإمكان القول بأن الظاهر وروده في مقام التحديد، فعليه تقع المعارضة بينه و بين ما دل على عدم جواز الأخذ من أول ذي القعدة، فلا تصل النوبة إلى الجمع الموضوعي، فحينئذ يمكن أن يقال: انه ترفع اليد عن ظاهر الطائفة الاولى من الاخبار به، لانه نص في الجواز قبل الإحرام و هذا بخلافها. لكونها ظاهرا في عدم الجواز،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 330

فترفع اليد عن الظاهر بواسطة النص، و لكن فيه (أى القول بالمعارضة) ما لا يخفى، و كيف كان لا يمكن الفتوى بالوجوب في مفروض المقام، لذهاب جميع الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» إلى الاستحباب فلا بد في مقام الفتوى من الاحتياط بناء على الجمع الموضوعي ثم أنه بناء عليه يقيد أيضا إطلاق حديث أبى الصباح الكناني بالطائفة الاولى من الاخبار الناهية عن الأخذ من أول شهر ذي القعدة و هو أنه قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الرجل يريد الحج

أ يأخذ شعره في أشهر الحج؟ فقال: لا و لا من لحيته، لكن يأخذ من شاربه و من أظفاره و ليطل ان شاء اللّه «1» فتدبر.

قوله قده: (لا ينبغي ترك الاحتياط بإهراق دم لو أزال شعر رأسه بالحلق حيث يظهر من بعضهم وجوبه أيضا، لخبر محمول على الاستحباب، أو على ما إذا كان في حال الإحرام)

يشير «قدس سره» بالخبر الى ما رواه جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن متمتع حلق رأسه بمكة؟ قال «عليه السلام»: ان كان جاهلا فليس عليه شي ء، و ان تعمد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء، و ان تعمد ذلك بعد الثلاثين التي يوفر فيها للحج فان عليه دما يهريقه «2» و أجاب في المدارك عنه (أولا): بالطعن في السند باشتماله على على بن حديد و قال الشيخ في موضع من التهذيب: «انه ضعيف جدا لا يعول على ما ينفرد به» و (ثانيا): بالمنع من الدلالة فإنها إن تضمنت لزوم الدم بالحلق بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر للحج، و هو خلاف المدعى مع ان السؤال انما وقع عن حلق رأسه بمكة و الجواب مقيد بذلك السؤال بعود الضمير الواقع فيه الى المسؤول عنه فلا يمكن الاستدلال بها على لزوم الدم بذلك على وجه العموم، و بالجملة فهذه الرواية ضعيفة السند متهافة المتن، فلا يمكن الاستناد إليها في إثبات حكم مخالف للأصل).

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب الإحرام حديث: 4

(2) الوسائل ج 2- الباب- 5 من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 331

و قد اعترض صاحب الحدائق «قدس سره» على جواب صاحب المدارك حيث قال (أقول: فيه:

(أولا): ان الطعن في السند لا يقوم حجة على المتقدمين كالشيخ و نحوه ممن لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم. و (ثانيا): ان هذه الرواية قد رواها الصدوق في الفقيه عن جميل بن دراج و طريقه إليه في المشيخة صحيح، كما لا يخفى على من راجع ذلك و هو انما نقل الرواية عن التهذيب، و هي فيه ضعيفة- كما ذكره- و (ثالثا): ان ما طعن به على الدلالة مردود، بأن ظاهر سؤال السائل و ان كان خاصا بمن حلق رأسه مكة، و ظاهره ان ذلك بعد عمرة التمتع الا ان الامام «عليه السلام» أجابه بجواب مفصل يشمل على شقوق المسألة كملا في مكة أو غير مكة فتبين حكم الجاهل و المتعمد و انه على تقدير التعمد ان كان في أول شهور الحج: (يعنى شوال) في مدة ثلاثين يوما فلا شي ء عليه و ان تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر يعنى بعد دخول الثلاثين المذكورة، و المراد ذو القعدة كما مر في الاخبار من انه يوفر الشعر من أول ذي القعدة لا ان معناه بعد مضى الثلاثين- كما توهمه- فإنه معني مغسول عن الفصاحة لا يمكن نسبته الى تلك الساحة، و بالجملة فإنه لا بد من تقدير مضاف في البين و ليس تقدير المعنى الذي هو في الفساد أظهر من ان يراد بأولى من تقدير الدخول الذي به يتم المراد و تنتظم الرواية مع الروايات السابقة على وجه لا يعتريه الشك و الإيراد، و بذلك يظهر صحة الرواية و وضوح دلالتها على المدعى و ان مناقشته فيها و ان تبعه فيها من تأخر عنه، كما هي عادتهم غالبا

مما لا ينبغي ان يلتفت اليه و لا يعرج في مقام التحقيق عليه).

و لكن التحقيق: عدم قصور في دلالته على وجوب الدم إذا حلق في ذي الحجة لظهوره فيه، و لكنه أجنبي عن المدعى، و لذا لا بد من التصرف فيه: اما بحمله على الاستحباب- كما أفاده المصنف «قدس سره» و غيره- أو على صورة وقوعه في الإحرام- بقرينة وقوعه في مكة التي لا يجوز دخولها للحاج بغير إحرام للعمرة- و اما بتقدير مضاف فيه «يعنى و ان تعمد بعد دخول الثلاثين، كما سمعته في كلام صاحب الحدائق «قدس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 332

سره» و لكنه بعد تحتاج إلى التأمل، للتهافت بين صدرها و ذيلها، كما يظهر من التأمل فيه و لكن في الجواهر ضعف سنده و دلالته، حيث قال: (و أما ما سمعته من المفيد فلم أجد ما يدل عليه سوى خبر جميل السابق المطعون في سنده بعلي بن حديد، و حمله بعضهم على الندب، و آخر على وقوع ذلك بعد الإحرام «لتقييد السؤال بكونه بمكة مع تقييد الجواب به، لعود الضمير فيه الى المسؤول عنه. و من هنا قيل: انه ساقط، لكونه ضعيف السند متهافت المتن، فلا يصلح لإثبات حكم شرعي: لكن في كشف اللثام: قد استدل به على تأكد الندب عند هلال ذي الحجة الذي ذكره المحقق، و تبعه الفاضل. ثم، قال: و يحتمل اختصاصه بمتمتع دخل مكة، و هو حينئذ محرم «و ألزمه المفيد الدم بعد الحلق بعد هلال ذي القعدة و هو الذي أوجب نسبة وجوب التوفير اليه. لكن ابن سعيد وافقه مع أنه قال: «ينبغي لمن أراد الحج توفير شعر رأسه و لحيته». قلت: و من هنا

قلنا لا صراحة في كلامه بالمخالفة، و ان قلنا بوجوب الدم مع إمكان إرادته الندب منه ايضا).

قوله قده: (و يستحب التوفير للعمرة شهرا).

في موثق إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن موسى «عليه السلام»: مرئي كم أوفر شعري إذا أردت العمرة؟ فقال: ثلاثين يوما «1» و في رواية عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة و للعمرة شهرا «2»

[الثاني قص الأظفار و الأخذ من الشارب و إزالة شعر الإبط و العانة]

قوله قده: (الثاني: قص الأظفار و الأخذ من الشارب و ازالة شعر الإبط و العانة بالطلي أو الحلق أو النتف. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا، و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل من أحد منهم للخلاف فيه، و تدل على ذلك روايات كثيرة- منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 3 من أبواب الإحرام حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام: حديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 333

1- صحيحة معاوية بن عمار، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا انتهيت الى بعض المواقيت التي وقت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» فانتف إبطيك و احلق عانتك، و قلم أظفارك، و قص شاربك، و لا يضر بأي ذلك بدأت، ثم استك و اغتسل و البس ثوبيك «1».

2- صحيحة الآخر عن أبى عبد اللّه «عليه السلام»، قال: إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق أو الى الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام ان شاء اللّه فانتف إبطك، و قلم أظفارك، و أطل عانتك، و خذ من شاربك و لا يضر بأي ذلك بدأت «2» 3- صحيح حريز قال: سألت أبا عبد

اللّه (عليه السلام): عن التهيؤ للإحرام؟

فقال: تقليم الأظفار و أخذ الشارب و حلق العانة «3» 4- صحيحة الأخر عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: السنة في الإحرام تقليم الأظفار و أخذ الشارب و حلق العانة «4» ثم انه كما ترى قد ذكر خصوص اطلاء العانة في في صحيح معاوية الأخير، قال فيه: (و أطل عانتك)، و قد ذكر الحلق في صحيحة الأول قال فيه: (و احلق عانتك) و كذا ذكر في صحيح حريز الأول و الثاني قال فيهما:

(و حلق العانة) و لكنه كما ترى لم يذكر النتف فيها. و اما الإبط فقد ذكر نتفه في الصحيح الأول و الثاني، لمعاوية بن عمار دون الحلق و الطلي، و لكنه ذكر فيما رواه الكليني عن عبد اللّه بن أبى يعفور قال: كنا في المدينة فلاحاني زرارة في نتف الإبط و حلقه، قلت:

حلقه أفضل، و قال زرارة: نتفه أفضل، فاستأذنا عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) فاذن لنا و هو في الحمام يطلى قد اطلى إبطيه، فقلت لزرارة يكفيك؟ قال: لا، لعله فعل هذا لما يجوز

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث: 4

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث: 3

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث: 1

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 334

لي ان أفعله، فقال في ما أنتما؟ فقلت: ان زرارة لاحاني في نتف الإبط و حلقه، فقلت:

حلقه أفضل و قال زرارة: نتفه أفضل، فقال: أصبت السنة، و أخطأها زرارة، حلقه أفضل من نتفه، و طليه أفضل من حلقه. ثم، قال: لنا اطليا؟ فقلنا: فعلنا منذ

ثلاثة، فقال (عليه السلام: أعيدا، فإن الاطلال طهور «1» و لكنه كما ترى وارد في غير ما نحن فيه، فما أفاده المصنف (قدس سره) من عدم الفرق بين الإبط و العانة من حيث ازالة الشعر بالطلي و النتف و الحلق لا يخلو من تأمل، لظهور التعبير في الاخبار بالطلي و الحلق في العانة و بالنتف في الإبط في الفرق بينهما، فتأمل.

قوله قده: (و الأفضل الأول (أي الطلي) ثم الثاني (أي الحلق). إلخ)

ما أفاده «قدس سره» من كون الطلي أفضل انما يتم بالنسبة إلى الإبطين، لما عرفت في خبر ابن أبى يعفور، قال (عليه السلام) فيه: (حلقه أفضل من نتفه و طليه أفضل من حلقه) و أما بالنسبة إلى العانة فلا، الا ان يقوم دليل على ذلك.

قوله قده: (و لو كان مطليا قبله يستحب له الإعادة و ان لم يمض خمسة عشر يوما. إلخ).

قد اختلفت عبارات الأصحاب رضوان اللّه تعالى في هذه المسألة على نحوين (الأول): انه إذا اطلى قبل الإحرام يستحب له إعادته و ان لم يمض خمسة عشرة يوما من زمان طليه الى زمان إحرامه، و هو المحكي عن الشيخ (قدس سره) في النهاية و العلامة في المنتهى (الثاني): انه إذا اطلى قبل الإحرام أجزأه إذا لم يمض خمسة عشرة يوما و هو الذي أفاده المحقق (طاب ثراه) في الشرائع، و قد نسبه صاحب الحدائق ايضا الى أكثر الأصحاب، و مستند الثاني هو ما رواه الشيخ «عن على بن أبي حمزة، قال:

سأل أبو بصير أبا عبد اللّه (عليه السلام) و أنا حاضر؟ فقال: إذا طليت للإحرام الأول كيف أصنع في الطلية الأخيرة و كم بينهما؟ قال: إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوما فاطل

______________________________

(1) الوسائل: ج 1- الباب- 85- من أبواب آداب الحمام حديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 335

و رواه الصدوق بإسناده عن على بن أبي حمزة مثله الا انه قال: كيف لي أن أصنع في الطلية الأخيرة و كم حد ما بينهما «1» و روى عن أبى بصير، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال لا بأس بأن يطلي قبل الإحرام بخمسة عشر يوما «2» و ظاهر هذا الرواية هو الاكتفاء بالطلية المتقدمة على الإحرام بخمسة عشر يوما «و انه لا يستحب إعادة الطلية للإحرام بعد مضى هذه المدة مع ان ظاهر الاولى هو استحباب الإعادة بعد مضى خمسة عشر يوما و عدم استحباب الطلية قبل مضيها و في صحيح معاوية بن عمار انه سأل أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل يطلى قبل ان يأتي الوقت بستة ليال؟ قال: لا بأس، و سأل عن الرجل يطلى قبل ان يأتي مكة بسبع أو ثمان؟ قال: لا بأس به «3» و الظاهر ان التحديد بالخمسة عشر المذكور انما هو لبيان أقصى غاية الاجزاء فلا ينافيه استحباب ذلك قبل مضى المدة المذكورة فالتحقيق: هو ما افاده المصنف «قدس سره» و هو استحباب إعادة الطلي و ان لم يمض خمسة يوما، و ذلك لما في خبر ابن يعفور المتقدم، و هو قوله (عليه السلام):

[أعيدا] فإن الاطلال طهور، و خبر ابى بصير قال «عليه السلام»: تنور فقال: انما تنورت أول أمس و اليوم الثالث، فقال (عليه السلام): اما علمت انها طهر فتنور «4» و اما خبر علي ابن أبي حمزة المتقدم فيمكن ان يقال بخروجه عن ما نحن فيه، لان ظاهرها- كما ترى- تدل على وقوع الإطلاء للإحرام مع

صدور الإحرام منه فهو خارج عما نحن فيه- كما هو واضح- فتبقى الروايات الباقية، و مقتضاها- كما ترى- هو الاجتزاء بالاطلاء للإحرام قبل الإحرام بخمسة عشر أو أقل من ذلك، و اما أكثر منه فلا دلالة لها على الاجتزاء إذا لم يكن للإحرام، فالمستفاد منها هو استحبابه لنفسه في كل وقت و استحبابه عند الإحرام أيضا و يمكن الاجتزاء به قبله بخمسة عشر يوما أو أقل و اما أزيد منه بمقدار لا يصدق كونه للإحرام فلا. بل يمكن ان يقال: انه ليس في عبارة المحقق (طاب

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 7- من أبواب الإحرام حديث 4.

(2) الوسائل ج 2 الباب- 7- من أبواب الإحرام حديث 5.

(3) الوسائل ج 2 الباب- 7- من أبواب الإحرام حديث 6.

(4) الوسائل ج 1- الباب 31 من أبواب آداب الحمام حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 336

ثراه) و غيره ما ينافي ذلك، لعدم المنافاة بين الاجزاء و الفضل بينهما فلا ينافي استحباب الإعادة قبل ذلك فتدبر.

قوله قده: (و يستحب أيضا إزالة الأوساخ من الجسد، لفحوى ما دل على المذكورات و كذا يستحب الاستياك)

لا ينبغي الإشكال في ذلك و لكن الظاهر: انه لم يرد دليل تعبدي بالخصوص على ذلك في ما نحن فيه، و لكنه لا ينبغي الارتياب في رجحان ذلك في حد نفسه، لما دل على رجحان النظافة و لكنه لا ربط له بما نحن فيه من الاستحباب بالخصوص للإحرام قال في المستند: (زاد في المستحبات تنظيف الجسد من الأوساخ و ازالة الشعر منه مطلقا و لا بأس به بعد فتوى الفقيه و اشعار تعليل الإطلاء في بعض الاخبار بأنه طهور) و اما استحباب الاستياك للإحرام فهو مما

لا اشكال فيه، لما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم، قال (عليه السلام) فيه: (ثم استك و اغتسل).

[الثالث الغسل للإحرام في الميقات]
اشارة

قوله قده: (الثالث: الغسل للإحرام في الميقات. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قال في الجواهر في شرح قول ماتنه: [و الغسل للإحرام]: (للأمر به في النصوص المستفيضة أو المتواترة المحمول عليه إجماعا محكيا عن التذكرة و التحرير ان لم يكن محصلا بل عن المنتهى: «فلا نعرف فيه خلافا» و كأنه لم يعتد بما حكاه في المختلف عن الحسن من الوجوب) و في المدارك (قال الشيخ في التهذيب انه سنة بغير خلاف و نقل عن ابن عقيل «رحمه اللّه تعالى» انه واجب و المعتمد: الاستحباب، لنا: أصالة البراءة مما لم يثبت وجوبه و ما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق أو الى وقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام «ان شاء اللّه تعالى فانتف. الى ان قال:

و اغتسل و البس ثوبيك «1» و الظاهر من الأمر ان الأمر بالغسل للاستحباب، كما يشعر

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 337

واجب و أجاب عنها العلامة «قدس سره» في المختلف على ما حكاه صاحب المدارك بأن المستحب مأمور به كالواجب، و استدل على الاستحباب بأصالة البراءة. و بما رواه سماعة عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الحجامة و حلق القفاء في أشهر الحج؟ فقال:

لا بأس به و السواك و النورة). و اعترض عليه صاحب المدارك «قدس سره» حيث قال:

(و لا يخفى ما في هذا الجواب و الاستدلال من النظر، اما «الأول»:

فلأنه ان أراد بكون المستحب مأمورا به انه يستعمل فيه صيغة افعل حقيقة منعناه، لأن الحق انها حقيقة في الوجوب» كما هو مذهبه «رحمه اللّه تعالى» في كتبه الأصولية. و ان أراد ان المندوب يطلق عليه هذا اللفظ- أعني المأمور به- سلمناه و لا ينفعه. و اما «الثاني»: فلان الأصل يخرج عنه بما نقلناه من الأدلة، و رواية سماعة ضعيفة السند قاصرة الدلالة،. إلخ) ثم انه على فرض تماميتها من حيث السند ايضا لا تنهض للمعارضة لتقييدها بها فتأمل ثم انه لا يخفى انه ليس في شي ء من الاخبار المتقدمة ما يدل على التقييد بالتمتع كما هو المذكور في كلامهم على ما قيل به في كشف اللثام كما عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و التحرير و التذكرة و الإرشاد و المنتهى و التبصرة فالقول بالتعميم هو المتعين و بذلك صرح جملة من متأخري المتأخرين لما يقتضيه إطلاقها. ثم انه يمكن ان يستدل لعدم وجوب التوفير بطائفة أخرى من الاخبار منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال: سألته عن الرجل إذا هم بالحج يأخذ من شعر رأسه و لحيته و شاربه ما لم يحرم قال: عليه السلام لا بأس «1» و ما رواه هشام بن الحكم و إسماعيل بن جابر جميعا عن الصادق عليه السلام انه يجزى الحاج ان يوفر شعره شهرا «2» و ما رواه سماعة عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن الحجامة و حلق القفاء في أشهر الحج؟ فقال عليه السلام: لا بأس

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 4 من أبواب الإحرام حديث: 6

(2) الوسائل ج 2- الباب- 2- من أبواب

الإحرام: حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 338

إبطيك. الى ان قال: ثم استك و اغتسل و البس «1» و كذلك يدل عليه ما دل على جواز تقديمه عند إعواز الماء، لان الظاهر منه ان تشريعه كان في الميقات و سيأتي ذكره (ان شاء اللّه تعالى)

[و مع العذر عنه التيمم]

قوله قده: (و مع العذر عنه التيمم. إلخ)

قال المحقق طاب ثراه في الشرائع: (قيل ان لم يوجد ماء تيمم له) قال في المدارك في شرح كلامه: (القول للشيخ رحمه اللّه تعالى و هو ضعيف جدا، لأن الأمر انما تعلق بالغسل فلا يتناول غيره. إلخ) و ظاهر كلام المحقق ايضا- كما ترى- التوقف في ذلك. و في كشف اللثام في شرح قول ماتنه: [فان تعذر فالتيمم] قال: (كما في المبسوط و المهذب قال في التذكرة: لأنه غسل مشروع فناب عنه التيمم كالواجب و ضعفه ظاهر) و التحقيق: أنه لم يرد في ما نحن دليل بالخصوص على بدلية التيمم عن الغسل و لأجله يشكل الحكم بذلك. اللهم الا ان يقال: انه يكفى الحكم ببدلية التيمم في المقام التمسك بعموم بدلية التراب عن الماء. و انه يكفى عشر سنين، و كونه مثل الماء، و ان التراب أحد الطهورين و نحو ذلك، فمع الشك في بدلية التيمم في مورد لا بأس بالتشبث بهذه العمومات، الا ان يناقش فيها: بأنها ليست في مقام تشريع أصل البدلية حتى يقال بعموم البدلية، بل في مقام إثبات طهورية التراب و تنزيله منزلة الماء في موارد مشروعية التيمم و بعبارة أوضح المستفاد من هذه العمومات هو كون التراب طهورا فيما شرع فيه التيمم فلا مجال للتمسك بها إذا شك في أصل مشروعية التيمم في مورد نظير عدم صحة

التشبث بقاعدة السلطنة في معاملة شك في أصل مشروعيتها لعدم اندراجها تحت أحدى المعاملات المعهودة فالأولى التيمم رجاء كما لا يخفى نعم إذا ثبت ان كل ما يكون غاية للغسل غاية للتيمم أيضا فحينئذ يثبت مشروعيته في مفروض المقام و لا إشكال في استحبابه و الا فيحتاج إثبات المشروعية بدليل خاص فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 339

[و يجوز تقديمه على الميقات]

قوله قده: (و يجوز تقديمه على الميقات مع خوف إعواز الماء. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» و الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب قال في الجواهر في شرح قول المحقق «طاب ثراه»: [و يجوز له تقديمه على الميقات إذا خاف عوز الماء فيه].: (بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الذخيرة و الرياض و غيرهما، بل في المدارك: «إجماع العلماء عليه» لكن في النافع: «و قيل: يجوز تقديم الغسل على الميقات لمن خاف عوز الماء و يعيد لو وجده). مشعرا بتمريضه. و فيه ان النصوص دالة عليه. إلخ) لا ينبغي الارتياب، في ذلك بعد ثبوت تطابق الفتاوى و النصوص عليه كصحيح هشام بن سالم، قال: أرسلنا الى أبى عبد اللّه «عليه السلام» و نحن جماعة و نحن بالمدينة إنا نريد أن نودعك فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف عليكم أن يعز (يعوز خ ب) عليكم الماء بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا فرادى أو مثاني «1» و رواه الصدوق بإسناده عن ابن ابى عمير و زاد: (فلما أردنا أن نخرج قال «عليه السلام»: لا عليكم أن تغتسلوا ان وجدتم ماء إذا بلغتم ذي الحليفة.

قوله قده:

(بل الأقوى جوازه مع عدم الخوف أيضا. إلخ)

و يدل عليه جملة من النصوص الواردة عنهم عليهم السلام في المقام- منها:

1- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الرجل يغتسل بالمدينة للإحرام أ يجزيه عن غسل ذي الحليفة؟ قال (عليه السلام). نعم «2». و نحوه خبر أبي بصير.

2- ما رواه الحسين بن سعيد، عن حماد عن معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) و نحن بالمدينة عن التهيؤ للإحرام؟ فقال: اطل بالمدينة و تجهز بكل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 8- من أبواب الإحرام حديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب- 8- من أبواب الإحرام حديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 340

ما تريد، و اغتسل، و ان شئت استمعت بقميصك حتى تأتى مسجد الشجرة «1» الى غير ذلك من النصوص الواردة عنهم عليهم السلام الدالة على جواز تقديم الغسل على الميقات مع عدم خوف إعواز الماء، و قد مال اليه صاحب المدارك «قدس سره» حيث قال: (لا يبعد جواز التقديم مطلقا) ثم استدل على ذلك بصحيح الحلبي، و بصحيح معاوية بن وهب المزبورين، و مال إليه أيضا صاحب كشف اللثام و الذخيرة و نسبه في محكي الذخيرة إلى ظاهر جملة من الروايات، ثم ذكر صحيح الحلبي و خبرا بصير المتقدمين قال في المستند و مقتضى الأولين): أي صحيح معاوية بن وهب و الحلبي) جواز التقديم مطلقا و ان لم يخف عوز الماء و هو الأقرب) و حينئذ فالأخذ بالإطلاق- و هو جواز تقديم الغسل على الميقات مطلقا سواء خاف عوز الماء أولا- في محله و ليس ببعيد. و لكن في التنقيح بعد ان اعترف باقتضاء الإطلاق ذلك قال: (و الشيخ

قيده بالخوف و هو جيد، إذ العمل بالإطلاق لم يقل به قائل) و لكن يمكن المناقشة فيه- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- بان عدم القائل لا ينافي وجوب العمل بالخبر الجامع لشرائط الحجية ما لم يتحقق الإجماع على خلافه، و لا سيما مع ذهاب جماعة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» الي العمل به نعم، إذا قام الإجماع على خلافه فكلامه في محله. و لكنه ليس كذلك. ثم، ان التنظير بغسل الجمعة التي يقدم يوم الخميس للخوف لا يقتضي ذلك- كما في الجواهر- ثم انه قال في الجواهر: (فمن الغريب ما في الرياض: من جعل ما في التنقيح إجماعا منقولا و قيد به النصوص، بل تردد في تناول إطلاق النصوص لصورة عدم الخوف، إذ لا يخفى عليك ما فيه. نعم، قد يقال ان التعليل في الصحيح الأول (و هو صحيح هشام) مؤيدا بذلك يقتضي التقييد المزبور الا ان الإنصاف قصوره عن ذلك على وجه يقتضي عدم المشروعية لزيادة التنظيف فالجزم بذلك (اى التقييد) كما في الرياض لا يخلو من منع). ما افاده (قدس

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 7- من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 341

سره) من ان الإنصاف قصوره عن ذلك على وجه يقتضي عدم المشروعية. إلخ هو الصواب لاحتمال رجوع التعليل الى وجه تعين أحد الأفراد عقلا إرشادا الى ما هو لا يفوته به الغسل، فليس خوف الإعواز شرطا للمشروعية حتى يصلح للتقييد. نظير ان يقال في النذر الموسع: (ف بنذرك). فإني أخاف عليك الموت، و عليه فالجزم بالتقييد كما حكاه صاحب الجواهر «قدس سره» عن الرياض مما لا يخلو من اشكال، فتدبر.

ثم أنه قد يقال بتعارض الأخبار

الواردة في المقام مع ما دل على ان مكان الغسل الميقات، حيث ان ظاهره التحديد المقتضى لاختصاص المشروعية بالميقات، فينافي ما دل على مشروعيته في غير الميقات. لكن يمكن دفع المعارضة: بأن يكون الغسل في غير الميقات بدلا عنه فيه، و لكنه لا يخلو من تأمل، و وجهه هو ان الحمل على البدلية خلاف الظاهر، و لا يصار اليه الا بالقرينة- كما لا يخفى.

[و الأحوط الإعادة في الميقات]

قوله قده: (و الأحوط الإعادة في الميقات)

قال المحقق «طاب ثراه» في الشرائع: (و لو وجده استحب له الإعادة). قال في المدارك: (و أما استحباب الإعادة إذا وجد الماء في الميقات فيدل عليه قوله «عليه السلام» في آخر صحيحة هشام المتقدمة:

«لا عليكم أن تغتسلوا ان وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة» و لكن لا يخفى: انه على فرض إمكان استفادة الاستحباب منه يحكم باستحبابه فيه حتى في صورة خوف الإعواز، و لكن التحقيق: أنه لا دلالة فيه على الندب الذي هو أخص من نفى البأس. و لكن في المستند:

«و هل يستحب الإعادة لو وجد الماء في الميقات أم لا؟، فيه: قولان: الأقرب: هو الثاني. للأصل، و استدل للأول بذيل صحيحة هشام. الى ان قال: «ورد بأن نفى البأس غير الاستحباب الا ان يتيمم بأنه إذا لم يكن به بأس كان راجحا لكونه عبادة راجحة». ثم قال: «أقول: لا يتعين تقدير البأس بل الظاهر منه نفى أصل الغسل فهو لدليل الثاني أقرب و أشبه».).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 342

[و يكفي الغسل من أول النهار الى الليل و من أول الليل الى النهار]
اشارة

قوله قده: (و يكفي الغسل من أول النهار الى الليل و من أول الليل الى النهار.

إلخ)

قال في الجواهر: (و كيف كان فلا خلاف أجده في انه يجزى الغسل في أول النهار ليومه إذا أراد الإحرام فيه، و في أول الليل لليلته ما لم ينم، بل قيل: انه مقطوع به في كلام الأصحاب) و قد نفى الخلاف عن ذلك صاحب المستند (قدس سره) لا بأس بذكر الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) في المقام فنقول: في صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: غسل يومك ليومك، و غسل ليلتك لليلتك «1». و في خبر على

بن أبي حمزة عن أبى بصير في حديث قال: أتاه رجل و أنا عنده، فقال: اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتى أمسى؟ فقال: يعيد الغسل يغتسل نهارا ليومه ذلك و ليلا لليلته «2». و في رواية عثمان بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله الى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل و من أغتسل ليلا كفاه غسله الى طلوع الفجر «3» و في خبر سماعة بن مهران عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال من أغتسل قبل طلوع الفجر و قد استحم قبل ذلك ثم أحرم من يومه أجزأ غسله و ان أغتسل في أول الليل ثم أحرم في آخر الليل أجزأ غسله «4» هذا بناء على ان المراد طلوع الفجر من قوله: (قبله فيه). فيه ما لا يخفى و في وافى الكاشاني: (كان المراد بالاستحمام تنظيف البدن

قوله قده: (بل الأقوى كفاية غسل اليوم الى آخر الليل و بالعكس. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قال في المدارك: (و الا ظهر الاكتفاء بغسل اليوم لليلته أيضا و غسل الليلة لليوم) و قال في المستند: (بل المستفاد من بعضها كفاية غسل الليل لليوم و اليوم لليل، و أفتى به جماعة أيضا و لا بأس به).

و قال في الجواهر: (و قد أفتى به جماعة من متأخري المتأخرين تبعا للمحكي عن المقنع

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب الإحرام حديث: 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب الإحرام حديث: 3

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب الإحرام حديث: 4

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب الإحرام حديث: 5

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 343

و نفى عنه البأس في الرياض. إلخ) و نحوها كلام غيرهم يمكن الاستدلال لذلك بصحيح جميل عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: غسل يومك يجزيك لليلتك، و غسل ليلتك يجزيك ليومك «1» و خبر سماعة عن أبى عبد اللّه (عليه السلام): من اغتسل قبل طلوع الفجر و قد استحم قبل ذلك ثم أحرم من يومه أجزأه غسله. إلخ «2» و يمكن ان يقال: انه لا تهافت بينهما و بين ما دل على عدم اجزاء غسل الليل ليومه و غسل اليوم لليلة، و ذلك لحمل خبر سماعة: على الغسل بعد الفجر. و كذلك حمل اللام في صحيح الجميل على معنى: الى كما مال اليه صاحب الوسائل (قدس سره) فحينئذ يكون التوافق بين الأحاديث حاصلا و لكن الإشكال في ذلك ظاهر. لكونه خلاف الظاهر، فلا يصار اليه بلا قرينة

[و يستحب إعادته خصوصا في النوم]

قوله قده: (و يستحب إعادته خصوصا في النوم. إلخ)

يدل عليه صحيح نضر بن سويد عن أبى الحسن «عليه السلام» قال: سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم؟ قال «عليه السلام»: عليه اعادة الغسل «3» و خبر على بن أبي حمزة، قال سألت أبا الحسن «عليه السلام»: عن رجل اغتسل للإحرام ثم ينام قبل ان يحرم؟ قال: عليه اعادة الغسل «4» و يمكن أن يؤيد بما دل عليه في من اغتسل لدخول مكة و هو صحيح عن الرجل يغتسل لدخول مكة ينام فيتوضأ قبل أن يدخل أ يجزيه ذلك أم يعيد؟ قال: لا يجزيه ذلك، لأنه إنما دخل بوضوء «5» و بما دل عليه في من اغتسل للطواف و هو ما رواه أبو حمزة عن أبى الحسن «عليه السلام»

قال: قال لي: ان اغتسلت بمكة ثم نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك «6» و لكن ينافيها صحيح عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة و يلبس ثوبين

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9 من أبواب الإحرام حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 9 من أبواب الإحرام حديث: 5

(3) الوسائل ج 2- الباب- 10- من أبواب الإحرام حديث: 1

(4) الوسائل ج 2- الباب- 10- من أبواب الإحرام حديث: 2

(5) الوسائل ج 2- الباب 6 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 1

(6) الوسائل ج 2- الباب 6 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 344

ثم ينام قبل ان يحرم؟ قال «عليه السلام»: ليس عليه غسل «1» الا انه قد يجمع بينها بحمل صحيح العيص بن القاسم على نفى التأكد كما افاده صاحب المدارك «قدس سره» حيث قال بعد ذكره: «و الظاهر ان المراد نفى تأكّد الغسل» لا على نفى الوجوب، كما عن الشيخ، لان سوق الخبر- كما افاده صاحب المدارك- يقتضي أن سقوط الإعادة انما كان لأجل الاعتداد بالغسل الأول و عدم انتفاضة بالنوم لا لكونه غير واجب و (بعبارة اخرى): ان السؤال فيه لم يكن عن الوجوب و عدمه بل انما كان عن الاعتداد بالغسل الأول و عدمه قال في الجواهر: «و لكن مقتضى الجمع بينهما و بين صحيح العيص بن القاسم استحباب الإعادة لا انتفاض الغسل، و احتمال كون المراد من صحيح العيص عدم مشروعية الإعادة كما عن بن إدريس مقتضي لطرح ما سمعته من النصوص المؤيدة بأنها مبالغة في التنظيف، فالأولى حمله على ارادة عدم النقض على معنى انه ليس عليه ذلك

كمن لم يغتسل، و لعله أولى من حمله على عدم التأكد. إلخ) و التحقيق: معارضة صحيحة العيص للاخبار الآمرة بإعادة الغسل ضرورة: كون عليه اعادة الغسل، و ليس عليه الغسل عند أبناء المحاورة من أوضح مصاديق المتعارضين فان الغسل المثبت و المنفي يراد به الغسل المشروع للإحرام فلا محيص عن التعارض، الا ان يقول باعراض المشهور عن صحيح العيص الموجب، لعدم صلاحيّة للمعارضة فالمعوّل هو النّصوص الآمرة بإعادة الغسل كما نسب الى المشهور ثم ان الرّوايات الواردة عنهم (عليهم السلام) في المقام كلها واردة في النوم و لم يتعرض فيها لغيره من الأحداث فقال في الجواهر: (و في القواعد: «و لو أحدث بغير النوم فإشكال ينشأ من التنبيه بالأدنى على الأعلى و من عدم النص «بل في الدروس:

«الأقرب ان الحدث كذلك». و نفى عنه في المسالك: البأس، و لعله لكونه مساويا له، أو أقوى باعتبار تلويثه للبدن. بل في كشف اللثام: «الظاهر ان النوم انما صار حدثا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 10 من أبواب الإحرام حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 345

لان معه مظنة الأحداث فحقائقها اولى». بل في المختلف تعليل الإعادة للنوم: «بأنه يبطل الطهارة الحقيقية فالوهمية أولى». بل في المدارك: «الاتفاق على نقض الحدث غيره مطلقا و الخلاف فيه على بعض الوجوه»، و التحقيق: ان هذه الوجوه لا تصلح دليلا على التعدي من النوم الى غيره من النواقض- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- و العمدة استفادة عدم الخصوصية من الأخبار الواردة في النوم، و لكنه- كما ترى- يحتمل للنوم خصوصية، فلذلك لا بد من الاقتصار على المورد، و عدم التعدي.

ان قلت: انه يمكن التعدي عن المورد- أى النوم- الى غيره من

النواقض بتنقيح المناط. قلت: انه قد تكرر ان المعتبر منه هو القطعي، و هو غير حاصل في الشرعيات، و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن و لا دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا غير مشروع عندنا، لاحتمال خصوصية في النوم دون غيره من النواقض و لو فرضناها أقوى و لا دافع لهذا الاحتمال الا فهم المثالية من النوم (بدعوى): ظهوره فيها و لكنها غير مسموعة لكون الظاهر على خلافها. نعم، إذا قطعنا بملاك الحكم و عدم مانع عن الجعل أيضا فلا محيص عن التعدي من النوم الى غيره من النواقض، و لكنه مجرد فرض لا واقع له، لعدم العلم بالملاكات- كما لا يخفى- و من هنا ظهر: قوة أفاده صاحب المدارك «قدس سره» من ان الأصح عدم الاستحباب، لانتفاء الدليل. ثم أنه قال: (و ربما كان في صحيحة الجميل اشعار بذلك) و قد دل صحيح جميل المتقدم على كفاية غسل اليوم ليوم و ليل لليلة، و لكن يمكن المناقشة فيما أفاده: من انه ربما كان في صحيحة الجميل اشعار بذلك: بأنه لا تعرض فيه للحدث و انما يدل على الاكتفاء بغسل النهار الى آخر النهار فيكون النظر فيه الى الزمان.

و لكن قال صاحب الحدائق بعد ما نقل كلام المدارك المزبور: (أقول ما ذكره

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 346

من اشعار الصحيحة المذكورة بذلك صحيح، لانه يبعد ان لا يحدث الإنسان من أول اليوم لو اغتسل في أوله إلى آخر تلك الليلة، و كيف كان لا يمكن التعدي عن مورد الاخبار الى مطلق الحدث بعد فرض احتمال الخصوصية للنوم. نعم، مصحح إسحاق بن عمار- قال: سألته عن غسل الزيارة

يغتسل بالنهار و يزور بالليل بغسل واحد؟ قال «عليه السلام»: يجزيه ان لم يحدث، فإن أحدث ما يوجب وضوءا فليعد غسله «1»- يدل على الإعادة لمطلق الحدث لكن يكون مورده غسل الزيادة، و لا يمكن التعدي منه الى ما نحن فيه، و ان قيل: أن بناءهم على عدم الفرق بينه و بين المقام.

قال في الحدائق بعد ذكره: (و بذلك يظهر قوة ما نقله في المدارك عن الشهيدين:

(و هو إلحاق باقي النواقض بالنوم) و حينئذ فيجب تخصيص صحيحة جميل و نحوها بهذه الأخبار الدالة على الإعادة بحدث النوم أو غيره، و يظهر: ان ما ذهب إليه في المدارك و ان كان هو ظاهر المشهور بمحل من الضعف و القصور). ما أفاده «قدس سره» انما يتم بناء على عدم الفرق بينهما و دون إثبات التساوي بين غسلي الإحرام و الزيارة في الأحكام مطلقا أو في خصوص هذا الحكم خرط القتاد إذ لا دافع لاحتمال الخصوصية في غسل الزيارة الموجبة لانتفاضه بمطلق الحدث المفقودة في غسل الإحرام فتدبر.

أما صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم «عليه السلام»: عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام فيتوضأ قبل ان يدخل أ يجزيه ذلك أو يعيد؟ قال «عليه السلام»: لا يجزيه. لانه إنما دخل بوضوء «2» قال في الحدائق أنها مشيرة أيضا بأنه ينبغي ان يكون الدخول بالغسل من غير ان ينقضه بناقص من حدث و غيره، لان قوله:

(لا يجزيه انما دخل بوضوء) مما يشير إلى انه لا بد ان يكون الدخول بغسل غير منتقض بشي ء من النواقض) و هو جيد بل دعوى ظهور الصحيح المزبور في التعميم في غاية المتانة

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 3- من أبواب

زيارة البيت: حديث 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 3- من أبواب زيارة البيت: حديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 347

لان تعليل عدم الاجزاء بكون الدخول بالوضوء ظاهر عرفانى علية ناقض الوضوء له لأنه الموجب لانتقاض الغسل و كون الدخول بالوضوء و من المعلوم ان ناقض الوضوء أعم من النوم و غيره فليس التعدي عن النوم الى غيره من النواقض من القياس المسدود بابه و الممنوع استشمامه كما لا يخفى و لكنه بعد يحتاج إلى التأمل.

[كما ان الاولى إعادته إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه]

قوله قده: (كما ان الاولى إعادته إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم بل و كذا لو تطيب. إلخ)

لجملة من النصوص- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذ لبست ثوبا لا ينبغي لك لبسه أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله، فأعد الغسل «1».

2- صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنع و لا تطيب، و لا تأكل طعاما فيه طيب فتعيد الغسل «2».

3- خبر محمد بن مسلم عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: إذا اغتسل الرجل و هو يريد ان يحرم فلبس قميصا قبل أن يلبى فعليه الغسل «3» 4- خبر على بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل اغتسل للإحرام ثم لبس قميصا قبل أن يحرم؟ قال (عليه السلام): قد انتقض غسله «4» لكن ظاهر هذه النصوص- كظاهر كلمات الأصحاب- هو الاستحباب بل الوجوب الا ان التسالم على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن ظهورها في الوجوب، و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه فلا محيص عن الالتزام به و لم يظهر

وجه معتد به لعدول المصنف «قدس سره» عن الاستحباب إلى الأولوية، و لعله أراد بها الأولوية الشرعية التي هي عبارة أخرى عن الندب لا الأولوية العقلية في مقام إحراز الواقع و امتثاله

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 13- من أبواب الإحرام حديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب- 13- من أبواب الإحرام حديث 2.

(3) الوسائل ج 2- الباب- 11- من أبواب الإحرام حديث: 2

(4) الوسائل ج 2- الباب- 11- من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 348

فتأمل جيدا و أما ما أفاده المصنف «قدس سره»: بل و كذا التطيب، فهو الصواب لصحيح عمر بن يزيد المتقدم

[بل الاولى ذلك في جميع تروك الإحرام]

قوله قده: (بل الاولى ذلك في جميع تروك الإحرام فلو أتى بواحد منها بعدها قبل الإحرام الاولى إعادته. إلخ)

قال في محكي المدارك: (و الظاهر عدم استحباب الإعادة بفعل ما عدا ذلك من تروك الإحرام، لفقد النص، و لو قلم أظفاره بعد الغسل لم يعده و يمسحها بالماء، لما رواه الشيخ في الحسن عن جميل بن دراج عن بعض أصحابه عن أبى جعفر (عليه السلام): في رجل أغتسل للإحرام ثم قلم أظفاره؟ قال (عليه السلام):

يمسحها بالماء و لا يعيد الغسل «1» ما أفاده صاحب المدارك «قدس سره» هو الصواب، إلا إذا حصل القطع بالمناط، فحينئذ يجوز التعدي من مورد الأخبار المتقدمة الدالة على استحباب اعادة الغسل إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم، و لكنه لا سبيل الى ذلك فتأمل. ثم انه على تقدير التعدي عن مورد النصوص المتقدمة إلى سائر تروك الإحرام فلا بد من الالتزام باستحباب اعادة الغسل، لما عرفت من ظهور النصوص في ذلك، فلاحظ

[و لو أحرم بغير غسل]
[أتى به و أعاد صورة الإحرام]

قوله قده: (و لو أحرم بغير غسل أتى به و أعاد صورة الإحرام سواء تركه عالما أو جاهلا أو ناسيا)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» و يدل عليه صحيح الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن: قال: كتبت الى العبد الصالح أبى الحسن «عليه السلام» رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما ما عليه ذلك و كيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب: يعيده «2» بعد حمل الأمر فيه على الندب، كما يشعره السؤال، لتعلقه بما ينبغي أن يصنع و عن الوظيفة الاستحبابية لا بما يجب و هذا بقرينة قوله: [ينبغي] فيكون المراد من الجواب ايضا كذلك حتى يحصل

التطابق بينهما، للزوم ذلك،

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 12 من أبواب الإحرام حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 20 من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 349

و لكن ناقش فيه صاحب الحدائق «قدس سره» حيث قال بعد نقل كلام صاحب المدارك: و هو حمل الإعادة على الاستحباب بقرينة السؤال: (و فيه ما قدمنا ذكره في غير مقام ان لفظ: (ينبغي) و (لا ينبغي) في الاخبار أكثر كثير في معنى الوجوب و التحريم و ان استعمل في هذا المعنى الذي ذكره أحيانا و ان الحمل على أحدهما يتوقف على القرينة. إلخ).

لكن التحقيق: انه على فرض تسليم عدم ظهور كلمة: (ينبغي) الواقع في الرواية في الاستحباب، فلا أقل من الإجمال فلا يكون الكلام ظاهرا في الوجوب مع ان نفى الوجوب إجماعي، فعليه لا يبقى مجال للقول بالوجوب. بل في الجواهر (لا أجد له وجها، ضرورة: عدم تعقل وجوب الإعادة مع كون المتروك مندوبا) و قول الشيخ في النهاية: «من أحرم من غير صلاة و غير غسل كان عليه إعادة الإحرام بصلاة و غسل) لا صراحة فيه بالوجوب خصوصا بعد قوله في المبسوط: «كان إحرامه منعقدا غير انه يستحب له إعادة الإحرام بصلاة و غسل» نعم ما يحكى عن أبى علي: ثم اغتسل و لبس ثوبي الإحرام و صلى لإحرامه لا يجزيه غير ذلك إلا الحائض، فإنها تحرم بغير صلاة: قال: «و لا ينعقد الإحرام إلا في الميقات بعد الغسل و التجرد و الصلاة ظاهر في وجوب الغسل و الصلاة و حينئذ يتجه وجوب الإعادة. إلخ) و أما ما أفاده المصنف «قدس سره» بقوله: (و أعاد صورة الإحرام) فقال ابن إدريس على ما في الجواهر

بعد ما حكى عن الشيخ (رحمه اللّه تعالى) القول بإعادة الإحرام في الفرض: (ان أراد به انه نوى الإحرام و أحرم و لبى من دون صلاة و غسل فقد انعقد إحرامه فأي اعادة تكون عليه و كيف يتقدر ذلك و ان أراد أنه أحرم بالكيفية الظاهرة من دون النية و التلبية فيصح ذلك و يكون لقوله وجه) و اعترض عليه العلامة «رحمه اللّه تعالى» في المختلف على ما حكاه صاحب الجواهر «قدس سره» بأنه انما قصد الشيخ انه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 350

إذا عقد إحرامه بالتلبية و النية و لبس الثوبين التي هي أركان الإحرام و اجزاءه من غير غسل و لا صلاة استحب له إعادة التلبية و لبس الثوبين و النية عملا برواية الحسين بن سعيد الصحيحة و الاستبعاد في استحباب اعادة الفرض لأجل النفل، كما في الصلاة المكتوبة إذا دخل فيها المصلى بغير أذان و لا إقامة فإنه يستحب له إعادتها).

و قد أشكل عليه الشهيد الثاني (رضوان اللّه تعالى عليه) في محكي المسالك بما حاصله (وضوح الفرق بين المقامين، فإن الصلاة تقبل الابطال بفعل منافياتها و لو نية الابطال بخلاف الإحرام الذي لا يقبله إلا بالإتمام أو ما يقوم مقامه) و تبعه على ذلك العلامة الأصبهاني في كشف اللثام حيث قال: (و ليس كالصلاة التي تبطل بمنافياتها و بالنية فلا يتجه ما في المختلف من أنه كالصلاة التي يستحب إعادتها إذا نسي الأذان و الإقامة و الجواب: ان الإعادة لا تفتقر إلى الإبطال لم لا يجوز ان يستحب تجديد النية و تأكيدها للخبر، و قد ينزل عليه ما في المختلف و لكن لا يبقى حينئذ ان أيهما اى الإحرامين المعتبر اشكال،

بل الأول متعين لذلك و كذا يجب الكفارة بالمتخلل بينهما من موجباتها. إلخ) و كذلك تبعه في المدارك حيث قال، (و أنكر ابن إدريس استحباب الإعادة و هو جيد على أصوله و قد نص الشهيدان على ان المعتبر هو الأول إذ لا سبيل إلى إبطال الإحرام بعد انعقاده و على هذا فلا وجه لاستئناف النية بل ينبغي ان يكون المعاد بعد الغسل و الصلاة التلبية و اللبس خاصة) و في الرياض على ما حكى عنه أصر على بطلان الإحرام بإعادته، مستظهرا له من لفظ الإعادة في الصحيح مستشهدا عليه بما ذكره الأصوليون بأن الإعادة الإتيان بالشي ء ثانيا بعد الإتيان به أولا لوقوعه على نوع خلل كتجرد عن شرط معتبر أو التزامه بأمر مبطل) تنقيح المقام هو انه يستفاد من ظاهر كلام ابن إدريس المتقدم عدم مشروعية الإعادة إلا إذ أحرم بالكيفية الظاهرة من دون النية و التلبية فهو- كما ترى- خارج عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 351

فرض السؤال في الصحيح، و يستفاد من ظاهر كلام صاحب المدارك المتقدم مشروعية صورة الإحرام بلبس الثوبين و التلبية بلا نية أن شاءه. و لا يخفى ما فيه: لأن صورة الإحرام- كما ترى- ليست اعادة مع انه كتب «عليه السلام» في جواب سؤال السائل: (يعيده) الظاهر في إعادة أصل الإحرام الذي يتوقف على النية و غيرها و يستفاد من ظاهر كلام صاحب الجواهر قدس سره في آخر البحث مشروعية إنشاءه ثانيا مع البناء على صحة الإحرام الأول حيث قال: (لبقاء صحة الإحرام الأول، و ان استحب الإعادة التي لا تبطله، بل هو حكم تعبدي شرعي لتدارك الفضيلة نحو إعادة الصلاة جماعة، و يحسب له في الواقع أفضلها

نحو ما ورد في الصلاة جماعة و ان بقيت الأحكام الظاهرية على الأول المحكوم بصحته ظاهرا. إلخ) فلازم ما ذكره «قدس سره»- كما ترى- هو انه أحرم إحرامين حقيقيين. و لكن كلام صاحب الجواهر لا يخلو من المناقشة و الاشكال أما (أولا): فلكونه مخالفا لبناء الأصحاب، لعدم إمكان تكرار الإحرام و تأكده. و (ثانيا)، فلكونه خلاف ما يستفاد من ظاهر الصحيح، لانه يراد من الإعادة المذكورة في الصحيح كون العبرة بالإحرام الثاني ليتحقق امتثال الأمر بالإحرام بالإحرام الثاني لعدم حصول الامتثال بالإحرام الأول، لعدم انطباق المأمور به عليه، و لازم ما ذكره صاحب الجواهر «قدس سره» هو البناء على حصول الامتثال بهما في عرض واحد، و هو خلاف ظاهر الصحيح هذا و لكن يمكن دفعه بأن الإعادة انما تكون لإدراك الخصوصية الفائتة في الإحرام الأول و لما كانت الخصوصية الغسلية مثلا مطلوبة في الإحرام بنحو تعدد المطلوب و كانت قابلة للتدارك فصارت داعية للأمر بإعادة أصل الإحرام و من هنا يظهر وجه صحة، الإحرام الأول أيضا و اندفاع اشكال تسالم الأصحاب على عدم مشروعية تعدد الإحرام كما لا يخفى بأدنى تأمل.

ثم انه لا يخفى فما أفاده بقوله: (من انه يحسب له أفضلهما نظير ما ورد في الصلاة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 352

جماعة) متين جدا و يكفى دليلا على ذلك ما ورد في الأمر بالإعادة بعد فرض استحباب الغسل و عدم مبطلية تركه للإحرام فتنظيره بالصلاة المعادة في محله ثم انه يستفاد من ظاهر كلام العلامة «رضوان اللّه تعالى عليهم» في المختلف هو مشروعية الإحرام ثانيا حقيقة و بطلان الإحرام الأول، و هذا هو الظاهر من الصحيح.

ثم لا يخفى أن مورد الصحيح المتقدم: هو

الجاهل و العالم، قال فيه: (رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما. إلخ) فشموله للناسي متوقف على القول بكون النّاسي من مصاديق العالم، و لكنه لا يخلو من اشكال، لاحتمال انصرافه الى العامد. اللهم الا ان يقال: انه لا انصراف في البين أولا، و على فرض ثبوته فبدوىّ ثانيا. لعدم كونه بمنزلة القيد المذكور في الكلام الذي هو المعتمد في الانصراف الصالح للتقييد على ما قرر في محله. ثم أنه قد يظهر من بعض الفقهاء الاقتصار في موضوع المسألة على الناسي و (فيه) أن الصحيح المتقدم- كما ترى- ورد في الجاهل و العالم من دون تعرض للناسي و لكن قال في الجواهر: (اللّهم ان يفهم لحوقه بالفحوى) و لكنه لا يخلو من اشكال.

[و لكن إحرامه الأول صحيح باق على حاله]

قوله قده: (و لكن إحرامه الأول صحيح باق على حاله فلو أتى بما يوجب الكفّارة بعده و قبل الإعادة وجبت عليه. إلخ)

ما أفاده انما يتم بناء على القول بصحة الإحرام الأول و اما بناء على القول ببطلانه و عدم كونه موضوعا للامتثال فلا، ثم أنه يستحب عند الغسل أو بعده كما أفاده المصنف (قدس سره) ان يقول: (بسم اللّه و باللّه اللّهم اجعله لي نورا و طهور و حرزا و أمنا من كل خوف و شفاء و من كل داء و سقم، اللّهمّ طهّرني و طهّر قلبي و اشرح لي صدري، و أجر على لساني محبتك، و مدحك و الثناء عليك، فإنه لا قوة إلا بك، و قد علمت ان قوام ديني التسليم لك، و الاتّباع لسنة نبيك، صلواتك عليه و آله)

[الرابع ان يكون الإحرام عقيب صلاة فريضة أو نافلة]
اشارة

قوله قده: (الرابع: ان يكون الإحرام عقيب صلاة فريضة أو نافلة و قيل بوجوب ذلك. لجملة من الاخبار الظاهرة فيه المحمولة على الندب، للاختلاف الواقع بينها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 353

و اشتمالها على خصوصيات غير واجبة. إلخ)

ذهب الإسكافي على، ما حكى عنه الى وجوب ذلك و يستدل لذلك بجملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال «عليه السلام»:

صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة «1» 2- صحيحة الآخر عنه «عليه السلام» إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرها «2» 3- صحيحة الأخر عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم و ان كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت

في دبرهما فإذا انفتلت في صلاتك فاحمد اللّه و أثن عليه و صل على النبي صلى اللّه عليه و آله. «3»

4- خبر أبى بصير، قال: تصلى للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها «4» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» فظاهرها- كما ترى- وجوب كون الإحرام في عقيب أحدهما، و لكن لا بد من رفع اليد عن ظاهرها، لتسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافها الموجب لرفع اليد عن ظهورها في الوجوب و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه كما لا يخفى ثم أنه استدل في كشف اللثام على عدم الوجوب بالأصل و لاستلزامه وجوب نافلة الإحرام إذا لم ينفق في وقت فريضة حيث قال:

(و يستحب إيقاع الإحرام عقيب صلاة للنصوص، و لا يجب، كما يظهر من أبى على وفاقا للمشهور، للأصل. و لاستلزامه. إلخ) و لكن لا يخفى ما فيه من المناقشة و الاشكال: أما (الأصل): فلانه مقطوع بالدليل. و أما (استلزامه المحذور): فلان الالتزام به لا محذور

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 18 من أبواب الإحرام حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب 18 من أبواب الإحرام حديث: 5

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب الإحرام حديث: 1

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 18- من أبواب الإحرام حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 354

فيه فتدبر ثم أن ما افاده المصنف في وجه حملها على الندب بقوله: للاختلاف بينها و اشتمالها على خصوصيات غير واجبة) فلا يوجب ذلك رفع اليد عن ما هو ظاهر في الوجوب فالعمدة في وجه ذلك هو ذهاب الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» الى الخلاف الموجب لرفع اليد عن ظاهرها فتأمل.

[و الاولى أن يكون بعد صلاة الظهر في غير إحرام حج التمتع]

قوله قده: (و الاولى أن

يكون بعد صلاة الظهر في غير إحرام حج التمتع فإن الأفضل فيه أن يصلى الظهر بمنى. إلخ)

ما أفاده قدس سره بقوله: (فإن الأفضل فيه. إلخ) فيشهد له صحيح عمر بن يزيد، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثم صل ركعتين خلف المقام، ثم أهل بالحج فان كنت ماشيا فلب عند المقام، و ان كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك، و صل الظهر ان قدرت بمنى «1» و صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: إذا انتهيت إلى منى فقل. الى ان قال: ثم تصلى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر، و الامام يصلى بها الظهر لا يسعه الا ذلك، و موسع عليك ان تصلى بغيرها أن لم تقدر، ثم تدركهم بعرفات «2». و موثق أبى بصير عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال ثم تلبي من المسجد الحرام، كما لبيت حين أحرمت، و تقول: لبيك بحجة تمامها و بلاغها عليك، و ان قدرت ان يكون رواحك إلى منى زوال الشمس، و الا فمتى ما تيسر لك من يوم التروية «3» و لا يعارضها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا كان يوم التروية» ان شاء اللّه تعالى» فاغتسل ثم البس ثوبك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صلى ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 46 من أبواب الإحرام حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب 4- من أبواب الحج و الوقوف بعرفة حديث: 5

(3) الوسائل ج 2- الباب- 2- من أبواب

إحرام الوقوف بعرفة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 355

حتى تزول الشمس، فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة: و أحرم بالحج و عليك السكينة و الوقار فإذا انتهيت الى الرقطاء دون الردم فلب فإذا انتهيت الى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى «1» و وجهه واضح

[الخامس صلاة ست ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين للإحرام]
اشارة

قوله قده: (الخامس: صلاة ست ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين للإحرام. إلخ)

و يدل على الأول خبر أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال:

«تصلى للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها «2» و ما رواه ايضا عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم. الى ان قال ثم أنت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات قبل ان تحرم و تقول اللهم انى أريد الحج.

الى أن قال أحرم لك شعري و بشرى و لحمي و دمي «3» و يدل على الثاني ما عن ابن إدريس بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام»: عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟ قال: يقيم الى المغرب قلت: فان أبى جماله ان يقيم عليه؟ قال: ليس عليه ان يخالف السنة قلت: إله أن يتطوع بعد العصر؟ قال: لا بأس به و لكني أكرهه للشهرة و تأخيره ذلك أحب الى قلت كم أصلي إذا تطوعت؟ قال: اربع ركعات «4» و يدل على الثالث صحيح معاوية بن عمار المتقدم قال عليه السلام فيه: (و ان كانت نافلة صليت ركعتين) و في صحيحة الآخر المتقدم أيضا قال عليه السلام (إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة

فريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرها)

[و الأولى الإتيان بها مقدما على الفريضة]

قوله قده: (و الأولى الإتيان بها مقدما على الفريضة و يجوز إتيانها في أي وقت

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 18- من أبواب الإحرام: حديث 4

(3) الوسائل ج 2- الباب- 21- من أبواب المواقيت: حديث 4

(4) الوسائل ج 2- الباب- 19- من أبواب الإحرام: حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 356

بلا كراهة حتى في الأوقات المكروهة و في وقت الفريضة حتى على القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة لخصوص الأخبار الواردة في المقام)

و كأنه يشير الى صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: سمعت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول خمس صلوات لا يتركن على حال: إذا طفت بالبيت و إذا أردت أن تحرم «1» و خبر أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: خمس صلوات تصليها في كل وقت منها صلاة الإحرام «2». و أما ما أفاده «قدس سره» بقوله: «و الأولى الإتيان بها مقدما على الفريضة» فنقول: ان كلمات الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» مختلفة في هذا المقام يستفاد من ظاهر بعضها عدم الجمع بين الفريضة و النافلة كما هو ظاهر كلام المحقق «طاب ثراه» في الشرائع حيث قال:

«و ان تحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة و ان لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات» و أقله ركعتان. إلخ) قال في المدارك: (مقتضى العبارة: أنه مع صلاة الفريضة لا يحتاج إلى سنة الإحرام و انها انما تكون إذا لم يتفق وقوع الإحرام عقيب الظهر أو فريضة). و يستفاد من ظاهر بعضها: الجمع بين الفريضة و النافلة

و الإحرام عقيب الفريضة و هو ظاهر كلام الشهيد «قدس سره» في المسالك حيث قال في محكيه: (و ظاهر العبارة «أي عبارة المحقق طاب ثراه» يقتضي أنه مع صلاة فريضة لا يحتاج إلى سنة الإحرام و انما يكون عند عدم فعل ظهر أو فريضة و ليس كذلك و انما السنة أن يصلى سنة الإحرام أولا ثم يصلى الظهر أو غيرها من الفرائض ثم يحرم، فان لم يتفق ثمة فريضة اقتصر على سنة الإحرام.» الى ان قال: و قد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا) و في المدارك بعد نقل كلامه المتقدم قال (و على ذلك دلت الأخبار كصحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) انه قال: لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و ان كانت نافلة صليت ركعتين

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 19 من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 19 من أبواب الإحرام: حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 357

و أحرمت في دبرها فإذا انفتلت من الصلاة فاحمد اللّه عز و جل، و أثن عليه، و صلى على النبي (ص) و يقول: اللهم إني أسألك. الحديث «1» و في رواية أخرى صحيحة لمعاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرها «2» و من هنا يظهر: ان ما ذكره الشارح- من ان المراد ان السنة أن يصلى سنة الإحرام أولا ثم يصلى الظهر أو غيرها من الفرائض ثم يحرم في دبرها و ان لم يتفق ثمة فريضة

اقتصر على سنة الإحرام- غير جيد و من العجب قوله «رحمه اللّه تعالى»: (و قد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا، إذ لا وجه لحمل عبارات الأصحاب على معنى الذي ذكره فإن الأخبار ناطقة خلافه كما بيناه. إلخ و في كشف اللثام: (و يقدم نافلة الإحرام على الفريضة مع السعة، وفاقا المشهور.، الى ان قال و في الجمل و العقود و المهذب و الإشارة و الغنية و الوسيلة العكس، و يشعر به كلام الحسن، و هو أظهر، لأن الفرائض يقدم على النوافل إلا الراتبة قبلها، إذ لا نافلة في وقت فريضة. إلخ) و نحوها كلام غيرهم من الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» و كيف ما كان مقتضى ظاهر الاخبار المتقدمة هو ما أفاده صاحب المدارك «قدس سره».

و لكن يمكن أن يستدل لما نسبه صاحب كشف اللثام الى المشهور- و هو الجمع بين الفريضة و النافلة مع تأخير الفريضة و الإحرام عقيبها- بما عن الفقه المنسوب الى الرضا «عليه السلام» و هو فان كان وقت صلاة فريضة فصل هذه الركعات قبل الفريضة ثم صل الفريضة، و روى ان أفضل ما يحرم الإنسان في دبر صلاة الفريضة ثم أحرم في دبرها فيكون أفضل. و قال في الجواهر بعد ذكرها: (و ربما يدل عليه أيضا قول الصادق

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 16 من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 18 من أبواب الإحرام: حديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 358

«عليه السلام»، في صحيح معاوية بن عمار خمس صلاة لا تترك على حال إذا طفت بالبيت و إذا أردت أن تحرم «1» و في خبر أبى بصير أيضا خمس صلوات يصليها في

كل وقت منها صلاة الإحرام «2» و لكنها لا تخلو من المناقشة و الأشكال أما (ما عن الفقه الرضوي): فهو و ان كانت دلالته تامة الا انه ضعيف سندا فلا يصار اليه و أما (صحيح معاوية و خبر أبى بصير) فعدم إمكان استفادة الجمع بين النافلة و الفريضة مع تأخير الفريضة و الإحرام عقيبها واضح و من هنا ظهر: قوة ما أفاده صاحب المدارك «قدس سره» فتأمل.

[و الاولى أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد التوحيد و في الثانية الجحد]

قوله قده: (و الاولى أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد التوحيد و في الثانية الجحد لا العكس كما قيل)

قال في الجواهر: (أما كيفية القراءة فيهما فلم أقف فيها الا على خبر معاذ بن مسلم عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال لا تدع ان تقرء قل هو اللّه أحد و قل يا أيها الكافرون في سبع مواطن: في الركعتين قبل الفجر، و ركعتي الزوال، و الركعتين بعد المغرب، و ركعتين من أول صلاة الليل، و ركعتي الإحرام، و الفجر إذا أصبحت. و ركعتي الطواف لكن في التهذيب بعد أن ورد ذلك قال: و في رواية اخرى انه يقرأ في هذا كله بقل هو اللّه أحد «و في الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون، إلا في الركعتين قبل الفجر، فإنه يبدأ بقل يا أيها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية بقل هو اللّه أحد و الأمر في ذلك سهل بعد كون الحكم ندبيا).

[يكره للمرأة إذا أرادت الإحرام أن يستعمل الحناء]

قوله قده: (يكره للمرأة إذا أرادت الإحرام أن يستعمل الحناء إذا كان يبقى أثره. إلخ)

سيجي ء البحث عن ذلك في التروك (ان شاء اللّه تعالى).

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 19 من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 19 من أبواب الإحرام: حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 359

فصل في كيفية الإحرام

اشارة

قوله قده: (في كيفية الإحرام)

قد وقع الخلاف في انه هل الإحرام عبارة عن مجموع النية و التلبية و لبس الثوبين، أو هو عبارة عن بعضها، أو غير ذلك و تظهر الثمرة في حكم تارك الإحرام ناسيا أو جاهلا، و أيضا تظهر الثمرة: في أنه لو جعل نية ترك محرمات الإحرام جزأ للإحرام أو تمام الإحرام كان ارتكاب محرم منها حين الإحرام مانعا عن انعقاده و هذا بخلاف ما لو لم يجعل كذلك فنقول: قد اختلفت عبارات الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في حقيقة الإحرام على أقوال على ما حكاه صاحب المدارك «قدس سره»: فذكر العلامة «قدس سره» في المختلف في مسألة: تأخير الإحرام عن الميقات ان الإحرام ماهية مركبة: من النية، و التلبية، و لبس الثوبين، و مقتضاه انه ينعدم بانعدام أحد اجزاءه. و حكى الشهيد «رحمه اللّه تعالى» في الشرح عن ابن إدريس (رض) انه جعل الإحرام عبارة عن النية و التلبية و لا مدخلية للتجرد و لبس الثوبين فيه. و عن ظاهر المبسوط و الجمل انه جعله أمرا واحد بسيطا، و هو النية. ثم، قال: و كنت قد ذكرت في رسالة ان الإحرام هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة الى ان يأتي بالمناسك، و التلبية هي الرابطة لذلك التوطين، نسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة. ثم أطال الكلام في ذلك و قال

في آخر كلامه: «فعلى هذا يتحقق نسيان الإحرام بنسيان النية و بنسيان التلبية).

و كيف كان فالظاهر أنه لم يرد دليل يدل على كون لبس الثوبين داخلا في ماهية الإحرام و أما ما دل على وجوبه فلا ينهض دليلا على كونه داخلا في ماهيته و ذلك لان وجوبه أعم من ذلك، كما لا يخفى نعم يمكن الاستدلال على دخالة كل من النية و التلبية و ما يقوم مقام التلبية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 360

- أعنى الاشعار و التقليد- في ماهية الإحرام بطائفة من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) و سيجي ء ذكرها «إن شاء اللّه تعالى» ثم انه بناء على كون النية داخلة في الإحرام على نحو الجزئية أو كونها بنفسها إحراما فيقع الكلام في ان المراد منها نية ترك محرمات الإحرام أو المراد نية الأعمال، يمكن استظهار كل واحد منهما بطائفة من الاخبار و الاخبار الواردة في المقام على طوائف: (الأولى)، ما يظهر منها كون الإحرام عبارة عن نية ترك المحرمات (الثانية) ما يظهر منها كونه عبارة عن نية الأعمال (الثالثة) ما يظهر منها كونه عبارة عن التلبية و الاشعار و التقليد و يمكن الجمع بينها بجعل كل واحد واحد منها جزء للإحرام و كيف كان.

أما (الطائفة الأولى): فمنها صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم. و ان كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرهما فإذا انفلت من صلاتك فاحمد اللّه و أثن عليه و صلى على النبي (صلى اللّه عليه و آله) و تقول: اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن

استجاب لك. الى ان قال فيه: أحرم لك شعري و بشرى و لحمي و دمي و عظامي و مخي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب «1». و منها ما عن ابن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا أردت الإحرام و التمتع، فقل: اللهم إني أردت ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج فليس ذلك لي و تقبله منى و اعنى عليه و حلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت على أحرم لك شعري و بشرى من النساء و الطيب و الثياب، و ان شئت قلت: حين تنهض و ان شئت فأخره حتى تركب بعيرك و تستقبل القبلة فافعل «2» و أما (الطائفة الثانية «: فمنها عن أبى الصلاح مولى بسام الصيرفي قال: أردت

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 16- من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 16- من أبواب الإحرام: حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 361

الإحرام بالمتعة فقلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): كيف أقول؟ قال: تقول: اللهم انى أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك، و ان شئت أضمرت الذي تريد «1» و نحوه غيره من الاخبار، و هناك أخبار أخر قابلة للحمل على كل واحدة من هاتين الطائفتين: و هي الأخبار الدالة على كون الإحرام قبل التلبية كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى عبد اللّه «عليه السلام»: في الرجل يقع على اهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلب؟

قال: ليس عليه شي ء «2» و صحيحة الأخر قال: انه صلى ركعتين في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثم خرج فاتى بخبيص فيه زعفران فأكل منه «3» و رواه الصدوق بإسناده عن

عبد الرحمن بن الحجاج مثله الا انه قال: (فأكل قبل ان يلبى منه) و صحيح جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما انه قال: في رجل صلى في مسجد الشجرة و عقد الإحرام و أهل بالحج ثم مس الطيب و أصاب أو وقع على اهله؟ قال: ليس بشي ء حتى يلبى «4» و خبر حفص بن البختري عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في من عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبى؟ قال: ليس عليه شي ء «5» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» هذا و التحقيق: أن ما تقدم في حديث أبى الصباح من الأمر بأن يقول عند الإحرام انى أريد التمتع بالعمرة إلى الحج لا يدل على كون نفس الإحرام عبارة عن نية الأعمال كما لا يخفى، فالمرجع مع قطع النظر عما سيجي ء (ان شاء اللّه تعالى) من اخبار الطائفة الثالثة هو الطائفة الأولى الظاهرة في أن الإحرام عبارة عن نية ترك المحرمات لقوله: (أحرم لك شعري و بشرى من النساء و الطيب و الثياب) هذا و لكن التحقيق: ان هذه الجملة أيضا لا تدل على ان الإحرام عبارة عن نية التروك بل ظاهرها: انه عبارة عن ان شاء الالتزام بالتروك: و هو المناسب للمعنى العرفي و اللغوي من الإحرام و هو التحريم

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 17 من أبواب الإحرام حديث: 2

(2) الوسائل ج 2 الباب- 14- من أبواب الإحرام حديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب- 14- من أبواب الإحرام حديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب- 14- من أبواب الإحرام حديث 5

(5) الوسائل ج 2 الباب- 14- من أبواب الإحرام حديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 2، ص: 362

فان قوله: (أحرم لك) ان شاء الالتزام بذلك مقترنا بالنية، و من الواضح ان جميع العبادات لا بد و ان تكون مقترنة بالنية. و الحاصل: ان القول بكون الإحرام عبارة عن النية أو كون النية جزء منها لا وجه له، و انما هو عمل عبادي محتاج إلى النية هذا و جميع الأخبار المتقدمة الدالة على كون الإحرام أمرا يعقد قبل التلبية محمولة على ما ذكرنا من كون الإحرام عبارة عن ان شاء الالتزام بالتروك، فتحصل: انه لا معارضة بين ما تقدم من الأخبار و المستفاد منها من حيث المجموع هو ما ذكرنا.

و لكن يعارضها الطائفة الثالثة من الاخبار: و هي ما دلت على ان الإحرام عبارة عن نفس التلبية و الاشعار أو التقليد لا انه أمر يعقد قبل ذلك- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية، و الاشعار، و التقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم «1» 2- ما رواه سهل بن زياد، عن احمد بن محمد بن ابى نصر، عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا كانت البدن كثيرة قام فيها بين ثنتين، ثم أشعر اليمنى، ثم اليسرى و لا يشعر أبدا حتى يتهيأ للإحرام، لأنه إذا أشعر و قلد و جلل وجب عليه الإحرام و هي بمنزلة التلبية «2».

3- ما رواه حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه عن ابي عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها دخل الرجل بين كل بدنتين فيشعرها هذه من الشق الا يمن و يشعر هذه من الشق الا يسر و لا

يشعرها ابدا حتى يتهيأ للإحرام، فإنه إذا أشعرها و قلدها وجب عليه الإحرام، و هو بمنزلة التلبية «3».

4- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: تقلدها نعلا خلقا قد صليت فيها و الأشعار و التقليد بمنزلة التلبية «4».

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج حديث: 20

(2) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

(3) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج حديث: 19

(4) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج حديث: 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 363

5- ما رواه بن أبى عمير، عن حماد، عن ابن معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام»: عن التهيؤ للإحرام؟ فقال: في مسجد الشجرة، فقد صلى فيه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و قد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون، كما أنتم في محاملكم تقول: لبيك، اللهم لبيك «1».

6- ما رواه الحلبي، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في حديث: انه وقعت (يعنى رسول اللّه) «صلى اللّه عليه و آله» ذو الحليفة، و هو مسجد الشجرة كان يصلى فيه و يفرض الحج، فإذا اخرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حتى يحاذي الميل الأول أحرم «2» هذا و مقتضى الجمع بين هذه الطائفة من الاخبار و الطائفة السابقة منها هو: ان الإحرام عبارة عما عرفته من ان شاء الالتزام بالتروك، و اما التلبية فهي دخيلة في لزومه و عدم جواز نقضه بالإتيان بمحرمات الإحرام، حيث انه لا اشكال و لا خلاف في جواز ارتكابها بعد ان شاء الالتزام بالتروك قبل إيجابه

بالتلبية- كما هو صريح أخبار كثيرة كصحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمين- و على هذا فيمكن ان يقال: ان التلبس بمحظورات الإحرام حين الإحرام لا يمنع عن انعقاده، و ذلك لما عرفت من عدم كون الإحرام عبارة عن نية التروك حتى ينافي ذلك ارتكابها بل انما هو عبارة عن الإنشاء و ذلك لا ينافي التلبس بها- نظير: من ينشأ تمليك المال للغير و مع ذلك يتصرف فيه غصبا- و حرمة تلك المحرمات انما هي حكم على المحرم، و لا يضر مخالفته بنفس الإحرام و لو حين الإحرام، فتدبر.

و يمكن أيضا الجمع بين هذه الطائفة و الطائفة السابقة من الاخبار به (دعوى): ان الإحرام مركب من شيئين: (أحدهما): ما دل عليه بعض الأخيار: و هو ان شاء الالتزام

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 34 من أبواب الإحرام حديث: 3

(2) الوسائل ج 2- الباب 1- من أبواب المواقيت حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 364

بالتروك. و (ثانيهما): ما دل عليه البعض الآخر من الاخبار: و هو التلبية أو الإشعار أو التقليد، فتدبر.

[الأول النية]
اشارة

قوله قده: (و واجباته ثلاثة: (الأول): النية بمعنى القصد اليه، فلو أحرم من غير قصد أصلا بطل سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل، و يبطل نسكه أيضا إذا كان الترك عمدا، و أما مع السهو و الجهل فلا يبطل، و يجب عليه تجديده من الميقات إذا أمكن و الا فمن حيث أمكن على التفصيل الذي مر سابقا في ترك أصل الإحرام)

ما أفاده «قدس سره» من وجوب القصد إليه في الإحرام مما لا ينبغي لإشكال فيه «لكونه من العناوين القصدية التي تمنع تحققها الا بقصدها، و هو المعروف بين الفقهاء (قدّس اللّه تعالى

أسرارهم) بل في الجواهر في شرح قول المحقق طاب ثراه: [بلا خلاف محقق فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض، مضافا الى عموم الأدلة و خصوصها كما ستمر عليك. إلخ) و لكن بناء على ما عرفت من كون الإحرام عبارة عن إنشاء الالتزام بالتروك فتصير النية حينئذ من مقومات الإحرام، و مما يتوقف الإحرام عليها عقلا، إذ المفروض كونه عنوانا قصديا فلا يتحقق الا بالقصد مضافا الى دلالة بعض النصوص الواردة في كيفية النية على ذلك.

[مسألة 1 يعتبر فيها القربة و الخلوص]

قوله قده: (يعتبر فيها القربة و الخلوص- كما في سائر العبارات- فمع فقدهما أو أحدهما يبطل إحرامه)

هذا ايضا مما لا ينبغي الإشكال فيه بعد وضوح كون الإحرام من العبادات.

[مسألة 2 يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه]

قوله قده: (يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه فلا يكفى حصولها في الأثناء فلو تركها وجب تجديده)

لا ينبغي الارتياب في ذلك، لانه بعد ما ثبت كونه عبادة فلا بد من وجود النية فيه من أوله الى آخره، بحيث لو انعدمت في جزء منه لبطل، فلو تركها من الأول و نوى في الأثناء وجب تجديده- كما أفاده المصنف قدس سره.

و من هنا ظهر: ضعف ما حكى عن الشيخ. «رحمه اللّه تعالى» في المبسوط: من ان الأفضل ان تكون مقارنة للإحرام فإن فاتت جاز تجديدها الى وقت التحلل. و لذلك قال العلامة «رضوان اللّه تعالى عليه» في المختلف: (فيه نظر فإن الأولى: إبطال ما لم يقع بنيته لفوات الشرط) على ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 365

و التحقيق: هو بطلانه قهرا لأنه قضية تقيد ارتباطية الواجب بقيد، فان كل جزء من اجزاء المركب الارتباطي يقيد بذلك القيد مثلا الطهارة شرط لكل جزء من اجزاء الصلاة بحيث يكون كل جزء منها مقيدا بالطهارة، فإذا فقدت في الجزء الأخير من الصلاة تبطل الصلاة كلها. نعم إذا دل الدليل على عدم بطلان المقيد بفوات القيد في بعض الأحوال كفقدان النية في الصوم في بعض الموارد فذاك خارج بالتعبد فتأمل.

قوله قده: (و لا وجه لما قيل من ان الإحرام تروك و هي لا تفتقر إلى النية، و القدر المسلم من الإجماع على اعتبارها انما هو في الجملة و لو قبل التحلل، إذ نمنع أولا:

كونه تروكا، فان التلبية

و لبس الثوبين من الأفعال. و ثانيا: اعتبارها فيه على حد اعتباره في سائر العبادات في كون اللازم تحققها حين الشروع فيها.)

قال في كشف اللثام على ما حكاه صاحب الجواهر «قدس سره»: (و قد يكون النظر الى ما أمضيناه من ان التروك لا تفتقر إلى النية و لما اجمع على اشتراط الإحرام بها- كالصوم- قلنا بها في الجملة و لو قبل التحلل بلحظة، إذ لا دليل على أزيد من ذلك. و لو لم يكن في الصوم نحو قوله «صلى اللّه عليه و آله»: (لا صيام لمن لم يبت الصيام) قلنا فيه بمثل ذلك و انما كان الأفضل: المقارنة، لأن النية شرط في ترتب الثواب على الترك) و لكن في كلامه «قدس سره» ما لا يخفى:

أما (أولا): فلما عرفت من أن التحقيق: هو أن الإحرام عبارة عن إنشاء الالتزام بالتروك لا انه نفس التروك، و لذلك إذا ارتكب المحرم جميع محرمات الإحرام لا يخرج عن هذا العنوان- و هو كونه محرما- و الوجه فيه هو ان الإحرام بعد تحققه جامعا للشرائط بنفسه باق الى ان حصل المحلل و لو ارتكب جميع المحرمات، لان المفروض عدم كونه التروك حتى يقال ببطلانه بفعل المحرمات و هذا بخلاف الصوم لعدم كونه بنفسه باقيا حتى لو أتى بالمفطر لكون بقائه و زواله باختيار الصائم، لخروجه عن هذا العنوان بمجرد ارتكابه المفطر بل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 366

بنفس عدم القصد حيث ان الصوم هو ترك المفطرات في كل آن مع النية، فإذا فقدت هذه النية في آن من الآنات فضلا عن نية الخلاف أو عن ارتكاب مفطر يبطل الصوم و هذا بخلاف الإحرام لأنه لو قصد الخلاف لا يبطل.

و

يؤيد ما استفدناه من الروايات- من كون الإحرام إنشاء الالتزام بالتروك لا نفس التروك- اتفاق جميع الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» على عدم خروجه من الإحرام بصرف إتيانه ببعض المحرمات بل جميعها- كما أشرنا إليه آنفا.

و أما (ثانيا): فلا جماع الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) على كونه كسائر العبادات فلا بد من وجود النية حين الشروع فيها، كما يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى سائر العبادات، فعليه لا يتحقق الإحرام بدون النية و اما النية قبل التحلل فلبست نية للإحرام كما لا يخفى.

و لا يقاس الإحرام بالصوم الذي لا يقترن أول جزء منه بالنية في بعض الموارد كالجهل بكون اليوم من شهر رمضان أو نسيانه فان وقت النية حينئذ موسع الى الزوال و كذا الواجب الغير المعين الممتد وقت نيته ايضا الى الزوال و المندوب الذي يجوز نيته قبيل الغروب، و ذلك لان الدليل الخاص قام على ذلك فنخرج به عن عموم قاعدة الشرطية بخلاف الإحرام، لعدم قيام دليل على جواز الاكتفاء بالنية في أثنائه، و عليه فمقتضى إطلاق شرطية النية هو اقتران الإحرام حين تحققه بالنية و عدم الاكتفاء بالنية في أثنائه كما لا يخفى، و لا مجال للتعدي عن مورد ذلك الدليل الى ما نحن فيه أصلا ان قلت: انه يجوز ذلك به (دعوى): تنقيح المناط قلت: انه لا مجال له أصلا في المقام و على فرض التسليم غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا

[مسألة 3 يعتبر في النية تعيين كون الإحرام لحج أو عمرة]

قوله قده: (يعتبر في النية تعيين كون الإحرام لحج أو عمرة، و ان الحج تمتع أو قران أو أفراد، و انه لنفسه أو نيابة عن غيره، و انه حجة الإسلام أو

الحج النذري

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 367

أو الندبي، فلو نوى الإحرام من غير تعيين و أوكله الى ما بعد ذلك بطل، فما عن بعضهم من صحته و ان له صرفه إلى أيهما شاء من حج أو عمرة لا وجه له، إذ الظاهر انه جزء من النسك فتجب نيته، كما في اجزاء سائر العبادات، و ليس مثل الوضوء و الغسل بالنسبة إلى الصلاة. نعم، الأقوى كفاية التعيين الإجمالي حتى بأن ينوي الإحرام لما سيعينه، من حج أو عمرة، فإنه نوع تعيين و فرق بينه و بين ما لو نوى مرددا مع إيكال التعيين الى بعد)

لا إشكال في ان العبادة لا تتحقق بدون النية و من المعلوم توقفها على قصد جميع الخصوصيات المعتبرة في موضوع الأمر فإن المأمور به ليس هو الجامع بين الخصوصيات حتى يكتفى بقصده بل المأمور به هو المتخصص بالخصوصية فما لم تنو الخصوصية لا يتحقق امتثال أمرها، فمقتضى القاعدة لزوم التعيين- كما افاده المصنف قدس سره- و ما أفاده بقوله: (نعم: الأقوى كفاية التعيين الإجمالي. إلخ) هو الصواب إذ لا دليل على اعتبار التعيين التفصيلي بعد وضوح كون التعيين لأجل نية الخصوصية الدخيلة في موضوع الأمر ليتحقق التعبد بها و هذه النية تحصل بالتعيين الإجمالي ضرورة: ان قوله (أحرم لما سأعينه) مشير الى ذلك المعين الواقعي الذي يحصل له العلم التفصيلي به بعد التعيين و لا دليل على اعتبار التعيين التفصيلي بالخصوصيات حين النية لما عرفت من ان اعتبار قصد خصوصيات موضوع الأمر انما هو لأجل التعبد بها و من المعلوم حصول التعبد بها بالتعيين الإجمالي كما لا يخفى و أما ما أفاده بقوله (و فرق بينه و بين ما لو نوى

مرددا. إلخ) فحاصل الفرق ان الخصوصية تنوي في التعيين الإجمالي حين الشروع في الإحرام بخلاف المردد فإن الخصوصية لا تنوي من أول الإحرام بل بعده و بدون النية من أول الأمر لا يحصل التعبد بالخصوصية- كما لا يخفى-

[مسألة 4 لا يعتبر فيها نية الوجه]

قوله قده: (لا يعتبر فيها نية الوجه- من وجوب أو ندب. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» مما لا ينبغي الإشكال فيه، لما قد حقق في محله من عدم اعتباره.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 368

قوله قده: (و كذا لا يعتبر فيها التلفظ، و لا الاخطار بالبال فيكفي الداعي).

اما عدم اعتبار التلفظ فيها فيدل عليه مضافا الى الأصل ما رواه حماد بن عثمان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: قلت له: انى أريد التمتع بالعمرة إلى الحج فكيف أقول؟

فقال: تقول: [اللهم انى أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك] و ان شئت أضمرت الذي تريد «1» و نحوه غيره من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) و أما ما أفاده بقوله: (و لا الاخطار بالبال.) فلما قد حقق في محله: أن النية عبارة عن الداعي.

[لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرماته]

قوله قده: (لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرماته بل المعتبر العزم على تركها مستمرا، فلو لم يعزم من الأول على استمرار الترك بطل و أما لو عزم على ذلك و لم يستمر على عزمه بان نوى بعد تحقق الإحرام عدمه أو إتيان شي ء منها لم يبطل فلا يعتبر فيه استدامة النية- كما في الصوم- و الفرق ان التروك في الصوم معتبرة في صحته بخلاف الإحرام فإنها فيه واجبات تكليفية)

قد عرفت سابقا ان شاء الالتزام بالتروك دخيل في تحقق أصل الإحرام فبعد ان تحقق جامعا للشرائط لا يوجب ارتكابه المحرمات فساده فلا يعتبر فيه استدامة النية بل قصد الخلاف ايضا لا يضره و هذا بخلاف الصوم

[مسألة 6 لو نسي ما عينه من حج أو عمرة وجب عليه التجديد]

قوله قده: (لو نسي ما عينه من حج أو عمرة وجب عليه التجديد. إلخ)

تحقيق الكلام في هذا المقام هو ان ما أتى به من الإحرام باق على حاله و لم يرتفع لعدم إتيانه بالمحلل فعليه لا معنى للقول بوجوب تجديد الإحرام لأنه لا إحرام في الإحرام. نعم يبقى الكلام في المقام في ما هو وظيفته فعلا، فنقول: (تارة): يفرض ان هذا الشخص لم يكن الحج و العمرة واجبا عليه لأجل الاستطاعة أو النذر أو غير ذلك من أسباب الوجوب و أنما وجب عليه ذلك بعد الإحرام من ناحية أمر الشارع بإتمام الحج و العمرة، و عليه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 17- من أبواب الإحرام: حديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 369

فيحصل له العلم الإجمالي بوجوب أحدهما، فعليه تفريغ ذمته بالاحتياط في مقام الإتيان بالأعمال مثلا إذ تردد ما وجب عليه بين حج الافراد و العمرة المفردة أتى أولا باعمال الحج ثم أتى باعمال مكة

بنية ما عليه من الحج أو العمرة و على هذا فبناء على شرطية الإحرام للأعمال كان عليه الإتيان بما وجب عليه من أول الأمر من حج أو عمرة، لأن المفروض كونه شرطا من قبيل شرطية الوضوء لما يشترط به، فيصح له الإتيان بأي نوع من هذه الأعمال به و لو فرض أنه في الواقع أحرم بنية نوع آخر.

و أما العلم الإجمالي بوجوب الحج أو العمرة عليه بعد إحرامه من ناحية الأمر بالإتمام فمنحل الى علم تفصيلي بوجوب ما كان عليه من أول الأمر و شك بدوي في طرو وجوب آخر عليه هذا بناء على كونه شرطا لها و أما بناء على كون الإحرام جزءا للأعمال فأيضا لا مانع له من الإتيان بالأعمال به، و ذلك لقاعدة التجاوز و جريانها في ما إذا كان الشك في المنوي و ان كان موردا للخلاف بين الاعلام الا انه اخترنا في محله جريان القاعدة فيه- كجريانها في ما إذا كان الشك في أصل النية الذي لا مانع من ذلك فيه.

[مسألة 7 لا تكفي نية واحدة للحج و العمرة]

قوله قده: (لا تكفي نية واحدة للحج و العمرة بل لا بد لكل منهما من نيته مستقلا إذ كل منهما يحتاج إلى إحرام مستقل فلو نوى كذلك وجب عليه تجديدها و القول بصرفه الى المتعين منهما إذا تعين عليه أحدهما و التخيير بينهما إذا لم يتعين و صح منه كل منهما كما في أشهر الحج لا وجه له كالقول بأنه لو كان في أشهر الحج بطل و لزم التجديد و ان كان في غيرها صح عمرة مفردة)

و في الجواهر و لو أحرم بالحج و العمرة لم يقع لهما، لأنهما لا يقعان بنية واحدة و في إحرام واحد بل عن

الشيخ في المختلف: «الإجماع على عدم جواز القران بينهما بإحرام واحد» و لكن هل هي فاسدة لفساد المنوي و ان كان في أشهر الحج كما قربه الفاضل أو أنه متى فعل ذلك و كان في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج و العمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما و الا كان للمتعين، و إن كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة المفردة، كما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 370

عن المختلف و المبسوط، بل في كشف اللثام هو قوى على ما ذكرناه فإنهما إذا لم يدخلا في حقيقة الإحرام فكأنه نوى أن يحرم ليوقع بعد ذلك النسكين و ليس فيه شي ء و ان عزم على ايقاعهما في هذا الإحرام و ان لم يكن في أشهر الحج. و فيه: ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا بل لا ينبغي التأمل في البطلان مع فرض ملاحظة المعينة التي لا أمر بها و من هنا قال المصنف:

لو قيل بالبطلان في الأول و لزوم تجديد النية كان أشبه بأصول المذهب و قواعده، الا ان ظاهره الصحة في الثاني و لعله لان الحج لما لم يكن في غيرها لم يكن التعرض له الا لغوا محضا بل خطأ. و فيه: ان اللغوية أو الخطائية لا تنافي حصول البطلان باعتبار عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، اللهم الا ان يفرض ملاحظة امتثال أمر كل منهما من غير ملاحظة الاجتماع فيتجه الصحة في الثاني باعتبار عدم منافاة الصحة الضم المضموم اليه بخلاف الأول الفاقد للتعيين باعتبار صلاحية الوقت لكل منهما. هذا و في المسالك نسبة القول بالصحة في الأول الى ابن أبى عقيل و جماعة تبعا للكركي. و (فيه): ان ابن عقيل و

ان قال بصحة الإحرام بالحج و العمرة في نية واحدة بشرط سياق الهدى لكن لا يقول بالتخيير بل يقول بوجوب العمرة أولا ثم الحج و انه لا يحل من العمرة بعد الإتيان بأفعالها و انما يحل بعد الإتيان بأفعال الحج و على كل حال فليس في خبر يعقوب بن شعيب دلالة على جواز الإحرام بهما قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام فقلت: كيف ترى لي ان أهل؟ فقال:

ان شئت سميت و ان شئت لم تسم شيئا، فقلت: كيف تصنع أنت؟ قال: اجمعهما، فأقول لبيك بحجة و عمرة معا، ثم قال: أما انى قلت لأصحابك غير هذا «1» لان الظاهر ارادة حج التمتع الذي دخلت العمرة فيه الى يوم القيامة. إلخ) و قال في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه) (و لو أحرم بالحج و العمرة و كان في أشهر الحج كان مخيرا. إلخ) القول بالتخيير في هذه الصورة منقول عن الشيخ

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 17- من أبواب الإحرام: حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 371

رحمه اللّه تعالى في الخلاف و هو ضعيفة جدا لأن المنوي أعني وقوع الإحرام الواحد للحج و العمرة معا لم يثبت جوازه شرعا فيكون التعبد به باطلا و غيره لم يتعلق به النية. إلخ) تحقيق الكلام في هذه المسألة هو انه لو نوى في إحرام واحد ان يكون لكلا الواجبين معا فبناء على الجزئية لا ينبغي الإشكال في بطلانه مطلقا و وجهه واضح، و أما بناء على الشرطية فلا ينبغي الإشكال في صحته، لانه بناء عليه و ان كان يشترط في صحته نية نوع خاص لعدم كونه مطلوبا نفسيا الا انه ضم قصد نوع أخر في

حال النية لا يوجب بطلانه فيكون الإحرام بناء عليه صحيحا فتدبر.

[مسألة 8 لو نوى كإحرام فلان]

قوله قده: (لو نوى كإحرام فلان فان علم انه لما ذا أحرم صح. و ان لم يعلم فقيل بالبطلان، لعدم التعيين، و قيل بالصحة، لما عن على (عليه السلام) و الأقوى الصحة، لأنه نوع تعيين. نعم، لو لم يحرم فلان أو بقي على الاشتباه فالظاهر البطلان و قد يقال:

أنه في مقام الاشتباه يتمتع، و لا وجه له، الا إذا كان في مقام يصح له العدول الى التمتع)

أما صحة إحرامه مع علمه بان فلانا لما ذا أحرم فلا ينبغي الإشكال فيه و في الجواهر في شرح قول المحقق «طاب ثراه»: [و لو قال كإحرام فلان و كان عالما بماذا أحرم صح] بلا خلاف و لا اشكال لوجود المقتضى من النية و التعيين و عدم المانع) و ما أفاده بقوله: (و قيل بالصحة لما عن على «عليه السلام») قال في الجواهر: (قيل: و القائل الشيخ و الفاضل في محكي المنتهى و التذكرة يصح) و استدل لذلك بما رواه معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم انزل اللّه عليه [وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالًا وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ] «1» فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم بأن رسول اللّه يحج من عامه هذا، فعلم به من حضر المدينة و أهل العوالي و الاعراب، فاجتمعوا، فحج رسول اللّه و انما كانوا تابعين ينتظرون

______________________________

(1) سورة الحج الآية 23

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 372

ما يؤمرون به فيتبعونه أو يصنع شيئا فيصنعونه. الى ان قال فيه:

ان عليا (عليه السلام) قدم من اليمن على رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و هو بمكة، فدخل على فاطمة و هي قد أحلت. الى أن قال فيه: و أنت يا على بما أهللت؟ قال (عليه السلام): قلت: يا رسول اللّه إهلالا كإهلال النبي، فقال له رسول اللّه: كن على إحرامك مثلي و أنت شريكي في هديي. إلخ «1» و نحوه ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» لانه ذكر فيه انه قال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»: يا على بأي شي ء أهللت؟ فقال: أهللت بما أهل النبي «صلى اللّه عليه و آله» فقال: لا تحل أنت، فأشركه في الهدى، و جعل له سبعا و ثلاثين و نحر رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله و سلم». إلخ «2» و لكنه كما ترى لا يمكن الاستدلال به على ذلك لان ظاهر قوله في صحيح معاوية بن عمار: «أنت شريكي في هديي» و في صحيح الحلبي: «فأشركه في الهدى» هو عدم سوقه المانع من نية القرآن، و على فرض التسليم فالحكم مختص به، لان مجرد نية الإحرام كإحرام النبي مع عدم سوقه الهدى لا يوجب اشتراكه في هديه- كما هو واضح- بل عن الفقيه و كان النبي «صلى اللّه عليه و آله» ساق معه مأة بدنة فجعل لعلى «عليه السلام» منها أربعا و ثلاثين و لنفسه ستا و ستين و نحرها كلها بيده الى أن قال: و كان على «عليه السلام» يفتخر على الصحابة، و يقول: من فيكم مثلي، و أنا شريك رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» في هديه، من فيكم مثلي و أنا الذي ذبح رسول اللّه هديي

بيده «3» مضافا الى ان المذكور في ذيل صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (و كان الهدي الذي جاء به رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أربعا و ستين أو ستا و ستين و جاء على «عليه السلام» بأربعة و ثلاثين أو ست و ثلاثين فنحر رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» ستا و ستين، و نحر على «عليه السلام»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 2- من أبواب أقسام الحج حديث: 4

(2) الوسائل ج 2- الباب 2- من أبواب أقسام الحج حديث: 14

(3) ذكر في الجواهر: (ج 3 ص 365)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 373

أربعا و ثلاثين بدنة. إلخ) و كذلك في خبر الفضل بن الحسن الطبرسي في إعلام الورى و ذكر فيه أنه خرج رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» متوجها الى الحج في السنة العاشرة لخمس بقين من ذي القعدة و أذن في الناس بالحج فتهيأ الناس للخروج معه و أحرم من ذي الحليفة و أحرم الناس معه، و كان قارنا للحج ساق ستا و ستين بدنة، و حج على «عليه السلام» من اليمن و ساق معه أربعا و ثلاثين بدنة، و خرج بمن معه من العسكر الذي أصحبه إلى اليمين فلما قارب رسول اللّه مكة من طريق المدينة قاربها على «عليه السلام» من طريق اليمن، فتقدم الجيش الى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» فسر بذلك و قال له: بما أهللت يا على؟ فقال له يا رسول اللّه: انك لم تكتب لك الى بإهلالك فقلت: هلالا كإهلال نبيك فقال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أنت شريكي في حجى و مناسكي فأقم على إحرامك و عد الى

جيشك و عجل بهم الى حتى نجتمع بمكة «1» و أنت ترى ان مقتضاه ان على «عليه السلام» كان ناويا للقرآن و ساق الهدى كما نواه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و ساق الهدى فعليه لم يكن إجمال في نية على «عليه السلام» فلا ربط لهذه الاخبار بالمقام كي يتم الأخذ بها بل بعد الغض عن ذلك نقول: انه يمكن أن يقال: ان المقصود من قوله «عليه السلام»:

[كاهلالك] أى أهللت بالحج، لأن المتعة إنما شرعت في حجة الوداع بعد وصول النبي إلى مكة فرسول اللّه انما كان محرما بالحج و كذا كل من كان معه فعلى عليه السلام إنما أحرم بالحج كما أحرم رسول اللّه فإذا ساق الهدى، كما هو المستفاد من بعض الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» كان حجه قرانا و الا فيكون أفرادا، فلا إجمال في ما نواه أصلا. و من هنا ظهر ضعف ما في المدارك حيث قال: (و انما الخلاف في الصحة مع الجهل و الأصح صحته ايضا لما صح عن الصادق «عليه السلام» انه قال: ان أمير المؤمنين علي «عليه السلام» لما قدم من اليمن أحرم كذلك و لم يكن عالما بما أحرم به النبي) ثم انه لا بأس بذكر

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب أقسام الحج حديث: 32

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 374

ما في الجوار قال قدس سره بعد ذكر صحيح الحلبي و صحيح معاوية بن عمار المتقدمين:

(. انهما غير صريحين و لا ظاهرين في جهله بما أحرم به النبي «صلى اللّه عليه و آله» و لا في أنه نوى كذلك لاحتمالهما أن يكون نوي حج القران كما نواه النبي صلى اللّه عليه

و آله بل لعل (قلت) في الأخير بمعنى: (لفظت، أو نويت) بل ربما قيل (أن إهلالا) مفعوله. إلخ) ثم أن ما أفاده المصنف «قدس سره» من البطلان في صورة ما لو لم يحرم فلان فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لعدم الموضوع- كما هو واضح- ثم أن ما أفاده بقوله (و قد يقال أنه. إلخ) قال في المدارك بعد نقل كلامه المتقدم: (قال في محكي الخلاف: إذا أحرم كإحرام فلان و تعين له ما أحرم به عمل عليه و ان لم يعلم حج متمتعا) و (فيه):

ما أفاده صاحب الجواهر: (أن العدول يسوق في حج الإفراد خاصة إذا لم يكن متعينا عليه على أن العدول على خلاف القواعد و الثابت منه حال معلومية المعدول عنه لا مشكوكيته فيه. إلخ

[مسألة 9 لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره بطل]

قوله قده: (لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره بطل)

بلا كلام في ذلك

[مسألة 10 لو نوى نوعا و نطق بغيره كان المدار على ما نوى]

قوله قده: (لو نوى نوعا و نطق بغيره كان المدار على ما نوى دون ما نطق)

ما أفاده «قدس سره» هو الصواب لأن العبرة انما تكون بالنية دون النطق و هو مقتضى القاعدة و لا يبعد دلالة خبر على بن جعفر عليه و هو ما عنه عن موسى بن جعفر «عليه السلام» قال: سألته عن رجل أحرم قبل التروية فأراد الإحرام بالحج يوم التروية فأخطأ فذكر العمرة؟ قال «عليه السلام»: ليس عليه شي ء فليعتد الإحرام بالحج «1».

[مسألة 11 لو كان في أثناء نوع و شك في أنه نواه أو نوى غيره]

قوله قده: (لو كان في أثناء نوع و شك في أنه نواه أو نوى غيره بنى على انه نواه).

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لقاعدة التجاوز التي قد مر تفصيل الكلام فيها في الأصول

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 22 من أبواب الإحرام حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 375

[مسألة 12 يستفاد من جملة من الاخبار استجاب التلفظ بالنية]

قوله قده: (يستفاد من جملة من الاخبار استجاب التلفظ بالنية، و الظاهر تحققه بأي لفظ كان، و الاولى أن يكون بما في صحيحة معاوية بن عمار و هو أن يقول:

[اللهم أني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك «صلى اللّه عليه و آله» فيسر ذلك لي، و تقبله منى، و أعنى عليه، فان عرض شي ء يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على، اللهم ان لم تكن حجة فعمرة أحرم لك شعري و بشرى و لحمي و دمي و عظمي و مخي و عصبي من للنساء و الطيب أبتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة]

روى عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» أنه قال: لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة، أو نافلة، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و ان كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرها، فإذا انفتلت، من الصلاة فاحمد اللّه، و اثن عليه، و صلى على النبي «صلى اللّه عليه و آله» و تقول: [اللهم انى أسئلك أن تجعلني ممن استحباب لك، و آمن بوعدك، و اتبع أمرك، فإني عبدك و في قبضتك الا أوقى الا ما وقيت و لا أخذ إلا ما أعطيت، و قد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك، و سنة نبيك «صلى اللّه عليه و

آله». الى ان قال: [اللهم فتمم لي حجتي و عمرتي اللهم انى أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك فان عرض لي عارض. الى أخر ما في المتن «1» ثم يشير قدس سره بالأخبار إلى صحيح حماد بن عثمان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: قلت له: انى أريد التمتع بالعمرة إلى الحج فكيف أقول؟ فقال: تقول:

[اللهم أنى أريد أن أتمتع بالعمرة الي على كتابك و سنة نبيك] و أن شئت أضمرت الذي تريد «2» و خبر أبى الصلاح مولى بسام الصيرفي، قال: أردت الإحرام بالمتعة فقلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: كيف أقول، قال: تقول: [اللهم انى أريد التمتع بالعمرة الى

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 16 من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الإحرام حديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 376

الحج]. إلخ «1» و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا أردت الإحرام بالتمتّع، فقل: [اللّهم أنى أريد ما أمرت به من التّمتع بالعمرة إلى الحجّ فيسر ذلك لي، و تقبّله منّى، و أعنّى عليه، و حلّني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت على، أحرم لك شعري و بشرى من النّساء و الطيّب و الثّياب] «2». ثم أن ما أفاده المصنف بقوله (بأي لفظ كان) فلأجل أن الاخبار كما ترى مختلفة و بذلك يستكشف عدم خصوصية في لفظ بعينه ثم انه ما أفاده (و الاولى أن يكون بما في صحيحة ابن عمار) فلم يظهر وجه ذلك فبعد يحتاج إلى التأمل.

[مسألة 13 يستحب ان يشترط عند إحرامه على اللّه ان يحله إذا عرض مانع]
اشارة

قوله قده (يستحب ان يشترط عند إحرامه على اللّه ان يحله إذا عرض مانع من إتمام نسكه من

حج أو عمرة، و ان يتمم إحرامه عمرة إذا كان للحج و لم يمكنه الإتيان، كما يظهر من جملة من الاخبار)

هذا هو المعروف بين الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم قديما و حديثا قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصا و فتوى نعم أنكره جماعة من العامة) و يشير (قدس سره) بالأخبار إلى خبر أبى الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام»: عن الرجل يشترط في الحج كيف يشترط؟ قال (عليه السلام): يقول حين يريد ان يحرم: (ان حلّني حيث حبستني فإن حبستني فهي عمرة «3» و خبر فضيل بن يسار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربّه أن يحلّه حيث حبسه و مفرد الحج يشترط على ربه ان لم تكن حجة فعمرة «4». و خبر حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: إذا أتيت مسجد الشجرة فافرض، قلت: و أي شي ء الفرض؟ قال: تصلى ركعتين ثم تقول:

[اللّهم أنى أريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فإن أصابني قدرك فحلّني حيث حبستني بقدرك]. إلخ «5»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 17- من أبواب الإحرام حديث 2

(2) الوسائل (ج) 2 الباب 16 من أبواب الإحرام حديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الإحرام حديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الإحرام حديث 2

(5) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الإحرام حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 377

[اختلفوا في فائدة هذا الاشتراط]

قوله قده: (و اختلفوا في فائدة هذا الاشتراط فقيل: انها سقوط الهدى، و قيل انها تعجيل التحلل و عدم انتظار بلوغ الهدي محله، و قيل: سقوط الحج من قابل، و

قيل أن فائدته إدراك الثواب، فهو مستحب تعبدي، و هذا هو الأظهر، و يدل عليه قوله «عليه السلام» في بعض الاخبار: هو حل حيث حبسه اشترط أو لم يشترط. إلخ)

اختلفت كلمات الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في فائدة هذا الاشتراط على أقوال (الأول): ان فائدته سقوط الهدى، و هو المحكي عن الانتصار و السرائر و الجامع و التحرير و المنتهى و التذكرة و غيرها و استدل له بصحيح ذريح المحاربي الآتي.

(الثاني): ان فائدته جواز التحلل من غير تربص الى ان يبلغ الهدى محله فإنه ان لم يشترط لم يجز له التعجيل، و هو ظاهر المحقق (طاب ثراه) في الشرائع، و صريحه في النافع حيث قال في الأول على ما في الحدائق: (الرابعة إذا اشترط في إحرامه ان يحله حيث حبسه ثم أحصر تحلل، و هل يسقط الهدى؟ قيل: نعم، و قيل لا، و هو الأشبه، و فائدة الاشتراط جواز التحلل عند الإحصار و قيل: بجواز التحلل من غير شرط و الأول أظهر) و في الثاني (و لا يسقط هدى التحلل بالشرط بل فائدته جواز التحلل المحصور من غير تربص) على ما نقل في المدارك و حكى عن الخلاف و المبسوط و المهذب في المحصور و الوسيلة في المصدود و غيرها و استشهد له بصحيحة معاوية بن عمار و بخبر عبد اللّه بن عمار الآتي.

(الثالث): ان فائدة هذا الشرط سقوط الحج عنه في العام القابل، و هو المحكي عن الشيخ «قدس سره» في التهذيب و استدل عليه بصحيح ضريس بن أعين الآتي (الرابع). ان فائدة هذا الشرط ادراك الثواب بذكره في عقد الإحرام، و هو خيرة الشهيد الثاني «رحمه اللّه تعالى» في جملة من مصنفاته قال

في المسالك بعد ذكر الفوائد الثلاث المذكورة: (و كل واحدة من هذه الفوائد لا تأتى على جميع الأفراد التي يستحب فيها الاشتراط، اما سقوط الهدى فمخصوص بغير السائق إذ لو كان قد ساق هديا لم يسقط، و أما تعجيل التحلل فمخصوص

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 378

بالحصر دون الصد، و أما كلام التهذيب فمخصوص بالتمتع، و ظاهر أن ثبوت التحلل بالأصل و العارض لا مدخل له في شي ء من الأحكام، و استحباب الاشتراط ثابت لجميع أفراد الحج، و من الجائز كونه تعبدا أو دعاء مأمورا به يترتب على فعله الثواب و تبعه المصنف قدس سره و استدل له بمصحح زرارة و خبر حمزة بن مهران الآتي.

قال في المدارك بعد نقل الأقوال المذكورة: (و الذي يقتضيه النظر ان فائدته سقوط التربص عن الحصر، كما يستفاد من قوله «عليه السلام»: [و حلني حيث حبستني] و سقوط الهدى عن المصدود، لما ذكرناه من الأدلة مضافا الى ضعف دليل وجوبه بدون الشرط- كما سنبينه في محله- بل لا يبعد سقوطه مع الحصر ايضا- كما ذهب اليه المرتضى و ابن إدريس- و لا ينافي ذلك قوله «عليه السلام» في حسنة زرارة: (هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط). لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين و نحن نقول به، و لا يلزم من ذلك تساويهما من كل وجه، فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط و لزومه بدونه و اللّه تعالى أعلم بحقائق أحكامه).

قال في الحدائق بعد نقل كلام المدارك: (أقول لا يخفى أن الظاهر من حسنة زرارة المذكورة الدالة على انه حل إذا حبسه شرط أو لم يشترط، و مثلها ما رواه في

الفقيه عن حمزة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الذي يقول: حلني حيث حبستني؟ فقال: هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل و رواه مثله عن حمران بن أعين انما هو التحلل بمجرد الحبس الذي هو عبارة عن الصد و الحصر و هو بالنسبة إلى المصدود ظاهر لما دلت عليه الاخبار. مضافا: الى اتفاق أكثر الأصحاب من انه يتحلل بذبح الهدى في مكانه. أما المحصور الذي دلت الأخبار المعتضدة بكلام الأصحاب على انه لا يتحلل حتى يبلغ الهدى محله من منى ان كان في حج، و مكة ان كان في عمرة، و مع هذا يبقى عليه تحريم النساء الى ان يأتي بالمناسك في العام القابل ان كان الحج واجبا أو طواف النساء ان كان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 379

مستحبا كما سيأتي «ان شاء اللّه تعالى» جميع ذلك مفصلا في بابه فكيف يصدق عليه أنه حل حيث حبسه شرط أو لم يشترط، إذ المتبادر من هذه العبارات انما هو حل بمجرد الحبس من غير توقف على أمر آخر و هو في المحصور مع عدم الاشتراط ليس كذلك، و أما مع الاشتراط فيبني على الخلاف. و بالجملة فظاهر الخبرين المذكورين بناء على ما عرفت لا يخلو من الاشكال، و بذلك يظهر لك ما في قوله: [لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين] و نحن نقول به فان فيه انه إذا أراد ثبوت التحلل مع الحبس بالنسبة إلى الحصر بمجرد الحبس و ان كان مع عدم الشرط فهو لا يقول به و لا غيره، و ان أراد في الجملة و لو بعد بلوغ الهدى محله فهو

خلاف ظاهر الخبر المذكور و كذا الخبر الآخر و الظاهر ايضا من اخبار هدى المحصور ان الغرض منه انما هو التحلل به و ان كان صاحبه يبقى على إحرامه إلى يوم الوعد بينه و بين أصحابه ثم يحل في الساعة التي و أعدهم و حينئذ فإن كان مجرد الحبس للحل- كما هو ظاهر الروايتين المذكورتين- فلا وجه للهدي حينئذ لأن الغرض من الهدى بمعاونة الأخبار المشار إليها انما هو التحلل و هو قد تحلل بمجرد الحبس- كما دل عليه الخبران المذكوران- و بذلك يظهر ما في قوله «قدس سره»:

(فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط و لزومه بدونه) بل لا فرق بينهما بظاهر الخبرين المشار إليهما، و العجب انه تبعه على هذه المقالة جمع ممن تأخر عنه منهم الفاضل الخراساني في الذخيرة و المحدث الكاشاني في الوافي و لم ينتبهوا لما فيه من الاشكال المذكور و بالجملة فالمسألة عندي من جهة هذين الخبرين محل اشكال و اللّه العالم).

و التحقيق: ان الاشتراط بما ورد من أنه يحله حيث حبسه يفيد عدم وجوب هدى عليه في غير القارن إذا أحصر، و ذلك لصحيح ذريح المحاربي عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل متمتع بالعمرة إلى الحج و أحصر بعد ما أحرم كيف يصنع؟ قال: فقال: أو ما اشترط على ربه قبل ان يحرم ان يحله من إحرامه عند

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 380

عارض عرض له من أمر اللّه تعالى؟ فقلت: بلى قد اشترط ذلك، قال: فليرجع إلى أهله حلالا لا إحرام عليه، أن اللّه أحق من و في بما اشترط عليه، قال: قلت: أ فعليه الحج من قابل؟

قال: لا «1» فان قوله عليه السلام: (فليرجع إلى أهله حلالا) كالصريح فيما ذكرنا و حمله على تعجيل التحلل بالذبح في مكانه خلاف الظاهر جدا، و لكنه يعارضه عدة من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- ما رواه أحمد بن محمد بن أبى نصر قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن محرم انكسرت ساقه أي شي ء يكون حاله و أي شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كل شي ء فقلت من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم ثم قال: أما بلغك قول أبي عبد اللّه «عليه السلام» حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت؟ قلت: أصلحك اللّه ما تقول في الحج؟ قال: لا بد من ان يحج من قابل فقلت: أخبرني عن المحصور و المصدور هما سواء فقال: لا قلت: فأخبرني عن النبي صلى اللّه عليه و آله حين صده المشركون قضى عمرته؟ قال: لا و لكن اعتمر بعد ذلك «2» و (فيه): ان هذا الحديث- كما ترى- تدل على حلية مطلق المحرمات حتى النساء بالحصر و هذا مما لم يفت به أحد من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و أعرضوا عنه فلا عبرة به، لخروجه بإعراضهم عنه عن حين دليل الحجية و الاعتبار.

2- ما روى في الجواهر عن عامر بن عبد اللّه بن جذاعة المروي عن الجامع من كتاب المشيخة لابن محبوب في رجل خرج معتمرا فاعتل في بعض الطريق و هو محرم؟ قال ينحر بدنة و يحلق رأسه و يرجع الى رحله و لا يقرب النساء فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما، فإن برأ من مرضه اعتمر ان كان لم يشترط على ربه في إحرامه و ان

كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر الا ان يشاء فيعتمر و يجب ان يعود للحج الواجب المستقر و للأداء

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 24 من أبواب الإحرام حديث: 3

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب الإحصار و الصد: حديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 381

ان استمرت الاستطاعة في قابل و العمرة الواجبة كذلك في الشهر الداخل و ان كانا متطوعين فهما بالخيار، و (فيه): انه ضعيف سندا فلا يصار اليه.

3- ما رواه موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل أحصر فبعث بالهدي فقال: يوعد أصحابه ميعادا فان كان في حج فمحل الهدى يوم النحر و ان كان يوم النحر فليقصر من رأسه و لا يجب عليه الحلق حتى يقضى مناسكه، و ان كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة يعدهم فيها فإذا كان تلك الساعة قصر و أحل و ان كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع الى أهله رجع و نحر بدنة أن أقام مكانه و ان كان في عمرة فإذا برأ فعليه العمرة واجبة و ان كان عليه الحج فرجع الى أهله و اقام ففاته الحج كان عليه الحج من قابل، فان ردوا الدراهم عليه و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد أحل لم يكن عليه شي ء و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا، و قال: ان الحسين بن علي «عليه السلام» خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا ذلك و هو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا و هو مريض فقال: يا بنى ما تشتكي؟ فقال:

اشتكى رأسي فدعا على «عليه السلام»

ببدنة فنحرها و حلق رأسه و رده الى المدينة فلما برأ من وجعه اعتمر «1» و رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان و ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار الا انه ترك منه حكم رد الدراهم عليه و كيف كان للحديث المزبور ذيل و هو: فقلت: أ رأيت حين برا من وجعه أحل له النساء؟ فقال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفاء و المروة، نقلت: فما بال النبي «صلى اللّه عليه و آله» حين رجع الى المدينة حل له النساء و لم يطف بالبيت؟ فقال: ليس هذا، مثل هذا، النبي (صلى اللّه عليه و آله) كان مصدودا، و الحسين

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب الإحصار و الصد: حديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 382

(عليه السلام) كان محصورا «1». وجه المعارضة (دعوى): ان الحسين (عليه السلام) كان قد اشترط في إحرامه، و ذلك لانه لا يترك المستحب و مع ذلك نحر الهدى. و (فيه):

انه لا دليل على انه «عليه السلام» لا يترك المستحب.

4- ما رواه على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن حماد بن عثمان، عن زرارة، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط «2» 5- ما رواه ابن بكير عن حمزة بن بكران قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الذي يقول: حلني حيث حبستني؟ قال: هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل «3» فان مقتضى إطلاق هذين الحديثين- كما ترى- عدم وجوب الهدى على المشترط

و غيره لكن التحقيق ان إطلاقهما مقيد فان حكمه «عليه السلام» بالحلية لا ينافي ثبوت توقفها على الهدى بدليل منفصل فإنه قد ورد النص على لزوم الهدى في مطلق المحصور- كما مضى من صحيح معاوية بن عمار و غيره- خرج عن هذا الإطلاق المشترط لما مضى من صحيح ذريح المحاربي الدال على عدم وجوب الهدى عليه و بقي الباقي فتدبر ثم أنه استدل للقول بأن فائدة الشرط سقوط الحج من قابل بصحيح ضريس بن أعين قال: سألت أبا جعفر «عليه السلام» عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر؟ فقال: يقيم على إحرامه و يقطع التلبية حتى يدخل مكة فيطوف، و يسعى بين الصفاء و المروة: و يحلق رأسه و ينصرف إلى اهله ان شاء، و قال: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه فان لم يكن اشترط فان عليه الحج من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الإحصار الصد حديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الإحرام حديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الإحرام حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 383

قابل «1» و فيه: ما لا يخفى أما (أولا): فلأنه وارد في المتمتع الذي لم يدرك الموقفين فلا بد من الاقتصار على مورده و لا يمكن التعدي عن مورده الى غيره، لان التعدي يحتاج الى تنقيح المناط القطعي، و هو غير ممكن في الشرعيات و (ثانيا): انه لا عبرة به أصلا لأجل إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عنهم» عنه.

ثم انه قد تقدم في ذيل صحيح ذريح المحاربي الوارد في المشترط نفى ثبوت الحج عليه من قابل قال فيه السائل: (قلت فعليه

الحج من قابل قال لا) و لكن تعارضه جملة من النصوص الواردة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- ما رواه سهل عن ابن أبى نصر عن رفاعة عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال سألته عن الرجل يشترط و هو ينوي المتعة فيحصر هل يجزيه ان لا يحج من قابل؟ قال: يحج من قابل و الحاج مثل ذلك إذا أحصر الحديث «2» 2- ما رواه حمزة بن مهران انه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام): عن الذي يقول حلني حيث حبستني؟ فقال: هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل و لا يسقط الاشتراط عنه الحج من قابل «3» 3- ما رواه موسى بن القسم عن ابن ابى عمير عن عبد اللّه بن مسكان عن ابى بصير يعنى ليث بن البختري قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الرجل يشترط الحج ان يحله حيث حبسه عليه الحج من قابل؟ قال: نعم «4».

4- ما رواه محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام و عن فضالة عن ابن أبى عمير عن رفاعة عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) انهما قالا: القارن يحصر و قد قال: و اشترط فحلني حيث حبستني؟ قال: يبعث بهديه، قلنا، هل يتمتع في قابل؟ قال: لا، و لكن

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 27 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب 8- من أبواب الإحصار و الصد حديث: 2

(3) الوسائل ج 2- الباب 8- من أبواب الإحصار و الصد حديث: 3

(4) الوسائل ج 2- الباب 8- من أبواب الإحصار و الصد حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 384

يدخل في مثل ما خرج منه «1».

5- ما رواه محمد بن الفضيل

عن أبى الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الرجل يشترط في الحج كيف يشترط؟ قال: يقول: حين يريد ان يحرم ان حلني حيث حبستني فإن حبستني فهي عمرة، فقلت له: فعليه الحج من قابل؟ قال:

نعم «2» و قال صفوان و قد روى هذه الرواية عده من أصحابنا كلهم يقولون: ان عليه الحج من قابل و مقتضي الجمع بين هذه الاخبار و صحيح ذريح المحاربي المتقدم الدال على عدم وجوب الحج من قابل هو ان المقصود من هذه الاخبار ان الاشتراط لا يسقط عنه الحج الواجب و المقصود من صحيح ذريح المحاربي إن صيرورته محصورا و محروميته من إتمام الحج من حيث هي لا توجب وجوب الحج عليه من قابل، فالنتيجة هي التفصيل بين من استقر عليه الحج أو بقيت استطاعته الى العام القابل فيجب عليه الحج و من لم يستقر عليه الحج و لم يبق له الاستطاعة إلى العام القابل أو كان قد أتى بالحج سابقا فلا يجب عليه الحج- كما هو مقتضى القاعدة- و هو المستفاد مما تقدم من خبر عامر بن عبد اللّه فتأمل.

[الثاني التلبيات الأربع]
اشارة

قوله قده: (الثاني: من واجبات الإحرام التلبيات الأربع. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدّس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا قال في الجواهر (بلا خلاف في أصل وجوبها في الجملة، بل الإجماع بقسميه عليه. الى ان قال: بل عن المنتهى و التذكرة: الإجماع على عدم وجوب الزائد، بل عن الأول منهما: «انه إجماع أهل العلم). و في الحدائق: فلا ينعقد الإحرام لمتمتع و لا لمفرد الا بها، و هو مما وقع الإجماع عليه نصا و فتوى).

قوله قده: (و القول بوجوب الخمس أو الست ضعيف بل

ادعى جماعة الإجماع

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 4- من أبواب الإحصار و الصد حديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الإحرام حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 385

على عدم وجوب الأزيد من الأربع).

قد نقل الأول- و هو وجوب الخمس- صاحب الجواهر «قدس سره» عن الاقتصار حيث قال بعد نقل كلامه المتقدم: (لكن عن الاقتصار يلبى فرضا واجبا، فيقول: [لبيك اللهم لبيك لبيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك، بحجة أو عمرة أو بحجة مفردة تمامها عليك لبيك] و ان أضاف الى ذلك ألفاظا مروية من التلبيات كان أفضل) قد نقل الثاني- و هو وجوب الست- بقوله:

(بل عن المهذب البارع ان فيها قولا آخر، و هو الست، و ان كنا لم تتحققه كما انا لم تتحقق القول بالخمس الا لمن عرفت، مع انه محجوج بما سمعت من الإجماع بقسميه و ما تسمعه من النصوص. نعم، في بعض النصوص الزيادة على ذلك، الا انها محمولة بقرينة ما عرفت على ضرب من الندب- كما صرح به في بعضها. إلخ) و كيف ما كان يظهر بيان ما هو المختار في ذيل المسألة.

قوله قده: (و اختلفوا في صورتها على أقوال: (الأول): ان يقول: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك)

قال في المستند: [و هو المحكي عن المقنعة على ما نقله بعض الأجلة، و في الشرائع و النافع و المختلف و المسالك و المدارك و الذخيرة و الكف، و غير واحد من المتأخرين، و يميل إليه في المنتهى (بل في التحرير على ما نقله و هو ظاهر ثقة الإسلام).

قوله قده: (الثاني: ان يقول بعد العبارة المذكورة: [ان الحمد و النعمة لك و

الملك لا شريك لك])

و هو المحكي عن رسالة على بن بابويه و بعض نسخ المقنعة و القديمين و الأمالي و الفقيه و المقنع و الهداية و ظاهر المختلف على ما في الجواهر و يظهر وجهه في ذيل البحث.

قوله قده: (الثالث: أن يقول: لبيك اللهم لبيك لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك).

و هو المحكي عن التبصرة و المعتبر و غيرها.

قوله قده: (الرابع: كالثالث الا انه يقول: ان الحمد و النعمة و الملك لك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 386

لا شريك لك لبيك، بتقديم لفظ: و الملك على لك

و في الجواهر: (و كذا عن جمل السيد و شرحه و المبسوط و السرائر و الكافي و الغنية و الوسيلة و المهذب. الى ان قال: و عن النهاية و الإصباح ذكره بعده و قبله جميعا، و لا ريب في ان الأول أظهر، لقول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية بن عمار و صحيحة) و نذكره بعد قول المصنف الآتي

قوله قده: (و الأقوى هو القول الأول كما هو صريح معاوية بن عمار و الزوائد مستحبة، و الاولى التكرار بالإتيان بكل من الصور المذكورة بل يستحب ان يقول كما في صحيح معاوية بن عمار: (لبيك اللهم لبيك لبيك. إلخ)

و يشير «قدس سره» الى ما روى معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: التلبية أن تقول: [لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك لبيك ذا المعارج لبيك. الى ان قال: تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة و نافلة، و حين ينهض بك بعيرك إذا علوت شرفا،

أو هبطت و أديا، أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك و بالأسحار و أكثر ما استطعت، و اجهر بها، و ان تركت بعض التلبية فلا يضرك غير ان تمامها أفضل. و اعلم: انه لا بد من التلبيات الأربع التي كن في أول الكلام و هي الفريضة و هي التوحيد و بها لب المرسلون، و أكثر من ذي المعارج فان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) كان يكثر منها و أول من لبى إبراهيم (عليه السلام) قال ان اللّه عز و جل:

يدعوكم الى ان تحجوا بيته فأجابوه بالتلبية، و لم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل و لا بطن امرأة إلا أجاب بالتلبية «1» و رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير و عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان و ابن أبى عمير جميعا عن معاوية بن عمار الا انه ترك: لبيك غفار الذنوب و لبيك أهل التلبية و لبيك تستغني و لبيك إله الحق و لبيك ذا النعماء و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله وجه الدلالة هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 40- من أبواب الإحرام: حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 387

قوله (عليه السلام): (و اعلم انه لا بد لك من التلبيات الأربع التي كن أول الكلام و هي الفريضة) فلا يكون قوله: (ان الحمد و النعمة لك. إلخ) واجبا بل يكون داخلا في التلبيات المستحبة، و كيف كان و في صراحة هذا الحديث فيما ذهب اليه المصنف «قدس سره» من القول الأول- و هو ان يقول: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك- نظر لاحتمال

كون المراد من التلبيات الأربع ما قبل الخامسة بأن تكون جملة: ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك). جزء للصيغة الواجبة و تكون هي المسماة بالتلبيات الأربع، بل يدل على ذلك صحيح عاصم بن حميد، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: أن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لما انتهى الى البيداء حيث الميل قربت له ناقة فركبها فلما انبعثت به لبى بالأربع فقال: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد و النعمة و الملك لك لا شريك لك، ثم قال: ها هنا يخسف بالأخابث ثم قال: ان الناس زادوا و هو حسن «1» هذا بناء على النسخة التي ليس فيها بعد قوله: [ (لا شريك لك)] كلمة: [ «لبيك»] و اما بناء على ثبوتها بعده فلا يدل على ذلك- كما هو واضح- بل يكون من هذه الجهة مجملة كصحيحة معاوية بن عمار المتقدم فالتحقيق: حمل ذكر هذه الجملة على الاستحباب، بقرينة انتفائها في صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد تقول: [لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك ذا المعارج، لبيّك لبيّك بحجة تمامها عليك] و اجهر كلما ركبت و كلما نزلت و كل ما هبطت واديا، أو علوت أكمة، أو لقيت راكبا و بالأسحار «2» قال في المدارك: (و لا ريب ان اضافة قوله: (ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك) الى التلبيات الأربع: أولى و أحوط لاحتمال دخولها في الأربع كما يشعر به قوله:

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 36- من أبواب الإحرام

حديث: 6

(2) الوسائل ج 2- الباب- 40 من أبواب الإحرام: حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 388

(و أكثر من ذي المعارج) إذ ربما لاح منه ان ما قبله متعين «لو ورد هذا اللفظ في كثير من الاخبار الصحيحة المتضمنة لبيان كيفية التلبية، كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «ع» قال: لما لبى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قال: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك ذا المعارج لبيك و كان يكثر من ذي المعارج.

إلخ) «1» و بما ذكر ظهر مستند القولين الأولين و اما (القول الثالث): فلم نقف له على مستند و كذلك باقي الأقوال و قال صاحب الجواهر «قدس سره» في ذيل المبحث: (و اما القول الثالث على كثرة القائل به بل في الدروس: «انه أتم الصور و ان كان الأول مجزيا و الإضافة إليه أحسن فلم أظفر له بخبر، كما اعترف به غير واحد، لا من الصحيح و لا من غيره، في الكتب الأربعة و لا في غيرها. لا بتقديم لك على الملك و لا تأخيره و لا ذكر مرتين قبله و لا بعده) قال في المدارك (و أما القول الثالث فلم نقف له على مستند مع شهرته بين الأصحاب و قد ذكره العلامة في المنتهى مجردا عن الدليل ثم نقل ما اختاره المصنف (رحمه اللّه تعالى) و قال: «و هو الذي دلت عليه حديث معاوية بن عمار الصحيح» و قال في المختلف بعد أن أورد الأقوال في المسألة من غير احتجاج بشي ء منها: «و الأقرب عندي ما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن

الصادق (عليه السلام) و نقل الرواية المتقدمة ثم قال: «و هو أصح حديث رأيناه في هذا الباب»). و من العجب قول الشهيد في الدروس: (الرابع: التلبيات الأربع و أتمها لبيّك اللّهم لبيّك لبيّك ان الحمد و النّعمة لك و الملك لا شريك لك لبيّك و يجزى لبيّك اللّهم لبيّك لبيّك لا شريك لك لبيّك، و ان أضاف الى هذا: ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك كان حسنا) فان جعلها أتم الصور يقتضي قوة مستندها بالنظر الى مستند القولين الآخرين و الحال ان ما وصل إلينا من الاخبار الصحيحة و الضعيفة خال من ذلك رأسا مع صحة مستند القولين الآخرين و استفاضت الروايات بذلك و هم اعلم بما قالوه و اللّه تعالى أعلم

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 40- من أبواب الإحرام: حديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 389

بحقائق أحكامه) مراده من القولين الآخرين هو القولين الأولين المذكورين في المتن

[مسألة 14 اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح و بمراعات أداء الكلمات]

قوله قده: (اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح و بمراعات أداء الكلمات على قواعد العربية فلا يجز الملحون مع التمكن من الصحيح بالتلقين أو التصحيح)

و هو مقتضى القاعدة و الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»

قوله قده: (و مع عدم تمكنه فالأحوط الجمع بينه و بين الاستنابة. إلخ)

أما لزوم إتيانه بنفسه فللقاعدة و اما الاستنابة فيمكن ان يستدل له بخبر زرارة: ان رجلا قدم حاجا لا يحسن ان يلبى فاستفتي له أبو عبد اللّه (عليه السلام) فأمر له أن يلبى عنه فما أفاده المصنف (قدس سره) هو الصواب، لانه به يحصل له القطع بفراغ ذمته عن الواجب.

قوله قده: (و كذا لا تجزى الترجمة مع التمكن و

مع عدمه فالأحوط الجمع بينهما و بين الاستنابة)

ما أفاده (قدس سره) مما لا ينبغي الإشكال فيه أما وجه عدم إجزاء الترجمة عن الواجب مع التمكن فواضح لعدم انطباق المأتي به كذلك على المأمور به و أما ما أفاده (من ان الأحوط الجمع. إلخ) فيظهر وجهه مما تقدم

قوله قده: (و الأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه)

هذا ايضا مما لا ينبغي الإشكال فيه لقوله (عليه السلام) في خبر السكوني: ان عليا (عليه السلام) قال:

تلبية الأخرس و تشهده و قرائته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه و لا يخفى انه و ان كان ضعيفا سندا الا ان ضعفه منجبر بعمل الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) ثم انه قال بعض الفقهاء: (و مع عقد قلبه بها) و لكنه لم يذكر ذلك- كما ترى- في الخبر و لذا لم يذكره أكثر الأصحاب، و لعل عدم ذكره فيه للاكتفاء عنه بالإشارة بالإصبع التي لا يتحقق مسماها بدونه كما افاده صاحب الجواهر. الى ان قال: (بل الظاهر كون المراد منه بيان انها منه على حسب ما يبرز من غيرها من مقاصده. و لذا تركها أبو على فاقتصر على عقد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 390

القلب قال في ما حكى عنه يجزيه تحريك لسانه مع عقده إياها بقلبه. إلخ)

قوله قده: (و يلبى عن الصبي الغير المميز و عن المغمى عليه)

يدل على الأول- و هو الصبي الغير المميز- صحيح زرارة عن أحدهما قال: إذا حج بابنه و هو صغير فإنه يأمره ان يلبى و تفرض الحج فان لم يحسن ان يلبى لبوا عنه «1». و خبر زرارة المتقدم كما انه يمكن ان يقال بشمول خبر زرارة المغمى عليه فتدبر

قوله قده: (و في قوله ان الحمد. إلخ [1])

يصح ان يقرأ بكسر الهمزة و فتحها و الأولى الأول).

قوله قده، (و لبيك مصدر منصوب بفعل مقدر: أى ألب لك إلبابا بعد الباب أو لبا بعد لب أي إقامة بعد اقامة، من لب بالمكان، أو ألب: أى أنام، و الاولى كونه من لب، و على هذا فاصله لبين لك، فحذف اللام، و أضيف إلى الكاف، فحذف النون و حاصل معناه: اجابتين لك و ربما يحتمل ان يكون من لب بمعنى واجه يقال:) داري تلب دارك» أى تواجهها، فمعناه مواجهتى و قصدي لك. و اما احتمال كونه من لب الشي ء: أي خالصة فيكون بمعنى إخلاصي لك فبعيد. كما ان القول بأنه كلمه مفردة نظير: [على] و:

[لدى] فأضيفت الى الكاف فقلبت ألفه ياء لا وجه له، لان [على] و: [لدى] إذا

______________________________

[1] قال العلامة «قدس سره» في المنتهى عن بعض أهل العربية انه قال:

(من قال: «أن» بفتحها فقد خص، و من قال بالكسر فقد عم) و وجهه ظاهر، فان الكسر يقتضي تعميم التلبية و ان شاء الحمد مطلقا، و الفتح يقتضي تخصيص التلبية: أي لبيك بسبب ان الحمد لك) هذا على ما في الحدائق و في المدارك: (يجوز كسر الهمزة من: (ان الحمد) و فتحها) و في الجواهر: (يجوز كسر: «ان» على الاستيناف، و فتحها بنزع الخافض- و هو لام التعليل- و في الأول تعميم فكان أولى).

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 17 من أبواب أقسام الحج: حديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 391

أضيفا إلى الظاهر يقال فيه لبى زيد بالياء [1])

[مسألة 15 لا ينعقد إحرام إلا بالتلبية]
اشارة

قوله قده: (لا ينعقد إحرام حج التمتع و إحرام عمرته و لا إحرام حج الافراد و لا إحرام

حج العمرة المفردة إلا بالتلبية)

قد عرفت في صدر المبحث: ان مقتضى الجمع بين الاخبار هو ان الإحرام عبارة عن ان شاء الالتزام بالتروك و به يتحقق الإحرام و أما التلبية فهي دخيلة في لزومه و عدم جواز نقضه بالإتيان بمحرمات الإحرام قبل إيجابه بها فعليه أن من لم يلب كان له ارتكاب المحرمات على المحرم بدون ان يترتب عليها كفارة و الاخبار الدالة على ذلك كثيرة و قد تقدم ذكر بعضها في صدر المبحث- منها: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد

______________________________

[1] في نهاية ابن أثير: [لبيك اللهم] من التلبية: و هي إجابة المنادي: «أي إجابتي لك يا رب» و هو مأخوذ: من لب بالمكان، و ألب إذ أقام به، و ألب على كذا:

إذا لم يفارقه و لم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير: «أي إجابة بعد اجابة» و هو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت: ألب إلبابا بعد الباب و التلبية من لبيك كالتهليل من: [لا إله إلا اللّه] و قيل معناه: «اتجاهي و قصدي يا رب إليك» من قولهم: «داري تلب دارك» «اى تواجهها» و قيل معناه: «إخلاصي لك» من قولهم: «حب لباب» إذا كان خالصا محضا و منه لب الطعام و لبابه» و قال في القاموس نحو ذلك، و في محكي الصحاح: «نصب على المصدر كقولك: «حمدا للّه و شكرا» و كان حقه ان يقال: «لبالك» و حكي عن سيبويه انه قال: «انتصب: [لبيك] على الفعل كما انتصب سبحان اللّه» ثم ان ما افاده المصنف «قدس سره» بقوله: «و الاولى كونه من لب» فمتين

لانه المناسب للهيئة الثلاثي- كما هو واضح- ثم ان ما أفاده بقوله:

«كما ان القول بأنه كلمة مفردة. إلخ» هذا القول هو المحكي عن يونس على ما ذكره الجوهري حيث قال على ما في الحدائق: «انه كان حقه ان يقال: «لبالك» و ثنى على معنى التأكيد: «اي إلبابا لك بعد الباب، و اقامة بعد اقامة».

الى ان قال: «و في كتاب مصباح المنير أصل: لبيك لبين لك فحذفت النون

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 392

الإحرام و لم يلب؟ قال «عليه السلام»: ليس عليه شي ء «1». و ما رواه حفص بن البختري عن أبى عبد اللّه عليه السلام في من عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل ان يلبى؟ قال «عليه السلام» ليس عليه شي ء «2» و ما رواه معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه «عليه السلام قال «عليه السلام»: لا بأس أن يصلى الرجل في مسجد الشجرة و يقول الذي يريد ان يقوله و لا يلبى ثم يخرج فيصيب من الصيد و غيره فليس عليه شي ء «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و أما ما روى عن احمد بن محمد قال: سمعت أبى يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيأ للإحرام ثم يواقع أهله قبل أن يهل بالإحرام؟ قال:

«عليه دم» «4» ففيه: ما لا يخفى أما (أولا): فلأنه لم يعلم إسناده الى الامام «عليه السلام» و أما (ثانيا): فلعدم مقاومته للأخبار المتقدمة المعتضدة بالإجماع فلا مجال للعمل به في قبالها لإعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنه الموجب لخروجه عن حين دليل الاعتبار مضافا الى انه يمكن ان يقال: ان مقتضى الجمع بينه و بين الاخبار المتقدمة هو حمله

على الاستحباب و لكنه لا يخلو من اشكال لعدم الشاهد له فلا يصار اليه و العمدة هو إعراض الأصحاب عنه و كيف ما كان يقع الكلام في انه هل يجب استيناف النية بعد ارتكابه ما يحرم على المحرم أولا؟

______________________________

للإضافة، قال: و عن يونس: «انه غير مثنى بل اسم مفرد متصل بالضمير بمنزلة:

(على) و: (لدى) إذا اتصل به الضمير» و أنكره سيبويه و قال: «لو كان مثل: (على) و (لدى) ثبتت الياء مع الضمير و بقيت الالف الياء مع الظاهر» و حكي من كلامهم: (لبى زيد) مع الإضافة إلى الظاهر فثبوت الياء مع الإضافة إلى الظاهر يدل على انه ليس مثل: (على) و: (لدى)» و كيف ما كان بعد ما ظهر لك كلمات أصحاب أهل اللغة في المقام فنقول: انه لا طريق إلى إثبات أحد هذه الأقوال و القدر المسلم انها كلمة تستعمل في مقام الجواب للمناري.

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 14- من أبواب الإحرام حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب 14- من أبواب الإحرام حديث: 13

(3) الوسائل ج 2- الباب 14- من أبواب الإحرام حديث: 1

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 2، ص: 392

(4) الوسائل ج 2- الباب 14- من أبواب الإحرام حديث: 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 393

يمكن ان يقال بعدم وجوبها ب (دعوى): ظهور الاخبار في ذلك- كما هو مقتضى الأصل- فيكفي الإتيان بالتلبية من دون تجديد النية و لكن صرح المرتضى «رحمه اللّه تعالى» في الانتصار بوجوب استينافها قبل التلبية و الحال هذه على ما حكاه صاحب المدارك «قدس سره» و لعله لانتقاض الإحرام بفعل

المنافي و يمكن ان يستدل عليه بما رواه النضر بن سويد عن بعض أصحابه قال. كتبت الى ابى إبراهيم عليه السلام رجل دخل مسجد الشجرة فصلى و أحرم و خرج من المسجد فبدا له قبل ان يلبى ان ينقض ذلك بمواقعة النساء إله ذلك؟ فكتب: نعم و لا بأس به «1» و لكنه- كما ترى- مرسل لا يمكن الاعتماد عليه مضافا الى أفاده صاحب الجواهر: (من ان فعل المنافي لا يقتضي النقض كما لو فعله بعد التلبية. الى ان قال: و يمكن حمل القنض في سؤاله على ضرب من المجاز. نعم لو أراد إبطال النية الأولى برفع اليد عن أصل الإحرام بناء على ما ذكرنا من ان له ذلك قبل التلبية احتيج لتجديدها لانتقاضها).

و كيف ما كان ظهر مما ذكرنا آنفا انعقاد الإحرام قبل التلبية بصرف ان شاء الالتزام بالتروك نعم انما يتم القول بعدم انعقاد الإحرام بدون التلبية بناء على الجمع الثاني بين الروايات الذي ذكرناه في صدر المبحث لانه بناء عليه يكون الإحرام مركبا من أمرين (أحدهما): ان شاء الالتزام بالتروك. و (ثانيهما): التلبية فعليه لا مانع من القول بعدم انعقاد الإحرام إلا بها.

[إلا في حج القران]

قوله قده: (و أما في حج القران فيتخير بين التلبية و بين الإشعار أو التقليد)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا قال المحقق «طاب ثراه» في الشرائع: (و القارن بالخيار ان شاء عقد إحرامه بها و ان شاء قلد أو أشعر على الأظهر. إلخ و في المدارك: (هذا هو المشهور بين الأصحاب. إلخ) و نحوه في

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 14- من أبواب الإحرام: حديث 12

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 394

الجواهر لا

ينبغي الإشكال في ذلك و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال «عليه السلام»: يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: [التلبية- و الاشعار- و التقليد] فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم «1» و صحيحة الآخر عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) تقلدها نعلا خلقا قد صليت فيه و الاشعار و التقليد بمنزلة التلبية «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) و بما ذكرنا ظهر ضعف ما نقل عن السيد و ابن إدريس من عدم انعقاد الإحرام مطلقا الا بالتلبية، لأن انعقاد الإحرام بالتلبية مجمع عليه و لا دليل على انعقاده بهما، و ذلك لدلالة الأخبار المتقدمة المعمول بها عند الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عليه و لكن ما أفاده بناء على مبناه صحيح، و أيضا ظهر ضعف ما نقل عن الشيخ و ابني حمزة و البراج من اشتراط الانعقاد بغيرها بالعجز عنها، جمعا بين النصوص و ذلك لعدم التعارض بينها- كما هو واضح.

قوله قده: (و الاشعار مختص بالبدن و التقليد مشترك بينها و بين غيرها من أنواع الهدي)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»، بل قيل:

انه صرح به غير واحد مرسلا له إرسال المسلمات قال في الحدائق: (قد ذكر الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» ان الإشعار مختص بالإبل، و التقليد مشترك بينها و بين البقر و الغنم، و علل بضعف البقر و الغنم عن الإشعار. إلخ) قال في محكي القواعد: (و يتخير القارن في عقد إحرامه بها أو بالإشعار المختص بالبدن أو التقليد المشترك بينها) و لكن ظاهرا لم يقم دليل خاص على هذا التفصيل و هو اختصاص الاشعار بالبدن، و اشتراك التقليد بين

البدن و الإبل و الغنم الا ان غالب الأخبار الواردة في المقام في كيفية الاشعار مشتملة على البدن بل تمامها و من أراد الوقوف على ذلك فليراجع الوسائل المجلد الثاني الباب الثاني عشر من أبواب أقسام الحج و سيذكر بعضها في الفروع الآتية ان شاء اللّه تعالى)

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 12 من أبواب أقسام الحج: حديث 20

(2) الوسائل ج 2- الباب- 12 من أبواب أقسام الحج: حديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 395

قوله قده: (و الاولى في البدن الجمع بين الاشعار و التقليد)

في خبر السكوني عن أبى جعفر «عليه السلام» أنه سأل ما بال البدنة تقلد بالنعل و تشعر؟ قال: أما النعل فتعرف أنها بدنة و يعرفها صاحبها بنعله، و أما الاشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها فلا يستطيع الشيطان ان يمسها «1» و رواه الصدوق في العلل عن أبيه عن سعد عن إبراهيم بن هاشم. و في ما رواه على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: البدن تشعر في الجانب الأيمن و يقوم الرجل في الجانب الأيسر، ثم يقلدها بنعل خلق قد صلى فيها «2» و في ما رواه صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار قال: البدنة يشعرها من جانبها الأيمن ثم يقلدها بنعل قد صلى فيها «3» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة (عنهم عليهم السلام).

قوله قده: (فينعقد إحرام حج القران بأحد هذه الثلاثة و لكن الأحوط مع اختيار الاشعار و التقليد ضم التلبية أيضا)

لانفاق جميع الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على الاجزاء حينئذ، فلا بأس به من جهة الخروج عن شبهة الخلاف

قوله

قده: (نعم الظاهر وجوب التلبية على القارن و ان لم يتوقف انعقاد إحرامه عليها فهي واجبة عليه في نفسها)

يمكن ان يستدل على الوجوب بما رواه يونس بن يعقوب قلت: لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: انى قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟

فقال: انطلق حتى تأتى مسجد الشجرة، فأفض عليك من الماء و البس ثوبيك، ثم أنخها مستقبل القبلة، ثم ادخل المسجد فصل، ثم افرض بعد صلاتك ثم أخرجا إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها، ثم قل: بسم اللّه، اللهم منك و إليك، اللهم فتقبل منى ثم انطلق حتى تأتى البيداء قلبه «4» لان ظاهر الأمر الوجوب اللهم الا ان يقال: ان ظاهر قوله

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 22

(2) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 17

(4) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 396

(فلب) و ان كان بداعي الجد الا انه يرفع اليد عن ظاهره بواسطة ان أكثر المذكورات فيه آداب و مستحبات لإمكان القول بان وحدة السياق يوجب وهن الظهور فيحمل على الندب فتدبر.

قوله قده: (ثم ان الاشعار عبارة عن شق السنام الأيمن بأن يقوم الرجل من الجانب الأيسر من الهدى و يشق سنامه من الجانب الأيمن و يلطخ صفحته بدمه)

ما أفاده قده بقوله:

(ان الاشعار عبارة. إلخ) هو الصواب لما في خبر الفضيل عن أبى الصباح الكناني قال:

سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن البدن كيف تشعر؟ قال: تشعر و هي باركة و يشق سنامها الأيمن و تنحر و هي قائمة من قبل الأيمن

«1» و لما في خبر يونس بن يعقوب المتقدم.

(فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها) و لما رواه أبان عن عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه و زرارة قالا: سألنا أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن البدن كيف تشعر و متى يحرم صاحبها و من أى جانب تشعر معقولة (تنحر) أو باركة؟ فقال: تشعر معقولة و تشعر من الجانب الأيمن «2» و ما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (قال: البدن تشعر في الجانب الأيمن) و يقوم الرجل في الجانب الأيسر و أما ما أفاده بقوله (و يلطخ صفحته بدمه) فهو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» الا ان الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» في المقام لا دلالة فيها على ذلك و لكن مع ذلك لا بد من التوقف في نفى الخبر لانه من البعيد ذهاب الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» الى الحكم به بدون مدرك

قوله قده: (و التقليد ان يعلق في رقبة الهدي نعلا خلقا قد صلى فيه)

لما تقدم في صحيح معاوية بن عمار قال فيه: (ثم يقلدها بنعل قد صلى فيها) و في محكي التذكرة:

(و التقليد ان يجعل في رقبة الهدي نعلا قد صلى فيه أو يجعل في رقبة الهدي خيطا أو سيرا أو ما أشبههما ليعلم انه صدقة). يمكن ان يكون نظره في ذلك الى صحيح زرارة عن أبى جعفر

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج: حديث 14

(2) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج: حديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 397

«عليه السلام» قال: كان الناس يقلدون الغنم و البقر و انما تركه الناس حديثا و يقلدون بخط و سير «1» و لكن فيه

ما لا يخفى، و على فرض تمامية دلالته على المدعى فظاهره اختصاص ذلك بالغنم و البقر، فان التقليد المذكور في صحيحة معاوية بن عمار المشتملة على البدنة انما هو بالنعل و لم يرد فيه ذكر الخيط و السير و انما ذكر في صحيح زرارة المشتمل على تقليد الغنم و البقر فبناء على الاقتصار بظاهرها يقال باختصاص النعل بالبدنة و الخيط و السير بالبقر و الغنم فتأمل.

[مسألة 16 لا تجب مقارنة التلبية لنية الإحرام]

قوله قده: (لا تجب مقارنة التلبية لنية الإحرام و ان كان أحوط فيجوز أن يؤخرها عن النية و لبس الثوبين على الأقوى)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا و لكن حالف في ذلك جماعة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قال في الحدائق: (قال ابن إدريس باشتراط مقارنتها كمقارنة التحريمة لنية الصلاة و اليه ذهب الشهيد في اللمعة و نقل ذلك في المسالك عن الشيخ على انه تبعهما على ذلك. إلخ) و الأقوى في النظر هو عدم اعتبار المقارنة- كما أفاده المصنف «قدس سره» لما عرفت من ان الإحرام عبارة عن ان شاء الالتزام بالتروك فيتحقق به من دون دخل شي ء آخر فيه، لعدم الدليل عليه فتدبر

[مسألة 17 لا تحرم عليه محرمات الإحرام قبل التلبية و إن دخل فيه بالنية]

قوله قده: (لا تحرم عليه محرمات الإحرام قبل التلبية و ان دخل فيه بالنية. إلخ)

ما أفاده قدس سره في هذه المسألة من أولها إلى آخرها هو الصواب لما عرفته في صدر المبحث عند الجمع بين الاخبار.

[مسألة 18 إذا نسي التلبية وجب عليه العود الى الميقات]

قوله قده: (إذا نسي التلبية وجب عليه العود الى الميقات لتداركها. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» من وجوب العود الى الميقات لتدارك التلبية إذا نسيها انما يتم بناء على القول بعدم تحقق الإحرام قبل التلبية لانه بناء عليه يكون نسيان التلبية نسيانا للإحرام و قد

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 12 من أبواب أقسام الحج: حديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 398

عرفت في أحكام المواقيت: (انه إذا ترك الإحرام من الميقات ناسيا وجود العود اليه مع الإمكان، و مع عدمه فالى ما أمكن. إلخ) و أما بناء على ما ذكرنا في أول المبحث من تحقق الإحرام بمجرد إنشاء الالتزام بالتروك، قبل التلبية و صيرورته محرما بمجرد القصد فلا موجب للقول بوجوب رجوعه الى الميقات، بل يلبى حيث يذكره. نعم، إذا قام دليل خاص على وجوب التلبية في الميقات كما يجب الإحرام من الميقات فعليه يتم ما أفاده المصنف «قدس سره»، فحينئذ لا بد ان يحكم برجوعه الى الميقات إذا نسي التلبية في الميقات و لكن لم يثبت ذلك.

[مسألة 19 الواجب من التلبية مرة واحدة]

قوله قده: (الواجب من التلبية مرة واحدة)

لا ينبغي الإشكال في ذلك و يدل- عليه مضافا الى اتفاق الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم- إطلاق الأدلة المتقدمة

قوله قده: (نعم يستحب الإكثار بها و تكريرها ما استطاع، خصوصا في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة، و عند صعود شرف أو هبوط واد، و عند المنام و عند اليقظة و عند الركوب و عند النزول، و عند ملاقاة راكب، و في الأسحار)

لا ينبغي الكلام فيه و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار المتقدم في صدر المبحث و هو ما عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: التلبية أن تقول: لبيك

اللّهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك، ان الحمد و النعمة لك، و الملك لا شريك لك لبّيك لبّيك ذا المعارج. الى ان قال: تقول ذلك: في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة، و حين ينهض بك بعيرك و إذا علوت شرفا، أو هبطت واديا أو لقيت راكبا، أو استيقظت من منامك و بالأسحار، و أكثر ما استطعت و اجهر بها. الى ان قال: و أكثر من ذي المعارج فان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) كان يكثر منها. إلخ «1» و في صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه قال فيها بعد ان ذكر كيفية تلبية النبي «صلى اللّه عليه و آله» و كان يكثر من ذي المعارج، و كان يلبى كلما لقي راكبا

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 40- من أبواب الإحرام حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 399

أو على اكمة، أو هبط واديا، و من آخر الليل، و في ادبار الصلوات «1» و صحيح عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد، تقول لبيك. الى ان قال: و اجهر بها كلما ركبت و كلما نزلت، و كلما هبطت واديا أو علوت اكمة [1] أو لقيت راكبا و بالأسحار «2» الى غير ذلك من النصوص الواردة عنهم (عليهم السلام) الدالة على ذلك فاستحباب تكرار التلبية مما لا مجال للترديد فيه و أما ما أفاده المصنف «قدس سره» من استحبابها عند المنام فلا يخلو من تأمل، لعدم اشتماله النصوص الواردة في المقام كما اعترف به صاحب المدارك و الجواهر «قدس سرهما» بل في كشف اللثام:

(لم أر لمن قبل الفاضلين التعرض للنوم) و قال في الجواهر: (و يمكن ان يكون وجهه ما يظهر من النصوص استحباب تكريرها عند كل حادث- كالنوم، و الاستيقاظ، و ملاقاة غيره- و لعله لذا عبر به الفاضل في القواعد و جعل الأحوال المزبورة مثالا، و ان قال في كشف اللثام: «لم أره لمن قبله» بل لعل من ذلك أيضا ما عن المقنعة و المقنع و المراسم و الفقيه من استحبابها ايضا عند صعود الدابة و النزول منها، أو لصحيح عمر بن يزيد السابق خصوصا بعد التسامح في أدلة السنن و خصوصا مثل هذا السنة التي هي ذكر في نفسها).

قوله قده: (و في بعض الاخبار من لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا و احتسابا اشهد اللّه له ألف ألف ملك براءة من النار و براءة من النفاق)

يشير «قدس سره» به الى ما رواه أحمد بن أبى عبد اللّه عن ابن فضال عن رجال شتى عن ابي جعفر عليه السلام «3» قال قال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله و سلم»: من لبى. الى آخر ما في المتن.

______________________________

[1] التل.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 40- من أبواب الإحرام حديث: 4

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 40- من أبواب الإحرام حديث: 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 41 من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 400

قوله قده: (و يستحب الجهر بها خصوصا في المواضع المذكورة للرجال دون النساء)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا قال في الجواهر عند ذكر المندوبات: (رفع الصوت بالتلبية للرجال كما هو المشهور، بل في كشف اللثام: «الإجماع في الظاهر» و لعله كذلك إذ ما في التهذيب: «من

انه واجب مع القدرة و الإمكان» محمول على شدة الندب خصوصا بعد قوله في محكي المختلف: «لم أجد من ذكره فرضا» لكن عن المصباح و مختصره: «و في أصحابنا من قال: «الإجهار فرض» إلا انا لم نتحققه و ان مال اليه بعض المتأخرين، للأمر به في النصوص المحمول على الندب بقرينة الشهرة و غيرها. إلخ) و لكن ذهب صاحب الحدائق «رضوان اللّه تعالى عليه» الى الوجوب للأمر به في صحيح معاوية بن عمار المتقدم قال فيه «عليه السلام»: (و اجهر بها- أي التلبية- و كذلك في صحيح عمر بن يزيد، و في صحيح حريز قال: لما أحرم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أتاه جبرئيل، فقال: مر أصحابك: بالعج، و الثج، فالعج رفع الصوت، و الثج نحر البدن قال: فقال جابر: فما مشى الروحاء حتى بحت أصواتنا «1» و ما رواه محمد بن على بن الحسين قال: قال: أمير المؤمنين جاء جبرئيل إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله» و قال له: ان التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية.

إلخ «2» و هذه الاخبار- كما ترى- متضمنة للأمر بها، و هو ظاهر في الوجوب اللهم الا ان يناقش فيها بان بعضها ضعيف سندا و بعضها الآخر ذكر الجهر بالتلبية في عداد ما يكون من المستحبات قطعا الا ان يقال: انه إذا أمر الشارع بأشياء فظاهر الإطلاق كونه بداعي الجد في جميعها ففي أي واحد منها قامت قرينة على الاستحباب فترفع اليد عن الإطلاق بالنسبة إليه دون الباقي، و لكن يمكن ان يقال: انه بعد فرض ذلك نفس وحدة السياق يوجب وهن الظهور الإطلاقي في وجوب الباقي، و كيف كان لا مجال للقول بالوجوب، لان تسالم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 37 من أبواب الإحرام حديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 37 من أبواب الإحرام حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 401

الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن ظهورها في الوجوب، و أما الاستحباب فلا محيص عن الالتزام به، لعدم الموجب لرفع اليد عنه ثم ان ما أفاده المصنف بقوله: (دون النساء) هو الصواب و لا ينبغي الإشكال فيه و يدل عليه ما رواه فضالة بن أيوب عمن حدثه عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: ان اللّه وضع عن النساء الجهر بالتلبية و السعى بين الصفاء و المروة و دخول الكعبة و الاستلام «1» و المراد بالسعي هنا الهرولة، لما يأتي و ما رواه أبى سعيد المكاري عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: ان اللّه عز و جل وضع عن النساء أربعا: الإجهار بالتلبية- و السعى بين الصفاء و المروة- يعني الهرولة و دخول الكعبة- و استلام الحجر الأسود- «2» و ما رواه أنس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلى اللّه عليه و آله لعلي «عليه السلام» قال يا علي ليس على النساء جمعة. الى أن قال و لا تجهر بالتلبية «3» و ما رواه أبى بصير عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: ليس على النساء جهر بالتلبية «4».

[مسألة 20 ذكر جماعة أن الأفضل لمن حج على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء]

قوله قده: (ذكر جماعة أن الأفضل لمن حج على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقا كما قاله بعضهم أو في خصوص الراكب كما قيل. و لمن حج على طريق آخر تأخيرها الى ان يمشى قليلا. و لمن حج من مكة تأخيرها إلى

الرقطاء كما قيل أو الى أن يشرف على الأبطح لكن الظاهر بعد عدم الإشكال في عدم وجوب مقارنتها للنية و لبس الثوبين استحباب التعجيل بها مطلقا و كون أفضلية التأخير بالنسبة إلى الجهر بها فالأفضل أن يأتي بها حين النية و لبس الثوبين سرا و يؤخر الجهر بها الى المواضع المذكورة)

يقع الكلام (تارة): في الإحرام من مسجد الشجرة. و (اخرى): في الإحرام من طريق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الإحرام حديث: 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الإحرام حديث: 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الإحرام حديث: 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الإحرام حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 402

آخر. و (ثالثة): في الإحرام من مكة.

أما (الأول):- و هو الإحرام من مسجد الشجرة- فلا ينبغي الإشكال في استحباب تأخير التلبية إلى البيداء فيه، و ذلك لصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امشى هنيعة فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب الحديث «1» و صحيح معاوية بن وهب قال:

سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن التهيؤ للإحرام؟ فقال: في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله و سلم» و قد ترى أناس يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول: لبيك اللهم لبيك «2» و في صحيح منصور بن حازم عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتى البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش «3» و صحيح معاوية بن

عمار أو حسنه عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلب «4» و صحيح أحمد بن محمد بن أبى نصر قال: سألت أبا الحسن الرضا «عليه السلام» كيف أصنع إذا أردت الإحرام؟ قال: اعقد الإحرام في دبر الفريضة حتى إذا استوت بك البيداء فلب، قلت: أ رأيت إذا كنت محرما من طريق العراقي؟ قال لب إذا استوى بك بعيرك «5» و صحيح ابن أبى عمير عن حفص بن البختري و عبد الرحمن بن الحجاج و حماد بن عثمان عن الحلبي جميعا عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا صليت في مسجد الشجرة فقل و أنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 34- من أبواب الإحرام: حديث 2.

(2) الوسائل ج 2- الباب 34- من أبواب الإحرام: حديث 3.

(3) الوسائل ج 2- الباب 34- من أبواب الإحرام: حديث 4.

(4) الوسائل ج 2- الباب 34- من أبواب الإحرام: حديث 6.

(5) الوسائل ج 2- الباب 34- من أبواب الإحرام: حديث 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 403

حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء فإذا استوت بك فلبه «1» و رواه الصدوق «رحمه اللّه تعالى» بإسناده عن الحفص بن البختري و معاوية بن عمار و عبد الرحمن بن الحجاج و الحلبي كلهم عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» مثله، و هذه الأوامر و ان كان ظاهرها الوجوب لكنها تحمل على الاستحباب جمعا بينها و بين مصحح إسحاق بن عمار

عن أبى الحسن «عليه السلام» قال: قلت له: إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أ يلبى حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة؟ قال: أى ذلك شاء صنع «2» و خبر إسماعيل بن مرار عن يونس عن عبد اللّه بن سنان انه قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج ان يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: نعم انما لبى النبي «صلى اللّه عليه و آله و سلم» في البيداء لان الناس لم يعرفوا التلبية فأحب أن يعلمهم كيف التلبية «3» فورود الرخصة- كما عرفت في التلبية في المسجد- قرينة لحمل الأوامر الواردة في الاخبار السابقة على الاستحباب نعم عبر بلفظ: [لا يجوز] في خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال: سألته عن الإحرام عند الشجرة هل يحل لمن أحرم عندها ان لا يلبى حتى يعلوا البيداء قال: لا يلبى حتى يأتي البيداء عند أول ميل فاما عند الشجرة فلا يجوز التلبية «4» لكن هذا الحديث ضعيف سندا فلا يصار اليه و على فرض تماميته من حيث السند فيمكن الجمع بينه و بين الاخبار المتقدمة بأن يقال ان المراد منه هو انه لا يجوز التلبية جهرا عند مسجد الشجرة و المراد منها هو جوازها فيها سرا فتأمل. ثم ما ذكرنا من استحباب تأخير التلبية إلى البيداء يكون في الراكب أشد و ليس في الماشي بتلك الشدة، و ذلك لصحيح عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: ان كنت ماشيا فاجهر بإهلالك و تلبيتك من المسجد و ان كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء «5» ثم انه يظهر من هذه

الاخبار ان المراد

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 35- من أبواب الإحرام حديث: 3

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 35- من أبواب الإحرام حديث: 4

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 35- من أبواب الإحرام حديث: 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الإحرام حديث 8

(5) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الإحرام حديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 404

من الإحرام الذي يجب إيقاعه في الميقات هو خصوص ان شاء الالتزام- كما قد عرفت فيما تقدم إطلاق الإحرام عليه في جملة من الاخبار، و كيف كان لا وجه لحمل أخبار ما نحن فيه على التلبية المستحبة و لا على الجهر بالتلبية و قوله فيما تقدم من صحيح عمر بن يزيد:

(و أجهر بإهلالك و تلبيتك. إلخ) لا تصير قرينة على ذلك- كما هو واضح- و أما (الثاني): و هو الإحرام من طريق آخر غير مسجد الشجرة- فقد ورد النص في خصوص الإحرام من غمرة و من يريد البعث ما يدل على استحباب التأخير قليلا و هو صحيح هشام بن الحكم عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: ان أحرمت من غمرة و من يريد البعث صليت و قلت، كما يقول المحرم في دبر صلاتك، و ان شئت لبيت في موضعك و الفضل ان تمشي قليلا ثم تلبي «1» و لكن التعدي من ذلك الى غير مورده مشكل فلا بد من الاقتصار على المورد. ان قلت: انه يمكن التعدي عن المورد- و هو الإحرام من غمرة و من بريد البعث- الى غيره بتنقيح المناط، قلت (أولا): لا مجال له أصلا و (ثانيا): ان المعتبر منه هو القطعي و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن و

لا دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا الوجه عن القياس الغير المشروع عندنا، لاحتمال خصوصية في الإحرام من غمرة و من يريد البعث دون غيرهما، و لا دافع لهذا الاحتمال الا فهم المثالية من غمرة و يريد البعث و لكنها غير مسموعة، لكون الظاهر على خلافها فتأمل و أما (الثالث)،- و هو الإحرام من مكة- فالأفضل في تلبيته أن يؤخرها إلى أن يأتي الرقطاء لصحيحة حفص بن البختري و معاوية بن عمار و عبد الرحمن بن الحجاج و الحلبي جميعا عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في حديث قال: و ان أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام و أفضل ذلك ان تمضى حتى تأتى الرقطاء و تلبي

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 35 من أبواب الإحرام: حديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 405

قبل ان تصير الى الأبطح «1» و حسن معاوية بن عمار أو صحيحة عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا كان يوم التروية (ان شاء اللّه تعالى) فاغتسل، ثم البس ثوبيك، و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صلى ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس، فصل المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، و أحرم بالحج، و عليك السكينة و الوقار، فإذا انتهيت الى الرقطاء دون الردم فلب، فإذا انتهيت الى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى «2» هذا و في رواية زرارة قال، قلت: لأبي جعفر «عليه السلام»: متى ألبي بالحج؟

فقال: إذا خرجت إلى منى. ثم قال إذا جعلت شعب الدرب على يمينك و العقبة على يسارك

فلب بالحج «3». و لكن في قبال هذه الأخبار ما يفصل بين الراكب فيلبي إذا نهض به بعيره و الماشي فيلبي عند المقام، و هو صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال:

إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثم صل ركعتين خلف المقام: ثم أهل بالحج، فان كنت ماشيا فلب عند المقام و ان كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك و صل الظهر ان قدرت بمنى «4» فحينئذ يقع التعارض بينه و بين الأخبار السابقة الدالة على استحباب التأخير إلى الرقطاء و يمكن الجمع بتخصيص الأخبار السابقة بهذا الحديث، فعليه يحكم باختصاص استحباب التأخير بالراكب، و يحمل اختلاف مقداري التأخير على اختلاف مراتب الفضيلة، فالأفضل أن يؤخر إلى الرقطاء و دونه ان يلبى إذا نهض به بعيره، و يمكن حمل هذا الحديث على عدم تأكد استحباب التأخير بالنسبة إلى الماشي بخلاف الراكب و كيف ما كان فلا ينافي أفضلية التأخير ما في خبر أبى بصير عن أبى عبد اللّه «عليه السلام»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 46- من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 1 من أبواب الإحرام و الوقوف بالعرفة حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 46 من أبواب الإحرام: حديث 5

(4) الوسائل ج 2- الباب- 46 من أبواب الإحرام: حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 406

في حديث قال: إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم.

الى ان قال ثم تلبي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت «1» فإن هذا الحديث محمول على الجواز- كما لا يخفى- ثم انه يستحب الإجهار بالتلبية إذ انتهى الى الردم و أشرف على الأبطح،

لما تقدم من حسن معاوية بن عمار أو صحيحة قال (عليه السلام) فيه: (إذا انتهيت الى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية) و نحوه حسنة الأخر و صحيحة عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا انتهيت الى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى «2» ثم انه قال المصنف (قدس سره) ان البيداء أرض مخصوصة بين مكة و المدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكة و الأبطح مسيل و ادى مكة و هو مسيل واسع فيه دقائق الحصى أوله منقطع الشعب بين وادي منى و آخره متصل بالمقبرة التي تسمى بالمعلى عند أهل مكة و الرقطاء موضع دون الردم يسمى مدعى و مدعى الأقوام مجتمع قبائلهم و الردم حاجز يمنع السيل عن البيت و يعبر عنه بالمدعى قوله قده: (المعتمر عمرة التمتع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة في الزمن القديم، و حدها لمن جاء على طريق المدينة عقبة المدنيين و هو مكان معروف) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا بل قيل: «انه مقطوع به في كلام الأصحاب» و ادعى بعض: «الإجماع عليه» لا ينبغي الإشكال في ذلك و يدل عليه جملة من الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» منها صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: إذا دخلت مكة و أنت متمتع فنظرت الى بيوت مكة فاقطع التلبية، و حد بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن فاقطع التلبية و عليك بالتكبير و التحميد و التهليل و الثناء على اللّه عز و جل ان استطعت «3» و منها

صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 46 من أبواب الإحرام: حديث 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 46 من أبواب الإحرام: حديث 4

(3) الوسائل ج 2- الباب- 43 من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 407

قال: المتمتع إذا نظر الى بيوت مكة قطع التلبية «1» و خبر حنان بن سدير عن أبيه قال:

قال أبو جعفر و أبو عبد اللّه (عليه السلام) إذا رأيت أبيات مكة فاقطع التلبية «2» و خبر عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: سألته عن تلبية المتمتع متى يقطعها؟

قال: إذا رأيت بيوت مكة «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم عليهم السلام و لكن تقع المعارضة بين ما تقدم من صحيح معاوية بن عمار الدال على التحديد بعقبة المدنيين و ما رواه أحمد بن محمد بن أبى نصر الدال على التحديد بعقبة ذي طوى بناء على كون عقبة المدنيين غير عقبة ذي طوى [1] و هو ما عن ابي الحسن الرضا «عليه السلام» انه سأل عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال «عليه السلام»: إذا نظر الى أعراش مكة عقبة ذي طوى قلت: بيوت مكة؟ قال: نعم «4» الا انه يمكن الجمع بما افاده السيد و الشيخ (قدس سرهما) على ما حكاه عنهما صاحب الجواهر (قدس سره) و هو حمل الأول على من دخل مكة على طريق المدينة و الثاني على من دخل مكة على طريق العراق و تبعهما الحلي و الديلمي و عن الصدوقين و المفيد تخصيص الثاني: «بمن اتى على طريق مدينة» و يمكن ان يكون ذلك لأجل أن للمدينة طريق آخر غير متعارف قال الشهيد

(رحمه اللّه تعالى) في الدروس: (وحدها: عقبة المدنيين و عقبة ذي طوى) و نحوه في اللمعة و شرحها و لكن قيد الأول بما إذا دخل مكة من أعلاها و الثاني بما إذا دخل مكة من أسفلها على ما نقل عنه صاحب الجواهر) قدس سره) و حكى عن المسالك و الروضة فمنشأ الاختلاف في ذلك هو الاختلاف في الجهة و اختلاف الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) يمكن ان يكون

______________________________

[1] في الجواهر: «عن مصباح المنير: [و ذو طوى واد بقرب مكة على نحو فرسخ في طريق التنعيم و يعرف الآن بالزاهر]. و نحو منه عن تهذيب الأسماء الا انه قال: [موضع بأسفل من مكة] و لم يحدد ما بينهما بفرسخ أو غيره».

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 43- من أبواب الإحرام: حديث 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 43- من أبواب الإحرام: حديث 5

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 43- من أبواب الإحرام: حديث 6

(4) الوسائل ج 2- الباب 43- من أبواب الإحرام حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 408

لأجل اختلاف الأزمنة في ذهابهم إلى مكة المكرمة من جهة الطريق فعليه لا معارضة بين صحيح معاوية بن عمار و بين ما رواه أحمد بن محمد بن أبى نصر فتدبر ثم انه يمكن ان يقال بثبوت المعارضة بين الاخبار السابقة الدالة على لزوم قطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة و بين خبر زرارة الدال على ذلك عند الدخول في بيوت مكة و هو ما عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته أين يمسك المتمتع عن التلبية؟ فقال: إذا دخل البيوت بيوت مكة لا بيوت الأبطح «1» و لكنه لا يقاوم للمعارضة مع الاخبار المتقدمة: أما (أولا): فيما أفاده

صاحب الجواهر (قدس سره) من ضعف السند و أما (ثانيا): فلا مكان حمله على إرادة الأشراف- كما أفاده ايضا قدس سره- و أما (ثالثا): فلاعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنه الموجب لخروجه عن حين دليل الحجية و الاعتبار و لكن لا يخفى ان العمدة هو الاعراض و أما ضعف السند فليس بمسلم و أما حمله على ما ذكر فلا يمكن المساعدة عليه لكونه- كما ترى- خلاف الظاهر و أما خبر زيد الشحام عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: سألته عن تلبية المتعة متى تقطع؟ قال: حين يدخل الحرم «2» فيمكن حمله على الجواز و ما سبق على الاستحباب- كما أفاده الشيخ قدس سره على ما حكى عنه- و لكن لا يخفى ما فيه، لعدم الشاهد له فلا يصار اليه، و العمدة هي إعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنه الموجب لسقوطه عن الحجية، فتدبر ثم ان صحيح معاوية بن عمار- كما ترى- يدل على الإكثار من التكبير و التحميد و التهليل و الثناء بعد قطع التلبية قوله قده: (و المعتمر عمرة مفردة عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم و عند مشاهدة الكعبة ان كان قد خرج من مكة لإحرامها) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا و اليه ذهب الشيخ (قدس سره) و من تبعه على ما حكى عنهم في الحدائق و لكن الأخبار الواردة في المقام مختلفة، لدلالة بعضها

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 43- من أبواب إحرام حديث: 7

(2) الوسائل ج 2- الباب 43- من أبواب إحرام حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 409

على انه يقطع التلبية عند مشاهدة الكعبة المعظمة و بعضها

عند الدخول في الحرم اما (ما دل على الأول): فهو صحيح عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال في حديث: و من خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة «1». و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام»: من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر الى المسجد «2». و اما (ما دل على الثاني): فهو ما رواه معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في حديث قال و ان كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم «3» و صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» من دخل مكة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم «4» و حسن مرازم عن أبى عبد اللّه (عليه السلام): يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم «5» الا انه يمكن الجمع بينهما بحمل ما دل على الأول على ما إذا خرج من مكة لإحرامها و حمل ما دل على الثاني على ما إذا جاء من خارج الحرم و من هنا يمكن المناقشة في كلام الصدوق حيث ذهب الى التخيير الذي من شرطه التنافي و لكن يعارضها الأخبار الدالة على لزوم قطع التلبية عند النظر الى بيوت مكة و هي: صحيح 1- أحمد بن محمد بن أبى نصر، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل يعتمر عمرة المحرم من اين يقطع التلبية؟ قال: كان أبو الحسن «عليه السلام» يقول: يقطع التلبية إذا نظر الى بيوت مكة «6» 2- موثق يونس بن يعقوب، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن

الرجل يعتمر عمرة مفردة من اين يقطع التلبية؟ قال «عليه السلام»: إذا رأيت بيوت مكة ذي طوى فاقطع التلبية «7» و رواه الصدوق بإسناده عن يونس بن يعقوب مثله الا انه ترك قوله: (من اين يقطع التلبية). 3- خبر الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 8

(2) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 4

(3) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 1

(4) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 2

(5) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 6

(6) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 12

(7) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 410

(عليه السلام) قلت: دخلت بعمرة فأين اقطع التلبية؟ قال: حيال العقبة عقبة المدنيين، فقلت: أين عقبة المدنيين؟ قال: بحيال القصارين «1» الا انه يمكن الجمع بينها بحمل ما دل على قطعها عند النظر إلى الكعبة على ما إذا خرج من مكة للعمرة المفردة، و حمل ما دل على ذلك عند دخول الحرم على من جاء إلى مكة من غير طريق العراق و المدينة، و حمل ما دل على ذلك عند عقبة المدنيين على ما إذا جاء من طريق المدينة، و حمل ما دل على ذلك عند ذي طوى على من من جاء من طريق عراق و لكن لا يخفى انه بناء على تمامية هذا الجمع لا يتم ذلك بالنسبة إلى صحيح احمد بن محمد بن أبى نصر- كما لا يخفى- فيقع التعارض بينه و بين ما دل على لزوم القطع عند دخول

الحرم و لكن يمكن أن يقال عدم المعارضة بينه و بينها، و ذلك لكون صحيح احمد بن محمد بن أبى نصر مطلقا و هذا بخلافها، لاختصاصها بالمحرم من الميقات فيخصص بها ثم أنه يمكن ان يجمع بينها بالتخيير- كما أفاده الصدوق «رحمه اللّه تعالى»- و لكن يمكن المناقشة فيه بان القول به انما يكون في فرض التنافي بين الاخبار و هنا ليس كذلك لاختصاص صحيح عمر بن يزيد بمن خرج من مكة للعمرة و لا تشمله الأخبار الدالة على لزوم القطع عند دخول الحرم، لكون إحرامه من أدنى الحل فموردها انما يكون من كان إحرامه من الميقات دون أدنى الحل. نعم، تقع المعارضة بين باقي الطوائف من الاخبار هذا كله مع الغض عن إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و الا فالظاهر لا مجال للقول بمعارضة ما دل على لزوم القطع عند دخول البيوت مع غيرها لاعراضهم ظاهرا عنها و لكن هذه المسألة من أولها إلى آخرها بعد يحتاج إلى التأمل قوله قده: (و الحاج بأي نوع من الحج يقطعها عند الزوال من يوم عرفة.، إلخ هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و يدل عليه جملة من النصوص الواردة عنهم «عليه السلام»- منها: 1- صحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر «عليه

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 45 من أبواب الإحرام: حديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 411

السلام» انه قال: الحاج يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس «1». 2- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: قطع رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» التلبية حين زاغت الشمس يوم عرفة و

كان على بن الحسين «عليه السلام» يقطع التلبية إذا زاغت الشمس يوم عرفة قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: فإذا قطعت التلبية فعليك بالتهليل و التحميد و التمجيد و الثناء على اللّه عز و جل «2» 3- صحيحة الآخر عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس «3». الى غير من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و قد عقد في الوسائل بابا لهذا الحكم و قد ذكرت فيه روايات كثيرة قوله قده: (و ظاهرهم ان القطع في الموارد المذكورة على سبيل الوجوب. إلخ لا ينبغي الكلام فيه قوله قده: (إذا شك بعد الإتيان بالتلبية انه أتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحة) لا ينبغي الإشكال في ذلك للقاعدة قوله قده: إذا أتى بالنية و لبس الثوبين و شك في انه أتى بالتلبية أيضا حتى يجب عليه ترك محرمات الإحرام أو لا يبنى على عدم الإتيان بها فيجوز له فعلها و لا كفارة عليه) هذا ايضا مما لا ينبغي الإشكال فيه للأصل فلا مانع له من فعلها لما عرفت في صدر المبحث من دلالة الاخبار على أن موضوع الجواز هو عدم التلبية قوله قده: (إذا أتى بموجب الكفارة و شك في انه كان بعد التلبية حتى تجب عليه أو قبلها فان كان مجهولي التاريخ أو كان تاريخ التلبية مجهولا لم تجب عليه الكفارة و ان كان تاريخ إتيان الموجب مجهولا فيحتمل أن يقال بوجوبها لأصالة التأخر لكن الأقوى عدمه لأن الأصل لا يثبت كونه بعد التلبية) لا ينبغي الإشكال أيضا في ذلك أما في ما أفاده بقوله: (إذا كان مجهولي التاريخ. إلخ) فلأصالة البراءة عنها بعد القول

بعدم جريان الأصل في مجهولي التاريخ أو للتعارض بين الأصلين و أما ما أفاده بقوله (أو كان تاريخ التلبية. إلخ) فهو أيضا لأجل الأصل العملي و هو أصالة عدم التلبية الى

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 44- من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 44- من أبواب الإحرام: حديث 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 44- من أبواب الإحرام: حديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 412

حين ارتكابه الفعل و أما ما أفاده بقوله: (و لكن الأقوى. إلخ) فهو لأجل ان التأخر أمر حادث فلا يمكن إثباته بالأصل- كما هو واضح- فليس في البين مانع من الرجوع الى الأصل العملي و هو البراءة عن الكفارة و لكن هذا كله بناء على عدم انتقاض الإحرام بارتكاب محظورات الإحرام قبل التلبية و أما بناء على نقضها له فيتحقق في مفروض المقام علم إجمالي بين انتقاض إحرامه و ثبوت الكفارة عليه فان كان المورد مورد استصحاب عدم التلبية- كما في فرض مجهولية خصوص تاريخ التلبية- وقع التعارض بين هذا الاستصحاب و استصحاب عدم انتقاض الإحرام و يتساقطان و حينئذ تصل النوبة إلى البراءة عن الكفارة و الاحتياط بتجديد الإحرام و أما ان لم يكن المورد مورد جريان استصحاب عدم التلبية- و ذلك كما لو كان خصوص ارتكاب المحظور مجهول التاريخ أو كان كلاهما مجهولي التاريخ فحينئذ تقع المعارضة بين استصحاب عدم انتقاض الإحرام و البراءة من الكفارة و تصل النوبة إلى الاحتياط بتجديد الإحرام و إعطاء الكفارة.

[الثالث لبس الثوبين]
اشارة

قوله قده: (من واجبات الإحرام لبس الثوبين،. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل في المدارك: (هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، بل قال في المنتهى:

«انه لا يعلم فيه خلافا». إلخ) و في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه. الى ان قال: بل في التحرير: «الإجماع على ذلك». إلخ) يمكن الاستدلال على وجوب لبس الثوبين بوجوه:

(الأول)- ما ادعى من الإجماع عليه. و (فيه): انه على فرض ثبوته فلا يمكن الاعتماد عليه، و ذلك لما ذكرنا مرارا و كرارا: ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم «عليه السلام» لا المدركى، و في المقام ليس كذلك لاحتمال ان يكون مدركه بعض الوجوه الآتية، فالعبرة بالمدرك ان تم دونه، فلا يصار اليه، الا إذا صار موجبا للاطمئنان فيكون الاطمئنان حجة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 413

(الثاني)- السيرة المستمرة و فعل المعصومين «عليهم السلام» و (فيه)؟ ان ذلك لا يدل على الوجوب فلعله كان ذلك فعلهم «عليهم السلام» من باب الاستحباب.

(الثالث) الاخبار الواردة في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق أو الى الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام «إن شاء اللّه تعالى» فانتف إبطيك و قلم أظفارك، و أطل عانتك، و خذ من شاربك. و لا يضر با ذلك بدأت ثم استك، و اغتسل، و البس ثوبيك «1» 2- ما رواه معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن التهيؤ للإحرام؟ فقال: أطل عانتك، فإنه طهور، و تجهز بكل ما تريد، و ان شئت استمتعت بقميصك حتى تأتى مسجد الشجرة، فتفيض عليك من الماء، و تلبس ثوبيك «ان شاء اللّه تعالى «2» 3- ما رواه زيد الشحام عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: سأل عن امرأة حاضت و هي تريد الإحرام

فتطمث؟ قال: تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم فإذا كان الليل خلعتها و لبست ثيابها الأخرى حتى تطهر «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و لكن يمكن المناقشة فيها: بأن بعضها ضعيف سندا و بعضها الآخر ذكر لبس الثوبين في عداد المستحبات. اللهم الا ان يقال: انه إذا أمر بأشياء عديدة فظاهر الإطلاق كونه بداعي الجد في الجميع، غاية الأمر انه إذا قامت قرينة على الاستحباب بالنسبة إلى الجميع فترفع اليد عن الظاهر و يحكم باستحبابها، و اما إذا قامت

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام: حديث 4

(2) الوسائل ج 2- الباب- 7 من أبواب الإحرام حديث: 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 48 من أبواب الإحرام حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 414

قرينة على استحباب بعض فترفع اليد عن الإطلاق بالنسبة إليه بخصوصه، و أما بالنسبة إلى الباقي فلا، لعدم الموجب لذلك، الا ان يقال: ان نفس وحدة السياق مع فرض استحباب ما ذكر فيه توهن الظهور الإطلاقي في وجوب الباقي، فإن الظهور الإطلاقي ينتفي بأدنى شي ء و كيف كان لا بد في مقام الفتوى من الاحتياط بلبس الثوبين فتدبر.

قوله قده: (و الأقوى عدم كون لبسهما شرطا في تحقق الإحرام بل كونه واجبا تعبديا)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لما عرفت من ان الإحرام عبارة عن ان شاء الالتزام بالتروك، فبه يتحقق الإحرام مضافا الى ما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم قال (عليه السلام): يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية، الاشعار، و التقليد فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة و قد أحرم «1» (بدعوى): أن إطلاقه يقتضي نفى شرطية لبس الثوبين- كما لا يخفى-

قوله

قده: (و الظاهر عدم اعتبار كيفية مخصوصة في لبسهما فيجوز الاتزار بأحدهما كيف شاء و الارتداء بالآخر أو التوشّح [1] به أو غير ذلك من الهيئات لكن الأحوط لبسهما على الطريق المألوف. إلخ)

ما أفاده قدس سره في المقام هو الصواب لأن الأخبار المتقدمة لم نتعرض فيها كيفية لبسه، هذا مما لا كلام فيه انما الكلام في انه هل يلزم

______________________________

[1] قال في الحدائق: «و التوشح: «تغطية أحد المنكبين» و الارتداء: «تغطيتهما معا» و به صرح في المسالك و الروضة. الى ان قال: و الذي صرح به أهل اللغة في معنى التوشح هو انه عبارة عن إدخال الثوب تحت يد اليمنى و إلقاء طرفيه على المنكب الا يسر، قال في المغرب:

«توشح الرجل» و هو أن يدخل ثوبه تحت يده اليمنى و يلقيه على منكبه الا يسر- كما يفعل المحرم- و كذلك الرجل يتوشح بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى فيكون اليمنى مكشوفة، و قال في كتاب مصباح المنير: «و توشح بثوبه» و هو ان يدخل تحت إبطه الأيمن و يلقيه على منكبه الأيسر- كما يفعل المحرم-».

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج حديث: 20

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 415

التعدد أو يكفي و لو كان ثوبا واحدا طويلا بحيث اتزر ببعضه و ارتدى بالباقي، يمكن ان يقال بالأول، لعدم صدق لبس الثوبين المأمور بهما على ثوب واحد طويل- كما لا يخفى- و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه الشهيد الأول في الدروس حيث انه بعد ان أوجب لبس الثوبين فيه قال: (و لو كان الثوب طويلا فاتزر ببعضه و ارتدى بالباقي أو توشح اجزء).

قوله قده: (و يكفى فيهما المسمى و ان

كان الاولى بل الأحوط أيضا كون الإزار مما يستر السرة و الركبة و الرداء مما يستر المنكبين)

أما كفاية المسمى منهما فمما لا ينبغي الإشكال فيه للأصل العملي- و هو البراءة- و أما ما أفاده من ان الأحوط كون الإزار. إلخ فهو معروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لكن الظاهر لم يقم عليه دليل خاص فاللازم فيه الرجوع الى العرف و أما ما أفاده: (من ان الرداء مما. إلخ) فصدق الرداء على ما لا يستر المنكبين مشكل جدا و أما صدقه على ما يستر المنكبين فقط فهو ايضا محل تأمل.

[مسألة 26 لو أحرم في قميص عالما عامدا أعاد]

قوله قده: (لو أحرم في قميص عالما عامدا أعاد لا لشرطية لبس الثوبين، لمنعها- كما عرفت- بل لانه مناف للنية، حيث انه يعتبر فيها العزم على ترك المحرمات التي منها لبس المخيط. إلخ)

ما افاده قدس سره من التعليل تماميته مبتن على القول بكون الإحرام هو توطين النفس على ترك المحرمات أو كون ذلك من الإحرام و الا لم يكن ذلك منا فيا له، فتدبر.

قوله قده: (و لو أحرم في القميص جاهلا بل أو ناسيا أيضا نزعه و صح إحرامه أما إذا لبسه بعد الإحرام فاللازم شقه و إخراجه من تحت. إلخ)

و ذلك لصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا لبست قميصا و أنت محرم فشقه و أخرجه من تحت قدميك «1». و صحيح ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار و غير واحد

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب تروك الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 416

عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في رجل أحرم و عليه قميصه؟ فقال: ينزعه و لا يشقه، و ان

كان لبسه بعد ما أحرم شقه و أخرجه مما يلي رجليه «1» و خبر عبد الصمد بن بشير عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في حديث ان رجلا عجميا دخل المسجد يلبى و عليه قميصه؟ فقال لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: انى كنت رجلا أعمل بيدي و اجتمعت لي نفقة فحيث أحج لم أسأل أحدا عن شي ء و أفتوني هؤلاء أن أشق قميصي و انزعه من قبل رجلي و ان حجى فاسد و ان على بدنة؟ فقال له: متى لبست قميصك أ بعد ما لبيت أم قبل؟ قال: قبل ان ألبي قال فأخرجه من رأسك، فإنه ليس عليك بدنة و ليس عليك الحج من قابل أى رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه، طف بالبيت سبعا، و صل ركعتين عند مقام إبراهيم «عليه السلام» واسع بين الصفاء و المروة، و قصر من شعرك فإذا كان يوم التروية فاغتسل، و أهل بالحج و اصنع كما يصنع الناس «2» و خبر خالد بن محمد الأصم قال: دخل رجل المسجد الحرام و هو محرم فدخل في الطواف و عليه قميص و كساء فاقبل الناس عليه يشقون قميصه و كان صلبا فرآه أبو عبد اللّه «عليه السلام» و هم يعالجون قميصه يشقونه فقال له: كيف صنعت فقال: أحرمت هكذا في قميصي و كسائي؟ فقال: انزعه من رأسك ليس ينزع هذا من رجليه انما جهل فأتاه غير ذلك فسأله فقال: ما تقول في رجل أحرم في قميصه؟ قال: ينزع من رأسه «3» و ظاهر الخبر الأخير اختصاص النزع من الرأس بالجاهل، لكنه ضعيف سندا فالصحيح شمول الحكم للعالم العامد كما ان الظاهر عدم بطلان إحرامه فيه لعدم كون الإحرام عبارة

عن توطين النفس على ترك المحرمات و عدم دخالة ذلك في الإحرام ثم التفصيل بين ما إذا كان لابسا للقميص قبل الإحرام أو بعده بنزعه من فوق في الأول و إخراجه من تحت قدميه في الثاني تعبد صرف و ليس على طبق القاعدة من حيث كون عدم نزعه في الثاني من باب التحرز عن التضليل و التغطية، فإنه (أولا) لو كان الوجه في ذلك هو التحرز عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 45 من أبواب تروك الإحرام: حديث 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 45 من أبواب تروك الإحرام: حديث 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 45 من أبواب تروك الإحرام: حديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 417

التضليل أو التغطية لم يكن ذلك مختصا بصورة اللبس بعد الإحرام، لما عرفته من صحة إحرامه في فرض لبسه قبله خصوصا إذا كان جاهلا أو ناسيا و (ثانيا): لا يكون النزع مستلزما للتغطية فإنه يمكن نزعه بوجه لا يغطى به رأسه كما انه ليس مستلزما للتظليل المحرم، لان التظليل انما يحرم حال السير كما سيجي ء بيانه في محله و يمكنه ان يقف عن السير و ينزع القميص.

[مسألة 27 لا يجب استدامة لبس الثوبين]

قوله قده: (لا يجب استدامة لبس الثوبين بل يجوز تبديلهما و نزعهما لازالة الوسخ أو للتطهير)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا و في المستند: (الظاهر كما صرح به جماعة منهم في المدارك و الذخيرة و غيرهما- عدم وجوب استدامة اللبس لصدق الامتثال و عدم دليل على وجوب الاستمرار) لا كلام لنا فيه و يدل عليه- مضافا الى الأصل- رواية زيد الشحام المتقدم.

قوله قده: (بل الظاهر جواز التجرد منهما مع الأمن من الناظر أو كون العورة مستورة

بشي ء آخر)

لا ينبغي الكلام في ذلك، للأصل بعد عدم دليل على وجوب الاستمرار

[مسألة 28 لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام]

قوله قده: (لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام و في الأثناء للاتقاء عن البرد و الحر بل و لو اختيارا)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع و في صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن المحرم يتردى بالثوبين؟ قال: نعم، و الثلاثة ان شاء يتقى بها البرد و الحر «1» و رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القسم عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن الحلبي نحوه و في صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه و بين غيرها التي أحرم فيها؟ قال «عليه السلام» لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة «2» و أنت- كما ترى- يدل حديث الأخير على جواز الأزيد منهما و لو اختيارا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 30 من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 30 من أبواب الإحرام: حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 418

بقي الكلام في أنه هل الإحرام جزء للأعمال أو شرط لها يمكن الاستدلال على الأول- و هو الجزئية- بما في رسالة المحكم و المتشابه نقلا عن تفسير النعماني بإسناده الآتي عن علي «عليه السلام» في حديث قال: و اما حدود الحج فأربعة و هي: [الإحرام- و الطواف بالبيت- و السعى بين الصفاء و المروة- و الوقوف في الموقفين و ما يتبعهما و ما يتصل بهما- فمن ترك هذه الحدود وجب عليه الكفارة و الإعادة «1» لكن التحقيق: ان صرف كون الإحرام من حدود

الحج لا يدل على جزئية لها، لأن غاية ما في الباب كونه نظير ما ورد: من ان الصلاة: [ثلثها- طهور- و ثلثها ركوع- و ثلثها سجود-] مع انه من الواضح عدم كون الطهارة جزء للصلاة لكونها شرطا لها، و لعل التعبير بما ذكر في ما نحن فيه و في هناك كان لأجل الأهمية، و كيف كان لا دلالة للحديث المذكور على المدعى و على فرض تسليم دلالته عليه لا عبرة به، لكونه ضعيفا سندا.

يمكن الاستدلال على الثاني- أي الشرطية- بوجوه:

(الأول)- موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم «عليه السلام» عن جارية لم تحض خرجت مع زوجها و أهلها فحاضت و استحيت ان تعلم أهلها و زوجها حتى قضت المناسك و هي على تلك الحال فواقعها زوجها و رجعت الى الكوفة فقالت لأهلها:

قد كان من الأمر كذا و كذا؟ فقال: عليها سوق بدنة و الحج من قابل و ليس على زوجها شي ء «2». و رواه الكليني عن أبى على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى تقريب الاستدلال بها هو انه- كما ترى- حكم فيها بثبوت الكفارة عليها لأجل المواقعة مع بطلان حجها و بها يستكشف بقاء إحرامها، لأنه لو كان يبطل إحرامها ببطلان حجها لما كانت عليها كفارة،

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج حديث: 31

(2) الوسائل ج 2- الباب 57- من أبواب الطواف حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 419

يمكن المناقشة فيه بما دل على ان نفس ترك طواف الحج جهلا موجب للكفارة و هو ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف

الفريضة؟ قال: ان كان على وجه الجهالة في الحج أعاد و عليه بدنة «1» و ما رواه علي بن أبي حمزة قال: سأل عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتى يرجع الى أهله؟ قال: ان كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة «2». فعليه كما يحتمل ثبوت الكفارة عليها لأجل المواقعة كذلك يحتمل كون ذلك لأجل تركها طواف الحج جهلا بناء عن القول بدلالتها على ذلك، حيث ان ما أنت به من الطواف في حال الحيض كان لم يكن فعليه تصير الموثقة مجملة فلا يمكن الاستدلال بها لما نحن فيه.

اللهم الا يناقش فيهما: أما (في الأول) فلكونه من الصحاح غير معلوم. و أما (في الثاني): فلضعف سنده و انجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» غير معلوم و سيجي ء تحقيق الكلام عن ذلك «ان شاء اللّه تعالى» في البحث عن الطواف.

(الثاني)- ان من الواضح ان غاية الإحرام تختلف ف (تارة): تكون الحج و (اخرى): العمرة و (ثالثة): نفس دخول مكة، لما بين في محله وجوب الإحرام لمن أراد دخول مكة فكما لا يكون الإحرام جزء للغاية الأخيرة بل يكون شرطا لجواز دخول مكة فكذلك للغايتين الأوليتين و لكن فيه مناقشة واضحة، لأنه في الغاية الأخيرة لا يمكن تصوير الجزئية و هذا بخلاف الأولتين- كما لا يخفى.

(الثالث) ما دل على أن من فاته الموقفان جميعا فليتحلل بعمرة مفردة و هو صحيح حريز عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل مفرد للحج فإنه الموقفان جميعا؟ فقال له الى طلوع الشمس يوم النحر، فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج، و يجعلها عمرة

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 56 من أبواب الطواف حديث:

1

(2) الوسائل ج 2- الباب 56 من أبواب الطواف حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 420

و عليه الحج من قابل «1» و خبر محمد بن فضيل قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج؟ فقال: إذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له و ان لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له فان شاء اقام و ان شاء رجع و عليه الحج من قابل «2». و موثق إسحاق بن عبد اللّه قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن رجل دخل مكة مفردا للحج فخشي أن يفوته الموقف؟ فقال له: يومه الى طلوع الشمس من يوم النحر فإذا طلعت الشمس فليس له حج فقلت له: كيف يصنع بإحرامه؟ قال: يأتي مكة فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفاء و المروة، فقلت إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال: ان شاء أقام بمكة و ان شاء رجع الى الناس بمنى و ليس منهم في شي ء و ان شاء رجع الى أهله و عليه الحج من قابل «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليه السلام» و سيأتي البحث عن ذلك مفصلا في البحث عن الوقوف ان شاء اللّه تعالى.

و كيف كان إذا ثبت جزئيته أو شرطيته فهو و أما إذا فرض الشك في ذلك- كما إذا شك من صار حجه باطلا في خروجه من الإحرام و عدمه- فيمكن أن يقال بثبوت الإحرام عليه بالأصل- و هو الاستصحاب- و ذلك لتحقق أركانه من اليقين السابق و الشك اللاحق أما الأول فللعلم بتحقق الإحرام منه و أما

الثاني- و هو الشك في بقائه- فمن جهة انه يحتمل كونه جزءا و ارتفع ببطلان الحج فحينئذ ببركة الاستصحاب يثبت إحرامه و يترتب عليه آثاره.

و يمكن ان يقال بعدم ثبوت الإحرام عليه، لعدم جريان الاستصحاب في حقه و ذلك لانه كان جزءا فبترك الجزء المتأخر يكشف بطلان الجزء الأول من أول الأمر لأن صحته بناء عليه كانت متوقفة على الإتيان بجميع الأجزاء اللاحقة، لما عرفت في محله

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 421

ان كل جزء جزء في نفسه و شرط لباقي الاجزاء، فعليه يمكن ان يقال برجوع الشك في المقام الى الشك في أصل وجود الإحرام، فلا يبقى مجال بناء عليه للقول بجريان استصحابه بل يجرى استصحاب عدمه، و سيتضح لك تحقيق الكلام فيما إذا بطل حجه بتركه الطواف ان شاء اللّه ثم أنه بناء على القول بثبوت الإحرام في ما إذا بطل حجه يقع الكلام في انه هل يترتب عليه جميع آثار الإحرام أو لا و سيجي ء البحث عن ذلك ايضا مفصلا في المحل المزبور.

هذا آخر ما أوردنا إيراده في الجزء الثاني، و به تم شرح كتاب الحج من العروة الوثقى و أسأله تعالى:- التوفيق- لإتمام باقي الاجزاء و قد وقع الفراغ منه في جوار مرقد مولانا الإمام أمير المؤمنين علي «عليه السلام» في [12] شهر شعبان المعظم من سنة: [1382] بقلم مؤلفه العبد الفاني محمّد إبراهيم الجنّاتى و الحمد للّه أولا و آخرا و صلى اللّه على محمد و

آله الطيبين الطاهرين المعصومين و يتلوه الجزء الثالث [إن شاء اللّه تعالى] (شكر) لا يسعني إلا ان اكرر شكري و تقديري لإدارة:

مطبعة القضاء- في النجف على اهتمامها في إخراج الجزء الثاني بأقصر مدة و بهذا الشكل- من الضبط و الجودة- آملا لها التقدم و الازدهار في خدمة العلم و العلماء و اللّه سبحانه و تعالى ولي التوفيق.

«المؤلف»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 422

تنبيهات 1- أحببت أن أشير هنا الى ان الجزئين: [الأول- و الثاني] من كتابنا: (كتاب الحج) هما أشبه بالمقدمات لمباحث الحج الآتية- ان شاء اللّه تعالى- لأنهما لم يكونا مستوفيين للمهم من مباحث الحج، و ذلك جريا على ما في العروة الوثقى، و ستتبعهما بقية الأجزاء ببحوث مهمة جدا، و منه سبحانه: استمد العون و التوفيق، و هو نعم المولى و نعم النصير.

2- كان اعتمادي في استخراج أرقام الآيات الكريمة في هذا الجزء و الذي قبله على:

«كشف الآيات» المطبوع في طهران، سنة: [1368] و لأجله قد لا تكون الأرقام مطابقة لبعض طبعات المصاحف السائدة.

3- طلب منى بعض الاخوان تصدير هذا الجزء بموجز عن ترجمة سيدنا الأستاذ- دام ظله- و لضيق المجال و عدم استكمال بعض جوانب الموضوع أرجانا الحديث عن ذلك الى الجزء الثالث.

(اعتذار) بالرغم من الجهود التي بذلت في تصحيح هذا الجزء: وقعت اخطاء مطبعية لا تخفى على القارئ- الكريم العارف بمجاري الكلام- و لهذا لم أضع فهرسا للخطإ و الصواب اعتمادا على القارئ في تصحيحها. و من المؤسف انه حدث تكرار: [في ص- 12].

[ «المؤلف»]

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

الجزء الثالث

[شرح كتاب الحج من شرائع الإسلام]

[الركن الثاني في أفعال الحج]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين

و صلى اللّه على خير خلقه: محمد و آله الطاهرين

[القول في الإحرام]
[القول في التروك]
اشارة

و يلحق بذلك القول في تروك الإحرام، و هي: محرمات، و مكروهات، فالمحرم عشرون شيئا (1).

[أما المحرمات]
اشارة

كتاب الحج

(1) قد اختلفت آراء الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في مقدار المحرمات على المحرم على أقوال: (الأول): ما أفاده المصنف- قدس سره- هنا من أنها: عشرون شيئا (الثاني): ما ذهب اليه صاحب الدروس- رحمه اللّه تعالى- من كونها: ثلاثة و عشرين شيئا على ما نقل في الجواهر. (الثالث): ما ذهب إليه العلامة- طاب ثراه- في المنتهى من كونها ثمانية عشر، على ما نقل في كشف اللثام (الرابع): ما أفاده صاحب النافع من كونها: أربعة عشر، و هو المحكي عن العلامة في التبصرة. و لكل واحد من هذه الأقوال وجه، و سيظهر لك ذلك- ان شاء اللّه تعالى- في آخر هذا المبحث.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 9

[صيد البر]

صيد البر اصطيادا و أكلا و لو صاده محل. و اشارة و دلالة و إغلاقا و ذبحا (1)

(1) لا ينبغي الإشكال في ذلك. و هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قديما و حديثا، و في المدارك: (هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب) و في الجواهر: (بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه) و نحوه ما في المستند، بل في المنتهى: (أنه قول كل من يحفظ عنه العلم). و في كشف اللثام:- بإجماع المسلمين- و يشهد لذلك- مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً «1» (بناء على كون حذف متعلق التحريم دالا على عموم ما يتعلق به الحرمة- من القتل، و الإشارة، و غيرهما- و أما قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «2» فيختص بالقتل و لا يشمل الدلالة و الإشارة و غيرهما-

كما لا يخفى- و الاخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- في المقام- منها:

1- صحيح الحلبي، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: قال: «لا تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم، و لا تدلن عليه محلا و لا محرما فيصطاده و لا تشر اليه فيستحل من أجلك فإن فيه فداء لمن تعمده» «3».

2- خبر عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «و اجتنب في إحرامك صيد البر كله، و لا تأكل ما صاده غيرك، و لا تشر اليه فيصيده» «4» 3- خبر عثمان عن ابن شجرة، عمن ذكره، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في المحرم يشهد على نكاح محلين؟! قال: «لا يشهد» ثم قال: «يجوز للمحرم أن يشير بصيد

______________________________

(1) سورة المائدة- الآية: 98

(2) نفس المصدر- الآية: 97

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 1 من أبواب: تروك الإحرام، الحديث: 1 و قد ورد أيضا في الباب: 17 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث: 1

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 1 من أبواب: تروك الإحرام، الحديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 10

..........

على محل؟! «1». بناء على أن هذا الاستفهام إنكاري- كما افاده الشيخ و الصدوق- قدس سرهما- بمعنى أنه: إنكار و تنبيه على أنه لا يجوز.

4- صحيح معاوية بن عمار، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تأكل من الصيد و أنت حرام؛ و ان كان أصابه محل» «2» و في آخر عنه: «و ان صاده حلال».

5- صحيح منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (رجل أصاب من صيد أصابه محرم و هو حلال؟). قال: «فليأكل منه الحلال؛ و ليس عليه شي ء إنما

الفداء على المحرم» «3».

6- ما في الصحيح عنه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «المحرم لا يدل على الصيد؛ فان دل عليه فقتل فعليه الفداء» و رواه الشيخ بإسناده عن ابن أبى عمير الا أنه ترك لفظ: [فقتل] في موضع و ذكره في آخر. و رواه أيضا بإسناده عن محمد بن يعقوب «4».

7- صحيح معاوية بن عمار؛ عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تأكل من الصيد و أنت حرام، و ان كان أصابه محل؛ و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد، فان عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد» «5».

8- صحيح أبى نصر عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام قال: (سألته عن المحرم

______________________________

(1) الوسائل: 2- الباب- 1 من أبواب: تروك الإحرام، الحديث 8

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 2 من أبواب: تروك الإحرام، الحديث 3.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 3 من أبواب تروك الإحرام: الحديث 1.

(4) الوسائل: 2- الباب- 1 من أبواب: تروك الإحرام، الحديث 8 و روى أيضا في الباب 17 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها، الحديث 2

(5) الوسائل ج 2- الباب- 21- من أبواب: كفارات الصيد و توابعها، الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 11

..........

يصيب الصيد بجهالة؟؟) قال: «عليه كفارة» قلت: (فإن أصابه خطأ؟) قال: «و أي شي ء الخطاء عندك»؟ قال: ترمى هذه النخلة فتصيب نخلة أخرى فقال: «نعم هذا الخطاء؛ و عليه الكفارة»؛ قلت: (فإن أخذ طائرا متعمدا فذبحه و هو محرم؟) قال «عليه الكفارة» قلت: جعلت فداك أ لست قلت:

ان الخطاء و الجهالة و العمد: ليسوا بسواء فبأي شي ء ينفصل (يفضل- خ ل) المتعمد: الجاهل، و الخاطي؟! قال: «انه اثم و لعب بدينه» «1».

9-

صحيح معاوية بن عمار» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «ما وطئته أو وطئته بعيرك و أنت محرم فعليك فداؤه» و قال: «اعلم أنه ليس فداء شي ء أتيته و أنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك إلا الصيد، فان عليك الفداء بجهالة كان أو عمد» «2» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السلام- في المقام الدالة على المطلوب، فيحرم على المحرم صيد البر أكلا و اصطيادا، و دلالة، و اشارة من دون فرق في هذا الحكم بين كون الدلالة و الإشارة جليتين و خفيفتين، و لو بإطالة النظر اليه بقصد الدلالة عليه، أو الضحك مشيرا به اليه، أو بإتيان فعل ليتفطن له غيره فيقتله؛ إلى غير ذلك من أنحاء الدلالات و الإشارات الخفية.

ثم أن تنقيح البحث في هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(إحداها): أن حرمة الدلالة و الإشارة المزبورتين ليست من باب المسبب التوحيدي. ضرورة: أن ضابطه- و هو: عدم توسط فعل فاعل مختار بين الفعل و النتيجة؛ كإرسال الماء إلى دار لهدمها؛ و إرسال كلب الى حيوان لصيده

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 31- من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 2.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 31- من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 12

..........

لترتب الانهدام و الصيد على إرسال الماء و الكلب بدون توسط إرادة فاعل مختار بينهما و بين الإرسال- لا ينطبق على المقام؛ لتوسط فعل الصائد المختار بين الدلالة و الإشارة، و الصيد بل حرمتهما إنما هي لأجل دخلهما الاعدادى في الاصطياد كما هو ظاهر بعض النصوص المتقدمة.

(ثانيتها): أن ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم:

«و لا تدلن عليه محلا؛ و لا محرما فيصطاده؛ و لا تشر اليه فيستحل من أجلك» و قوله عليه السّلام في صحيح منصور بن حازم المتقدم: «المحرم لا يدل على الصيد فان دل عليه فقتل فعليه الفداء». و قوله عليه السّلام في خبر عمر بن يزيد: «و لا تشر اليه فيصيده».

هو عدم خصوصية للدلالة و الإشارة في الحكم بل المدار على الإعانة على الصيد بأي فعل كان؛ لتفريع الاصطياد في جملة من هذه النصوص على الإشارة و الدلالة و من المعلوم أن ظاهر مثل هذا التعبير: هو حرمة كل فعل له دخل و لو بنحو الاعداد في الاصطياد- و هذا نظير قول الطبيب للمريض: [لا تأكل الغذاء الفلاني فيزيد مرضك] لظهوره في النهي عن أكل و شرب كل ما يوجب ازدياد المرض- و عليه فالتعدي عن الإشارة و الدلالة المذكورتين في النصوص الواردة في هذا المقام إلى غيرهما من كل فعل له دخل إعدادي في الاصطياد: ليس من تنقيح المناط حتى يورد عليه: بعدم إمكانه في الشرعيات؛ و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم؛ و هو لا يغني من الحق شيئا؛ و ذلك لعدم الإحاطة بالملاكات و موانعها فيكون مندرجا في القياس المسدود بابه؛ و الممنوع استشمامه. و الوجه في عدم كون التعدي في المقام من باب تنقيح المناط بناء على ما ذكر واضح؛ فتدبر.

و من هنا ظهر؛ أنه لو نوقش في دعوى صاحب الجواهر و غيره من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم-: الإجماع على حرمة مطلق الإعانة على الصيد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 13

..........

بكل فعل تحقق به و لو بالإغلاق: بعدم ثبوت الاتفاق أو احتمال كونه مدركيا فلا عبرة به؛ لان

المعتبر منه هو التعبدي دونه؛ ففيما ذكرناه من الظهور العرفي غنى و كفاية؛ فتدبر.

(ثالثتها): أن ظاهر النصوص المتقدمة و مقتضى الأصل: عدم حرمة الدلالة و الإشارة و غيرهما من الأفعال الدخيلة في الصيد إذا لم يترتب عليهما ذلك- كما إذا أشار الى الصيد و لم يكن هناك أحد يلتفت إلى إشارته حتى يترتب عليها الاصطياد؛ و كذا إذا أشار الى من لا يريده؛ أولا يفيده لأجل علمه به؛ أو لعدم تمكنه منه.

(رابعتها): أن الإشارة أخص من الدلالة- كما أفاده صاحب المدارك- قدس سره- لصدق الدلالة على الكتابة و غيرها، و اختصاص الإشارة بالإشارة الخارجية المتحققة بعضو من أعضاء البدن «كاليد، و العين و الرأس» أو بغيره- كالإشارة بالعصا- و التعرض للنسبة بين الدلالة و الإشارة بعد ما عرفت من إناطة الحرمة بمطلق الإعانة على الصيد و لو بغير الدلالة و الإشارة غير مهم.

(خامستها): أنه لا فرق في حرمة الإعانة على الصيد على المحرم بين كون المعان محرما و محلا؛ لتصريح بعض النصوص المتقدمة بذلك؛ و إطلاق الآخر في صحيح معاوية بن عمار: (و لا تدلن عليه محلا و لا محرما فيصطاده) و في خبر عمر بن يزيد: (و لا تشر اليه فيصيده) فعليه لو دل المحرم محلا على الصيد كان حراما.

«فرع: ينبغي التنبيه عليه» ثم أن هنا فرعا ينبغي التنبيه عليه و لم يتعرضه المصنف- طاب ثراه- و هو انه: هل يختص الحكم المذكور- و هو الحرمة- بالصيد المحلل الأكل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 14

..........

أو يعم المحرم الأكل؟؟؛ قد نسب إلى الأكثر اختصاص الحكم بالحيوان المحلل الأكل؛ و هو المحكي عن المفاتيح على ما حكاه النراقي- رحمه اللّه تعالى- في المستند، حيث قال

في ذيل المسألة الثالثة من مباحث تروك الإحرام: [ثم أنه قد خالف هنا جماعة في الصيد المحرم أكله، بل عن المفاتيح حكى عن الأكثر، فقيدوا الصيد المحرم: بالمحلل من الممتنع، فجوزوا صيد كل ما لا يؤكل، أما مطلقا لطائفة، أو باستثناء: الأسد، و الثعلب، و الأرنب، و الضب، و اليربوع و القنفذ، و الزنبور، و الغطاية فحرموا صيدها أيضا كجماعة استنادا إلى عدم وجوب الكفارة في غير المأكول سوى الثمانية]. و ما يمكن أن يستدل به على ذلك وجوه:

(الأول)- الإجماع. و (فيه): على فرض ثبوته أنه قد تكرر منا مرارا:

أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام لا المدركى، و في المقام يحتمل أن يكون مدركيا، لاحتمال استناد المجمعين في ذهابهم إلى اختصاص الحكم: بالمحلل الأكل إلى ما سنذكره من الوجوه، فلا يمكن الاعتماد عليه، إذا العبرة حينئذ بالمدرك إن تم.

(الثاني)- منع صدق الصيد على المحرم الأكل. و (فيه)- مضافا إلى عموم اللغة-: منع اختصاص صدق الصيد بمحلل الأكل منه- لقولهم:

(سيد الصيد: الأسد) و ما قال به الشاعر: (ليت تردى زبية [1] فاصطيدا) و ما نسب إلى مولانا أمير المؤمنين على عليه السّلام من قوله: [صيد الملوك ثعالب و أرانب. و إذا ركبت فصيدي الأبطال]. لصدق الصيد على الجميع. و يدل على ذلك قوله تعالى لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «1».

______________________________

[1] الزبية (بضم الزاء): حفيرة لصيد السباع.

______________________________

(1) سورة المائدة:- الآية 97.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 15

..........

و قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي: (لا تستحلن شيئا من الصيد و أنتم حرام. إلخ «1» و ما في صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في حديث.

(اتق قتل

الدواب كلها إلّا الأفعى، و العقرب، و الفأرة، فأما الفأرة توهي السقاء و تضرم على أهل البيت، و أما العقرب فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مد يده إلى الحجر فلسعه فقال: (لعنك اللّه لا برا تدعينه و لا فاجرا) و الحية إن أرادتك فاقتلها، و أن لم تكن تردك فلا تردها، و الأسود الغدر فاقتلها على كل حال، و ارم الغراب و الحدأة رميا على ظهر بعيرك «2» في النهاية و السرائر: «لا يجوز قتل شي ء من الدواب» ثم استثناء ما يخافه على نفسه.

(الثالث)- قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً «3» ب (دعوى): ظهورها في خصوص حرمة محلل الأكل- و احتمل:

تبادر ذلك منه صاحب كشف اللثام- قدس سره- و أيده بأصالة الحل و البراءة- تقريب الاستدلال بها: هو أن الصيد يطلق على الحيوان المصطاد و من الواضح: أن تحريم كل شي ء ظاهر عرفا في تحريم أوضح منافعه و أظهر تقلباته و آثاره، فيراد من حرمة الصيد على المحرم المستفاد من هذه الآية الشريفة حرمة أكله له- كما إذا قال: «يحرم الملبوس» يراد منه حرمة لبسه و: «يحرم الميتة» يراد منه حرمة أكله؛ فلا يعم الحكم: المحرم الأكل، لأن ما لا يؤكل لحمه حرام على كل أحد أكله مطلقا، في حال الإحرام، و في غير حال

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 17 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها، الحديث 1 و في الباب 1 من أبواب تروك: الإحرام، الحديث 1

(2) الوسائل: ج 7- الباب- 81 من أبواب: تروك الإحرام، الحديث 2.

(3) سورة المائدة: الآية 98.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 16

..........

الإحرام، و لا وجه لاختصاص ذلك بالمحرم، فمن التقييد الذي

وقع في منطوق الآية الشريفة- و هو قوله تعالى مٰا دُمْتُمْ حُرُماً- يستكشف اختصاص الحكم بمحلل الأكل و إلا كان التقييد به مستلزما للغوية- كما لا يخفى- و (فيه):- مضافا إلى إمكان المناقشة فيها ب (دعوى): ظهور الآية الشريفة في حرمة خصوص الأخذ و الاستيلاء فلا يثبت بها الحرمة لخصوص محلل الأكل- منع كون المراد من الآية الشريفة هو حرمة الأكل، لكونه أظهر الآثار فإنه إنما يكون كذلك لو كان الصيد الواقع فيها بمعنى المصيد، و أما إذا كان بمعنى الاصطياد كما هو الظاهر منها فلا يبقى مجال لما ذكر في تقريب الاستدلال.

فعلى هذا يمكن التمسك بإطلاقها لحرمة الصيد الغير المحلل الأكل- كما لا يخفى- فإذا ظهر ضعف ما احتمله صاحب كشف اللثام- قدس سره- من التبادر.

و أما (دعوى): انصراف الأدلة عن المحرم الأكل ففيه: أنه لا انصراف في البين أولا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا. فلا عبرة به في تقييد الإطلاق لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط في الانصراف الصالح للتقييد.

(الرابع)- ما استند اليه بعض في اختصاص الحكم بمحلل الأكل من عدم وجوب الكفارة في غير مأكول اللحم. و (فيه) أن مجرد عدم ثبوت ذلك في غير المحلل الأكل لا يدل على جواز صيده، لعدم ثبوت التلازم بين عدم لزوم الكفارة و بين عدم التحريم مطلقا. لعدم نهوض دليل على كونها من لوازم الحرمة حتى يكون عدم وجوب الكفارة دليلا على عدم الحرمة، كما لا يخفى.

ان قلت: أنه يمكن استفادة التلازم بينهما من سياق قوله تعالى وَ مَنْ

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 17

قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ «1» و من إطلاق قوله عليه السّلام في ذيل

صحيح الحلبي المتقدم: «فان فيه فداء لمن تعمده» و ما في ذيل صحيح ابن حازم: (و إنما الفداء على المحرم) أما استفادة ذلك من الآية الشريفة فلان مقتضى ظاهر قوله تعالى [فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ] هو اختصاص حرمة الصيد بما كان فيه جزاء بالمثل و ليس ذلك إلا في محلل الأكل، إذ لا يتصور الفداء بالمثل في محرم، الأكل لعدم ماليته فعليه يختص الحكم بمحلل الأكل، فيحرم هو دون غيره، و أما استفادة ذلك من الصحيحتين، فلان مفادهما- كما ترى- ثبوت الفداء في كل ما تعلق به النهى. قلت: أن غاية ما في الباب هو ثبوت التلازم بين الكفارة و التحريم في محلل الأكل. و ب (عبارة أخرى) يدل الدليل على الملازمة بين الحرمة و الكفارة في مورد خاص و هذا لا ينافي ثبوت الحرمة في غير ذلك المورد- و هو غير محلل الأكل- لاخبار آخر، كصحيح معاوية بن عمار المتقدم الدال على حرمة قتل الدواب كلها إلا ما استثنى منها فيحكم بحرمة صيد محرم الأكل أيضا من جهة نصوص آخر بدون الكفارة، كما في بعض أصناف الحيوان المحرم الأكل، أو معها كما في بعضها الآخر، لما ورد فيها من اخبار خاصة دالة على ثبوت الجزاء في بعض أفراد محرم الأكل منها ما في خبر أبى سعيد المكاري الوارد في قتل الأسد قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام (رجل قتل أسدا في الحرم؟) قال: عليه كبش يذبحه «2» و قد حمل ذلك على من لم يرد قتله.

و (منها) ما ورد من الأخبار الواردة في قتل الأرنب و الثعلب كصحيح البزنطي عن أبى الحسين عليه السّلام قال (سألته عن محرم أصاب أرنبا أو

ثعلبا؟ فقال: (في

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 97.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 39 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 18

..........

الأرنب دم شاة» «1». و صحيح ابن مسكان عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن الأرنب يصيبه المحرم؟؟) فقال: «شاة هَدْياً بٰالِغَ الْكَعْبَةِ» «2» و خبر على بن حمزة، عن أبى بصير؛ قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن رجل قتل ثعلبا؟) قال: «عليه دم» قلت: (فأرنبا؟) قال: «مثل ما في الثعلب» «3». و رواه الشيخ- قدس سره- بإسناده عن محمد بن يعقوب. و رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن البزنطي عن على بن أبي حمزة مثله، الا أنه قال: (عن محرم). الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام.

و ما ورد من الاخبار الواردة عنهم عليهم السّلام في كفارة قتل الزنبور عمدا، كصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته: (عن محرم قتل زنبورا؟) قال: «ان كان خطأ: فليس عليه شي ء» قلت: (لا بل متعمدا؟) قال: «يطعم شيئا من طعام». قلت: (أنه أرادني؟) قال: «ان أرادك فاقتله» «4» و صحيح صفوان عن معاوية قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن محرم قتل زنبورا؟) قال: «ان كان خطأ. فلا شي ء عليه». قلت: (بل تعمدا؟) قال: «يطعم شيئا من الطعام» «5» و نحوهما غيرهما من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- في هذا المقام.

و ما ورد من ثبوت الكفارة في قتل: [اليربوع و القنفذ، و الضب] و هو: ما عن موسى بن القسم، عن الحسن بن محبوب عن على بن رئاب، عن مسمع عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

[في اليربوع، و القنفذ، و الضب] إذا أصابه المحرم

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 4 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 1.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 4 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 2.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 4 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 4.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 8 من أبواب كفارات الصيد أو توابعها، الحديث 1

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 8 من أبواب كفارات الصيد أو توابعها، الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 19

و لو ذبحه كانت ميتة حراما على المحل و المحرم (1)

فعليه جدي، و الجدي خير منه، و انما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا؛ عن سهل بن زياد، عن الحسن محبوب، عن على بن رئاب، عن مسمع بن عبد الملك عن أبى عبد اللّه عليه السّلام و عن محمد بن يحيى، و عن أحمد بن محمد، عن ابن أبى عمير، عن أحمد بن على، عن مسمع، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام مثله الا أنه قال: (و ان جعل عليه هذا لكي ينكل عن صيد غيره) «1» فظهر بما ذكرنا عدم إمكان اختصاص حرمة الصيد بمحلل الأكل منه بالملازمة بين الكفارة و الحرمة؛ فعلى هذا لا يبقى مجال للقول بان مقتضى ظاهر الآية الشريفة اختصاص حرمة الصيد بما فيه الفداء بالمثل؛ و هو ليس إلا في محلل الأكل لعدم ثبوته في غيره و ذلك لان إثبات اختصاص الجزاء المذكور- و هو ثبوت الفداء بالمثل بالحيوان المحلل الأكل- لا ينفي ما عداه، فيقال: أن محلل الأكل يختص بالحرمة مع الجزاء الخاص للآية الشريفة المتقدمة، و

غير محلل الأكل بغير الجزاء الخاص؛ فعليه يقال: ان المصيد أن كان محلل الأكل؛ فعليه جزائه بمثله من النعم، و أن كان محرم الأكل فعليه جزاءه بغيره مما عين ذلك في الاخبار و الروايات الواردة عن الأئمة- عليهم السّلام. و هذا بالنسبة إلى ما ورد الجزاء في صيدها؛ و أما بالنسبة إلى ما لم يرد الجزاء فيه فيثبت حرمته له بالأخبار الناهية عن قتل الدواب، و قد تقدم ذكر بعضها سابقا، و قد تحصل من جميع ما ذكرناه: حرمة الصيد على المحرم مطلقا- سواء كان مما يوكل لحمه أو من غيره فتدبر.

(1) لا ينبغي الإشكال في ذلك و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قديما و حديثا. و في المدارك: (أنه المشهور بين الأصحاب، بل قال في المنتهى: «أنه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها، الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 20

..........

قول علمائنا أجمع»). و في كشف اللثام في شرح قول العلامة- رحمه اللّه عليه-:

[فيكون ميتة] قال: (كما في الخلاف، و السرائر، و المهذب و النافع، و الشرائع و الجامع؛ و فيه: أنه كذبيحة المجوس؛ و في التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه. و في النهاية؛ و المبسوط، و التهذيب و الوسيلة. و الجواهر: انه كالميتة) و قال في الجواهر (بل هو المشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف فيه). و يدل على ذلك- مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- خبر وهب، عن جعفر؛ عن أبيه عن على عليه السّلام قال: «إذا ذبح المحرم الصيد: لم يأكله الحلال و الحرام؛ و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد في الحرم، فهو ميتة؛ حلال ذبحه، أو حرم»

«1». و خبر محمد بن الحسن الصفار عن الحسن بن موسى الخشاب، عن إسحاق؛ عن جعفر عليه السّلام أن عليا عليه السّلام كان يقول: «إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة؛ لا يأكله محل و لا محرم؛ و إذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة؛ لا يأكله محل و لا محرم» «2».

ان قلت: إن في الخبرين قصور من حيث السند؛ أما (في الأول): فلاشتراك وهب الراوي بين الضعيف و غيره. و أما (في الثاني): فلأن من جملة رجالها الخشاب و هو غير ممدوح مدحا يعتد به؛ فعلى هذا لا يمكن إثبات حرمة ذبيحة المحرم في غير الحرم على المحل و المحرم بهما. قلت: ان هذين الخبرين و ان كانا ضعيفين من حيث السند، إلا أن ضعفهما منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بمضمونهما فلا يصغى إلى المناقشة فيهما بضعف السند بعد الانجبار المزبور الموجب للاطمئنان و الوثوق بصدورهما من المعصوم عليه السّلام الذي هو مناط الحجية، و لا تهافت بين ذلك و بين ما اخترناه في الأصول من عدم حجية الشهرة العملية بنفسها، لانه قد تكرر

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 10 من أبواب تروك الإحرام، الحديث: 4

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 10 من أبواب تروك الإحرام، الحديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 21

..........

منا مرارا في الأصول: أن المدار في اندراج الخبر تحت دليل الاعتبار هو الوثوق و الاطمئنان الحاصل تكوينا بعملهم على طبقهما. أما القول: بأنه يمكن أن يكون اعتمادهم في مقام العمل و الحكم بحرمة ذبيحة المحرم على المحل و المحرم بغير هذين الخبرين:

ف (مدفوع): بكون احتمال اعتمادهم في مقام العمل على رواية كانت معتبرة عندهم و

لم تصل إلينا في غاية الضعف مع شدة اهتمامهم بحفظ الاخبار، و ضبطها. فلو كان اعتمادهم في مقام العمل على خبر صحيح: لبينوه لعدم الداعي لهم إلى إخفائه و عدم نشره، بل كان دأبهم و ديدنهم على العكس- من الكتب، و النشر، فمن عدم بيانهم يستكشف عدم وجوده فبذلك يحصل الاطمئنان بان اعتمادهم في مقام العمل لم يكن إلا بهما. فالمناقشة فيهما- بعد ذلك- في غير محله مضافا إلى أن الخبر الثاني: ليس بضعيف لانه و ان كان من جملة رجالها: الخشاب إلا أنه: إمامي، و عده بعض من الثقات، و عده بعض آخر من الحسان و يمكن أن يقال بتأييد الخبرين بوجوه.

(الأول)- ما ورد من الاخبار الآمرة بدفن مذبوحه- منها:

1- ما رواه محمد بن أبى عمير، عن خلاد السري، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في رجل ذبح حمامة من حمام الحرم)؟ قال: «عليه الفداء». قلت: (فيأكله؟) قال: «لا» قلت: (فيطرحه؟) قال: «إذا طرحه فعليه فداء آخر». قلت:

(فما يصنع به؟) قال: «يدفنه» «1» وراه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن ابن أبى عمير، عن خلاد و رواه في العلل عن أبيه، عن على بن إبراهيم، عن ابن أبى عمير عن خلاد. و رواه الكليني طاب ثراه- عن على بن إبراهيم.

______________________________

(1) الوسائل: ج- الباب- 55 من أبواب: كفارا للصيد و توابعها، الحديث 1.

و قد ورد أيضا في الباب 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 22

..........

2- ما عن أبي أحمد- يعني ابن أبى عمير- عمن ذكره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

قلت له: (المحرم يصيب الصيد فيفديه، أ يطعمه أو يطرحه؟) قال «إذا يكون عليه فداء آخر»: فقلت: (فما

يصنع به؟) قال «يدفنه» و رواه الصدوق مرسلا و كذا رواه في المقنع «1» 3- ما عن محمد أبى الحكم قال: قلت لغلام لنا: (هيئ لنا غداءنا، فأخذ لنا أطيارا فذبحها و طبخها. فدخلت على أبى عبد اللّه عليه السّلام؟) قال: «ادفنهن و افد عن كل طير منهن» «2». و رواه الكليني- طاب ثراه- عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبى نصر عن مثنى بن عبد السّلام مثله الا أنه قال:

(أطيارا من الحرم).

4- حسنة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام. «إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم؛ و هو محرم، فإنه ينبغي له أن يدفنه و لا يأكله أحد. و إذا أصاب في الحل فان الحلال يأكله، و عليه الفداء» «3». و لكن التحقيق: انه لا يمكن جعل هذه الأخبار تأييدا للخبرين المتقدمين- و هما خبرا: وهب و حسن بن موسى الخشاب. الدالين على ان ذبيحة المحرم ميتة حرام على المحل و المحرم، و ذلك لإمكان المناقشة و الاشكال في جميعها. أما (في الخبر الأول، و الثاني): فلإيمائهما على جواز الإطعام منه مع الالتزام بفداء آخر، فان قوله عليه السّلام فيهما: « (إذا كان عليه فداء آخر)». معناه أنه إذا طرحه أو إذا أطعمه يثبت عليه فداء آخر، ففيه إيماء إلى جواز الإطعام به مع الالتزام بفداء آخر. و أما (في الثالث) فلأن الحسنة

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 55، من أبواب كفارات الصيد و توابعها، الحديث 2 و قد ورد أيضا في الباب 10 من أبواب: تروك الإحرام الحديث 3.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 55، من أبواب كفارات الصيد و توابعها، الحديث 3

(3) الوسائل:

ج 2- الباب- 3 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 23

..........

لا تصلح لأن تكون مؤيدة لهما إذا كان المراد من قوله عليه السّلام فيها «أصاب» مجرد الأخذ و الاستيلاء، لصيرورة النسبة حينئذ بين الحسنة و بين الخبرين: التباين لمباينة الذبح الذي هو مورد الخبرين للاستيلاء الذي هو مورد الحسنة. فلا يبقى حينئذ مجال لجعل هذه الأخبار تأييدا لهما- أى الخبرين المتقدمين- هذا إذا كان المراد من الإصابة في الحسنة مجرد الأخذ و الاستيلاء. و أما إذا كان المراد منها، القتل- كما هو ظاهرها- بقرينة ما في صدرها، و هو قوله عليه السّلام: (فإنه ينبغي له أن يدفنه و لا يأكله أحد) فعليه تقع المعارضة بين هذه الأخبار و بين الخبرين، فتندرج في الطائفة الثانية من الأخبار المعارضة بظاهرها للخبرين- و سنذكرها- ان شاء اللّه تعالى- في ذيل هذه المسألة، لما فيها من قوله عليه السّلام: (فلان الحلال يأكله). و وجه المعارضة بينهما و بين الخبرين واضح، لدلالة الخبرين على حرمة ذبيحة المحرم على الحلال و الحرام، و هذا بخلافها؛ لدلالتها على حلية ذبيحة المحرم على الحلال، إلا أن يحمل على كون المراد من الإصابة الواقعة في ذيل الحديث، و هو قوله عليه السّلام: (و إذا أصابه في الحل فان الحلال يأكله). هو مجرد الأخذ و الاستيلاء و أما التذكية فكانت من المحل- كما حملها الشيخ- قدس اللّه سره- على ذلك- فعليه لا تعارض بينها و بين الخبرين.

و الحاصل: أن هذه الحسنة بناء على معنى تعارض الخبرين و بناء على معنى آخر لا تؤيدهما و أما اشتمالها على قوله عليه السّلام: (فإنه ينبغي له أن يدفنه). فيقال: إنه لا يلزم عليه

دفنه، لأنه بناء على القول بحرمة أكله حتى للمحل و حرمة مطلق الانتفاع به، نقول: بجواز إعطائه للكلاب، و لا يلزم دفنه، و ان ورد فيها كلمة:

[يدفنه]. خصوصا مع اختلاف النسخة في قوله: يدفنه فان بدلها في أخرى:

[يفديه] مضافا إلى اشتمالها على لفظ: (ينبغي) الظاهر في استحباب الدفن.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 24

..........

(الثاني)- أنه لا تتحقق التذكية المحللة إلا بذكر [اللّه] في وقت الذبح لما في صحيح محمد بن مسلم، عن أبى جعفر عليه السّلام: «و لا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم اللّه عليه «1». فعليه لا يمكن للمحرم أن يقول بذلك حتى يوجب حليته، لأنه لا معنى لذكره على ما حرمه، فيكون لغوا. و (فيه): أنه لا منافاة بين حرمة الأكل و صحة التذكية- كما في تذكية المغصوب- فلا منافاة بين الحرمة التكليفية و بين الصحة الوضعية الثابتة للتسمية التي هي شرط للتذكية، فعليه لا وجه لجعله تأييدا للخبرين.

(الثالث)- أخبار تعارض الميتة و الصيد للمحرم المضطر، سيما ما رجح منها الميتة على الصيد- منها:

1- صحيح حماد، عن الحلبي، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (سألته عن المحرم يضطر فيجد الميتة و الصيد أيهما يأكل؟) قال: «يأكل من الصيد، أ ليس هو بالخيار أن يأكل من ماله؟ قلت: بلى قال: «انما عليه الفداء فليأكل و ليفده». «2».

2- ما رواه محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن ابن فضال، عن يونس بن يعقوب، قال (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المضطر إلى الميتة و هو يجد الصيد؟.)

قال: «يأكل الصيد». قلت: (إن اللّٰه عز و جل قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها و لم يحل له الصيد؟). قال «تأكل من

مالك أحب إليك أو ميتة». قلت (من مالي) قال: «هو مالك؛ لأن عليك فداؤه». قلت: (فان لم يكن عندي مال؟) قال:

«تقضيه إذا رجعت إلى مالك». «3» و رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن محمد بن يعقوب و كذا ما قبله.

______________________________

(1) الوسائل- الباب- 14- من أبواب: الذبائح حديث 2. و في باب 15 حديث 1.

(2) الوسائل ج 2- الباب- 43- من أبواب: كفارات الصيد و توابعها، الحديث 1.

(3) الوسائل ج 2- الباب- 43- من أبواب: كفارات الصيد و توابعها، الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 25

..........

3- ما رواه شهاب عن ابن بكير و زرارة جميعا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في في رجل اضطر إلى ميتة و صيد و هو محرم؟؟ قال: «يأكل الصيد و يفدى» «1» 4- ما عن محمد بن على بن الحسين قال: قال أبو الحسن الثاني صلّى اللّه عليه و آله: «يذبح الصيد، و يأكله، و يفدي: أحب إلى من الميتة». «2».

5- خبر محمد بن يحيى العطار؛ عن العمركي، عن على بن جعفر، عن أخيه موسى- عليهما السّلام- قال: (سألته عن المحرم إذا اضطر إلى أكل صيد و ميتة و قلت: ان اللّه عز و جل: حرم الصيد و أحل الميتة؟.). قال: «يأكل و يفديه؛ فإنما يأكل ماله». «3».

6- ما رواه أبان؛ عن أبي أيوب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام (عن رجل اضطر و هو محرم إلى: صيد و ميتة؛ من أيهما يأكل؟.). قال: «يأكل من الصيد» قلت: (فان اللّه قد حرم عليه و أحل له الميتة؟). قال: «يأكل و يفديه؛ فإنما يأكل من ماله». «4».

7- ما رواه سعد بن عبد اللّه، عن محمد بن عبد الحميد؛

عن يونس بن يعقوب عن منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد اللّه: (محرم اضطر الى: صيد؛ و الى ميتة من أيهما: يأكل؟.). قال: «يأكل من الصيد». قلت: (أ ليس قد أحل اللّه الميتة لمن اضطر إليها؟.) قال: «بلى و لكن يفدى ألا ترى: أنه انما يأكل من ماله فيأكل الصيد و عليه فداؤه» «5» 8- ما رواه محمد بن الحسن، بإسناده عن موسى بن القسم، عن محمد بن سيف ابن عميرة؛ عن منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن محرم اضطر

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 3.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 4.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 5.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 6.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث: 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 26

..........

إلى أكل الصيد و الميتة؟.) قال: «أيهما أحب إليك أن تأكل؟.» قلت: (الميتة لأن الصيد محرم على المحرم) فقال: «أيهما أحب إليك أن تأكل من مالك أو الميتة؟». قلت: (أكل مالي) قال: «فكل الصيد و أفده» «1».

و رواه البرقي في المحاسن عن أبيه؛ عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، نحوه، و زاد قلت: [فان لم يكن عندي؟ قال: «تقضيه إذا رجعت إلى مالك»] «2» 9- ما رواه صفار، عن محمد بن عبد الجبار، عن إسحاق، عن جعفر. عن أبيه- عليهما السّلام- ان عليا عليه السّلام كان يقول: «إذا اضطر المحرم إلى الصيد و الى الميتة فليأكل

الميتة التي أحل اللّه له» «3».

10- ما رواه عبد الغفار الجازي؛ قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة فوجدها، و وجد صيدا.؟) فقال: «يأكل الميتة و يترك الصيد» «4».

11- ما روى مرسلا قال: «انه يأكل من الميتة لأنها أحلت له و لم يحل له الصيد» «5». و أنت ترى دلالة جملة من هذه الأخبار على ترجيح الصيد على الميتة في مقام الاضطرار إلى أحدهما، فتدل على المدعى- و هو كون ذبيحة المحرم ميتة و حرام على المحل و المحرم.

و لكن التحقيق: أنه يستشهد بهذه الأخبار على خلاف المطلوب، و ذلك لأن ترجيح الصيد على الميتة في مقام الاضطرار المستفاد من بعض الاخبار المتقدمة ليس إلا لعدم كونه ميتة، و إلا لكان: [العكس- أو المساوي و الخيار] في اختيار أيهما شاء للإنسان المضطر، بل في بعضها المرجع للصيد على الميتة التعليل: (بأنه ماله)

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 9.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 33 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 10.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 11.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 12.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 43 من أبواب: كفارات الصيد و توابعها الحديث 8.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 27

..........

و هذا بخلاف الميتة، و هو كالصريح في أنه- اى صيده- مذكى، و إلا لم يكن مالا. و كيف كان لا يمكن جعلها تأييدا للخبرين و اما الاخبار الأخيرة الدالة على ترجيح الميتة على الصيد فلم يعمل بظاهرها. و قد حملها الشيخ- رحمه اللّه تعالى- على ما

حكاه صاحب الوسائل- قدس اللّه سره- على محامل عديدة:

(أ)- حملها على التقية، و قال في وجه ذلك: (لانه مذهب بعض العامة).

(ب)- حملها على: ما إذا وجد الصيد غير مذبوح.

(ج)- حملها على ما إذا لم يجد فداء الصيد، و لو لم يتمكن من الوصول اليه.

(د)- حملها على: ما لم يكن متمكنا من الفداء أصلا.

و قد ظهر مما ذكرنا عدم إمكان جعل هذه الوجوه الثلاثة تأييدا للخبرين فالعمدة في الحكم بحرمة ذبيحة المحرم و كونها ميتة هي ما عرفته من الخبرين في صدر المبحث- و هما خبر وهب و خبر الحسن بن موسى الخشاب- و أما ضعفهما فقد عرفت أنه منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و لكن ذهب الصدوق- رحمه اللّه تعالى- في الفقيه إلى: أن مذبوح المحرم في غير الحرم لا يحرم على المحل، حيث قال:- على ما نقل في الحدائق-: (و لا بأس أن يأكل المحل مما صاده المحرم، و على المحرم فداء). و نقل الشهيد الأول- قدس اللّه تعالى سره- القول بذلك عن ابن الجنيد ايضا على ما حكاه صاحب المدارك- رضوان اللّه تعالى عليه- و نقل في المنتهى هذا القول عن الشيخ المفيد و السيد المرتضى- قدس سرهما- حيث قالا- على ما نقل في الحدائق: (لا بأس أن يأكل المحل ما صاده المحرم و على المحرم الفداء). و مال إلى هذا القول صاحب المدارك- قدس سره- أيضا، نظرا إلى صحة اخباره. و يدل على ذلك جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح حماد بن عيسى عن حريز، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن محرم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 28

..........

أصاب صيدا أ يأكل منه المحل؟.). فقال: «ليس

على المحل شي ء إنما الفداء على المحرم» «1» 2- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (عن رجل أصاب صيدا و هو محرم أ يأكل منه الحلال؟). فقال: «لا بأس إنما الفداء على المحرم» «2» 3- ما رواه محمد بن الحسن، عن موسى بن القسم؛ عن عباس، عن سيف ابن عميرة، عن منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (رجل أصاب من صيد و هو محرم أكل منه و أنا حلال.؟) قال: «أنا كنت فاعلا» قلت له:

(فرجل أصاب مالا حراما؟.). فقال: «ليس هذا مثل هذا، يرحمك اللّه تعالى ان ذلك عليه» «3».

4- ما روى عنه ايضا، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (رجل أصاب من صيد أصابه محرم و هو حلال؟). قال: «فليأكل منه الحلال، و ليس عليه شي ء إنما الفداء الى المحرم» «4».

5- ما رواه على بن إبراهيم؛ عن أبيه، عن حماد بن عيسى و ابن أبى عمير؛ عن معاوية بن عمار؛ قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أصاب المحرم: الصيد في الحرم و هو محرم، فإنه ينبغي له أن يدفنه، و لا يأكله أحد. و إذا أصاب في الحل، فان الحلال يأكله و عليه الفداء» «5» و رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- عن حماد بن عيسى، عن معاوية بن عمار مثله إلا أنه في نسخة: [يدفنه] و في أخرى [يفديه].

6- ما رواه على بن إبراهيم، عن أبيه؛ عن ابن أبى عمير. عن حماد. عن الحلبي، قال: (المحرم إذا قتل: الصيد، فعليه جزاؤه؛ و يتصدق بالصيد على مسكين) «6»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب: تروك الإحرام الحديث 4.

(2) الوسائل: ج 2- الباب-

3- من أبواب: تروك الإحرام الحديث 5.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب: تروك الإحرام الحديث 3.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب: تروك الإحرام الحديث 1.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب: تروك الإحرام الحديث 2.

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 29

..........

و رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن محمد بن يعقوب. و رواه الصدوق- قدس سره- مرسلا، و كيف كان و دلالة هذه الأخبار على عدم حرمة صيد المحرم على المحل و ان كانت ظاهرة، و لذا تقع المعارضة بين هذه الأخبار و بين الخبرين المذكورين في صدر المبحث، و هما: [خبر وهب و خبر الحسن بن موسى الخشاب]. إلا أن التحقيق: عدم نهوض الصحاح لمعارضة الخبرين، و ذلك لإعراض الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- عنها الموجب لسقوطها عن حيز دليل الحجية و الاعتبار، و على فرض تسليم عدم الاعراض فيمكن الجمع بينهما و بين الخبرين بوجهين:

(الأول)- بحمل الصحاح المتضمنة لكلمة: [أصاب] على مجرد الأخذ و الاستيلاء بان لم يكن المراد منها: القتل، فيكون معناها بناء عليه: أنه بمجرد استيلاء المحرم على الصيد لا يوجب حرمته على الحلال و لو ذكاه محل، بل للمحل تذكيته و أكله و غيره من أنحاء التصرفات و التقلبات، و حمل الخبرين المتضمنين لكلمة: [ذبح] على ما إذا كان الذابح هو المحرم- كما هو الظاهر منها- فيكون معناها حينئذ: أنه حرام على المحل و المحرم إذا كان الذابح محرما و الا فلا. و نتيجة هذا الجمع هو الحكم بحلية مصيد المحرم إلا إذا كان الذابح محرما.

و لكن هذا الجمع على فرض تماميته انما يتم بين

الخبرين و بين الصحاح؛ و لا يتم بين الخبرين و بين الحسنتين- و هما حسنتا: الحلبي، و معاوية بن عمار- لما فيهما من التصريح بجواز أكل مصيد المحرم للمحل، حيث أن قوله عليه السّلام في ذيل حسنة الحلبي: (أنه يتصدق بالصيد على مسكين). كالصريح في حلية أكل مصيد المحرم على المسكين الذي يأخذه بعنوان الصدقة. و كذا قوله عليه السّلام في ذيل حسنة معاوية بن عمار: (و إذا أصاب في الحل فان الحلال يأكله، و عليه هو الفداء) فإذا يبقى التعارض بينهما و بين الحسنتين على حاله. لكن يمكن المناقشة في دلالتهما:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 30

..........

أما في حسنة الحلبي فلاحتمال كون الباء الداخل على الصيد للسببية. و المراد من مدخولة هو المعنى المصدري- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس اللّه تعالى سره- فعليه يكون المعنى أنه يتصدق على المسكين بسبب ارتكابه الصيد. و يحتمل فيها أيضا أن يكون المراد من الصيد الواقع في منطوقها هو الجزاء بمثله بأن يقدر كلمة: [مثل] فيكون المعنى أنه يتصدق على المسكين بمثل الصيد. و (فيه) أن القول بكون الباء الداخل على الصيد الواقع في حسنة الحلبي للسببية؛ أو القول بتقدير، كلمة: [مثل] فيها؛ كلها- كما ترى- خلاف الظاهر، و بهذه الاحتمالات و التأويلات لا يمكن رفع اليد عن ظاهرها الدالة على حلية مصيد المحرم على الحلال. و أما في حسنة معاوية بن عمار فلحمل ذيلها و هو قوله عليه السّلام: (إذا أصاب في الحل؛ فان الحلال يأكله). على مجرد الأخذ و الاستيلاء- كحمل الصحاح على ذلك. (و فيه): أن: الإصابة و ان لم تكن بنفسها- آبية عن حملها على مجرد الأخذ و الاستيلاء؛ كما حمل على ذلك: الصحاح-

المتضمنة لكلمة: [أصاب]- إلا ان صدر الحسنة و هو قوله عليه السّلام: (فإنه ينبغي له أن يدفنه) قرينة على كون المراد من: « [الإصابة]» فيها هو: القتل، لا صرف الاستيلاء و قوى ذلك في الجواهر، حيث قال: (المراد ب: [الإصابة] هو: القتل؛ بقرينة الأمر بالدفن في صدره؛ فيتعدى إلى الذيل بشهادة السياق، و هو لا يخلو من قوة.).

نعم، لما اختلف نسخه و في بعض: [يدفنه]. و في بعض آخر: [يفديه] يمكن أن يقال بكون المراد من: (الإصابة) بناء على النسخة الثانية هو مجرد الأخذ و الاستيلاء؛ لعدم وجود قرينة على الخلاف؛ و لكن لا سبيل إلى إحراز صحة هذه النسخة.

و أجاب الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في التهذيب عن الحسنتين: [حسنة معاوية بن عمار- و حسنة الحلبي] المتقدمتين على ما نقل في المدارك: بالحمل على ما إذا أدرك الصيد و به رمق، بحيث يحتاج إلى الذبح، فإنه يجوز للمحل إذا كان كذلك أن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 31

..........

يذبحه و يأكله و لكن لا يخفى ما فيه من التأويل البعيد- كما أفاده صاحب المدارك- قدس سره- و ذلك لأنه بعد تصريح الامام عليه السّلام في حسنة الحلبي بالقتل؛ بقوله:

(المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه. إلخ.) و بعد وجود القرينة فيها، أعنى قوله عليه السّلام: (فإنه ينبغي له أن يدفنه) بناء على هذه النسخة في حسنة معاوية بن عمار المتقدمة على ارادة القتل من: (الإصابة): لا يبقى مجال لهذا الحمل؛ فما أفاده الشيخ- رحمه اللّه تعالى- من الحمل مما لا يمكن المساعدة عليه.

(الثاني)- أن يقال في الجمع و التوفيق بينها و بين الخبرين باحتمال التفصيل بين ذبح المحرم، و بين تذكيته بالرمي أو بإرسال الكلب المعلم

فيقال بناء عليه: باختصاص التحريم بصورة الذبح فقط، كما هو صريح الخبرين- لقوله عليه السّلام في خبر وهب:

(إذا ذبح المحرم: الصيد لم يأكله الحلال و الحرام و هو كالميتة) و في خبر الحسن ابن موسى الخشاب: (إذا ذبح المحرم: الصيد. إلخ)- و اختصاص الحلية بما إذا كانت التذكية بنحو آخر- برمي أو بإرسال الكلب المعلم- فتحمل الأخبار الدالة على حلية مصيد المحرم على الحلال بما إذا كان تذكيته له بغير الذبح- بالرمي أو بإرسال الكلب المعلم، و لا يأبى عن ارادة ذلك لفظ: [أصاب] الواقع في منطوق الصحاح المتقدمة، لأنه مطلق، و قابل لأن يقيد بغير صورة الذبح، و لا إشكال في إطلاقه على التذكية: بالرمي أو بإرسال الكلب المعلم؛ كإطلاقه على التذكية بالذبح.

هذا كله بالنسبة إلى الصحاح و أما حسنتا: الحلبي و معاوية بن عمار فكذلك لا مانع من الجمع بينهما و بين الخبرين بذلك أما حسنة الحلبي فلانه لا يأبى عن ارادة ذلك لفظ: [قتل] الواقع في صدرها لأنه أعم من قتله بآلة الصيد و بالذبح بعد أن وجده حيا بإرسال الآلة اليه فإطلاقه يحمل على غير فرض الذبح. فنفصل بين ما إذا ذبحه بعد أن وجده حيا، و بين ما إذا قتله بآلة الصيد في الحكم بحرمة أكل مصيد المحرم على الحلال في الأول دون الثاني و أما حسنة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 32

..........

معاوية بن عمار فكذلك لا يأبى عن حملها على ذلك أما صدرها؛ و هو قوله عليه السّلام:

(إذا أصاب المحرم: الصيد في الحرم و هو محرم، فإنه ينبغي له أن يدفنه) فكما قلنا في حسنة الحلبي بحمل القتل على غير صورة الذبح فكذلك فيها. لأنه بقرينة قوله عليه

السّلام: (ينبغي له أن يدفنه) يصير معنا قوله: (إذا أصاب): (إذا قتل) إلى آخر ما ذكرناه. و أما ذيلهما، و هو قوله عليه السّلام (و إذا أصابه في الحل فان الحلال يأكله).

فإن قلنا بكون المراد من: الإصابة فيه هو القتل، بقرينة صدرها فحكمه عين حكم صدرها. و ان لم نقل بذلك، فيجري حكم الصحاح عليه. فيحمل على ما إذا كان تذكيته له بغير الذبح: بالرمي أو بإرسال الكلب المعلم- كما لا يخفى- فبهذا الوجه يجمع بين الصحاح و بين الخبرين المذكورين ان لم نقل بإعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عنها و لا يلزم منه خلاف الظاهر و لا التأويل- كما هو واضح.

و احتمل هذا الجمع الشيخ- رحمه اللّه تعالى- على ما نقل في الجواهر، و هو ظاهر اختيار المفيد- قدس سره- في المقنعة على ما حكاه صاحب المدارك، و اختاره ايضا صاحب المستند- رضوان اللّه تعالى عليه- و لا يتوجه عليه اشكال سوى إمكان دعوى: الإجماع على كون المراد من الذبح الواقع في النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- و الفتاوى هو مطلق تذكية المحرم بذبح كانت أو بغيره، كما مال اليه صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال بعد نقل هذا الجمع من الشيخ- رحمه اللّه تعالى-: (لكن يمكن دعوى الإجماع على كون المراد مطلق تذكية المحرم من الذبح نصا و فتوى) و لكن لا يخفى ما في كلامه- قدس سره- و ذلك لأنه لو قلنا باعتبار الإجماع انما نقول به في المسائل الفقهية. و أما هذا الإجماع فليس في مسألة فقهية حتى يقال بحجيته؛ لأنه إجماع في استظهار المراد، و ليس بحجة، لرجوعه إلى الفهم و الاستفادة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 33

..........

ثم: انه

إذا قلنا بهذا الجمع فهو، و إلا فتصل النوبة إلى التعارض، و من المعلوم:

أنه حينئذ يقدم الخبران المتقدمان على الصحاح المتقدمة و يحكم بحرمة مصيد المحرم على الحلال و الحرام، لما عرفت من أعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عنها الموجب لعدم نهوضها للمعارضة، لسقوطها حينئذ عن حيز دليل الحجية و الاعتبار و قد عرفت أيضا انه ليست في البين قاعدة على وفق حكمهم، و كذلك لم يرد خبر صحيح على ذلك، فيحصل حينئذ الوثوق و الاطمئنان لنا بأن استنادهم في مقام العمل لم يكن إلا الى هذين الخبرين فيقدم الخبران عليها، وفاقا لصاحب الجواهر و غيره- قدس سرهم- حيث قال بعد ما ذكر الاخبار الصحاح (و حينئذ فيكون المراد: من كونه ميتة بالنسبة للمحرم لا المحل، الا أن الشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية الجابرة للخبرين ترجح القول الآخر عليه و ان صحت أخباره. إلخ).

ثم: لا يخفى أنه لا تصل النوبة إلى الجمع الحكمي- و هو حمل الخبرين على الكراهة و حمل الصحاح على الجواز- أما (أولا): فلأنه قد مر منا مرارا: أن الجمع الموضوعي ما دام كان ممكنا لا تصل النوبة إلى الجمع الحكمي. فلا مجال له في المقام لإمكان الجمع الموضوعي بينها و بين الخبرين- كما عرفت- و أما (ثانيا): فلان حملها على الكراهة يوجب اللغوية، ضرورة: أنه إذا كان المقصود هو الكراهة لما صح التعبير عنها في الخبرين بالميتة، التي هي نص في الحرمة؛ فالمقصود منها هو أنه ميتة حقيقة أو حكما. و كيف كان فالمرجع في ما نحن فيه هو الخبران فيحكم بحرمة ذبيحة المحرم على الحلال و الحرام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 34

..........

« (فرع ينبغي التنبيه عليه)» ثم إنه

ينبغي التنبيه هنا على فرع آخر لم يتعرض له المصنف- طاب ثراه- و هو: أنه هل يجرى على صيد المحرم على القول بحرمته على كل من الحلال و الحرام أو على المحرم فقط: جميع أحكام الميتة، أم خصوص حرمة الأكل؟ فيه وجهان:

(أولهما)- جريان جميع أحكام الميتة عليه كما نقل ذلك في الجواهر عن: (ير) لإطلاق التنزيل في خبر وهب المتقدم، حيث قال الامام عليه السّلام فيه: (إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحرام و الحلال، و هو كالميتة. إلخ). و ما في خبر إسحاق: (إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة. إلخ). الظاهر في ترتيب جميع آثار الميتة عليه: من عدم جواز الصلاة في جلده، و حرمة أكله، و نجاسته؛ و سائر منافعه بناء على حرمة الانتفاء بالميتة مطلقا بأي نحو من الانتفاعات. مع عدم ورود دليل تعبدي على الخلاف. (ثانيهما)- جريان حكم الميتة عليه في خصوص حرمة أكله دون غيرها من الأحكام، و هذا هو الأقوى في النظر، وفاقا لما مال اليه صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال: في ذيل هذا المبحث: (و قد قيل: أن الظاهر جريان جميع أحكام الميتة عليه فلا تجوز الصلاة في جلده، و لا غيرها من الاستعمالات، و خصوصا المائعات. و الفاضل في «ير» و ان استشكل فيه، للإشكال في أنه ميتة. أو كالميتة أو لاحتمال أن يكون لحمه كلحم. الميتة لا جلده لكنه استقرب بعد ذلك عدم الجواز و ان كان لا يخفى عليك أن في النفس منه شيئا، خصوصا مع ملاحظة ما سمعته من نصوص الترجيح له على الميتة، و التعليل المزبور فيها و العمومات، و عدم معروفية اشتراط كونه محلا في التذكية بل ظاهر

تلك الأدلة خلافه فلا يعد في إرادة معنى كالميتة من قوله فيها. فينصرف إلى حرمة الأكل لا غيره فتأمل جيدا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 35

..........

و الوجه في أقوائية الحكم بجريان حكم الميتة عليه في خصوص حرمة أكله هو أن الظاهر من التنزيل هو تنزيله منزلتها في أوضح منافعه و أظهر آثاره، و هو في المقام ليس الا حرمة الأكل.

و يؤيد ذلك ما ورد من الروايات المتقدمة الدالة على ترجيح الصيد على الميتة في مقام الاضطرار إلى أحدهما، خصوصا التعليل المذكور فيها ب (أنه ماله). إذ يستكشف من ذلك- اى من ترجيح أكل المحرم من المصيد عند الضرورة على أكل الميتة-: أن الحرمة تختص بأكله و لا تشمل غيره.

و يؤيده أيضا ما ورد في صدر الخبر من حرمة الأكل، لقوله عليه السّلام فيه: (إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام). حيث أنه صالح لأن يكون قرينة على إرادة الحرمة مما في ذيله من التنزيل؛ فيختص التنزيل بأظهر الآثار- و هو ليس في المقام إلا حرمة الأكل فلا يمكن الإفتاء بالنجاسة و حرمة غير الأكل مع وجود جميع شرائط التذكية. و لم يرد دليل تعبدي على اعتبار كون الذابح محلا، حتى يقال بعدم تحقق هذا الشرط كما ورد ذلك في اعتبار كونه مسلما؛ و غيره من الشرائط الأخر مضافا إلى انه قد ورد رواية خاصة في جواز استعمال جلود الصيد التي جعلت فيها الماء و هو ما رواه محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى؛ عن أحمد بن محمد عن على ابن مهزيار قال: سألت الرجل عليه السّلام: (عن محرم يشرب الماء من قربة أو سقاء اتخذ من جلود الصيد هل يجوز ذلك

أولا؟). فقال: «يشرب من جلودها» «1» فظهر بما ذكرناه ضعف ما استقر به في محكي (ير) من عدم الجواز و جريان أحكام الميتة عليه.

هذا كله في ما إذا ذبح المحرم: الصيد. و أما إذا ذبحه المحل في الحرم فهل يحكم بحرمته مطلقا أولا؟. قال في الجواهر: (قد صرح غير واحد بحرمته أيضا و أنه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 9 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 36

..........

كالميتة. بل قال في الحدائق: «اتفاق الأصحاب عليه» و هو الحجة بعد خبر وهب و إسحاق المتقدمين، المجبورين بذلك. إلخ). لا ينبغي الكلام في حرمته مطلقا إذا ذبحه المحل في الحرم، و يدل على ذلك- مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- خبر وهب المتقدم، لقوله عليه السّلام في ذيله: (و إذا ذبح الصيد في الحرم، فهو ميتة، حلال ذبحه أو حرام «1». و خبر إسحاق المتقدم أيضا لقوله عليه السّلام في ذيله:

(و إذا ذبح المحل: الصيد في جوف الحرم، فهو ميتة؛ لا يأكله محل و لا محرم «2».

و أنت ترى دلالتهما صريحا على المدعى- و هو حرمة مذبوح المحل في الحرم.

و أما ضعفهما من حيث السند- لأجل ان الراوي في الأول هو وهب و هو مشترك بين الضعيف و غيره؛ و في الثاني هو الخشاب، و هو غير ممدوح مدحا يعتد به- فقد بينا في صدر المبحث: أنهما و لو كانا ضعيفين من حيث السند، إلا أن ضعفهما منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- الموجب للوثوق بصدورهما عن المعصوم.

مضافا إلى أنه يؤيدان- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- بصحيح منصور بن حازم، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «في حمام ذبح

في الحل.؟» قال: (لا يأكله محرم و إذا ادخل مكة أكله المحل بمكة. و إذا ادخل الحرم حيا؛ ثم ذبح في الحرم فلا تأكله؛ لأنه ذبح بعد ما دخل مأمنه «3» و صحيح الحلبي قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام «عن صيد رمى في الحل، ثم ادخل الحرم و هو حي.؟» فقال: (إذا أدخله الحرم و هو حي، فقد حرم لحمه و إمساكه). و قال: لا تشتره في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل؛ ثم دخل الحرم فلا بأس به «4» و رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه و عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن أبى عمير مثله؛ إلا أنه قال: (فلا

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 10 من أبواب: تروك الحرام الحديث 4

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 10 من أبواب: تروك الحرام الحديث 5

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 5 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 5 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 37

..........

بأس به للحلال) و خبر شهاب بن عبد ربه، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «انى أتسحّر بفراخ اوتى بها من غير مكة، فتذبح في الحرم فأتسحر بها؟». فقال:

(بئس السحور سحورك؛ أما علمت أن ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه و إمساكه) «1» و صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: «عن طائر أهلي أدخل الحرم حيا؟» فقال: (لا يمس لان اللّه تعالى يقول: [وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً] «2». و خبر خلاد السري عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: (في رجل ذبح حمامة من حمام

الحرم) قال: (عليه الفداء). قلت: «فيأكله؟.». قال: (لا). قلت:

(فيطرحه؟). قال: (إذا طرحه فعليه فداء آخر). قلت: «فما يصنع به؟» قال:

(يدفنه) «3». و خبر محمد بن أبى الحكم قال قلت لغلام لنا: «هيئى لنا غدانا، فأخذ لنا أطيارا فذبحها و طبخها فدخلت على أبى عبد اللّه عليه السّلام؟». قال: (ادفنهن و افد عن كل طير منهن) «4». و رواه الكليني- رحمه اللّه تعالى- مثله؛ إلا أنه قال: (أطيارا من الحرام). إلى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام.

هذا كله فيما لو ذبح المحل في الحرم صيدا. و أما لو ذبحه في الحل فلا إشكال في جواز أكله له في الحل و الحرم، حتى لو كان صيده بدلالة المحرم و إشارته عليه و إعانته بدفع سلاح و نحوه- وفاقا لصاحب الجواهر قدس سره- و يدل على ذلك- مضافا إلى الأصل- و صحيحي الحلبي و منصور بن الحازم المتقدمين. صحيح الحلبي، عن

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 4

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 11

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 55 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث: 1 و في الباب 10 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) الوسائل ج 2- الباب- 55 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 38

..........

أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تشتره في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل؛ ثم جي ء به إلى الحرم مذبوحا فلا بأس للحلال «1» و صحيحة عبد اللّه بن أبى يعفور؛ قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (الصيد يصاد في الحل، و يدخل الحرم أ

يؤكل؟.) قال «نعم لا بأس به» «2».

إلى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- و هي- كما ترى- تدل على جواز أكل المحل من المصيد الذي ذبحه في الحل.

ثم أن هذه الاخبار و ان كانت بعضها مطلقة و يعم المحرم و المحل من حيث جواز أكل المذبوح في الحل؛ إلا أن إطلاقه يقيد بالأخبار الدالة على حرمة أكل الصيد على المحرم مطلقا، كصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تأكل شيئا من الصيد و أنت محرم و ان صاده حلال» «3». و في صحيح آخر عنه: (لا تأكل شيئا من الصيد و أنت محرم و ان كان اصابه محل) «4». و في صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لحوم الوحش تهدى للرجل، و هو محرم و لم يعلم بصيده، و لم يأمره به أ يأكله؟.» قال: [لا] «5» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- [1] يستفاد من صحيح الحلبي المتقدم- كما ترى- عدم جواز أكل المحرم من لحوم الوحش حتى في صورة ما إذا لم يعلم بكونها من المصيد فضلا عما إذا علم

______________________________

[1] [فائدة] هي أنه قد يتوهم أن حرمة الصيد يسرى الى الصيد فيصير حراما و ان ذبحه محل في الحل و هو جار في بعض موارد أخر كتوهم ان حرمة التجري يسرى الى المتجرى به و ان حرمة التشريع يسرى إلى الفعل المتشرع به و لكن فساده ظاهر لعدم سراية العمل الى المفعول به و مقتضى القاعدة في هذا المقام عدم حرمة المصيد و لو ذبحه محرم في الحل و الحرم و رفعا اليد عن مقتضاها في ما نحن

فيه لأجل الأخبار المتقدمة فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب 5- من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

(2) الوسائل: ج 2- الباب 5- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(5) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 39

و كذا يحرم فرخه و بيضه (1)

بكونها منه ثم انه في الجواهر بعد ما حكم بجواز أكل المحل في الحرم الصيد المذبوح في الحل ان ذبحه محل و لو كان صيده بدلالة المحرم و بإعانته قال (بل لا يبعد جواز اكله مع الجهل بحاله؛ إذا كان في يد مسلم لقاعدة الحل. لكن في صحيح منصور بن حازم قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «اهدى لنا طير مذبوح فأكله أهلنا؟.» فقال: (لا ترى أهل مكة به بأسا). قلت: «فأي شي ء تقول أنت؟» قال: (عليهم ثمنه) «1».

و يمكن حمله على معلومية ذبحه في الحرم و سيأتي- ان شاء اللّه تعالى- التعرض في كلام المصنف لذلك و غيره من أحكام المحرم، و أحكام الصيد، و المراد به» و غير ذلك.).

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا و الظاهر: أنه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل من أحد منهم الخلاف فيه. قال:

في الجواهر في شرح قول المصنف- طاب ثراه-: (أكلا و إتلافا مباشرة و دلالة و اعانة بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه: بل في المنتهى: «أنه قول كل من يحفظ عنه العلم». مضافا الى المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة التي تسمعها- ان شاء اللّه تعالى- في الكفارات نعم

لا يحرم البيض الذي أخذه المحرم أو كسره على المحل في الحل، للأصل و عدم اشتراط حله بنحو تذكيته، أو بشي ء فقد هنا خلافا للمحكي عن المبسوط.) و قال في المستند: (كما يحرم الصيد يحرم فرخه و بيضه بلا خلاف يعلم؛ كما في (خيره) بل عن كرة و في ح تيح الإجماع عليه. إلخ) و قال في المدارك:

(هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء قاله في التذكرة، و يدل عليه الروايات الكثيرة المتضمنة لثبوت الكفارة بذلك، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (في الحمامة درهم، و في الفرخ نصف درهم، و في البيض ربع درهم) «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 5 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

(2) الوسائل ج 2- الباب- 10 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 40

و الجراد في معنى الصيد البري (1)

لا ينبغي الإشكال في ذلك بعد ثبوت اتفاق جميع الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- عليه و يدل عليه- كما افاده صاحب الجواهر و غيره- الروايات المتضمنة لثبوت الكفارة بذلك بناء على تسليم الملازمة بين الكفارة و الحرمة و سنذكر الاخبار- ان شاء اللّه تعالى- في مبحث الكفارات.

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قال في الحدائق:

(ينبغي أن يعلم أن الجراد في معنى الصيد البري؛ فيحرم قتله، و يضمنه المحرم في الحل و الحرم. و ان كان أصله من البحر لانه يتوالد منه أولا ثم يتوالد في البر و في المستند:

(الجراد في معنى الصيد البري اتفاقا محققا و محكيا له) و في كشف اللثام (أنه صيد بري عندنا) و في الجواهر. (و الجراد في معنى الصيد البري

عندنا، بل في المنتهى و عن تذكرة: أنه قول علمائنا؛ و أكثر العامة و في المسالك: لا خلاف فيه عندنا، خلافا لأبي سعيد الحذرى و الشافعي و احمد. إلخ). لا ينبغي الإشكال في ذلك.

و الظاهر أنه المتسالم عليه بينهم و يدل عليه مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال «ليس للمحرم ان يأكل جرادا و لا يقتله» قال قلت (ما تقول في رجل قتل جرادة و هو محرم؟) قال: تمرة خير من جرادة. و هي من البحر، و كل شي ء أصله من البحر و يكون في البر و البحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فان قتله متعمدا فعليه الفداء كما قال اللّه تعالى «1».

و صحيح حريز عن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «في محرم قتل جرادة؟» قال:

(يطعم: تمرة، و تمرة خير من جرادة «2»). و صحيح محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن محرم قتل جرادا كثيرا؟» قال: (كف من طعام، و ان

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 37 من كفارات الصيد و توابعها الحديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 37 من كفارات الصيد و توابعها الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 41

..........

كان أكثر فعليه شاة «1»). و صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام الجراد من [في- خ ل] البحر و كل شي ء يكون أصله في البحر و يكون في البر و البحر؛ فلا ينبغي للمحرم أن يقتله و ان قتله فعليه الفداء كما قال اللّه تعالى «2» و صحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال: «سألته

عن محرم قتل جرادة»؟ قال: (كف من طعام و ان كان كثيرا فعليه دم شاة «3») و صحيح ابن ابى عمير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: (اعلم ان ما وطئته من الدّبا أو وطأ بعيرك فعليك فداؤه) «4». و صحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال: مر على (صلوات اللّه عليه) على قوم يأكلون جرادا فقال: «سبحان اللّه و أنتم محرمون؟!.» فقالوا: (انما هو من صيد البحر) فقال لهم: (فارمسوه في الماء إذا) «5» و رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن العلاء نحوه. و رواه الصدوق- قدس سره- مرسلا. و رواه في المقنع ايضا مرسلا إلا انه قال فيها:

(مر أبو جعفر على قوم) و خبر يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجراد يأكله المحرم؟ قال: لا «6» و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

(ليس للمحرم أن يأكل جرادا و لا يقتله) الحديث «7» و صحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال: (المحرم لا يأكل الجراد) «8» الى غير ذلك من الروايات الواردة عنهم- عليهم السّلام- الدالة على حرمة صيد الجراد، فيحرم على المحرم صيده؛ و أكله فإن فعله متعمدا فعليه الكفارة إلا ما يقتل منه من غير تعمد في حال الاضطرار، لانتشارهم في الطريق، و يدل على ذلك الأخبار الكثيرة الواردة في المقام كصحيح حريز عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 37 من كفارات الصيد و توابعها الحديث 3.

(2) الوسائل ج 2- الباب- 37 من كفارات الصيد و توابعها الحديث 4.

(3) الوسائل ج 2- الباب- 37 من كفارات الصيد و توابعها الحديث

6.

(4) الوسائل ج 2- الباب- 37 من كفارات الصيد و توابعها الحديث 8.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 7 من أبواب: تروك الحرام الحديث 1

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 7 من أبواب: تروك الحرام الحديث 5

(7) الوسائل: ج 2- الباب- 7 من أبواب: تروك الحرام الحديث 4

(8) الوسائل: ج 2- الباب- 7 من أبواب: تروك الحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 42

و لا يحرم صيد البحر [1] و هو ما يبيض و يفرخ في الماء (1)

زرارة عن أحدهما قال: المحرم يتنكب الجراد إذا كان على الطريق فان لم يجد بدا فقتله فلا شي ء عليه) «1». و خبر إسحاق بن عمار عن أبى بصير قال: «سألته عن الجراد يدخل متاع القوم فيدرسونه من غير تعمد لقتله أو يمرون به في الطريق فيطأونه؟». قال:

(أن وجدت معدلا فاعدل عنه فان قتله غير متعمد فلا بأس) «2» و صحيح معاوية ابن عمار قال قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الجراد يكون في ظهر الطريق و القوم محرمون فكيف يصنعون؟» قال: (يتنكبونه ما استطاعوا) قلت: فان قتلوا منه شيئا فما عليهم؟» قال: (لا شي ء عليهم) «3» إلى غير ذلك من الاخبار المستفاد منها عدم حرمة القتل في الفرض المزبور فما افاده المصنف- قدس سره- من أن الجراد في معنى الصيد البري متين.

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه بينهم قال في الجواهر: (بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه. بل عن المنتهى دعوى إجماع المسلمين عليه و أنه لا خلاف فيه بينهم) و قال في الحدائق:

(لا خلاف في جواز صيد البحر نصا و فتوى، و جواز أكله؛ و سقوط الفدية

فيه) و قال في المدارك: (اجمع العلماء كافة على عدم تحريم صيد البحر و جواز أكله و سقوط الفدية فيه) و يدل على ذلك قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ

______________________________

[1] قال في المستند و المراد بالبحر ما يعم النحر ايضا، كما قيل بل بلا خلاف، كما عن التبيان قال: (لان العرب يسمى النهر بحرا، و منه قوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسٰادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ) و الأغلب في البحر هو الذي يكون ماؤه مالحا، لكن إذا أطلق دخل فيه الأنهار بلا خلاف).

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 7 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و قد ورد في باب 38 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 3.

(2) الوسائل ج 2- الباب 7 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 38 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 43

..........

و للسيارة) «1». و جملة من النصوص الكثيرة الواردة في المقام- منها:

1- صحيح معاوية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال (و السمك لا بأس بأكله طريه و مالحه و يتزود قال اللّه تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ). قال: (فليختر الذين يأكلون؛ و قال فصل ما بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض في البر و يفرخ في البر فهو من صيد البر، و ما يكون من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر «2».

2- صحيح حريز عمن أخبره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا بأس بأن يصيد المحرم السمك، و يأكل مالحه و طريه، و يتزود قال اللّه [أُحِلَّ لَكُمْ

صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ.] قال مالحه الذين تأكلون؛ و فصل ما بينهما، كل طير يكون في الآجام يبيض في البر، و يفرخ في البر، فهو من صيد البر و ما كان من صيد البر يكون في البر و يبيض في البحر، فهو من صيد البحر «3» و رواه الصدوق (ره) مرسلا الا انه اقتصر على الآية و ما بعدها و رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القسم عن عبد الرحمن عن حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام و ذكره بتمامه إلا انه قال: (متاعا لكم قال: فليختر الذين يأكلون).

3- ما رواه العياشي في تفسيره عن زيد الشحام عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن قول اللّه تعالى:» (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ؟) قال: (هي الحيتان المالح و ما تزودون منه ايضا و ان لم يكن مالحا فهو متاع) «4» و لا يخفى ان المستفاد من صحيحي معاوية و حريز المتقدمين هو كون المدار في

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 97.

(2) الوسائل ج 2- الباب 6- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

(3) الوسائل ج 2- الباب 6- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

(4) الوسائل ج 2- الباب 6- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 44

..........

إلحاق الطيور التي تعيش في البر و البحر معا بأحد الصنفين على البيض و الفرخ في ذلك المكان لا على التعيش و الارتزاق فيه؛ فما كان من الطيور الوحشية يبيض و يفرخ في البر، فهو من الطيور البرية و ان كان يعيش في البحر ايضا؛ و ما كان من الطيور يبيض و يفرخ في البحر فهو من

الطيور البحرية، و ان كان يعيض في البر ايضا.

فما افاده المصنف- قدس سره- من ان صيد البحر هو ما يبيض و يفرخ في الماء موافق لما يستفاد منهما. و قال في المنتهى: (لا يعلم في تمامية هذه الضابطة خلافا الا من العطاء) على ما نقل في الجواهر.

و اما مرسلة ابن سماعة، أبان عن الطيار عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: (لا يأكل المحرم طير الماء) «1» فيحمل بعد تسليم صحة سنده على ما إذا كان في البحر، و لكنه يبيض و يفرخ في البر- كما فعله ذلك صاحب الجواهر- رحمه اللّه تعالى.

و كيف كان يستفاد من صحيح محمد بن مسلم المتقدم- الذي استشهد به الامام عليه السّلام على حرمة صيد الجراد ضابطة اخرى؛ لما ورد فيه من ان عليا عليه السّلام حين ما مر على قوم محرمين رأى انهم يأكلون الجراد؛ فاعترض عليهم؛ فأجابوه بأنه بحري فقال لهم:

(ارمسوه في الماء إذا)- ان الضابط في البرية و البحرية هو التعيش في الماء أو البر فان عاش في الماء فقط فهو بحري؛ و ان عاش في البر فقط فهو بري، لأن ظاهر الأمر في قوله عليه السّلام (ارمسوه في الماء إذا) هو الإنكار عليهم في ما ادعوه من كونه من صيد البحر، فان معناه انه لو كان بحريا يعيش فيه، فالمعيار المستفاد من هذا الحديث في إلحاق المشكوك بأحد الصنفين هو التعيش في البحر و عدمه، فما لا يعيش إلا في الماء فهو بحري، و ما لا يعيش إلا في البر فهو بري.

و لا تنافي بين هذا الضابط و بين الضابط الذي استفيد من صحيحتي معاوية و حريز

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6 من أبواب تروك الإحرام

الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 45

..........

المتقدمتين من كون المدار على البيض و الفرخ؛ و ذلك لأن مورد الضابط المستفاد من صحيح محمد بن مسلم هو الحيوان الذي لا يعيش إلا في خصوص البحر أو البر، فان كان لا يعيش إلا في البحر فهو بحري و ان كان يعيش في البر فقط فهو بري. و مورد الضابط المستفاد من صحيحتي معاوية و حريز هو الحيوان الذي يعيش في البر و البحر كليهما، فالمرجح في إلحاق المشكوك بأحد الصنفين هذا الضابط فيقال: فان كان يبيض و يفرخ في البحر فهو بحري و ان كان يعيش في البر، و ان كان يبيض و يفرخ في البر فهو بري و ان كان يعيش في البحر.

« (ينبغي التنبيه هنا على فرعين)» (الأول)- في انه هل يلحق حكم التوالد بحكم البيض و الفرخ أو لا؟.

قد يقال بذلك لشموله قوله عليه السّلام في صحيح معاوية: «و يفرخ» وفاقا لصاحب الجواهر و صاحب المستند و صاحب كشف اللثام- قدس اللّه تعالى أسرارهم- حيث قال صاحب الجواهر: (الظاهر إلحاق حكم التوالد بحكم البيض و الفرخ، بل لعله أولى بل يمكن ارادة ما يشمله من قوله: [و يفرخ]. و قال في المستند؛ (حكم التوالد حكم البيض) و نحوه ما في كشف اللثام.

و لكن الأقوى في النظر عدمه، لعدم شموله لفظ: [البيض؛ و الفرخ] له أما لفظ: (البيض) فعدم شموله للتوالد بديهي. و أما لفظ [الفرخ] فلاختصاصه ظاهراً بما يتكون في البيض و المفروض عدمه و أما قوله عليه السّلام: (فرخك و ابن فرختك) فهو محمول على ضرب من التجوز فعليه لا يمكن تسرية الحكم الثابت على البيض و الفرخ الى التوالد؛ لانه قياس،

و هو ليس من مذهب أهل الحق إلا إذا حصل لنا تنقيح المناط القطعي، و لكنه غير حاصل في الشرعيات- كما هو واضح-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 46

..........

و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا، فالضابطة انما تختص بالحيوان الذي يبيض و يفرخ، و أما غيره كحيوان الذي له التوالد دون البيض و الفرخ فلا دليل لنا على جريان الضابطة عليه فإذا ظهر بما ذكرنا ضعف ما ذهب اليه صاحب الجواهر و المستند و كشف اللثام- قدس سرهم- هذا كله مبنى على الغض عما في القاموس حيث انه يظهر منه عدم اختصاص الفرخ بما يتكون في البيض و إلا فلا قياس أصلا.

(الثاني)- ان مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام في صحيحتي معاوية و حريز المتقدمين (و ما يكون من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر) هو اعتبار بيضه و فرخه في نفس الماء لا في حواليه و لا الآجام و نحوهما- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و لذلك صرح بعض الفقهاء بان البط من صيد البر بل قال العلامة- رحمه اللّه تعالى- في المنتهى: (أنه قول عامة أهل العلم) مع أنه يبيض و يفرخ حول الماء لا في الماء نفسه؛ و على ذلك فأكثر الطيور البحرية بل تمامها تكون من صيد البر، لعدم تحقق الصغرى للضابطة المستفاد من صحيح معاوية و حريز المذكورين، لانه كل ما راجعنا أهل الخبرة و سئلناها لم يعرف بوجود طير يبيض و يفرخ في نفس البحر نعم، بعض الطيور يبيض و يفرخ في طرف البحر القريب منه، اللهم الا ان يقال: ان عدم الوجدان لا يدل

على عدم الوجود.

ان قلت: انه يمكن تحقق الصغرى للضابطة و هو انه يصدق عرفا على الطير الذي باض و فرخ في آجام البحر و حواليه أنه باض و فرخ في الماء فالضابطة المستفادة من الاخبار انما تكون ناظرة الى ما يراه العرف صغرى لتلك الضابطة.

قلت: انه لا وجه لاتباع المسامحات العرفية في تطبيق ما جعله الشارع من كون البيض و الفرخ في الماء و عدمه مناطا للبرية و البحرية لما قد تكرر منا مرارا في الأصول من أن المسامحات العرفية انما تكون متبعة في تشخيص نفس المفاهيم لا في تطبيقها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 47

..........

على المصاديق الخارجية، و لعله ليس في الحيوانات ما كان ذا نفسين و ذا حياتين، و لذلك لا نحتاج إلى هذه الضابطة، و على فرض التسليم قد عرفت اختصاصها بالطيور و عدم شمولها لغيرها لما في صحيحتي معاوية و حريز: (كل طير) ان لم نقل انها و ان اختصت بالطيور لكنها ظاهرة في كون البرية و البحرية مطلقا منوطتين بالبيض و الفرخ في أحدهما فيحكم بشمول الضابطة لغير الطيور فتدبر. و كيف كان فلم نظفر بتنقيح لذلك في كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- كما أشار إليه صاحب الجواهر قدس سره- حيث قال في ذيل هذا المبحث و إليك نص عبارته:

و لكن لم نجد ذلك منقحا في كلامهم، إذ من المحتمل كون ذلك ميزانا لغير المحكوم بكونه من صيد البحر عرفا؛ بل من المحتمل الاكتفاء في كونه صيدا بحريا بالبيض و الفرخ في حوالي الماء، أو في الآجام التي فيه أو نحو ذلك، إلا ان الاحتياط يقتضي اجتنابه) و ما افاده صاحب الجواهر- قدس سره- من الاحتياط متين إلا

إذا أحرزنا انه يبيض و يفرخ في الماء.

فتحصل من جميع ما ذكرنا انه إذا علم بكون حيوان بريا فلا ينبغي الإشكال في حرمة صيده، و إذا علم بكونه بحريا؛ فلا إشكال في حلية صيده. و اما إذا شك فيه و لم يعلم بدخوله في أحد الصنفين سواء كانت الشبهة حكمية أم موضوعية، فالمرجع حينئذ في إلحاق المشكوك بأحد الصنفين هو الضابط الأول المستفاد من صحيح محمد بن مسلم، لو كان يعيش في البحر فقط؛ أو في البر فقط. و الضابط الثاني المستفاد من صحيحتي معاوية بن عمار و حريز لو كان يعيش في البر و البحر كليهما.

هذا كله مما لا كلام لنا فيه انما الكلام و الاشكال فيما لو شك في دخوله في أحد الصنفين و لم يرتفع الشك بالضابط، لا بالأول، و لا بالثاني فيقع الكلام في أنه هل يلحق ذلك بالصيد المعلوم كونه بريا و يحكم بحرمته، أو المرجع هو أصالة البراءة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 48

..........

يمكن المصير إلى الأول، لوجوه:

(الأول)- إطلاق قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ. «1» و إطلاق الاخبار الدالة على حرمة مطلق الصيد كقوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم: (لا تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام) «2». و نحوه غيره من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- و خرج عن هذا الإطلاق مطلق الصيد البحري بالأدلة المتقدمة ذكرها التي قد دلت على حلية الصيد بالنسبة اليه، و بقي الباقي تحت أدلة الناهية، فعلى هذا ان أحرز كون حيوان بحريا، فصيده حلال. و الا فالمرجع هو الاطلاقاة الدالة على حرمة الصيد مطلقا.

و اما كون موضوع الحرمة خصوص البري في قوله تعالى:. حُرِّمَ

عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً «3» فلا يصلح لحمل الإطلاقات الدالة على الحرمة مطلقا عليه، لعدم التنافي الموجب للحمل بعد كونهما مثبتين غير دالين على مطلوبية صرف الوجود، بل مطلق الوجود. (و فيه): أنه بعد تقييد الإطلاقات الدالة على حرمة مطلق الصيد بالنسبة إلى البحري لا يمكن إثبات حرمة الصيد المشكوك بها، و ذلك لان مقتضى تقييد الإطلاقات الدالة على حرمة الصيد مطلقا بالبحري هو تقييد عنوان المطلق- و هو مطلق الصيد- بنقيض عنوان الخاص- و هو عدم البحرية- فعليه يكون متعلق التحريم بعد التقييد. هو الصيد الغير البحري. و من الواضح: أنه لا يمكن إثبات هذا التقييد بالتمسك بها، فإذا شك فيه و لم يعلم بدخوله في أحد الصنفين لا يمكن

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 96.

(2) الوسائل ج 2- الباب 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و في الباب 17 من أبواب كفارات الصيد و توابعها الحديث 1.

(3) سورة المائدة الآية 97

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 49

..........

الحكم بحرمة صيده تمسكا بالعمومات و الإطلاقات سواء كانت الشبهة مصداقية- كما إذا لم يعلم أنه يبيض و يفرخ في البر أو في البحر- أم كانت مفهومية- كما إذا علم موطن بيضه و فرخه و أنه يبيض و يفرخ و يعيش في البر و البحر معا؛ و لكن لأجل تعيشه فيهما شك في أنه ملحق شرعا بالبري أو البحري- و قد حققنا في الأصول انه بعد فرض تعنون العام بعد التخصيص بغير العنوان الذي كان له قبله لا يبقى مجال للتفصيل في حجية العام و عدمها بين الشبهة المفهومية و المصداقية بحجيتها في الأول دون الثاني.

نعم انما يصح هذا التفصيل في التخصيص الأفرادي الذي لا

يعنون به العام و أما في مفروض المقام فليس الأمر كذلك؛ لانه تخصيص عنواني، و قد حققنا في الأصول أن مرجعه الى التقييد، فالعام يعنون بالخاص قطعا، فعليه يكون ما يعنون بعنوان البرية حراما؛ و ما يعنون بعنوان البحرية حلالا، فإذا أحرز أحد هذين العنوانين فلا اشكال. و أما إذا شك في ذلك و لم يعلم أنه بحري أو برئ فلا يمكن إحراز موضوع الحرمة- و هو كونه غير بحري- بالعمومات و الإطلاق الدالة على حرمة مطلق الصيد، لقصورها عن ذلك- كما عرفت آنفا.

و توهم: إمكان التمسك بالعمومات و الإطلاقات لإحراز موضوع الحرمة في المشكوك كونه بريا و بحريا. بتقريب: عدم تعنون العام بعد التخصيص بنقيض الخاص، لان التخصيص من قبيل إعدام الفرد، و من المعلوم عدم تعنون الافراد الباقية تحت العام بعدم الفرد الخارج، لعدم اتصاف جوهر بجوهر آخر لا وجودا و لا عدما؛ فلا يتصف الصيد في المقام بعدم البحرية، و حينئذ فالمشكوك داخل في العام فيتشبث به لإحراز حكمه- و هو الحرمة- واضح الفساد.

ضرورة: عدم كون البحرية من قبيل الافراد بل من العناوين المتنوعة للصيد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 50

..........

بحيث يتصف بكل منهما فيقال: (الصيد البحري) و (الصيد البري). فإذا خرج البحري عن دائرة مطلق الصيد فلا محالة يتضيق مصب العام؛ و يصير الموضوع الصيد الغير البحري؛ فيصير التخصيص من قبيل التقييد لا من قبيل موت فرد. و لا يظن من أحد التمسك بالمقيد مع الشك في القيد. فالمتحصل أنه لا وجه للتشبث بالعام لإحراز موضوع الحرمة في ما شك في بريته و بحريته.

(الثاني)- التمسك بقاعدة: كل حكم ترخيصي علق على أمر وجودي، حيث أنه يؤخذ بضد ذلك الحكم ما

دام لم يعلم بوجود ذلك الأمر الوجودي، ففي المقام يحكم بالحرمة التي هي ضد الحكم الترخيصى المعلق على أمر وجودي- و هو البحرية- فما لم يحرز هذا العنوان يحكم بحرمة الصيد المشكوك كونه بريا أو بحريا.

و الوجه في ذلك هو فهم العرف، لفهمه الملازمة بين ان شاء الحكم المعلق على الأمر الوجودي بعنوانه الواقعي و بين ان شاء الحكم الظاهري الذي هو ضد ذلك الحكم فيما إذا كان الأمر الوجودي مشكوكا، فحكم الأول مدلول مطابقي للأدلة، و الحكم الثاني مدلول التزامي عرفي لها.

و (فيه): منع صغرى و كبرى:

أما الصغرى: فلعدم كون الصيد المشكوك بريته و بحريته من صغريات هذه القاعدة التي موردها عدم اناطة ضد الحكم الترخيصى بأمر وجودي- كالمقام- لكون الحرمة أيضا معلقة على أمر وجودي- و هو البرية، لقوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً. كما أنه قد علقت الحلية على أمر وجودي- و هو كونه بحريا-، فيكون الحكم بالحرمة و الحلية في المقام كليهما معلقين على أمر وجودي في الأول بكونه بريا و في الثاني بكونه بحريا؛ فعليه لا يمكن الحكم بالحرمة إلا بعد إحراز عنوان البرية، و لا يكفي في الحكم بالحرمة مجرد عدم إحراز البحرية- كما لا يخفى-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 51

..........

لعدم وجود الشرط في المقام.

و أما الكبرى: فلعدم دليل على اعتبارها لا عقلا و لا شرعا و لا عرفا- كما قد حقق في الأصول- و أما ما ذكر في تقريب الاستدلال له من التلازم العرفي، فلا يمكن المساعدة عليه، لعدم التلازم عرفا بين الحكم المعلق على الأمر الوجودي بعنوانه الواقعي، و بين إنشاء الحكم الظاهري الذي هو ضده، فيما إذا كان الأمر الوجودي مشكوكا؛ لانه

لا يفهم العرف من الدليل إلا الحكم الواقعي الثابت عند وجود المعلق عليه و ليس المتكلم في بيان الحكم الظاهري و لا يفهمه العرف ايضا من كلامه، لانه ليس له دلالة أخرى بأن كل ما شك في بحرية ذلك الحيوان فيحكم ظاهرا بحرمة صيده- كما لا يخفى- فتدبر.

فقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما ذهب اليه المحقق النائيني- قدس سره- من الاحتياط و عدم إجراء البراءة هنا؛ لتمامية القاعدة بنظره- قدس سره- كبرى و صغرى، و الحرمة في المقام و ان علقت على أمر وجودي- و هو كونه بريا- كالحلية المعلقة على أمر وجودي- و هو كونه بحريا- و لكنه- قدس سره- يرى العبرة بتعليق الحلية عليه دون الحرمة- كما لا يخفى.

(الثالث)- التمسك في إثبات الحرمة بقاعدة المقتضى و المانع.

بتقريب: أن الصيدية مقتضية للحرمة و البحرية مانعة عنها، فإذا أحرز المقتضى و شك في وجود المانع يحكم بوجود المقتضى (بالفتح) و المفروض في المقام العلم بوجود المقتضى (بالكسر) و هو كونه صيدا و عدم العلم بوجود المانع و هو كونه بحريا فيحكم بالحرمة و (فيه) أولا: منع الكبرى، لما قد حققناه في الأصول من عدم اعتبار هذه القاعدة، إذ لم يرد دليل شرعي على حجيتها و عدم كفاية عدم العلم بوجود المانع في ترتب الأثر بل لا بد من العلم بعدم المانع. و ثانيا: منع الصغرى، إذ لم يثبت من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 52

..........

الاخبار الا حرمة الصيد الغير البحري- كما ذكرنا سابقا- و أما كون المقتضي للحرمة خصوص الصيدية و عنوان البحرية مانعا عنها فلم يثبت.

ان قلت: ان عموم العام- و هو حرمة كل صيد- حجة ما لم يرد دليل أقوى على خلافه،

و حيث ان دليل المخصص، و هو قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ. «1»

لا يكون حجة في الافراد التي لم يحرز دخولها تحت عنوان موضوع المخصص، فتبقى حجية العام فيها بلا معارض، ففي مفروض المقام يحكم بحرمة صيد المشكوك كونه بريا أو بحريا، لعدم إحراز عنوان المخصص فيه.

قلت: إنه قد عرفت أن العام بعد تقييده بدليل المخصص بغير افراد الخاص لا يكون حجة إلا في المقيد بغير عنوان الخاص؛ و المفروض أنه مشكوك في المقام فلا يمكن التمسك فيه بعموم العام.

(الرابع)- التمسك في إثبات الحرمة باستصحاب العدم الأزلي أو المحمولي بتقريب أن يقال: ان موضوع الحرمة مركب من جزئين أحدهما وجودي- و هو الصيد- و الآخر عدمي- و هو عدم كونه بحريا- حسب ما عرفت و يثبت هذا العدم بالاستصحاب لانه حين لم يكن موجودا لم يكن بحريا و بعد وجوده نشك في انتقاض عدم بحريته بالوجود فيستصحب هذا العدم، فيحكم بعدم كونه بحريا، فإذا أحرز هذا الجزء العدمي بالأصل و جزءه الآخر و هو الصيدية بالوجدان يلتئم كلا جزئي الموضوع فيحكم بالحرمة.

و (فيه): ما حققناه في الأصول من عدم حجية استصحاب العدم الأزلي فيما إذا كان الأثر مترتبا على خصوص العدم النعتي- كما في ما نحن فيه- لما مر من ان المستفاد من أدلة التخصيص كون موضوع الحكم هو الصيد المتصف بعدم كونه بحريا،

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 97

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 53

..........

بل يمكن أن يستفاد من الأدلة دخل القيد الوجودي- و هو البرية- في موضوع الحكم لا القيد العدمي- و هو عدم البحرية- كي يتم الموضوع باستصحاب العدم المحمولي بعد ضم الوجدان، و هو كونه صيدا؛ و ذلك لقوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ

صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً «1» و عليه فلا مجال لجريان استصحاب العدم المحمولي في المقام، و على فرض تسليم جريانه لا يمكن إثبات برية المشكوك به؛ لكونه مثبتا- كما لا يخفى.

نعم، على القول بعدم تعنون العام بهذا الخاص- كما أشرنا إليه سابقا- لا بأس بالعمل بهذا الأصل لو كان صحيحا في حد نفسه، و أغمض النظر عما ذكرنا من كون الأثر مترتبا على العدم النعتي.

فقد ظهر من جميع ما ذكرنا أنه ليس في البين دليل تعبدي يثبت حرمة الصيد المشكوك في كونه بريا أو بحريا فالمرجع حينئذ عند الكل هو أصالة البراءة في الشبهة الموضوعية بلا اشكال و أصالة البراءة أيضا في الشبهة الحكمية عند الأصوليين، و أصالة الاحتياط فيها عند جل المحدثين.

ثم ان الرجوع إلى البراءة في المشكوك مبنى على عدم تمامية الضابط المتقدم المستفاد من الاخبار المتقدمة في تمييز الصيد البري عن البحري؛ و الا فلا وجه للرجوع إلى البراءة أصلا، إذ مقتضى ذلك الضابط كونه بريا ان كان يعيش في البر فقط و بحريا ان كان يعيش في البحر كذلك، و مع تعيشه في كليهما فينظر إلى مكان بيضه و فرخه؛ فان كان هو الماء فبحرى و ان تعيش في البر ايضا؛ و ان كان هو البري فبري و ان تعيش في البحر أيضا.

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 97

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 54

[و النساء]
اشارة

و النساء وطيا (1)

« (إيقاظ)» لا يخفى: ان الظاهر عدم كون الضابط المتقدم المستفاد من الاخبار من الأمارات المعتبرة في ظرف الشك بل الظاهر كونه رافعا للاشتباه و موجبا للوثوق باندراج المشكوك في أحد الصنفين؛ فالمدار حينئذ في ترتيب آثار أحد الصنفين على هذا الوثوق.

و هذا انما

تكون نظير صفات الحيض الموجبة للوثوق و الاطمئنان به و نظير الأمارات بناء على ما سلكناه في الأصول من ان اعتبارها انما يكون لأجل حصول الوثوق و الاطمئنان منها فاعتبارها انما يكون ببناء العقلاء على ما حقق مفصلا في الأصول.

و الثمرة: بين كون الضابط المزبور عقلائيا أو تعبديا هي أن يؤخذ بذلك الضابط مطلقا على الثاني دون الأول؛ لأن الأخذ به منوط بالوثوق فبدونه يرجع الى الأصل العملي- و هو البراءة- على ما تقدم فلاحظ و تأمل و اللّه هو الهادي إلى الصواب

(1) بلا خلاف أجده في ذلك، و هذا هو المعروف بين الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم. و في الجواهر بعد ما نفي الخلاف قال: (للإجماع بقسميه عليه). و ادعاه صاحب المدارك- قدس سره- ايضا و يدل على ذلك قوله تعالى فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «1» و الرفث هو الجماع بالنصوص الكثيرة الواردة عنهم- عليهم السّلام- في المقام كصحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه؛ و ذكر اللّه، و قلة الكلام الا بخير، فان تمام الحج و العمرة ان يحفظ المرء لسانه

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 92.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 55

..........

الا من خير، كما قال اللّه عز و جل فان اللّه يقول فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ فالرفث الجماع، و الفسوق الكذب و السباب و الجدال قول الرجل: (لا و اللّه، و بلى و اللّه) «1». و كخبر على بن جعفر قال: سألت أخي موسى عليه السّلام: (عن

الرفث؛ و الفسوق، و الجدال ما هو و ما على من فعله؟.) فقال: (الرفث جماع النساء، و الفسوق الكذب و المفاخرة، و الجدال قول الرجل: (لا و اللّه و بلى و اللّه) «2». و كخبر المفضل بن صالح عن زيد الشحام قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال؟» قال: (اما الرفث فالجماع، و اما الفسوق فهو الكذب، الا تسمع، لقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ «3». و الجدال قول الرجل: (لا و اللّه، و بلى و اللّه و سباب الرجل الرجل «4».

و ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن، عن جده عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرفث، و الفسوق، و الجدال، ما هو و ما على من فعله؟.» قال: (الرفث: جماع النساء و الفسوق: الكذب و المفاخرة، و الجدال: قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه. إلخ «5»).

و ما رواه محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلا من نوادر احمد بن محمد بن أبى نصر البزنطي عن عبد الكريم، عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام في حديث قال:

«قلت له: أ رأيت من ابتلى بالرفث و الرفث هو الجماع ما عليه؟» قال: (يسوق الهدي.

إلخ) «6» و أنت ترى صراحة دلالة هذه الاخبار على المدعى، و هو كون المراد

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) سورة الحجرات الآية 6

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 32 من أبواب تروك

الإحرام الحديث 8

(5) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 16

(6) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 15

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 56

..........

من الرفث الجماع و يدل على ذلك مضافا الى الآية الشريفة. جملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- منها:

1- خبر على بن حمزة، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام: «عن رجل محرم واقع اهله؟ قال: (قد اتى عظيما) قال: «استكرهها أو لم يستكرهها»؟ قلت: (أفتني فيها جميعا) قال: (ان كان استكرهها فعليه بدنتان، و ان لم يكن استكرهها فعليه بدنة، و عليها بدنة، و يفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان، حتى ينتهيا إلى مكة و عليهما الحج من قابل لا بد منه. قال قلت: «فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأة كما كانت؟» فقال: (نعم هي امرأة كما هي فإذا انتهيا الى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا فإذا أحلا فقد انقضى عنهما فان أبى كان يقول ذلك «1». و رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله 2- خبر سليمان بن خالد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟» فقال: (ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك؛ و حتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء) «2» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام الدالة على ترتب الكفارة على الوطي في حال الإحرام. و لا يخفى

ان دلالة هذه الاخبار على المدعى- و هو الحرمة- انما يتم بناء على تسليم الملازمة بين الكفارة و الحرمة و الا فلا- كما هو واضح- ثم ان تنقيح هذا المبحث يتوقف على الإشارة إلى فروع:

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 4 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 4 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 57

..........

(الأول)- ان حرمة وطيها في حال الإحرام ليست مختصة بإتيانهن قبلا لصدق: [الجماع- و الرفث] على وطي الدبر أيضا لأنه قد فسر: [الرفث] في بعض الاخبار المتقدمة: ب (جماع النساء)- كما في خبر على بن جعفر قال عليه السّلام فيه:

(الرفث: جماع النساء) و هي- كما ترى- تصدق على وطي الدبر ايضا كصدقها على وطي القبل فتدبر.

(الثاني)- انه هل يكون إيجاب الكفارة و إفساد الحج مختصا بالعالم بالحرمة أو يعم غيره- من الجاهل و الناسي.؟- فنقول: لا ينبغي الإشكال في اختصاص ذلك بالعالم بالحرمة. و أما الجاهل و الناسي فليس عليهما شي ء؛ و يدل على ذلك- مضافا الى اتفاق جميع الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قديما و حديثا- جملة من النصوص الكثيرة الواردة عنهم- عليهم السّلام- الدالة على ذلك- كصحيح زرارة قال:

سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة؟ فقال (ان كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا على حجهما و ليس عليهما شي ء «1» و ما عنه قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: (رجل وقع على أهله و هو محرم؟.) قال: (أ جاهل أو عالم)؟ قال قلت (جاهل) قال: (يستغفر اللّه؛ و لا يعود، و لا شي ء عليه) «2» و كصحيح معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه

السّلام: «عن محرم وقع على أهله؟» فقال: (ان كان جاهلا فليس عليه شي ء) «3» و ما رواه زرارة و ابى بصير جميعا قال: (سألنا أبي جعفر عليه السّلام عن الرجل الذي اتى أهله في شهر رمضان أو أتى اهله و هو محرم، و هو لا يرى إلا ان ذلك حلالا له؟» قال: (ليس عليه شي ء) «4» و ما رواه عن أبى جعفر: «في المحرم يأتي أهله ناسيا؟» قال: (لا شي ء عليه انما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناس) «5» و نحوها غيرها من الاخبار التي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 3.

(4) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 4.

(5) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 58

..........

سيأتي ذكرها- إنشاء اللّه تعالى- في مبحث الكفارات، و لا إشكال أيضا في ان الرفث مفسد للحج ان لم يكن بعد المشعر و ذلك للأخبار التي سيأتي ذكرها في محله- ان شاء اللّه تعالى.

(الثالث)- في أنه هل يختص الحكم المزبور- و هو ثبوت الكفارة- برفث امرأته أو يعم غيرها من النساء. يمكن ان يقال بالأول و ذلك لان قوله تعالى [فَلٰا رَفَثَ] الدال على حرمته في حال الإحرام ليس ناظرا إلى حرمة مطلق مجامعة النساء، بل هو ناظر إلى حرمة ما لم يكن محرما قبل الإحرام و هو مجامعته مع امرأته، فعليه يختص الحكم برفث

امرأته فقط و الوجه في ذلك: هو أن ما يكون محرما في حد نفسه كحرمة الرفث مع الأجنبية لا يمكن ان يصير محرما ايضا بالحرمة الإحرامية لكون الحكم و هو الحرمة منتزعا عن إنشاء النسبة الذي لا يكون قابلا للشدة و الضعف، حتى يقال بأشدية الحرمة في مجامعته مع الأجنبية في حال الإحرام من الحرمة المترتبة عليها في غير حال الإحرام نعم: بناء على كون الحرمة هي الحزازة و المبغوضية في متعلقها لكانت قابلا للتأكد و الشدة فيمكن حينئذ ان يقال بأن المبغوضية الثابتة للرفث مع الأجنبية تتأكد و تشتد بوطئها في حال الإحرام و لكن قد حققنا في الأصول خلافه و قلنا:

ان الأحكام بأسرها- من الحرمة و غيرها- أمور بسيطة انتزاعية غير قابلة للتأكد و الازدياد فعليه ما يكون حراما لا يمكن ان يصير حراما أيضا بالحرمة الإحرامية لعدم قابليته للشدة و الضعف.

و اما الأهمية و المهمية المقررة فإنما تكون بلحاظ المتعلق و الواجب لا بلحاظ نفس الحكم، كما هو واضح فعليه يختص ذلك الحكم و الكفارة بما إذا جامع مع امرأته و لكن الحق ان الحكم في المقام يعم جميع النساء و يحكم بشموله الأجنبية و ذلك لعدم المنافاة بين كونه محرما من أصله و كونه محرما ايضا بالحرمة الإحرامية بمعنى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 59

..........

صيرورة وطيه مع الأجنبية موجبا للكفارة عليه كما ذكر الفسوق في الآية الشريفة مع كونها محرما من أصله فيحكم بثبوت الكفارة فيما إذا وطئ امرأة أجنبية كما يحكم بذلك إذا وطئ امرأته.

(الثالث)- انه لا يخفى اختصاص الحكم المزبور- من الكفارة و غيرها- بوطي النساء و لا يمكن التعدي منه إلى مساحقة النساء بعضهن ببعض؛ و الى

وطئ البهائم، و غيرها، و ان كان العقاب في بعضها أشد و ذلك لوجوب الاقتصار على مورد الأخبار المتقدمة- و هو جماع النساء- لاحتمال خصوصية فيها. و لا دافع لهذا الاحتمال إلا فهم المثالية من ذكر جماع النساء (بدعوى): ظهوره فيها، و لكنها غير مسموعة، لكون الظاهر على خلافها فتدبر.

نعم: إذا حصل القطع بالمناط، فلا مانع من التعدي من موردها- و هو جماع النساء- الى غيره- و هو وطي البهائم و غيرها- و لكن ذلك مجرد فرض لا واقع له، لعدم الإحاطة، بالملاكات و موانعها لغير علام الغيوب؛ و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن بالحكم؛ و هو لا يغني من الحق شيئا، لعدم دليل على اعتباره فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا غير مشروع عندنا.

و لكن يمكن ان يقال بعدم اختصاص الحكم- و هو ثبوت الكفارة- بوطي النساء بل يحكم بذلك أيضا في وطي البهائم و غيرها (بدعوى): انه و لو فسر:

[الرفث] الواقع في منطوق الآية الشريفة ب [جماع النساء] في بعض الاخبار المتقدمة- كما في خبر على بن جعفر قال عليه السّلام فيه: (الرفث: هو جماع النساء). إلا أنه قد فسر في بعض آخر منها [بالجماع] و هو ايضا تقدم ذكره في صدر المبحث- كما في صحيح معاوية بن عمار قال عليه السّلام فيه: (و الرفث هو: الجماع). و من الواضح:

أنه يعم النساء و غيرها، و ذلك لان المعيار في الحكم بناء عليه هو صدق هذا العنوان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 60

و لمسا (1)

و لا ينبغي الإشكال في صدقه على وطي البهائم و غيرها، كصدقه في وطي النساء.

و اما تقييد ما دل على ان (الرفث) هو الجماع بما

دل على ان [الرفث] هو جماع النساء فيمكن ان يقال بأنه لا مجال له لعدم التنافي الموجب للحمل المطلق على المقيد فيما نحن فيه، لكونهما مثبتين و عليه فالتعدي عن جماع النساء الى غيرها- من البهائم و غيرها- ليس من تنقيح المناط حتى يورد عليه بعدم إمكانه في الشرعيات لعدم الإحاطة بالملاكات و موانعها و غاية ما يحصل منه الظن بالحكم و لا دليل على اعتباره بل لأجل إطلاق بعض الاخبار الواردة في تفسير الآية الشريفة المتقدمة [فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ. إلخ] و منها صحيح معاوية بن عمار المتقدم لقوله عليه السّلام فيه و الرفث هو الجماع.

و لكن يمكن ان يقال بتمامية ضابط باب حمل المطلق على المقيد- و هو التنافي الموجب للحمل- في ما نحن فيه، و ذلك لورود الأخبار المتقدمة- كما ترى- في مقام تفسير كلمة [الرفث] المتضمنة له الآية الشريفة، و معنى الرفث اما هو مطلق الجماع، أو خصوص جماع النساء لا كلاهما، فيتعين بناء عليه حمل ما دل على ان الرفث مطلق الجماع على ما دل على أنه جماع النساء و ذلك لكونهما في مقام التفسير و التحديد، فعليه يحكم باختصاص الحكم المزبور بوطي النساء دون البهائم و غيرها و ان كان العقاب في بعضها أشد، لأن مجرد أشدية العقاب لا توجب الكفارة.

نعم إذا أحرز بعدم ورود الأخبار المتقدمة في مقام التفسير و التحديد فلا يتم ذلك لما عرفت و لكن من أين يحصل ذلك فعليه يحكم بثبوت الكفارة على المحرم إذا وطي النساء سواء كانت امرأته أو كانت أجنبية دون البهائم و غيرها كما هو المشهور بل ادعى عليه الإجماع.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة

لمس النساء على المحرم انما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 61

و عقدا لنفسه و لغيره (1)

يكون فيما إذا كان ذلك عن شهوة، و اما إذا كان بدون شهوة فلا بأس به؛ و هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و يدل على ذلك- مضافا إلى اتفاقهم- ما في خبر مسمع بن أبى سيار، قال قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: (يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة؛ ان قبل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة و ان قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر اللّه و من مس امرأته و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة، و من نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و ان مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه «1» و لا يخفى ان حرمة المس على المحرم الموجب للكفارة انما يكون مختصا بما إذا مس بامرأته دون غيرها- من الأجنبية و غيرها- و ذلك لاختصاص الخبر بها فلا يمكن التعدي عن مورده- و هو امرأته- إلى غيره و هو الأجنبية و غيرها.

و أما القول بإمكان التعدي بتنقيح المناط فلا يمكن المساعدة عليه لانه غير قطعي و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و لا دليل على اعتباره فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا غير مشروع عندنا لاحتمال خصوصية في مس الزوجة دون غيرها ثم أنه لا يخفى ان الحكم- و هو ثبوت الكفارة- في مفروض المقام انما يختص بالرجل المحرم إذا مس امرأته و أما إذا مس الامرأة المحرمة زوجها فلا مانع منه، لعدم الدليل على الحرمة. و أما الخبر المتقدم فهو-

كما ترى- لا دلالة فيه على ذلك نعم إذا قام دليل تعبدي عليه فيؤخذ به.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة عقد المحرم لنفسه و لغيره مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قال في الجواهر في شرح قول المصنف- طاب ثراه-: (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه؛ بل المحكي منهما مستفيضة ان لم يكن متواترة) و يدل على

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 12 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 62

..........

ذلك- مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- جملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- في المقام كصحيح حماد عن ابن المغيرة، عن ابن سنان، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (ليس للمحرم أن يتزوج و لا يزوج، و ان تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل) «1». و رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن عبد اللّه بن سنان مثله، إلا أنه قال: (و لا يزوج محلا). و زاد: [و أن رجلا من الأنصار تزوج و هو محرم، فأبطل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نكاحه] و خبر أبى الصباح الكناني؛ قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم يتزوج.؟» قال: (نكاحه باطل) «2». و ما رواه موسى بن القسم، عن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن سنان؛ عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: (ليس ينبغي للمحرم أن يتزوج، و لا يزوج محلا) «3» و ما رواه محمد بن عيسى، عن الحسن بن على، عن بعض أصحابنا، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: (المحرم لا ينكح و لا ينكح، و لا

يشهد؛ فان نكح فنكاحه باطل) «4». و رواه الكليني- رضوان اللّه تعالى عليه- عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد مثله و زاد: [و لا يخطب]. و صحيح ابن أبى عمير، عن صفوان؛ عن معاوية ابن عمار، قال: (المحرم لا يتزوج، و لا يزوج فان فعل فنكاحه باطل) «5». و خبر الحسن بن محبوب؛ عن سماعه بن مهران، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوج محرما و هو يعلم أنه لا يحل له). قلت: «فان فعل فدخل بها المحرم.؟» فقال: (ان كانا عالمين فان على كل واحد منهما بدنة، و على المرأة ان كانت محرمة بدنة، و ان لم تكن محرمة فلا شي ء عليها، إلا أن تكون هي قد علمت أن الذي تزوجها محرم، فان كانت علمت ثم تزوجته فعليها بدنة) «6» و رواه الشيخ

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 63

..........

- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن محمد بن يعقوب. و خبر عاصم بن الحميد، عن أبى بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (المحرم يطلق و لا يتزوج) «1» و رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن موسى بن القسم، عن صفوان و ابن أبى عمير، عن عاصم بن

حميد إلا أنه قال: (للمحرم أن يطلق و لا يتزوج) و رواه الصدوق- قدس سره- عن عاصم بن الحميد كالأول. إلى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- و أنت ترى تمامية دلالتها على المدعى.

ثم أن تنقيح البحث في هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الاولى)- أنه كما يستفاد من الأخبار المتقدمة حرمة التزويج لنفسه، كذلك يستفاد منها حرمة إجراء الصيغة لغيره عليه تكليفا و وضعا- و هو فساد العقد و عدم ترتب الزوجية عليها- و لا مجال لاحتمال أن يقال: إن قوله عليه السّلام في الاخبار المتقدمة: (يتزوج) حقيقة في التزويج، و لا يشمل إجراء الصيغة.

اللهم إلا أن يقال بعدم شمول التزويج الحقيقي لإجراء الصيغة، لأنه عبارة عن قيام الأب أو المولى بزواج ابنه الصغير أو عبده فهناك يصدق هذا العنوان حقيقة- و هو كونه مزوجا و أما مجرى الصيغة فلا يصدق عليه هذا العنوان حتى يقال بشمول الأخبار الناهية له.

لكن يمكن المناقشة فيه بما في خبر الحسن بن على المتقدم قال عليه السّلام فيه:

(المحرم لا ينكح، و لا ينكح؛ و لا يشهد. إلخ) لظهوره عرفا في حرمة كل عمل له دخل في تحقق الزواج و لو بنحو الاعداد.

مضافا إلى إمكان دعوى ظهور عنوان المزوج عرفا في مجرى الصيغة بل هو المتعين لان المزوج حقيقة من يوجد علقة الزوجية بين الرجل و المرأة، و من

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 17 من أبواب تروك الحرام الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 64

..........

المعلوم عدم انطباقه إلا على المجرى لعقد النكاح، فالمناقشة في صدق المزوج على مجرى الصيغة في غاية الضعف. و على كل حال لا ينبغي الارتياب في حرمة إجراء صيغة النكاح على

المحرم إما لصدق المزوج عليه حقيقة- كما عرفت- و إما لكونه دخيلا في تحقق الزواج و لو دخلا إعداديا- كما مر آنفا.

فعلى هذا ليس لأحد من الجد المحل أو الأب كذلك أن يوكل شخصا محلا لتزويج الصغير المحرم و كذلك ليس لأحدهما مع فرض كونه محرما دون المولى عليه ان يوكل محلا لتزويجه لحرمة كل فعل له دخل و لو بنحو الاعداد في تحقق الزواج فليس لهم توكيل الغير في التزويج و ان لم نقل بكون التوكيل تزويجا.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه العلامة- طاب ثراه- في القواعد من ان الأقرب جواز توكيل الأب المحرم محلا في تزويج المولى عليه، بعد توجيهه في الجواهر بان التوكيل ليس من التزويج المحرم بالنص و الإجماع. و لا بأس بذكر ما في الجواهر حيث أنه بعد ما جمع بين ما دل على حرمتها عليه مؤبدا بالعقد في حال الإحرام و ما دل على عدم حرمتها عليه مؤبدا به بل له تزويجها و نكاحها بعد إحلاله بحمل الأول و هو ما دل على عدم جواز نكاحها عليه بعد إحلاله على صورة العلم و بحمل الثاني و هو ما دل على جواز نكاحها له بعد إحلاله على صورة الجهل بشهادة خبر داود بن سرحان الدال على ان المحرم إذا تزوج و هو يعلم انه حرام لم يحل له ابدا و اعتضاده بالنسبة إلى علمائنا قال: (فوسوسة بعض الناس في غير محلها كما ان ما عن أبي حنيفة و الثوري و الحكم من جواز نكاحه لنفسه فضلا عن غيره من جملة إحداثهم في الدين بل الظاهر عدم الفرق في الحرمة في الأول بين المباشرة، و التوكيل؛ كما عن المشهور

و غيره؛ التصريح به. بل لو كان قد وكل حال الحل لم يجز للوكيل العقد له حال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 65

..........

الإحرام، كما لو وكل حال الإحرام محلا على العقد له حال الإحلال صح، بناء على عدم اعتبار إمكان وقوع الموكل فيه من الموكل حال الوكالة، لأن التوكيل ليس نكاحا، و ستسمع تحقيقه في التفريع الذي ذكره المصنف. و كذا بين الفضولي و الوكالة و الولاية في الثاني، بل قد عرفت صراحة النصوص في بطلان العقد، كما هو معقد صريح الإجماع في الخلاف و الغنية و التذكرة، و ظاهره في غيرها. نعم؛ في القواعد: «الأقرب جواز توكيل الجد المحرم محلا أي في تزويج المولى عليه» بل مقتضاه الصحة و ان أوقعه الوكيل و الولي محرما؛ و لعله لانه و المولى عليه محلان؛ و التوكيل ليس من التزويج المحرم بالنص و الإجماع. و فيه: ما لا يخفى عليك في ما لو أوقعه الوكيل حال الإحرام، إذ الوكيل نائب الموكل و لا نيابة في ما ليس له فعله على التزويج المنهي عنه في النصوص، الذي يشمل التوكيل، و لذا قطعوا بحرمة توكيل المحرم على التزويج لنفسه و بطلان العقد، و لعله لذا كان خيرة محكي الخلاف عدم الجواز مدعيا عليه الإجماع. على أنه لا وجه لتخصيص الجد بالذكر) و مضافا إلى ما افاده- قدس سره-: ان الأمر بالكفارة في بعض الاخبار المتقدمة كخبر سماعة بن مهران المتقدم في صدر المبحث يكشف عن حزازة و مبغوضية في هذا الفعل بحيث لا يرضى الشارع المقدس بوجوده في ذلك الحال؛ بناء على الملازمة بين الكفارة و الحرمة. و بالجملة: فلا فرق في حرمة النكاح في ذلك الحال بين

كون الوكيل و المولى عليه محلين و محرمين و مختلفين.

(الثانية)- أنه لا معارضة بين الاخبار المتقدمة الدالة على عدم جواز التزويج في حال الإحرام و بين خبر الحسن بن على عن عمر بن أبان الكلبي عن المفضل أنه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال له: «هذا الكلبي على الباب و قد أراد الإحرام و أراد ان يتزوج ليغض اللّه بذلك بصره، إن أمرته فعل و الا انصرف عن ذلك؟.» فقال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 66

..........

له: (مره فليفعل ليستتر) «1». و ذلك لوضوح ان مورده قبل التلبس بالإحرام لا بعده حتى يتحقق التعارض. قال في الوسائل بعد ما ذكر هذا الحديث: (قال الشيخ قوله: عليه السّلام [فليفعل] انما أراد قبل دخوله في الإحرام؛ و قال يمكن أن يكون محمولا على التقية؛ لأنه مذهب بعض العامة. أقول: الوجه الأول عين مدلوله) (الثالثة)- أنه لو عقد الفضولي للمحرم و بعد خروجه عن الإحرام أجاز ذلك العقد فهل يمكن القول بصحته أم لا؟. الظاهر: أن المسألة مبنية على أن الإجازة في باب الفضولي ناقلة أو كاشفة فإن قلنا بكونها ناقلة- كما هو الأصح؛ على ما حقق في محله- فلا مانع من صحته، لحصول الزواج- بناء عليه- بعد الإحلال و ان قلنا بكونها كاشفة فلا.

ثم انه لا يجوز للمحرم اجازة عقد النكاح الواقع فضولا و ان وقع العقد في حال إحلاله بناء على النقل. و لكن بناء على الكشف فيمكن أن يقال: أنه لا مانع منه لأن المؤثر حينئذ ليس إلا العقد حين وقوعه لا حين الإجازة.

اللهم إلا أن يقال بعدم جواز كل شي ء له تعلق بالنكاح للمحرم- كما قلنا به سابقا- و يومي اليه مرسل ابن

أبي شجرة في المحرم يشهد على نكاح محلين؟ قال:

(لا يشهد) ثم قال: يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل!؟! «2» حيث انه أريد به الإنكار و التشبيه. بتقريب:، أنه كما لا يجوز اشارة المحرم الى الصيد كذلك لا يجوز له الشهادة، فإن مقتضى تشبيهها بالإشارة إلى الصيد هو عدم جواز صدور كل ما له دخل في النكاح من المحرم و لو بالإجازة. بل يستفاد من هذا المرسل أن كل ما يتعلق بالنكاح و لو تعلقا إثباتيا لا ثبوتيا- كالشهادة التي لا تؤثر في ثبوت

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 1 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 67

..........

النكاح بل تؤثر في إثباته- يحرم على المحرم. و ان التعلق الاثباتى في النكاح كالتعلق الثبوتي في غيره- كالإشارة التي لها دخل إعدادي في تحقق الصيد.

(الرابعة)- انه لو تزوج المحرم فعقد على المحلة أو المحرمة؛ فإن كان ذلك عن علم بالحرمة و مع ذلك أقدم على التزويج فرق بينهما؛ و لا يتعاودان أبدا، لصيرورة المعقود عليها حراما مؤبدا عليه، من دون فرق بين تحقق الإيلاج و عدمه، كما ان الأمر كذلك على معقودة الغير، و ذلك بمقتضى ما روى أحمد بن محمد عن الحسن بن على عن ابن بكير عن إبراهيم بن الحسن عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان المحرم إذا تزوج و هو محرم فرق بينهما ثم لا يتعاودان ابدا «1». و ما روى موسى بن القسم عن عباس عن عبد اللّه بن بكير عن أديم الحر الخزاعي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

ان المحرم إذا تزوج و هو

محرم فرق بينهما و لا يتعاودان ابدا، و الذي يتزوج المرأة و لها زوج يفرق بينهما و لا يتعاودان ابدا) «2». و في المرسل قال: قال عليه السّلام: من تزوج امرأة في إحرامه فرق بينهما و لم تحل له ابدا «3». و لا يعارضهما ما رواه صفوان و ابن أبى عمير عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبى جعفر قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل ان يحل فقضى ان يخلى سبيلهم و لم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل فإذا أحل خطبها ان شاء و ان شاء أهلها زوجوه و ان شاؤا لم يزوجوه «4» و ذلك لانه يجمح بينهما بحمل هذا الخبر على صورة الجهل و تلك الاخبار على صورة العلم بقرينة خبر زرارة و داود بن سرحان في حديث و، المحرم إذا تزوج و هو يعلم انه حرام لم يحل له أبدا «5». كما أفاده

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(5) الوسائل ج 3- الباب- 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 68

و شهادة على العقد (1)

صاحب الجواهر- قدس سره- فالمتحصل: انه لو تزوج المحرم فعقد على المحرمة أو المحلة فإن كان ذلك منه عن علم بالحرمة فرق بينهما و لا يتعاودان لصيرورتها حراما مؤبدا عليه. و أما إذا كان عن جهل فلا. فعليه لو

اتفق الزوجان على وقوع العقد العقد في حال الإحرام بطل سواء كانا عالمين أم جاهلين أم مختلفين. و أما إذا اختلفا و ادعى أحدهما وقوع العقد في حال الإحلال و الآخر في حال الإحرام فسيتضح لك تحقيق ذلك- ان شاء اللّه تعالى- عن قريب عند تعرض المصنف- طاب ثراه- لهذا الفرع.

(الخامسة)- انه قد عرفت ان العقد الواقع في حال الإحرام باطل فلا مهر إلا مع الدخول، فان دخل بها كان لها مهر المثل، لخبر سماعة عنه عليه السّلام قال:

(لها المهر ان دخل بها) «1» هذا إذا لم تكن عالمة و إلا فلا مهر أصلا إذ لا مهر لبغي- كما لا يخفى.

(1) ما افاده المصنف- قدس سره- من حرمة شهادة المحرم على العقد مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: (و كذا تحرم عليه شهادة على عقد النكاح للمحلين و المحرمين و المفترقين، بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب، بل عن محتمل الغنية الإجماع عليه، بل عن الخلاف دعواه صريحا. إلخ) و إطلاق عبارة المصنف- قدس سره- كما افاده صاحب المدارك يقتضي عدم الفرق بين ان يكون العقد لمحل أو محرم. و قد صرح به العلامة- رحمه اللّه تعالى- في التذكرة و المنتهى و هو الحق و يدل على ذلك- مضافا إلى دعوى الاتفاق المزبور- ما رواه عيسى عن الحسن بن على عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (المحرم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 69

..........

لا ينكح و لا ينكح و لا

يشهد فان نكح فنكاحه باطل «1». و ما رواه عثمان بن عيسى عن ابن أبي شجرة عمن ذكره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «في المحرم يشهد على نكاح محلين؟» قال: لا يشهد ثم قال: يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل؟! «2».

ان قلت: ان في الخبرين قصورا من حيث السند؛ لكونهما مرسلين، فلا يمكن الاعتماد عليهما في الحكم بحرمة شهادة المحرم على العقد. قلت: نعم؛ لكنه منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بمضمونهما الموجب تكوينا للاطمئنان بصدورهما الذي هو مناط اندراج الخبر تحت دليل الاعتبار، على ما تكرر منا ذلك في غير واحد من المقامات، فلا يصغى إلى المناقشة فيهما بضعف السند كما افاده صاحب الجواهر و غيره من الفقهاء- قدس سرهم- حيث قال بعد ما استشهد بهما في الحكم بحرمة شهادة العقد عليه في حال الإحرام: (و على كل حال فوسوسة بعض متأخري المتأخرين فيه، لضعف الخبرين في غير محلها؛ بعد ما عرفت. و خلو المقنع و المقنعة و جمل العلم و العمل و الكافي و الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم عن ذلك لا يقتضي الخلاف فيه. إلخ.)

ثم انه يقع الكلام في دلالتهما، فنقول: انه يحتمل إرادة إقامة الشهادة و أداءها من كلمة: [يشهد] و ربما يقرب هذا المعنى ما في نسخة الوسائل من كلمة: (على) في مرسل ابن أبي شجرة لما فيها: (المحرم يشهد على نكاح محلين؟.) فحينئذ يكون المحرم على المحرم هو خصوص أداء الشهادة لا التحمل و الحضور في مجلس العقد كما يمكن تأييده بما في ذيل هذا المرسل حيث أنه عليه السّلام بعد أن نهى عن الشهادة قال فيه: (يجوز للمحرم أن

______________________________

(1) الرسائل ج 2

الباب 14 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب- 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 8 و في باب 14 من هذه الأبواب الحديث 5 و لم يذكر فيه ذيل الحديث.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 70

..........

يشير بصيد على محل!؟) بناء على إن هذا الاستفهام إنكاري، و المراد تشبيه الشهادة بالإشارة إلى الصيد من حيث دخل الشهادة في النكاح، كدخل الإشارة في الصيد. و من المعلوم ان الدخيل في النكاح هو أداء الشهادة لا مجرد تحملها.

لكن فيه ما لا يخفى ضرورة: أن أداء الشهادة أيضا ليس كالإشارة إلى الصيد حيث أن للإشارة دخلا في وجود الصيد؛ و هذا بخلاف أداء الشهادة، فإنه ليس من علل وجود النكاح بل من وسائط إثباته في مقام النزاع و الدعوى. نعم مقدمات التزويج- كالرضا الطرفين- تكون كالإشارة إلى الصيد. و بالجملة فهذا الوجه لا يجدى في التأييد أصلا.

و يحتمل قويا ارادة التحمل و الحضور من قوله عليه السّلام: [يشهد] لا أداء الشهادة و يقربه مرسل ابن أبي شجرة ما في نسخة الجواهر من عدم كلمة: (على). اللهم إلا أن يقال بعدم كون كلمة (على) صالحا للقرينية على إرادة الشهادة؛ فيحتمل كل منهما.

و كيف كان فإن أمكن استظهار أحدهما فهو، و إلا فيحصل العلم الإجمالي بحرمة أحد الأمرين- من تحمل الشهادة، أو أداءها عليه- و هذا العلم الإجمالي يوجب عقلا الاجتناب عن كليهما، لرجوع الشك إلى المكلف به الموجب للاحتياط فعليه يحكم بثبوت كفارة واحدة عليه إذا ارتكب كليهما؛ و أما إذا ارتكب أحدهما فلا يجب عليه الكفارة للشك في ارتكاب حرام واقعي.

و بهذا التقريب يتم ما أفاده المصنف من الحكم بحرمة كل من التحمل و الأداء.

إلا

أن يقال: ان حرمة كل منهما حينئذ تكون بحكم العقل لا الشرع؛ و المراد بمحرمات الإحرام هو الحرمة الشرعية لا العقلية فلم يظهر دليل تام على ما افاده المصنف- قدس سره- من حرمة كليهما، و التمسك بالإجماع على الحرمة فيه ما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 71

و اقامة لو تحملها محلا (1)

هذا كله بناء على كون [يشهد] مبنيا للفاعل و أما بناء على احتمال كونه مبنيا للمفعول، فلا يثبت حرمة شي ء من التحمل و الأداء. لكون أطراف العلم الإجمالي حينئذ ثلاثية، لانه اما يحرم عليه التحمل؛ أو الأداء و إما يحرم على الغير طلب الشهادة منه، و مع هذا الدوران يسقط العلم الإجمالي عن التأثير لأنه دائر بين شخصين، و من المعلوم ان مرجع الشك في مثله إلى الشك في نفس التكليف لا المكلف به؛ لكون كل من الشخصين شاكا في توجه الخطاب اليه؛ فلا ينبغي الارتياب في مرجعية أصالة البراءة في كل علم إجمالي دائر بين شخصين كما نقح في الأصول، فالمتحصل: انه لا يمكن الحكم بحرمة شي ء من التحمل و الأداء و الاستشهاد منه و لكن و الذي يسهل الخطب انه لا سبيل إلى إنكار ظهور رواية الحسن بن على المتقدم في النهي عن التحمل و الحضور، لأن الشهادة مأخوذة من الشهود الذي هو بمعنى الحضور، فاستعماله في الأداء يكون مجازا، و لا يصار اليه بلا قرينة و لم تقم عليه في ما نحن فيه، فلا وجه لرفع اليد عن الظاهر، كما لا وجه لإنكار ظهور:

[يشهد] كونه مبنيا للفاعل لوحدة السياق؛ حيث ان الأفعال السابقة عليه تكون مبنية للفاعل.

فتلخص: ان الشهادة بمعنى التحمل و الحضور في مجلس العقد حرام على المحرم

مطلقا كما افاده المصنف و غيره من الفقهاء- قدس سرهم.

ثم ان مقتضى إطلاق حرمة تحمل الشهادة عدم اختصاص الحرمة بما إذا كان الحضور لأجل تحمل الشهادة، فما ذهب اليه صاحب المدارك- قدس سره- من قصر الحكم بما إذا كان الحضور لأجل تحمل الشهادة ضعيف.

(1) ما افاده المصنف- قدس سره- من حرمة إقامة الشهادة على المحرم مما قد نسب إلى المشهور و قال في الجواهر: (و كذا تحرم عليه إقامته اى إقامتها على العقد كما عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 72

..........

المبسوط و السرائر بل في الرياض إلى المشهور بل في الحدائق ظاهرهم الاتفاق عليه لاحتمال دخولها في الشهادة المنهي عنها في الخبرين و الفتاوى. و فيه منع واضح، لان شهادته غير الشهادة عليه، و لفحوى الإنكار المتقدم في أحد الخبرين، و لكن في القواعد: الإشكال في ذلك، و لعله مما عرفت؛ و من عموم أدلة النهي عن الكتمان و توقف ثبوت النكاح شرعا عليها، و وقوع مفاسد عظيمة إن لم تثبت بخلاف إيقاعه إذ لا يتوقف عليها عندنا، و لذا يصح العقد و ان حضره، قيل: و لأنها أخبار لا إنشاء، و الخبر إذا صدق و لم يستلزم ضررا لم يحسن تحريمه؛ و لأنها أولى بالإباحة من الرجعة التي إيجاد للنكاح في الخارج على أنه لا جابر للخبرين المزبورين في إرادة ذلك من الشهادة فيهما و النسبة إلى الشهرة لم نتحققها، على انك قد عرفت ظهور الخبرين في حضور العقد، لا الفرض. و مرسل الإنكار مع انه لا جابر له أيضا لم يعلم ارادة ما يشمل الفرض منه، و لعله أولى و ان كان الأول أحوط بل ربما يومئ النهي عن شهادته إلى عدم

إقامتها.) و لكن التحقيق: انه لا دليل على حرمة أداء الشهادة على المحرم، و أن نسب إلى المشهور حرمته أيضا، لكن قد عرفت قصور النصوص المتقدمة الدالة على حرمة شهادة المحرم على العقد عن شموله، فلو شك في حرمته فالأصل عدمها من دون حاجة في إثبات جوازه (تارة): إلى التشبث بأدلة حرمة كتمان الشهادة الدالة على وجوبها عند الاحتياج إليها. و (اخرى): إلى الاستدلال بلزوم ترتب مفاسد عظيمة على عدم الشهادة. و (ثالثة): إلى التمسك بكون الشهادة إخبارا لا إنشاءً و الخبر الصادق إذا لم يترتب عليه ضرر فلا يحسن تحريمه. و (رابعة):

بأولوية جواز أداء الشهادة من جواز الرجوع إلى المعتدة في العدة الرجعية لانه إيجاد للنكاح دون أداء الشهادة. و (خامسة): إلى الاستدلال بأن الأصحاب- رضوان اللّه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 73

..........

تعالى عليهم- لم يفهموا من قوله: عليه السّلام [لا يشهد] إلا النهي عن الحضور في مجلس العقد و تحمل الشهادة. فتحصل من جميع ما ذكرنا: جواز أداء الشهادة و حرمة التحمل و الحضور في مجلس العقد للمحرم و لا يلزم من الحكم بحرمة التحمل و الحضور في مجلس العقد عليه حرمة الأداء، لعدم الملازمة بينهما- كما لا يخفى- فعليه لا يمكن المساعدة على ما ذهب اليه المصنف- قدس سره- من الحكم بحرمة إقامة الشهادة عليه، إلا بناء على تمامية ما سبق ذكره عند البحث عن حكم شهادة المحرم على العقد و الإغماض عما فيه.

ثم انه بناء على القول بحرمة أداء الشهادة أيضا، كما افاده المصنف- قدس سره- لا بد من تقييدها بما إذا لم يترتب على تركها خطر عظيم لا يمكن التخلص عنه إلا بأداء الشهادة، فلو ترتب ذلك على تركها

فلا محيص عن الحكم بالجواز لأجل العنوان الثانوي الذي حقق في محله تقدمه على العنوان الاولى. و أما إذا أمكن دفع المفسدة بغير أداء الشهادة، كما إذا أمكن تأجيل الحكم إلى زمان إحلاله تعين ذلك، لكن لا يجوز له أن يقول للحاكم: [عندي شهادة على النكاح و التزويج و لا أقيمها إلا بعد أن أحل من الإحرام] و ذلك لان هذا عين أداء الشهادة. و الحاصل: أنه لا منافاة بين حرمة إقامة الشهادة و بين حرمة الكتمان إذا اقتضت الضرورة المبيحة لإقامتها.

ثم انه نبه المصنف- قدس سره- بقوله: (و لو تحملها محلا) على خلاف الشيخ- رحمه اللّه تعالى- حيث قيد تحريم إقامة شهادة النكاح على المحرم بما إذا تحملها و هو محرم، و مقتضى إطلاق عبارته عدم الفرق في تحريم إقامة الشهادة بين ان يكون العقد الواقع بين محلين و محرمين و مختلفين. ثم انه لا بأس بذكر ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- في ذيل هذا المبحث قال: (ثم على التحريم؛ قيل تحرم الإقامة حاله و لو تحملها محلا أو كان بين محلين، لانتفاء دليل المخصص و ان تأكد المنع إذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 74

و لا بأس به بعد الإحلال (1)

تحملها محرما أو كان على محرمين. بل قيل لا تسمع شهادته؛ لخروجه به عن العدالة فلا يثبت بشهادته. و فيه: أنه ممنوع، لجواز الجهل و الغفلة و التوبة و سماع العقد اتفاقا» بل يمكن القول بقبولها لو أداها محرما لغفلة و نحوها. و في محكي التذكرة:

«و لو قيل أن التحريم مخصوص بالعقد الذي أوقعه المحرم كان وجها». بل قال:

ان ذلك معنى كلام الأصحاب على ما حكاه عنه ولده و في المدارك:

«لا بأس به قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق ان تم، و إلا اتجه عدم التحريم مطلقا» و فيه:

انه يمكن المنع بناء على أنه نوع تعلق بالنكاح. إلخ).

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من نفي البأس على إقامة الشهادة بعد إحلاله مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: (. كما صرح به الفاضل و غيره؛ على معنى ثبوت النكاح بإقامتها بعده و ان علم تحملها محرما، لإطلاق الأدلة. و ما عرفت من عدم خروجه بذلك عن العدالة؛ خلافا للمحكي عن المبسوط، من عدم ثبوتها إذا كان التحمل في حال الإحرام، إما لفسقه. و فيه: ما عرفت. أو لأن هذه الشهادة شهادة مرغوب عنها شرعا فلا تعتبر و ان وقعت جهلا أو سهوا أو اتفاقا. و هو مجرد دعوى لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها).

و قال في المدارك عند شرح قول المصنف- قدس سره-: (و لا بأس به بعد الإحلال) هذه العبارة لا تخلو من شي ء، و كان المراد منها: أنه لا بأس بإقامة الشهادة بعد الإحلال و ان كان قد تحملها في حال الإحرام، و ينبغي تقييده بما إذا وقعت الشهادة بعد التوبة؛ لتحريم التحمل وقت الإحرام على ما سبق.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 75

..........

« (الكلام في حرمة الخطبة و عدمها)» ينبغي هنا التكلم في حرمة الخطبة و عدمها على المحرم، فنقول: انه يمكن الاستدلال على حرمتها بمرسل ابن فضال الذي رواه في الجواهر قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يخطب و لا يشهد النكاح و ان نكح فنكاحه باطل).

و بما في النبوي المروي فيها ايضا قال: (و لا ينكح المحرم و لا ينكح و لا يشهد و لا يخطب)، و ذلك لظهوره في حرمة الخطبة على حذو ظهوره في حرمة النكاح هذا بناء على كون [لا يخطب] مبنيا للفاعل، كما هو الظاهر بقرينة سائر الأفعال المذكورة فيه. و أما بناء على كونه بصيغة المجهول، فلا يتم دلالته على المدعى، لصيرورة معناه حينئذ أنه لا يأخذه غيره للخطبة، فعليه إذا لم يكن الاحتمال الأول ظاهرا، بل احتمل كلا الأمرين؛ فيحصل العلم الإجمالي بين حرمة الخطبة عليها و بين حرمة طلب الغير له للخطبة، و المرجع حينئذ هو البراءة، لما عرفت في المسألة السابقة من عدم تأثير العلم الإجمالي الدائر بين شخصين في التنجيز، لكن هذا الاحتمال في غاية الوهن و السقوط، فلا ينبغي الارتياب في كون [يخطب] بصيغة المعلوم؛ لوحدة السياق، حيث ان الأفعال السابقة عليه تكون مبنية على الفاعل.

نعم، ينبغي أن يناقش في اعتبار المرسل المذكور و نحوه بالنسبة إلى جملة [لا يخطب] حيث أن ضعف سنده و ان أنجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- إلا ان هذه الجملة مما اعرض عنها الأصحاب؛ لعدم بناء أحد من القدماء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- على حرمة الخطبة، و من المعلوم ان الاعراض كاسر، كما ان العمل جابر و استنادهم إلى المرسل المزبور و غيره مما هو مثله بالنسبة إلى غير الخطبة من سائر الجمل المذكورة فيه غير جابر لما أعرضوا عنه من الخطبة بعد انحلال الرواية الواحدة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 76

..........

المشتملة على جمل عديدة إلى روايات كثيرة بعدد تلك الجمل؛ كما قد حقق في محله، و مجرد عمل بعض نادر به

لا يرفع وهنه، و لا يجبر ضعفه، فحينئذ يكون الحكم بحرمة الخطبة على المحرم اعتمادا على المرسل في غاية الإشكال، فمقتضى الأصل على تقدير الشك فيه جواز الخطبة للمحرم.

و أما الكراهة فقد ذهب إليه أكثر الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر: (و تكره الخطبة؛ كما في القواعد، و محكي المبسوط و الوسيلة، للنهي عنه في النبوي. إلى أن قال: و المرسل السابق المحمول عليها بعد القصور عن إثبات الحرمة مؤيدا بأنها تدعو الى المحرم، كالصرف الداعي إلى الربا. فما عن ظاهر ابى على من الحرمة واضح الضعف، بل الظاهر عدم الفرق في الكراهة بين كونها لنفسه أو لغيره من المحلين، لإطلاق الخبرين). لكن ينبغي الكلام في وجه استفادة الكراهة منها؛ مع أن ظاهرها الحرمة، يمكن الاستدلال لذلك بوجهين:

(الأول)- اخبار من بلغ. و (فيه): بعد الغض عن تعدد الاحتمالات المتطرقة في مفادها- من كونها اخبارا عن ترتب الثواب الموعود على العمل أو إنشاء لحكم أصولي- و هو حجية الخبر الضعيف- أو فقهي- أعني استحباب نفس العمل أو بعنوان بلوغ الثواب عليه على التفصيل الذي استوفيناه في الأصول؛ و تسليم تماميتها دلالة- أنها تختص بالمستحبات. و التعدي عن موردها إلى المكروهات بان يكون الخبر الضعيف حجة في المكروهات أو يكون الفعل مكروها محتاج إلى الدليل، و هو مفقود.

(الثاني)- دعوى: كون النهى عن الخطبة لأجل دخلها في وقوع الشخص المحرم في التزويج المحرم؛ فليس في نفس الخطبة مفسدة تقتضي تشريع حرمتها، فلا وجه لتحريمها، بل دخلها الاعدادى في النكاح أوجب فيها حزازة اقتضت كراهتها.

و (فيه): أولا- انه تخرص بالغيب إذ لا سبيل إلى إحرازه و مجرد الاحتمال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 77

و تقبيلا (1)

لا

تكون حجة. و ثانيا- أنه أخص من المدعى، لقولهم بالكراهة حتى فيما يخطب للمحلين مع عدم احتمال وقوعه في الحرام في هذا الفرض. فتحصل: انه لا بد إما من الالتزام بحرمة الخطبة كما يحكم بها في النكاح و الشهادة. و اما من الالتزام بعدم الحرمة و الكراهة. أما عدم الحرمة: فلعدم دليل معتبر على الحرمة، لما عرفت من عدم عمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بجملة: [لا يخطب] إلا صاحب الوسائل حيث أنه على ما يظهر من عنوان الباب أفتى بالحرمة. و أما عدم الكراهة فلعدم الدليل عليها ايضا. هذا كله بناء على كون المستند في الحكم بحرمة الخطبة أو كراهتها مرسل ابن فضال أو النبوي المتقدمين.

و قد يستدل على حرمة الخطبة بما في مرسل ابن أبي شجرة المتقدم لقوله عليه السّلام في ذيله: (يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل؟!). المراد الإنكار و التشبيه على أنه كما لا يجوز اشارة المحرم إلى الصيد كذلك لا يجوز له الخطبة و غيرها، فان مقتضى التشبيه بالصيد هو عدم جواز صدور كل ما له دخل في النكاح من المحرم و لو بالخطبة. هذا و (فيه): بعد الغض عن سنده و تسليم دلالته على عموم التشبيه المزبور أن أعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عن جملة: [لا يخطب] كاشف عن عدم حرمته و صالح لتخصيص العموم المزبور. إلا ان يقال: ان الاعراض رافع لدليلية جملة [لا يخطب] على الحرمة و ليس دليلا على عدم الحرمة حتى يصلح لتخصيص عموم التشبيه المستفاد من مرسل ابن أبي شجرة، و عليه فيمكن الاستناد في حرمة الخطبة إليه. فتدبر.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة التقبيل على المحرم مما لا ينبغي

الإشكال فيه، و يدل على ذلك جملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- في ما نحن فيه كحسن أبى سيار قال عليه السّلام فيه: (يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة ان قبل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 78

..........

امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة؛ و ان قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر اللّه؛ و من مس امرأته و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة، و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور؛ و ان مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه «1». و هذه الرواية- كما ترى- مصرحة بعدم الفرق بين كون التقبيل بشهوة و عدمه إلا في الكفارة حيث أنه إذا قبلها بشهوة و أمنى فعليه الجزور و ان قبلها بغير شهوة فعليه الشاة و كخبر على بن أبي حمزة عن أبا الحسن عليه السّلام قال «سألته عن رجل قبل امرأته و هو محرم»؟. قال: عليه بدنة و ان لم ينزل و ليس له أن يأكل منها «2». و مقتضى إطلاق هذه الرواية أيضا عدم الفرق في الحرمة بين كون التقبيل بشهوة و عدمه. إن لم نقل بظهور قوله: (و إن لم ينزل) في كون تقبيله لها كان على وجه الشهوة فتدبر.

و كصحيح ابن أبى عمير عن حماد عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته؟. قال: نعم يصلح عليها خمارها، و يصلح عليها ثوبها و محملها. قلت: أ فيمسها؟ و هي محرمة؟ قال: نعم: قلت المحرم يضع يده بشهوة؟ قال: يهريق دم شاة. قلت: فان قبل؟ قال: هذا أشد

ينحر بدنة «3». و كخبر محمد بن سنان عن العلاء بن فضيل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل و امرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته و لم يقصر فقبلها؟ قال: يهريق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3 و أورد صدره أيضا في باب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 3 و ذيله أيضا في باب 17 منها الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب- 18- من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الإحرام الحديث 2 و أورد ذيله [قلت المحرم إلخ.] في باب 18 منها الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 79

..........

دما، و ان كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما «1».

و لا يخفى ان الاستشهاد على الحرمة بهذه النصوص مبنى على تسليم الملازمة بين الكفارة و الحرمة، و إلا فلا وجه للاستدلال بها عليها؛ بل لا بد حينئذ من الاحتجاج على الحرمة بما رواه أبان بن عثمان عن الحسين بن حماد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام «عن المحرم يقبل أمه؟.» قال: لا بأس به؛ هذه قبلة رحمة؛ إنما تكره قبلة الشهوة «2».

ان قلت: انه لا يمكن استفادة الحرمة من قوله عليه السّلام: (انما قبلة الشهوة)، لكون ذلك خلاف الظاهر. قلت: انه لا مانع من استفادة ذلك منه بقرينة جعل قوله: [تكره] في مقابل قوله [لا بأس].

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 3، ص: 79

ان قلت: على هذا لا يمكن إثبات الحرمة مطلقا

سواء كان التقبيل على وجه الشهوة أو لا، و ذلك لأن مقتضى الجمع بين خبر حماد و الاخبار المتقدمة هو الحكم بالحرمة و الكفارة إذا كان التقبيل على وجه الشهوة و بعدمه إذا لم يكن كذلك.

و لكن الأقوى ثبوت الحكم- و هو حرمة التقبيل- مطلقا لجواز اختصاص التفصيل الواقع في خبر حماد بمورده- من الام و من هو بمنزلتها من المحارم- فلا تعارض حينئذ حتى يتكلف في الجمع بينهما، لتغاير الموضوع فيهما، لأنه في الأخبار المتقدمة- كما ترى- هو الزوجة و في خبر حماد هو الام فقط، و على تقدير التعدي عنها لا يتعدى إلا الى من هي بمنزلتها من المحارم؛ فيكون المستفاد من الكل بناء على الملازمة بين الحرمة التكليفية و الوضعية- اعنى الكفارة- حرمة تقبيل الحليلة تكليفا و وضعا؛ سواء كان قبلة شهوة أم غيرها، و جواز تقبيل الأم إذا كان قبلة رحمة فظهر بما ذكرنا عدم الفرق في ثبوت الحرمة و الكفارة بين كون

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 2- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 80

..........

تقبيل المرأة بشهوة و عدمه وفاقا لما ذهب اليه صاحب الجواهر- قدس سره- و لا بأس بذكر كلامه قال بعد ذكر الأخبار: (و بذلك كله يظهر لك المناقشة فيما في الذخيرة من ان الظاهر: تقييد حرمة التقبيل بالشهوة، و ان تبعه في الرياض حاكيا له عن جماعة للأصل المقطوع بما سمعت، و خبر الحسين حماد. المحمول على إرادة إنما يكره ما يحتمل الشهوة، بخلاف الام و غيرها من المحارم، المستفاد جواز تقبيلها من التعليل المزبور، و

الأصل. و اختصاص النصوص السابقة بقبلة امرأته و ان كان الظاهر إرادة الأعم منها و من الأجنبية، كما هو مقتضى الفتاوى. هذا و لكن قد يقال: ان المنساق من إطلاق تقبيل الامرأة كونه على وجه الاستمتاع و الالتذاذ المقابل لتقبيل الرحمة، و قوله عليه السّلام في الخبر الأول: (من غير شهوة) محمول على ارادة عدم الأمناء بقرينة المقابلة؛ لا كونه تقبيل رحمة و نحوه مما لم يكن استمتاعا و التذاذا بالامرأة الذي يمكن دعوى ظهور النصوص في كون المدار عليه في منع المحرم، كما تسمعه في المس، و الملازمة، و الحمل و نحوها و بذلك يقوى إرجاع القيد في نحو عبارة المتن إليه أيضا و لكن الأحوط الإطلاق. نعم، الظاهر تقييد جواز قبلة المحارم بما إذا كان لا عن شهوة؛ لكونه أشد حرمة و لفحوى التعليل المزبور) ما أفاده- قدس سره- كلها صحيحة و لكن لا يمكن المساعدة على ما افاده من دعوى الظهور في ثبوت الحكم- و هو الكفارة- في التقبيل بشهوة و غيرها بالزوجة و الأجنبية؛ و ذلك لاختصاص الحكم و هو وجوب الكفارة في صورة التقبيل مطلقا بالزوجة دون غيرها من الأجنبية و الغلام و ان كان العقاب فيها أشد و أعظم، لاختصاص مورد النصوص المتقدمة بمرأة المحرم لقوله عليه السّلام في حسن أبى سيار: (ان قبل امرأته. إلخ) و في خبر على بن أبي حمزة: (عن رجل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 81

..........

قبل امرأته. إلخ) فلا وجه للتعدي عنها إلى الأجنبية فضلا عن الغلام إلا دعوى:

القطع بعدم الخصوصية، و هي غير مسموعة، لتوقفها على تنقيح المناط القطعي الذي لا سبيل إليه في الشرعيات؛ لعدم إحاطة العقول بملاكاتها؛ فلا وجه لدعوى

القطع بالمناط بالأولوية خصوصا بعد جعل قضية أبان نصب العين.

نعم إذا فرض قطع بملاك الحكم و عدم مانع عن الجعل أيضا فلا محيص حينئذ عن التعدي من امرأته إلى غيرها من الأجنبية و الغلام و لكنه مجرد فرض لا واقع له لعدم العلم بالملاكات و موانعها- كما لا يخفى- و غاية ما يحصل من الأولوية هو الظن بالحكم، و من الواضح: أنه لا يغني من الحق شيئا، لكونه قياسا باطلا في مذهبنا.

و كيف كان فمجرد أشدية العقاب لا توجب الكفارة فالظاهر اختصاصها بتقبيل امرأته دون غيرها من النساء. و ان كان العقاب فيها أشد و أعظم.

« (إيقاظ)» ثم ان ما ذكرنا من حرمة التقبيل و الكفارة انما يختص بتقبيل الرجل المحرم امرأته، و أما العكس و هو تقبيل المرأة المحرمة زوجها فلا دليل على حرمته. لان مورد النصوص المتقدمة هو تقبيل المحرم امرأته، و لا وجه للتعدي عنه إلى غيره؛ الا دعوى: كون حرمة التقبيل من أحكام المحرم مطلقا سواء كان رجلا أم امرأة لكن لا تسمع هذه الدعوى، لإناطتها بإلغاء خصوصية الرجولية، و هو موقوف على إحراز عدم دخل هذه الخصوصية؛ و كون الرجل مذكورا من المثال، و دون إثباته خرط القتاد، لظهور كل عنوان مأخوذ في دليل شرعي في الموضوعية. و من هنا يظهر قصور قاعدة الاشتراك ايضا عن إثبات اطراد الحكم للمحرم و إلغاء خصوصية الرجولية فيه، فالمتحصل: ان الحكم تكليفا و وضعا مختص بمورد النصوص- و هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 82

و نظرا بشهوة (1)

تقبيل الرجل المحرم امرأته- دون العكس و دون الأجنبية و الغلام.

نعم، لا إشكال في أشدية العقاب في الأجنبية و الغلام أما الكفارة فلا دليل دليل

عليها، و لو شك فيها فالأصل عدمها، و اللّه العالم بحقائق الأحكام.

(1) ما ذهب اليه المصنف- قدس سره- من حرمة نظر المحرم بشهوة إلى المرأة مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قال في الجواهر: (و كذا يحرمن عليه نظرا بشهوة، كما صرح به غير واحد، و ان قيل خلى كتب الشيخ. و الأكثر عن تحريمه مطلقا، لما سمعته من كون المستفاد حرمة الالتذاذ بالنصوص. إلخ) و يدل عليه- مضافا إلى الاتفاق المزبور- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته: «عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم؟» قال: لا شي ء عليه؛ و لكن ليغتسل و يستغفر ربه، و ان حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى و هو محرم فلا شي ء عليه، و ان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم. و قال: في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى ينزل؟. قال: عليه بدنة «1» و رواه الشيخ- قدس سره- بإسناده عن محمد بن يعقوب إلى قوله: (لا شي ء عليه). و خبر مسمع أبى سيار قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا سيار أن حال المحرم ضيقة. إلى أن قال: (و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور. إلخ «2».

و لكن الاستدلال بهذه النصوص للحرمة مبنى على تسليم الملازمة بين الكفارة و الحرمة، و بناء على عدم تسليمها يكفي الاحتجاج على الحرمة بقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (و يستغفر ربه) لان وجوب الاستغفار عليه المستفاد منه كاشف عن ثبوت الحرمة- كما هو واضح- فما عن الصدوق- قدس

سره- من القول

______________________________

(1) لوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 1

(2) لوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 83

..........

بجواز النظر إلى امرأته بشهوة، و عن كشف اللثام الميل اليه استنادا إلى الأصل؛ و الى الموثق عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى؟» قال:

ليس عليه شي ء. ضعيف. أما الأصل فلا مجال له مع الدليل و أما الموثق فلعدم العمل بظاهره، لإعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عنه، الموجب لخروجه عن حيز دليل الحجية و الاعتبار.

ثم انه لا يخفى ان هذه الاخبار انما تدل على حرمة النظر بشهوة حتى ينزل أو يمذي لا مطلقا؛ و لذا قال في الجواهر بعد ما ناقش في الاخبار المتقدمة به: (اللهم إلا أن يقال: ان من المعلوم عدم مدخلية الإمذاء في الكفارة فليس إلا النظر بشهوة، فينتظم حينئذ في الدلالة على المطلوب التي منها: فحوى ما دل من النصوص على حرمة المس و الحمل إذا كان بشهوة لا بدونها، كصحيح ابن مسلم و خبره سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحمل امرأته أو يمسها فأمنى أو أمذى؟. فقال: ان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم شاة يهريقه، و ان حملها أو مسها بغير شهوة فليس عليه شي ء أمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذي. و غيره من النصوص حتى نصوص الدعاء عند التهيؤ للإحرام المشتملة على تحريم الاستمتاع عليه بالنساء، بل لعله لا خلاف فيه في الأول، كما اعترف به في كشف اللثام. و المصنف و ان

تركه هنا لكن ذكر في باب الكفارات ان كفارته شاة؛ بل ربما كان إطلاق بعض العبارات حرمته مطلقا. كاقتضاء بعض آخر حرمة النظر كذلك و ان كان هو واضح الضعف، للأصل و ما سمعته من النص.) و لا يخفى: ان ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره من الحكم بحرمة النظر عن شهوة و لو بدون الإنزال أو الإمذاء تمسكا بفحوى ما دل من النصوص على حرمة المس و الحمل إذا كان بشهوة لا يخلو من تأمل، و ذلك لاحتمال خصوصية في المس و الحمل؛ و معه لا يمكن استفادة حرمة النظر المجرد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 84

..........

عن الإنزال أو الإمذاء من تلك النصوص و لو كان نظر شهوة- كما لا يخفى.

نعم إذا دلت نصوص الدعاء على حرمة الاستمتاع عليه بالنساء مطلقا فما أفاده- قدس سره- هو الصواب و الحاصل: ان اخبار حرمة النظر بشهوة المتعقب بالأمناء أو الإمذاء؛ محكمة و لا يعارضها موثق إسحاق المتقدم الدال على ان المحرم إذا نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى ليس عليه شي ء، لا لان نفي الشي ء لا يدل على نفي الحرمة و انما يدل على نفي الكفارة كما في الجواهر، كحسن على بن يقطين عن أبى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل قال لامرأته أو لجاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصفاء و المروة: اطرحي ثوبك و نظر إلى فرجها؟. قال: لا شي ء عليه إذا لم يكن غير النظر «1» الذي أريد به عدم الكفارة، و ذلك لدلالة النكرة الواقعة في حيز النفي عن العموم؛ فقوله عليه السّلام: (لا شي ء عليه). يدل على نفي الحكم التكليفي و الوضعي معا، و نفي

أحدهما بقرينة في مقام لا يدل على عدم العموم في مورد آخر، بل عدم المعارضة بينهما انما هو لأجل أرجحية ما يدل على حرمة النظر تكليفا من حيث السند فيقدم على موثق إسحاق و لذا حمله الشيخ- قدس سره- على حال السهو و لم يعمل بظاهره؛ بل لا موضوع للتعارض بناء على ثبوت الاعراض عن الموثق المزبور؛ لما قرر في محله من أن موضوع التعارض هو الخبران الواجدان لشرائط الحجية، و من المعلوم عدم شمول دليل الحجية و الاعتبار لخبر اعرض عنه الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و كيف كان فقد ظهر بما ذكرنا ضعف مستند المحكي عن الصدوق و صاحب كشف اللثام- قدس سرهما- من جواز النظر إلى امرأته بشهوة كما عرفت آنفا.

ثم انه قال الشهيد الثاني- رحمه اللّه تعالى- في المسالك بعد قول المصنف- قدس سره-

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 85

..........

[و نظرا بشهوة] ما لفظه: (لا فرق في ذلك بين الزوجة و الأجنبية بالنسبة إلى النظرة الاولى ان جوزناها و النظر إلى المخطوبة و إلا فالحكم مخصوص بالزوجة).

قال في المدارك بعد نقل ذلك: (و كأن وجه الاختصاص عموم تحريم النظر إلى الأجنبية على هذا التقدير و عدم اختصاصه بحال الشهوة، و هو جيد، إلا أن ذلك لا ينافي اختصاص التحريم الإحرامي بما إذا كان بالشهوة، كما أطلقه المصنف- قدس سره- قال في الحدائق بعد نقل قولي المسالك و صاحب المدارك: (أقول الظاهر ان كلامه- قدس سره- هنا لا يخلو من خدش فإنه متى قيل بالتحريم: النظر إلى الأجنبية مطلقا؛ في أول نظرة أو غيرها، من محل كان أو محرم،

فالتفصيل بالنسبة إلى المحرم بين ما إذا كان نظرة بشهوة فيحرم؛ أو لا بشهوة فيحل، لا معنى له، لان المدعى عموم التحريم للمحرم و غيره، فكيف يتم ما ادعاه من اختصاص التحريم الإحرامي بما إذا كان بشهوة. و بالجملة: لا أعرف لهذا الكلام وجه استقامة، و ان تبعه من من تبعه فيه).

و لكن التحقيق: ان عموم تحريم النظر إلى الأجنبية لا ينافي اختصاص التحريم الإحرامي بالشهوة كما هو مقتضى الفتاوى في موثق إسحاق بن عمار عن أبى بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل محرم نظر إلى ساق امرأة فأمنى؟» فقال:

ان كان موسرا فعليه بدنة، و ان كان وسطا فعليه بقرة؛ و ان كان فقيرا فعليه شاة ثم قال: أما انى لم أجعل عليه هذا لأنه أمنى إنما جعلته عليه لانه نظر إلى ما لا يحل له «1» و رواه الصدوق- قدس سره- بإسناده عن أبى بصير مثله إلا انه قال: الى ساق امرأة أو الى فرجها فأمنى) و في حسن معاوية بن عمار: «في محرم نظر إلى غير أهله فأنزل؟.» قال: عليه دم، لانه نظر إلى غير ما يحل له و ان لم يكن أنزل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 16- من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 86

..........

فليتق اللّه و لا يعد و ليس عليه شي ء «1» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- « (إيقاظ)» لا يخفى: ان مقتضى نصوص الباب اختصاص حرمة النظر إلى الزوجة بالزوج المحرم، لانه مورد تلك النصوص و عدم حرمة نظر الزوجة المحرمة إلى زوجها، لعدم دلالتها على ذلك و لا دليل آخر على حرمة نظر الزوجة

المحرمة إلى زوجها، و مع الشك فالأصل عدم الحرمة، و عليه فلا مانع من جواز نظر المرأة المحرمة إلى زوجها و أما القول بأن حرمة النظر انما تكون من أحكام المحرم لا خصوص الرجل، فهو في غاية البعد، لتوقفه على إلغاء خصوصية الرجل المذكور في الاخبار المتقدمة و حمله على المثال، و ذلك خلاف الظاهر جدا؛ و لا يصار اليه الا بالدليل؛ و مجرد قاعدة الاشتراك لا تصلح لذلك.

ان قلت: انه يمكن التعدي من المورد- اعنى نظر الرجل المحرم- الى غيره، و هو نظر الزوجة المحرمة، بوحدة المناط، أو بغلبة اشتراك الرجل و المرأة في أحكام الإحرام. لندرة الأحكام المختصة بكل منهما. فإذا شك في ان الحكم الكذائي مختص بالرجل المحرم أو مشترك بينه و بين المرأة المحرمة فيلحق المشكوك بالأعم الأغلب. قلت: في كليهما ما لا يخفى.

أما (في الأول): فلما تكرر مرارا من ان المعتبر منه هو القطعي و هو غير حاصل في الشرعيات؛ و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و من المعلوم أنه لا يغني من الحق شيئا، لعدم دليل على اعتباره فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 87

و كذا الاستمناء (1)

لاحتمال خصوصية في نظر الرجل المحرم دون غيره؛ و لا دافع لهذا الاحتمال إلا فهم المثالية من نظر الرجل المحرم، بدعوى: ظهوره فيها، و لكنها غير مسموعة، لكون الظاهر على خلافها فتدبر.

و أما (في الثاني): فلعدم الدليل ايضا على اعتبار الظن الحاصل من الغلبة في الشرعيات و نفس الشك في اعتباره كاف في عدم جواز ترتب آثار الحجية عليه. فتأمل

و اغتنم و اللّه الهادي إلى الصواب.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة الاستمناء الذي هو استدعاء المنى على المحرم من جهة الإحرام أيضا مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم، و لم ينقل الخلاف من أحد منهم؛ قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه) و لا ريب في تحريمه للأخبار الكثيرة الواردة عنهم- عليهم السّلام- الدالة على الحرمة كخبر إسحاق بن عمار عن أبى الحسن عليه السّلام قلت: «ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟.» قال: أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم: بدنة و الحج من قابل «1» و كصحيح صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله و هو محرم حتى بمنى من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان، ما ذا عليهما؟؟

قال: عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار التي تقدم بعضها و يأتي بعضها الآخر في مبحث الكفارات- ان شاء اللّه تعالى.

ثم ان تنقيح البحث في هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى أمور:

(الأول)- ان ظاهر النصوص المتقدمة هو ثبوت الكفارة من جهة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 88

..........

الإحرام على الاستمناء و لكن بشرط خروج المنى منه به و إلا فالمقدمات بدون ترتب الانزال عليها لا يترتب عليها كفارة و إذا شك فالمرجع هو الأصل كما انه يكون كذلك فيما

لو سبقه المنى من غير استمناء منه.

(الثاني)- ان الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- لم يقتصروا في الحكم فيما نحن فيه على مورد النصوص المتقدمة- و هو العبث بذكره و بزوجته- لحكمهم بثبوت الكفارة و لو عبث بغيرهما، لان المناط في ثوبتها هو الاستمناء و هو يحصل بغيرهما كحصوله بهما؛ إذ الظاهر عدم الفرق بين موجبات الاستمناء و عدم الخصوصية لهذين الأمرين؛ كما افاده صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال ما لفظه: (بل الظاهر عدم الفرق بين أسبابه- من الملاعبة، و التخيل، و الحضحضة و غير ذلك- كما صرح به غير واحد، حتى السيد (قده) في الجمل قال: «على المحرم اجتناب الرفث، و هو الجماع، و كل ما يؤدى إلى نزول المنى من قبلة و ملامسة و نظر بشهوة» بناء على ارادة ما يقصد به الأمناء كما في شرحها للقاضي قال: فاما الواجب فهو ان لا يجامع و لا يستمنى على أى وجه كان- من ملامسة أو نظر بشهوة أو غير ذلك- بل عن بعضهم إدراج اللواط و وطي الدواب و ان كان فيه منع واضح و لذا قال في كشف اللثام: «انهما يدخلان في الرفث و ان لم ينزل» و ان كان فيه انه جماع النساء في الصحيح عن الكاظم عليه السّلام الذي يرجع اليه مطلق الجماع في الصحيح الآخر مع انه المنساق منه، فلا يبعد القول ببقائه على الحرمة السابقة على الإحرام؛ اللهم إلا ان يقال: انه يستفاد من التأمل في النصوص شدة التحريم في حال الإحرام في كل ما حرم الجائز منه للإحرام، فان الاستمناء في العبث بالزوجة كان جائزا و لكنه حرم عليه في الإحرام، ففي الأجنبية أشد، و هكذا بقية الاستمناءات

كما أومى إليه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 89

..........

في النصوص السابقة.).

و لا يخفى: ان ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- بقوله (إلا أن يقال: انه يستفاد من التأمل في النصوص شدة التحريم في حال الإحرام. إلخ) انما يتم بناء على كون الحرمة من قبيل الأعراض الخارجية القابلة للشدة و الضعف- كالسواد و البياض- فحينئذ تشتد الحرمة و تتأكد في اللواط و وطي الدواب و الأجنبية في حال الإحرام، و لا يتم بناء على القول بكون الحرمة و غيرها من الأحكام منتزعة عن إنشاء النسبة، إذ على هذا المبنى لا يكون الحكم وجوبا كان أو حرمة موجودا خارجيا قابلا للشدة و الضعف، و كذا منشأ انتزاعه- و هو إنشاء النسبة- فإنه أيضا مما لا يتصور فيه التأكد- كما حقق ذلك كله في الأصول- فما يكون حراما لا يتصف بحرمة اخرى إحرامية أو غيرها.

نعم يتأكد الحب و البغض بتأكد المصلحة و المفسدة القائمتين بالافعال الداعيتين الى تشريع الوجوب و الحرمة، فعلى هذا لا يتصور الشدة و التأكد في الحرمة حتى يقال باشتداد الحرمة في اللواط و وطي الدواب و الأجنبية و الاستمناء في حال الإحرام و لكن لا بأس بإرادة ازدياد الكراهة و المبغوضية في نفس العمل بطرو جهات مقتضية لذلك، كما هو الحال في الواجبات، فان الأهمية لا تتصور في نفس الوجوب بعد البناء على كونه منتزعا عن إنشاء النسبة، بل تتصور في الواجب باعتبار أقوائية ملاكه و صلاحه من ملاك المهم فتدبر.

(الثالث)- ان مقتضى إطلاق النصوص المتقدمة و ان كان عدم الفرق في الحكم بثبوت الكفارة فيما إذا عبث بذكره أو بزوجته أو بغيرهما حتى أمنى بين كونه قاصدا للإنزال و عدمه لكنه لا

بد من تقييده بصورة القصد بما رواه أحمد بن محمد بن أبى نصر عن سماعة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «في المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخلقة فيمني؟.»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 90

..........

قال: ليس عليه شي ء «1» و ما رواه أحمد بن محمد بن أبى نصر عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى؟.» قال: ليس عليه شي ء «2» و ما رواه على بن إبراهيم عن أبيه عن وهب بن حفص عن أبى بصير قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: «عن رجل يسمع كلام امرأة من خلف حائط و هو محرم فتشاهى حتى أنزل؟.» قال: ليس عليه شي ء «3» فلو كان نزول المنى مطلقا موجبا للكفارة لم يكن وجه لنفي كل شي ء عنه.

مضافا الى النصوص المتقدمة في النظر و اللمس النافية للكفارة فيهما بدون الشهوة و لو مع نزول المنى فلاحظ، و الى أصالة البراءة. و عليه فيختص وجوب الكفارة في صحيح ابن الحجاج و خبر إسحاق المتقدمين بصورة قصد الانزال بالمقدمات المؤدية اليه المنى، فيستفاد منها عدم وجوب الكفارة بمجرد خروج المنى و لو قهرا و بدون الشهوة و القصد، فخروج المنى بدونهما كالاحتلام الذي لا يترتب عليه شي ء من الحرمة و الكفارة.

و لكن يمكن أن يقال بالتعارض بين الطائفة الأولى من الاخبار الدالة على ثبوت الكفارة إذا عبث بذكره أو بزوجته أو غيرهما حتى يمنى؛ و بين الطائفة الثانية الدالة على عدم ثبوتها، و ذلك لعدم تمامية حمل المطلق على المقيد في المقام، حيث انه لم يذكر لفظ القصد في الطائفة الثانية حتى تصلح لتقييد الطائفة الأولى، فتكون كل واحدة من

الطائفتين مطلقة؛ فلا محالة يقع التعارض بينهما.

اللهم إلا أن يجمع بينهما بحمل الأخبار الأولى على ما إذا صدر من المحرم فعل- كالعبث بذكره أو بزوجته أو غيرهما- فيحكم حينئذ بثبوت الكفارة عليه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 20- من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب- 20- من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب- 20- من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 91

..........

و بحمل الأخبار الثانية على ما إذا لم يصدر منه فعل سوى التلذذ و الاستمتاع فحينئذ يقال بعدم ثبوت شي ء عليه أي الكفارة، و ان كان في هذا الجمع ما لا يخفى:

أما (أولا): فلعدم كونه جمعا عرفيا بعد ظهور العبث بيده أو بزوجته في المثالية و عدم دوران الحكم شرعا مدارهما و عدم كونه مما قام عليه شاهد من النصوص الخاصة و أما (ثانيا): فلكونه تفصيلا في موجبات الاستمتاع، لخروج التخيل الموجب للإنزال حينئذ عن موضع وجوب الكفارة و لا يظن التزام أحد به؛ للتسالم على وجوب الكفارة بالاستمناء بأي موجب كان فتدبر.

مضافا الى أنه يمكن أن يكون اعتبار الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- للقصد لأجل وقوع مثل العبث المذكور في الطائفة الأولى بالقصد غالبا لكونه من الأسباب العادية للاستمناء و الانزال؛ و هذا بخلاف الاستمناء المستفاد من الطائفة الثانية، لعدم كونه من الأسباب العادية للاستمناء و الانزال، و لذا فحصول الانزال به أمر اتفاقي جدا، و لذلك كله فهم الأصحاب من الطائفة الثانية من الاخبار ان المنى نزل منه قهرا و لذلك قيدوا الأولى بالثانية، فتأمل جيدا.

هذا كله في استمناء الرجل المحرم و هل يلحق به استمناء

المحرمة أم لا؟؟

الظاهر: العدم، لأن مورد النصوص هو الرجل، و مع احتمال دخل خصوصية المورد في الحكم لا وجه للتعدي إلى غيره، إذ لا قطع بالمناط حتى يمكن التعدي. و قاعدة الاشتراك في التكاليف أيضا لا تصلح لذلك بعد احتمال دخل خصوصية الرجل في الحكم بوجوب الكفارة. نعم، لا إشكال في حرمة الاستمناء مطلقا في غير حال الإحرام حتى على المرأة لكنها غير وجوب الكفارة على المحرمة.

ثم ان صاحب المدارك- قدس سره- بعد ما ذكر خبر إسحاق بن عمار المتقدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 92

[تفريع:]
[الأول إذا اختلف الزوجان في العقد]

تفريع: إذا اختلف الزوجان في العقد فادعى أحدهما وقوعه في الإحرام و أنكر الآخر فالقول قول من يدعى الإحلال، ترجيحا لجانب الصحة (1)

الدال على ثبوت كفارة بدنة و الحج من قابل على من عبث بذكره و أمنى قال:

(و الظاهر: أن الأمر بالحج محمول على الاستحباب لضعف الرواية من حيث السند عن إثبات الوجوب و لما سيجي ء- ان شاء اللّه تعالى- من أن الحج انما يفسد بالجماع قبل الموقفين) أقول: ان ما أفاده- قدس سره- في الفرض مما لا يمكن المساعدة عليه؛ و ذلك لانه لو كانت الرواية ضعيفة سندا فلا عبرة بها أصلا حتى في إثبات الاستحباب بها.

اللهم إلا أن يقال: انه يمكن إثباته بقاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من أخبار [من بلغ] لكن فيه ما بيناه في محله من تطرق الاحتمالات الكثيرة في تلك الاخبار؛ و اختلاف الآثار المترتبة على تلك الاحتمالات، و قلنا هناك بعد البناء على عدم الإجمال: ان أخبار [من بلغ] ليست ظاهرة في إنشاء حكم أصولي اعنى حجية الخبر الضعيف الذي هي مبنى قاعدة التسامح في أدلة السنن، بل ظاهرة في كونها

إخبارا عن ترتب الثواب الموعود على الفعل الذي بلغ عليه الثواب زائدا على ثواب أصل الانقياد؛ و هذا المعنى أجنبي عما أفادوه من قاعدة التسامح. فتلخص أن الخبر الآمر بالحج من قابل ان كان ضعيفا فيسقط عن الاعتبار أصلا و لا يمكن استفادة الاستحباب منه جزما.

(1) قد عرفت سابقا: انه لا خلاف و لا إشكال في أنه متى اتفق الزوجان على وقوع العقد في حال الإحرام بطل سواء كانا عالمين أو جاهلين أو بالتفريق، لدلالة النصوص المتقدمة الدالة على بطلان النكاح في حال الإحرام، و إن دخل بها و هي جاهلة ثبت لها المهر و فرق بينهما مؤبدا مع العلم على ما قطع به الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- للروايات، و الى أن يحصل الإحلال مع الجهل. انما الخلاف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 93

..........

و الاشكال فيما إذا اختلفا فادعى أحدهما وقوع العقد في حال الإحرام و أنكر الآخر و ادعى وقوعه في حال الإحلال، و قد حكم أكثر الأصحاب بأن القول قول من يدعى الصحة، لأصالة الصحة من دون فرق في ذلك بين ما إذا تنازعا في عنوان الصحة و الفساد بدون ذكر السبب، و بين ما إذا تنازعا في تقدم السبب و هو تقدم العقد على الإحرام و تأخره عنه؛ إلا أنه بعض الموارد يختلف؛ فينقلب المدعى في نزاع السبب منكرا في نزاع المسبب و المنكر في ذلك النزاع مدعيا في هذا النزاع. و السر في البناء على الصحة في كلتا صورتي ذكر السبب و عدمه هو تقدم أصالة الصحة على جميع الأصول.

و لا فرق في هذا الحكم أيضا بين أن يكونا مجهولي التاريخ، كما إذا جهل تاريخ كل من العقد و

الإحرام، و بين أن يكون أحدهما معلوم التاريخ؛ كما إذا علم بأنه صار محرما في يوم الجمعة و لم يعلم تاريخ العقد، فالمرأة تدعى وقوعه قبل يوم الجمعة؛ و الرجل يدعى وقوعه يوم السبت. أو علم بوقوع العقد يوم الجمعة و جهل تاريخ الإحرام، فيدعى الرجل وقوعه في يوم الخميس؛ و تدعى المرأة وقوعه يوم السبت؛ و كيف كان فبمقتضى أصالة الصحة بعد البناء على اعتبارها هو الحكم بصحة العقد في جميع الصور، و ان كان في بعضها أصل موضوعي يقتضي الفساد؛ كما إذا علم تاريخ الإحرام و جهل تاريخ العقد فان مقتضى استصحاب عدم وقوع العقد الى تاريخ الإحرام هو وقوعه حال الإحرام ان لم يكن مثبتا أو كان المثبت حجة، فان لسان قاعدة الصحة على ما قرر في محله هو إثبات صحة ما شك في صحته و فساده مطلقا و ان كان هناك أصل موضوعي يقتضي الفساد، كأصالة عدم بلوغ أحد المتعاقدين؛ و أصالة عدم الكيل و الوزن و غير ذلك من الأصول الموضوعية المقتضية لفساد العقد؛ فإن أصالة الصحة على ما حقق في محله حاكمة على جميع الأصول الموافقة و المخالفة لها، فالتفصيل في الحكم بالصحة كما عن بعض ضعيف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 94

..........

إلا أن يناقش في اعتبار أصل قاعدة الصحة، كما نوقش في محله، و ان كان الحق اعتبارها في الجملة بل لا محيص عن ذلك، كما حررنا في الأصول. و نتعرض له في المقام إجمالا؛ فنقول: يمكن ان يستدل على اعتبار أصالة الصحة بوجوه:

(الأول)- الإجماع. و (فيه): انه قد تكرر منا مرارا ان الإجماع المعتبر هو التعبدي منه الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام، أو

الكاشف عن رضاه عليه السّلام، لا المدركى، و في المقام يحتمل أن يكون مدركيا. لاحتمال استناد المجمعين في حكمهم بالصحة في المقام إلى الوجوه الآتية، فلا عبرة به، بل العبرة حينئذ بالمدرك ان تم.

(الثاني)- السيرة المستمرة القائمة على عدم الاعتناء بالشك في الفساد و البناء على الصحة في عقد شك في صحته و فساده للشك في واجديته للشرائط و عدمها.

و (فيه): ما حقق في محله من ان السيرة المعتبرة هي المتصلة بسيرة أصحاب الأئمة عليهم السّلام حتى تكشف عن رضا المعصوم عليه السّلام بها و أما هذه السيرة القائمة في مفروض المقام فلم يثبت كونها منها؛ لانه لا سبيل لنا إلى إحراز اتصالها بزمن أصحاب الأئمة- عليهم السّلام- كي نعبر عنها بالسيرة المتشرعة، فلا تكون حجة.

(الثالث)- النصوص الواردة عن المعصومين- صلوات اللّه عليهم أجمعين- 1- الحديث المشهور: [أحمل أخاك المؤمن على سبعين محملا من الخير] 2- قولهم- عليهم السّلام- كذب سمعك و بصرك عن أخيك] 3- ما رواه في الكافي عن الحسين بن المختار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في كلام له: (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه؛ و لا تطمئن بكلمة خرجت من أخيك سوء و أنت تجد لها في الخير محملا). إلى غير ذلك من الأخبار الآمرة بحسن الظن بالمؤمن. و (فيه): ان هذه الاخبار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 95

..........

- كما ترى- لا تدل على لزوم حمل كل فعل يصدر عن المسلم على الصحة بمعنى ترتيب الآثار الشرعية المترتبة عليه و غاية دلالتها هو أن المسلم لا يرتكب الحرام متعمدا فلا تدل على أزيد منه؛ مثلا إذا شرب مائعا و

لا نعلم أنه خمر أو خل. فمقتضى النصوص المتقدمة و نظائرها هو البناء على أن المسلم لا يشرب الخمر متعمدا، فإذا فرض أثر شرعي لشرب الخل لا يترتب ذلك الأثر بإجراء أصالة الصحة، و المقصود من أصالة الصحة في المقام هو ترتيب الآثار الشرعية على المشكوك لا مجرد الاعتقاد الذي مرجعه إلى حسن الظن بالمسلم و أنه لا يرتكب حراما عمدا كما لا يخفى.

(الرابع)- ما رواه على بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعد بن صدقة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: (كل شي ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك؛ و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة و المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضعيتك؛ و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة «1» بناء على عدم دلالته على اعتبار اليد، كما قيل. و ملخص الكلام في تقريب الاستدلال به على أصالة الصحة هو أن الحلال بمعنى الجواز الذي يحمل على الأفعال و التصرفات لوضوح عدم صحة حمل الحكم جوازا أو منعا على العين الخارجية، و من المعلوم ان الشك في الجواز في الأمثلة المذكورة في الموثق ناش عن الشك في المرتبة الأخيرة من مراتب الحكم بالصحة و هي العقد لثبوت جواز التصرف في تلك الأمثلة من غير ناحية العقد، اما لقاعدة اليد، كما في الثوب، و اما للأصل الموضوعي، كاستصحاب عدم الرضاع؛ أو عدم الانتساب أو غير ذلك فالمستفاد حينئذ هو اعتبار أصالة الصحة في كل عقد شك في صحته و فساده

لاختلال شرط من شرائطه فلا تجري فيما إذا كان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 96

..........

الشك في الصحة ناشئا من احتمال اختلال شرط من شرائط المتعاقدين أو العوضين، لما عرفت من جواز التصرف من غير ناحية العقد بالحجة الجارية في تلك الشرائط فما يستفاد من الموثق على هذا موافق لما يستفاد من الإجماع و السيرة من اختصاص أصالة الصحة بالشك في اختلال شرط من شرائطه- كالعربية و الماضوية و نحوهما- و عدم دليل على اعتبارها في مطلق الشك في صحة العقد و لو من ناحية احتمال خلل في شي ء من شرائط المتعاقدين أو غيرهما. هذا لكن الإنصاف عدم خلو ما ذكرناه من المناقشة فأولى إيكال البحث في أصالة الصحة إلى محله.

ثم انه بناء على تمامية أصالة الصحة و الحكم في المقام بان القول قول من يدعى وقوع العقد في حال الإحلال، كما أفاده المصنف- قدس سره- و غيره، حملا لفعل المسلم على الصحة، فإنما يتم ذلك إذا لم يكن الشك فيه راجعا الى الشك في الأمور المقومة للعقد العرفي، و إلا فلا مجال لجريانها أصلا، و ذلك لعدم رجوع الشك حينئذ إلى الشك في أصل الصحة و الفساد حتى يحكم بالصحة ببركة قاعدة الصحة. بل يرجع الى الشك في تحقق أصل الموضوع و هو العقد العرفي، كما هو واضح، و كيف كان فعلى مسلك المشهور يحكم في المقام بان القول قول من يدعى الإحلال، حملا لفعل المسلم على الصحة؛ و قد تبعهم صاحب الجواهر- قدس سره- ايضا حيث قال:

عند شرح قول الماتن: [. ترجيحا لجانب الصحة] المحمول فعل المسلم عليها

في صورة النزاع و غيرها من أحوال الشك في العقد المفروض اتفاقهما على وقوعه كما في غير المقام من صور مدعى الصحة و الفساد التي من الواضح كون مدعيها موافقا لأصلها، على ان مدعى الفساد يدعى وصفا زائدا يقتضي الفساد، و هو وقوع العقد حال الإحرام؛ فالقول قول المنكر بيمينه، لانه منكر للمفسد، كما صرح بذلك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 97

..........

الكركي في حاشيته، و ثاني الشهيدين في المسالك). لكن ناقش صاحب المدارك في الأول- و هو حمل فعل المسلم على الصحة- بأنه انما يتم إذا كان المدعى لوقوع الفعل في حال الإحرام عالما بفساد ذلك؛ أما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة و في الثاني. و هو ان مدعى الفساد يدعى وصفا، زائدا بأن كل منهما يدعى وصفا ينكره الآخر، فتقديم أحدهما يحتاج إلى دليل.

و اعترض صاحب الجواهر على ما أفاده صاحب المدارك بقوله: (و فيه: أن أصل الصحة في العقد و نحوه لا يعتبر فيه العلم، لإطلاق دليله. نعم، أصل عدم وقوع المعصية من المسلم يعتبر فيه العلم، و هو غير أصل الصحة التي هي بمعنى ترتب الأثر، كما هو واضح، و ان مدعى الفساد المعترف بحصول جميع أركان العقد المحمول إقراره على الصحة يدعي وقوع العقد حال الإحرام و الآخر ينكره و ان كان يلزمه كونه واقعا حال الإحلال، و لا ريب في أن الأصل عدم مقارنة العقد للحال المزبور و ذلك كاف في إثبات صحته من غير حاجة إلى إثبات كونه في حال الإحلال بل يكفي احتماله، فلا يكون مدعيا كالأول: كل ذلك مضافا إلى ملاحظة كلام الأصحاب و حكمهم بتقديم مدعى الصحة على مدعى الفساد فيما هو

أعظم من ذلك، كدعوى عدم البلوغ؛ و كون المبيع خنزيرا أو شاة مثلا، و غير ذلك مما يرجع بالأخرة إلى أوصاف أركان العقد فضلا عن المقام. إلى أن قال- قدس سره-: فما أدرى ما الذي أختلجه في خصوص ما نحن فيه). ثم أنه قال صاحب المدارك: (في صورة الجهل يحتمل تقديم قول من يدعى تأخير العقد مطلقا، لاعتضاد دعواه بأصالة عدم التقديم، و يحتمل تقديم قول من يدعى الفساد، لأصالة عدم تحقق الزوجية إلى تثبت شرعا و المسألة محل تردد) و اعترض عليه صاحب الجواهر بقوله: (و فيه: أنه خلاف مفروض المسألة الذي هو مجرد دعوى الفساد بوقوعه في الإحرام؛ و دعوى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 98

..........

الصحة بعدم كونه كذلك من غير تعرض للتقديم و التأخير، و انه لا وجه لاحتمال تقديم مدعى الفساد فيما فرضه مع فرض كون مدعى الصحة يدعي تأخيره عن الإحرام الذي هو مقتضى الأصل. اللهم إلا أن يكون ذلك من الأصول المثبتة ضرورة: عدم اقتضائه التأخر عنه، لكن مقتضى ذلك مجهولية التقدم و التأخر بعد الاتفاق على عدم الاقتران، و المتجه فيه جريان أصالة الصحة لا الفساد، فتأمل جيدا؛ لان كلام الأصحاب في المقام و غيره مطلق بالنسبة إلى الحكم بالصحة من غير التفات إلى مسألة التاريخ.

هذا و في كشف اللثام بعد ان حكم بتقديم قول مدعى الصحة في مفروض المسألة و ان كان المدعى يدعي إحرام نفسه قال: (و كذا أن وجه الدعوى إلى تاريخ الإحرام مع الاتفاق على تاريخ العقد فادعى أحدهما تقديم، الإحرام عليه لذلك، و لأصل التأخير و ان ادعى إحرام نفسه، إلا أن يتفقا على زمان و مكان يمكن فيهما الإحرام فيمكن أن

يقال القول قوله، لانه بصر بأفعال نفسه و أحواله. و أما ان اتفقا على تاريخ الإحرام و وجه الدعوى إلى تاريخ العقد فادعى تأخره، أمكن أن يكون القول قوله للأصل، بل لتعارض أصلي الصحة و التأخر الموجب للفساد و تساقطهما فتبقى أصل عدم الزوجية بلا معارض). و (فيه): ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- أن البصيرة بأفعال نفسه لا يقتضي إثبات حق على الآخر خصوصا مع إمكان الاطلاع على أحواله بإقرار و غيره مما يعلم منه أنه كاذب في دعوى الإحرام، و التعارض انما هو في افراد وقوعه لا بين أصالة التأخر و أصل الصحة، كي يتجه ما ذكر بخلاف ما قلناه فان المتجه فيه الصحة لبقاء أصلها بلا معارض فتأمل جدا و كيف كان فقد ظهر لك ان القول قول من يدعى الصحة في مفروض المسألة و نظائره).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 99

لكن ان كان المنكر المرأة كان لها نصف المهر اعترافه بما يمنع من الوطي و لو قبل لها المهر كله كان حسنا (1)

(1) موضع الخلاف كما أفاده صاحب المدارك ما إذا وقعت الدعوى قبل الدخول، و كيف كان و قد نسب إلى الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في المبسوط تنصيف المهر بذلك، لما ذكره المصنف- قدس سره- من التعليل و هو اعترافه بما يمنع من الوطي، فيكون كالطلاق قبل الدخول، أو لأن العقد انما يملك نصف المهر و مملك النصف الآخر هو الوطي أو الموت؛ و لكن لا يخفى ما فيه من المناقشة و الإشكال، و ذلك لان مقتضى القاعدة هو ثبوت تمام المهر في مفروض المقام كما استحسنه المصنف- قدس سره- لثبوته بالعقد و تنصيفه بالمفارقة بينهما قبل الدخول يكون على

خلاف الأصل فلا بد من الاقتصار على مورد النص و الوفاق و هو الطلاق قبل الدخول، و لا يمكن إلحاق غيره به مما أشبهه، لبطلان القياس.

و من هنا يظهر لك أنه لو قيل لها المهر كله و ان لم يكن قد دخل بها كان حسنا و قد جزم به كل من تأخر عن المصنف- قدس سره- على ما قيل، قال في الجواهر بعد أن اختار ما أفاده المصنف- قدس سره- في المقام: (بل ربما احتمل كون مراد الشيخ النصف بعد الطلاق و أطلق بناء على الغالب من اختيار الزوج ذلك تخلصا من غرامة الجميع، و لا يقدح دعواه الفساد المقتضية لكون الطلاق لغوا، إذ هو و ان كان كذلك لكنه في حقها باعتبار دعواها الصحة مؤثر لسقوط مطالبتها بالجميع ان لم تكن قد قبضته و موجب لرد النصف ان كان قد قبضته.

هذا و لكن العلامة الأصبهاني- قدس سره- في كشف اللثام بعد ان حكم بان لها المهر كله مطلقا دخل بها أم لا، قال: (إلا أن يطلقها قبل أن دخل بها باستدعائها فإنه يلزم به حينئذ و ان كان بزعمه في الظاهر لغوا و يكون طلاقا صحيحا شرعيا فإذا بعدم الدخول ينتصف المهر. و أما إذا لم تستدع الطلاق و جرى فلها المهر كاملا و ان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 100

..........

طلقها قبل الدخول فإنه بزعمه لغو و العقد الصحيح مملك لها المهر كاملا).

و لكن يمكن المناقشة فيه بما أفاده بعض المحققين من ان استدعائها و عدمه لا مدخلية له في ذلك، إذ الطلاق ان كان صحيحا ممن يدعى الفساد في حق مدعى الصحة يترتب حينئذ حكمه، و إلا فلا كما لا يخفى، فلا

وجه للتفصيل الذي أفاده صاحب كشف اللثام. هذا و في الدروس: (و ظاهر الشيخ انفساخ العقد حينئذ و وجوب نصف المهر ان كان قبل المسيس و جميعه بعده). يمكن المناقشة فيه أيضا بما أفاده بعض الفقهاء من إن الاختلاف في الصحة و الفساد لا يقتضي الانفساخ في حق مدعى الصحة لا في المقام و لا في غيره و على فرض تسليم ذلك في مفروض المقام فليس لنا دليل على الحاقه بالطلاق. و أما تنقيح المناط فلا مجال له في الشرعيات لان المعتبر منه هو القطعي، و هو غير حاصل فيها بعد الالتفات إلى قضية ابان، فلا يخرج عن كونه قياسا باطلا في مذهبنا. هذا كله إذا كان النزاع قبل الدخول و أما إذا كان بعده فلا ينبغي الإشكال في لزوم تمام المهر، و الظاهر: أنه مما لا خلاف فيه بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم.

هذا تمام الكلام فيما إذا كانت المرأة منكرة للفساد و أما إذا كان الرجل منكرا له فلا ينبغي الإشكال في انه ليس للمرأة المطالبة بشي ء من المهر لا كلا و لا بعضا قبل الدخول مع عدم القبض، كما انه ليس له المطالبة برد شي ء منه مع قبضه أخذاً لهما بإقرارهما. و أما بعد الدخول و إكراهها أو جهلها بالفساد أو الإحرام فلها المطالبة بأقل الأمرين من المسمى و مهر المثل، لانه المستحق لها عليه ظاهرا قطعا بعد دعواها الفساد التي تقدمت عليها دعوى الصحة دون غيره، و لعل إطلاق خبر سماعة: (لها المهر ان كان دخل بها) «1» منزل على ذلك.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 15- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 101

..........

ثم انه قد قطع

الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بان قبول قول مدعى الصحة انما هو بحسب الظاهر، فيؤاخذ كل منهما ظاهرا بإقراره في لوازم الزوجية و عدمها. و أما في الواقع و نفس الأمر فيجب على كل واحد منهما فيما بينه و بين اللّه تعالى فعل ما هو حكمه مع التمكن منه؛ فان كان المدعى للصحة هو الرجل: ثبت النكاح ظاهرا و حرم عليه التزويج بأختها؛ و وجب عليه نفقتها و المبيت عندها، و يجب عليها مع دعواها الفساد فيما بينها و بين اللّه تعالى: أن تعمل بما تعلم انه الحق بحسب الإمكان و تخلص نفسها منه، و لو بالهرب، و استدعاء الفراق و نحوه، و ليس لها المطالبة بشي ء من حقوق الزوجية، و لا بالمهر قبل الدخول، أما بعده فتطالب بأقل الأمرين من المسمى و مهر المثل مع جهلها كما عرفت.

و ان كان المدعى للصحة هو المرأة انعكست الأحكام المذكورة، فلها المطالبة بالنفقة و المهر و سائر حقوق الزوجية، و لا يحل لها التزويج بغيره، و لا الأفعال المتوقفة على اذنه بدون اذنه؛ و عليه أن يخلص نفسه من لوازم الزوجية المستحقة عليه ظاهرا، مع دعواه الفساد بطلاق و نحوه، و ليس لأحد منهما المخالفة في حق الآخر في الظاهر بعد الحكم بصحة العقد.

قال في الجواهر: (و لعل هذا هو مراد ثاني الشهيدين في المسالك و ان كان في عبارته بعض القصور فإنه قال: (حيث تكون المرأة المنكرة للفساد يلزم الزوج حكم البطلان فيما يختص به فيحكم بتحريمها عليه؛ لعموم إقرار العقلاء؛ و لان الزوج يملك الفرقة، فإذا اعترف بما يتضمنها قبل، و لا يقبل قوله في حقها؛ فلها المطالبة بحق الاستمتاع و النفقة مما يمكن فعله

منه؛ كأداء النفقة يكلف به، و ما لا يمكن كالوطي فإنه بزعمه محرم يتعارض فيه الحقان فلا يكلف به، بل ينبغي التخلص من ذلك بإيقاع صيغة الطلاق و لو معلقة على شرط مثل: [ان كانت زوجتي فهي طالق].

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 102

..........

إلى ان قال: و ما يختص بها من الأحكام المترتبة على دعواها يلزمها قبل الطلاق، فلا يحل لها التزويج بغيره، و لا الأفعال المتوقفة على اذنه بدونه، و يجوز له التزويج بأختها، و خامسة، و نحو ذلك من لوازم الفساد. هذا بحسب الظاهر و أما في ما بينهما و بين اللّه تعالى فيلزمهما حكم ما هو الواقع في نفس الأمر و لو انعكست الدعوى و حلف الزوج استقر له النكاح ظاهرا؛ و عليه النفقة و المبيت عندها و يحرم عليه التزويج بالخامسة و الأخت، و ليس لها المطالبة بحقوق الزوجية من النفقة و المبيت عندها، و يجب عليها القيام بحقوق الزوجية ظاهرا، و يجب عليها فيما بينها و بين اللّه تعالى أن تعمل ما تعلم انه الحق بحسب الإمكان و لو بالهرب، أو استدعاء الفرقة. إلى أن قال: و إنما جمعنا بين هذه الأحكام المتنافية مع إن اجتماعها في الواقع ممتنع جمعا بين الحقين المبنيين على المضايقة المحضة و عملا في كل سبب بمقتضاه حيث يمكن).

و اعترض عليه صاحب الجواهر بقوله: (و فيه أنه إذا لا يكلف هو بوطئها لانه حرام بزعمه في الصورة الأولى؛ ينبغي أن لا تكلف هي بتمكينه من نفسها في الصورة الثانية، لأنه حرام بزعمها؛ و أيضا له التزويج بأختها و بالخامسة ان كان صادقا فيما بينه و بين اللّه تعالى و لكن لا يمكن منه في الظاهر

بعد الحكم شرعا بصحة العقد المانع من ذلك).

ثم انه صاحب المدارك- قدس سره- بعد ما ذكر كلام الشهيد- رضوان اللّه تعالى عليه قال-: (ان إثبات هذه الأحكام مشكل جدا للتضاد خصوصا جواز تزويجه بأختها مع دعواه الفساد، إذ اللازم منه جواز تزويجها بغيره إذا ادعت ذلك، و هو معلوم البطلان. و الذي يقتضيه النظر أنه متى حكم بصحة العقد شرعا ترتبت عليه لوازمه، فيجوز لها المطالبة بحقوق الزوجية ظاهرا و ان ادعت الفساد؛ و لا يجوز له التزويج بأختها و أن ادعى ذلك لحكم الشارع بصحة العقد ظاهرا؛ و أما في نفس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 103

[الثاني: إذا وكل في حال إحرامه]

الثاني: إذا و كل في حال إحرامه فأوقع فإن كان قبل إحلال الموكل بطل، و ان كان بعده صح (1)

الأمر فيكلف كل منهما بحسب ما يعلمه من حاله؛ لكن لو وقع منهما أو من أحدهما حكم مخالف لما ثبت في الظاهر وجب الحكم ببطلانه كذلك و اللّه أعلم) و استجود صاحب الجواهر قده كلام صاحب المدارك، إلا قوله: [فيجوز لها المطالبة. إلخ.

حيث قال: ضرورة: كونه منافيا لإقرارها الذي هو ماض عليها بالنسبة إلى حقها، و غير ماض في حق الغير، فليس لها الامتناع مع طلب الاستمتاع بها و ليس لها مطالبته بذلك، و على هذا يكون المدار فيها و فيه كما عرفت و اللّه العالم و الموفق و المؤيد و المسدد).

و قد تحصل انه إذا كان أحدهما عالما بفساد العقد و الآخر بصحته يحكم بصحة العقد ظاهر، و يترتب عليه آثاره، و لكن في الواقع و نفس الأمر لا بد أن يعمل كل واحد منهما على طبق عمله و في صورة المزاحمة فكل منهما صار غالبا

في التدافع لا يبقى تكليف للآخر المغلوب لانه مقهور و لا شي ء عليه.

(1) إذا وكل محرم في حال إحرامه محلا أو محل محلا على عقد نكاح ثم أحرم الموكل فأوقع الوكيل فان كان قبل إحلال الموكل يحكم ببطلان ذلك العقد كما أفاده المصنف- قدس سره- و هو المعروف بين الفقهاء- قدس سره تعالى أسرارهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف و لا إشكال. إلخ) و في المدارك: و أما البطلان إذا وقع قبل الإحلال فمقطوع به في كلام الأصحاب، بل قال في المنتهى: لو وكل محل محلا في التزويج فعقد له الوكيل بعد إحرام الموكل لم يصح النكاح، سواء حضره الموكل أم لم يحضره، و سواء علم الوكيل أو لم يعلم؛ و استدل عليه: بان الوكيل نائب عن الموكل فكان الفعل في الحقيقة مستند اليه و هو محرم؛ و هو جيد، أن ثبت امتناع ذلك منه على وجه العموم و في استفاد ذلك من الاخبار نظر).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 104

..........

و لا يخفى جودة ما أفاده صاحب المدارك إلا ما ذكره أخيرا بقوله: (و في استفادة ذلك من الأخبار نظر) فإنه لا يخلو عن نظر. و ذلك لما عرفت في المباحث السابقة من النصوص الدالة على أنه لا يتزوج و لا ينكح، الصادقة على الفرض، و هو ما إذا و كل محل محلا في التزويج فعقد له الوكيل بعد إحرام الموكل و يظهر من التأمل فيها منافاة الإحرام لحصول النكاح حاله مباشرة أو توكيلا أو ولاية، و قد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في المباحث السابقة، و من ارادة الوقوف عليها فليراجع بحث حرمة عقد المحرم لنفسه و لغيره.

هذا إذا أوقع الوكيل العقد قبل إحلاله

و أما ان كان أوقع الوكيل العقد بعد الإحلال فيحكم بصحته- كما أفاده المصنف قدس سره- و هو أيضا معروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و في المدارك: (و أما الصحة إذا وقع بعد إحلال الموكل فظاهر، للأصل السالم عما يصلح للمعارضة) و في الجواهر: (صح بلا خلاف أيضا و لا إشكال، لإطلاق أدلة الوكالة و عمومها السالمين عن المعارض؛ حتى لو كانت الوكالة في حال الإحرام، إذ لا دليل على بطلانها. قيل: (الا يكون في حال إحرام الوكيل؛ و لعله لعدم قابليته لإيقاعه حال التوكيل). و لكن لا يخلو من نظر أو منع، خصوصا بعد ان اعترف بصحة التوكيل محرما على النكاح، و حينئذ فالصور الأربع صحيحة؛ مع عدم تقييد الإيقاع حال الإحرام. و تخلل عدم الصحة في زمان الإحرام لا ينافي صحة الوكالة على الفعل بعده؛ فلا أقل من بقاء الإذن الكافي في صحة النكاح، لو سلم بطلان عقد الوكالة ضرورة: كونه كالبطلان بالشرط الفاسد، و ليس هو كالجنون و نحوه الرافع لأصل الإذن باعتبار انتقال الولاية لغير الموكل، كما أوضحناه في محله. و به جزم هنا في (مى) في صورة ما لو و كل المحرم الحلال على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 105

و يجوز مراجعة المطلقة الرجعية (1) و شراء الإماء في حال الإحرام (2)

التزويج و أن كان لنا نظر في بطلان الوكالة المزبورة، ضرورة كونه من المانع على نحو المانع في الموكل فيه كالحيض في طلاق الزوجة و اللّه العالم). لا ينبغي الإشكال في صحة العقد الواقع بعد إحلال الموكل بعد ثبوت الاتفاق المزبور، و الوجه في ذلك هو انه حسب ما يستفاد من الأخبار الناهية عن التزويج المتقدمة

ذكرها هو حرمة التزويج في حال الإحرام، و من الواضح: أن التوكيل ليس تزويجا ابتداء.

(1) الظاهر ان هذه المسألة هي المتسالم عليها بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و لم ينقل من أحد منهم الخلاف في ذلك، قال في الجواهر: (بلا خلاف كما عن التذكرة و (مى) الاعتراف به بل و لا إشكال بعد عدم تناول النهى المزبور لمثله، فيبقى على الأصل و العموم الذي منه قوله تعالى [وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ «1» لا ينبغي الإشكال في جواز مراجعة مطلقة الرجعية في حال الإحرام بعد ثبوت الاتفاق من جميع الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- عليه و ذلك لان متعلق النهى التزويج في حال الإحرام و المراجعة كما عرفت آنفا ليست ابتداء نكاح، لأن المطلقة رجعية في حكم الزوجية كما أفاده صاحب المدارك- قدس سره- ثم أنه لا فرق في هذا الحكم بين المطلقة تبرعا و التي رجعت ببذلها كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره.

(2) لا ينبغي الإشكال في جوازه شراء الإماء في حال الإحرام كما أفاده المصنف- قدس سره- و هو أيضا مما قد تسالم عليه الأصحاب و لم ينقل الخلاف من أحد منهم و يدل عليه- مضافا إلى الأصل السالم من المعارض- ما رواه سعد الأشعري القمي عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يشتري الجواري فيبيعها؟.»

______________________________

(1) سورة البقرة في الآية 228

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 106

..........

قال نعم «1» و رواه الكليني- رحمه اللّه تعالى- عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن البرقي عن سعد بن سعد و رواه الصدوق- قدس سره- بإسناده عن سعد بن سعد إلا أنه قال: (و يبيع).

« (إيقاظ)» و هو أنه مقتضى

إطلاق صحيح المتقدم و كذا كلام الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عدم الفرق في الحكم بجواز شراء الإماء بين أن يقصد بذلك الخدمة أو التسري و ان حرم عليه المباشرة لهن حال الإحرام، بل مقتضى إطلاقه كما ترى صحة الشراء و ان قصد المباشرة حاله حين الإحرام و ان أثم بالقصد المزبور لكنه لا يقتضي فساد العقد الذي تحقق جامعا للشرائط و ان احتمله في التذكرة على ما نقل في الجواهر لحرمة الغرض الذي وقع العقد له كمن اشترى العنب لاتخاذه خمرا لكن فيه كما أفاده صاحب الجوهر على فرض تسليم ذلك انما يتم في ما إذا اشترط ذلك في متن العقد لا في الفرض الذي لم يكن الشراء فيه منهيا عنه بخصوصه و لا علة في المحرم اعنى المباشرة؛ فلا يكون تحريمها مستلزما لتحريمه، كما هو واضح. و قال الشهيد الثاني:

- رحمه اللّه تعالى في المسالك على ما نقل في الحدائق انه لو قصد المباشرة عند عقد الشراء في حال الإحرام حرم؛ و هل يبطل الشراء فيه وجه منشأه النهي عنه، و الأقوى العدم، لانه عقد لا عبادة. و قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: (قلت لا ريب في عدم البطلان؛ بل الظاهر عدم تحريم الشراء أيضا، لأنه ليس منهيا عنه بخصوصه، و لا علة في المحرم. إلخ) و استجوده صاحب الحدائق أيضا ثم أنه ينبغي هنا التنبيه على أمرين:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 16- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 107

[و الطيب]

و الطيب على العموم (1)

1- انه لا خلاف و لا إشكال في جواز مفارقة النساء بالطلاق و يدل عليه مضافا إلى الأصل ما رواه محمد بن

يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد عن أبى بصير قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المحرم يطلق و لا يتزوج «1» و ما رواه حماد بن عثمان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن المحرم يطلق؟. قال: نعم «2».

2- لا خلاف أيضا في جواز مفارقة النساء بالفسخ؛ و ذلك لعدم تناول العموم المذكورة في صدر المبحث له؛ لان متعلق النهى هو التزويج في حال الإحرام و أما الفسخ فليس منه؛ كما هو واضح.

(1) حرمة الطيب على المحرم مما لا ينبغي الإشكال فيه في الجملة و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر عند شرح قول المصنف (إجماعا في الجملة بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل النصوص متواترة فيه، بل في المتن و غيره هو على العموم. وفاقا للمقنعة و جمل العلم و العمل و المراسم و السرائر و المبسوط و الكافي و غيرها على ما حكى عن بعضها كما حكى عن الحسن. إلى أن قال: بل في الذخيرة نسبته إلى أكثر المتأخرين، بل في (مى) إلى الأكثر، بل في الرياض نسبته إلى الشهرة العظيمة. إلخ). و في المدارك: (و هو في الجملة موضوع وفاق. إلخ). و يمكن أن يستدل على ذلك بجملة النصوص المروية عنهم- عليهم السّلام- في هذا المقام منها: صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك؛ و اتق الطيب في طعامك، و أمسك على أنفك من الرائحة الطيبة، و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة؛ فإنه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 108

..........

لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة «1» و منها ما رواه حماد عن حريز عمن أخبره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان، و لا يتلذذ به و لا بريح طيبة، فمن ابتلي بذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته «2». و منها: صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: اتق قتل الدواب كلها، و لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك، و اتق الطيب في زادك؛ و أمسك على أنفك من الريح الطيبة، و لا تمسك من الريح المنتنة، فإنه لا ينبغي لك أن تتلذذ بريح طيبة فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليعد غسله؛ و ليتصدق بصدقة بقدر ما صنع «3» و منها:

ما رواه محمد بن إسماعيل [يعني ابن بزيع] قال: رأيت أبا الحسن عليه السّلام كشف بين يديه طيب لينظر اليه و هو محرم، فأمسك بيده على أنفه بثوبه من رائحته [ريحه خ ل] «4» و منها: ما رواه محمد بن إسماعيل عن حنان بن سدير عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام-: ما تقول في الملح فيه زعفران للمحرم؟. قال: «لا ينبغي للمحرم أن يأكل شيئا فيه زعفران، و لا يطعم شيئا من الطيب» «5». و منها ما رواه صفوان عن عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تمس ريحانا و أنت محرم و لا شيئا فيه زعفران، و لا

تطعم طعاما فيه زعفران «6». و منها ما رواه العباس بن عامر عن حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: انى جعلت ثوب إحرامي مع أثواب قد جمرت؛ فأخذ من ريحها؟. قال: «فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها» «7». و منها: ما رواه النضر بن سويد عن أبى الحسن عليه السّلام في حديث: ان المرأة المحرمة لا تمس طيبا «8». و منها صحيح زرارة قال: من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسيا فلا شي ء عليه و يستغفر اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

(2) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6.

(3) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9.

(4) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

(5) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

(6) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

(7) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

(8) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 109

..........

و يتوب اليه «1» بناء على تسليم الملازمة بين الكفارة و الحرمة إلى غير ذلك من من الأخبار المأثورة عنهم- عليهم السّلام- الدالة منطوقا و مفهوما على حرمة مطلق الطيب على المحرم و سيأتي- ان شاء اللّه تعالى- تقريب دلالة هذه الروايات على حرمة مطلق الطيب أو كراهته مع الغض عن النصوص الدالة على حرمة بعض أنواع الطيب، و وجه الجمع بينها، و ما هو المختار في مسألة الطيب.

و لا يخفى: ان المستفاد من

هذه النصوص تصريحا و تلويحا كون العبرة في الحرمة بعنوان الطيب. و قد يشكل على هذه الاستفادة بالإجمال المسقط للاستدلال إذ يحتمل مغايرة معنى الطيب عرفا في زمان صدور الروايات لمعناه كذلك في زماننا و لكنك خبير باندفاعه باستصحاب القهقرى، إذ بعد العلم بمفهوم الطيب عرفا في زماننا إذا شككنا في كونه بهذا المعنى في زمان صدور الروايات فيستصحب إلى ذلك الزمان و يحكم بان معنى الطيب في عرف ذلك الزمان هو معناه في عرفنا و به يرتفع إشكال الإجمال المانع عن صحة الاستدلال. كما لا يرد التشبث بالأخبار المتقدمة: ضعف بعضها، لانجباره بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم.

ثم إنه يمكن ان يقال: ان المراد من لفظ: [لا ينبغي] الواقع في خبر سدير و غيره من الأخبار المتقدمة هو الحرمة، خصوصا إذا قلنا بأنها للقدر المشترك بين الحرمة و الكراهة. و لم يكن المراد منها المعنى المصطلح، و ذلك بقرينة الأخبار الناهية عنه الظاهرة في الحرمة، بل يمكن القول بظهورها في إرادة الحرمة، كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- للإجماع على حرمة الطيب في الجملة المانع عن إرادة الكراهة منه. خصوصا بعد التعبير به في الزعفران الذي لا خلاف في حرمته له.

و أما اشتمال صحيح حريز المتقدم على الريحان بعد تسليم كراهته فلا ينافي ذلك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 110

ما خلا خلوق الكعبة [1] (1)

حرمة الطيب بعد كونه منهيا عنه لأجل الدليل، بناء على ان قوله: (لا) نهى، لا زائدة، و الحاصل إن هذه الأخبار ظاهرة في القول المشهور و هو حرمة مطلق الطيب و من هنا ظهر: ضعف ما في

محكي الذخيرة حيث قال: بعد ما ذكرها: (و لا يخفى ان دلالة هذه الاخبار على التحريم غير واضحة و الأصل يقتضي حملها على الكراهة و يناسب ذلك قوله: لا ينبغي) و كيف كان كما ذكرنا آنفا سيتضح لك تحقيق الكلام في هذه المسألة في القريب عند تعرض المصنف الأقوال و آراء الأصحاب.

(1) ما أفاده المصنف من استثناء خلوق الكعبة من الطيب المحرم مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في المنتهى و محكي الخلاف: الإجماع عليه. و يدل عليه صحيح حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن خلوق الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الإحرام:؟ فقال.

«لا بأس بهما هما طهوران» «1» و ما رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم؟. قال: «لا بأس و لا يغسله فإنه طهور» «2» و ما رواه الكليني عن ابن ابى عمير

______________________________

[1] خلوق: (هو ضرب من الطيب مائع فيه صفرة) كما عن المغرب و المعرب. و عن الحريري في نهايته: (انه طيب معروف مركب من الزعفران و غيره من أنواع الطيب و تغلب عليه الحمرة و الصفرة). و عن ابن جزلة المتطبب في منهاجه: [أن صنعة: زعفران ثلاثة دراهم، قصب الذريرة خمسة دراهم، اشنه درهمان، قرنفل و قرفة من كل واحد درهم، يدق ناعما و ينخل و يعجن بماء ورد و دهن حتى يصير كالرهش في قوامه و الرهش: (هو السمسم المطحون قبل ان يعصر و يستخرج دهنه) على ما في الجواهر و في المدارك: (و الخلوق كصبور

ضرب من الطيب قاله في القاموس و قال الشارح (قده) إنه أخلاط خاصة من الطيب منها الزعفران فعلى هذا لو كان طيب الكعبة غيرها حرم. إلخ).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 111

..........

في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنه سأله عن خلوق الكعبة للمحرم أ يغسل منه الثوب؟. قال: «لا» هو طهور، ثم قال: أن بثوبي منه لطخا «1» إلى غير ذلك من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام الدالة على ذلك.

بل في التهذيب و النهاية و السرائر و التحرير و التذكرة زيادة زعفرانها أيضا، لاشتمال الخلوق عليه، و لصحيح يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة؟ قال: «لا يضره و لا يغسله» «2». و خبر سماعة أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة و هو محرم فقال: «لا بأس به و هو طهور فلا تتقه ان تصيبك» «3» و نحوهما غيرهما من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام. ثم ان تنقيح البحث فيه يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- إن مقتضى إطلاق إطلاق النصوص- كما ترى هو عدم حرمة شم ما يتطيب به الكعبة المقدسة، و لكن يختص ذلك بما إذا استعمل الخلوق بالكعبة، و أما قبل استعماله فلا يجوز ذلك؛ لقوله عليه السّلام في صحيح ابن سنان المتقدم في صدر المبحث: (لا تمس ريحانا و أنت محرم و لا شيئا فيه زعفران. إلخ) فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن في الخروج عن عموم النهى

عن شم الطيب، و هو بعد استعمال الخلوق بالكعبة المقدسة.

(الثانية)- انه لا بد من الاقتصار على مورد النصوص المتقدمة و هو خلوق الكعبة و خلوق القبر في الحكم بعدم لزوم الاجتناب عنه في ثوب الإحرام، و لا يمكن التعدي إلى غيره- كالتجمير و نحوه- وفاقا لما أفاده الشهيد الثاني في المسالك حيث انه على ما حكى عنه في الجواهر حرم غير الخلوق إذا طيبت به الكعبة بتجمير و غيره- إلا إذا قام دليل تعبدي على ذلك أو علم بوحدة المناط و شي ء منهما غير حاصل في المقام

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 21 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

(2) الوسائل ج 3 الباب 21 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

(3) الوسائل ج 3 الباب 21 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 112

..........

أما (الأول): فواضح و أما (الثاني) فلما ذكرناه غير مرة من ان المعتبر منه هو القطعي الذي لا يمكن تحصيله في الشرعيات و غاية ما يحصل منه هو الظن و لا دليل على اعتباره بل قام الدليل على عدم اعتبار الظن المشكوك الاعتبار و قد ذكرنا مرارا ان نفس الشك في اعتباره كاف في عدم حجيته.

(الثالثة)- أنه ذهب بعض الأصحاب إلى حرمة شم ما يتجمر به الكعبة المقدسة و لكن قيل: انه لا يحرم الجلوس فيها و عندها، و لكن ذهب الشيخ و العلامة- قدس سرهما- إلى عدم تحريم الشم أيضا، و ظاهر المدارك الميل اليه؛ و استدل لذلك بفحوى صحيح هشام بن الحكم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: سمعته يقول:

«و لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفاء و المروة من ريح العطارين و لا يمسك

على أنفه» «1» فعليه إذا جاز شم الرائحة الطيبة من العطارين بين الصفاء و المروة فرائحة الكعبة المقدسة أولى. و لكن يمكن المناقشة فيه بعدم إمكان التعدي من مورده- و هو الرائحة الطيبة بين الصفاء و المروة- إلى غيره و هو الرائحة الحاصلة من تجميرها، و ذلك لاحتمال خصوصية في الرائحة الطيبة فيما بين الصفاء و المروة فتدبر. فالأولوية على تقديرها ظنية و من المعلوم عدم العبرة بها، لعدم خروجها عن القياس الباطل في مذهبنا، فلا يمكن التعدي من مورد صحيح هشام إلى غيره، فيحكم بحرمة الشم في ما نحن فيه فتأمل.

ثم انه قد استثنى أيضا من الطيب المحرم خلوق القبر، و هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و يدل على ذلك صحيح حماد بن عثمان المتقدم لقوله عليه السّلام فيه: «لا بأس بهما [أى خلوق الكعبة و خلوق القبر] هما طوران».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 113

و لو في الطعام (1)

ثم لا يخفى: ان مقتضى إطلاق الرواية هو استثناء خلوق مطلق القبور. نعم ان الظاهر اختصاص الحكم بالقبور الواقعة في مكة؛ و أما غيرها فليست داخلة فيه لخروجها عن محل ابتلاء المحرم. و أما ما قيل من اختصاص الحكم بخلوق قبور الأعاظم التي صارت مزارا: فمدفوع بمقتضى إطلاق الحديث فتدبر.

و قد استثنى أيضا من الطيب المحرم على المحرم طيب العطارين بين الصفا و المروة و يدل عليه- مضافا إلى اتفاق الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم- ظاهرا عليه صحيح هشام المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: (لا بأس بالريح الطيبة بين الصفاء و المروة من ريح العطارين و لا يمسك على انفه)

هذا مما لا كلام و لا إشكال فيه، إنما الكلام في أنه هل يختص الجواز بالمرور للسعي أو يعم مطلق المرور و لو لم يكن للسعي؟.

مقتضى إطلاقه هو الثاني. نعم، شموله لحال الجلوس مشكل إلا إذا تعب عن المشي.

ثم لا يخفى أنه كما عرفت مقتضى ظاهره هو عدم حرمة شم الريح الجائي من سوق العطارين و لكن لا يشمل ما إذا تعمد الشم كما إذا شم من قارورة العطار فيحكم بحرمة ذلك عليه، لانصرافه إلى كون الشم قهرا في حال المرور بين الصفاء و المروة، فتعمد الشم مطلقا سواء كان في حال الجلوس أم المرور غير داخل في صحيح هشام و المرجع فيه عموم حرمة شم الطيب.

(1) أن مقتضى الأخبار الواردة في المقام هو وجوب اجتناب المحرم الطيب شما و تطيبا و أكلا و لو في الطعام، كما أفاده صاحب الجواهر و غيره من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و ذلك لعموم الأدلة مضافا إلى خصوص بعض النصوص السابقة، لقوله عليه السّلام في صحيح عبد اللّه بن سنان: (و لا تطعم طعاما فيه زعفران).

و قوله عليه السّلام في خبر حنان بن سدير: (لا ينبغي للمحرم ان يأكل شيئا فيه زعفران و لا يطعم شيئا من الطيب): بل في التذكرة نسبته إلى إجماع علماء الأمصار.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 114

..........

هذا لا كلام فيه في الجملة إنما الكلام في أنه هل يعتبر في الحرمة عدم استهلاكه على وجه يعد أنه آكل له و مستعمل إياه و لو ببقاء رائحته التي هي المقصد الأقصى في الطعام من استعماله كما ان المقصد الأقصى من الزعفران لونه أم لا يعتبر ذلك؟. يمكن أن يقال باعتبار عدم استهلاكه في الحكم

بحرمة الأكل من الطعام الذي فيه طيب على المحرم، إذ مع الاستهلاك لا يصدق الأكل و الاستعمال، فلا يحرم للأصل.

و يؤيده في الجملة، كما أفاده صاحب الجواهر صحيح عمران عن الصادق عليه السّلام انه سئل عن المحرم يكون به الجرح فيتداوى بدواء فيه زعفران؟ فقال ان كان الزعفران الغالب على الدواء فلا و ان كانت الأدوية الغالبة عليه فلا بأس «1».

و من هنا ظهر ضعف ما عن الخلاف و التحرير و موضع من التذكرة و غيرها من حرمة أكل ما فيه طيب و ان زالت أوصافه، لعموم النهى عن أكل ما فيه طيب أو زعفران لما عرفت من منع تناول العموم له، و لم يرد في الروايات ما دل على حرمة ما فيه طيب على وجه يتناول المستهلك؛ و لا فرق في ذلك بين ما مسته النار و غيره؛ خلافا للمسالك و أصحاب الرأي؛ لأنهم أباحوا ما مسته النار بقيت أوصافه أولا.

و لكنه مع ذلك كله لا يخلو المنع من تناول العموم له من تأمل، و ذلك لان النهي عن أكل الطعام الذي فيه زعفران مطلق؛ و لا يصلح. صحيح عمران الحلبي لتقييده بالغلبة و عدم الاستهلاك، لكون مورده الدواء لا الطعام، و لا دافع لاحتمال خصوصية المورد- و هو الدواء- حتى يتعدى عنه إلى الطعام، فلا بد من الاقتصار على مورده. و أما القول بإمكان التعدي بتنقيح المناط، فمدفوع بما ذكرنا غير مرة و هو أن المعتبر منه هو القطعي و لا يمكن تحصيله في الشرعيات؛ فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا في مذهبنا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 69 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 115

و لو

اضطر إلى أكل ما فيه طيب أو لمس الطيب قبض على أنفه (1)

هذا مضافا إلى إمكان إرادة بقاء الأثر- و هو الريح الطيبة من الغالب لا إرادة الغلبة من حيث الوزن فتدبر و أما الأصل فلا مجال له حتى يحكم بعدم الحرمة في صورة استهلاكه في الطعام به، و ذلك لانقطاعه بالإطلاقات الناهية عنه مطلقا فعليه قد يقوى في النظر ما ذهب اليه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في الخلاف و العلامة في التذكرة و غيرها، و يظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب الجواهر- قدس سره- من عدم الحرمة إذا كان مستهلكا حيث قال في ذيل المبحث: (و التحقيق ما عرفت من حرمة أكله إذا لم يكن مستهلكا) فتأمل و اللّه الهادي إلى الصواب.

(1) ان ما ذكرنا من حرمة أكل ما فيه طيب أو لمسه إنما يختص بحال الاختيار و أما في حال الاضطرار فلا بأس به؛ و ذلك للضرورة المبيحة للمحظورات، و لكن لا يخفى ان الضرورات تتقدر بقدرها، فإذا توقف اندفاع ضرورة مثلا على استعمال الدهن الذي ليس فيه طيب تعين ذلك عليه، فلا يستعمل الدهن الذي فيه طيب إلا مع توقف اندفاع الضرورة عليه، كما هو الحال في سائر الضرورات، فلو اضطر إلى شمه خاصة اقتصر عليه دون غيره، من الأكل أو غيره مما لم يضطر اليه. لعدم الضرورة المسوغة له، و لذا تضمنت نصوص الاضطرار لاستعمال الدهن الزيت و السمن كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن محرم تشققت يداه؟ قال: فقال: يدهنهما بزيت أو بسمن أو إهالة «1» و صحيح هشام بن سالم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا خرج بالمحرم الجراح أو الدمل فليبط

و ليداوه بسمن أو زيت «2» و صحيح إسماعيل بن جابر و كانت عرضت له ريح في وجهه من علة اصابته و هو محرم قال: فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ان الطبيب الذي يعالجني وصف لي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 31- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب- 31- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 116

و قيل: (1) إنما يحرم المسك و العنبر و الزعفران و الورس و العود و الكافور و قد يقتصر بعض (2) على أربعة: المسك و الزعفران و العنبر و الورس.

سعوطا فيه مسك؟. فقال: اسعط به «1» و نحوه غيره.

و أما إطلاق خبره الآخر عنه قال: سألته عن السعوط للمحرم و فيه طيب؟

فقال: لا بأس (به خ) «2» فيحمل على حال الضرورة كما حمله الشيخ- قدس سره- و يمكن حمله على غير الأنواع المحرمة، و ذلك للجمع بينها و لكن شاهد له فلا يصار اليه و العمدة هو عدم عمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بإطلاقه.

(1) و القائل هو الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة بل عن الخلاف الإجماع على انه لا كفارة في غيرها.

(2) و هو الصدوق- قدس- سره- في المقنع على ما نقل عنه بل هو المحكي عن التهذيب و ابن سعيد. ثم ان هنا قولا ثالثا: و هو حصره في خمسة بإسقاط الورس و هو المحكي عن الجمل و العقود و المهذب و الإصباح و الإشارة و في الغنية نفي الخلاف عن حرمتها؛ و كيف كان فيدل على القول الثاني و هو الأربع صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام

قال: لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم، و لا من الدهن، و أمسك على انفك من الريح الطيبة و لا تمسك عليه من الريح المنتنة؛ فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة، و اتق الطيب في زادك؛ فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليعد غسله، و ليتصدق بصدقة بقدر ما صنع و انما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران. إلخ «3» و خبر عبد الغفار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الطيب: المسك و العنبر و الزعفران و الورس «4».

و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: انما يحرم عليك من الطيب أربعة

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 19 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

(2) الوسائل ج 3 الباب 19 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8.

(4) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 16.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 117

..........

أشياء: المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح «1» و نحوها غيرها من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- و كيف كان قال: في الجواهر بعد ذكره ما في صحيح معاوية و خبر عبد الغفار: (و منه يعلم كون المراد منه ذلك بالنسبة للمحرم، لا ان المراد حصر الطيب في نفسه، بل في صحيح معاوية الآخر عنه أيضا: الرجل يدهن بأي دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك و لا عنبر و لا زعفران و لا ورس قبل أن يغتسل للإحرام غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح؛ و بذلك يظهر

لك: ان لا وجه لإسقاط الورس ممن سمعت و ان قال الصادق عليه السّلام في خبر ابن ابى يعفور: (الطيب المسك و العنبر و الزعفران و العود) فان المتجه في الجمع بينها الحكم بحرمة الخمسة التي نفي الخلاف فيها في محكي الغنية، بل ينبغي إضافة الكافور إليها، لفحوى ما دل على منع الميت المحرم منه، فالحي أولى، بل لعل الحصر المزبور في النصوص المذكورة فيما عداه باعتبار قلة استعمال الأحياء كما انه يجوز كون ترك العود في نصوص الأربعة لاختصاصه غالبا بالتجمير، و كونها فيما يستعمل لنفسه؛ و بما ذكرنا ظهر لك حجة القول بالستة و الخمسة و الأربعة و على كل حال فيخص أو يقيد ما دل على حرمة مطلق الطيب أو يحمل على الكراهة كما عساه يشعر بها ما عرفت من قوله: (لا ينبغي) و نحوه. إلخ).

يمكن ان يقال بمعارضة خبر ابن أبى يعفور المشتمل على لفظ العود مع صحيح معاوية بن عمار و خبر عبد الغفار المشتمل على لفظ الورس، و ذلك لان مقتضى حصر خبر ابن أبى يعفور المستفاد من وروده في مقام التحديد هو عدم حرمة الورس و حرمة العود؛ و مقتضى الحصر في صحيح معاوية بن عمار و نحوه عدم حرمة العود على المحرم، فيقع بينهما التعارض، فلا بد من ملاحظة ما يوجب ترجيح أحدهما على

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 118

..........

الآخر، أو التخيير، أو غيرهما من أحكام التعارض، و يمكن أن يقال بترجيح الأخبار المشتملة على الورس على خبر ابن أبى يعفور بوجهين:

(الأول)- كثرة الأخبار المشتملة على الورس و وحدة ما دل على حرمة العود، فالعبرة

بها، لكثرتها عددا دونه؛ لوحدته. و (فيه): ما حقق في محله من عدم كون كثرة العدد من مرجحات تعارض الروايات حتى يحكم بتقدم الأخبار المشتملة على ما عدا العود على خبر ابن أبى يعفور المشتمل على العود، و ذلك لعدم دليل شرعي و لا عقلي على كون كثرة العدد من المرجحات.

(الثاني)- قوله عليه السّلام: (خذ بما اشتهر بين أصحابك و دع الشاذ النادر) فتقدم الأخبار المشتملة على الورس على خبر ابن أبى يعفور لأجل كونها مشهورا و (فيه): انه بناء على تسليم ذلك فإنما يتم إذا لم يكن الثاني مشهورا و ليس الأمر كذلك لثبوت الشهرة في تمامها.

و لكن يمكن ان يقال: بعد البناء على اعتبار خبر ابن أبى يعفور لانجباره بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- انه لا تعارض بين الروايات ضرورة: أن ضابط التعارض هو عدم الملائمة بين الكلامين إذا اجتمعا، مثلا لا يجتمع قوله:

(اغتسل للجمعة) و (لا تغتسل للجمعة) لمنافاة الأمر للنهي، بخلاف [اغتسل للجمعة] و (لا بأس بترك غسل الجمعة) فإنه لا منافاة بين رجحان الفعل و الترخيص في تركه فنقول في مقامنا: انه لا منافاة بين قولنا: الطبيب هو المسك و العنبر و الزعفران و الورس، و بين قولنا: الطيب هو المسك و العنبر و الزعفران و العود، فان العرف لا يتحير في الجمع بين هاتين العبارتين، و لا يراهما من المتعارضين.

فان قلت: ان الحصر المستفاد من كلمة: [انما] في صحيحي معاوية بن عمار المتقدمين، و من التحديد في خبر عبد الغفار المتقدم ينفي حرمة ما عدا الأربعة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 119

..........

المذكورة فيها من العود و غيره فالنص الدال على حرمة ما عداها ينافي الحصر المزبور فلا

محالة يقع التعارض بينهما. قلت: ان الحصر بكلا قسميه المزبورين ليس نصا في الحصر بل ظاهرا فيه، فإذا دل دليل يكون صريحا أو أظهر من ذلك الحصر، فلا محالة ترفع اليد عن الحصر، نظير: (لا تعاد الصلاة إلا من خمس) و قوله عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: (لا يضر الصائم إذ اجتنب أربعة خصال) و غير ذلك مما هو في غاية الكثرة؛ و من المعلوم انه لا تعارض بين النص أو الأظهر و بين الظاهر؛ فمقتضى ما ذكرنا هو الأخذ بجميع النصوص و الالتزام بحرمة جميع أفراده المنصوصة.

و بعبارة أوضح: انه ترتفع اليد عن ظاهر الحصر و هو (انما) الواقع في بعض الاخبار المتقدمة المستفاد منه انحصار الحرمة في المسك و العنبر و الزعفران و الورس دون غيره بقاعدة تقديم النص أو الأظهر على الظاهر؛ لان خبر ابن أبى يعفور نص في ان العود محرم. و صحيح معاوية المشتمل على كلمة (انما) ظاهر في ان العود و الكافور ليس بحرام، فترتفع اليد عن ظهوره لأجل النص فتصير النتيجة ان المحرم هو خمسة أشياء و ستة أشياء بناء على اضافة الكافور إليها ان قلنا بتمامية فحوى ما دل على منع ميت المحرم منه فالحي أولى.

ثم أن هنا تقريبا آخر لعدم المعارضة بينها، و هو ان قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (انما يحرم) ظاهر في حصر الطيب المحرم في الأربعة المذكورة فيه و هو المسك و العنبر و الزعفران و الورس و لا دلالة فيه على انحصار أقسام الطيب فيها، لكي تقع المعارضة بينه و بين غيره من الاخبار فيكون الحصر بلحاظ الحكم فلا مانع من انه يكون شي ء آخر من الطيب

أيضا، كالعود و غيره، فلا معارضة بينها؛ لانه لم يقل في خبر ابن أبى يعفور المشتمل على العود (انما يحرم) بل قال:

(الطيب المسك و العنبر و الزعفران و العود) فيؤخذ بجميعها من ناحية الموضوع،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 120

و الأظهر هو الأول (1)

لعدم المنافاة بين أن يكون جميعها طيبا و بين أن يكون المحرم منها هو خصوص المسك و العنبر و الزعفران و الورس بمقتضى ظاهر الحصر في صحيحي معاوية، و أما غيرها فيحكم بكراهته. و لكن يبقى مجال حينئذ للسؤال عن تخصيص ذكر العود في خبر ابن أبى يعفور، فان كان المقصود هو الكراهة فليس مختصا به، لان كل طيب مكروه على المحرم، و ان كان المقصود انحصار حقيقة الطيب بهذه الأشياء فلا يمكن الالتزام به و لعل ذكر العود لأجل أشدية كراهته عن بقية المكروهات.

و لكن التحقيق: انه لا يرتفع التهافت و التعارض بهذا التقريب؛ لورودها في في مقام التحديد أى تحديد موضوع الحرمة و ليس شأن الإمام مجرد بيان الموضوع حتى يتم ما ذكر بل يكون ذكرها فيه لأجل الحكم فعليه يتعين الجمع المتقدم و هو رفع اليد عن الحصر الواقع في الصحيح الظاهر في الانحصار لأجل النص و هو الخبر المشتمل على العود فتأمل

(1) و اختاره صاحب الجواهر أيضا حيث قال بعد ذكره حجة القول بالأربعة و الخمسة و الستة، و تخصيص ما دل على حرمة مطلق الطيب بها أو حملها على الكراهة بقرينة: (لا ينبغي): (و لكن مع ذلك الأول أظهر من ذلك كله، خصوصا القول بالأربعة الذي هو في غاية الندرة؛ حتى ان الشيخ الذي قال به في التهذيب قد رجع عنه في المبسوط الى العموم. و

في الخلاف إلى الستة؛ و منه يعلم المناقشة في الحصر في الصحيح بالأربعة المشتمل على ما لا يقول به أحد من الكفارة بأنه لا بد من صرفه عن ظاهره بالنسبة إلى الكافور و العود؛ لما عرفت فيكون مجازا بالنسبة إلى ذلك، و هو ليس بأولى من إبقاء العموم على حاله، و حمله على ما هو أغلظ تحريما أو المختص بالكفارة؛ بل لعله أولى، و ان كان التخصيص بالترجيح أحرى من المجاز حيث ما تعارضا، فان ذلك حيث لا يلزم إلا أحدهما، و أما إذا لزم المجاز على كل تقدير

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 121

..........

فلا ريب في أن اختيار فرد منه يجامع العموم أولى من الذي يلزم معه التخصيص كما لا يخفى. و العمدة كثرة النصوص المزبورة مع عمل المشهور بمضمونها، و اشتمال بعضها على التعليل: (بأنه لا ينبغي للمحرم التلذذ بذلك) المناسب لمعنى الإحرام، و لما ورد في دعائه من إحرام الأنف و غيره، فيكون الظن بها أقوى، و إجماع الخلاف على نفي الكفارة فيما عدي الستة لا تنافي الحرمة بعد تسليمه كما أن إجماع ابن زهرة لا ينافي حرمة غيرها. إلخ) تحقيق الكلام هو أنه إن الأخبار الواردة في المقام كما ترى مختلفة المفاد لدلالة بعضها على حرمة مطلق الطيب و بعضها على حرمة بعض أقسامه كاختلاف الأخبار الواردة في تفسير الطيب، إذ بعضها يفسره بالأربعة مع اختلاف في نفس الأربعة لابدال الورس في بعضها بالعود. و بعضها الآخر يفسر الطيب بالستة و كيف كان فلو كان المحرم نفس عنوان الطيب كما هو مقتضى الإطلاقات و العمومات فلم يكن إشكال في عموم الحكم لكل ما يعد طيبا من دون اختصاص بقسم خاص

منه، لكنه بعد تفسيره في بعض النصوص بأشياء خاصة فحينئذ يقع التعارض بينها، فلا بد من الجمع بينها و يمكن الجمع بينها بوجهين:

(الأول)- حمل الأخبار الدالة على حرمة مطلق الطيب على الحرمة فقط دون ثبوت الكفارة، و حمل غيرها من الأخبار الدالة على حرمة خصوص الأربعة و هي: المسك و العنبر و الزعفران و الورس على ثبوت الكفارة فيها أيضا، و نتيجة ذلك هو ان المحرم كل ما يصدق عليه عنوان الطيب عرفا و لكن الكفارة لا تترتب إلا على بعض أقسامه و هو الأربعة المزبورة.

و لكن لا يخفى ما فيه، لأنه لا شاهد له، و ليس أيضا جمعا عرفيا، إذ الجمع العرفي هو تقييد المطلقات بالأخبار المفسرة للطيب، لكن لما كان بين نفس تلك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 122

..........

الأخبار تهافت، فلا تصلح لتقييدها، فلا بد أولا من علاج هذا التهافت كما عرفت سابقا ثم تقييد المطلقات بها.

(الثاني)- حمل الأخبار المطلقة الدالة بظاهرها على حرمة مطلق الطيب على الكراهة؛ و الأخذ بظاهر الأخبار المفسرة من حرمة خصوص بعض أقسام الطيب. و المتحصل حينئذ هو كراهة مطلق الطيب إلا الأربعة المزبورة و هي:

المسك و العنبر و الزعفران و الورس، و الشاهد على ذلك هو خبر معاوية بن عمار المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: (لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم، و لا من الدهن، و أمسك على انفك من الريح الطيبة، و لا تمسك عليها من الريح المنتنة. فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة و اتق الطيب في زادك، فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليعد غسله. إلى أن قال: و انما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: (المسك و العنبر و

الزعفران و الورس) غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة إلا المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به) حيث أنه- كما ترى قد اشتمل صدره على الأمر باتقاء المحرم عن مطلق الطيب؛ و الأمر بإمساك الأنف عن الريح الطيبة مع التعليل بقوله: (لا ينبغي أن يتلذذ بريح طيبة) و ذيله على قوله: (غير أنه يكره للمحرم الأدهان. إلخ) و ظاهرهما هو التفصيل بين ما إذا كان الطيب من الأربعة المزبورة و غيرها؛ فيحكم بالحرمة في الأول، و بالكراهة في الثاني.

ثم إن المراد بالكراهة التي وردت في بعض الأخبار كقوله عليه السّلام من أنه يكره من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الزعفران و الورس هو معناه اللغوي- و هو الحرمة بقرينة الأخبار المتضمنة قوله: (و انما يحرم). و لو لا هذه القرينة لم تكن ظاهرة في ذلك؛ بل كانت ظاهرة في مجرد الحزازة من دون دلالتها بشي ء من الكراهة المصطلحة و الحرمة كذلك.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 123

..........

و من هنا ظهر ملائمة الكراهة الواردة في الروايات لكل من الحرمة و الكراهة و عدم دلالتها على خصوص الكراهة حتى ينافيها ما يدل على الحرمة، بل يكون ذلك قرينة على إرادة الحرمة منها كما لا يخفى.

ثم أنه يمكن أن يقال بحرمة جميع أنواع الطيب وفاقا لما أفاده المصنف- قدس سره- و من تبعه، للعمومات الدالة على حرمته على المحرم مطلقا. و أما ما دل على حرمة بعض أقسامه، فيمكن توجيهه، أما رواية ابن أبى يعفور المتضمنة لقوله عليه السّلام: (الطيب المسك و العنبر و الزعفران و العود (فإنها- كما ترى- لا تدل على أن غيرها ليست بحرام، و غاية ما تدل عليها هو حرمة الأمور المزبورة،

و إثبات الشي ء لا ينفي ما عداه.

و لكن الإنصاف دلالته على نفي الحرمة عما عدا هذه الأربعة، لأن قوله عليه السّلام فيها: (الطيب: المسك و العنبر و الزعفران و العود) في مقام تحديد موضوع الحرمة و قد قرر في محله أن التحديد مما يدل على المفهوم، فتدل رواية ابن أبى يعفور على حرمة خصوص هذه الأربعة من الطيب و عدم حرمة غيرها. نعم لو لم يكن واردا مورد التحديد لما كان نافيا لحرمة غير هذه الأربعة كما لا يخفى و أما خبر عبد الغفار المتضمن لقوله عليه السّلام: (الطيب المسك و العنبر. إلخ) فهو أيضا كذلك، بل هو كسابقه من دون تفاوت بينهما و أما صحيح معاوية بن عمار المشتمل على قوله عليه السّلام: (و إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الزعفران و الورس) فهو و ان كان يدل على حصر الحرمة بالأمور المذكورة، لكون الظاهر من كلمة [انما] الحصر الحقيقي و لا يمكن المصير الى غيره الا بالقرينة، و لكنه يمكن أن يقال أنه ترفع اليد عن ظهورها لأجل العمومات الدالة على حرمة مطلق الطيب، فعليه يقال: أنه لا معارضة بينها و يحكم بحرمة كل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 124

..........

ما يصدق عليه عنوان الطيب عرفا.

هذا لكن فيه ما لا يخفى ضرورة: أخصية ما دل على الحصر المزبور من العمومات؛ فمقتضى الصناعة تخصيص العمومات بها، فالمتحصل حينئذ أن المحرم من الطيب هو ما يستفاد من الحصر لأكل ما يكون طيبا، و ما عداه مكروه، لا من جهة ظهور لفظ (لا ينبغي) في الكراهة لعدم ظهوره فيها كنفس لفظ (الكراهة) كما عرفت آنفا؛ بل بقرينة قوله عليه السّلام: (انما

يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الزعفران و الورس) لكونه موجبا لظهور: (لا ينبغي) في الكراهة، فالمتحصل من جميع النصوص بعد تخصيص عموماتها و تقييد مطلقاتها و تحكيم أظهرها على ظاهرها هو عدم حرمة مطلق الطيب بل الأقسام المذكورة منه؛ فقد ظهر مما ذكرنا عدم صحة جعل العمومات قرينة على رفع اليد عن ظهور: (انما) في الحصر، لما عرفت من الأخصية الموجبة لتخصيص العمومات لا محالة، و معه لا مجال للقول بحرمة الطيب بجميع أقسامه كما نسب الى المشهور، و اختاره صاحب الجواهر قدس سره تبعا للمصنف مستدلا عليه كما عرفت آنفا بان تخصيص العمومات يوجب المجاز للزوم رفع اليد حينئذ عن الحصر الحقيقي؛ و حمله على الإضافي؛ لحرمة العود و الكافور؛ كما ان إبقاء العموم على حالها و حمل الحصر المزبور على ما هو أغلظ حرمة أو الحرام المختص بالكفارة أيضا يوجب المجاز في متعلق الحصر لكن الثاني أولى، لعدم انثلام العموم معه؛ بخلاف التخصيص، فإنه يوجب انثلام العموم، فترجيح التخصيص على المجاز فيما دار الأمر بينهما يختص بما إذا لم يلزم المجاز على كل حال.

و أما مع لزومه فالفرد المجتمع منه مع العموم أولى من فرده الهادم للعموم، و عليه فيحكم بحرمة مطلق الطيب، و يحمل الحصر على كون الأربعة أغلظ حرمة من غيرها أو على ما يختص بالكفارة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 125

..........

وجه عدم المجال لما ذكر (أولا): ما عرفته من قرينية الخاص على العام الموجبة لتقدمه عليه كسائر القرائن، و حكومة القرينة على ذيها توجب التقدم و ان لم تكن أظهر من ذيها؛ كما هو الشأن في كل حاكم فلا يصلح العام لان تكون قرينة على

الخاص.

(و ثانيا): أنه لا يلزم من تخصيص العمومات بالحصر المذكور في صحيح معاوية بن عمار المتقدم مجاز أصلا لا في العام، لما قرر في محله من عدم كون العام بعد التخصيص مجازاً، و لا في الحصر بحمله على الإضافي بالنسبة إلى العود و الكافور، لان أدوات الحصر كألفاظ العموم تدل على حصر متلوها، كقولنا: (ما جائني الا زيد) فان كلمة [ما] و (الا) تدل على حصر المجي ء في زيد فان، قلنا في المثال: (الا زيد و عمرو) يكون الحصر ثابتا في اثنين، و هكذا. و أداة الحصر لا تتفاوت في الدلالة على الحصر بين وحدة المحصور فيه و تعدده و قلته و كثرته كألفاظ العموم فان لفظة:

(كل) مثلا تفيد العموم سواء كان مدخولها جنسا مطلقا كقوله: (أكرم كل رجل عالم) أم مقيدا كقوله (أكرم كل رجل عالم) لكون التقييد راجعا إلى مصب العموم لا نفسه.

فنقول في المقام: ان قوله عليه السّلام: (إنما يحرم) في صحيح معاوية بن عمار المتقدم تفيد الحصر، و أما كون المحصور فيه خصوص الأربعة فمنوط بعدم دليل على حرمة غيرها، و أما معه فيكون المحصور فيه أزيد من الأربعة، و لا فرق في الزيادة على الأربعة بين كون الدليل على الزائد متصلا و منفصلا. فاتضح من هذا البيان عدم لزوم مجاز أصلا حتى يكون الفرد المجامع منه مع العموم اولى من فرده الآخر.

و (ثالثا): ان حمل: (انما يحرم) على الاغلظية أو ما يختص بالكفارة يكون بلا شاهد؛ بعد وضوح عدم كونه جمعا عرفيا، و ان كان هذا الجمع لا يوجب المجازية أيضا فما أفاده قدس سره في الجواهر من لزوم المجاز على كل تقدير مما لا يمكن المساعدة عليه

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 3، ص: 126

..........

فالمتحصل من جميع ما ذكرناه ان الأوفق بالجمع العرفي هو تخصيص العمومات الدالة على حرمة مطلق الطيب بمثل صحيح معاوية بن عمار المتقدم و الالتزام بحرمة الأربعة و غيرها مما قام الدليل على حرمته من العود و الكافور ان تمت الفحوى فتأمل.

و سيجي ء ذكر الروايات الدالة على حرمة استعمال الكافور على الميت المحرم عند تعرض المصنف له- إنشاء اللّه تعالى.

ثم أن تنقيح متعلق الحرمة في هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الاولى)- أنه يمكن أن يقال أنه ليس المراد من قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (و انما يحرم عليك من الطيب أربعة: المسك و العنبر و الزعفران و الورس). بعد عدم إمكان تعلق الحكم بنفس الأعيان هو حرمة مطلق استعمالها فلا مانع من اقتناءها و بيعها و شراءها و النظر إليها؛ لعدم صدق الاستعمال عليها عرفا، كما لا يخفى.

(لا يقال): ان حذف المتعلق يفيد العموم فيحرم كل ما فعل يتعلق بها و ان لم يصدق عليه الاستعمال فإنه (يقال): نعم لكن بشرط عدم الظهور لبعض الأفعال المتعلقة بها؛ و معه لا يكون الكلام ظاهرا في الجميع بل في خصوص بعضها؛ و من الواضح: ان الاستعمال هو الظاهر بحيث لا ينصرف الذهن إلى غيره من الأفعال؛ كما لا يخفى.

و أما شمها فان كان من مصاديق الاستعمال بحيث يصدق عليه هذا العنوان فيحكم بحرمته و إلا فلا يشمله الصحيح المزبور و حرمته حينئذ منوطة بدليل آخر دل على حرمة هذه الأربعة أو كل طيب، و لكن الظاهر صدق الاستعمال على الشم فيحكم بحرمته عليه و سيجي ء تحقيق الكلام فيه في ذيل هذا البحث ثم أنه إذا أخذها المحرم ليشمها

فحينئذ أيضا يحكم بحرمته و لو لم يصدق عنوان الاستعمال عليه و ذلك لأجل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 127

..........

المس و يدل عليه قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة: (لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم) كدلالة قوله عليه السّلام في تلك الصحيحة أيضا (و أمسك على أنفك من الريح الطيبة) على حرمة الشم بنفسه و كذا غيرها من النصوص الدالة على حرمة الشم كصحيح حريز المتضمن للنهى عن التلذذ بالطيب.

فالمتحصل: ان كل ما يعد استعمالا للأربعة: و هي المسك و العنبر و الزعفران و الورس حرام، و أما غيرها فالمحرم فيه شمها، فحرمة الشم لا تختص بالأربعة؛ بل كل ما كان فيه رائحة طيبة يحرم شمه و ان كان أكله جائزا سواء صدق عليه عنوان الطيب أو لا و بالجملة فظهور النصوص المتقدمة في حرمة شم مطلق الرائحة الطيبة مما لا يمكن إنكاره.

و لكن التحقيق: انه مع الغض عن الروايات الدالة على النهى عن التلذذ بريح طيبة و الدالة على الأمر بإمساك الأنف عن الرائحة الطيبة يمكن الحكم بحرمة شم تلك الأربعة أيضا، و ذلك لانه لا وجه لعدم شمول قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (انما يحرم عليك من الطيب أربعة المسك و العنبر و الزعفران و الورس) للشم، إلا دعوى: عدم صدق الاستعمال عليه؛ لكنها ممنوعة، لعدم ذكر الاستعمال في الكلام حتى يبقى لتلك الدعوى مجال فمقتضى إطلاق دليل حرمة الأربعة هو حرمة استعمالها و شمها، كيف و الشم هو الفرد الجلي مما يطلب من الطيب و لعله أجلى من غيره، فيحكم بحرمة شم الطيب إذا كان من الأربعة المزبورة، و اما غيرها فيجب

الإمساك أيضا من ريحه الطيبة للأمر به في الاخبار، كما يحرم الإمساك من ريحه الكريهة للاخبار الناهية عن ذلك و سنذكرها ان شاء اللّه تعالى في القريب.

اللهم إلا أن يقال بعدم وجوب الإمساك و ذلك بقرينة قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة) بناء على ظهور

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 128

..........

كلمة: (لا ينبغي) في الكراهة فحينئذ يحكم بكراهة الشم لا حرمته فلاحظ و تأمل.

فتلخص ان الأربعة المذكورة حرام مطلقا استعمالا أكلا و شماً و غيرها لإطلاق الدليل و اما غيرها مما له رائحة طيبة فلا حرمة فيه. نعم، يكره خصوص شمه من غير فرق في ذلك بين الفواكه الطيبة الريح و الخضروات التي لها رائحة طيبة و الرياحين و بالجملة يكره شم كل ماله رائحة طيبة و أن لم يعد طيبا عرفا.

و أما مسها: فلا ينبغي الإشكال في حرمته من جهة الاخبار الناهية عن مس مطلق الطيب كقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك. إلخ) و في صحيح حريز: (لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان. إلخ) و نحوهما غيرهما مما في الاخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- فحرمة المس لا تختص بالأربعة بل كل ما كان من الطيب و يصدق عليه أنه منه يحرم مسه، للأخبار المتقدمة.

ثم انه لا يخفى: ان الحكم بالحرمة لا يختص بما إذا كان المس بالظاهر فلو مس الطيب بالباطن- كالاحتقان مثلا- يكون حراما أيضا، لإطلاق المس الشامل لكل من الظاهر و الباطن، كما لا يخفى و (دعوى): انصرافه إلى خصوص الظاهر- كما ترى-

لانه على فرض ثبوته فبدوى فلا عبرة به، في تقييد الإطلاق لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط في الانصراف الصالح للتقييد فتأمل.

(الثانية)- انه لا فرق في حرمة الطيب على المحرم بين احداثه بعد الإحرام و قبله مع بقاء أثره إلى زمان الإحرام؛ فكما يحرم على المحرم الطيب بعد إنشاء الإحرام فكذلك يحرم عليه إبقاءه حين إنشاء الإحرام إذا كان متطيبا قبله، لقوله عليه السّلام في صحيح الحلبي: (لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 129

..........

رائحته يبقى في رأسك بعد ما تحرم. إلخ) «1».

(الثالثة)- انه لا فرق في حرمته بعد الإحرام بين الحدوث و البقاء، فإذا تطيب بعد الإحرام أو تلطخ ثوبه مثلا بأحدها في النوم أو غيره وجب عليه إزالته فورا كما صرح به الفاضل، لحرمة الاستدامة كالابتداء هذا مما لا كلام و لا إشكال فيه.

انما الكلام في انه هل يجوز له ان يزيله بيده أم لا بل يجب أن يزيله بآلة أو أمر الحلال بها لئلا يمس الطيب، و قد وقع الخلاف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- في ذلك، و في محكي الدروس: (أنه أمر الحلال بغسله، أو غسله بآلة) و في محكي التهذيب و التحرير: (التصريح بجواز إزالته بمباشرته و بنفسه).

تفصيل الكلام في هذه المسألة هو أنه (تارة): يتكلم فيها على ما تقتضيه القاعدة و (اخرى): على ما تقتضيه النصوص فهنا مقامان:

أما (المقام الأول): فملخص الكلام فيه انه مع التمكن من رفعه بدون المس كازالته عن ثوبه بالخرقة أو بواسطة الغير، فلا يجوز له أن يزيله بيده، لأنه من المس المحرم فهو حرام.

اللهم إلا أن يقال:

انه لا مانع له من إزالته بيده المستلزم لمسه المحرم و ذلك لأنه مقدمة للتخلص عن الحرام فهو بصدد ترك الطيب لا التطيب به و هذا نظير خروج الغاصب عن المكان الغصبي بقصد التخلص عن الغصب، بل ما نحن فيه أولى من ذلك إذا فرض ان تلطخ ثوبه بالطيب لم يكن باختياره، فهو يكون نظير ما إذا دخل في المكان الغصبي قهرا، فإنه لا يحرم عليه الخروج قطعا، ففي مفروض المقام أيضا كذلك؛ فلا مانع من أن يزيله بيده، و كذا الحال فيما إذا تطيب قبل الإحرام و بقي إلى زمان الإحرام، لأن التطيب حينئذ لم يكن حدوثا حراما، كتلطخ ثوبه مثلا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 130

..........

بالطيب بعد الإحرام في حال النوم؛ و المفروض ان هذا المس إزالة للطيب و ترك له لا تطيب به فلا يحرم فتدبر.

و لكن قد يقال بالفرق بين المقامين و ذلك لانه تركه الغصب و التخلص عنه لا يمكن إلا بإخراج بدنه عن المكان المغصوب؛ فالتخلص هناك لا ينفك عن المباشرة فيجوز له الخروج، لأنه مقدمة لتخلصه عن الحرام و هو البقاء في المكان الغصبي، و لكن هذا بخلاف المقام، فان التخلص عن الحرام فيه و هو الطيب لا يتوقف على المس باليد، لإمكانه ان يزيله عن ثوبه بواسطة المحل فلا يجوز له مس الطيب و لو كان في مقام الإزالة فيتعين عليه ان يزيله بيد المحل.

نعم، إذا فرض عدم وجود محل أو كان زمان اشتغال المحل بإزالته أوسع من وقت إزالته بنفسه، فحينئذ يقدم على المحل، هذا كله بحسب مقتضى القاعدة.

و اما (المقام الثاني): و هو

ما تقتضيه الأخبار فنخبة الكلام فيه ان مقتضاها جواز إزالته عن ثوبه بيده لمرسل ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا عن أحدهما- عليهما السّلام- في محرم أصابه طيب؟. فقال: «لا بأس أن يمسحه بيده أو يغسله» «1» و مرسله الآخر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في المحرم يصيب ثوبه الطيب؟. قال: «لا بأس بأن يغسله بيد نفسه» «2» و ما رواه عبد اللّه بن جبلة عن إسحاق بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يمس الطيب و هو نائم لا يعلم؟. قال: «يغسله و ليس عليه شي ء و عن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيب و المحرم لا يعلم ما عليه؟.

قال: «يغسله أيضا و ليحذر» «3». و ظاهر قوله عليه السّلام لمن رأى عليه طيبا على ما في الجواهر: (اغسل عنك الطيب). و هذه الأخبار كما ترى تدل على جواز إزالته بيده.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 131

..........

و لكن يمكن أن يقال بعد الغض عن سندها انه لا يمكن الاعتماد عليها أيضا بعد مسلمية حرمة مسه بالإجماع و النصوص التي تقدم ذكرها في صدر المبحث و انه لا يمكن رفع اليد عنها بمثل هذه الروايات، و لذلك يمكن حملها على حال الضرورة؛ و عليه قد يقوى في النظر تمامية ما ذهب اليه الشهيد الأول- قدس سره- في الدروس: (من أنه أمر الحلال بغسله أو غسله بآلة) فلاحظ و تأمل و اللّه هو الهادي إلى الصواب.

(الرابعة)- انه إذا

توقف ازالة الطيب عن ثوبه على استعمال ماء و فرض أن له ماء و لكن حضر وقت الصلاة و احتاج إلى صرفه في الوضوء و لم يكن الماء وافيا بكليهما، فحينئذ هل يقدم الوضوء على الإزالة أم العكس أم التخيير؟؟ وجوه.

و في المدارك: (صرفه لغسله و يتيمم للطهارة) و قال في وجه ذلك: (لان للطهارة المائية بدلا و لا بدل للغسل الواجب) بل في الدروس: (و صرف الماء في غسله أولى من الطهارة و إزالة النجاسة فيتيمم) و هو صريح في عدم الفرق بين الحدث و الخبث الذي لا بدل له أيضا. ثم انه احتمل في المدارك وجوب الطهارة به، لان وجوبها قطعي و وجوب الإزالة و الحال هذه مشكوك فيه، لاحتمال استثناءه للضرورة، كما استثنى شمه في الكعبة و المسعى، و الاحتياط يقتضي تقديم الغسل على التيمم، لتحقق فقد الماء حالته.

و قال في الحدائق: (و من المحتمل قريبا التفصيل في ذلك بين الوقت و خارجه فان كان في الوقت فالأظهر تقديم الوضوء لانه مخاطب به في تلك الحال و التيمم غير مشروع، لانه واجد للماء، و يسقط وجوب الإزالة للضرورة، و ما ذكر صاحب المدارك [من ان الاحتياط يقتضي تقديم الغسل] لا يتم في هذه الصورة؛ لأن بالتصرف بالماء في تلك الحال يصير من قبيل من دخل عليه الوقت واجدا للماء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 132

..........

فتعمد إراقته و إتلافه، و لا أقل من التأثيم و العقوبة عليه ان لم نقل ببطلان تيممه، و ان كان قبل الوقت فلا يبعد وجوب الإزالة في هذا الحال لانه غير مخاطب بالطهارة و الخطاب بوجوب الإزالة متوجه اليه، ليس له معارض، و كيف كان فالمسألة لعدم

النص الذي هو المعتمد عندنا في جميع الأحكام لا تخلو من الإشكال انتهى.

يمكن أن يقال بلزوم صرفه في إزالة الطيب بعد دخول وقت الصلاة لما اشتهر في باب التزاحم من أن كل ما ليس له البدل من المتزاحمين يقدم على ماله البدل و ذلك لان فيه الجمع بين الحقين و امتثال كلا التكليفين، أما فيما ليس له البدل فلحصول امتثاله بالإتيان به و أما فيما له البدل فللاتيان ببدله و هذا بخلاف ما لو قدم ماله البدل فإنه لم يمتثل إلا تكليفا واحدا؛ فعليه يجب عليه صرف ماءه في إزالة الطيب عن ثوبه و يتيمم لوضوءه. و (فيه): انه لا دليل عقلا و لا شرعا على كونه من مرجحات باب التزاحم، فيتعين ملاحظة الأهمية بينهما؛ لانه قد يكون ماله البدل أهم مما ليس له البدل، فعليه ان أحرز أهمية الوضوء و الصلاة مع الطهارة المائية فيقدم و يصرف الماء في وضوءه، و ان أحرز أهمية وجوب ازالة الطيب عن الثوب فيقدم و يصرف الماء فيه، و إلا فالمرجع التخيير.

(الخامسة)- انه هل يختص حرمة الطيب بالرجل أم لا؟. الظاهر شمولها للمرأة؛ و لكن لقاعدة الاشتراك بعد احتمال دخل خصوصية الرجولية و عدم دافع له، بل لتصريح بعض الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- في المقام بكون الحكم المزبور للمحرم كقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة) و قوله عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم: (لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به) و نحوهما غيرهما من الاخبار المأثورة عنهم و لا ينبغي الارتياب في شمول إطلاق المحرم للمرأة كالرجل بل و شموله للصبي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 133

..........

و الصبية أيضا فإنه قضية جنس المحرم؛ و هذا أيضا هو المشهور بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- فلو كنا نحن و هذه الروايات المشتملة على كلمة: (المحرم) لحكمنا بشمولها لكل محرم سواء كان رجلا أو امرأة أم غيرهما. مضافا إلى صحيح نضر ابن سويد المتقدم و هو ما عن أبى الحسن عليه السّلام في حديث: (إن المرأة المحرمة لا تمس طيبا) «1».

و أما الاخبار التي ليست مشتملة على لفظ (المحرم) بل وردت بلسان الخطاب بالرجل كقوله عليه السّلام: (إنما يحرم عليك. إلخ) فيمكن دعوى: شمولها للمرأة أيضا، لأن الظاهر من قوله عليه السّلام: (إنما يحرم عليك) هو كونه بعنوان أنه محرم، فالحكم ثابت له بعنوان المحرمية عليه فلا ينبغي الشك في شمولها لها أيضا.

إلا ان يقال: ان الموضوع هو الرجل و الإحرام جهة تعليلية للحكم فيختص الحكم حينئذ بالرجل و لا يتعدى عنه إلى المرأة و لكن فيه ما لا يخفى لأنه جهة تقييدية و كون الموضوع هو إحرامه لأنه كل ما يؤخذ في لسان الدليل هو الموضوع على ما بين في محله.

« (تذييل)» يقع الكلام في تعريف الطيب المحرم على المحرم بناء على القول بالتعميم كما ذهب اليه صاحب الجواهر و المدارك- قدس سرهما- أو المكروه على القول الآخر و في الجواهر: (قد عرفه في التذكرة بأنه ما تطيب رائحته و يتخذ للشم، كالمسك و العنبر و الكافور و الزعفران و ماء الورد و الأدهان الطيبة كدهن البنفسج و الورس؛ و المعتبر ان يكون معظم الغرض منه التطيب أو يظهر فيه هذا الغرض و قال الشهيد: (يعنى به كل جسم ذي ريح طيبة بالنسبة إلى معظم الأمزجة

أو إلى مزاج

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 134

..........

المستعمل له غير أمر الرياحين) و في المسالك: «هو الجسم ذو الريح الطيبة المتخذة للشم غالبا غير الرياحين كالمسك و العنبر و الزعفران و ماء الورد و الكافور» و في المدارك بعد نقله هذا القول عن الشارح قال: (و هو حسن) ثم أنه قد ذكر الشيخ و العلامة و غيرهما- قدس اللّه تعالى أسرارهم- أن أقسام النبات الطيب ثلاثة:

(الأول)- ما لا ينبت للطيب و لا يتخذ منه كالشيح و القيصوم و الخزامى و الفواكه كلها من الأترج و التفاح و السفرجل و أشباهها، و هذا كله ليس بمحرم و لا يتعلق به كفارة و هذا هو المشهور بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل الخلاف من أحد منهم و يدل عليه- مضافا إلى ثبوت الاتفاق بينهم على ذلك جملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- كصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (لا بأس أن تشم الإذخر و القيصوم و الخزامى و الشيح و أشباهه و أنت محرم) «1». و ما رواه عمار بن موسى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يأكل الأترج؟ قال: نعم قلت: له رائحة طيبة؟. قال: الأترج طعام ليس هو من الطيب «2» و نحوهما غيرهما من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام.

و أما مرسل ابن أبى عمير عن بعض أصحابه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن التفاح و الأترج و النبق و ما طاب ريحه؟. فقال يمسك

على شمه و يأكله «3» ففيه (أولا) انه مرسل و لا عبرة به، فلا يعارض الأخبار المتقدمة. و أما (ثانيا) بعد الغض عن سنده فالجمع العرفي يقتضي حمل الإمساك على الاستحباب، لرفع اليد عن ظهوره في الوجوب بنص: (لا بأس) في الجواز و رفع اليد عن ظهور نفي البأس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 135

..........

في الإباحة بنص (يمسك) في الرجحان فينتج الجواز مع الرجحان و ليس ذلك إلا الاستحباب كما أفاده في الجواهر.

(الثاني): ما ينبته الآدميون للطيب و لا يتخذ منه طيب كالريحان الفارسي و المرزنجوش و النرجس، و قد اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم في حكمه- على قولين:

1- ما ذهب اليه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- و هو انه غير محرم و لا يتعلق به كفارة على ما نقل في المدارك.

2- ما أفاده العلامة- طاب ثراه- حيث انه استقرب في التحرير تحريمه و الظاهر كونه من الرياحين التي تعرف الكلام فيها، هنا عند نقل كلام صاحب المدارك في القسم الثالث من أقسام الطيب فعليه لو صدق عليه اسم الريحان لحقه حكمه و إلا فلا.

(الثالث): ما يقصد شمه و يتخذ منه الطيب كالياسمين و الورود و النيلوفر و قد وقع الخلاف في حكمه أيضا بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و استقرب العلامة- طاب ثراه- في التذكرة و المنتهى التحريم، لأن الفدية تجب فيما يتخذ منه فكذا في أصله و ناقش فيه صاحب المدارك حيث قال بعد نقل كلام العلامة:

هو استدلال ضعيف، و الظاهر دخول هذا النوع قبل الجفاف في قسم الرياحين و قد اختار المصنف كراهة استعمالها؛ و سيجي ء الكلام فيه؛ و ان الأظهر تحريمها لقوله عليه السّلام في رواية (لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا من الريحان و لا يتلذذ به) و صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (سمعته يقول: لا تمس الريحان و أنت محرم).

و في محكي المبسوط الطيب على ضربين (أحدهما:) تجب فيه الكفارة و هي الأجناس الستة التي ذكرناها: المسك و العنبر و الكافور و الزعفران و العود

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 136

..........

و الورس، و الضرب الآخر على ثلاثة أضرب: (أولها): ما ينبت للطيب و يتخذ منه الطيب، مثل الورد و الياسمين و الخزي و الكارى و النيلوفر، فهذا يكره و لا يتعلق باستعماله كفارة إلا أن يتخذ منه الأدهان الطيبة فيدهن بها فيتعلق بها كفارة و (ثانيها):

ما لا تنبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب مثل الفواكه كالتفاح و السفرجل و النارنج و الأترج و الدارصيني و المصطكى و الزنجبيل و الشيح و القيصوم و الإذخر و تبق الماء و السعد و نحو ذلك و كل ذلك لا يتعلق به كفارة و لا هو محرم بلا خلاف و كذلك حكم أنوارها و أورادها و كذلك ما يعتصر منها من الماء و الأولى تجنب ذلك للمحرم و (ثالثها):

ما ينبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب مثل الريحان الفارسي، و لا تتعلق به كفارة و يكره استعمالها و فيه خلاف و هو نحو ما سمعته عن التذكرة إلا ما عرفت من الحرمة في مثل الورد). على كل حال إذا قلنا

بحرمة كل طيب على المحرم فلا بد أن يحكم بها لكل ما صدق عليه عنوان الطيب عرفا سواء كان نبته للطيب أو لا و سواء اتخذ منه للشم أو لا، إلا أنه يمكن أن يقال عدم عد شي ء من الأمور المتقدمة من الطيب عرفا كما أن الرياحين أيضا كذلك كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- فتدبر. فعليه يحكم بحرمة المسك و العنبر و الزعفران و الورس و غيرها مما هو طيب عرفا و يتطيب به عادة و أما غيرها هو طيب الرائحة و ليس من الطيب عرفا فلا إشكال في إباحة ما كان منه طعاما كالتفاح و السفرجل و الأترج و غيرها. و كذا ما كان نبتا بريا طيب الرائحة كالشيح و القيصوم و نحوهما، و أما غير ذلك مما هو طيب الرائحة فالظاهر جوازه، للأصل، مضافا إلى خبر عمار بن موسى المتقدم حيث أنه كالصريح في أن المحرم الطيب لا مطلق ذي الرائحة الطيبة التي قد يعسر اجتنابها أوقات الربيع في الحرم و غيره، بل لعل السيرة على خلافه و كذا الفواكه، نعم قد تقدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 137

..........

في السابق كراهة شم ماله رائحة طيبة من غير فرق في ذلك بين الفواكه الطيبة الريح و الخضروات التي لها رائحة و طيبة الرياحين. بل شم كل ماله رائحة طيبة و إن لم يكن يعد طيبا و ذلك للأخبار المتقدمة الدالة على أنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة.

و كيف كان فما في كشف اللثام من الوجوه التسعة في الأجسام الطيبة الريح لا نعرف بها قائلا، بل و لا مأخذا لبعضها، فإنه بعد ان استظهر من المصنف و الفاضل و الشهيد خروج

الرياحين من الطيب و من الشيح في المصباح دخول الفاكهة فيه لاستثنائها منه و كذا في الإرشاد و التلخيص مع زيادة استثناء الرياحين قال:

(الأول): حرمتها مطلقا. (الثاني): حرمتها إلا الفواكه. (الثالث): حرمتها إلا الرياحين. (الرابع): حرمتها إلا الفواكه و الرياحين (الخامس): حرمتها إلا الفواكه و الرياحين، و ما لا ينبت للطيب و لا يتخذ منها الطيب و هي نبات الصحراء و الإذخر و الاباذير خلا الزعفران. (السادس): حرمتها إلا الفواكه و الاباذير غير الزعفران و ما لا يقصد به الطيب و لا يتخذ منه. (السابع): إباحتها إلا ستة (الثامن): إباحتها إلا أربعة (التاسع): إباحتها إلا خمسة و في الأربعة وجهان.)

و على كل حال فالتحقيق هو ما عرفت.

« (ثم انه ينبغي لنا التنبيه على فروع:)» 1- انه لا ينبغي الإشكال في جواز اجتياز المحرم في موضع يباع فيه الطيب و كذلك الجلوس عند متطيب بشرط عدم تأثر جسده و ثوبه من ريحه و كان قابضا على انفه، كما صرح غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم-؛ و يدل عليه- مضافا إلى الأصل بعد عدم صدق عنوان النهى من المس و الأكل و الاستعمال كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- صحيح ابن بزيع المتقدم لما فيه: (رأيت

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 138

..........

أبا الحسن عليه السّلام كشف بين يديه طيب لينظر اليه و هو محرم فأمسك بيده على أنفه بثوبه من رائحته) و عليه فلا بأس ببيعه و شراءه و غيرهما مما لا يندرج في عنوان النهى كما أفاده صاحب الجواهر و قال صاحب المدارك: (يجوز للمحرم شراء الطيب و النظر إليه إجماعا، لأن المنع إنما ورد عن استعماله و ذلك ليس استعمالا. إلخ) هذا

مما لا ينبغي الكلام و الاشكال فيه إنما الكلام في أنه هل يجب الامتناع عن شمه بقبض الأنف و نحوه حينئذ أو لا؟. يمكن أن يقال بوجوب ذلك عليه لحرمة الشم عليه و لصحيح ابن بزيع المعتضد بالأمر في الروايات السابقة بذلك عن الرائحة الطيبة كما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: (و أمسك على أنفك من الرائحة الطيبة) و نحوه ما في غيره من الروايات و هذا الحكم مخالف للمحكي عن ظاهر المبسوط و الاستبصار و السرائر و الجامع، لذهابهم إلى عدم وجوبه، للأصل بعد منع اندراج اصابة الرائحة في الطريق في موضع النهى بخلاف الشم و المباشرة و الأكل المؤديين له؛ و بصحيح هشام بن الحكم المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: (لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفاء و المروة من ريح العطارين و لا يمسك على أنفه) و لكنه لا يخلو من المناقشة و الاشكال: أما الأصل: فلانقطاعه بما عرفت من الروايات الدالة على وجوب قبض الأنف من الرائحة الطيبة مطلقا سواء كانت في الطريق أو في غيره. و أما صحيح هشام فلاختصاصه بالمكان المخصوص للضرورة أو غيرها فلا بد من الاقتصار على مورده، فقد ظهر مما ذكرناه جواز اجتياز المحرم في موضع يباع فيه الطيب و لكن يجب عليه الامتناع عن شمه بقبض الأنف و نحوه، كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- خلافا لما حكى عن ظاهر المبسوط و غيره فتدبر 2- أنه حسب المستفاد من النصوص عدم جواز إمساك الأنف عن الرائحة الكريهة كما هو المنسوب إلى المشهور بل عن ابن زهرة نفي الخلاف فيه؛

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 139

..........

و ذلك للنهى عنه فيما سمعته

من الروايات المعتبرة التي منها صحيح ابن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «المحرم إذا مر على جيفة فلا يمسك على أنفه» «1» و منها صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تمس شيئا من الطيب في إحرامك و أمسك على انفك من الرائحة الطيبة و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة» «2».

و منها صحيح الحلبي و محمد بن مسلم جميعا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «المحرم يمسك على انفه من الريح الطيبة و لا يمسك على انفه من الريح الخبيثة» «3» و ظاهر النهى هو الحرمة ما لم يقم ما يوجب الخروج عنه، كما يكون كذلك ما دل على الأمر بإمساك الأنف عن الرائحة الطيبة، فيحكم بوجوب إمساك الأنف عن الرائحة الطيبة إلا أن يقوم دليل تعبدي على الخلاف.

3- انه يحرم على المحرم لبس الثوب المطيب سواء صبغ بالطيب أو غمس فيه كما إذا غمس في ماء الورد أو غيره مما يكون مطيبا كما هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل عن التذكرة إجماع علماء الأمصار على حرمة لبس ثوب فيه طيب و يدل عليه خبر حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انى جعلت ثوب إحرامي مع أثواب قد جمرت فأخذ من ريحها؟. قال: «فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها» «4». و مفهوم خبر الحسين بن أبى العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام «عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب أ يحرم فيه؟ فقال: «لا بأس إذا ذهب ريحه. إلخ» «5». و خبر إسماعيل بن فضل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس

الثوب قد أصابه الطيب؟. فقال: «إذا ذهب ريح الطيب فلا بأس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(5) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 140

..........

فليلبسه» «1». و ما رواه سعيد بن يسار قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الثوب المصبوغ بالزعفران أغسله و أحرم فيه؟. قال: «لا بأس» «2».

4- يحرم على المحرم الجلوس على الثوب المطيب و في حانوت عطار مثلا فتشبث به الرائحة لذلك كما يومي اليه ما في خبر حماد بن عثمان المتقدم المشتمل على اكتساب ثوبي الإحرام من الثياب المجمرة التي أمر فيه بنشرها حتى يذهب ريحها بل في محكي التذكرة و التحرير: (لو داس بنعله طيبا فعلق بنعله اثم و كفر): و قال في الجواهر: (و ما عن الخلاف من انه يكره للمحرم أن يجعل الطيب في خرقة و يشمها فان فعل فعليه الفداء) يراد به الحرمة بقرينة الفداء.

5- لا يجوز للمحرم افتراش ثوب المطيب و النوم عليه و أما لو فرش فوق ثوب مطيب ثوبا يمنع رائحته ثم جلس أو نام عليه فهل يجوز الجلوس و النوم عليه أو لا و الظاهر أنه لا مانع منه و يقتضيه الأصل، وفاقا لصاحب الجواهر و المدارك و غيرهما- قدس سرهم- هذا إذا كان الحائل بينهما غير ثوب بدنه؛ و أما إذا كان الحائل ثوب بدنه فهل يجوز ذلك أو لا؟. في المدارك: (و

لو كان الحائل بينهما ثياب بدنه فوجهان: الجواز، للأصل، و عدم صدق مس الطيب الذي هو متعلق النهى. و المنع- و هو خيرة المنتهى- لان المحرم كما منع من استعمال الطيب في بدنه منع من استعماله في ثوبه. و في الجواهر بعد أن اختار جواز جلوس المحرم و نومه على ثوب مطيب الذي جعل فوقه ثوب يمنع من رائحته قال: (بل يمكن القول بالاكتفاء بثيابه مع عدم العلوق به خلافا للاصبهانى فقال لا يكفي حيلولة ثياب بدنه. إلخ).

و التحقيق: هو انه إذا صدق المس بذلك كما حكى عن التذكرة حيث قال:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 141

[و لبس المخيط]

و لبس المخيط للرجال (1)

استعمال الطيب عبارة عن شمه أو إلصاق الطيب بالبدن أو الثوب أو تشبث الرائحة بأحدهما قصدا. إلخ) فلا يجوز و إلا فلا.

6- انه لو انقطعت رائحة الطيب من الثوب لطول الزمان أو صبغ بغيره بحيث لا يظهر رائحته لا مع الرطوبة و لا مع اليبوسة فالظاهر جواز استعماله.

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و قال في الجواهر (بلا خلاف أجده فيه كما في الغنية و مى و التحرير و التنقيح و المفاتيح و غيرها على ما حكى عن بعضها، بل عن التذكرة و موضع آخر من مى إجماع العلماء كافة عليه، بل عن الأخير منهما عن ابن عبد البر: انه لا يجوز لبس شي ء من المخيط عند جميع أهل العلم و في الأول عن ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المحرم يمنع من لبس القميص و العمامة

و السراويل و الخف و البرنس، لما روى العامة ان رجلا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (لا يلبس القميص و لا العمائم و لا السراويلات و لا البرانس و لا الخفاف إلا أحدا لا يجد نعلين فليلبس الخفين و ليقطعهما أسفل من الكعبين) و في الدروس: (يجب تركه على الرجال و ان قلت الخياطة في ظاهر كلام الأصحاب.) و في المدرك: (اجمع العلماء كافة على انه يحرم على الرجل المحرم لبس الثياب المخيطة) قاله في التذكرة و قال في المنتهى: (يحرم على المحرم لبس المخيط من الثياب أن كان رجلا و لا نعلم فيه خلافا. إلخ).

و استدل لذلك بجملة من الأخبار فمنها: صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزره و لا تدرعه، و لا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك أزرار، و لا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان «1» و منها:

صحيحة الآخر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم إلا أن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 142

..........

تنكسه، و لا ثوبا تدرعه و لا سراويل إلا أن لا يكون لك أزرار، و لا خفين إلا أن لا يكون لك نعلين «1». و منها: ما في صحيحة الآخر أيضا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: ان لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب و أعد غسلك و ان لبست قميصا فشقه و أخرجه

من تحت قدميك «2» و منها: خبر خالد بن محمد الأصم قال:

دخل رجل المسجد الحرام و هو محرم، فدخل في الطواف، و عليه قميص و كساء، فاقبل الناس عليه يشقون قميصه. و كان صلبا فرآه أبو عبد اللّه عليه السّلام و هو يعالجون قميصه يشقونه، فقال كيف صنعت؟ قال: أحرمت هكذا في قميصي و كسائي فقال:

انزعه من رأسك ليس هذا ينزع من رجليه انما جهل فأتاه غير ذلك فسأله؟. فقال:

ما تقولون في رجل أحرم في قميصه؟ قال ينزع من رأسه «3» و نحوه رواية عبد الصمد بن بشير نحوها و غيرها من الروايات المروية عنهم- عليهم السّلام- و لكن لا يخفى: انه لا دلالة في شي ء من النصوص المتقدمة على حرمة لبس المخيط و لا تعرض له بالكلية و إنما تدل على تحريم القميص و القبا و السراويل و الثوب المزرر أو المدرع لا على تحريم مطلق المخيط، و قد اعترف بذلك الشهيد الأول- رحمه اللّه تعالى- في الدروس فقال: (و لم أقف إلى الآن على رواية بتحريم عين المخيط انما نهى عن القميص و القبا و السراويل) و في صحيح معاوية ابن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تلبس ثوبا تزره و لا تدرعه و لا تلبس سراويل) و تظهر الفائدة في الخياطة في الإزار و شبهه) و يعضده ما نقل عن الشيخ المفيد رحمه اللّه تعالى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5 و أورد صدره أيضا في باب 13 من أبواب الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب تروك الإحرام

الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 143

..........

في المقنعة من انه لم يذكر إلا المنع من أشياء معينة و لم يتعرض لذكر المخيط. بل في صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته: عما يكره للمحرم ان يلبسه؟ فقال يلبس كل ثوب الا ثوبا يتدرعه «1» و في صحيح يعقوب بن شعيب قال سألت أبى عبد اللّه عن المحرم يلبس الطيلسان المزرورة؟ فقال: نعم. و في كتاب على عليه السّلام (لا تلبس طيلسانا حتى ينزع أزراره فحدثني أبي أنه أنما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل عليه «2» و غيرهما من الأخبار المأثورة عنهم- عليهم السّلام- و هذه الأخبار كما ترى إنما تدل على كون المانع هو الادراع و الزر لا كونه مخيطا.

و من هنا ظهر أن ما اشتهر بين المتأخرين من انه يكفي في المنع مسمى الخياطة و ان قلت غير واضح، بل يمكن أن يقام بعدم كونه مانعا، و ذلك لظهور صحيح الحلبي المشتمل على الطيلسان في الجواز، و ان كان فيه أزرار مخيط، بل قد يدعى- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- انصراف المخيط إلى غير ذلك خصوصا بناء على استفادة حرمته، و لو بمعونة الإجماع المزبور مما ورد في الثوب الذي يدرع و القيص و السراويل و الخف و نحو ذلك، بناء على انها مثال لكل مخيط و نحوها، دون الخياطة القليلة في الأزرار و الرداء.

و لكنه مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في اجتناب مطلق المخيط بعد ثبوت الاتفاق عليه من جميع الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل المظنون قويا عدم استناد المجمعين إلى النصوص، بعد وضوح المناقشة في دلالتها على حرمة لبس المخيط و إن كان قليلا فلا

يكون الإجماع حينئذ مدركيا حتى يسقط عن الاعتبار، و ينحصر مستند الحكم في النصوص؛ فالأقوى وفاقا للمشهور حرمة لبس المخيط و إن كان قليلا و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 144

..........

ثم ان تنقيح البحث في هذا المبحث يتوقف على الإشارة إلى أمور:

1- يمكن أن يقال أنه لا يعتبر في حرمة المخيط كونه محيطا بالبدن و ذلك لإطلاق الأدلة- كما أفاده صاحب الجواهر- خلافا للمحكي في الدروس عن ظاهر ابن الجنيد من اشتراطه حيث قيد المخيط بالضام للبدن، و مقتضاه عدم تحريم التوشح به؛ و استدل صاحب المدارك على عدم حرمة التوشح به بالأصل، و بقوله عليه السّلام في رواية معاوية بن عمار: (لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم إلا ان تنكسه) «1».

و لكن يمكن أن يقال بعدم حرمة التوشح بالمخيط حتى بناء القول بعدم اعتبار كون المخيط محيطا بالبدن في الحكم بالحرمة و ذلك لعدم صدق اللبس به الذي يكون هو العنوان في معقد الإجماع لا حرمة المخيط مطلقا و لذا حكموا بجواز افتراشه.

و يؤيد ذلك قوله عليه السّلام في الأخبار المتقدمة (يدرعه) لظهوره في كون المحرم الادراع به لا التوشح و نحوه و لكن الحكم بعدم صدق اللبس في التوشح به مما لا يخلو من تأمل بل منع لكون التوشح من مصاديق اللبس و ان لم يكن من اللبس المتعارف و (دعوى): انصراف اللبس الى المتعارف غير مسموعة، إذ البناء عليه يستلزم تأسيس فقه جديد، كما لا يخفى على المتأمل، مضافا الى ما ذكرناه غير مرة من ان

الانصراف الصالح لتقييد الإطلاق هو ما إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرح بخروج المنصرف عنه عن حيز الإطلاق كان توضيحا للواضح و في المقام ليس كذلك قطعا فلا عبرة به في تقييد الإطلاق فيحكم بشموله له بمقتضى إطلاق الدليل فتأمل.

2- في المدارك انه الحق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بالمخيط ما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 145

..........

أشبهه كالدرع المنسوج وجبة اللبد و الملصق بعضه ببعض و قال في التذكرة «و قد ألحق أهل العلم بما نص النبي صلّى اللّه عليه و آله ما في معناه فالجبة و الدراعة و شبههما ملحق بالقميص و النبان و الران و شبههما ملحق بالسراويل و القلنسوة و شبههما مساو للبرنس و الساعدان و القفازان و شبههما مساو للخفين قال: إذا عرفت هذا فيحرم لبس الثياب المخيطة و غيرها إذا شابهها كالدرع المنسوج و المعقود، كجبة اللبد و الملصق بعضه ببعض حملا على المخيط لمشابهته له في المعنى من الترفة و التنعم». و في الحدائق و غيرها قال: (ان الأجود الاستدلال عليه بما يتضمن تحريم لبس الثياب على المحرم فإنها متناولة بإطلاقها لهذا النوع و ليس فيها تقييد بالمخيط حتى يكون إلحاق غيره به خروجا عن المنصوص.

و لا يخفى انه انما يتم بناء على تمامية صدق العناوين المذكورة في الأخبار من الثياب و القباء و السراويل عليها و عدم انصرافها إلى المخيط و إلا فلا مانع منها وفاقا لما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- إذ المفروض عدم الصدق فيجوز لبسها 3- انه صرح الفاضل و الصدوق و ابن حمزة و يحيى بن سعيد و

الشهيد و غيرهم- قدس سرهم- بجواز لبس المنطقة [1] و شد الهميان للمحرم و ان كانا مخيطين لا ينبغي الخلاف و الاشكال في ذلك، و يدل عليه- مضافا إلى الأصل- صحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يصير الدراهم في ثوبه؟. قال نعم، و يلبس المنطقة و الهميان «1». و خبر يعقوب بن سالم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام تكون معى الدراهم فيها تماثيل و أنا محرم و أجعلها في همياني و أشده في وسطى؟. فقال: لا بأس أو ليس هي نفقتك و عليها اعتمادك بعد اللّه عز و جل «2» و خبر يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المحرم يشد الهميان في وسطه؟ فقال نعم و ما خيره بعد

______________________________

[1] المنطقة: و هي ما يشد به الوسط

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 146

..........

نفقته «1» و صحيح ابن بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في المحرم يشد على بطنه العمامة قال: لا، ثم قال: كان أبى يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها، فإنها من تمام حجه «2» و خبره الآخر قال سألت: أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته؟. قال يستوثق منها فإنها من تمام حجه «3» بل في المنتهى و التذكرة على ما حكاه صاحب الجواهر: (ان جواز لبس الهميان قول جمهور العلماء) و في المنتهى: (انه لو أمكن إدخال سيور الهميان بعضها في بعض و عدم عقدها فعل؛

لانتفاء الحاجة إلى العقد و لو لم يثبت بذلك كان له عقده).

و لكن لا يخفى ما في كلامه من المناقشة و الاشكال: و ذلك لإطلاق الأخبار المتقدمة؛ مضافا إلى انه يمكن منع اندراجه في لبس المخيط و صاحب المدارك بعد ما استحسن كلام المنتهى قال و ان كان الأظهر الجواز مطلقا.

4- انه يمكن أن يقال بجواز شد العمامة للمحرم على بطنه، و ذلك للأصل و ما في صحيح عمران الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: المحرم يشد على بطنه العمامة و ان شاء يعصبها على موضع الإزار و لا يرفعها الى صدره «4».

و ما رواه الكليني- رحمه اللّه تعالى- عن عاصم بن الحميد عن ابى بصير (يعني المرادي) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يشد على بطنه العمامة؟ قال:

لا «5». الدال بظاهره على حرمة شدها على بطنه فيمكن حمله على الكراهة، و على كونها حريرا، و يمكن حمل البطن فيه على الصدر جمعا بين الخبرين. و لكن لا شاهد لها فلا يصار إليها، نعم إذا ثبت تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم-

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الإحرام الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 72 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و أورد أيضا في باب 47 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 نقلا عن أبي بصير

(5) الوسائل ج 2 الباب 72 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 147

..........

على الجواز فيمكن جعلها قرينة على حمل النهى فيه على الكراهة، كما ان الجمع العرفي

بينهما يقتضي حمل النهى على الكراهة؛ لأن قوله عليه السّلام في صحيح عمران الحلبي:

(يشد على بطنه) نص في الجواز، و قوله عليه السّلام في ما رواه الكليني: (لا) ظاهر في الحرمة و من المعلوم كون النص قرينة على صرف الظاهر عن ظهوره، كما ان النهى صريح في الحزازة؛ فنتيجة هذا الجمع هو الجواز مع الحزازة و ليس ذلك إلا الكراهة ثم ان مقتضى صحيح عمران الحلبي هو تحريم عصبها على الصدر، لقوله عليه السّلام فيه: (و لا يرفعها إلى صدر) الظاهر في الحرمة فتدبر.

5- انه قد صرح الفاضل و غيره بجواز عقد الإزار للمحرم، للأصل و لما في قول ابى عبد اللّه عليه السّلام في خبر القداح عن جعفر عليه السّلام: (ان عليا عليه السّلام كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ثم يصلّى فيه و ان كان محرما «1» و للاحتياج اليه لستر العورة فيباح كاللباس للامرئة) قال في المدارك ( «و هو حسن»).

و لكن في خبر سعيد الأعرج أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال: «لا» «2» و في ما رواه أحمد بن على بن أبى طالب الطبرسي في (الاحتجاج) عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السّلام أنه كتب إليه يسأله عن المحرم يجوز أن يشد المئزر من خلفه على عنقه (عقبه خ ل) بالطول و يرفع [من خ ل] طرفيه إلى حقويه و يجمعهما في خاصرته و يعقدهما و يخرج الطرفين الأخيرين من بين رجليه و يرفعهما إلى خاصرته و يشد طرفيه إلى وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك، فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب

الرجل جمله يكشف ما هناك؛ و هذا أستر.؟؟. فأجاب عليه السّلام جائز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض و لا ابرة تخرجه به عن حد الميزر و غرزه غرزا و لم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 148

..........

يعقده و لم يشد بعضه ببعض و إذا غطى سرته و ركبته [ركبتيه خ ل] كلاهما فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة و الركبتين، و الأحب إلينا و الأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا ان شاء اللّه تعالى «1» و ما في خبر عبد اللّه بن جعفر الحميري في (قرب الاسناد) عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته و لكن يثنيه على عنقه و لا يعقده «2» و في ما عنه انه سأل هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة؟ فأجاب لا يجوز شد الميزر بشي ء سواء من تكة أو غيرها «3» و هذه الأخبار كما ترى تدل على النهى عن عقد الإزار و شد بعضه ببعض فبناء عليها يتعين الحكم بعدم جواز عقد الإزار له.

و أما ما ذكر من الوجوه المتقدمة فلا عبرة بها أما الأصل فلانقطاعه بها و اما خبر القداح فبعد الغض عن سنده، فيمكن حمله على الضرورة بل هو ظاهر فيها فلا منافاة بينه و بين الاخبار. و أما الاحتياج اليه لستر العورة فلعدم توقف ستر العورة على عقد

الإزار لإمكان ذلك بغيره، كما هو واضح.

5- انه قد صرح الشهيد الأول في الدروس بعدم جواز عقد الرداء له كالمحكي عن الفاضل و غيره، و استدل بما رواه ابن بابويه عن سعيد الأعرج أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعقد رداءه في عنقه قال لا «4» هذا بناء على ما في نسخة الجواهر في مبحث الإحرام من قوله: (رداءه) و أما بناء على نسخة المدارك و الحدائق و الوسائل من قوله:

(إزاره) فلا يمكن الاستدلال به على حرمة عقد الرداء، كما لا يخفى. هذا كله مضافا الى ما فيه من ضعف السند، كما أفاده صاحب المدارك- قدس سره-

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 149

و في النساء خلاف و الأظهر الجواز اختيارا و اضطرارا (1)

(1) القول بالجواز هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و في الجواهر: (و لكن الأظهر و الأشهر اضطرارا و اختيارا، بل المشهور شهرة عظيمة، بل لا يبعد دعوى الإجماع معها، لندرة المخالف الذي هو الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار و معروفية نسبه، على انه قد رجع عنه في ظاهر محكي المبسوط في القميص، بل عن موضع آخر منه مطلق المخيط، بل عبارته فيها غير صريحة قال: «لا يحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرجل و يحل لها جميع ما يحل له» ثم قال بعد ذلك:

«و قد وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء و الأفضل ما قدمناه، و أما السراويل فلا بأس بلبسه لهن على كل حال» بل لعل قوله: «و الأفضل ما قدمناه» صريح في الجواز، لكن عن بعض النسخ:

«و الأصل ما قدمناه». كل ذلك مضافا الى الإجماع صريحا في التذكرة و (مى) و السرائر و المختلف و التنقيح على ما حكى عن بعضها فضلا عن ظاهر المستفاد من غير واحد قال في الأول: «يجوز للمرأة لبس المخيط إجماعا، لأنها عورة و ليست كالرجال و كذا مى بل قال: لا نعلم فيه خلافا إلا قولا شاذا للشيخ لا اعتداد به، و هو كالصريح في انعقاد الإجماع بعد الشيخ. إلى أن قال: (و في محكي السرائر الأظهر عند أصحابنا ان لبس المخيط غير محرم على النساء، بل عمل الطائفة و فتواهم و إجماعهم على ذلك و كذلك عمل المسلمين إلى غير ذلك من العبارات الظاهرة و الصريحة في معلومية الحكم. إلخ).

و استدل لذلك بجملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- منها:

1- خبر يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المرأة تلبس القميص تزره عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج؟. فقال: نعم لا بأس به، و تلبس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 150

..........

الخلخالين و المسك «1».

2- ما رواه نضر بن سويد عن أبى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب؟. قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين «2». و نحوهما غيرهما من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- و بها تخص قاعدة الاشتراك على فرض تماميتها كما يقيد بها المحرم في بعض الروايات بناء على

ارادة الجنس منه الشامل لهن، إذ الجمع العرفي هو تقييد المطلقات بالمقيدات.

« (إيقاظ)» لا يخفى ان المستفاد من الأخبار المتقدمة هو جواز الإحرام في الحرير للنساء و لكنه مع ذلك اختلف الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في جواز إحرامهن في الحرير المحض فعن الشيخ المفيد في كتاب أحكام النساء و ابن إدريس في محكي السرائر و الفاضل في القواعد و غيرهم من الأصحاب: الجواز و هو المشهور بين أكثر المتآخرين على ما في الجواهر، و اليه مال في المدارك و الذخيرة، و لكن عن الشيخ و ابن الجنيد القول بالمنع، و به صرح الشيخ المفيد في المقنعة و الشهيد الأول في الدروس على ما في الحدائق، و منشأ هذا الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في المقام أما الأخبار الدالة على جواز ذلك لها فقد عرفتها.

و أما الأخبار الدالة على المنع؛ فمنها: صحيحة عيص ابن القاسم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين «3» و منها: خبر ابان بن عثمان عن إسماعيل بن فضيل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة هل يصلح لها ان تلبس ثوبا حريرا و هي محرمة؟. قال لا و لها ان تلبسه في غير إحرامها «4» و منها: خبر أبى عينية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 9

(4) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 151

..........

ما يحل للمرأة

أن تلبس و هي محرمة؟. فقال: الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير؛ قلت: أ تلبس الخز؟ قال: نعم. قلت: فان سداه إبريسم و هو حرير؟.

قال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس «1». و منها: موثق ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: النساء تلبس الحرير و الديباج إلا في الإحرام «2» و دلالة هذه الاخبار على حرمة الإحرام في الحرير للنساء مما لا يكاد لا يخفى، فعليه تقع المعارضة بينها و بين الاخبار المتقدمة الدالة على الجواز و لكن يمكن الجمع بينها بوجهين:

(الأول)- حمل الأخبار الناهية على الكراهة، و يمكن تأييد هذا الجمع بجملة من الاخبار المشتملة على لفظ (لا ينبغي) و لفظ (الكراهة) كما أفاده الفاضل الخراساني في الذخيرة، منها: موثق سماعة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض و هي محرمة فأما الحر و البرد فلا بأس «3» و خبر أبى بصير المرادي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القز تلبسه المرأة في الإحرام؟. قال: لا بأس إنما يكره الحرير المبهم «4» و خبر ابى الحسن الأحمسي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن العمامة السابرية فيها علم حرير تحرم فيها المرأة؟. قال: نعم انما يكره ذلك إذا كان سداه و لحمته جميعا حريرا، ثم قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام قد سألني أبو سعيد عن الخميصة سداها إبريسم أن ألبسها و كان وجد البرد فأمرته أن تلبسها «5» و صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان تحرم المرأة في الذهب و الخز و ليس يكره إلا الحرير

المحض «6» و خبر سماعة أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرمة تلبس الحرير؟ فقال: لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه فاما الخز و العلم في الثوب. فلا بأس ان تلبسه و هي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 1 الباب 16 من أبواب لباس المصلى الحديث 3

(3) الوسائل ج 1 الباب 16 من أبواب لباس المصلى الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 5

(5) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 11

(6) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 152

..........

محرمة و ان مر بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس و تلبس الخز. إلخ «1».

و لكن لا يخفى ان الاستشهاد بهذه الاخبار على حمل الأخبار الناهية على الكراهة انما يتم إذا أحرز بأن المراد من كلمة (يكره- و لا ينبغي- و لا تصلح) هو المعنى المصطلح منها، و إلا فلا يتم الاستشهاد بها بل يمكن ان يقال بحملها أيضا على الحرمة بقرينة الأخبار الناهية، لأنها للقدر المشترك بين الحرمة و الكراهة، لأن استعمال لفظ: (الكراهة) في الاخبار بمعنى التحريم، و كذا لفظ: (لا ينبغي) مما لا يكاد ينكر، فلا يمكن الحمل على أحدهما إلا مع القرنية الصارفة عن المعنى الآخر، فعليه تحمل على الحرمة بقرينة الأخبار الناهية، و ذهب إليه أيضا صاحب المدارك أيضا حيث قال بعد احتمال الجمع بين الاخبار بحمل الأخبار النواهي و الاستدلال بصحيح الحلبي ما لفظه: (لكن في حمل الكراهة الواقعة في الروايات على المعنى المتعارف نظر تقدم تقريره مرارا.

إلخ) يمكن أن يكون مراده- قدس سره- هو ما ذكرناه من استعمال الكراهة في التحريم، فعليه لا يتم حمل الأخبار الناهية على الكراهة استشهادا بها.

(الثاني)- حمل الأخبار الناهية على الحرير المحض، و بذلك صرح في المدارك فإنه احتمل في الجمع بين الاخبار أولا: بحمل النهى على الكراهة، ثم رده بما قدمنا نقله عنه، و ثانيا بحمل الأخبار المبيحة على ان المراد بالحرير الغير المحض، و استشهد برواية داود بن الحصين عن ابن عيينة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام. قلت: أ تلبس يعنى المحرم الخز؟

قال: نعم قلت: فان سداه إبريسم و هو حرير؟. قال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس به «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 153

..........

ثم طعن فيها بضعف السند، فعليه لا يمكن ان يصار الى هذا الجمع أيضا إلا إذا كان لنا خبر آخر بهذا المضمون و كان صحيحا و كيف كان و الأظهر هو القول بالتحريم و لا سيما مع اعتضاده بالاحتياط و حصول اليقين بالبراءة.

ثم لا يخفى أن الاخبار المتقدمة قد دلت على حرمة القفازين [1] لهن في صحيح عيص بن القاسم قوله عليه السّلام (المرأة المحرمة تلبس ما شائت من الثياب غير الحرير و القافزين و في خبر أبي عيينة قوله عليه السّلام في جواب السؤال عما يحمل للمرأة أن تلبس من الثياب (الثياب كلها ما خلا القفازين إلخ). مضافا إلى أنه قد ادعى الإجماع على ذلك في الخلاف و الغنية و التذكرة

______________________________

[1] قال في التذكرة: (و المراد بالقفازين شي ء يتخذه المرأة لليدين يحشى بقطن و يكون

له أزرار تزره على الساعدين من البرد تلبسه المرأة) و نحوه قال في المنتهى.

و قال في القاموس: [القفاز كرمان شي ء يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسها المرأة للبرد أو ضرب من الحلي لليدين و الرجلين].

و عن الأزهري قال: (سمى القفازان شي ء تلبسه نساء الأعراب في أيديهن يغطى أصابعهن و أيديهن مع الكف، يعنى كما يلبسه حملة الجوارح من البازي) و نحوه كما قاله الثغورى و غيره. و عنه أيضا عن خالد بن جنبه: «القفازان تقفزهما المرأة إلى كعوب المرفقين، فهو سترة لها و إذا لبست برقعها و قفازيها و خفها فقد تكفنت و القفاز يتخذ من القطن فيحشى له بطانة و ظهارة من الجلود و اللبود». يستفاد منها أنه من الثياب، و يستفاد من بعض آخر أنه من جنس الحلي لليدين و الرجلين، كما عن بنى دريد و فارس و عباد، و كيف كان سواء قلنا أنه من الثياب أو من جنس الحلي، فيحكم بحرمته المحرمة للأخبار المتقدمة التي تقيد الأخبار الدالة على جواز لبس الثياب للمرأة بها، و لا يمكن حمل الأخبار الناهية على الكراهة إلا إذا ثبت تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الحرمة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 154

و أما الغلالة [1] فجائزة للحائض إجماعا (1)

و بما ذكرنا ظهر ضعف ما احتمله بعض المتأخرين من ارادة الكراهة من النهى المزبور اللهم إلا أن يقال بعدم حرمة القفازين عليها بقرينة ما في رواية يحيى بن أبى العلاء عن أبى عبد اللّه عن أبيه- عليهما السّلام-: أنه كره للمرأة المحرمة البرقع و القفازين «1» بناء على ظهور كلمة: (كره) في الكراهة المصطلحة فيحكم بناء عليه بكراهة لبس القفازين لها لا الحرمة.

و لكن قد

يقوى في النظر ان المراد من قوله عليه السّلام: (كره) هو الحرمة بقرينة الأخبار المتقدمة المتضمنة للنهى عن لبسهما الظاهرة في الحرمة و لو لا هذه القرينة لم يكن ظاهراً في ذلك بل كان ظاهرا في مجرد الحزازة من دون دلالته بشي ء من الكراهة المصلحة و الحرمة كذلك و من هنا ظهر ملائمة الكراهة لكل من الحرمة و الكراهة و عدم دلالتها على خصوص الكراهة حتى ينافيها ما يدل على الحرمة، بل يكون ذلك قرينة على إرادة الحرمة منها، كما هو واضح، فعليه يتعين الحكم بحرمة لبس القفازين على المحرم. نعم إذا قام دليل تعبدي على كون المراد منها هو الكراهة المصطلحة، فتحمل الأخبار الناهية على الكراهة، و ذلك لوجود القرينة حينئذ فتدبر.

ثم أنه بعد الغض عما ذكرنا يمكن أن يقال بظهور كلمة: (كره) في إرادة الحرمة- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- للإجماع على حرمة لبس القفازين في الجملة المانع من ارادة الكراهة منه فتأمل.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره من جواز لبس الغلالة للحائض مما

______________________________

[1] الغلالة (بكسر الغين) ثوب رقيق يلبسها الحائض تحت الثياب على ما في الجواهر و المدارك و غيرهما.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 155

و يجوز لبس السراويل للرجل إذا لم يجد إزارا (1) و كذا لبس طيلسان [1]

لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا، و ادعى عليه الإجماع، كما في التذكرة و غيرها، و الشيخ- قدس سره- في النهاية و ان منع من لبس المخيط لهن كالرجال، و لكن مع ذلك قال فيها: (و يجوز للحائض أن تلبس تحت

ثيابها غلالة تتقي ثيابها من النجاسات) و يدل عليه- مضافا إلى الأصل و اتفاق المزبور- ما رواه صفوان بن يحيى و النضر بن سويد عن عبد اللّه ابن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: تلبس المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة «1». و كذا لا ينبغي الخلاف في جواز لبس السراويل لهن و هو أيضا معروف بين الأصحاب و قد نفي عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع، و يدل عليه- مضافا إلى الأصل و الاتفاق- ما رواه محمد بن على بن الحسين بإسناده عن محمد بن على الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة إذا أحرمت أ تلبس السراويل؟. قال: «نعم» إنما تريد بذلك الستر «2».

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز لبس السراويل للرجل إذا لم

______________________________

[1] طيلسان (بفتح الطاء و اللام و بضم اللام على قول آخر): «على ما في المسالك» (هو ثوب منسوج محيط بالبدن). و عن مغرب المطرزي و مغربه و تهذيب الأسماء:

(انه معرب تالسثان). و عن المطرزي: [هو من لباس العجم مدور اسود]. قال و عن ابى يوسف: (في قلب الرداء في الاستسقاء ان يجعل أسفله أعلاه، فإن كان طيلسانا لا أسفل له، أو قميصة أو كساء يثقل قلبها حول يمينه على يساره). قال و في جميع التعاريف:

«الطيالسة لحمتها قطن و سداها صوف» و عن مجمع البحرين: (هو ثوب محيط بالبدن ينسج للبس خال عن التفصيل و الخياطة، و هو من لباس العجم، و الهاء في الجمع للعجمة لانه فارسي معرب تالشان).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 3 الباب 50 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 3، ص: 156

له أزرار و لكن لا يزره على نفسه (1)

[و الاكتحال بالسواد]

و الاكتحال بالسواد على قول (2)

يجد إزارا هو الصواب، و لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم قديما و حديثا و قد نفي عنه الخلاف، بل في التذكرة: (إجماع العلماء عليه)، و يدل عليه ما رواه موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: «و لا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزارا «1». و رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار مثله. و ما رواه أبان عن عبد الرحمن عن حمران عن أبى جعفر عليه السّلام قال:

«المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار، و يلبس الخفين إذا لم يكن معه نعل «2»

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز لبس طيلسان له أزرار مما هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم، و قد صرح به الصدوق و الشيخ و الفاضل و الشهيد و غيرهم بل ظاهر الجميع جوازه اختياراً بل كاد يكون صريح التذكرة و الدروس و غيرهما في رواية صفوان بن يحيى عن يعقوب بن شعيب قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور؟. فقال: نعم و في كتاب على عليه السّلام لا نلبس طيلسانا حتى ينزع إزاره فحدثني أبي انه إنما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل عليه «3» و في خبر أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: و ان لبس الطيلسان فلا يزره عليه «4».

(2) القول للشيخ- رحمه اللّه تعالى- في النهاية

و المبسوط و المفيد و سلار و ابن إدريس و ابن الجنيد و غيرهم من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قال في المدارك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 157

..........

أيضا تبعا لهم: (و الأصح التحريم، لورود النهى عنه في أخبار كثيرة. إلخ).

و لكن في الاقتصاد و الجمل و العقود و المختلف و الغنية و النافع على ما حكى عن بعضها [انه مكروه] بل عن الشيخ دعوى: إجماع الفرقة عليه. على ما في الجواهر. و يدل على حرمة الاكتحال بالسواد صحيح معاوية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة) «1».

و صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تكتحل المرأة بالسواد ان السواد زينة) و رواه الكليني- رحمه اللّه تعالى- عن على بن إبراهيم عن أبيه حماد بن عثمان عن حريز. و رواه الصدوق- قدس سره- في العلل عن محمد بن الحسن عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن حماد مثله إلا أنه قال: (ان السواد من الزينة) «2» و صحيح حماد الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تكتحل و هي المحرمة»؟ قال: (لا تكتحل) قلت: «بسواد ليس فيه طيب؟» قال: (فكرهه من أجل أنه زينة و قال: إذا اضطرت اليه فلتكتحل» «3». و خبر أبى بصير عن أبى عبد اللّه

عليه السّلام قال: (لا ليس بأس للمحرم ان يكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا كافور إذا اشتكى عينيه و تكتحل المرأة المحرمة بالكحل كله إلا كحل أسود لزينة «4».

و صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «تكتحل المرأة بالكحل كله إلا الكحل الأسود للزينة» «5». و صحيح حماد عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الكحل للمحرم؟) فقال: (أما بالسواد فلا و لكن بالصبر و الحضض» «6» و نحوها غيرها من الاخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- و المستفاد من هذه الاخبار- كما ترى- هو حرمة الاكتحال و لكن لا مطلقا بل فيما إذا كان المكتحل به أسود.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 14

(4) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 13

(5) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(6) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 158

و بما فيه طيب (1)

ثم ان تنقيح هذه المسألة يتوقف إلى الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- أنه لا يختص حرمته بما إذا كان بقصد الزينة، لأنه حسب ما يستفاد منها هو حرمته لكونه بنفسه زينة و ان لم يكن قاصدا للتزيين به، لعدم كونه من العناوين القصدية على ما يفهم من صحيح حريز المتقدم المستفاد منه: ان الاكتحال بالكحل الأسود حرام معللا بكونه من الزينة، فعليه يحكم بحرمة الاكتحال بالسواد و لو لم يكن قاصدا به الزينة على الأقوى- كما هو خيرة

جماعة من الفقهاء، منهم الشيخان و سلار و بنو حمزة و غيرها من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم.

(الثانية)- ان مقتضى التعليل المذكور في بعض النصوص المتقدمة- أعني قوله عليه السّلام في صحيح حريز: (ان السواد زينة)- هو حرمة الاكتحال بكل ما يعد زينة عرفا و ان لم يكن أسودا، فيكون بناء عليه حرمة السواد من باب الانطباق كما هو قضية العلة المنصوصة في غير مفروض المقام، فعليه غير السواد ان كان بنفسه زينة- كالسواد- فيحكم بحرمته على المحرم و ان لم يقصد به الزينة لما عرفت آنفا من دلالة بعض النصوص من ان المحرم هو صدق الزينة فتدبر.

(الثالثة)- أنه يستفاد من التعليل المذكور في صحيح حريز اعنى قوله: (أنه من الزينة) بناء على ما رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- في العلل عن حماد هو حرمة كل تزيين على المحرم سواء تحقق ذلك من الاكتحال أو بغيره كما لا يخفى.

(الرابعة)- انه لا فرق في حرمة الاكتحال الموجبة للزينة بين كون الكحل مما فيه طيب و بين غيره، لما عرفت من الاخبار المتقدمة من ان المحرم هو صدق الزينة

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة الاكتحال على المحرم مما فيه طيب و ان لم يعد زينة عرفا و لا قاصدا لها مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المشهور بين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 159

..........

الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل ادعى عليه الإجماع قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: (كما هو المشهور بل في التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، و هو الحجة بعد عموم المنع عن استعمال الطيب. إلخ) و يدل على ذلك- مضافا إلى شهرته بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم-

و النصوص المتقدمة الناهية عن استعمال الطيب كصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم. إلخ). و صحيح حريز عنه عليه السّلام قال: (لا يمس المحرم شيئا من الطيب إلخ. إلخ) و نحوهما غيرهما من الأخبار- النصوص الخاصة الواردة عنهم- عليهم السّلام- في هذا المقام الدالة على المدعى- منها:

1- صحيح فضالة و صفوان عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

(لا بأس ان يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأما للزينة فلا «1».

2- خبر يزيد بن إسحاق عن هارون بن حمزة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

«لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران و ليكحل بكحل فارسي» «2». المنجبر ضعفه بما عرفت.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 3، ص: 159

ان قلت: ان ذيله ينافي الأخبار السابقة، الدالة على جواز الاكتحال بالكحل الفارسي سواء قصد به الزينة أو لا، فعليه تقع المعارضة بينه و بينها. قلت «أولا»:

انه لا منافاة بين ذيله الأمر بالاكتحال بالكحل الفارسي و بينها، و ذلك لانه يمكن تقييده بما إذا لم يكن زينة أو بقصدها. و «ثانيا»: مع الإباء عن التقييد، فترفع اليد عنه، لعدم صلاحيته للمعارضة، لما تقدم من الاخبار و يبقى الصدر على حجيته و قد مر منا مرارا و كرارا أنه لا مانع من حجية جملة من الرواية و عدم حجية جملة أخرى منها.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك

الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 160

..........

3- صحيح ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

«المحرم لا يكتحل إلا من وجع، و قال لا بأس بأن تكتحل و أنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأما للزينة فلا» «1» و نحوها غيرها من الاخبار؛ و لا تنافيها ما رواه صفوان عن حريز عن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: تكتحل المرأة بالكحل كله إلا الكحل الأسود للزينة «2». و ذلك لانه يمكن تقييده بما إذا لم يكن فيه طيب و لم يكن زينة أو بقصدها كما لا يخفى.

و بما ذكرنا ظهر ضعف ما ذهب إليه الإسكافي و الشيخ في الجمل و القاضي في المهذب و شرح جمل العلم و العمل من القول بكراهة الاكتحال، تشبثا بالأصل بعد منع صدق استعمال الطيب بالاكتحال عرفا بدعوى: اختصاص حرمته بالظاهر و عدم كون العين منه و الوجه في الضعف:

أما «أولا»: فلعدم اختصاص دليل حرمة الطيب من الإجماع و النصوص الواردة في المقام بالظواهر بل قد عرفت ان مقتضى إطلاق الاخبار حرمة مسه و لو بالباطن كالاحتقان و ان الإجماع بقسميه عليه.

و أما «ثانيا»: فلأنه يكفي في الحكم بالحرمة في ما نحن فيه هذه النصوص الخاصة المتقدمة الناهية عن الاكتحال بما فيه طيب، و ذلك بمقتضى إطلاقها فيحكم بحرمة الاكتحال من الطيب و لو كان المكتحل فيه من البواطن فتدبر.

و أما الأصل الذي أفادوه- قدس سرهم- فهو مقطوع بما عرفت من الأدلة فلا يبقى حينئذ في الحكم المزبور اشكال بل قيل قد تعطي النهاية و المبسوط الحرمة و ان اضطر اليه، و لعله لما ستسمعه من النصوص

الناهية عنه مع الحاجة منطوقا و مفهوما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 161

..........

و ان كان هو واضح الضعف أيضا، للعمومات الرافعة للاحكام الأولية بسبب الاضطرار؛ لعموم ما دل على الإباحة معها على وجه لا يخرج عنه بمثل ذلك و تحمل تلك النصوص على الاندفاع بغير ذلك.

ثم ان تنقيح البحث يتوقف على الإشارة إلى أمور:

1- لا يخفى ان مقتضى الأخبار الواردة في المقام هو حرمة الاكتحال بكل كحل فيه طيب سواء كان طيبه من الأربعة التي تقدم ذكرها- و هي: المسك و العنبر و الزعفران و الورس أم لا، و ذلك لإطلاقها فيحكم بشمولها لكل ما صدق عليه انه طيب عرفا. نعم إذا كان من الأربعة فتوجب الحرمة أيضا، لأجل صدق الاستعمال.

2- انه هل يعتبر في الحكم بالحرمة في المقام وجود الرائحة في الطيب كما أفاده في الذخيرة و أفتى به، على ما نقل في الجواهر أو لا؟ فيه: وجهان يمكن أن يقال بالأول لمنع صدق اسم الطيب مع ذهاب الرائحة. و يمكن ان يقال بالثاني. لصدق المسك و الزعفران على فاقدها، و لكن الأول لا يخلو من قوة، كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- 3- ان ما ذكرنا من حرمة الاكتحال بما فيه طيب إنما يختص بحال الاختيار و أما في حال الاضطرار فلا إشكال و لا خلاف في جواز الاكتحال به مطلقا سواء كان الكحل مما يعد زينة أو لا، و يدل على ذلك- مضافا إلى عموم ما دل على كون الضرورات مبيحة للمحظورات- مرسل أبان عن أبى عبد اللّه عليه

السّلام قال: (إذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا طيب «1» و ما رواه أحمد بن محمد عن على ابن الحكم عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن أبا عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله رجل ضرير و أنا حاضر فقال: أكتحل إذا أحرمت؟. قال: لا و لم تكتحل؟ قال: لا و لم تكتحل؟ قال: انى ضرير البصر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 162

و يستوي في ذلك الرجل و المرأة (1)

و إذا أنا اكتحلت نفعني و ان لم أكتحل ضرني؟. قال: فاكتحل، قال: فإني أجعل مع الكحل غيره؟ قال: و ما هو؟ قال آخذ خرقتين فأربعهما فاجعل على كل عين خرقة و أعصبهما بعصابة إلى قفاي، فإذا فعلت ذلك نفعني، و إذا تركته ضرني؟:

قال: فاصنعه) «1» و صحيح معاوية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة «2» و ما رواه موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن أبى عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: يكتحل المحرم ان هو رمد بكحل ليس فيه زعفران «3» و خبر ابى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس للمحرم أن يكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا كافور إذا اشتكى عينيه. إلخ) «4» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- الدالة على المدعى و مقتضى هذه الأخبار- كما ترى- هو جواز الاكتحال بكحل ليس فيه طيب و لو كان من السواد في حال الضرورة بعد إلغاء خصوصية الزعفران و المسك و

الكافور.

هذا كله إذا اندفعت الضرورة بذلك، و اما إذا توقف اندفاعها على الاكتحال بكحل فيه طيب بحيث انحصر العلاج به، فلا بأس به لعموم ما دل على الإباحة معها على وجه لا يخرج عنه بمثل ذلك بعد العلم بعدم انتفاء الإحرام بوجوده؛ لما قد حقق في محله من عدم رفع دليل الاضطرار لما له دخل مطلق، و كيف ما كان فما يستفاد من الاخبار الدالة على حرمة الاكتحال بالأمور المذكورة حتى في موقع الضرورة، فيمكن أن يقال باختصاصها بما إذا أمكنه التداوي بغير ذلك الكحل و ان كان ذلك الكحل أنفع، كما عرفت سابقا.

(1) لا ينبغي الإشكال في ذلك، و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 10

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 163

[و كذلك النظر في المرآة]

و كذلك النظر في المرآة على الأشهر (1)

أسرارهم- و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم. و في الجواهر: (بلا خلاف و لا إشكال) و في المدارك: (هذا مما لا خلاف فيه بين الأصحاب. إلخ) و يدل عليه قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار الذي تقدم ذكره و هو: (لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة) و نحوه غيره من الاخبار.

(1) و من المحرمات على المحرم في حال الإحرام- كما أفاده المصنف- قدس سره- النظر في المرآة على الأشهر كما عن الشيخ و ابى الصلاح و ابني إدريس و سعيد بل نسبه غير

واحد إلى الأكثر و في المدارك: (و قد اختلف الأصحاب في هذه المسألة فذهب الأكثر إلى التحريم. إلى أن قال: و الأصح التحريم؛ لصحيحة حماد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تنظر في المرآة و أنت محرم لانه من الزينة). و يدل على حرمة النظر في المرآة على المحرم جملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- في المقام منها ما رواه موسى بن القسم عن عبد الرحمن (يعنى ابن أبى نجران) عن حماد (يعنى ابن عثمان) عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تنظر في المرآة و أنت محرم فإنه من الزينة) «1» و منها ما رواه الحسين بن سعيد عن فضالة عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تنظر المرأة المحرمة في المرآة للزينة «2» و منها ما رواه حماد ابن عيسى عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا تنظر في المرآة و أنت محرم لانه من الزينة) «3» و منها صحيح ابن عمير عن معاوية بن عمار قال قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام لا ينظر المحرم في المرآة لزينة، فإن نظر فليلب «4» و المستفاد من بعض هذه الروايات- كما ترى- هو حرمة النظر في المرآة على المحرم مطلقا سواء كان قصده من ذلك الزينة أو لا و كانت المرآة معدة للزينة أو لا؛ و ذلك لان النظر فيها زينة حسب ما يستفاد منها إما حقيقة و اما تعبدا فلا يتوقف صدق الزينة بناء عليها على كونه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل

ج 2 الباب 34 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 164

..........

قاصدا لها لعدم كونه من العناوين القصدية على ما يفهم منها ان النظر في المرآة حرام معللا بكونه من الزينة فالنظر في المرآة حرام على المحرم و لو لم يقصد به الزينة على الأقوى؛ كما هو مذهب جماعة منهم الشيخ و أبى الصلاح و صاحب المدارك و ابني إدريس و سعيد و غيرهم من الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم.

ثم ان تنقيح هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات؛ (الأولى)- أنه كما عرفت عدم المجال للتفصيل بين ما إذا كان قاصدا للتزيين و عدمه في الحكم بالحرمة بمقتضى إطلاق بعض الاخبار كذلك لا مجال أيضا لرفع اليد عن إطلاقها الدال على عدم توقف صدق الزينة على القصد بتقييدها بصحيح معاوية ابن عمار الدال على حرمة النظر في المرآة للزينة و ذلك لعدم التنافي الموجب للحمل المطلق على المقيد في ما نحن فيه؛ لكونهما مثبتين إذ- كما ترى- لا تنافي بين حرمة النظر للزينة و غيرها.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب الذخيرة من أنه ينبغي تقييد الحكم بما إذا كان النظر للزينة جمعا بين الاخبار المطلقة و المقيدة، و كذلك ظهر ضعف ما ذهب إليه جماعة من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- من القول بالكراهة، كما عن الجمل و العقود و الوسيلة و المهذب و الغنية و الخلاف و المصنف في النافع على ما حكى عنه، لما عرفت من الاخبار الدالة على الحرمة، فالأقوى هو القول بثبوت الحرمة مطلقا و إن لم يكن بقصد الزينة.

(الثانية)- أنه بناء على

تمامية دلالة بعض الروايات المتقدمة على حرمة النظر في المرآة مطلقا، فلا مجال لحملها على غير ظاهرها، و إلا فبمقتضى الأصل يحكم بجواز نظر المحرم فيها مطلقا و أما إثبات الحرمة بالاحتياط في غير محله، لان ما نحن فيه من مجاري أصالة البراءة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 165

..........

(الثالثة)- أن الظاهر اختصاص الحكم المذكور- و هو الحرمة بالنظر في المرآة في حال الإحرام، و أما النظر فيما يحكى الوجه من ماء صاف و غيره من الأجسام الصيقلية كالفضة المصفاة و غيرها فلا بأس به، و ذلك لاحتمال خصوصية في المرآة فلا بد من الاقتصار على مورد الاخبار و هو النظر في المرآة دون غيره- و هو النظر في الماء الصافي و الجسم الصيقلي.

و أما القول بإمكان التعدي من موردها إلى غيره بتنقيح المناط. و (فيه):

أنه غير قطعي، و قد مر مرارا و كرارا أن المعتبر منه هو القطعي دون الظني و في المقام لا يحصل الظني منه فضلا عن القطعي و على فرض التسليم غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و لا دليل على اعتباره فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا غير مشروع عندنا.

(الرابعة)- ان مقتضى إطلاق الاخبار المتقدمة هو عدم جواز النظر في المرآة حال الإحرام مطلقا سواء كان للمعتاد فعله للزينة أو لا فإذا ظهر ضعف ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- بقوله في ذيل هذا المبحث: (لا بأس بالنظر في المرآة في غير المعتاد فعله للزينة) اللهم إلا أن يقال بجواز النظر في المرآة غير المأخوذة عادة للزينة، و لعله لقوله عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم: (لانه من الزينة). و في صحيح حماد بن عثمان:

(فإنه من الزينة). بدعوى: ظهوره

في حرمة خصوص المرائي المعدة للزينة، و أما غيرها فلا بأس بالنظر إليها على المحرم- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و يكفي في الحكم بجواز النظر فيها الشك في شمول الدليل له و ذلك لجريان أصالة البراءة (الخامسة)- أنه لا فرق في حرمة النظر في المرآة على المحرم بين الرجل و المرآة و لكن ليس هذا لأجل قاعدة الاشتراك بعد احتمال خصوصية الرجولية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 166

[و لبس الخفين]

و ما يستر ظهر القدم و ان اضطر جاز و قيل يشقهما و هو متروك (1)

و عدم دافع له، بل لصراحة النصوص المذكورة بكون الحكم المزبور للمحرم، كقوله في صحيح حريز: (لا تنظر في المرآة و أنت محرم لانه من الزينة) و في صحيح حماد بن عثمان المتقدم: (لا تنظر في المرآة و أنت محرم فإنه من الزينة) الشامل بإطلاقه لها، لظهوره في كون الحكم ثابتا للمحرم من دون خصوصية الرجل فتأمل.

(السادسة)- انه إذا نظر في المرآة يستحب له التلبية لحسن معاوية بن عمار المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: (فان نظر فليلب) و ظاهره و ان كان الوجوب، إلا أن التسالم على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن ظهوره في الوجوب، إلا أن التسالم على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن ظهوره في الوجوب، و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه، فيحمل على الندب كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال بعد ما ذكره: (و منه يستفاد استحباب التلبية بعد الإجماع على عدم الوجوب. إلخ).

(السابعة)- انه لا يبعد إطلاق الحكم باستحباب التلبية بالنسبة إلى العالم و الجاهل و الناسي، و كذا بالنسبة إلى الرجل و المرأة.

(الثامنة)- ان ما ذكر من

حرمة النظر في المرآة إنما يكون في حال الاختيار و أما في حال الاضطرار فلا مانع منه، لعموم ما دل على الإباحة معها على وجه لا يخرج عنه بمثل ذلك.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة لبس الخفين و ما يستر ظهر القدم على المحرم مما هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- قال في الجواهر عند شرح قول المصنف: (اختيارا كما في الاقتصاد و الجمل و العقود و الوسيلة و المهذب و النافع و القواعد و غيرها على ما حكى عن بعضها بل في الذخيرة نسبته إلى قطع المتأخرين. بل في المدارك: إلى الأصحاب. بل في الغنية: نفي الخلاف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 167

..........

و قال فيها: «و ان يلبس ما يستر ظهر القدم من خف أو غيره بلا خلاف». بل ظاهره نفيه بين المسلمين فضلا عن إرادة الإجماع منه. إلخ).

و استدل لذلك- مضافا إلى الاتفاق المزبور- بجملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام كصحيح صفوان عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: و لا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار، و لا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان «1» و صحيح ابن أبى عمير عن حماد عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال. و أى محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك و الجوربين يلبسهما إذا اضطر إلى لبسهما «2» و كخبر على ابن أبي حمزة عن أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في رجل هلكت نعلاه و لم يقدر على نعلين؟ قال: له أن يلبس الخفين إذا اضطر

إلى ذلك فيشق (و ليشقه خ ل) عن ظهر القدم الحديث «3». و كخبر رفاعة بن موسى انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الجوربين؟. قال نعم: إذا اضطر إليهما «4».

و كصحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟. قال: نعم، لكن يشق ظهر القدم «5».

و لا يخفى: ان مورد النصوص- كما ترى- الخفين و الجوربين لكن نسب إلى المشهور شهرة عظيمة التعدي عنهما إلى كل ما يستر ظهر القدم و لو لم يكن منهما مؤيدا ذلك بقوة احتمال ورود الخفين و الجوربين في النصوص المتقدمة مورد الغالب في استعمالهما. و لكن التعدي عن مورد نصوص الباب بهذا الاحتمال و ان لم يكن بعيداً بحسب المرتكزات العرفية، لكن لا يعتد به ما لم يوجب ظهور اللفظ عرفا في الجامع بين المذكورة في النصوص و غيرها بحيث يحمل ما في النصوص و هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(5) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 168

..........

الخفين و الجوربين على المثال.

و لكن التحقيق: ان دعوى: ظهور اللفظ في المثال و كون الموضوع للحكم بالحرمة هو كل ما يستر ظهر القدم مما لا مجال له، و ذلك لإناطته بإلقاء خصوصية الخفين و الجوربين و كونهما مذكورين من باب المثال، و لا سبيل لنا إلى إحراز ذلك

إلا بالدليل و هو مفقود، فلا يصار اليه و لذا اقتصر عليهما في محكي المقنع و التهذيب ان قلت: يمكن التعدي من مورد نصوص الباب. اعنى الخفين و الجوربين إلى غيره و هو كل ما يستر ظهر القدم لوحدة المناط قلت: قد تكرر منا غير مرة من ان المعتبر منه هو القطعي و هو غير حاصل في الشرعيات، و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و من المعلوم انه لا يغني من الحق شيئا لعدم دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا، و كيف كان فالتعدي من مورد نصوص الباب حينئذ مشكل مع التوجه إلى قضية أبان و ان كان الاحتياط يقتضيه و لكنه مطلب آخر فتدبر.

ثم انه إذا بنينا على التعدي عن الخفين و الجوربين الى غيرهما يمكن ان يقال ان اللازم التعدي إلى مثلهما من لباس القدم المشتمل على الساق لانه مقتضى المماثلة لا كل لباس ساتر لظاهر القدم، وفاقا لصاحب الجواهر- قدس سره- حيث انه بعد ان حكم بعدم حرمة ستر بعض ظهر القدم و بعدم حرمة ستر جميعه إذا كان بغير اللبس قال: (بل ان لم يكن إجماعا أمكن الاختصاص بما شابه الخف و الجورب من لباس القدم ذي الساق دون غيره، لانه المناسب لكونهما مثالا لغيرهما. إلخ و لذا اقتصر بعض من الفقهاء كصاحب المقنع و التهذيب على الخف و الجورب و آخر كالشيخ- رحمه اللّه تعالى- في المبسوط و الخلاف و ابن سعيد في جامعه على الخف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 169

..........

و الشمشك و ثالث كالعلامة الأصبهاني- رحمه اللّه تعالى- في كشف اللثام و الفاضل في النهاية على ما حكى على

الخف و هذا الخلاف الواقع بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- لم ينشأ الا من جهة عدم تعرض نصوص الباب لما عدا الخفين و الجوربين فوقع الكلام بينهم في جواز التعدي عنهما الى كل ما يستر ظهر القدم و ان لم يكن بأحدهما و عدمه و الحق لزوم الاقتصار على مورد النصوص لما عرفت آنفا.

و بما ذكرنا ظهر ضعف ما أفاده المصنف- قدس سره- بقوله: (و ما يستر ظهر القدم) تبعا لما أفاده الأصحاب في عنوان هذا المبحث: و مما يحرم على المحرم ستر ظهر القدم و ذلك لان النهي لم يتعلق بكل ما يستر ظهر القدم بل تعلق بالبعض و هو الخف و الجورب فلا وجه للتعدي و جعل عنوان الباب مطلقا فيجوز شد رجله بشي ء يستر ظهر قدمه.

و كيف كان فتنقيح هذا البحث يتوقف على الإشارة إلى أمور:

1- أنه لا ينبغي الإشكال في ان المحرم على المحرم هو ستر ظاهر القدم باللبس كما تقدم، فلا يحرم ستره بدون صدق اللبس، كالجلوس و إلقاء طرف الرداء و كونه تحت الغطاء في النوم و ذلك لأصالة البراءة بعد تصريحها باللبس.

2- ان المنهي في نصوص الباب هو ستر جميع ظاهر القدم فلا يمكن الحكم بحرمة ستر بعض القدم و ذلك لان الخفين و الجوربين المذكورين في منطوق الاخبار يستران تمام ظهر القدم، فالحرمة بناء عليه تدور مداره و لو كان لبس البعض حراما كالكل لما جاز النعل لستره بعض ظهر القدم فلا وجه لما قيل من دعوى اقتضاء حرمة الكل لحرمة البعض، و ذلك لعدم التلازم بينهما بعد دخل المجموع في الحرمة الذي لا يصدق على البعض.

مضافا الى ظهور كلام العلامة الأصبهاني- رحمه اللّه تعالى- في

الإجماع على عدم الحرمة حيث قال على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره-: (و لا يحرم عندنا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 170

..........

الا ستر ظهر القدم بتمامه باللبس و هو كذلك بملاحظة فتاوى الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه في الروضة من أن الظاهر أن بعض الظهر كالجميع الا ما يتوقف عليه لبس النعلين و عليه فلا يحرم ستر بعضه كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره.

3- أنه هل يعتبر في حرمة لبس الخفين و الجوربين سترهما لباطن القدم كسترهما لظاهر القدم أم لا؟؟ لم نعثر الى الآن على من تعرض له بخصوصه و لكن مقتضى الجمود على ظاهر الخف و الجورب هو عدم الاعتبار، خلافا لما مال اليه صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال: (بل يمكن اعتبار ستر الظاهر و الباطن فيه لأن الغالب فيهما ذلك. إلخ) و لكن عدم ذكر الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» له يوهنه و قال في الجواهر بعد كلامه المتقدم (بل لعل ظاهر الأصحاب خلافه).

4- أنه هل تختص حرمة لبس الخفين و الجوربين بالرجل أو تعم المرأة؟

تفصيل الكلام فيه هو أنه بناء على كون حرمة لبس الخفين و الجوربين لأجل اشتماله على الخياطة كما احتمله غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فاللازم أن يحكم باختصاص الحكم بالرجال لجواز لبس النساء للمخيط على ما عرفت سابقا، و أما بناء على كون حرمتهما بعنوانهما كما قد يدعى ظهور النصوص و الفتاوى فيه، فاللازم حينئذ أن يحكم بعدم اختصاصها بالرجل بل تعم المرأة، قال في الجواهر:

(إن ظاهرهم [أي الأصحاب] حرمة ذلك على المحرم بخصوصه خارجا عن مسألة المخيط؛ و لذا يذكرونه مستقلا عنه، و

لولاه لأمكن القول بأنه منه على معنى كون المحرم الخف، لما فيه من الخياطة و يلحق به ما شابهه و إن لم تكن فيه خياطة،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 171

..........

كالجورب و نحوه، بل في (مى). الاستدلال عليه بذلك، و حينئذ يتجه اختصاصه بالرجال، لما عرفت من جوازه لهن، كما جزم به الشهيد هنا حاكيا له عن الحسن خلافا، لما عن ظاهر النهاية و المبسوط من عموم المنع، و أظهر منهما الوسيلة، لعموم الأخبار و الفتاوى. و قاعدة الاشتراك.

و لكن فيه ما لا يخفى عليك بناء على ما ذكرناه من كونه من مسألة المخيط التي قد عرفت البحث فيها مع الشيخ أيضا، بل لعل المنع منه هنا بناء على منعه المخيط على النساء مؤيدا بذلك الأصل و فحوى تعليل إباحة السراويل بالستر، قيل بل يشمله قوله في صحيح العيص: «تلبس ما شاءت من الثياب. إلخ «1»». بناء على أن الخف منه، مضافا إلى ما دل من النصوص على أن إحرامها في وجهها و إن كان فيه إن ذلك غير مناف نحو قوله عليه السّلام: (إحرام الرجل في رأسه).

و لكن التحقيق: ان دعوى اختصاص الحكم بالرجال، لعدم الدليل على حرمته على النساء غير مسموعة. لكفاية إطلاق المحرم في صحيح الحلبي المتقدم في شمول الحكم لكل من الرجل و المحرم مضافا الى قاعدة الاشتراك.

إن قلت: ان الاخبار المشتملة على المحرم المدعى شمول إطلاقها للرجل و المرأة تقيد بالاخبار المشتملة على الرجل كخبر أبى بصير المتقدم ذكره في صدر المبحث لما فيه قول السائل (عن رجل هلكت نعلاه. إلخ) و ذلك بمقتضى ضابط باب الإطلاق و التقييد فعليه يحكم باختصاص الحكم بالرجال و لا يعم النساء. قلت: إنه

لا يتم في ما نحن فيه ضابط باب الإطلاق و التقييد و هو التنافي الموجب للحمل و ذلك لأن اختصاص بعض نصوص الباب بالرجل لا ينافي إطلاق المحرم في صحيح الحلبي المزبور، لكونهما مثبتين، فمقتضى الصناعة اقوائية احتمال العموم، و عدم اختصاص

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 172

..........

الحكم بالرجال؛ كما أفاده صاحب المبسوط و النهاية و الوسيلة و غيرهم من الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم.

5- انه لا ينبغي الإشكال في اختصاص ما ذكرنا من حرمة الخفين و الجوربين بحال الاختيار، و أما في حال الاضطرار فلا بأس بجواز لبسهما كما هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم-، قال في الجواهر: (فان اضطر جاز بلا خلاف و لا إشكال). و يدل عليه- مضافا إلى عموم ما دل على حلية ما حرم اللّه بالاضطرار قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم: (فله ان يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك و الجوربين يلبسهما إذا اضطر إلى لبسهما) و قوله عليه السّلام أيضا في خبر رفاعة بن موسى: (و الخفين إذا اضطر إليهما) هذا مما لا ينبغي الخلاف و الاشكال فيه إنما الكلام في انه هل يجب شقهما في حال الضرورة أو لا قد وقع الخلاف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في ذلك، فعن الشيخ في محكي المبسوط و ابني حمزة و سعيد في الوسيلة و الجامع و الفاضل في محكي المختلف و الشهيد في الدروس و المسالك و الكركي في حاشية الكتاب: وجوب شقهما عليه حينئذ، و يمكن أن يستدل على ذلك بوجوه:

(الأول)- ما دل على وجوب ذلك عند الاضطرار الى لبسهما و هو ما

في خبر محمد بن مسلم المتقدم قال: (في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟. قال:

«نعم لكن يشق ظهر القدم» و قوله عليه السّلام أيضا في خبر أبى بصير: (له لان يلبس الخفين إذا اضطر الى ذلك فيشق عن ظهر القدم). و المرسل عن بعض الكتب:

(لا بأس للمحرم إذا لم يجد نعلا و احتاج: أن يلبس خفا دون الكعب) و النبوي العامي:

(فان لم يجد نعلين فليلبس خفين و ليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين) على ما في الجواهر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 173

..........

(الثاني)- الاحتياط لاقتضائه ذلك كما هو واضح.

(الثالث)- ما دل على حرمة لبس ما يستر ظهر القدم بدون ضرورة و مع الشق لا ضرورة. هذا و لكن المشهور بل المدعى عليه الإجماع كما عن ابن إدريس عدم وجوب شقهما، و ذلك لضعف الوجوه المتقدمة. أما في الأخبار المتقدمة الدالة على وجوب الشق بعد الغض عما في سندها موافقتها لمذهب أكثر العامة كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و منهم أبو حنيفة، فعليه لا تصلح لتقييد إطلاق النصوص المتقدمة المسوغة للبسهما في حال الضرورة و لو مع عدم الشق، لكونها مطلقة معتضدة بإطلاق فتاوى الأصحاب كصاحب المقنع و النهاية و التهذيب و المهذب على ما حكى عنها و صريح غيرها كالمحكي عن السرائر. و أما في الاحتياط فلان إطلاق ما دل على جواز لبسهما في حال الضرورة حاكم عليه فتبقى الإطلاقات الجواز سليمة عن التقييد.

مضافا إلى ما رواه العامة عن مولانا أمير المؤمنين على عليه السّلام من عدم الشق، بل رووا انه قال: (قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما) بل ربما كان ذلك منه كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- إشارة إلى أنه

إتلاف مال و إضاعة له يدخل به تحت الإسراف و التبذير- لانه كما ترى لا يترتب عليه فائدة بعد حرمة اللبس اختيارا معه أيضا و بما رووا عن عائشة أيضا من أن النبي صلّى اللّه عليه و آله رخص للمحرم أن يلبس الخفين و لا يقطعهما؛ بل عن صفية كان ابن عمر يفتي بقطعهما فلما أخبرته بحديث عائشة رجع بل عن بعضهم الظاهر ان الحكم منسوخ و ذلك لان حديث ابن عمر الذي روى فيه القطع كان بالمدينة و الحديث الآخر قد كان في عرفات إلى غير ذلك من المؤيدات لما ذكرناه كما في الجواهر.

و لكن الأقوى في النظر بعد فرض الوثوق و الاطمئنان بصدور الأخبار المشتملة على الشق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 174

..........

هو ما ذهب اليه الشيخ و متابعوه من وجوب الشق و ذلك لعدم المعارضة بين الإطلاقات الدالة على الجواز عند حال الضرورة و بين الأخبار الدالة على التقييد بالشق، لوضوح الجمع العرفي بينهما بحمل المطلق على المقيد، لتمامية ضابط باب حمل المطلق على المقيد و هو التنافي كما أفاده صاحب الحدائق حيث انه بعد أن ذكر كلام ابن إدريس و جمع من الأصحاب منهم المحقق على عدم وجوب الشق و استدلاله بالأصل و إطلاق الأمر بلبس الخفين مع عدم النعلين في الأخبار المتقدمة: (و لو كان الشق واجبا لذكر في مقام البيان) قال: (و فيه ان غاية هذه الأخبار ان تكون مطلقة في ذلك و هي لا تنافي الأخبار المقيدة لأن المقيد يحكم على المطلق كما هو القاعدة المسلمة بينهم) فعليه يكون لبس الخف و الجورب في حال الضرورة جائزا مع الشق كما أفاده الشيخ و غيره من الفقهاء- قدس

اللّه تعالى أسرارهم، فلا وجه لحمل المقيدات و هي الأخبار المشتملة على الشق على التقية لعدم وصول النوبة إليها و غيرها من المرجحات إلا بعد تحقق التعارض المتوقف على عدم الجمع العرفي بحيث يتحير العرف في الجمع بينهما و من المعلوم كون حمل المطلق على المقيد من أوضح الجموع العرفية الرافعة للحيرة مضافا إلى اختلاف العامة.

و بما ذكرنا من الجمع بين ما دل على جواز لبس الخفين و الجوربين مطلقا و ما دل على جواز لبسهما مع شقهما بحمل الأول على الثاني ظهر عدم المجال لحمل الأمر بالشق على ضرب من الندب الذي هو جمع حكمي؛ و ذلك لإمكان الجمع الموضوعي المتقدم رتبة على الجمع الحكمي؛ كما قد تكرر ذلك غير مرة منا.

فعليه يظهر ضعف ما ذكره صاحب الجواهر- قدس سره- حيث انه بعد ان ناقش في اخبار الشق قال: (فلا بأس بحمل النصوص المزبورة على ضرب من الندب).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 175

..........

و لكن لا يخفى: ان ضعف السند و عدم الوثوق بانجباره بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- يمنع عن الاعتماد عليه في تقييد ما دل عموما أو خصوصا على جواز لبس الخفين و الجوربين عند الضرورة و عليه فالمرجع هو إطلاق أدلة الاضطرار التي مقتضاها جواز لبسهما بدون الشق.

ثم أنه بناء على وجوب الشق وفاقا للشيخ قدس سره و اتباعه فهل المراد منه هو القطع أو غيره؟؟ فنقول: قد اختلفت عبارات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في ذلك، فقال الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في المبسوط: (يشق ظهر قدمهما) و قال في الخلاف (انه يقطعهما حتى يكون أسفل من الكعبين) و قال ابن الجنيد:

(و لا يلبس المحرم خفين إذا لم يجد نعلين

حتى يقطعهما إلى أسفل الكعبين). و قال ابن حمزة: (انه يشق ظاهر القدمين و ان قطع الساقين كان أفضل) و كيف كان فمقتضى الاحتياط هو قطع الساق أيضا حتى يكون أسفل من الكعبين، كما في النبوي المشهور قال في الجواهر ان ظاهر: (المنتهى و التذكرة كون الشق هو القطع حتى يكونا أسفل من الكعبين الذي رواه (روته خ ل) العامة و أفتى به الشيخ في الخلاف و الإسكافي، بل عن الفاضل في التحرير و موضع من المنتهى و التذكرة:

القطع بوجوب هذا القطع، و عن موضع آخر من المنتهى انه أولى خروجا من الخلاف و أخذا بالتقية. و قال ابن حمزة: (شق ظاهر القدمين و ان قطع الساقين كان أفضل) و هو صريح في المغايرة؛ و قد سمعت المرسل عن الباقر عليه السّلام في بعض الكتب، فالمتجه التخيير بينهما، و ان كان الأحوط الجمع بين القطع المزبور و شق ظهر القدم، و لا إسراف و لا تبذير و لا إضاعة مع كون ذلك للاحتياط الذي هو من أغراض العقلاء. إلخ).

6- ثم انه لا يخفى سواء قلنا بوجوب القطع أو الشق أو بندبهما في حال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 176

..........

الضرورة فإنما يكون ذلك بما هو انه لا طريق لجواز اللبس باعتبار عدم كونه حينئذ ساترا لتمام ظهر القدم، لبقاء اسمهما مع القطع أو الشق فعليه يحكم بحرمة كل شي ء يكون لباسا ساترا قوة أو من شأنه و ان لم يكن فعلا متلبسا بهذا العنوان، فعليه لا يجوز لبس الخفين و الجوربين في حال الاختيار و لو قطعهما أو شقهما و من هنا نص في محكي الخلاف و التذكرة و المنتهى و التحرير على أنه مع

وجود النعلين لا يجوز لبس الخفين و لا مقطوعين إلى ظهر القدم، لكونه حينئذ كالجورب و الشمشك.

و في كشف اللثام: (و كذا إذا وجب الشق فوجد نعلين لم يجز لبس خفين مشقوقين إذا لم يجز في الشرع لبسهما الا اضطرارا مع إيجاب الشق، نعم ان لم يجب الشق كان النعل أولى كما في الدروس لا متعينة) و الموجود في الدروس بعد ان أوجب الشق قال: (و لو وجد نعلين فهما أولى من الخف المشقوق) و الظاهر إرادة الأولوية الواجبة لتصريح النصوص باشتراط جواز لبس الخفين أى و لو مشقوقين بعدم النعل بل مقتضى إطلاقها عدم الفرق في النعل بين المخيطة و غيرها فلا بأس باستثناء ذلك المخيط.

فعلى ما ذكرنا ليس وجوب الشق أو القطع مقدمة للتخلص من حرمة ستر ظهر القدم لان المراد كونه لباسا ساترا قوة أو شأنا فلا يجوز ان يلبسه و لو على وجه لا يكون ساترا.

ثم ان مقتضى الأخبار المتقدمة هو جواز لبس النعل و لو كان مخيطة، و أما غير النعل من ملابس القدم مع كونه مخيطا فجواز لبسه منوط بعدم تمامية الإجماع المدعى على حرمة لبس المخيط، و لكن بذكر الخف و الشمشك في كلماتهم يشهد بعدم ارادة المجمعين لعموم ملابس القدم فلا بأس بلبس مثل القندرة مما لا يستر ظهر القدم و ان كانت مخيطة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 177

[و الفسوق]

و الفسوق و هو الكذب (1)

و لكن مقتضى القاعدة التمسك بإطلاق معقد الإجماع على فرض ثبوته في غير ما خرج عنه بالدليل، فالإطلاق في غير ما خرج محكم و عليه فيقتصر في الجواز على لبس النعل دون غيرها من ملابس القدم، كما أن الاحتياط يقتضيه. نعم، إذا

لم يكن مخيطا كالقندرة و غيرها المعمولة بالمسمار و لا ساتر ظهر القدم فلا بأس بلبسه.

(1) من محرمات الإحرام كما أفاده المصنف- قدس سره- الفسوق، و هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا، قال:

في الجواهر: (بل لا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض، كالنصوص، مضافا إلى الكتاب. إلخ) هذا مما لا ينبغي الكلام فيه في الجملة، إنما الكلام في المراد به و منشأ اختلاف فيه هو اختلاف الروايات الواردة عنهم عليهم السّلام في تفسيرها.

ففي المتن و تفسير على بن إبراهيم و المقنع و النهاية و المبسوط و الاقتصاد و السرائر و الجامع و النافع و ظاهر المقنعة و الكافي على ما حكى عن بعضها: هو الكذب و يشهد لذلك خبر زيد الشحام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال؟ قال: «أما الرفث فالجماع- و أما الفسوق فهو الكذب ألا تسمع لقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ. «1»- و الجدال قول الرجل: «لا و اللّه و بلى و اللّه» و سباب الرجل الرجل «2».

و ما رواه العياشي في تفسيره عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في قوله عز و جل الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «3» و الرفث الجماع، و الفسوق الكذب؛ و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 193

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

(3) سورة الحجرات الآية 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص:

178

..........

و اللّه «1» و ما في الفقه الرضوي: (و الفسوق: الكذب فاستغفر اللّه عنه و تصدق بكف من طعام). و في كشف اللثام: (أنه رواه العياشي في تفسيره عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبى الحسن عليه السّلام و عن محمد بن مسلم) و في التبيان و مجمع البيان و روض الجنان: (أنه رواية أصحابنا) و في فقه القرآن للراوندي (أنه رواية بعض أصحابنا) و بذلك ينجبر ضعف السند المحتاج اليه.

و عن جماعة آخرين كما في جمل العلم و العمل و المختلف و الدروس أنه الكذب و السباب، و يشهد لهم صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه و ذكر اللّه و قلة الكلام إلا بخير، فان تمام الحج و العمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير. إلى قال: «فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و السباب. إلخ» «2». و يؤيد ذلك بما في الخبر على ما في الجواهر: (من أن سباب المسلم فسوق) و في صحيح على بن جعفر قال: سألت أخي موسى عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو؟. و ما على من فعله؟. فقال: الرفث جماع النساء و الفسوق الكذب و المفاخرة. إلخ «3» و لا يبعد رجوعها إلى سابقه، لاستلزام المفاخرة غالبا بل دائما للسباب. إذ المفاخرة يتحقق بإثبات كمالات و فضائل لنفسه و سلبها عن غيره و لا ينبغي الارتياب في أنه سباب بل فرده الجلي منه، كما انه يتحقق ذلك بسلب رزائل عن نفسه و إثباتها لخصمه و هذا الإثبات سباب، كما هو واضح، فما مال اليه صاحب الجواهر من رجوع ما في صحيح على بن

جعفر إلى ما في صحيح معاوية بن عمار من قوله: الفسوق الكذب و السباب هو الصواب. و قال العلامة في المختلف على ما حكاه صاحب المدارك: (إن المفاخرة لا تنفك عن السباب إذ المفاخرة إنما يتم بذكر فضائل له و سلبها عن خصمه أو سلب رزائل عنه و إثباتها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

(2) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 179

..........

لخصمه و هذا هو معنى السباب) و لا بأس به.

و عن الجمل و العقود: (أنه الكذب على اللّه) و عن الغنية و المهذب و الإصباح و الإشارة «أنه الكذب على اللّه و رسوله أو أحد الأئمة عليه و عليهم أفضل التحية و السّلام» بل في الأول منها على ما نقل في الجواهر: (انه عندنا كذلك) و عن التبيان: (أن الأولى حملها على جميع المعاصي التي نهى المحرم عنها) و عن الراوندي في فقه القرآن متابعته.

و لكن لا يخفى خلو هذه الأقوال الثلاثة عن الدليل، فلا وجه للمصير إليها و ان كانت هذه المعاني حراما على المحرم أيضا، إلا أن الكلام في حرمتها عليه من حيث الإحرام، و إلا فلا ينبغي الشبهة في حرمتها في نفسها على كل أحد محرما كان أو محلا، فعليه يكون المتبع هو الأقوال السابقة و مقتضى الجمع بين تلك النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- بعد رفع اليد عن ظاهر كل منها في التعيينة بنص الآخر هو كون الفسوق جميع ما ذكر (من الكذب و السباب و المفاخرة) و أما خصوص الكذب على اللّه

أو بإضافة رسوله أو أحد الأئمة- عليهم السّلام- فلا مأخذ له، و قياسه بالكذب المانع عن صحة الصوم باطل، كما أفاده صاحب الجواهر و غيره من الفقهاء- قدس سرهم.

و بما ذكر ظهر لك ضعف ما في الكلام صاحب المدارك من الجمع بين الاخبار حيث أنه بعد أن ذكر ما في صحيح معاوية بن عمار بان الفسوق الكذب و السباب، و ما في صحيح على بن جعفر بأنه الكذب و المفاخرة قال: (و الجمع بينهما يقتضي المصير إلى أن الفسوق الكذب خاصة، لاقتضاء الاولى نفي المفاخرة، و الثانية نفي السباب) و وجه الضعف هو عدم كون ذلك جمعا، إذ هو طرح لكل منهما، فالمتعين هو الجمع الذي ذكرناه من رفع اليد عن ظاهر كل منها في التعيينية بنص الآخر،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 180

..........

فعليه يكون الفسوق عبارة عن الكذب و السباب و المفاخرة.

ثم أن تنقيح هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- ان الظاهر إنه لا يبطل الإحرام بالفسوق كما أنه لا يبطل بغيره من المحرمات فحرمته تكليفية محضة، ألا أن المحكي عن المفيد- رحمه اللّه تعالى- الحرمة الوضعية، و لذا ذهب إلى كونه مفسدا للإحرام؛ و قد يستأنس له بما في صحيح عبد اللّه بن سنان في قول اللّه عز و جل وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ قال: (إتمامها أن لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج «1».

و لكن لا يخفى: أن الظاهر من الإتمام هو ما يقابل النقض لا ما يقابل الفساد فلا وجه للقول بالفساد لعدم الدليل على مانعية الفسوق عنه؛ و على كل حال فلا يترتب عليه وجوب الكفارة سوى الاستغفار عليه، لما رواه الحلبي عن أبى

عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (أ رأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟

قال: لم يجعل اللّه تعالى له حدا يستغفر اللّه تعالى و يلبى «2» فعليه لا يترتب ثمرة عملية في البحث عن المراد بالفسوق بعد ما عرفت من تحريمه على جميع التفاسير و عدم وجوب كفارة عليه سوى الاستغفار و عدم بطلان الإحرام به، و أما القول بترتب الثمرة عليه في النذر و أخويه، إذ مع الحنث تجب الكفارة ففيه أنه من الأمور النادرة أولا و من العناوين الثانوية ثانيا مضافا إلى أنه لا اختصاص له بذلك بل يكون كذلك كل شي ء تعلق نذره به و خالف.

(الثانية)- ان الظاهر حرمة مطلق الفسوق على المحرم من دون فرق في ذلك بين كونه في مقام المفاخرة و الإكرام و غيرهما و بين كونه مضرا و نافعا و لكن إذا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 181

[و الجدال]

و الجدال و هو: قول: (لا و اللّه و بلى و اللّه) (1)

اضطر اليه فلا بأس به لحلية كل محرم بالاضطرار على ما ثبت في محله.

(الثالثة) أن الكذب الغير المحرم لا يحرم على المحرم، فإنه ليس بفسوق، حتى يحكم بشموله النصوص المتقدمة، لأن وجوبه يقدم لأجل أهميته.

(الرابعة)- انه لا فرق في حرمة الفسوق على المحرم بين الرجل و المرأة لإطلاق الروايات الواردة عنهم- عليهم السّلام- في المقام المتقدمة ذكرها في صدر المبحث.

(1) و من المحرمات على المحرم- كما أفاده المصنف- قدس سره- هو الجدال و هو قول: (لا و اللّه

و بلى و اللّه) كتابا و سنة و إجماعا بقسميه كما في الجواهر و المراد منه عرفا هو الخصومة و البغضاء و لكن لا يكون الموضوع في المقام هذه مطلقا بل مع اشتمالها على الحلف بالصيغة المزبورة كما هو صريح جملة من الروايات المأثورة عنهم- عليهم السّلام- المتقدمة ذكر بعضها عند البحث عن الفسوق، لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (و الجدال قول الرجل لا و اللّه؛ و بلى و اللّه) و في صحيحة الآخر قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقول: لا لعمري و هو محرم؟ قال: «ليس بالجدال انما الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه» و أما قوله: لا ها فإنما طلب الاسم و قوله: يا هنا فلا بأس به و أما قوله: لا بل شانيك فإنه من قول الجاهلية «1» و نحوه ما في غيره من الروايات.

ثم ان تحقيق الكلام فيه يتوقف على ذكر جهات:

(الأولى)- انه هل يكون للجدال حقيقة شرعية بأن استعمله الشارع في معنى خاص خلاف ما يراد من المعنى اللغوي و العرفي منه أم لا بل أريد منه المعنى اللغوي و العرفي منه و هو الخصومة و البغضاء غاية الأمر اعتبر فيه الشارع المقدس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 182

..........

أمرا زائدا و هو قوله: (لا و اللّه و بلى و اللّه)؟ فيه وجهان. و لكن الظاهر: أنه ليس له حقيقة شرعية بل أريد منه المعنى العرفي و هو الخصومة و البغضاء غاية الأمر اعتبر فيه قيدا و هو الحلف بصيغة خاصة؛ و هذا نظير الصيغة الخاصة في الطلاق.

و

الحاصل: أن الشارع اعتبر صيغة مخصوصة في تحقق الجدال الموجب للحرمة إما بإحداث حقيقة شرعية بأن يكون الجدال عند اصطلاح الشارع المقدس خصوص قول: (لا و اللّه و بلى و اللّه) أو بتخصيصه الحكم بفرد من الافراد بأن يكون الجدال مطلق الخصومة، و لكن ما هو موضوع لحكم شرعي هو خصوص الجدال بالصيغة المخصوصة، و كيف كان فلا ثمرة عملية في إثبات أحد الطرفين لعدم تحقق الجدال الموضوع لحكم شرعي في المقام إلا بالخصومة و البغضاء المتعقب بهاتين الصيغتين سواء ثبت حقيقة شرعية له أو لا كما لا يخفى لما عرفت.

(الثانية)- انه هل يمكن التعدي من هاتين الصيغتين المزبورتين الموجبتين للحرمة إلى كل ما يسمى يمينا أم لا؟، قيل يتعدى إلى كل ما يسمى يمينا و حكم بتحقق الجدال المحرم بالخصومة و البغضاء المتعقب باليمين مطلقا سواء به (لا و اللّه- و بلى و اللّه) أو بغيرهما و اختاره الشهيد- قدس سره- في الدروس، و لكن المشهور بين الأصحاب عدم جواز التعدي و لزوم الاقتصار على مورد النصوص و هو هاتين الصيغتين، و في كشف اللثام: (و الجدال في العرف الخصومة و هذه خصومة متأكدة باليمين، و الأصل و البراءة من غيرها، و كأنه لا خلاف عندنا في اختصاص الحرمة بها. و حكى السيد ان الإجماع عليه) و في الجواهر: (و يؤيده مع ذلك أصالة البراءة في غيره، بل في الغنية: «و الجدال و هو عندنا قول لا و اللّه و بلى و اللّه» بدليل إجماع الطائفة).

و الأقوى ما نسب إلى المشهور و هو لزوم الاقتصار على مورد النصوص و هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 183

..........

(لا و اللّه و بلى و اللّه) و

لا يمكن التعدي إلى غيره و هو مطلق اليمين؛ إلا إذا قام دليل تعبدي على ذلك أو علم بوحدة المناط؛ و شي ء منهما في المقام غير حاصل. أما (الأول) فواضح و أما صحيح معاوية بن عمار الآتي فستعرف المناقشة فيه. و أما (الثانية):

فلما ذكرنا غير مرة أن المعتبر منه هو القطعي و هو غير حاصل في الشرعيات، و غاية ما يحصل منه في ما نحن فيه هو الظن بالحكم، و من المعلوم أنه لا يغني من الحق شيئا؛ لعدم دليل على اعتباره، بل قام الدليل على عدم اعتبار الظن المشكوك الاعتبار فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا، لاحتمال خصوصية في هاتين الصيغتين و هما: (لا و اللّه- و بلى و اللّه) دون غيرهما، و لا دافع لهذا الاحتمال إلا فهم المثالية (بدعوى): ظهورهما فيها و لكن هذه غير مسموعة، لكون الظاهر على خلافها، فعليه لا يتحقق الجدال المحرم المستلزم للكفارة إلا بهما دون غيرهما.

ان قلت: أنه يمكن الاستدلال للاكتفاء بمطلق الحلف المستلزم للكفارة بقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه و أعلم: أن الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه و يتصدق به و إذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جال و عليه دم يهريقه و يتصدق به قال و سألته عن الرجل يقول لا لعمري و بلى لعمري؟. فقال: ليس هذا من الجدال و إنما الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه «1». و بقوله عليه السّلام في صحيحة الآخر: (أن الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان

في مقام ولاء و هو محرم فقد جادل و عليه حد الجدال دم يهريقه و يتصدق به «2».

قلت (أولا) أنه بعد تفسير الجدال في صحيحة الأول به: (لا و اللّه و بلى و اللّه) يكون المراد من الايمان و يمينا واحدة هو الصيغة المزبورة، بل و كذا ما في صحيحة الآخر، إذ لا إطلاق له من هذه الجهة، لوروده في مقام بيان حكم آخر و هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 184

..........

الكفارة (بعبارة أوضح) أنه و لو ذكر فيه اليمين على الإطلاق، و لكنه إنما يكون في مقام التفصيل بين الجدال الكاذب و الصادق، و ليس في مقام البيان ان الجدال هل هو مطلق اليمين أو مخصوصة بالصيغة المخصوصة، كما وردت روايات كثيرة في مقام التفصيل بين الجدال الكاذب و الصادق و منها: ما رواه أبان بن عثمان عن أبى بصير عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: إذا حلف بثلاثة أيمان متعمدا متتابعات صادقا فقد جادل و عليه دم، و إذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل و عليه دم «1». و نحوها غيرها من الروايات المأثورة عنهم- عليهم السّلام.

و (ثانيا)- على فرض ثبوت الإطلاق لها فتحمل على الروايات التي فسروها بلا و اللّه و بلى. اللّه، لتقييدها بها. و بما ذكرنا ظهر أن القول بكون الجدال هو مطلق الحلف باللّه تعالى و عدم خصوصية للصيغتين المزبورتين- كما عن الشهيد في الدروس- ضعيف، ذلك ضرورة كونه بعد حمل المطلق على المقيد كالاجتهاد في مقابل النص الذي ينحصر الجدال المحرم فيهما و

عدم كون غيره جدالا و أضعف منه احتمال ارادة مطلق ما يطلق عليه اليمين. لو مسامحة كقوله: (لا لعمري و بلى لعمري) و نحوه من الجدال. و ظهر أيضا ضعف ما عن الانتصار و جمل العلم: (من انه الحلف باللّه الذي هو أعم من الصيغتين، بل ربما أيد بعموم لفظ الجدال لكل ما كان في خصومة و احتمال الحصر في الاخبار الإضافية و التفسير باللفظين التخصيص بالرد المؤكد بالحلف باللّه لا بغيره، و قول الصادق في حسن معاوية بن عمار المتقدم و نحوه). و ذلك لظهور النصوص مضافا الى معقد الإجماع و الفتاوى في اختصاص الجدال المحرم الموجب للكفارة باللفظين المزبورين و صرف احتمال كون ذلك مرادا منه في المقام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 185

..........

لا ينافي حجية الظهور، كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و (دعوى) ظهور قوله عليه السّلام في خبر أبى بصير الآتي في الجهة الرابعة (إنما أراد بهذا إكرام أخيه) في كون الجدال هو مطلق الحلف باللّه إذا لم يكن للإكرام غير مسموعة، لعدم الشناعة في استناد عدم شي ء إلى أحد موجبات وجوده، فيصح استناد عدم وجوب الكفارة إلى المودة كما يصح استناده إلى عدم الصيغة الخاصة.

ثم أن بما ذكرنا ظهر ضعف ما في الرياض فإنه بعد ما ذكر عن الأكثر تفسيره بالصيغتين و في الغنية الإجماع عليه قال: (و لكن يحتمل رجوعه إلى تفسير الجدال بالخصومة المؤكدة باليمين بمثل الصيغتين لا إليهما) فظهر أنه ليست الخصومة المجردة من اليمين بالصيغة المزبورة من الجدال المحرم على المحرم لما عرفت و ان كان الجدال العرفي صادقا عليه عرفا و

ظهر أيضا ضعف ما أفاده صاحب المستند- قدس سره بقوله: (و الظاهر عدم الاختصاص بلفظ [اللّه] بل التعدي إلى كل ما يؤدى هذا المعنى كالرحمان و الخالق و نحوهما و بالفارسية و غيرها من اللغات إذ الأصل في الألفاظ إرادة معانيها دون خصوص اللفظ فالمراد باللّه معناه و هو الذات المخصوصة. إلخ).

(الثالثة)- أنه هل يمكن التعدي عن المقسوم عليه و هو لفظ (لا- و بلى) إلى ما يرادفه بالفارسية و غيرها أو لا، لان هذين اللفظين خارجان عن صيغة الحلف المعتبرة في الجدال؛ و اختاره صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال: (نعم لا يعتبر لفظ [لا- و بلى] نحو قوله إنما الطلاق أنت طالق، فإن صيغة القسم هو قول (و اللّه) و أما: «لا- و بلى» فهو المقسوم عليه فلا يعتبر خصوص هذين اللفظين في مؤداه، و لو بشهادة الصحيح المزبور، بل يكفي الفارسية و نحوها فيه، و أن لم تكف في لفظ الجلالة فتأمل جيدا.) و أشار بقوله: (و لو بشهادة الصحيح

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 186

..........

المزبور) إلى خبر أبى بصير الآتي في الجهة الرابعة و وجه شهادته أنه لم يسند عدم تحقق الجدال فيه إلى عدم ذكر هذين اللفظين أعنى: (لا- و بلى) بل إلى كون الحلف للمحبة و الإكرام فيظهر منه عدم دخل هذين اللفظين في الجدال و لكنه- كما ترى- لا دلالة فيه على مدعاه و الحكم بجواز التعدي إلى غير مورد النص أيضا لا يخلو من الإشكال فتأمل.

(الرابعة)- أنه إذا حلف بالصيغة المزبورة لا في مقام الجدال بل للمودة و الإكرام جاز و لا كفارة في البين، لما عرفت من اعتبار الخصومة و البغضاء في مفهوم الجدال عرفا

و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و يدل عليه خبر أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه: (و اللّه لا تعمله) فيقول «و اللّه لأعملنه» فيخالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال؟. قال: لا انما أراد بهذا إكرام أخيه «1».

(الخامسة)- أنه هل يختص الحكم بما إذا ذكرها عند غيره أو يعم حتى ما إذا ذكرها عند نفسه و لو لم يكن موجودا أحدا؟. فيه وجهان، مقتضى إطلاق الروايات الدالة على تحقق الجدال بالصيغة المزبورة هو شموله لما ذكرها عند نفسه أيضا كشموله ما إذا ذكرها عند غيره اللهم الا أن يدعى الانصراف عنه فتدبر.

(السادسة)- أنه هل الجدال مجموع هذين اللفظين أعنى (لا و اللّه- و بلى و اللّه) أو لا بل يكفي أحدهما؟.؟. الظاهر: عدم اعتبار وقوع اللفظين في تحقق الجدال فيكفي أحدهما، وفاقا لجماعة من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- منهم صاحب الجواهر و المدارك و الفاضل الأصبهاني في كشف اللثام حاكيا له عن المنتهى و التذكرة؛ بل قال: «و به قطع الصدوق في ير» و في الجواهر: «و لعله للصدق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 187

..........

عرفا بعد معلومية إرادة ما ذكرناه منهما؛ لا أن قولهما، معا من الواحد أو من الاثنين معتبر في الجدال» و كيف كان بل لا معنى لاعتبارهما معا في صدقه من شخص واحد، لانه إما مثبت لما يدعيه خصمه، و إما ناف له، فلا يتوجه النفي و الإثبات من شخص واحد الى معنى واحد، و لم يذكر في الحديث كليهما؛ لأجل كون الجدال

قول كليهما معا، فإنه جمع بين المتناقضين بل لكل منهما يتحقق الجدال صادقا أو كاذبا غاية الأمر يختلف في الكفارة في صورة الصدق و الكذب.

(السابعة)- ان الظاهر عدم الفرق في حرمة الجدال بين كونه صادقا و كاذبا، لعموم النص بل صراحة صحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال:

سألته عن الجدال في الحج؟. فقال: من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم فقيل له الذي يجادل و هو صادق؟. قال: «عليه شاة» و الكاذب عليه بقرة» «1» فالاختلاف بينهما إنما يكون في الكفارة و لكن الاستدلال به إنما يتم بناء على تسليم ثبوت الملازمة بين الكفارة و الحرمة فدعوى: اعتبار الكذب في الجدال المحرم على المحرم فلو جادل صادقا لم يكن عليه شي ء- مؤيدا ذلك: بأصل البراءة- و بنفي الضرر و الحرج في الدين- و بأنه ربما وجب عقلا و شرعا- غير مسموعة.

أما الأصل. فلا مجال له لعموم النص و الفتوى و خصوص النص المتقدم الدال على ثبوت الكفارة على الصادق منه.

و أما نفي الضرر- و الحرج ففيه: ان الكلام ليس في ذلك بل كلامنا هنا في اعتبار الكذب مع الغض عن العنوان الثانوي و إلا فلا ينبغي الإشكال في جواز كل محرم بالاضطرار لكن ذلك في الحكم التكليفي و أما الوضعي- أعني الكفارة- فلا ملازمة بين ارتفاع الحرمة و بين ارتفاع الكفارة لثبوت الكفارة في بعض محرمات الإحرام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 188

[و قتل هوام الجسد]

و قتل هوام الجسد حتى القمل (1)

عند الضرورة الرافعة للحرمة.

و أما في الثالث و هو أنه ربما وجب عقلا و شرعا: ففيه أيضا يأتي جميع

ما ذكر آنفا في الثاني كما هو واضح فيما ذكرنا ظهر ما ذهب اليه بعض الفقهاء من اعتبار الكذب في تحقق الجدال المحرم على المحرم.

(الثامنة)- أنه إذا اضطر إلى إثبات حق أو دفع باطل و توقف ذلك على الجدال و الحلف بحيث لو لم يثبت ذلك الحق أو لم يدفع ذلك الباطل لوقع في الضرر فلا بأس حينئذ بالجدال، لعموم أدلة الاضطرار، و لكن في سقوط الكفارة إشكال، لما عرفته آنفا في الجهة السابعة من عدم الملازمة بين الحكم التكليفي و الوضعي بعد قوة احتمال سببية التروك الواجبة على المحرم لوجوب الكفارة. و أما القول بارتفاع حرمة الجدال المحرم على المحرم في صورة ما إذا توقف إثبات حق أو دفع باطل عليه مطلقا حتى مع عدم الضرورة فمحل تأمل إذ لم يثبت رافعية ذلك للحرمة فعليه يشكل إطلاق كلام ما حكى عن الدروس من قوله: (و لو اضطر الى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل فالأقرب جوازه على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره-، إذ المتيقن منه هو صورة الضرورة فتدبر.

(1) من المحرمات على المحرم كما أفاده المصنف- قدس سره- قتل ما يتكون من جسده من الهوام و الدواب كالقمل و نحوه على المشهور بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و يدل عليه ما رواه أبان عن أبى الجارود، قال: سأل رجل أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل قملة و هو محرم؟. قال: «بئس ما صنع». قال: فما فداؤها؟. قال: «لا فداء لها «1» و حديث زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و أورد أيضا في باب 15 من أبواب

بقية كفارات الإحرام الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 189

..........

هل يحك المحرم رأسه؟. قال: «يحك ما لم يتعمد قتل دابة» «1» و ما في صحيح معاوية ابن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال في حديث. (اتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى و العقرب و الفأرة. إلخ «2». بناء على عدم انصراف الدواب عن الحيوانات المتكونة عن البدن، كما هو كذلك بشهادة إطلاق الدابة عليها في حديث زرارة المتقدم آنفا لقوله عليه السّلام فيه: (يحك ما لم يتعمد قتل دابة) و في الجواهر: (مؤيدا ذلك كله بمنافاته لعدم الترفة المراد من المحرم الذي هو أشعث أغبر، بل لعل ما عن النهاية و السرائر: «من أنه لا يجوز قتل شي ء من الدواب» يشملها أيضا. و كذا ما عن الكافي: «ان مما يجتنبه المحرم قتل شي ء من الحيوان عدا الحية و العقرب و الفارة و الغراب ما لم يخف شي ء منه». بل عن المبسوط: «لا يجوز له قتل شي ء من القمل و البراغيث و ما أشبههما». و يمكن الاستدلال على ذلك أيضا بما دل على حرمة نزعها و القاءها من الجسد كرواية حسين بن أبى العلاء قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمدا و ان فعل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قال: كم؟ قال: «كفا من طعام» «3» و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال قال: المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده.

إلخ «4». و نحوهما غيرهما من الأخبار المأثورة عنهم- عليهم السّلام.

و لكن يمكن المناقشة فيها بان مقتضى هذه النصوص هو حرمة نزع القملة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3 و أورد أيضا في باب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3.

(4) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 190

..........

و الإلقاء عن جسده، لانه موردها، و أما حرمة القتل فلا يمكن الاستفادة منها.

ان قلت: ان مقتضى نصوص الباب و ان كان ذلك إلا أنه يتعدى عن موردها بدعوى:

أولوية حرمة قتل هوام الجسد من نزعها و إلقائها. فإن كان نزعها و إلقائها حراما فحرمة قتلها يكون بطريق أولى. قلت أن أريد منها الأولوية الظنية فلا فائدة فيها، لعدم العبرة بها. و ان أريد بها القطعية ففيه: أن الأولوية القطعية غير حاصلة في الشرعيات خصوصا بعد التوجه إلى قضية أبان لعدم الإحاطة بالملاكات الداعية إلى التشريع و غاية ما يحصل منها هو الأولوية الظنية، و من المعلوم أنه لا دليل على اعتباره فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا، لاحتمال خصوصية واقعا في نزعها و إلقائها.

نعم إذا حصل القطع إلى ذلك و عدم مانع عن الجعل أيضا فلا محيص حينئذ عن التعدي و لكنه لا سبيل إلى ذلك فتدبر، و كيف كان فمع النصوص المتقدمة المائدة بالشهرة لا حاجة إلى دعوى: أولوية قتل هوام الجسد من نزعها و إلقائها عن الجسد حتى تمنع الأولوية، لوفاء هذه الروايات بإثبات الحرمة كما لا يخفى. فيما ذكرنا ظهر أنه لا وجه لما عن ابن حمزة من جواز قتل القمل إذا كان على البدن و

حرمة إلقائه عنه لضعف الأدلة التي يستدل بها على مدعاه و يستدل للقائلين بجواز قتل القمل بوجوه:

(الأول) الإجماع. (و فيه): أولا ليس في البين إجماع لذهاب أكثر الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- إلى حرمة قتله و (ثانيا): على فرض ثبوته انه قد ذكرنا غير مرة ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام لا المدركى؛ و في المقام يحتمل ان يكون مدركيا لاحتمال استناد المجمعين في ذهابهم إلى عدم حرمة قتله إلى الوجوه الآتية، فلا يمكن الاعتماد عليه، إذ العبرة حينئذ بالمدرك ان تم.

(الثاني)- الأصل. و (فيه) انه مقطوع بما عرفت من النصوص.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 191

..........

(الثالث) هو ظهور كلمة: (لا ينبغي) في صحيح معاوية بن عمار قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: «لا شي ء عليه في القمل و لا ينبغي ان يتعمد قتلها» «1» في الكراهة. و (فيه): ما ذكرناه غير مرة من عدم ظهور كلمة: (لا ينبغي) في الكراهة بل هو يلائم كل من الحرمة و الكراهة لكونه ظاهرا في حزازة العمل فلا بد من إثبات أحدهما بالقرينة و الأخبار المتقدمة في صدر المبحث الدالة على حرمة قتل القمل في حال الإحرام تصلح لأن تكون قرينة على إرادة الحرمة من كلمة: (لا ينبغي) كما لا يخفى؛ فلا تدل على خصوص الكراهة حتى تنافيها ما يدل على الحرمة.

(الرابع)- عموم قوله عليه السّلام (لا شي ء عليه) في هذه الصحيحة. و (فيه):

ان عموم: [لا شي ء عليه] فيها الدال على عدم الحرمة و ان كان تماما و لكنه لا مانع من تخصيصه بالنصوص المتقدمة الدالة على الحرمة مضافا إلى أنه قد يدعى ظهوره

في نفي الحكم الوضعي و هو الكفارة لا العقاب المستتبع من مخالفة الحكم التكليفي فتأمل و أما صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: فيه (لا بأس بقتل القملة في الحرم) «2». و مرسل ابن فضال عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم «3» فلا ينافي الأخبار المتقدمة الدالة على الحرمة، و ذلك لكونه من الإطلاق القابل للتقييد بالمحرم، فتصير النتيجة ان قتل القمل في الحرم جائز إلا إذا كان القاتل محرما.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و في باب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 6.

(2) الوسائل ج 2 الباب 84 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 79 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 192

..........

و كذا لا يعارض النصوص السابقة الظاهرة في حرمة قتل دواب الجسد ما دل على جواز قتلها مع الإرادة كرواية محمد بن المفيد في المقنعة قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن قتل الذئب و الأسد؟ فقال: «لا بأس بقتلهما للمحرم ان أراداه (د ه خ ل) و كل شي ء أراده السباع و الهوام فلا حرج عليه في قتله «1» و ما في ذيل صحيح معاوية بن عمار قوله عليه السّلام «كل شي ء أرادك فاقتله» «2» و ذلك لاختصاصه بغير هوام الجسد من هوام الأرض، لأن الإرادة ليست في هوام الجسد لأنه محلها؛ فالإرادة تختص بما لا يتكون في البدن فتأمل و كذا ما دل على جواز قتلها مع الإيذاء كصحيح جميل قال: سألت

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يقتل البقة و البرغوث إذا أذاه؟ قال: نعم «3» و نحوه خبر زرارة، و ذلك لعدم كون صورة الإيذاء مما نحن فيه، مضافا إلى عدم كون البقة و البرغوث من هوام الجسد، لعدم تكونهما منه فتدبر فلا يعارضها، فيما ذكرنا ظهر قوة ما نسب الى المشهور من حرمة قتل القملة و اقتصار جماعة من القدماء على حرمة إلقائه فقط لا يقتضي ذهابهم الى جواز قتله بل يمكن أن يكون ذلك لأجل اكتفائهم بذكره عنه فتأمل.

« (ثم ان هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها)» 1- ان مقتضى ظاهر بعض النصوص اختصاص حرمة قتل هوام الجسد بصورة العمد الذي هو قصد عنوان الفعل؛ كالقتل في المقام، فلو لم يقصد العنوان و قتل خطأ لم يحرم و ان كان فعلا له لكفاية مجرد صدور الفعل من شخص و لو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 13

(2) الوسائل ج 2 الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

(3) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 193

..........

بدون القصد و الإرادة مثل كسر الإناء في حال النوم في صحة اضافة الفعل الى فاعله فعليه يحكم بحرمة قتل القمل إذا كان عن عمد، و أما إذا كان خطأ فلا حرمة فيه و أما ما دل على حرمة قتل القمل مطلقا كما هو مقتضى ظاهر بعض النصوص المتقدمة في صدر المبحث فيقيد بما دل على الحرمة إذا كان عن عمد.

(الثاني)- انه اختلفت متون الكتب في عنوان هذا البحث و في بعض منها هو:

[قتل هوام الجسد] كالنافع و القواعد و متن هذا الكتاب الذي

نحن في صدد شرحه؛ و في بعض الكتب الجمع بين هوام الجسد و دوابه و في بعضها قتل القملة و الاولى جعل العنوان ما يتكون من البدن لإمكان استفادة هذا العنوان من قوله عليه السّلام في صحيح زرارة المتقدم: (ما لم يتعمد قتل دابة). إذ ظاهره هو الدابة المتكونة في الرأس و غيره من اجزاء البدن لا الدابة المتكونة في الخارج بالتوالد أو غيره الواردة في بدن الإنسان و ان كان عموم الدابة في سياق النفي موهما لعموم الدابة لما يتكون من البدن من القمل و غيره و ما يتكون من غير البدن. و لكن قوله عليه السّلام في صحيح زرارة:

(يحك رأسه. إلخ) قرينة على إرادة دابة البدن فقط و لا أقل من كونه صالحا للقرينية و أما من جعل عنوان الباب قتل القملة يمكن أن يكون لأجل اقتصاره على لسان بعض النصوص المشتمل على ذلك، كما أن التعبير بالهوام لعله لحمل القملة على المثال و ارادة كل ما يتكون من البدن في مقابل ما يتكون من البدن في مقابل ما يتكون من الأرض.

3- ان مقتضى إطلاق بعض الروايات عدم اختصاص حرمة قتل هوام الجسد بالرجل فالرجل و المرأة في ذلك سواء، و لكن لا لقاعدة الاشتراك بعد احتمال دخل خصوصية الرجولية فيه. و عدم دافع له، بل لتصريح بعض النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- في المقام بكون الأحكام المزبورة للمحرم لما في صحيح زرارة المتقدم. (هل يحك المحرم رأسه) قال عليه السّلام (يحكم ما لم يتعمد قتل دابة)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 194

و يجوز نقله من مكان إلى مكان آخر من جسده (1)

و لا ينبغي الشك في شمول إطلاق المحرم للمرأة كالرجل، بل

و شموله لغيرها من الصبي و الصبية أيضا، فإنه قضية جنس المحرم، و هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- اللهم إلا يقال بانصرافه عنها؛ و لكن لا يخفى ما فيه لانه لا انصراف في البين أولا و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا فلا عبرة به.

4- أنه لا فرق في حرمة القتل في المقام بين المباشرة و التسبيب لإطلاق النصوص الواردة في المقام بعد وضوح نسبة الفعل في كلتا الصورتين إلى القاتل المباشري و التسبيبى؛ أما القول باختصاص الحكم بصورة المباشرة بدعوى: انصرافه عن التسبيب مما لا وجه له؛ لأنه بدوي، فلا عبرة به في تقييد الإطلاق لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط في الانصراف الصالح للتقييد

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز نقل هوام الجسد من القمل و نحوه من مكان إلى مكان آخر من جسده مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و يدل على ذلك- مضافا إلى الأصل- صحيح معاوية ابن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة، فإنها من جسده. فإذا أراد أن يحوله من مكان إلى مكان آخر فلا يضره «1». بل مقتضى إطلاقه كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- عدم اشتراط كون المنقول اليه كالمنقول عنه أو أحرز، كما صرح به بعض الأصحاب، و أما ما قيده بعض المتأخرين على ما في المدارك بالمساوي أو الأحرز، و هو تقييد لإطلاق النص من غير دليل. نعم. يمكن القول بالمنع من تحويله إلى مكان كان معرضا للسقوط لأنه يئول إلى الإلقاء المحرم فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 78 من

أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 195

..........

« (حرمة إلقاء هوام الجسد)» و من المحرمات على المحرم إلقاء هوام الجسد عن بدنه و ثوبه و هو المشهور بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم، و يدل عليه ما رواه الحسين بن أبى العلاء قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا يرمى المحرم القملة عن ثوبه و لا من جسده متعمدا فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما. إلخ «1». و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده. إلخ «2». و يستفاد من هذا الصحيح عدم اختصاص الحكم بالقملة بل يشمل جميع ما يتكون من البدن و هو كاف في إثبات حرمة إلقاء جميع ما يتكون من البدن على المحرم، و صحيح حماد بن عيسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها؟ قال يطعم مكانها طعاما «3» و صحيح محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام. قال: سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها؟ قال:

يطعم مكانها طعاما «4».

و لكن الاستدلال بهما منوط على تسليم الملازمة بين الحكم الوضعي و التكليفي، و كيف كان ففي إثبات حرمة الإلقاء يكفينا النصوص المتقدمة.

و لا يعارض هذه النصوص الظاهرة في الحرمة خبر على بن حمزة مولى خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلقى القملة؟ فقال: ألقوها أبعدها اللّه غير

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3 و في باب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3.

(2) الوسائل ج 2 الباب 78

من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 196

و يجوز إلقاء القراد و الحلم (1)

محمودة و لا مفقودة «1» بناء على كون كلمة: (ألقوها) بالقاف دون الفاء، كما قيل وجه عدم المعارضة (أولا) ضعف سنده و عدم جابر و كونه مهجورا و (ثانيا):

على فرض تسليم اعتباره يقيد إطلاقه بما دل على الجواز مع الإيذاء.

و كيف كان فقد ظهر من جميع ما ذكرناه: أن القول بحرمة إلقاء القملة و نحوها من هوام الجسد في غاية المتانة؛ فلاحظ و اللّه هو الهادي إلى الصواب.

« (تذييل)» يمكن ان يقال بحرمة إلقاء الصاب (الذي هو بيض القمل) عن البدن باعتبار انه ليس دابة، لاحتمال تبعيته للقملة في الحكم كتبعيته لها في الوجود.

و لكن مقتضى الأصل البراءة، لعدم ورود دليل تعبدي على حرمة إلقائه و لعدم الملازمة بين التبعية في الوجود و بين التبعية في الحكم فتدبر.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز إلقاء ما لا يتكون في البدن كالقراد و الحلم [1] الذي هو نوع من القراد على ما قيل عن نفسه مما لا ينبغي الخلاف و الاشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و يدل عليه- مضافا إلى الأصل بعد أن لم يكونا من هوام الجسد- ما رواه محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبى نجران عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي

______________________________

[1] و الحلم «بفتح الحاء و اللام» جمع حله كذلك و هو القراد العظيم كما

عن الجوهري و في كشف اللثام عن الأصمعي: «أول ما يكون القراد يكون قمقاما ثم حميا ثم قرادا ثم حلما و لكن ينافي ذلك قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار ان القراد ليس من البعير و الحلمة من البعير.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 197

..........

عبد اللّه عليه السّلام: أ رأيت ان وجدت على قراد أو حلمة أطرحهما؟. قال: «نعم و صغار لهما أنهما رقيا في غير مرقاهما «1». و رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن عبد اللّه بن سنان إلا أنه قال: [أطرحهما عنى و أنا محرم؟.] و كيف كان فيمكن الاستدلال بقوله عليه السّلام (أنهما رقيا في غير مرقاهما) على جواز إلقاء كل دابة لا تتكون في البدن و وجدها المحرم على بدنه.

مضافا إلى صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده. إلخ «2» فإن المستفاد منه- كما ترى- هو جواز إلقاء كلما على بدن الإنسان من الدواب من القراد و الحلمة و غيرهما إلا ما يتكون من جسده كما هو ظاهر « (فرع)» يجوز إلقاء القراد عن بعيره كما صرح به غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر: (لا أجد فيه خلافا. إلخ) و يدل عليه- مضافا إلى الأصل- الأخبار الكثيرة الواردة عنهم- عليهم السّلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: ان القى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس و لا يلقى الحلمة «3» 2- حسنة حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: ان

القراد ليس من البعير و الحلمة من البعير و رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 79 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 80 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 198

..........

مثله و زاد: (بمنزلة القملة من جسدك فلا تلقها و ألق القراد «1».

3- خبر عمر بن يزيد قال: لا بأس ان تنزع القراد عن بعيرك و لا ترم الحلمة «2» إلى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام مقتضى النصوص عدم جواز إلقاء الحلمة عن البعير و قد افتى به الشيخ قدس سره- و جماعة، و لكن المحكي عن الأكثر الجواز، و يمكن الاستدلال له بوجوه:

(الأول)- الإجماع و (فيه): على فرض ثبوته انه قد مر مرارا ان الإجماع المعتبر هو التعبدي منه الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام لا المدركى و يحتمل ان يكون مدركه في ما نحن فيه بعض الوجوه الآتية فلا عبرة به.

(الثاني)- الأصل و (فيه): ان مقطوع بما عرفت من النصوص الدالة على الحرمة.

(الثالث)- صحيح معاوية بن عمار المتقدم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال عليه السّلام (المحرم يلقى عنه الدواب كلها. إلخ). (و فيه): انه كما ترى- ظاهر في الإلقاء عن بدن المحرم بقرينة ما في ذيله: (إلا القملة فإنها من جسده) ثم ربما يتوهم التنافي بين الروايات الدالة على عدم جواز إلقاء الحلمة و غيرها مما يتكون في البعير على ما هو ظاهر تعليل الفرق بين القراد و الحلمة و بين خبر عبد اللّه ابن سعيد

قال: سأل أبو عبد الرحمن أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعالج دبر الجمل؟ قال فقال: يلقى عنه الدواب و لا يدميه «3» و لكن (و فيه) أولا: أنه ضعيف سندا و (ثانيا): على فرض تسليم سنده يختص بمورد المعالجة و ترتب الضرر على إبقاءها أو يقيد بما يتكون في بدنه بقرينة الروايات الدالة على كون الحلمة من البعير و عدم كون القراد منه كما في صحيح معاوية بن عمار على ما رواه الصدوق في العلل حيث أنه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 80 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 80 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 80 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 199

..........

زاد فيه: (ان القراد ليس من البعير و الحلمة من البعير «1» فيختص الجواز بغير المتكون في البعير، كما انه يمكن دفع التنافي بين كلام الشيخ- قدس سره- و تابعيه و بين كلام الأكثر من جواز إلقاء الحلمة من البعير بان يقال أن مراد الأكثر الحلم الذي هو من القراد الذي يجوز إلقائه عن البعير بلا خلاف كما عرفت لا الحلم المتكون منه.

و المتحصل من جميع ما ذكرنا هو عدم جواز إلقاء كل ما يتكون في البدن؛ لانه رقى مرقاة؛ لان البدن مرتعه، و جواز إلقاء كلما لا يتكون فيه كالبرغوث و الزنبور و غيرها لأنها سكنت في غير وطنها الذي تكونت فيه، و كذا يجوز إلقاء ما على الحيوانات من الغنم و الجاموس و الفرس و غيرها من الدواب، و ذلك للأصل أما قتل ما يتكون في البدن و ما لا يتكون فيه فلا يجوز لما

دل على عدم جواز قتل كل دابة لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (اتق قتل الدواب كلها) نعم يجوز في صورة الإيذاء و لكن قد استثنى الأفعى و العقرب و الفأرة، فإنه يجوز قتلها و لو بدون الإيذاء، لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم في حديث.

ثم اتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى و العقرب و الفأرة، فأما الفأرة فإنها توهي السقاء و تضرم على أهل البيت، و أما العقرب فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مد يده إلى الحجر فلسعه فقال: لعنك اللّه لا برا تدعينه و لا فاجرا و الحية إن أرادتك فاقتلها «2». فعليه نقيد إطلاق قوله عليه السّلام: (اتق قتل الدواب كلها) بالإيذاء، فالنتيجة انه لا يجوز قتل شي ء من الدواب إلا أنه إذا آذته.

هذا كله بالنسبة إلى المحرم و أما غير المحرم فيجوز له قتل الدواب من الهوام و السباع مطلقا في صورة الإيذاء و غيرها و قد تحصل ان كل ما يتكون في البدن لا يجوز إلقائه و لا قتله

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 80 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 200

[و يحرم لبس الخاتم للزينة]

و يحرم لبس الخاتم للزينة (1)

و كل ما لا يتكون فيه يجوز إلقائه و لا يجوز قتله إلا في صورة الإيذاء.

(1) حرمة لبس الخاتم على المحرم للزينة مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و في كشف اللثام: (كما قطع به الأكثر) بل في الذخيرة في شرح قوله في القواعد [و لبس الخاتم للزينة لا للسنة]

قال:

(لا أعرف خلافا بين الأصحاب في الحكمين المذكورين) و يدل عليه ما رواه ابن محبوب عن على (يعنى ابن رئاب) عن مسمع عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: و سألته أ يلبس المحرم الخاتم؟. قال: «لا يلبسه للزينة» «1» و قال الكليني في رواية أخرى: «و لا يلبسه للزينة «2».

ان قلت: أنه ضعيف سندا. قلت على فرض تسليم ذلك- كما قال به صاحب المدارك و غيره- ان ضعفه منجبر بعمل الأصحاب بمضمونه؛ فلا يصغى إلى المناقشة فيه بضعف السند بعد الانجبار الموجب للاطمئنان بصدوره عن المعصوم عليه السّلام الذي هو مناط الحجية و الاعتبار.

مضافا إلى تعليل المذكور في صحيح حريز و هو ما عنه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

(لا تنظر في المرآت و أنت محرم لانه من الزينة) «3». و صحيح حماد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يكتحل المرأة المحرمة بالسواد ان السواد زينة «4» و مقتضاهما- كما ترى- هو عدم جواز كلما يتحقق به الزينة للمحرم، و قال في الجواهر بعد ذكره خبر مسمع و اعضاده بالتعليل المذكور في صحيحي حماد و حريز قال: (و بالمرسل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 201

و يجوز للسنة (1)

في الكافي: «لا يلبسه للزينة، و بما ورد: «من كون الحاج أشعث أغبر» و غير ذلك مما يدل على عدم الترفه للحاج المنافي للزينة) و من هنا

ظهر ضعف ما هو المحكي عن ابى سعيد في النافع و الجامع من القول بكراهة لبس الخاتم للمحرم.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز لبس الخاتم له للسنة مما لا ينبغي الارتياب فيه و قد نفي عنه الخلاف في الجواهر، و ادعى عليه الإجماع و يمكن الاستدلال لذلك بوجوه:

(الأول)- الأصل.

(الثاني)- مفهوم ما دل على حرمة لبسه للزينة.

(الثالث)- إطلاق ما رواه نجيع عن ابى الحسن عليه السّلام قال: لا بأس بلبس الخاتم للمحرم «1» و ما رواه الحسين بن سعيد عن محمد بن إسماعيل قال: رأيت العبد الصالح عليه السّلام و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار المأثورة عنهم- عليهم السّلام.

و لا يخفى: انه لا تقع المعارضة بين هذه الاخبار و بين ما دل على حرمة لبس الخاتم على المحرم للزينة، و ذلك لان مقتضى التوفيق و الجمع بينها هو حملها على ما إذا قصد به السنة و لا مجال للجمع بينها بحمل ما دل على الجواز على الكراهة لأنه جمع حكمي و قد ذكرنا غير مرة انه لا تصل النوبة إليه ما دام كان الجمع الموضوعي ممكنا لتقدمه رتبة على الجمع الحكمي و من هنا ظهر ضعف ما هو خيرة المصنف- قدس سره- في النافع و المحكي عن الجامع من الجمع بين النصوص بالكراهة.

ثم انه ينبغي هنا التنبيه على أمرين:

1- قال في الجواهر: (و في الذخيرة: «الظاهر ان المرجع في التفرقة بين

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 202

..........

ما كان للسنة أو

الزينة إلى القصد، كما قاله جماعة من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- إذ ليس ههنا هيئة تختص بإحداهما دون الأخرى» و نحوه في المسالك و حاشية الكركي، و لا بأس به، و لا ينافي ذلك تعليل الكحل المقتضى حرمة كل زينة و ان لم تكن مقصودة لقوله عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم: (لا تكتحل المرأة بالسواد ان السواد زينة) و تعليل النظر في المرآت المقتضي أيضا حرمة كل زينة مطلقا لقوله عليه السّلام في صحيحة الآخر: (لا تنظر في المرآت و أنت محرم لانه من الزينة)، و ذلك لتخصيصه بما ورد في ما نحن فيه.

ثم انه قال: (نعم يمكن دعوى الحرمة في المشترك مع قصد الزينة، و ان قصد معها غيرها على وجه الضم، بل و على وجه الاستقلالية أيضا). و الحق في الفرض هو الحكم بالحرمة، لأن قصده السنة لا اقتضاء له بعد قصده الزينة به لاقتضائه الحرمة سواء كان معه عنوان آخر أو لا. و هذا نظير ما إذا قصد المسافر في سفره الطاعة و المعصية فكما يحكم عليه بوجوب التمام عليه لان قصد الطاعة لا اقتضاء له و قصد المعصية يقتضي التمام فكذلك في مفروض المقام فتأمل. ثم انه قال:- قدس سره- «اما إذا كان معا العلة فقد يقال بالجواز للأصل بعد عدم صدق اللبس للزينة».

2- أنه هل يختص حرمة لبس الخاتم بالرجل أم لا؟. الظاهر شمولها للمرأة لتصريح خبر مسمع و غيره بكون الحكم المزبور للمحرم لما فيه: (أ يلبس المحرم الخاتم؟. قال عليه السّلام: لا يلبسه للزينة) و لا ينبغي الارتياب في شمول إطلاق المحرم لها، فعليه يحكم بحرمه لبس الخاتم للمرأة المحرمة إذا كان من قصدها الزينة به،

فيقيد بذلك إطلاق ما دل على جواز لبسها الخاتم مطلقا؛ و هو ما رواه مصدق بن صدقة عن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (تلبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب) «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 203

[و لبس المرأة الحلي للزينة]

و لبس المرأة الحلي للزينة (1)

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من حرمة لبس الحلي على المرأة للزينة مما لا إشكال فيه، و قد صرح به غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل لعله المشهور بل في المدارك نفي الاشكال فيه؛ و استدل لذلك بصحيح محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا للزينة «1»). و حسن الكاهلي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: (تلبس المرأة الحلي كله إلا القرط المشهور و القلادة المشهورة «2») هذا بناء على عدم تحقق الزينة إلا بالمشهور و إلا فلا يمكن الاستدلال بهما على الحكم بحرمة لبس الحلي للمرأة للزينة مطلقا خصوصا صحيح محمد بن مسلم الذي يقتضي تقييد الحكم بالمشهور منه لا غيره.

تحقيق الكلام هو أنه قد ورد في أخبار الباب ما يدل على جواز لبس الحلي المعتاد لها، كصحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم تنزع حليها) «3» و هذا الحديث كما ترى يدل على جواز لبس الحلي المعتاد لها سواء كان مشهورا للزينة أو لا، فعليه يقع التعارض بينه و بين الاخبار المتقدمة بالعموم من وجه، و لكن قد ورد أيضا في أخبار الباب ما هو نص في جواز لبس القرطان من الذهب

لها في صورة الاعتياد مع أنه زينة مشهورة؛ و هو صحيح ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها انتزعه [انتزعه ظ] إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟. قال: تحرم فيه و تلبسه من غير ان تظهره للرجال في مركبها و مسيرها «4» و بمقتضى ذلك يجمع بينها، و يقال باختصاص حرمة لبس الحلي المشهور للزينة بصورة عدم اعتيادها بلبسها دون المعتاد.

و لا يعارضها خبر نضر بن سويد عن أبى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن المرأة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

(4) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 204

و ما لم يعتد لبسه منه على الاولى (1) و لا بأس بما كان معتادا لها (2) و لكن يحرم عليها إظهارها لزوجها (3)

المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب؟. قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس، و لا تلبس القفازين و لا حليا تتزين به لزوجها و لا تكتحل إلا من علة، و لا تمس طيبا، و لا تلبس حليا و لا فرندا و لا بأس بالعلم بالثوب «1» لأن إطلاق ما دل على جواز لبس الحلي المعتاد لها يقيد بما إذا لم تتزين به لزوجها، و إلا فلا يجوز لبسه لها.

(1) اختلفت آراء الأصحاب- رضوان اللّه تعالى

عليهم- في لبس الحلي الغير المعتاد لبسه لها، فذهب بعض منهم إلى الكراهة مع عدم قصده الزينة، كصاحب النافع و محكي الاقتصاد و الاستبصار و التهذيب و الجمل و العقود و الجامع، و لعله يرجع اليه ما أفاده المصنف- قدس سره بقوله: (على الاولى). و ذهب بعض آخر منهم إلى الحرمة و هو المحكي عن القواعد و النهاية و المبسوط و السرائر بل في المسالك:

«هو المشهور» و لكن قد عرفت آنفا ان مقتضى الجمع بين الاخبار هو حرمة لبس الحلي المشهور للزينة الذي تعتد لبسه إذا لم تتزين به لزوجها؛ فالقول بالكراهة لا وجه له.

(2) جواز لبس الحلي الذي كان معتادا لها إذا لم يكن بقصد الزينة مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في الجواهر نفي الخلاف عنه و في كشف اللثام: «ادعى الاتفاق عليه» و استدل لذلك بصحيح ابن الحجاج المتقدم في صدر هذا المبحث.

(3) ما أفاده المصنف- قدس سره من اختصاص حرمة إظهارها الحلي لخصوص زوجها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 205

[و استعمال دهن فيه طيب]

و استعمال دهن فيه طيب، فحرم بعد الإحرام، و قبله إذا كان ريحه يبقى إلى بعد الإحرام (1)

مما لا يمكن المساعدة عليه و ذلك لان مقتضى صحيح ابن الحجاج المتقدم هو تحريم إظهاره للرجال في مركبها و مسيرها، و ليس فيه ما يدل على الاختصاص بالزوج لقوله عليه السّلام فيه: (تحرم فيه و تلبسه من غير ان تظهره للرجال في مركبها و مسيرها).

و يندرج فيه الزوج و الخادم و المحارم و غيرها؛ فلا وجه لتخصيص الحكم بالزوج، و لعل المصنف-

قدس سره- انما خص الزوج لقوله عليه السّلام في خبر نضر بن سويد المتقدم: (و لا حليا تتزين به لزوجها) فإنه- كما ترى- يقتضي عدم تحريم ظهوره لغير زوجها؛ و لكن لا يصلح جعل هذا دليلا على اختصاص الحكم بالزوج لاحتمال ان يكون ذلك لأجل العادة، و إلا فغيره اولى ان لا تتزين به و لا تظهر له الحلي كما هو واضح.

(1) ما أفاده- قدس سره- هو الصواب؛ و هو المعروف بين الأصحاب بل الظاهر أنه المتسالم عليه بينهم، و قال في الجواهر: (بلا خلاف و لا إشكال، بل في المنتهى: «أجمع علمائنا على أنه يحرم الادهان في حال الإحرام بالأدهان الطيبة؛ كدهن الورد و البان و الزيبق، و هو قول عامة أهل العلم و تجب له الفدية إجماعا» إلى أن قال: و على كل حال فلا إشكال كما لا خلاف في حرمة الادهان به بعده، بل و قبله إذ كان ريحه يبقى إلى الإحرام، كما في القواعد و محكي النهاية و السرائر بل في المدارك نسبته إلى الأكثر، لحرمة الطيب للمحرم ابتداء و استدامة. إلخ و استدل لذلك مضافا الى الاتفاق المزبور بصحيح ابن ابى عمير عن حماد عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم و ادهن بما شئت من الدهن حين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 206

و كذا ما ليس بطيب اختيارا بعد الإحرام (1)

تريد ان تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل «1»، و به يظهر ضعف ما حكى عن الجمل و العقود و الوسيلة

و المهذب من الكراهة لجوازه ما دام محلا غايته وجوب الإزالة فورا بعد الإحرام، لأنه كالاجتهاد في مقابلة النص، و كيف كان فلا يخفى ان فيه احتمالين.

(أحدهما): هو انه قبل ان يحرم يحرم عليه الدهن الذي فيه طيب و يبقى رائحته بعد الإحرام لأجل شم الطيب في الإحرام، و أما بعد الإحرام فيحرم عليه مطلق الادهان سواء كان فيه طيب أو لا.

(ثانيهما): هو انه قبل الإحرام يحرم عليه الادهان بما فيه الطيب و يبقى رائحته بعد الإحرام من أجل شم الطيب في حال الإحرام، و أما بعد الإحرام فيحرم عليه مطلق الدهن الذي فيه طيب سواء كان مما يبقى رائحته بعد الإحرام أو لا لكفاية ثبوته آنا ما في الحكم بالحرمة؛ و لكن مقتضى إطلاق الحديث هو الأول ثم أنه رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- في العلل عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن على بن أبي حمزة قال: (سألته) و ذكر مثله الا انه قال: (و لا عنبر تبقى رائحته في رأسك. الى أن قال حين تريد ان تحرم قبل الغسل و بعده و ذكر الباقي مثله.

(1) وفاقا للمشهور، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه، لما عرفته آنفا و لجملة من النصوص الكثيرة الدالة عليه- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك «2».

2- صحيحة الآخر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال لا تمس شيئا من الطيب و أنت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب

تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 207

و يجوز اضطرارا (1)

محرم و لا من الدهن «1» و نحوهما من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- و لا ينافيها صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: الرجل يدهن بأي دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك و لا عنبر و لا زعفران و لا ورس قبل أن يغتسل للإحرام قال: و لا تجمر ثوبا لإحرامك «2» و صحيح حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه كان لا يرى بأسا بأن تكتحل المرأة و تدهن و تغتسل بعد هذا كله للإحرام «3» و خبر على بن الحكم عن الحسين بن أبى العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل المحرم يدهن بعد الغسل؟. قال: نعم فادهنا عنده بسليخة بان و ذكر ان أباه كان يدهن بعد ما يغتسل للإحرام و انه يدهن بالدهن ما لم يكن [فيه خ] غالية أو دهنا فيه مسك أو عنبر «4» و صحيح هشام بن سالم قال: قال له ابن أبى يعفور: ما تقول في دهنة بعد الغسل للإحرام؟.

فقال: قبل و بعد و مع، ليس به بأس؛ قال: ثم دعا بقارورة بان سليخة ليس فيه شي ء فأمرنا فادهنا منها «5». لعدم دلالتها على جواز الادهان بعد الإحرام كما لا يخفى.

فتحصل: أنه يحرم عليه الادهان بعد الإحرام اختيارا، وفاقا للمشهور، و خلافا لصريح المفيد و ظاهر المحكي عن الجمل و العقود و الكافي و المراسم، للأصل المقطوع بما سمعت.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز التدهين بعد الإحرام إذا اضطر إلى ذلك هو الصواب، قال في الجواهر: (بل لا أجد فيه خلافا

بل الإجماع بقسميه عليه) و للضرورة المبيحة للمخطورات، لكن الضرورات كما ذكرنا غير مرة تتقدر بقدرها؛ فإذا توقف ذلك على استعمال الدهن الذي ليس فيه طيب تعين ذلك عليه، فلا يجوز له حينئذ أن يتعدى إلى الدهن الذي فيه طيب، إلا إذا توقف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(5) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 208

[و إزالة الشعر]

و إزالة الشعر قليله و كثيره و مع الضرورة لا اثم (1)

اندفاع الضرورة عليه و لذا تضمنت النصوص الاضطرار إلى استعمال الدهن الزيت و السمن و الإهالة في صحيح هشام بن سالم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمل فليبط و ليداوه بسمن أو زيت «1». و في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السّلام قال: سألته عن محرم تشققت يداه؟. قال: فقال:

يدهنهما بزيت أو سمن أو إهالة «2» و عن ابن الحسن الأحمسي قال: سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام سعيد بن يسار عن المحرم تكون به القرحة أو البثرة أو الدمل؟. فقال: اجعل عليه بنفسج و أشباهه مما ليس فيه الريح الطيبة «3» و عن أحمد بن على بن أبى طالب الطبرسي (في الاحتجاج) عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السّلام أنه كتب إليه يسأله عن المحرم هل يجوز له أن يصير على إبطيه المرتك

أو التوتياء لريح العرق أم لا يجوز؟ فأجاب عليه السّلام يجوز ذلك و باللّه التوفيق «4».

(1) من المحرمات على المحرم إزالة الشعر، هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: (حتى الشعرة و نصفها عن الرأس أو اللحية أو الإبط أو غيرها بالحلق أو القص أو النتف أو النورة أو غيرها بلا خلاف أجده فيه؛ بل الإجماع بقسميه عليه؛ بل في التذكرة و هي إجماع العلماء، مضافا إلى كون بعض أفراده ترفها و إلى قوله تعالى وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «5» و إلى مفهوم قوله تعالى أيضا (فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ «6». إلخ). و استدل لذلك صاحب الجواهر- قدس سره- كما عرفت بوجوه:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(5) سورة البقرة في الآية 192

(6) سورة البقرة في الآية 192

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 209

..........

(الأول)- الإجماع. و (فيه): ان المعتبر منه هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام لا المدركى، و من المحتمل أن يكون استناد المجمعين في هذا المقام إلى الوجوه الآتية؛ فلا عبرة به.

(الثاني)- كون بعض أفراده ترفها و منافاة ذلك كون الحاج أشعث و أغبر. و (فيه): ان كون الحاج كذلك و ان كان أمرا مرغوبا فيه، و لكنه ليس واجبا فلا يدل على المطلوب.

(الثالث)- الآيتان

المتقدمتان و (فيه): أنه لا يمكن الاستدلال بهما على المدعى مطلقا، لاختصاصهما بحلق شعر الرأس كما لا يخفى.

(الرابع)- الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- و هي على طائفتين:

(الأولى)- ما دلت على ثبوت الكفارة إذا أزال شعره منها: صحيح زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو جاهلا فلا شي ء عليه، و من فعله متعمدا فعليه دم «1». و منها: صحيح حماد عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: ان نتف المحرم من شعر لحيته و غيرها شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- و لكن لا يتم الاستدلال بهذه الطائفة من الاخبار على المدعى إلا بناء على تسليم ثبوت الملازمة بين الكفارة و الحرمة.

(الثانية)- ما دلت على الحرمة فمنها: صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبى عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم كيف يحك رأسه؟. قال: بأظافيره ما لم يدم أو يقطع

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 9.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 210

..........

الشعر «1». و منها خبر عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و يحك الجسد ما لم يدمه «2». و منها: صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يحتجم؟ قال: لا إلا أن لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «3» و منها صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا بأس ان

يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر) «4» إلى غير ذلك من النصوص المروية عنهم- عليهم السّلام- الدالة على المدعى.

و قد تحصل: ان المدرك في الحكم بحرمة إزالة الشعر هو الطائفة الثانية من الاخبار الدالة على الحرمة. و لكن لا يتم الاستدلال بها على الحرمة مطلقا سواء كان من شعر الرأس أو غيره. لاختصاصها- كما ترى- بشعر خاص.

ثم أن تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على بيان أمور.

1- ان مقتضى بعض الطائفة الأولى من الاخبار كصحيح الحلبي- كما ترى- هو حرمة إزالة الشعر على المحرم مطلقا بناء على ثبوت الملازمة بين الكفارة و الحرمة من دون اختصاصه بشعر دون شعر. و أما القول بانصرافه إلى شعر الرأس، مما لا وجه له، لعدم الانصراف في البين أولا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، فلا عبرة به في تقييد ما دل على حرمة إزالة الشعر مطلقا لعدم كون كالقرنية الحافة بالكلام الذي هو الضابط في الانصراف الصالح لتقييد الإطلاق على ما عرفته غير مرة، و الاخبار الواردة في خصوص شعر الرأس و الآية الشريفة المتقدمة و هي (وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) لا تصلح لتقييد الإطلاق، لأنه لا يتم في ما نحن فيه ضابط باب الإطلاق و التقييد، و هو التنافي الموجب للحمل، لأنهما مثبتان.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 211

..........

هذا كله بناء على تسليم الملازمة و أما بناء

على عدم تسليم ذلك فيحكم ثبوت الكفارة في إزالة كل شعر سواء كان من شعر الرأس أو غيره، لإطلاق قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم: (ان نتف المحرم من شعر لحيته و غيرها شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده) و لكن لا يمكن الحكم بحرمة ازالة كل شعر. لاختصها بما دل عليه النص و المفروض أنه لم يرد دليل مطلق يشمل كل شعر، و أما ما في نسخ الرضوي على ما نقل عنه: (و لا يأخذ المحرم شيئا من شعره) و ان دل على حرمة إزالة الشعر مطلقا و لكنه- كما ترى- لا يتم الاستدلال به من وجوه:

و الحاصل: أنه لا يمكن الحكم بحرمة إزالة كل شعر، لعدم قيام دليل معتبر عليه، و إذا شك فالمرجع في الفرد المشكوك هو البراءة من الحرمة و الكراهة. نعم الاحتياط من جهة وجود القول بالحرمة في المسألة مطلب آخر.

2- أنه قد عرفت ان الدليل للحكم بالحرمة مطلقا في مفروض المقام منحصر بما مر من صحيح الحلبي، و لكنه- كما ترى- مختص بالنتف فعليه لا يمكن الحكم بحرمة إزالة الشعر إذا كان بغيره. نعم، ما مر عن بعض نسخ الرضوي و ان كان مطلقا و لكن قد عرفت انه لا عبرة به اللهم إلا أن يقال ان الظاهر من النتف و غيره المذكور في الاخبار هو مطلق الإزالة فاختصاصه بالذكر انما يكون من باب المثال لكنه مشكل، و ذلك لان حمله على المثال خلاف الظاهر و لا يصار اليه إلا بالدليل.

ان قلت: يمكن التعدي عن المورد و هو نتف الشعر إلى غيره و هو إزالته بأي نحو كان بوحدة المناط. قلت: قد ذكرنا غير مرة ان المعتبر

منه هو القطعي الذي لا يمكن تحصيله في الشرعيات و غاية ما يحصل هو الظن و لا دليل على اعتباره و نفس الشك في الحجية كاف في الحكم بعدم حجيته. نعم؛ إذا حصل العلم بالمناط

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 212

..........

و ان ذكره فيه كان من باب المثال فلا محيص حينئذ عن التعدي.

ثم أنه قد يستدل لذلك بالإجماع؛ و لكنه أيضا مشكل، لاحتمال كونه مدركيا بل يمكن القطع بذلك و لكنه مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط فتأمل 3- أنه بناء على حرمة إزالة الشعر مطلقا انما يكون ذلك مختصا بحال الاختيار؛ و أما في حال الاضطرار فلا بأس به؛ كما قد صرح به غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و في المدارك: (و أما جواز إزالته مع الضرورة فموضع وفاق بين العلماء) و في الجواهر أيضا بعد ما حكم بحرمة ازالة الشعر مطلقا قال: (نعم مع الضرورة من أذية قمل أو قروح أو صداع أو حر أو غير ذلك لا أثم، بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه. إلخ) و يدل عليه- مضافا إلى الأصل، و نفي الحرج- الآية الشريفة و هي:

(فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) و ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن (يعنى ابن أبى نجران) عن حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: مر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه «و هو محرم» فقال صلّى اللّه عليه و آله:

«أ تؤذيك هوامك؟.» فقال: نعم قال: فأنزلت هذه

الآية [فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ] فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بحلق رأسه و جعل الصيام ثلاثة أيام و الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدان و النسك شاة قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و كل شي ء في القرآن: أو فصاحبه بالخيار يختار ما شاء و كل شي ء في القرآن: فمن لم يجد، فعليه كذا، فالأول بالخيار «1» و رواه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 213

..........

الكليني رحمه اللّه تعالى عن على عن أبيه عن حريز عمن أخبره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام مثله إلا أنه قال: (فالأول الخيار) و خبر عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال اللّه تعالى في كتابه «فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ.» إلى أن قال فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى مما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فصيام ثلاثة أيام و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم و انما عليه واحد من ذلك «1» و ما رواه محمد بن على بن الحسين قال مر النبي صلّى اللّه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و هو محرم و قد أكل القمل رأسه و حاجبيه و عينيه؟.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما كنت أرى ان الأمر يبلغ ما أرى، فأمره فنسك نسكا لحلق رأسه، لقول عز و جل [فَمَنْ كٰانَ.] إلى أن قال: فالصيام ثلاثة أيام و الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين صاع من تمر

«2» إلى غير ذلك من النصوص المروية عنهم- عليهم السّلام- الدالة على المدعى.

4- انه هل يختص الكفارة في صورة ما إذا اضطر إلى حلق الشعر و إزالته بما إذا كان رفع الشعر لأجل أذيته بشي ء آخر أوجبه الشعر كالقملة و الحرارة أو يعم حتى ما إذا كان نفس الشعر مضرا كما إذا كان نابتا في العين أو طال شعر الحاجبين بحيث غطى العين أو طال شعر الشارب بحيث غطى الفم به، ذهب جماعة من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- إلى الأول، فمنهم صاحب المنتهى حيث قال: على ما حكى عنه صاحب المدارك- قدس سره- (لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق إجماعا للآية و الأحاديث السابقة ثم ينظر فان كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر؛ فلا فدية عليه، كما لو نبت في عينه أو نزل شعر حاجبيه بحيث يمنعه الإبصار؛ لأن الشعر أضر به فكان له إزالة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 214

..........

ضرره، كالصيد إذا صال عليه و ان كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكن من إزالة الأذى إلا بحلق الشعر كالقمل و القروح برأسه و الصداع من الحر بكثرة وجبت الفدية، لأنه قطع الشعر لازالة ضرر عينه، فصار كما لو أكل الصيد للخمصة لا يقال: القمل من ضرر الشعر و الحر سببه كثرة الشعر فكأن الضرر منه أيضا، لأنا نقول: ليس القمل من الشعر و انما لا يمكنه المقام إلا بالرأس ذي الشعر،

فهو محل لا سبب، و كذلك الحر من الزمان؛ لان الشعر يوجد في البرد و لا يتأذى به فقد ظهر ان الأذى في هذين النوعين ليسا من الشعر).

و منهم صاحب الدروس- قدس سره- حيث قال على ما حكاه صاحب الجواهر:

(لو نبت في عينيه شعر أو طال حاجبه فغطى عينيه فإزالة فلا فدية و لو تأذى بكثرة الشعر في الحر فإزالة فدى، و الفرق لحوق الضرر من الشعر في الأول و من الزمان في الثاني؛ و في إزالته لدفع القمل الفدية؛ لأنه محل المؤذي؟.

و في كشف اللثام أبعد ما ذكر جواز الإزالة للضرورة و قال على ما في الجواهر:

(لكن لا يسقط لشي ء من ذلك الفدية للنصوص إلا في الشعر النابت في العين و الحاجب الذي طال فغطى العين) ففي المنتهى و التحرير و التذكرة و الدروس:

(ان لا فدية لازالتهما لان الضرر بنفس الشعر فهو كالصيد الصائل).

هذا و لكن في المدارك بعد ان حكى ما سمعته من المنتهى قال: (و هو غير واضح و المتجه: لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض أو الأذى الحاصل في الرأس مطلقا، لإطلاق الآية الشريفة دون ما عدا ذلك، لان الضرورة مسوغة لإزالته و الفدية منتفية بالأصل.

و الأقوى في النظر هو الحكم بلزوم الفدية مطلقا سواء كان الضرر الحاصل له من نفس الشعر أو من غيره من القمل و الصداع الناشي من كثرة الشعر، بل لا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 215

..........

فرق بين الرأس و غيره من الأعضاء، لما سمعته في خبر عمر بن يزيد الشامل له و لغيره، ضرورة: صدق الأذى على الجميع الموجب لجواز إزالة الشعر الموجب للكفارة، و أما أخصية المورد في بعض الاخبار الدالة على جواز

الحلق مع الضرورة للاختصاص فيه بما إذا كان التضرر بالقمل أو الصداع، فلا يوجب تقييد المطلق، لعدم التعارض بينهما على ما حقق في محله.

5- انه لو قطع يده و عليها شعر فهل يصح أن يقال انه قطع الشعر كي يحكم بثبوت الكفارة فيه كما يقال في مسألة الدية ان قاطع الكف قاطع للأصابع أو لا؟

قال في المدارك: (فقد قطع العلامة و غيره بأنه لا يضمن الشعر، لانه تابع لليد فلا ينفرد بالضمان و اليد لا يضمن فديتها فكذلك التابع و لا بأس به) و في الجواهر:

(و لو قطع عضوا مثلا كان عليه شعر أو ظفر لم يتعلق بزوالهما شي ء كما في التذكرة و المنتهى لخروجه عن مفهوم إزالتهما عرفا فضلا عن القص و القلم و الحلق و النتف و ما ثبت في القصاص من صدق قطع الإصبع بقطع الكف أو بعضه فلدليله؛ فما في الدروس من التردد فيه لقوله: «لو قلع جلدة عليها شعر قليل لا يضمن، في غير محله).

6- انه لا ينبغي الإشكال في انه كما يحرم على المحرم أخذ شعر نفسه كذلك يحرم عليه أخذ شعر محل كما أفاده صاحب المدارك و الجواهر و غيرهما من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- لصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يأخذ المحرم من شعر الحلال «1». و ظاهر النهى هو الحرمة، كما هو واضح، و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في الخلاف من القول بجوازه للأصل لأنه لا مجال له لكونه مقطوعا بالدليل، فتدبر. هذا بالنسبة إلى الحكم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 63 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص:

216

..........

بالحرمة و أما الكفارة فيمكن ان يقال بعدم ثبوتها عليه، لان مقتضى الأصل عدمها بعد ظهور الأدلة المتقدمة في غير ذلك فلاحظ و تأمل و اللّه الهادي إلى الصواب.

7- انه هل يجوز للمحرم ان يزيل شعر محرم آخر أو لا؟. المعروف بين الأصحاب هو الثاني بل قال في الجواهر: (ان الظاهر عدم الخلاف، بل و لا إشكال في عدم جواز ازالة المحرم شعر محرم غيره، بل في المدارك الإجماع. إلخ).

و الأقوى في النظر هو الحرمة وفاقا للمشهور و يقتضيه- مضافا الاتفاق المزبور- إطلاق الأدلة، لأنه حسب المستفاد من إطلاقها هو عدم وقوع ذلك في الخارج من أى شخص كان فتدبر. و أما الانصراف إلى شعر نفسه فلا عبرة به لأنه بدوي فتدبر 8- ان الظاهر: كون المحرم هو ازالة الشعر الحاصلة من الحلق و النتف و نحوهما، فلا بأس بالحكم الذي لم يعلم بترتبها عليه و لم يكن قاصدا منه ذلك، و لعل قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار في جواب السؤال عن كيفية حك الرأس: (بأظافيره): ظاهر فيما ذكرنا و أما وجوب الفداء على الشعر الساقط.

بمس اللحية على القول به فإنما يكون من قبيل وجوبه على الناسي و الغافل عند القائل به، و كيف كان فيدل على ثبوت الفداء ما رواه صفوان عن أبى سعيد عن منصور عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة؟. قال: «يطعم كفا من من طعام أو كفين، «1» و صحيح معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة و الثنتان؟ قال: يطعم شيئا «2» و صحيح هشام بن سالم قال: قال أبو

عبد اللّه عليه السّلام إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 217

[و تغطية الرأس]

و تغطية الرأس (1)

و هو محرم فسقط شي ء من الشعر فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق «1» و رواه الصدوق بإسناده عن هشام مثله إلا أنه قال: (بكف من كعك أو سويق) و نحوها غيرها من الأخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام- الدالة على المدعى. و أما ما رواه أبو جعفر عن الحسن بن على بن فضال عن المفضل بن صالح عن ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يتناول لحيته و هو محرم يعبث بها فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطأ أو عمدا؟ فقال: لا يضره «2» فقد حمله الشيخ- قدس سره- على نفي العقاب و قال (لان من تصدق بكف من طعام لم يستضر بذلك) و يمكن الحمل على الإنكار و على تعمد العبث دون النتف مضافا إلى أنه كما ترى غير صريح في عدم وجوب الكفارة فترتفع اليد عنه لأجل الأخبار المتقدمة.

«إيقاظ» و هو انه إذا مس لحيته فسقط شعر و لم يدر أنه كان مقطوعا فسقط بالمس أو انقطع به فمقتضى البراءة انه لا شي ء عليه و كيف كان فيأتي ان شاء اللّه تعالى تمام البحث في أطراف هذه المسألة في مبحث الكفارات.

(1) و من المحرمات على المحرم تغطية الرجل رأسه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه. إلخ).

بل قال في التذكرة: (يحرم على الرجل حالة الإحرام تغطية رأسه اختيارا بإجماع العلماء). و يدل عليه مضافا إلى الاتفاق المزبور جملة من النصوص الكثيرة المروية عنهم- عليهم السّلام- منها: ما رواه صفوان عن عبد الرحمن قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطيهما؟. قال: لا «3». و منها: حسنة عبد اللّه بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 8

(3) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 218

..........

السّلام قال: (المحرمة لا تتنقب، لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه «1». و منها صحيح حماد بن عيسى عن حريز قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم غطى رأسه ناسيا؟. قال: (يلقى القناع عن رأسه و يلبى و لا شي ء عليه) «2» و منها: ما رواه الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: عن الرجل المحرم يريد أن ينام يغطى وجهه من الذباب؟ قال: نعم و لا يخمر رأسه، و المرأة لا بأس ان تغطى وجهها كله «3» و منها صحيح عبد اللّه بن سنان قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكى اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به و قال: أ ترى أن استتر بطرف ثوبي؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك «4» إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المدعى.

ثم ان تنقيح المسألة يتم ببيان جهات:

(الاولى)-

انه ليس المراد من الرأس ما يقابل البدن كما في الغسل بل المراد منه هو ما يقابل الوجه كما في الوضوء بدليل جعله في الحديث في قبال الوجه كما في قوله عليه السّلام في ما رواه جعفر عن أبيه عليه السّلام (إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه) «5» ثم أنه قد ذكر جمع من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- أيضا ان المراد بالرأس هنا منابت الشعر خاصة حقيقة أو حكما و ظاهرهم خروج الأذنين منه و به صرح في المسالك على ما حكاه صاحب المدارك، و لكن على كل حال سواء قلنا بذلك أو لا لا بد من الحكم بحرمة تغطيتهما؛ و ذلك لصحيح الحجاج قال: سألت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(5) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و في باب 48 الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 219

..........

أبا الحسن عليه السّلام عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطيهما؟ قال لا «1» فعليه لا يقدح حينئذ شهادة قوله عليه السّلام في الصحيح (إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه) أو العرف أو غير ذلك، لعدم معارضتهم مع النص الصريح. نعم، يجدى البحث عن ذلك بالنسبة إلى غير الأذنين مما هو خارج عن منبت الشعر و لم يرد دليل تعبدي على جواز تغطيته.

(الثانية)- ان مقتضى إطلاق الأخبار الواردة في المقام هو عدم الفرق في حرمة

التغطية بين جميع أفرادها من المعتاد منها، كالعمامة و القلنسوة، أو غيره كالثوب و الطين و الدواء و الحناء و حمل متاع يستره و طبق و نحوه، و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و في الجواهر: (كما قد صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا؛ بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا. إلخ) و لكن في المدارك بعد ما نقل عن العلامة ما يدل على الفرق في التحريم بين أن يغطى رأسه بالمعتاد أو بغيره قال: (و هو غير واضح؛ لان المنتهى في الروايات المعتبرة تخمير الرأس و وضع القناع عليه و الستر بالثوب لا مطلق الستر، مع ان النهى لو تعلق به لوجب حمله على ما هو المتعارف فيه و هو الستر بالمعتاد. إلخ) و تبعه على ذلك في الذخيرة على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره- و (فيه): مضافا إلى قوله عليه السّلام في حسنة عبد اللّه بن ميمون المتقدمة: (إحرام الرجل في رأسه) و غيره من الإطلاقات و استثناء عصابة القربة من حرمة ستر الرأس الذي سيتضح لك مدركه في الجهة السادسة: ان النهى- عن ارتماس المحرم في الماء و إدخال الرأس فيه في الاخبار الكثيرة التي سنذكرها عند تعرض المصنف لحكم ما في معنى التغطية بناء على أنه من التغطية أو بمعناها و لذا لا يختص ذلك بالماء- ظاهر في عدم اعتبار

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 220

..........

المتعارف من الساتر و كذا ما سيجي ء- ان شاء اللّه تعالى- من الأخبار الدالة على منع المحرمة من تغطية وجهها بالمروحة بناء على انها من غير المتعارف، إذ

من المعلوم تساويهما في ذلك غاية الأمر يكون الاختلاف بينهما في محل إحرامهما بالوجه و الرأس. و كيف كان فلذلك كله كان الحكم مطلقا في مفروض المقام مفروغا عنه عند الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و قد نفي الخلاف في كلام بعضهم، و ظاهر بعضهم: الإجماع عليه و الحاصل: ان الحكم في ما نحن فيه يدور مدار تحقق التغطية و لو حصلت بما ليس معتادا له.

هذا و لكن في التحرير و المنتهى جواز التلبيد له بأن يطلى رأسه بعسل أو صمغ ليجتمع الشعر و يتلبد فلا يتخلله الغبار و لا يصيبه الشعث و لا يقع فيه الدبيب و قال روى ابن عمر قال: (رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يهل ملبدا) و حكاه في التذكرة عن الحنابلة، و قد يشعر صحيح زرارة بمعروفية ذلك سابقا سأل الصادق عليه السّلام عن المحرم يحك رأسه أو يغتسل بالماء؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة، و لا بأس أن يغتسل بالماء و يصب على رأسه ما لم يكن ملبدا فان كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء إلا من احتلام «1». بل عن المقنع و الدروس الفتوى بمضمونه، و لكن قال في الجواهر (و ان كان هو غير صريح في جوازه مطلقا فضلا عنه اختيارا، و لعل منع الملبد عن الصب احترازا عن سقوط الشعر، و على كل حال فلا ريب في ان الأحوط ان لم يكن أقوى اجتنابه إذا كان بحيث يستر بعض الرأس. نعم، لا بأس بالتوسد بالوسادة أو العمامة المكورة كما صرح به في التذكرة حيث قال على ما حكاه صاحب المدارك: (و لو توسد بوسادة فلا بأس، و كذا لو

توسد بعمامة مكورة، لأن المتوسد يطلق عليه عرفا أنه مكشوف الرأس و أستحسنه صاحب المدارك- قدس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 أورد صدره في الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4 و ذيله في الباب 75 منها الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 221

..........

سره- و اختاره صاحب الجواهر أيضا.

ثم أنه إذا شك مورد في صدق في هذا العنوان، كما إذا وضع مقدار قليل من الحناء على رأسه أو طرح ثوب رقيق عليه بحيث يرى الرأس أو وضع طبق خبز عليه مثلا فحينئذ فالمرجع هو البراءة في.

(الثالثة)- لو ستر رأسه بيده أو ببعض أعضائه فالأقوى جوازه- كما اختاره العلامة في المنتهى و التذكرة و الشيخ في المبسوط على ما هو المحكي عنهما- و يدل على ذلك- مضافا إلى الأصل و عدم صدق الستر عرفا به و ان الستر بما هو متصل به لا يثبت له حكم ذلك، و لذا لو وضع يديه على فرجه لم يجزه في الصلاة و وجوب مسح الرأس في الوضوء المقتضى لستره باليد في الجملة- خبر عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر. إلخ «1» و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس و لا يستر بعض جسده ببعض «2» و ما رواه المعلى بن الخنيس عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال لا يستتر المحرم من حر الشمس بثوب و لا بأس ان يستر بعضه ببعض «3» و لكن في الدروس: (و ليس صريحا في الدلالة فالأولى المنع) و استشكله في التحرير

و لكن و فيه ان الظهور في ذلك كاف في الحكم بالجواز كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره.

(الرابعة)- أنه لو وضع على رأسه شيئا و لكن لا ملاصقا به بل رفعه عنه بآلة و لم يصبه فهل يجوز ذلك أو لا؟ قال في المسالك: (و المفهوم من الغطاء ما كان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 222

..........

ملاصقا؛ فلو رفعه عن الرأس بآلة بحيث يستر عنه الشمس و لم يصبه فالظاهر جوازه و لكن ما أفاده- قدس سره- إنما يتم ان أريد من الجواز من حيث التغطية، لأن مفروض المقام لا يصدق عليه عنوان أنه (غطى رأسه) و لم يتحقق ايضا بهذا العمل عنوان آخر محرم عليه، و إلا فلا يجوز ففي المفروض المقام و ان لم يصدق عليه عنوان التغطية و لذا لا يمكن الحكم من هذه الجهة. و لكن يحكم بها من جهة أخرى و هو تحقق عنوان التظليل الذي ستعرف الكلام فيه مفصلا عند تعرض المصنف- قدس سره- له.

(الخامسة) أنه هل يحرم ستر بعض الرأس أيضا أو لا؟. قال في المنتهى:

(يحرم تغطية بعض الرأس كما يحرم تغطيته لأن النهي عن إدخال الشي ء في الوجود يستلزم النهى عن إدخال أبعاضه) و قال في المدارك بعد نقل كلام المنتهى: (و هو جيد لو ثبت ما ذكره، لكنه غير ثابت و الأجود الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي

و شكى اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به و قال: أ ترى أن استتر بطرف ثوبي؟. قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك «1» فإن إطلاق النهي عن إصابة الثوب الرأس يقتضي ذلك كما هو واضح فتأمل.

(السادسة)- أنه قد استثنى من حرمة تغطية الرأس شيئان:

(الأول)- عصامة القربة على رأسه فإنه جائز و ان تحقق بها ستر بعض الرأس اختيارا و اضطرارا، و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم-، بل الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل الخلاف من أحد منهم، و قد نفي الخلاف عنه في الجواهر؛ و يدل عليه مضافا إلى الاتفاق المزبور صحيح محمد بن مسلم أنه سأل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 223

..........

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يضع عصامة القربة على رأسه إذا استسقى؟ قال:

نعم. «1» و هو كما ترى مطلق لا يمكن تقييده بالضرورة.

(الثاني)- عصامة الصداع و هو أيضا مما لا ينبغي الكلام و الخلاف فيه و أنه هو المتسالم عليه بينهم، و يدل عليه صحيح معاوية بن وهب عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

لا بأس أن يعصب المحرم رأسه من الصداع «2» و في كشف اللثام بعد ما ذكر صحيح معاوية بن عمار و محمد بن مسلم قال: (و عمل بهما الأصحاب ففي المقنع تجويز عصابة القربة و في التهذيب و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و التحرير و التذكرة و المنتهى تجويز التعصب لحاجة و أطلق ابن حمزة التعصب.) و لا يخفى: أنه ليس في البين دليل على التعميم كي يحكم بجواز ذلك لمطلق

الحاجة، بل ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح ابن سنان المتقدم: (لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك) خلافه. اللهم إلا أن يدعى ذلك في خصوص التعصب و لكن إذا لم يصل فيه إلى حد الضرورة لا يمكننا المساعدة عليه أيضا فتدبر و اللّه الهادي إلى الصواب.

(إيقاظ)- أنه استدل العلامة- رحمه اللّه تعالى- في المنتهى على ما في المدارك على جواز العصابة الرأس من الصداع (بأنه غير ساتر لجميع العضو فكان سائغا كستر النعل) و هذا كلامه منه مناف لما ذكره ما تقدم هنا في الجهة الخامسة عند البحث عن حرمة تغطية بعض الرأس: (من أن ستر البعض كستر الكل كما هو واضح فتدبر.

(السابعة)- أن مقتضى ظاهر بعض النصوص السابقة هو حرمة تغطية الرجل المحرم رأسه حتى في حال النوم، و هو الحق. و أما خبر زرارة عن أحدهما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 57 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 56 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 224

و في معناه الارتماس (1)

عليهما السّلام في المحرم؟ قال: له أن يغطى رأسه و وجهه إذا أراد أن ينام «1» فلا يصلح لمعارضته مع ما دل على الحرمة و ذلك أما (أولا): فلضعف سنده. و أما (ثانيا):

على فرض تسليم تماميته من حيث السند إعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عنه الموجب لخروجه عن حيز دليل الحجية و الاعتبار، فلا عبرة به، و يمكن أن يحمل على صورة الضرورة. و يمكن ان يشهد لذلك بما دل على جواز ذلك عند الضرورة كصحيح معاوية بن وهب و محمد بن مسلم المتقدمين فتأمل.

(الثامنة)- ان ما ذكرنا من حرمة التغطية انما يختص

بحال الاختيار و أما في حال الاضطرار فلا إشكال و لا خلاف في تغطية رأسه، لعموم ما دل على كون الضرورة مبيحة للمحظورات، و قد ورد في ما نحن ما يدل على الجواز في خصوص بعض أفراد الضرورة، كما في صحيح معاوية بن وهب المتقدم ذكره في الجهة السادسة قال عليه السّلام: (لا بأس أن يعصب المحرم رأسه من الصداع) و في صحيح محمد بن مسلم المتقدم ذكره أيضا هناك: (المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى؟ قال: نعم)

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- ان في معنى التغطية الارتماس في الماء هو الصواب، و لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع عليه بقسميه. إلخ) و يدل عليه مضافا إلى الاتفاق المزبور صحيح عبد الرحمن (يعنى ابن أبى نجران) عن عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: لا تمس الريحان و أنت محرم. إلى أن قال: و لا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 56 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 225

..........

و صحيح حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (و لا يرتمس المحرم في الماء «1» و صحيح يعقوب بن شعيب عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم «2» و ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري في (قرب الاسناد) عن محمد بن خالد عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت

أبا عبد اللّه عليه السّلام هل يدخل (الرجل) الصائم رأسه في الماء؟ قال: لا و لا المحرم، و قال: و مررت ببركة بنى فلان و فيها قوم محرمون يترامسون وقفت عليهم فقلت لهم: انكم تصنعون ما لا يحل لكم «3» و نحوها غيرها من الاخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- الدالة على المدعى.

ثم ان تنقيح المسألة يتوقف على بيان أمور:

(الأول)- انه حسب المستفاد من صحيح عبد اللّه بن سنان ان المراد من الارتماس هنا هو إدخال الرأس في الماء.

(الثاني) أنه لا فرق في الحكم بالحرمة بين إدخال الرأس في الماء و بين إدخاله في غيره من المائعات بعد ان كان الموضوع للحرمة هو التغطية.

(الثالث)- ان مقتضى اخبار الباب هو عدم جواز رمس بعض رأسه أيضا في الماء كما لا يجوز له رمس كله فيه.

(الرابع)- أنه هل يجوز غسل الرأس بإضافة الماء عليه أو لا؟. و الظاهر انه لا خلاف و لا إشكال في جواز ذلك عليه، بل قال في التذكرة: (و يجوز للمحرم أن يغسل رأسه و يفيض عليه الماء إجماعا؛ لأنه لا يطلق عليه اسم التغطية، و ليس هو في معناها كالارتماس) على ما هو المحكي عنه و يدل عليه- مضافا إلى ما ذكر- جملة من الروايات الواردة عنهم- عليهم السّلام- منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 226

..........

1- صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب على رأسه الماء و يميز الشعر بأنامله بعضه من

بعض «1».

2- صحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يغتسل؟. فقال: نعم يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه «2».

3- صحيح زرارة قال: سألته عن المحرم هل يحك رأسه أو يغتسل بالماء فقال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة و لا بأس بأن يغتسل بالماء و يصب على رأسه ما لم يكن ملبدا فلا تفيض على رأسه الماء إلا من احتلام «3».

(الخامس)- ان مقتضى إطلاق الاخبار المتقدمة هو عدم الفرق بين الغسل الواجب و المندوب بل يجوز له الغسل «بفتح الغين» أيضا كذلك، لما عرفت في الأمر الأول من ان المراد من الارتماس هنا هو إدخال الرأس في الماء فتأمل.

« (جواز تغطية الوجه للرجل)» المحرم و عدمه اختلف الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في جواز تغطية الوجه للرجل المحرم و عدمه على قولين:

(الأول)- الجواز و هو منسوب إلى الأكثر بل قال في الجواهر: (و أما الوجه فالمشهور جوازه بل في الخلاف و التذكرة و المنتهى الإجماع عليه للأصل و النصوص السابقة و تخمير وجه المحرم إذا مات دون رأسه و لقطع التفصيل الشركة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 75 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 75 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 75 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 227

..........

في قوله عليه السّلام (إحرام الرجل في رأسه و إحرام المرأة في وجهها. إلخ) (الثاني)- عدم الجواز و هو خيرة ابن أبى العقيل. و استدل للقول الأول- مضافا إلى ما عرفته في كلام صاحب الجواهر- بجملة من النصوص الكثيرة الواردة عنهم- عليهم السّلام- منها ما رواه

محمد بن سنان عن عبد الملك القمي قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يتوضأ ثم يخلل وجهه بالمنديل يخمره كله؟ قال:

لا بأس «1» و منها: صحيح منصور بن حازم قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و قد توضأ و هو محرم ثم أخذ منديلا فمسح به وجهه. «2»: و منها صحيح حفص البختري عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام قال: المحرم يغطى وجهه عند النوم و الغبار إلى طرار شعره [1] «3» و منها ما رواه على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن المحرم هل يصلح له أن يطرح الثوب على وجهه من الذئاب و ينام؟ قال: لا بأس «4» و نحوها غيرها من الاخبار.

نعم في صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: يكره للمحرم أن يجوز بثوبه فوق أنفه و لا بأس ان يمد المحرم ثوبه حتى يبلغ انفه «5» و في صحيح حفص البختري و هشام بن الحكم جميعا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: انما يكره للمحرم ان يجوز ثوبه انفه من أسفل و قال عليه السّلام (أضح لمن أحرمت له) «6» و مما ذكرنا ظهر لك ضعف ما ذهب اليه ابن أبى العقيل من القول بالحرمة.

______________________________

[1] قال في الحدائق: «طرارة شعره اى منتهى شعره و هو القصاص الذي هو منتهى حد الوجه من الأعلى و في اللغة: «ان طرة الوادي و النهر شفيره و طرة كل شي ء طرفه»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 61 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى،

كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 3، ص: 227

(3) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

(4) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(5) الوسائل ج 2 الباب 61 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(6) الوسائل ج 2 الباب 61 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 228

و لو غطى رأسه ناسيا القى الغطاء واجبا (1) و جدد التلبية استحبابا (2)

ان قلت: أنه يدل على الحرمة صحيح الحلبي الآتي بناء على تسليم ثبوت الملازمة بين الكفارة و الحرمة قلت: أو لا لا ملازمة بين ثبوت الحكم الوضعي و الحكم التكليفي. و ثانيا: أنه لا عبرة به، لانه غير ناهض لمعارضة ما عرفته من الأخبار المعتضدة بالشهرة.

ثم إنه ينبغي هنا التنبيه على فرع: و هو أنه هل يترتب على تغطية الوجه كفارة أو لا؟. ذهب إلى ترتبها على ذلك ابن أبى العقيل و الشيخ- قدس سره- في التهذيب حيث قال: على ما حكى عنه ما لفظه: (فأما تغطية الوجه فيجوز مع الاختيار غير انه يلزمه الكفارة و متى لم ينو الكفارة لم يجز له ذلك). و يمكن ان يستدل لذلك بصحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا في يده «1». و لكن لا يخفى: ان ظاهره و ان كان الوجوب؛ إلا أن تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن ظهوره في الوجوب فيتعين حمله على الاستحباب، قال في الجواهر بعد ما ذكره:

(حمله غير واحد على الندب و لا بأس به

بعد خلو تلك النصوص الواردة في مقام البيان عنه و بعد الأصل و ظاهر الفتاوى).

(1) الظاهر أنه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل الخلاف من أحد منهم فلا ينبغي الارتياب فيه؛ و يدل عليه صحيح حريز قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم غطى رأسه ناسيا؟ قال: يلقى القناع عن رأسه و يلبى و لا شي ء عليه «2» و غيره من الروايات المتقدمة في صدر المبحث، و ظاهرها كما ترى هو الوجوب؛ و مقتضى إطلاقها ان تغطية رأسه محرمة عليه ابتداء و استدامة.

(2) ما أفاده المصنف- قدس سره- من أنه يجدد تلبيته بعد ان غطى رأسه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 229

و يجوز ذلك للمرأة (1) لكن عليها ان تسفر عن وجهها (2)

ناسيا مما لا ينبغي الإشكال فيه، و استدل له بصحيح حريز المتقدم و بصحيح الحلبي انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن المحرم يغطى رأسه ناسيا أو نائما؟ فقال: يلبي إذا ذكر «1» مقتضى الحديثين هو وجوب التلبية إلا أن تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قرينة على رفع اليد عن ظهوره في الوجوب، و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه، فلا محيص عن الالتزام به فتدبر.

(تذييل): أنه يجوز ان يضع المحرم وجهه على راحلته، و يدل عليه صحيح ابن عمير عن حماد عن الحلبي «في حديث» قال: لا بأس أن ينام المحرم على وجهه على راحلته «2» و ما رواه محمد بن الحسين بإسناده عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سالته عن

المحرم ينام على وجهه و هو على راحلته زاملته «زاملة خ ل» قال: لا بأس «3».

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز تغطية الرأس للمرأة مما لا اشكال و لا خلاف فيه، بل في الجواهر (الإجماع بقسميه عليه) و يدل عليه مضافا- إلى الأصل- قوله عليه السّلام في حسنة عبد اللّه بن ميمون المحرمة لا تنقب لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في وجهه «4»

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و في المدارك (أجمع الأصحاب على ان إحرام المرأة في وجهها فلا يجوز له تغطيته. إلخ) و قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى: انه قوله علماء الأمصار، و هو الحجة بعد ما سمعت: (من أن إحرامها في وجهها. إلخ) و يدل عليه صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال مر أبو جعفر عليه السّلام بامرأة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 3 الباب 60 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 3 الباب 60 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 230

..........

متنقبة و هي محرمة؟ فقال: أحرمي و أسفري؛ و ارخى ثوبك من فوق رأسك فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك فقال: له رجل: إلى أين ترخيه؟ فقال يغطى عينها، قال قلت:

يبلغ فمها؟. قال: نعم «1» و خبر أحمد بن محمد (ابن أبى نصر خ) عن ابى الحسن عليه السّلام قال:

مر أبو جعفر بامرأة استترت بمروحة؛ فأماط المروحة بنفسه عن وجهها «2».

و رواه الصدوق-

رحمه اللّه تعالى- مرسلا إلا أنه قال «فأماط المروحة بقضيبه» و رواه الحميري في «قرب الاسناد» عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبى نصر مثله و خبر ابن عيينة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام ما يحل للمرأة أن تلبس من الثياب و هي محرمة؟ قال الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير. إلخ «3» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم- عليهم السّلام.

ثم ان تنقيح هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى أمور:

1- انه ذكر جمع من الأصحاب أنه لا فرق في تحريم تغطية وجهها بين ان تغطية بثوب أو غيره نحو ما سمعته في رأس الرجل المحرم، ضرورة: اتحاد الوجه معه بالنسبة إلى ذلك، كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره. و لكن في المدارك بعد ما نقل عن الأصحاب ذلك قال: «و هو مشكل» نحو ما سمعته هناك و لكن قد عرفت ما فيه من الاشكال و قد ذكرنا كلامه بطوله في الجهة الاولى في صدر هذا المبحث و من أراد الوقوف عليه فليراجعها.

2- انه لا بأس ان تضع يديها على وجهها بعين ما سمعته في الرجل بالنسبة إلى رأسه و يدل عليه قوله «عليه السّلام» في صحيح معاوية بن عمار المتقدم هناك: «لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس، و قال لا بأس ان يستر بعض

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 231

..........

جسده ببعض» و أما خبر سماعة عن

أبى عبد اللّه عليه السّلام انه سأل عن المحرمة؟ فقال ان مر بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس «1» فهو كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- محمول على ضرب من الكراهة و أما نومها عليه، فلا ينبغي الإشكال فيه، و يدل عليه ما في ذيل صحيح زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: قلت: المحرم تؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطى وجهه؟ قال: نعم و لا يخمر رأسه و المرأة المحرمة لا بأس بأن يغطى وجهها كله عند النوم «2» و مما ذكرنا ظهر ضعف ما في كلام بعض الأصحاب و هو: (و في جواز نومها على ظاهر وجهها نظر من عدم تسميته سترا عرفا كالرأس، و من استثناء الرأس لضرورة النوم الطبيعي بخلاف الرأس).

3- أجمع الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على انه لا فرق في حرمة تغطية وجهها عليها بين الكل و البعض لما سمعته في الرجل بالنسبة إلى رأسه، و لما رواه جعفر عن أبيه عليه السّلام قال: المحرمة لا تتنقب، لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه «3» بل لا بد ان يحكم بوجوب كشف بعض رأسها عليها مقدمة لكشف تمام الوجه كما يجب على الرجل المحرم كشف بعض الوجه مقدمة لكشف تمام الرأس نعم، قد اجتمع في المرأة عند الصلاة فعلان واجبان متنافيان في الحدود، و هما الوجه؛ فإنه يجب عليها كشفه، كما يجب ستره، فمقدمة الواجب متعارضة فيهما فحينئذ هل يتعين تقديم جانب الرأس أو جانب الوجه؟؟. ففي المدارك. ما لفظه:

«و يستثني من الوجه ما يتوقف عليه ستر الرأس، فيجب في الصلاة تمسكا بمقتضى العمومات المتضمنة لوجوب ستره السالمة عما يصلح للتخصيص.

إلخ» قال في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 10 و أورده بتمامه في الباب 33 من أبواب الإحرام الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 232

..........

الجواهر: «و في المنتهى و التذكرة و الدروس «قدمت ستر الرأس، و لكن لا لما في المدارك من التمسك بالعمومات المتضمنة لوجوب ستره السالمة عما يصلح للتخصيص ضرورة إمكان معارضته بمثله، بل لترجيحه بما قيل من ان الستر أحوط من الكشف لكونها عورة، و لان المقصود إظهار شعار الإحرام بكشف الوجه بما تسمى به مكشوفة الوجه و هو حاصل مع ستر جزء يسير منه؛ و ان أمكن المناقشة فيه أيضا بتعارض الاحتياط بالنسبة إلى الصلاة و الإحرام، و كونها عورة في النظر لا مدخلية له في ذلك، و كما يصدق أنها مكشوفة الوجه مع ستر الجزء اليسير منه يصدق أنها مستورة الرأس مع كشف الجزء اليسير منه فالمتجه حينئذ: التخيير ان لم ترجح الصلاة بكونها اهما و أسبق حقا و نحو ذلك. نعم؛ قد يقال: إذا جاز السدل و خصوصا إلى الفم أو الذقن أو النحر فلا تعارض إلا مع وجوب المجافاة فإنه يتعسر الجمع حينئذ في السجود، لكن يمكن فرض المسألة في حال تعذر السدل فالإشكال حينئذ بحاله، و الأقوى في مفروض المقام صرف النظر عما دل على الإسدال كما أفاده صاحب الجواهر، و لا يمكن ترجيح جانب الصلاة بكونها أسبق لأنه قد تحرم قبل دخول وقت الصلاة.

ان قلت: ان المراد منه اسبقيتها من حيث الجعل، قلت: أنه لا أسبقية في

البين من ناحية الجعل، لعدم تعدد زمان الجعل فيها، بل جعلت جميعها في زمان واحد غاية الأمر: إنما الاختلاف بينها من حيث زمان الإظهار، و بالجملة:

لا يصح الترجيح بهذه الأمور لان المرجح لا بد أن يكون حجة. فعليه يتحقق التزاحم، فان ثبت أهمية أحد الطرفين فهو، و إلا فالمرجع التخيير؛ و لكن سيتضح لك انه لا تزاحم في البين لجواز تغطية بعض وجهها عند الصلاة مقدمة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 233

و لو أسدلت قناعها على رأسها إلى طرف أنفها جاز (1)

و ذلك بناء على القول بعدم لزوم تسفير تمام وجهها و يأتي ذلك في الفرع الآتي- ان شاء اللّه تعالى.

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده كما عن المنتهى الاعتراف به بل في المدارك نسبته إلى إجماع الأصحاب و غيرهم نحو ما عن التذكرة من أنه جائز عند علمائنا اجمع و هو قول عامة أهل العلم، بل قد يجب بناء على وجوب ستر الوجه عليها من الأجانب و انحصر فيه، بل في كشف اللثام بعد أن أوجبه للستر قال: (أما جواز الإسدال، بل وجوبه بين فمع الإجماع، لأنها عورة يلزمها التستر من الرجال الأجانب. إلخ).

و يدل عليه مضافا إلى الاتفاق المزبور جملة- من النصوص الواردة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- ما رواه محمد بن عبد الجبار «عن صفوان» عن الحلبي عن عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام «في حديث»: كره [1] النقاب يعني للمرأة المحرمة و قال: تسدل الثوب على وجهها قلت: حد ذلك إلى أين؟. قال: إلى طرف الأنف قدر ما تبصر «1».

2- صحيح معاوية بن عمار عن أبى

عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة «2».

3- صحيح حريز قال قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام المحرم تسدل الثوب على وجهها

______________________________

[1] لا يخفى ان المراد من الكراهة في هذا الحديث هو الحرمة بقرينة ما دل من الروايات على حرمة النقاب على المرأة و لو لا هذه القرنية كانت ظاهر في مجرد الحزازة فلا دلالة لها على خصوص الكراهة المصطلحة حتى ينافيها ما دل على حرمة النقاب على المحرمة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 234

..........

إلى الذقن «1» 4- صحيح زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام ان المحرمة تسدل ثوبها إلى نحرها «2» إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على ذلك.

ثم ان تنقيح البحث يتوقف على الإشارة إلى أمر:

قال في الجواهر: «ان المستفاد من بعضها «أى النصوص» جوازه إلى النحر هو الموافق للستر بل مقتضى إطلاقها كالمتن و غيره جوازه اختيارا بدون غرض الستر و نحوه، بل مقتضاهما جوازه مماسا للوجه خصوصا مع ملاحظة غلبة ذلك مع عدم إشارة في شي ء منها إلى التحرز منه، مع انها في مقام البيان، و لعله لذا كان خيرة الفاضل في المنتهى ذلك، و تبعه غير واحد ممن تأخر عنه، خلافا للمحكي عن المبسوط و الجامع من عدم الجواز؛ فلا بد ان تمنعه بيدها أو بخشبة من أن يباشر وجهها، و اختاره في القواعد، بل في الدروس: انه المشهور، بل عن الشيخ وجوب الدم مع تعمد المباشرة، و ظاهره ذلك حتى إذا زال أو إزالته

بسرعة خلافا لبعض العامة فلا شي ء، بل في الدروس و عن غيرها حكايته عن الشيخ أيضا، و ان كنا لم نتحققه كما أنا [أنه خ ل] لم نتحقق الشهرة المزبورة، و على كل حال فلم نجد له دليلا على شي ء من ذلك سوى دعوى الجمع بين صحاح السدال و النصوص المانعة من التغطية بحمل الاولى على غير المصيبة للبشرة بخلاف الثانية، بل لعل المرتفعة ليست من التغطية. و (فيه): مع ان الدليل خال عن ذكر التغطية و انما فيه الإحرام بالوجه و الأمر بالإسفار عن الوجه: ان السدل بمعنييه تغطية عرفا و انها غير سافرة الوجه معه إلا ما خرج عنها إلى حد حد التظليل و نحوه، على ان الجمع بإخراج السدل بقسميه عن ذلك كما كاد يكون صريح النصوص المزبورة و الفتوى أولى من وجوه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 235

..........

و لا يقتضي اختصاص الحرمة حينئذ بالنقاب، كما في المدارك و الذخيرة و غيرهما، بل في الأول لا يستفاد من الاخبار أزيد من ذلك ضرورة: تعدد أفراد التغطية بغير السدل، كالشد و نحوه خصوصا مع ملاحظة اللطوح و نحوه، و من هنا تردد المصنف فيما يأتي في كراهة النقاب، بل افتى به الفاضل في القواعد مع الجزم بحرمة التغطية بل في الدروس عدا النقاب محرما مستقلا عن حرمة التغطية و ان كان قد علله بها فالتحقيق: استثناء السدل من ذلك بقسميه و ان كان الاحتياط لا ينبغي تركه. نعم قد سمعت ما في صحيح زرارة من جواز تغطية المحرمة وجهها كله

في النوم، بخلاف الرجل؛ فإنه يغطى وجهه و لا يخمر رأسه، و لم أقف على راد له كما لم أقف على من استثناه من حكم التغطية، و يمكن إرادة التغطية بما يرجع إلى السدل و ما يقرب منه فتدبر).

ثم انه يمكن الجمع بين ما دل على حرمة تغطية الوجه للمرأة و ما دل على جواز الإسدال لها. بحمل الأول على صورة عدم وجود الناظر الأجنبي و بحمل الثاني على وجوده، و يشهد له حديث عائشة و هو كان الركبان يمرون بنا و نحن محرمات مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا جاؤنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزنا كشفنا و (فيه): انه ضعيف سندا فلا عبرة، فلا يمكن ان يصار إلى هذا الجمع، لانه بلا شاهد.

و يمكن الجمع بينهما بوجه آخر و هو تخصيص ما دل على جواز الإسدال لها بما دل على حرمة تغطية وجهها عليها، فيقال: إن الإسدال يجوز لها إلا إذا استلزم التغطية أو يقال ان للتغطية مراتب و تكون المحرم منها ما إذا كان الثوب متصلا بوجهها فيكون المراد منه جواز الإسدال لها بنحو لا يوجب التغطية بان يبعد الثوب عن وجهها بيدها أو بشي ء آخر بمقدار خرج عن حد التغطية و يدخل في التظليل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 236

..........

و (فيه):- مضافا إلى أنه لا ضابط للخروج عن حد التغطية و الدخول في التظليل و على فرض ثبوته أنه ليس في الاخبار المنع عن عنوان تغطية الوجه كما أفاده صاحب الجواهر لأنه ورد فيها الأمر بالتفسير و السدل و ان كان على نحو التظليل مناف له- انه لا شاهد عليه فلا يصار اليه.

و لكن

يمكن ان يقال: انه لا معارضة بين الأخبار حتى تحتاج إلى الجمع بتقريب: ان قوله عليه السّلام في الصحيح: (إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه) انما يدل على محل الإحرام، كما هو واضح و لا يبين كيفية الإحرام من أنها إحرام الرجل بكشف تمام رأسه و إحرام المرأة بكشف تمام وجهها؛ فلا بد من استفادة ذلك من الرجوع إلى دليل آخر، فنقول: انه يمكن أن يقال: ان المستفاد مما ورد في صحيح حفص البختري من قوله عليه السّلام: (المحرم يغطى وجهه عند النوم و الغبار إلى طرار شعره) «1»: ان كيفية إحرامه كشف تمام رأسه، و أما كيفية إحرام المرأة فنقول: ان المستفاد من صحيح حماد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: مر أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: أحرمي و أسفري و أرخى ثوبك من فوق رأسك؛ فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك، فقال له رجل: إلى أين ترخيه؟؟

قال: تغطى عينها، قال: قلت: تبلغ فمها؟ قال: نعم «2» هو حرمة تغطية تمام وجهها، و أما بعضه فلا؛ و ذلك حيث أنه عليه السّلام- كما ترى- جمع في هذا الحديث بين التسفير و إرخاء الثوب الذي لا يمكن الجمع بينهما ظاهرا؛ و لذلك يمكن أن يقال في وجه الجمع بينهما في كلام واحد هو أن مراده عليه السّلام من قوله (و أسفري) هو لزوم تسفير بعض وجهها لإتمامه و مراده من قوله: (و ارخى ثوبك) هو جواز السدل بحيث يستر بعض وجهها لإتمامه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 3، ص: 237

..........

و الحاصل: ان المستفاد منه ان كيفية إحرام المرأة الذي في وجهها عبارة عن كشف بعض الوجه لإتمامه ثم لا يخفى: ان ظاهر قوله عليه السّلام (و ارخى ثوبك) هو الوجوب كما يكون كذلك جملة: (أحرمي و أسفري).

و أما ما دل على جواز الإسدال إلى الذقن، كقوله عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم:

(المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن). و ما دل على جواز الإسدال إلى النحر كقوله عليه السّلام في صحيح زرارة: (ان المحرمة تسدل ثوبها إلى نحرها) فيمكن أن يقال: أن المراد منه انها تجعل الثوب الذي وضعت على رأسها بحيثية يستر جانبا وجهها أو أحد جانبيه به مع بقاء مقدار من وسط الوجه مكشوفا أو مع الجانب الآخر كذلك، و لكن يمكن أن يقال: ان الإسدال جائز مطلقا بجميع أنحائه و أما وجه الجمع بين الاسفار و الإرخاء في خبر المتقدم فيمكن أن يقال: ان المراد من قوله (و أسفري) هو إسفارها عما كانت لابسة من النقاب أو ان المراد منه هو اسفار بعض وجهها و لكن الأمر بإسفار بعض الوجه بناء عليه ليس على وجه الوجوب بقرينة ما دل على جواز الإسدال إلى الذقن و إلى النحر.

و كيف كان فالمتجه أن يقال: في مقام التفصيل ان ما تغطى به المرأة وجهها على نحوين: لأنه (تارة): يمنع عن تغير وجهها، و لا ينبغي الإشكال في حرمته، للتعليل الموجود في ذيل صحيح حماد المتقدم، و هو: (فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك) و (اخرى) لا يمنع عن ذلك لرقة الثوب أو لا يحصل به إلا ستر بعض وجهها، و هذا أيضا على نحوين: فإنه (تارة): عبارة عن الإسدال و (اخرى):

لا فان كان عبارة عنه فلا ينبغي الإشكال في جوازه، للأدلة المتقدمة و لكن إذا لم يتجاوز النحر مطلقا، أو مع التفصيل بين صورة الركوب و غيرها فحده على الأول إلى النحر، و على الثاني إلى الذقن، و الا أى و ان لم يكن عبارة عن السدل فهو أيضا على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 238

..........

نحوين فإنه (تارة): يحصل به تغطية تمام الوجه و (اخرى): لا فعلى الأول: يجوز لها في حال النوم لما تقدم مما دل على جواز تغطية الوجه للمرأة المحرمة في حال النوم و هو قوله عليه السّلام في ذيل صحيح زرارة: (و المرأة المحرمة لا بأس بأن يغطى وجهها كله عند النوم) و أما في غير حال النوم فمقتضى مفهوم هذا الحديث عدم جوازه و على الثاني: فلا بأس به لعدم الدليل على حرمته فلاحظ و تأمل و اللّه العالم و هو الهادي إلى الصواب.

(فائدة) بناء على تمامية ما عرفت من عدم لزوم تسفير تمام الوجه على المرأة إنها إذا أرادت الصلاة لا ينبغي الإشكال في لزوم تغطية رأسها مع مقدار من وجهها مقدمة كي حصل لها العلم بتحقق ستر تمام رأسها و لا يلزم منه محذور و لكنه بعد لا يخلو من تأمل.

« (تذييل)» قال في الدروس: (و الخنثى تغطى ما شائت من الرأس أو الوجه و لا كفارة و لو جمعت بينهما كفرت) و تبعه في المسالك، و ناقش فيه صاحب الجواهر- قدس سره- حيث قال بعد نقله كلام الدروس: (و فيه: ان المتجه وجوب كشفهما مقدمة لحصول اليقين بالامتثال و ان كان لا كفارة إلا مع الجمع).

لكن يمكن أن يقال بثبوت الكفارة حتى لو لم يجمع بينهما،

لتنجز العلم الإجمالي في كل من الطرفين.

و لكن التحقيق: عدم ثبوتها إلا في صورة الجمع- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و غيره، و ذلك لأن تنجز العلم الإجمالي في كل من الطرفين إنما يكون فيما لو كان الحكم فيه منجزا، و كون المقام كذلك غير معلوم، و لذلك يجرى البراءة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 239

[و تظليل المحرم سائرا]

و تظليل المحرم سائرا (1)

في حقه إذا لم يجمع بينهما.

(1) من المحرمات على المحرم كما أفاده المصنف- قدس سره- هو تظليل الرجل المحرم عليه سائرا، فلا يجوز له أن يجلس فيما يوجب ذلك- كالمحمل و الهودج و الكنيسة و العمارية و المظلة و أشباه ذلك على المشهور نقلا في الدروس و غيرها، بل عن الانتصار و الخلاف و المنتهى و التذكرة: الإجماع عليه. قال في الجواهر: (بل لعله كذلك، إذ لم يحك الخلاف إلا عن الإسكافي، مع ان عبارته ليست بتلك الصراحة قال: (يستحب للمحرم أن لا يظلل على نفسه، لأن السنة بذلك جرت، فان لحقه عنت أو خاف من ذلك، فقد روى عن أهل البيت- عليهم السّلام- جوازه و روى أيضا: أنه يفدي عن كل يوم بمد، و روى في ذلك: أجمع دم، و روى: لإحرام المتعة دم و لإحرام الحج دم آخر، و يمكن أن يريد بالمستحب ما لا ينافي الواجب. إلخ).

فاعلم أن ذكر جميع الأخبار الواردة في هذه المسألة و ان كان موجبا للإطالة إلا أن تحقيق الكلام فيها يتوقف على ذكر جميعها، لاختلافها منطوقا و مفهوما و هي على طوائف:

(الأولى): ما دلت على جواز التظليل عليه- منها:

1- ما رواه ابن سنان عن ابن مسكان عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

عن المحرم يركب في القبة؟ قال: ما يعجبني إلا أن يكون مريضا، قلت: فالنساء؟ قال: نعم «1» 2- ما رواه محمد بن أبى عمير عن جميل بن دراج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال لا بأس بالظلال للنساء و قد رخص فيه للرجال «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و نقل عين صحيح الحلبي في هذا الباب بدون الذيل الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 240

..........

3- صحيح على بن جعفر عليه السّلام قال: سألت أخي عليه السّلام أظلل و أنا محرم؟

فقال: نعم و عليك الكفارة، قال: فرأيت عليا عليه السّلام إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل «1».

(الطائفة الثانية) ما دلت على حرمة التظليل عليه- منها:

1- ما رواه عبد اللّه بن المغيرة، قال قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام: أظلل و أنا محرم؟

قال: لا قلت: فأظلل و أكفر قال: لا قلت فان مرضت، قال ظلل و كفر ثم قال: أما علمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها «2» و بإسناده عن سعد بن عبد اللّه عن العباس مثله إلى قوله: (ظلل و كفر) 2- موثوق إسحاق بن عمار عن أبى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يظلل عليه و هو محرم؟. قال: لا، الا مريض، أو من به علة، و الذي لا يطيق حر الشمس «3».

3- ما رواه على بن أحمد عن موسى بن عمر عن محمد بن منصور عنه عليه السّلام قال: سألته عن الظلال للمحرم؟ فقال: لا يظلل

الا من علة أو مرض «4».

4- ما رواه عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال قال أبو يوسف للمهدي و عنده موسى بن جعفر عليه السّلام أ تأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شي ء؟

فقال له: نعم، فقال لموسى بن جعفر عليه السّلام أسألك؟ قال نعم، قال ما تقول في التظليل للمحرم قال: لا يصلح، قال: فيضرب الخباء في الأرض و يدخل البيت؟

قال: نعم قال: فما الفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن عليه السّلام ما تقول في الطامث؟

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

(4) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 241

..........

أ تقضى الصلاة؟. قال: لا؛ قال: فتقضي الصوم؟ قال: نعم، قال: و لم؟ قال: هكذا جاء، فقال أبو الحسن عليه السّلام: و هكذا جاء هذا فقال المهدي لأبي يوسف:

ما أراك صنعت شيئا؟ قال رماني بحجر دامغ «1». و رواه الطبرسي في (الاحتجاج) مرسلا نحوه.

5- ما رواه سهل بن زياد عن ابن أبى نجران عن محمد بن الفضيل قال: كنا في دهليز يحيى بن خالد بمكة، و كان هناك و أبو الحسن موسى عليه السّلام و أبو يوسف؛ فقام إليه أبو يوسف و تربع بين يديه، فقال يا أبا الحسن: جعلت فداك المحرم يظلل؟.

قال: لا قال: فيستظل بالجدار و المحمل و يدخل البيت و الخباء؟.؟ قال: نعم، قال: فضحك أبو يوسف شبه المستهزئ، فقال له أبو الحسن عليه السّلام: يا أبا يوسف ان الدين ليس بقياس

كقياسك و قياس أصحابك ان اللّه عز و جل أمر في كتابه بالطلاق و أكد فيه شاهدين و لم يرضى بهما الاعدلين، و أمر في كتابه بالتزويج و أهمله بلا شهود فأتيتم بشاهدين فيما أبطل اللّه و أبطلتم شاهدين فيما أكد اللّه عز و جل، و أجزتم طلاق المجنون و السكران حج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأحرم و لم يظلل، و دخل البيت و الخباء و استظل بالمحمل و الجدار فقلنا (فعلنا خ ل) كما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسكت «2». 6- ما رواه الحسين بن سعيد عن بكر بن صالح قال: كتبت إلى أبى جعفر الثاني عليه السّلام: ان عمتي معي و هي زميلتي و يشتد عليها الحر إذا أحرمت أ فترى أن أظلل على و عليها؟ فكتب: «ظلل عليها وحدها» «3».

(فائدة)- قد يقال: ان عنوان التظليل أعم من عنوان القبة و نحوها، لشموله مثل حمل الشمسية و نحوها. و لكن قد يقال بكونه أخص منه بتقريب:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 68 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 242

..........

ان احداث القبة للركوب تظليل، و أما إذا كانت مهيأة سابقا فركب فيها فليس بتظليل لأنه عبارة عن أحداث الظل فتأمل.

(الطائفة الثالثة)- ما دلت على حرمة التظليل و لكن لا مطلقا بل بعنوان النهى عن الركوب في القبة و نحوها- منها:

1- صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن المحرم يركب القبة فقال: لا قلت: فالمرأة المحرمة؟ قال نعم

«1».

2- صحيح صفوان عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يركب في الكنيسة؟ قال: لا، و هو في النساء جائزة «2».

3- ما رواه على بن ريان عن قاسم (ابن خ) الصيقل قال: ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظل عن أبى جعفر عليه السّلام كان يأمر بقلع القبة و الحاجبين إذا أحرم «3». دلالته على الحرمة لا يخلو من تأمل.

4- صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بالقبة على النساء و الصبيان و هم محرمون «4».

5- ما عن الطبرسي في الاحتجاج قال: سأل محمد بن الحسن أبا الحسن موسى ابن جعفر عليه السّلام بمحضر من الرشيد و هم بمكة، فقال له: أ يجوز للمحرم أن يظل عليه محمله؟. فقال له موسى عليه السّلام: لا يجوز له ذلك مع الاختيار، فقال له محمد بن الحسن: أ فيجوز أن يمشى تحت الظلال مختارا؟ فقال له: نعم، فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك فقال له أبو الحسن عليه السّلام أ تعجب من سنة النبي صلّى اللّه عليه و آله و تستهزئ بها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 12

(4) الوسائل ج 3 الباب 65 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 243

..........

أن رسول صلّى اللّه عليه و آله كشف ظلاله في إحرامه و يمشى تحت الظلال و هو محرم؛ ان أحكام اللّه يا محمد لا يقاس، فمن قاس بعضها على بعض فقد ضل سواء السبيل فسكت

محمد بن الحسن لا يرجع جوابا «1» و نحوها غيرها من الاخبار المروية عنهم عليهم السّلام.

(الطائفة الرابعة)- ما دلت على حرمة الاستظلال على المحرم و هو كما ترى أعم من التظليل- منها: 1- ما رواه جعفر بن محمد المثنى الخطيب عن محمد بن الفضيل و بشير (بشر خ ل) بن إسماعيل قال: قال لي محمد إلا أسرك (أبشرك خ) يا بن مثنى؟ فقلت:

بلى، فقمت اليه فقال: دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن عليه السّلام ثم أقبل عليه فقال: يا أبا الحسن ما تقول: في المحرم يستظل على المحمل؟ فقال له: لا، قال: فليستظل في الخباء؟ فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه المستهزء يضحك يا أبا الحسن فما فرق بين هذا؟ فقال: يا أبا يوسف ان الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون انما صنعنا كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قلنا كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظل عليها و تؤذيه الشمس، فيستر بعض جسده ببعض، و ربما يستر وجهه بيده و إذا نزل استظل بالخباء و في البيت و الجدار «2».

2- ما رواه الحسين بن مسلم عن أبا جعفر الثاني عليه السّلام أنه سئل ما فرق بين الفسطاط و بين ظل المحمل؟ فقال: لا ينبغي أن يستظل في المحمل، و الفرق بينهما ان المرأة تطمث في شهر رمضان فتقضي الصيام و لا تقضى الصلاة قال: صدقت جعلت فداك قال الصدوق: يعنى ان السنة لا يقاس. و رواه في المقنع مرسلا «3».

3- ما رواه عبد اللّه بن المغيرة عن أبى الحسن عليه السّلام لقوله عليه

السّلام في ذيله:

(ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها) و قد تقدم ذكره

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 244

..........

في الطائفة الثانية من الأخبار.

4- ما رواه الطبرسي في «الاحتجاج» عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السّلام، و سأله عن المحرم: يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله أن يبتل فهل يجوز ذلك؟ الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقة فعليه دم «1» بناء على ثبوت الملازمة بين الكفارة و الحرمة.

5- ما رواه العباس بن معروف عن بعض أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (الرضا عليه السّلام خ) قال: سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه، إله أن يستظل؟

فقال: نعم «2» بناء على رجوع الضمير في قول السائل: «إله أن يستظل» الى الزميل و استفادة مسلمية الحرمة لغير الزميل منه، فيكون المراد بناء على ذلك ان هذا الزميل الذي ظلل عليه فصار تحت الظل هل يجوز ذلك أو لا و سيجي ء تحقيق الكلام فيه- ان شاء اللّه تعالى- في آخر البحث.

(الطائفة الخامسة)- ما دلت على حرمة التظليل عليه و لكن لا مطلقا بل بعنوان النهى عن الاستتار عن الشمس- منها:

1- ما رواه على بن الحكم عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: لا؛ إلا أن يكون شيخا كبيرا أو

قال: ذا علة «3» و رواه الحميري في قرب الاسناد عن محمد بن الخالد الطيالسي عن إسماعيل بن عبد الخالق مثله إلا أنه قال (شيخا فانيا).

2- ما رواه سعيد الأعرج أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يستتر من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 68 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 245

..........

من الشمس بعود و بيده؟ قال: لا إلا من علة «1» قال في الوسائل بعد ما ذكره (أقول:

هذا محمول على الكراهة في اليد) و لا بأس به لاشتماله على النهى عن التستر باليد الذي فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يدل عليه ما في رواية محمد بن فضيل المتقدم في الطائفة الرابعة من اخبار الباب.

3- ما رواه المعلى بن خنيس عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يستتر المحرم من الشمس بثوب، و لا بأس أن يستتر بعضه ببعض «2» 4- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس، و لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض «3» حيث أنه كما ترى دل بالمفهوم على المدعى.

(فائدة): لا يخفى ان النهى عن الاستتار عن الشمس مساوق لظاهر النهى عن الاستظلال كما لا يخفى:

(الطائفة السادسة)- ما دلت على الحرمة بعنوان الأمر بالضحى- منها:

1- ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شق عليه و صدع فيستتر منها؟ فقال:

هو أعلم بنفسه إذا علم أنه لا يستطيع ان تصيبه الشمس فليستظل منها «4».

2- ما رواه عثمان بن عيسى الكلابي قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: ان على بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد أن يحرم؟ فقال: ان كان كما زعم فليظلل و أما أنت فاضح لمن أحرمت له «5».

3- صحيح حفص البختري و هشام بن الحكم جميعا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(5) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 246

..........

انه يكره للمحرم ان يجوز ثوبه أنفه من أسفل و قال: اضح لمن أحرمت له «1».

4- ما في آخر خبر عبد اللّه بن المغيرة قال: أما علمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذبوبه معها «2».

5- ما في خبره الآخر قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الظلال للمحرم؟.

فقال: أضح لمن أحرمت له قلت: انى محرور و ان الحر يشتد على؟ فقال أما علمت:

أن الشمس تغرب بذنوب المحرمين «3».

(فائدة): ان أريد من الاخبار الآمرة بالإضحاء البروز للشمس فهي مساوقة للاخبار الناهية عن التستر عن الشمس؛ و ظاهر النهى عن الاستظلال المتقدمة ذكرها، و ان أريد منها البروز المطلق فهي مساوقة لبعض الأخبار المتقدم في الطائفة الثانية. و كيف كان فالظاهر من الأمر بالإضحاء في

خبر عبد اللّه بن المغيرة هو المعنى الأول كما أن الظاهر ان المراد من الأمر بالإضحاء في خبر عثمان الكلابي هو المعنى الثاني كما يكون كذلك ما في حديث حفص البختري فتأمل.

بعد ما عرفت الأخبار فنقول: إنه اختلفت كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في هذه المسألة على أقوال:

(الأول)- جواز التظليل و هو المحكي عن الإسكافي و قد حكاه عنه صاحب الجواهر- قدس سره- في كلامه المتقدم في صدر المبحث.

(الثاني)- حرمته و هو المنسوب إلى المشهور.

(الثالث)- استحباب ترك التظليل و قد نسبه العلامة- رحمه اللّه تعالى- إلى ابن الجنيد، و يمكن الاستدلال للقول الأول- و هو جواز التظليل- بوجهين:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 61 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 247

..........

(الأول)- الأصل «و فيه»: أنه مقطوع بالنصوص المتقدمة الدالة على الحرمة.

(الثاني)- الأخبار الدالة على جواز التظليل و قد تقدم ذكرها في الطائفة الأولى من الروايات في صحيح الحلبي منها: «عن المحرم يركب في القبة؟ قال: ما يعجبني. إلخ» و في صحيح على بن جعفر: «أظلل و أنا محرم؟ فقال: نعم». و في صحيح جميل: «لا بأس بالظلال للنساء و قد رخص فيه للرجال» و «فيه». أنه لا يخلو جميعها من حيث الدلالة عن المناقشة و الاشكال:

أما [في الأول] فلعدم صراحة قوله عليه السّلام فيه «ما يعجبني» في الجواز فيمكن حمله على الحرمة؛ بقرينة الأخبار الناهية عن التظليل الظاهرة فيها و قد تقدم ذكرها في الطائفة الثانية و غيرها من باقي الطوائف، مضافا إلى أنه يمكن أن يقال بدلالته

على الحرمة؛ لإمكان استفادة ذلك من الاستثناء الموجود فيه و هو قوله عليه السّلام: [إلا أن يكون مريضا] لانه بالمفهوم يدل على حرمة التظليل عليه أن لم يكن مريضا فتأمل و أما [في الثاني] فلأنه (أولا) قضية في واقعة، فلا يمكن القول بالتعميم إلا مع القرينة و (ثانيا): أنه لا تقاوم الأخبار الناهية عنه المؤيدة بعمل المشهور، فيتعين حملها على صورة الضرورة.

و أما [في الثالث] فلاحتمال كون الترخيص فيه لأجل الضرورة- كما أفاده بعض- بل قيل: انه المنساق منه لأن الرخصة انما يطلق غالبا على ما منع منه أولا ثم أذن فيه لضرورة- كأكل الميتة و على- فرض تماميته لا يقاوم الأخبار المتقدمة الناهية الظاهرة في الحرمة، بل صراحة بعضها في ذلك مضافا الى أنه قيل يمكن حمله على التقية، لموافقته لمذهب الشافعي، و لكن الظاهر: أن الشافعي لم يكن في زمان الصادق عليه السّلام فعلى فرض ثبوت موافقته لمذهب أبي حنيفة يمكن حمله على التقية فتدبر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 248

..........

ثم أنه بناء على عدم تمامية ما ذكرنا فلا محالة تقع المعارضة بينهما، فلا بد من الجمع، و يمكن الجمع بينهما بحمل أخبار المنع على الأفضلية، و نتيجة ذلك هو كراهة التظليل و استحباب تركه، و هذا هو القول الثالث من الأقوال في هذه المسألة الذي تقدم نسبته في صدر المبحث إلى ابن الجنيد. و (فيه): انه لا تصل النوبة إليه، لأنه جمع حكمي، و قد ذكرنا غير مرة: أنه لا تصل النوبة إليه ما دام كان الجمع الموضوعي ممكنا، لتقدمه رتبة على الجمع الحكمي، ففي مفروض المقام يمكن الجمع بينهما بالجمع الموضوعي، و ذلك بما تقدم في الطائفة الثانية من النصوص و

غيرها من باقي الطوائف ما يدل على التفصيل بين صورة الضرورة و عدمها في الحكم بالجواز على الأول، و بعدمه على الثاني كما في موثق إسحاق بن عمار المتقدم في الطائفة الثانية من الأخبار ذكره: (عن المحرم يظلل عليه و هو محرم؟ قال: لا، إلا مريض أو من به علة و الذي لا يطيق حر الشمس) و نحوه غيره، فبشهادة هذه الأخبار تجمع بينهما: فعليه يحمل ما دل على جواز التظليل على صورة الضرورة؛ و ما دل على عدم جوازه على غيرها.

« (إيقاظ)» هو ان صاحب الجواهر- قدس سره- و ان ادعى الإجماع على الحرمة ما عدا الإسكافي، لكنه لا مجال له في هذه المسألة بعد وضوح المدرك في نظرهم و استنادهم ظاهرا إلى ظهور الأخبار، و قد ذكرنا غير مرة: ان مجرد الإطباق و الاتفاق ليس من الإجماع الكاشف عن رأى المعصوم عليه السّلام أو عن رضاه مضافا إلى أن أصل ادعاءه الإجماع لا يخلو من الاشكال، لعدم اطلاعه على جميع الفتاوى الصادرة من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 249

..........

العلماء السابقين و اللاحقين خصوصا الذين ليس لديهم من الكتب، و هم في غاية الكثرة فمع الالتفات إلى ذلك لا يمكن تحصيل الإجماع و الشهرة في مسألة ما أصلا فتأمل.

ثم ان تنقيح هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- أنه لا إشكال في حرمة التظليل عليه بالقبة و الكنيسة و المحمل و نحوها مما يكون على رأسه إنما الإشكال في الاستتار بالثوب و نحوه سائرا عن الشمس على وجه لا يكون على رأسه، فوقع الكلام في جواز ذلك و عدمه، فعن الخلاف و المنتهى جوازه بلا خلاف، بل في الأخير نسبته الى جميع أهل

العلم قال على ما حكاه صاحب الحدائق- قدس سره- (لانه يجوز للمحرم أن يمشى تحت الظلال و أن يستظل بثوب ينصبه إذا كان سائرا أو نازلا لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصة لضرورة و غير ضرورة عند جميع أهل العلم) و ظاهر هذا الكلام- كما ترى- هو حرمه الاستظلال في حال المشي بجعل الثوب على رأسه سائرا و عن ابن حمزة:

(يحرم عليه أن يستظل و هو سائر بحيث يكون الظلال فوق رأسه) و تبعهم على ذلك غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- ممن تأخر عنهم، و يمكن الاستدلال لذلك بوجوه:

(الأول)- الإجماع و «فيه» أنه محتمل المدركية فلا عبرة به.

(الثاني)- الأصل و «فيه»: أنه لا مجال له لانقطاعه بما دل على الحرمة.

(الثالث)- صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السّلام» قال: سمعته يقول لأبي و شكى اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى و قال: أ ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك «1». و «فيه» ما لا يخفى، لكونه في صورة الضرورة، فلا يعارض خبر إسماعيل بن عبد الخالق و خبر المعلى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 250

..........

ابن خنيس الدال على عدم جواز التستر عن الشمس بالثوب و نحوه، و قد تقدم ذكرهما في الطائفة الخامسة من الأخبار فعليه تبقى الأخبار الناهية عن التستر على حالها، بل مقتضى إطلاقها هو عدم جواز التستر عن الشمس و ان كانت على جانب يمينه أو يساره و بالجملة لا يجوز له الاستتار عن الشمس بثوب و نحوه إلا في صورة الضرورة فيما

ذكرنا يظهر لك ما في كلام صاحب الجواهر- قدس سره-، حيث أنه بعد ما ذكر صحيح عبد اللّه بن سنان قال: (لكن و فيه أنه يعارضه عموم قول الصادق في خبر المعلى لا يستتر المحرم من الشمس بثوب. إلخ و خبر إسماعيل بن عبد الخالق. إلى أن قال: ضرورة أنه لو كان الاستتار بما لا يكون فوق الرأس جائزا لبينه له و خلو أخبار التكفير مع التظليل للضرورة عما لا يكون فوق الرأس، إذ لو كان جائزا اختيارا وجب الاقتصار عليه إذا اندفعت الضرورة، و لعل المتجه حمل ذلك على الكراهة، كما يومي اليه خبر قاسم الصيقل قال: ما رأيت أحداً كان أشد تشديدا في الظل من أبى جعفر عليه السّلام كان يأمر بقلع القبة و الحاجبين إذا أحرم، فإن التشديد ظاهر في الزيادة على الواجب، و هذا و إن كان من الراوي إلا أنه ظاهر في معلومية الحكم عندهم سابقا، و هو شاهد على صحة الإجماع المزبور الذي يقيد به المطلقات المزبورة، و أخبار التكفير إنما جائت لبيان ثبوت الكفارة في المحرم من التظليل للمختار إذا اقتضته الضرورة و هو ما فوق الرأس، بل يشهد لما ذكرناه ما في خبر سعيد الأعرج: (يسئل الصادق عليه السّلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود و بيده؟ قال: لا إلا من علة) «1» لما عرفت من جواز الاستتار باليد الذي فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على وجه يقصر عن معارضته، فلا بد من حمله على ضرب من الكراهة. إلخ).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 251

..........

(الثانية)- قال في كشف اللثام: (و في الدروس هل

التحريم في الظل لفوات الضحى أو لمكان الستر فيه، نظر لقول عليه السّلام: (أضح لمن أحرمت له) و الفائدة في من جلس في المحمل بارزا للشمس، و في من تظلل به و ليس فيه يعنى يجوز الأول على الثاني دون الأول و الثاني بالعكس و في الخلاف لا خلاف ان للمحرم الاستظلال بثوب ينصبه ما لم يمسه فوق رأسه و قضيته اعتبار المعنى الثاني) و لكن الظاهر من الأخبار هو المعنى الأول، لما عرفت من تكرار الأمر بالإضحاء فيها على وجه يظهر منه كون العلة في حرمة التظليل فوات الاضحاء الذي يكون المراد به- كما في المنتهى- البروز للشمس و كذلك في اللغة [1] و ان ورد في بعض الروايات المتقدمة في الطائفة السادسة: قوله عليه السّلام (أضح لمن أحرمت له) لكن الأضحاء فيه للّه تعالى ليس بمعنى عدم التستر منه لانه غير معقول لبروزه للّه تعالى دائما، و إنما يكون معنى (لمن أحرمت له) هو كون ضحاك لأجله، فعليه أن يبرز و يظهر نفسه للشمس لأجل من أحرم له و يمكن تأييد ما ذكرنا بما علل في بعض الأخبار المتقدمة: (من أن الشمس تغرب بذنوب المجرمين) يعنى بسبب بروزهم لها و صبرهم على حرارتها، فلو جاز أن يستتر المحرم أو يستظل بالثوب على رأسه ما لم يمسه- كما نقله عن الخلاف- لم يكن

______________________________

[1] في نهاية ابن أثير: و ضحى ظله اي مات يقال ضحى الظل إذا صار شمسا فإذا صار شمسا فقد بطل صاحبه و منه حديث الاستسقاء: «اللهم ضاحت بلادنا و أغبرت أرضنا اي برزت للشمس و ظهرت لعدم النبات فيها و هي فاعلت من ضحى مثل رامت من رمى و أصلها

ضاحيت و منه حديث ابن عمر راى محرما قد استظل فقال: «اضح لمن أحرمت له» أي أظهر و اعتزل لكن يقال ضحيت للشمس و ضحيت اضحى فيها إذا برزت لها و ظهرت قال الجوهري:

(يرويه المحدثون «اضح» (بفتح الالف و كسر الحاء) و انما هو بالعكس انتهى) و نقل في الوافي عن الأصمعي انما هو بكسر الالف و فتح الحاء من ضحيت اضحى لأنه إذا أمره بالبروز للشمس و منه قوله تعالى أَنَّكَ لٰا تَظْمَؤُا فِيهٰا وَ لٰا تَضْحىٰ انتهى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 252

..........

لهذا التعليل وجه- كما أفاده صاحب الحدائق- قدس سره.

و أما الأخبار الناهية عن الركوب في القبة و نحوها المتقدمة ذكرها في الطائفة الثانية من الأخبار لا تقضى كون العلة في التحريم هو الاستتار، حتى أنه لو لم يستتر بها فلم يضره الاستظلال بغيرها مما لا يوجب الاستتار؛ و على فرض تسليم ذلك لا تقيد الأخبار الآمرة بالإضحاء و الأخبار الناهية عن التستر، و ذلك ضرورة:

أن القبة و الكنيسة و المحمل و نحوها و إن كانت مانعة عن الشمس من فوق لكنها فرد من أفراد الضحى كما لا يخفى.

(الثالثة)- ان ما ذكرنا من حرمة التظليل إنما يختص بحالة الركوب و أما المشي في ظل المحمل فلا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في المسالك: (يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظل فوق رأسه كالمحمل فلا يقدح فيه المشي في ظل المحمل و نحوه عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه و ان كان قد يطلق عليه التظليل لغة و انما يحرم حالة الركوب فلو مشى تحت ظل المحمل كما لو مر تحت الحمل و المحمل جاز و

في الروضة في شرح قول الشهيد: [و التظليل للرجل الصحيح سائرا] قال: (فلا يحرم نازلا إجماعا و لا ماشيا إذا مر تحت المحمل و نحوه و المعتبر منه ما كان فوق رأسه فلا يحرم كون تحت ظل المحمل عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه) و أطلق في القواعد و ما سمعته من المنتهى جواز المشي تحت الظلال كمحكى النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و الجامع و يمكن الاستدلال على ذلك بخبر الاحتجاج المتقدم ذكره في الطائفة الثالثة من الأخبار لما فيه: (أ فيجوز أن يمشى تحت الظلال مختارا؟ فقال: نعم) و بصحيح إسماعيل بن بزيع قال: كتبت إلى الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم أن يمشى تحت ظل المحمل: فكتب: نعم «1». فيقيد بهما إطلاق الأخبار الآمرة بالإضحاء و الأخبار

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 253

..........

الناهية عن التستر فتأمل.

(الرابعة)- أنه هل الواجب على المحرم هو ترك التستر عن الشمس أو الواجب عليه ترك ذلك مطلقا و لو لم تكن الشمس موجودة؟ قد يقال بالثاني و يمكن الاستدلال لذلك بوجوه:

(الأول)- إطلاق ما دل على النهى عن الركوب في القبة و نحوها لدلالته على وجوب ذلك مطلقا حتى في الليل و في النهار مع وجود غيم فيحكم بحرمة ذلك عليه و ان لم يحصل التستر عن الشمس له.

(الثاني)- إطلاق الأخبار الآمرة بالإضحاء بناء على تفسيرها بترك التستر بالبروز تحت السماء.

(الثالث)- ما ورد في صدر حديث عثمان الكلابي المتقدم ذكره في الطائفة السادسة من الأخبار قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام ان على بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد أن يحرم؟

فقال: ان كان كما زعم فليظلل. إلخ. لأن التظليل من البرد يصلح للقرينية على عدم كون المراد من التظليل ما لا يصدق في الليل، و به يعلم أن المراد من قوله عليه السّلام من الاضحاء في ذيله: (و أما أنت فأضح لمن أحرمت له) هو ترك التستر من السماء.

(الرابع)- انه يمكن استفادة ذلك أيضا مما دل على النهى عن التظليل عن المطر و قد تقدم ذكره في الطائفة الرابعة من الأخبار.

(الخامس)- ما دل على النهى عن ضرب الظلال له، بتقريب: انه لا يشترط في صدق المظلة حصول الظل الفعلي منها بل صرف وجود الشأنية لها كاف في صدق هذا العنوان عليه، نظير صدق المفتاحية على المفتاح و ان لم يتلبس بالفتح أبدا فعليه يحكم بالحرمة حتى في الليل. اللهم إلا أن يقال: ان ظاهر في حصول فعلية الظل، و ما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 254

..........

ورد أيضا في الاخبار من النهى عن التظليل و الاستظلال أيضا ظاهر فيه.

و كيف كان فيمكن ان يقال: ان الوجه في حرمتها هو لأجل منعها عن وقوع الشمس عليه، و يدل عليه ما في محاجة موسى بن جعفر عليه السّلام مع محمد بن الحسن من ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (كشف ظلاله و مشى تحت ظل المحمل).

مضافا إلى انه يمكن أن يقال: انه يستفاد من الاخبار الآمرة بالإضحاء ان تمام العلة هو وجوب الضحى و النهى عن الركوب في القبة و نحوها لأجل انه ترك للضحى الواجب، فعليه يحكم بعدم حرمة التستر في الليل و في النهار إذا كان في الهواء غيم.

(الخامسة)- أنه هل يختص الحكم في المقام بحال السير أو يعم حالة التوقف.

يمكن أن يقال

بالأول؛ و ذلك لإمكان القول بعدم شمول الأخبار الناهية عن الركوب في القبة و المحمل و الكنيسة و نحوها للثاني للانصراف. و كذا ما دل على حرمة التظليل، لإمكان القول بأنه عبارة عن احداث الظل حال السير و كذلك الأخبار الدالة على حرمة الاستظلال لإمكان منع استفادة الإطلاق منها بحيث تشمل حال الوقوف. مضافا إلى أنه يمكن الاستدلال على اختصاص الحكم بحال السير بما في حديث محمد بن فضيل المتقدم ذكره في الطائفة الرابعة من الاخبار من الفرق بين ظل المحمل و دخول الخباء قال فيه (يا أبا الحسن ما تقول في المحرم يستظل على المحمل؟ فقال له: لا، قال: فليستظل في الخباء؟ فقال له: نعم) و منه يعلم أن المحرم هو الاستظلال حال السير لا حال التوقف لكون الخباء واقفا، اللهم إلا أن يناقش فيه بأنه كما يحتمل أن يكون الوجه في ذلك هو وقفته، كذلك يحتمل أن يكون الوجه في ذلك كونه نازلا.

يمكن أن يقال بالثاني و هو شمول الحكم حال الوقوف للاخبار الآمرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 255

..........

بالإضحاء لأن مقتضى إطلاقها- كما ترى- هو حرمة التستر عليه حتى في حالة الوقوف و بقصة محاجة أبى الحسن عليه السّلام مع أبى يوسف السائل عن الفرق بين ظل المحمل و ظل الخباء منه فنقضه عليه السّلام بقضاء الحائض الصيام دون الصلاة، حيث قال:

(ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح، قال: فيضرب الخباء في الأرض و يدخل البيت؟ قال: نعم، قال: فما الفرق بين هذين؟. قال: أبو الحسن عليه السّلام ما تقول: في الطامث أ تقضى الصلاة؟. قال: لا، قال: فتقضي الصوم؟. قال: نعم، قال: و لم؟. قال هكذا جاء، فقال أبو

الحسن عليه السّلام: و هكذا جاء هذا. إلخ).

و قد تقدم ذكره بتمامه في الطائفة الثانية من الأخبار، و كيف كان فلو كان فرق بين التظليل حال السير و حال الوقوف لم يحتج إلى الجواب نقضا بل أجابه حلا و هو جواز التظليل في الخباء و نحوه لأجل كونه واقفا، اللهم إلا أن يناقش فيه بأن أبا يوسف لم يكن يدرك الجواب الحلي، و لذا أجابه بالجواب النقضي، مضافا الى أن مقتضى إطلاقه هو التعميم فتدبر.

(السادسة)- أنه يجوز للمحرم أن يستتر بعود أو بيده أو غيرها من أعضاء بدنه، و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم-، و يدل على ذلك ما في حديث محمد بن فضيل المتقدم في الطائفة الرابعة، لما فيه: (كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظل عليها، و تؤذيه الشمس، فيستر بعض جسده ببعض، و ربما يستر وجهه بيده. إلخ) و صحيح معاوية بن عمار و خبر المعلى بن خنيس المتقدم ذكرهما في الطائفة الخامسة، و لا ينافيها صحيح سعد الأعرج الدال على النهي أن يستتر المحرم بيده أو بعود، لأنه محمول على الكراهة- كما أفاده صاحب الوسائل- قدس سره- و قد تقدم ذكره في الطائفة الخامسة من الأخبار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 256

..........

(السابعة)- أنه لا يضر الخشب الباقية في المحمل و العمارية و نحوهما بعد رفع الظلال، و يدل عليه- مضافا الى الأصل- التوقيع المروي عن الاحتجاج في جواب محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري كتب الى صاحب الزمان عليه السّلام يسأله عن المحرم يرفع الظلال؟ هل يرفع الخشب العمارية أو الكنيسة؟ و يرفع الجناحين أم لا؟.

فكتب عليه السّلام إليه في الجواب:

لا شي ء عليه في تركه رفع الخشب «1» و رواه الشيخ- قدس سره- في كتاب الغيبة مثله؛ و لا ينافيه ما تقدم في الطائفة الثالثة من الأخبار في خبر الصيقل من ان أبا جعفر عليه السّلام: كان يأمر بقلع القبة و الحاجبين، بعد حمله على الندب، و يعطيه هذا المعنى سياق الخبر (إيقاظ): و هو ان الظاهر إن الحاجبين في هذا الخبر وقع تصحيف الجناحين كما في الخبر الأول.

(الثامنة)- إن ما ذكرنا من حرمة التظليل انما يختص بالرجل، و أما المرأة فيجوز لها التظليل؛ و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم.

بل قال في الجواهر: (بلا خلاف محقق أجده فيه؛ بل الإجماع بقسميه عليه؛ مضافا الى ما سمعته من النصوص المصرحة بذلك، و إلى كونها عورة يناسبها الستر، و ضعيفة عن مقاومة الحر و البرد، و نحوهما. نعم عن نهاية الشيخ: «إن اجتنابه أفضل» و عن المبسوط «أنه يحتمله» قيل و كأنه لإطلاق أدلة المحرم و الحاج في كثير من الأخبار و بعض الفتاوى كفتوى المقنعة و جمل العلم و العمل، بل و الشيخ في جملة من كتبه و سلار و القاضي و الحلبيين و إن كان فيه: أن الظاهر إرادة الرجل المحرم منه فيهما).

و لكن التحقيق: هو اختصاص الحكم بالرجال، لما عرفت من الأخبار التي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 257

..........

تفصل بين الرجل و المحرم المقيدة لإطلاق المحرم. مضافا الى خصوص الاخبار الواردة في جواز التظليل لها قال عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم في الطائفة الثالثة (لا بأس بالقبة على النساء و الصبيان و هم محرمون) و خبر على بن

أبي حمزة عن أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المرأة يضرب عليها الظلال و هي محرمة؟. قال: نعم «1».

(التاسعة) أنه لا ينبغي الارتياب في جواز التظليل للرجل حال النزول؛ و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل قد نفي عنه الخلاف؛ و ادعى عليه الإجماع بقسميه، و يدل عليه خبر محمد بن الفضيل المتقدم ذكره في الطائفة الرابعة من الروايات، لقوله عليه السّلام فيه: (كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظل. الى أن قال: و إذا نزل استظل بالخباء و في البيت و بالجدار) و نحوه غيره مما في الاخبار السابقة، و بهذه الاخبار يقيد إطلاق الاخبار السابقة الدالة على عدم جواز التظليل عليه مطلقا.

قال في الجواهر بعد حكمه بجواز التظليل حال النزول: (نعم قد يتوقف في تظليل يسير معه راكبا أو ماشيا للتردد في المنزل و نحوه، فالأحوط ان لم يكن أقوى اجتنابه و في كشف اللثام بعد الجزم بجواز التظليل جالسا في المنزل قال: «و هل الجلوس في الطريق لقضاء حاجة أو إصلاح شي ء أو انتظار رفيق أو نحوها كذلك احتمال» و مقتضاه احتمال عدم الجواز أيضا فيه، و ان كان التحقيق خلافه إلا أنه أحوط) ما أفاده صاحب الجواهر هو الصواب، لإطلاق الأخبار الدالة على جواز ذلك عند النزول فتدبر.

(العاشرة)- أنه لا ينبغي الارتياب في جواز التظليل للصبيان، لما سمعته في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 65 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 258

و لو زامل عليلا أو أمرية اختص العليل و المرأة بجواز التظليل (1)

صحيح حريز السابق الذي أفتى به غير واحد من الأصحاب-

رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر: «لا أجد فيه خلافا بينهم و لعله لضعفهم عن مقاومة الحر و البرد» فيه يقيد إطلاق ما دل على حرمة التظليل للمحرم.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر «بلا خلاف محقق أجده فيه». و يدل عليه- مضافا إلى إطلاق الأدلة- خبر بكر ابن صالح أو صحيحة قال: كتبت إلى ابن جعفر الثاني عليه السّلام ان عمتي معي و هي زميلتي و يشتد عليها الحر إذا أحرمت أ فترى أن أظلل على و عليها؟. فكتب عليه السّلام: ظلل عليها وحدها «1». و لا ينافيه خبر العباس بن معروف المتقدم ذكره في الطائفة الرابعة من الاخبار و هو قال: سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه إله أن يستظل؟ فقال: نعم «2» أما «أولا»: فلضعف سنده بالإرسال و «ثانيا»:

فيمكن منع دلالته على خلاف ما دل عليه الخبر الأول لاحتمال عود الضمير في قوله:

«آله ان يستظل» إلى المريض الذي قد ظلل- كما ذكره الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في التهذيب على ما حكاه صاحب المدارك- قدس سره- و لكن الظاهر رجوع الضمير فيه إلى المحرم لانه ورد في صدره: «عن المحرم له زميل» و لم يقل «سألته عن زميل مع المحرم» فظاهره- كما ترى- السؤال عن حكم المحرم دون الزميل فيدل على جواز الاستظلال للمحرم بنحو لا يقع تحت المظلة؛ قال في الوسائل: بعد ما ذكره «أقول المراد ان للعليل أن يستظل لا للصحيح، إذ ليس بصريح في غير ذلك قاله الشيخ و غيره و يحتمل التقية و الضرورة قال في الجواهر: «لقصوره عن ذلك من وجوه، بل عن الشيخ احتمال عود الضمير في

قوله: «إله» إلى المريض، و أولى من ذلك احتمال ارادة الاستظلال بما يحدث من ظل العليل الذي قد عرفت جوازه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 68 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 68 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 259

..........

باعتبار عدم كونه على الرأس».

« (ثم انه ينبغي هنا التنبيه على أمور)» 1- انه إذا أراد الإحرام و علم بأنه سيضطر إلى التظليل لم يضر ذلك بصحة إحرامه، لأنه لا يشترط في صحته ترك المحرمات؛ و لذا لا يخرج عن الإحرام بإتيان المحرمات، و انما يخرج منه بالمحلل الخاص، فلا يقاس المقام بباب الصوم، لانه يشترط في صحة الصوم ترك أمور معدودة إلى المغرب فلو لم ينو الإمساك إلى المغرب عن الأمور المعينة لم ينو الصوم.

2- انه إذا اضطر إلى التظليل من أول الإحرام، كما إذا فرض انحصار المركوب بالطائرة و لم يمكن رفع سقفها فحينئذ يشكل الأمر بناء على كون الإحرام عبارة عن توطين النفس على التروك و هذا بخلاف ما إذا قلنا بأنه عبارة عن نية الأعمال مع لبس الثوبين أو مع التلبية أيضا من دون دخل للتوطين فيه، و لكن يمكن أن يقال بأنه لا يضر ذلك بإحرامه، و يمكن تنظيره بباب النذر فيما إذا نذر شيئا مع علمه بمخالفته اختيارا و لكن لا مع عدم القدرة حتى يقال بعدم انعقاد نذره، و لكن في باب النذر أيضا لا يتم بناء على القول بان النذر عبارة عن البناء على الأمر الكذائي، لأنه على هذا ينافيه البناء على خلافه. نعم إذا قلنا انه معاهدة مع اللّه تبارك و تعالى فلا منافاة كما لا يخفى.

و يمكن

التفصي عن الاشكال- بناء على القول بأنه عبارة على توطين النفس على ترك المحرمات- بتقريب: انه انما يحب توطين النفس عليه بالمقدار الممكن فلا مانع من أن يوطن نفسه على ترك ما لم يضطر اليه من المحرمات، لان اللّه تبارك و تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها. هذا بناء على القول بأنه عبارة عن توطين النفس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 260

و لو اضطر لم يحرم (1)

أو الالتزام بالتروك، و إلا فلا إشكال على المباني الأخر.

قد عرفت تحقيق الكلام في هذا المقام مفصلا في الجزء الثاني عند البحث عن كيفية الإحرام و قد ذكرنا جميع الأخبار و اتضح بمقتضى الجمع بين الأخبار كون الإحرام عبارة عن إنشاء الالتزام بالتروك، و قلنا: ان التلبس بمحظورات الإحرام حين الإحرام لا يمنع عن انعقاده، لعدم كونه عبارة عن نية التروك حتى ينافي ذلك العلم بارتكابها، بل انما هو عبارة عن الإنشاء؛ و ذلك لا ينافي التلبس بها، نظير من ينشئ تمليك المال للغير و مع ذلك يتصرف فيه غصبا و حرمة تلك المحرمات انما هي حكم المحرم و لا يضر مخالفته بنفس الإحرام و لو حين الإحرام، فقد ظهر أنه مع اضطراره حين الإحرام يظلل؛ و لا يضر ذلك بإحرامه، كما ان الأمر كذلك إذا اضطر إلى محرم آخر.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من عدم حرمة التظليل على المحرم لو اضطر اليه مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه و هو الحجة. إلخ). و يدل عليه- مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- الأخبار المتقدمة في الطائفة

الثانية و غيرها في رواية عبد اللّه بن المغيرة:

(قلت: أ فأظلل و أكفر؟ قال: لا قلت: فان مرضت؟ قال: ظلل و كفر) في موثق ابن عمار: (عن المحرم يظلل عليه و هو محرم؟ قال: لا إلا مريض أو من به علة و نحوهما غيرهما من الأخبار.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 261

..........

« (إيقاظ)» ان المستفاد من بعض أخبار المتقدم عدم الاكتفاء فيه بمطلق الأذية- من حر أو برد- ما لم تصل إلى حد لا يمكن تحملها عادة على وجه يسقط التكليف معها، كموثق عمار المتقدم ذكره في الطائفة الثانية من الروايات: لما فيه: (سألته عن المحرم يظلل عليه و هو محرم؟. قال: لا إلا مريض، أو من به علة، و الذي لا يطيق حر الشمس) و كصحيح ابن الحجاج المتقدم ذكره في الطائفة السادسة من الروايات، لما فيه: (هو أعلم بنفسه إذا علم أنه لا يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظل منها)، و لعله لذا كان المحكي عن الشيخين و كذا ابن إدريس: اعتبار الضرر العظيم في جواز التظليل؛ بناء على إرادة ما يسقط معه التكليف من العظيم- كما في غير المقام- لعدم قيام دليل تعبدي على اعتبار أزيد منه.

كما أنه يمكن أن يقال بعدم الدليل على الاكتفاء بالأقل منه بعد ظهور النصوص المتقدمة فيما ذكرنا. فبها نقيد إطلاق بعض النصوص الدال على الاكتفاء بمطلق الأذية في جواز التظليل للمحرم؛ كصحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام قال: و سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس و أنا أسمع فأمر ان يفدى شاة و يذبحها بمنى «1» و رواه الشيخ- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن أحمد ابن محمد و رواه

الصدوق- قدس سره- عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبى الحسن مثله إلا أنه قال: (في أذى: من مطر أو شمس) أو قال: من علة، و زاد: و قال:

نحن إذا أردنا ذلك ظللنا و فدينا «2» و خبر إبراهيم بن أبى محمود قال: قلت للرضا عليه السّلام المحرم يظلل على محمله و يفدي إذا كانت الشمس و المطر يضران به؟ قال: نعم،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 262

..........

قلت كم الفداء؟. قال: شاة «1» و خبر محمد بن الحسن الصفار عن على بن محمد قال:

كتبت اليه المحرم هل يظلل على نفسه إذ آذته الشمس، أو المطر، أو كان مريضا أم لا؟ فان ظلل هل يجب عليه الفداء أم لا؟ فكتب: يظلل على نفسه و يهريق دما ان شاء اللّه «2». و ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي عن سعد بن سعد الأشعري عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يظلل على نفسه؟.

فقال: أمن علة؟. فقلت: يؤذيه حر الشمس و هو محرم فقال: هي علة يظلل و يفدى «3». و تنطبق على ما ذكرنا الأدلة العامة الرافعة للتكليف الحرجي و العسرى و بالجملة: أن الأذية لها مراتب، وحدها الموجبة لجواز التظليل هو ما إذا تأذى بمقدار لا يمكن تحمله عادة دون ما دونه.

و قال صاحب الجواهر- قدس سره- بعد ما ذهب إلى ما ذكرنا: (خصوصا بعد استصحاب عدم الجواز الذي لا يكفي في ارتفاعه التزام الكفارة مع عدم الضرورة، كما هو مقتضى إطلاق النص و الفتوى،

بل هو صريح صحيح ابن المغيرة السابق. إلخ).

و أشار- قدس سره- به إلى قوله عليه السّلام في صحيح ابن المغيرة المتقدم ذكره في الطائفة الثانية من الروايات قال السائل فيه: (أظلل و أنا محرم؟ قال: لا قلت:

فأظلل و أكفر؟ قال: لا. إلخ). فما في المقنع: [من انه لا بأس أن يضرب للمحرم الظلال و يتصدق بمد لكل يوم] بناء على ظهوره في المختار: واضح الضعف كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- فتدبر- ثم أنه قال في الجواهر: (و ان قال في الدروس: «روى على بن جعفر جوازه مطلقا و يكفر» لكن ان كان مراده ما سمعته من صحيحة السابق: [الذي تقدم

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 3 الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 3 الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 263

[و إخراج الدم]

و إخراج الدم الا عند الضرورة (1)

ذكره في الطائفة الأولى من الروايات] فقد عرفت احتماله الضرورة. نعم قد يلوح ذلك من صحيح ابن بزيع السابق و نحوه؛ لكن لا يجترئ بمثله على ذلك بعد ما عرفت.

(تذييل)- و هو أنه لا ينافي ما ذكرنا صحيح عبد اللّه بن المغيرة أو حسنه المتقدم ذكره في الطائفة السادسة من الروايات: (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الظلال للمحرم؟ فقال: أضح لمن أحرمت له، قلت: انى محرور و ان الحر يشتد على فقال أما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المجرمين) لكونه محمولا على ما لا يبلغ المشقة بحيث يمكنه التحمل عادة.

(1) من المحرمات على المحرم- كما أفاده المصنف- قدس سره- إخراج الدم في الجملة

إلا عند الضرورة و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و في الجواهر في شرح قول الماتن: (كما في المقنعة و جمل العلم و العمل و النهاية و المبسوط و الاستبصار و التهذيب و الاقتصاد و الكافي و الغنية و المراسم و السرائر و المهذب و الجامع على ما حكى عن بعضها. إلخ) و يدل عليه جملة من النصوص الواردة عنهم- عليهم السّلام- منها:

1- ما رواه على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن حماد عن الحلبي قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا، الا أن لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «1».

2- ما رواه مثنى بن عبد السّلام عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام، قال:

لا يحتجم المحرم الا أن يخاف على نفسه ان لا يستطيع الصلاة «2».

3- ما رواه موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن المثنى عن الحسن الصيقل عن أبى عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا الا أن يخاف التلف و لا يستطيع

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 264

..........

الصلاة و قال: إذا أذاه الدم فلا بأس به و يحتجم و لا يحلق الشعر «1» 4- بإسناده عن ذريح أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ فقال:

نعم إذا خشي الدم) «2» إلى غير ذلك من الأخبار المأثورة عنهم- عليهم السّلام- الدالة منطوقا و مفهوما على المدعى؛ و هو حرمة إخراج الدم إلا عند الضرورة على المحرم، هذا مع الغض عن الأخبار المستفاد

منها كراهة ذلك و سيأتي ذكرها و وجه الجمع بينها و بين ما تقدم آنفا من الاخبار الظاهرة في الحرمة عند تعرض المصنف بعد قوله المتقدم لنقل القول بالكراهة، و كيف كان فلو كانت الأخبار الناهية عن إخراج الدم منحصرة في الأخبار المتقدمة لكان اللازم الالتزام بحرمة الحجامة فقط على المحرم و لم نتعدى الى غيرها، و ذلك لاحتمال خصوصية فيها و مع احتمال دخل خصوصية المورد في الحكم لا وجه للتعدي إلى غيره إذ لا قطع بالمناط حتى يمكن التعدي، و لكن نحكم بحرمة إخراج الدم مطلقا لأخبار أخر و المستفاد من مجموعها حرمة مطلق الإدماء و الأخبار الواردة في المقام مختلفة، فإن بعضها وارد في خصوص الحجاجة و قد تقدم ذكره.

و بعضها وارد في حك الرأس إلى أن يدمي و هو صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال: بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8

(3) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و أورد أيضا في باب 73 من هذه الأبواب الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 265

..........

و لا ينافيه خبر على بن أبي حمزة عن ابى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا حككت رأسك فحكه حكا رقيقا. و لا تحكن بالأظفار و لكن بأطراف الأصابع «1» و ذلك ظاهر و كذلك لا ينافيه ما رواه عمار بن موسى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يكون به الجرب

فيؤذيه؟. قال يحكه فان سال الدم فلا بأس «2». و ذلك لظهوره في حصول الضرورة.

و بعضها وارد في حك البدن إلى أن يدمي، و هو ما رواه عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و يحك الجسد ما لم يدمه «3».

و بعضها وارد بعنوان النهى عن السواك مع حصول الإدماء، و هو صحيح ابن أبى عمير عن عماد عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يستاك؟.

قال: نعم و لا يدمي «4» و لا ينافي ذلك خبر معاوية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت المحرم يستاك؟. قال: نعم قلت: فإن أدمى يستاك؟ قال: نعم هو من السنة «5» و ذلك لأنه لا يمكن الأخذ به لإعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عنه الموجب لخروجه عن حيز دليل الاعتبار، و هو مخالف للإجماع، فإن الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بين قائل بالحرمة و بين قائل بالكراهة إلا أن يوجه الحديث بان المفروض السواك مع عدم العلم بحصول الإدماء- كما أفاده صاحب الوسائل- قدس سره.

ثم أنه لا ينافيه أيضا ما رواه على بن جعفر في (كتابه) عن أخيه موسى عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(5) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 266

و قيل يكره و كذا قيل في

حك الجسد المفضي إلى إدمائه و كذا في السواك و الكراهية أظهر (1)

قال: سألته عن المحرم هل يصلح له أن يستاك؟ قال: لا بأس و لا ينبغي أن يدمي فمه «1» لأن المراد من كلمة: (لا ينبغي) فيه هو الحرمة بقرينة صحيح الحلبي المتقدم الدال عليها، و لو لا هذه القرينة لم تكن ظاهرة في ذلك، بل كانت ظاهرة في مجرد الحزازة، كما ذكرناه غير مرة من دون دلالتها على الكراهة المصطلحة و الحرمة كذلك فلا دلالة فيها على الكراهة المصطلحة حتى ينافيها ما يدل على الحرمة

(1) و القائل الأول الشيخ- قدس سره- و في محكي الخلاف: (يكره الاحتجام) و تبعه المصنف- قدس سره- في النافع و عن المصباح و مختصره: كراهيته و الفصد و اقتصر على الثاني: في محكي الاقتصاد و الكافي و على الثالث و الحك: القاضي و يمكن ان يكون الوجه في القول بالكراهة هو الجمع بين الأخبار المتقدمة الدالة على حرمة الاحتجام و بين صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر «2» و ما رواه محسن بن أحمد بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا أحبه «3». و ما رواه محمد بن على بن الحسين قال: احتجم الحسن (الحسين خ ل) بن على عليهما السّلام و هو محرم «4» و ما رواه إسحاق بن إبراهيم عن مقاتل بن مقاتل قال: رأست أبا الحسن عليه السّلام في يوم الجمعة في وقت الزوال على ظهر الطريق يحتجم و هو محرم «5» و ما رواه الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا عليه السّلام

يحدث عن أبيه عن آبائه عن على عليه السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله احتجم و هو صائم محرم «6» و ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري في (قرب الاسناد) عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7

(5) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

(6) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 267

..........

سألته عن المحرم هل يصلح له أن يحتجم؟ قال: نعم و لكن لا يحلق مكان المحاجم و لا يجزه «1».

و بهذه الأخبار أخذ صاحب المدارك و مثله صاحب الذخيرة على ما حكى عنه؛ و جمع بينها و بين النهي في الأخبار المتقدمة على الكراهة، و لكنه أنت خبير بما فيه- كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم- ضرورة: أن هذه الأخبار غير صالحة لإثبات جواز الإدماء في قبال الأخبار المتقدمة المثبتة للحرمة المعتضدة بعمل المشهور.

و أما ما استشهد به في المدارك من رواية يونس بن يعقوب المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: (لا أحبه) قال: (فان لفظ [لا أحبه] ظاهر في الكراهة) ففيه: إن كلمة: «لا أحبه» و إن لم تكن في نفسها صالحة للاستدلال بها على الحرمة، إلا أنها تكون نظير كلمة: [لا ينبغي] التي ليست ظاهرة في الكراهة المصطلحة و

لا الكراهة كذلك، بل تكون ظاهرة في مجرد الحزازة- كما بينا ذلك مرارا و كرارا في المباحث السابقة- فلا يجوز حملها على أحد المعنيين إلا بالقرينة، فبقرينة الأخبار الناهية تحمل عليها، مضافا الى أنه لا مجال لذلك في المقام، و سيتضح لك وجهه بعد أسطر إن شاء اللّه تعالى.

و أما قوله عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم: (لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر) فهو- كما ترى- مطلق و الأخبار المتقدمة الناهية عنه الظاهرة في الحرمة لو لا الضرورة تقيده و تقدم عليه بالأخصية.

و أما باقي الأخبار فبعد الغض عن سندها فلعله كان احتجام الامام عليه السّلام و النبي صلّى اللّه عليه و آله لأجل الضرورة، مضافا إلى أنه على فرض تماميتها سندا و دلالة لا تقاوم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 268

..........

الأخبار المتقدمة المعتضدة بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فالقول بالكراهة ضعيف، فتدبر.

ثم أنه يمكن الجمع بين الاخبار المتقدمة بوجه آخر و هو أن يقال انه مع عدم الضرورة لا يمنع عن الاحتجام ما دام لم يكن مستلزما لإزالة شعره، لعدم كون الحجامة في نفسها محرمة دون ما إذا كان مستلزما لذلك؛ فتحمل الأخبار الناهية على صورة استلزام الاحتجام لإزالة الشعر و غيرها على صورة ما إذا لم يستلزم ذلك، و أما مع الضرورة فيحكم بجوازه و ان استلزم إزالة الشعر، و لكن ينافي هذا الجمع قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم: (لا الا أن لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المهاجم). و قوله عليه السّلام فيما رواه الحسن الصيقل المتقدم ذكره أيضا: (لا

الا أن يخاف التلف. إلخ).

و يمكن الجمع بينها أيضا بحمل الأخبار الناهية على الكراهة، كما أفاده صاحب المدارك- قدس سره-، و لكن فيه ما عرفته غير مرة من أنه مع وجود الجمع الموضوعي لا تصل النوبة إلى الجمع الحكمي، لتقدمه رتبة على الجمع الحكمي، فالمتعين ما ذكرنا: من أن مقتضى الجمع بينها إن الحجامة جائزة مع الضرورة و محرمة مع عدمها.

« (ثم ان تنقيح المسألة يتم بذكر أمور)» 1- إن مقتضى قوله عليه السّلام فيما رواه الصيقل: (لا إلا أن يخاف التلف) و نحوه في خبر أبى جعفر عليه السّلام: (لا يحتجم المحرم إلا أن يخاف على نفسه) هو عدم ارتفاع حرمة الحجامة بمجرد طرو الضرورة ما لم تصل إلى حد خوف التلف.

2- إن المراد من قوله عليه السّلام فيما رواه الصيقل: (و لا يستطيع الصلاة)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 269

..........

بقرينة قوله عليه السّلام فيه: (لا الا أن يخاف التلف): هو عدم استطاعته من الإتيان بطبيعة الصلاة حتى أدنى مرتبة منها لا عدم استطاعته من الإتيان بالصلاة التامة بطبيعتها الأولية 3- إن مقتضى قوله عليه السّلام في بعض الأخبار المتقدمة: (إذا أذاه الدم فلا بأس به و يحتجم و لا يحلق الشعر) هو الاكتفاء بمطلق الأذية الحاصلة منه و لو أدنى درجة فنقيده بصورة وصول الأذية إلى حد خوف التلف و كذا نقيد بذلك إطلاق ما في خبر عبد الرحمن عن جعفر (حفص خ ل) بن موسى (مثنى خ ل) عن مهران بن أبى نصر و على بن إسماعيل عمار جميعا عن أبى الحسن عليه السّلام، قال:

سألناه؟ فقال: في حلق القفاء للمحرم (و خ) إن كان أحدكم يحتاج (أحد منكم خ) يحتاج إلى الحجامة

فلا بأس، و إلا (فيلزم خ) فليزم ما جرى عليه الموسى إذا حلق «1» و ذلك حيث ان الاحتياج له مراتب فنقيده بتلك الصورة و كذلك الكلام في قوله عليه السّلام في رواية زريح المحاربي: (نعم إذا خشي الدم) فبناء على ما ذكرنا صار دليل نفي العسر و الحرج مقيدا فيما نحن فيه، فلاحظ و تأمل و اللّه هو الهادي إلى الصواب.

و كيف كان فقد تحصل: أن المذكور في الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام في مقام تجويز الحجامة للمحرم أمور ثلاثة: 1- خوف التلف. 2- الأذية.

3- عدم الاستطاعة من الصلاة، اللهم الا أن يقال بملازمتها للأذية مطلقا و لخوف التلف ان فسرناها بعدم التمكن من الإتيان بطبيعة الصلاة فلا ينبغي عدها حينئذ أمرا على حدة، و الا لزم حد الخشية من الدم و الاحتياج إلى الحجامة أيضا، لكونهما مذكورين أيضا في أخبار الباب.

4- ان خوف التلف ليس أخص من الأذية حتى يقال بعدم إمكانه، إذ هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 62 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 270

..........

تحديد بالزائد و الناقص، فتكون الأذية محمولة على صورة خوف التلف، بل يكون بينهما عموم من وجه، تقريب ذلك: هو أنه (تارة): لم تحصل له أذية فعلية من الدم، لكنه يخاف التلف من كثرة الدم، و (أخرى): تحصل له أذية فعلية و لكنه لا يخاف التلف، و (ثالثة) تحصل له أذية فعلية و خوف التلف، و كيف كان فلا بد من الجمع بين هذه الأخبار و يمكن الجمع بينها بوجهين:

(الأول) تقييد إطلاق الشرط المقابل للعطف بالواو لتكون النتيجة هو القول بأنه يشترط في جواز الحجامة اجتماع أمور ثلاثة [- خوف التلف و

عدم استطاعته من الصلاة- و الأذية] فكل منها جزء للشرط.

(الثاني)- الجمع بينها بتقييد إطلاق الشرط المقابل للعطف بأو لتكون النتيجة هو القول بأنه يشترط في جوازها: [أن يخاف التلف- أو لا يستطيع الصلاة- أو يتأذى من الدم] لأنه بناء عليه تكون النتيجة إثبات العدل فيكون وجود أحدها كافيا في ترتب الحكم و العرف في المقام يساعد على الجمع بينها بالنحو الثاني و وجه ذلك واضح.

« (ينبغي هنا التنبيه على أمرين)» (الأول)- جواز إخراج الدم الدمل بعصره، و ذلك اما للقول بخروجه عن الإدماء موضوعا، فان عصر الدمل- كما قيل- إخراج للدم الحاصل لا أنه احداث للدم و إخراجه- كما في الحك الى أن يدمي، و في السواك الى أن يدمي- و اما لتقييد إطلاق ما دل على حرمة إخراج الدم بما دل على جواز إخراج الدم الدمل و هو ما رواه على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يعصر الدمل و يربط على القرحة؟.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 271

..........

قال: لا بأس «1».

(الثاني)- جواز قلع ضرسه و غيره مما لا يدخل في الأخبار المتقدمة و يكفينا في الحكم بالجواز الأصيل إلا إذا قام دليل تعبدي على حرمة مطلق الإدماء.

و أما الاستدلال لذلك بخبر الصيقل أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم تؤذيه ضرسه أ يقلعه؟. فقال: نعم لا بأس به «2» فمما لا يمكن المساعدة عليه، لإمكان حمله على صورة الضرورة- كما هو واضح- و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط.

(الثالث)- ان الخلاف في هذه المسألة بالتحريم و الكراهة انما هو عند عدم الضرورة و

أما معها فلا خلاف و لا إشكال في الجواز بل الإجماع بقسميه عليه، و به صرحت الأخبار المتقدمة و عليه تجمع الأخبار، كما عرفت.

(الرابع) أنه قد وقع الخلاف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بالنسبة إلى الكفارة، فعن الدروس (و فدية إخراج الدم شاة ذكره بعض أصحاب المناسك). و قال الحلبي: (في حك الجسد حتى يدمي مد طعام مسكين).

و لكن الظاهر عدم الفدية حتى مع اختيار ذلك فضلا عن صورة الاضطرار و ذلك للأصل بعد خلو النصوص المتقدمة التي وردت في مقام البيان عن ذلك. نعم، في حديث محمد بن عيسى عن عدة من أصحابنا عن رجل من أهل خراسان أن مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شي ء محرم قلع ضرسه؟. فكتب عليه السّلام: يهريق دما «3» و لكن فيه ما لا يخفى من وجوه، قال في الدروس: (الثالث و العشرون قلع الضرس و فيه دم و الرواية مقطوعة) و قال ابن الجنيد على ما حكاه صاحب الجواهر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 70 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 95 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 272

[و قص الأظفار]

و قص الأظفار (1)

- قدس سره-: (لا بأس مع الحاجة و لم يوجب شيئا). و ظاهره- كما ترى- التردد في الفدية. و كيف كان فالحكم بثبوت الفدية مشكل، فتأمل

(1) من المحرمات على المحرم كما أفاده المصنف- قدس سره- قص الأظفار و هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر:

(بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل في

المنتهى و التذكرة: نسبته الى علماء الأمصار و هو الحجة. إلخ) و يدل عليه- مضافا الى الاتفاق المزبور- ما رواه الحسين بن سعيد عن فضالة و صفوان عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره؟. قال: لا يقص شيئا منها إن استطاع فان كان تؤذيه فليقصها (فليقلمها خ) و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام «1». و رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- في المقنع مرسلا. و ما رواه موسى ابن القاسم عن عبد اللّه الكناني عن إسحاق بن عمار عن أبى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل أحرم فنسي أن يقلم أظفاره؟ قال: فقال: يدعها قال: قلت انها طوال؟

قال: و ان كانت؛ قلت: فان رجلا أفتاه أن يقلمها و يغتسل و يعيد إحرامه ففعل؟.

قال: عليه دم «2». الى غير ذلك من الاخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- الدالة على المدعى.

ثم أن تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على ذكر أمور:

1- ان مقتضى قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (لا يقص شيئا منها إن استطاع فان كان تؤذيه فليقصها) جواز القص مع الأذية و لكن المستفاد منه عدم الاكتفاء بمطلق الأذية في جواز ذلك له بل الأذية البالغة إلى حد العسر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 77 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 77 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 273

..........

و الحرج و عدم الاستطاعة العرفية، و ذلك بقرينة قوله عليه السّلام فيه: (ان استطاع) اللهم إلا أن يقال ان المراد من الاستطاعة فيه هو مطلق الأذية بقرينة قوله عليه السّلام بعده (فان كان.

إلخ) فتأمل قال في الجواهر: (نعم قد يقال: ان المنساق من الأذية فيه و في معقد نفي الخلاف الوصول إلى حد الضرورة التي يسقط معها التكليف خصوصا بعد عدم معروفية غيرها في سائر المقامات و موافقيته للاحتياط) 2- ان المستفاد من بعض الأخبار ترتب الحكم على القلم الذي هو عبارة عن مطلق الإزالة و هو أعم من القص المعبر به في كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بناء على ارادة خصوص القطع بالمقص (أى المقراض) فعليه يكون المدار في ترتب الحكم على مطلق الإزالة.

3- ان مقتضى صحيحة زرارة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (من قلم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه، و من فعليه متعمدا فعليه دم «1» هو عدم ترتب الكفارة إذا قلم أظافيره جاهلا أو ناسيا أو ساهيا، و في صحيح حماد عن أبي حمزة قال: سألته عن رجل قص أظافيره إلا إصبعا واحدا، قال: نسي؟ قلت: نعم، قال: لا بأس «2». و في صحيح زرارة بن أعين قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة) «3».

و أما صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في المحرم ينسى فيقلم ظفرا من أظافيره؟ قال: يتصدق بكف من الطعام، قلت فاثنتين؟ قال كفين، قلت:

فثلاثة؟ قال: ثلاث أكف. إلخ «4» فهو لأجل تسالم الأصحاب- رضوان اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام

الحديث 6

(4) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 274

[و قطع الشجر و الحشيش]

و قطع الشجر و الحشيش (1)

تعالى عليهم- على خلافه محمول على الاستحباب. كما أفاده الشيخ- قدس سره- فتدبر.

3- ان المستفاد منها عدم الفرق في ترتب الحكم على القلم بين الكل و البعض كما صرح به غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم.

(1) الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في أنه يحرم على المحرم قطع الشجر و الحشيش من الحرم الذي هو بريد في بريد كما ستسمعه في الصحيح، عدا ما يأتي استثنائه في المقام- ان شاء اللّه تعالى- قال في الجواهر (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه؛ بل في المنتهى و عن التذكرة نسبته إلى علماء الأمصار، و هو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة. إلخ).

و يدل عليه ما رواه موسى بن سعدان عن عبد اللّه بن القاسم عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال: نعم، قلت: له أن يحتش لدابته و بعيره؟ قال: نعم، و يقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فإذا دخل الحرم فلا «1». و ما رواه محمد بن على بن الحسين بإسناده عن محمد ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: قلت: المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم قال: نعم قلت: فمن الحرم؟ قال: لا «2». و ما رواه على بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين «3». و ما رواه جميل بن دراج

عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: رآني على بن الحسين عليه السّلام و أنا أقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى فقال: يا بنى أن هذا لا يقلع «4». و ما رواه هارون ابن حمزة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام فقال إن على بن الحسين عليهما السّلام كان يتقى الطاقة من العشب ينتفها من الحرم، قال: و رأيته و قد نتف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 275

..........

طاقة و هو يطلب أن يعيد مكانها «1». و ما رواه حماد بن عيسى عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين (الا خ) ما أنبته أنت و غرسته «2» و نحوها غيرها من الاخبار الدالة مفهوما و منطوقا على المدعى.

« (ينبغي هنا التنبيه على أمور)» (الأول)- ان مقتضى إطلاق بعض النصوص عدم الفرق في ترتب الحكم بين المحرم و المحل بل و عدم الفرق في ذلك بين القطع و القلع و النزع و غير ذلك مما اشتملت عليه الروايات التي لا تعارض فيها بالنسبة إلى ذلك، بل و عدم الفرق بين الورق و الأغصان و الثمر و غير ذلك بل و عدم الفرق أيضا بين الرطب و اليابس.

و أما ما رواه زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: حرم اللّه حرمه بريدا في بريد ان يختلى خلاه [1] أو يعضده

شجره إلا الإذخر أو يصاد طيره و حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها و حرم ما حولها بريدا في بريد ان يختلى خلاها و يعضد شجرها إلا عودي الناضح «3» بناء على كون الخلاء فيه الرطب فهو على تقديره غير معارض لغيره من النصوص الدالة على حرمة جميع التصرفات فيما ينبت في الحرم إلا ما خرج بالنص و ذلك واضح.

______________________________

[1] قال الجوهري: (الخلاء «مقصورا»: الحشيش اليابس، تقول: خليت الخلاء و أخليته أي جززته و قطعته). و لكن في القاموس: (الخلا «مقصورا»: الرطب من النبات أو كل بقلة قلعتها) و عن النهاية: (الخلاء: «مقصورا»: النبات الرقيق ما دام رطبا و اختلاؤه قطعه) و عن مجمع البحرين (اى لا يجتز نبتها الرقيق ما دام رطبا و إذا يبس سمى حشيشا)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 276

..........

(الثاني)- الإشكال فيما رواه جميع بن دراج المتقدم ذكره من أنه كيف كان عليه السّلام يقلع حشيش الحرم مع أنه حرام و الجواب عن ذلك بأنه عليه السّلام كان طفلا فيحمل على كون القلع كان قبل التكليف؛ كما أفاده صاحب الوسائل- قدس سره- ان قلت: أنه إذا كان كذلك لم نهاه الامام عليه السّلام بقوله: (ان هذا لا يقلع) قلت: يمكن أن يوجه بان المقصود منه هو بيان حكم قلع هذا الحشيش في نفسه لا نهيه عليه السّلام. و على فرض تسليمه نقول: انه نهى للتنزيه بالنسبة إليه.

ثم أنه في البين احتمال

آخر و هو كون المراد من أبى عبد اللّه شخصا آخر غير الامام الصادق عليه السّلام لان دركه لعلى بن الحسين عليهما السّلام غير معلوم، مضافا إلى أنه ضعيف سندا على ما قيل فتدبر.

(الثالث) ان مقتضى قوله عليه السّلام في صحيح حريز المتقدم: (كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين) هو حرمة جميع التصرفات فيه لا خصوص القلع و القطع مع عدم التزام الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- به و لكن يمكن التفصي عن ذلك بوجوه:

1- أن يقال أنه ليس له إطلاق، لوروده في مقام التشريع.

2- ان يقال: ان حرمة القطع و القلع بواسطة الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام- كانت مغروسة في ذهن الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- لكثرة سماعهم لذلك عنهم التي أوجبت انصراف قوله عليه السّلام: (كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام) إلى حرمة القلع و القطع و هذا الاحتمال يكفي في عدم ثبوت حرمة مطلق التصرف فيه.

3- أن يقال ان ما ورد في الأخبار الأخر من حرمة القطع و القلع مقيد لإطلاقه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 277

..........

4- أن يقال إن النبات بعد القطع أو القلع أو غيرهما لا يصدق عليه النبات حتى يحكم بحرمة مطلق التصرف فيه لهذا الحديث، فقد تحصل: ان النابت في الحرم و ان كان يحرم قلعه و قطعه لكن يجوز التصرف فيه بعد قطعه أو قلعه، و لا يقاس بمسألة الصيد.

و لكن هذه الوجوه كلها لا تخلو من المناقشة و الاشكال:

أما (الأول): فلان الظاهر منه كونه في مقام البيان لا في خصوص أصل تشريع الحكم، كما هو واضح.

و أما (الثاني): فلأنه احتمال بعيد، لا عبرة به.

و أما (الثالث): فلان إثبات الشي ء لا ينفي

ما عداه، و ما دل على حرمة القلع أو القطع انما هو بيان لأحد أفراد التصرفات المحرمة.

و أما (الرابع): فلان الموجود في صحيح حريز ليس عنوان النبات. بل عنوان (كل شي ء ينبت في الحرم) مضافا إلى أنه و ان لم يصدق عليه النبات، لكنه يصدق عليه الحشيش؛ فيشمله ما دل على حرمة احتشاش الحشيش، و لكنه انما يتم بناء على كون معنى ذلك مطلق جمعه لا خصوص قلعه و قطعه كما لا يخفى.

(الرابع)- ان الحكم في المقام- حسب ما يستفاد من النصوص- انما يترتب على ما يصدق عليه النبات فلا يشمل غيره مما لا يصدق عليه هذا العنوان.

(الخامس)- انه إذا ارتكب الحرام و قطع الشجرة فهل يجب عليه إعادتها أولا؟؟

يمكن الاستدلال على وجوبها بصحيح حريز المتقدم لما فيه (قال: و رأيته و قد نتف طاقة و هو يطلب ان يعيد إلى مكانها). و قال: صاحب الوسائل- قدس سره- في عنوان الباب: (باب تحريم قطع الحشيش و الشجر من الحرم للمحل و المحرم و قلعه فان فعل وجب إعادتها. إلخ) و ظاهر كلامه- قدس سره- كما ترى-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 278

إلا أن ينبت في ملكه، و يجوز قطع شجر الفواكه و الإذخر، و النخل، و عودي المحالة على رواية (1)

هو وجوب الإعادة، كما ان ظاهر الحديث ذلك فهو ينافي ما نسب إلى الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- من أنه إذا انقطعت الأوراق أو الأغصان أو قطعها الشخص عصيانا جاز له التصرف فيها؛ و أن مقتضى الجمع بينهما. أن يقال: ان المراد من وجوب الإعادة هو وجوبها في خصوص صورة القلع من الأصل لتكون نافعة، و المراد من عدم وجوب الإعادة هو ما لم يكن

كذلك، فلا تنافي بين الفتويين ثم أن قوله: (و قد نتف طاقة) لا بد من حمله على صورة المستثنيات بان يقال أنه عليه السّلام انما نتفها لكونها من المستثنيات التي سيجي ء ذكرها- ان شاء اللّه تعالى- فلم يحرم عليه نتفها هذا إذا قرئ [نتف] مبنيا للفاعل؛ و أما إذا قرء مبنيا للمفعول فلا يلزم ذلك- كما لا يخفى- و لكنه لا يخلو من الاشكال

(1) قد استثنى من حرمة قطع ما ينبت في الحرم أشياء:

(الأول)- ما نبت في منزله أو مضربه و قد صرح به غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و يدل عليه الأخبار منها:

1- خبر حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم؟. فقال: ان كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبنى الدار أو يتخذ المضرب فليس له أن يقلعها و إن كانت طرية عليه فله قلعها) «1».

2- خبره الآخر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم؟ فقال: «ان بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له أن يقلعها، و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها» «2». إلى غير ذلك من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام-

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 279

..........

ثم ان تحقيق الكلام في هذه المسألة يتم في ضمن أمور:

1- أنه هل يعتبر في المنزل أو المضرب أو يكون ملكا أو لا؟.؟.

الظاهر: عدم دليل على اعتبار ذلك. و أما قوله عليه السّلام في خبر عثمان المتقدم

(. و هو له) ففيه: (أولا)- عدم ظهور اللام في الملكية. و (ثانيا):

اختلاف النسخ فيه، إذ في نسخة: (و هي له) فبناء عليها كما يحتمل- بعيدا- رجوع ضمير: (و هي له) إلى المنزل بعد التأويل و جعله بمعنى الدار كذلك يحتمل- قريبا- رجوعه إلى الشجرة، و مع هذا الاحتمال القريب لا يدل على اعتبار ملكية محل الشجرة، فإن ثبت اعتبار إحدى النسختين بالخصوص فلا كلام، و إلا فلا عبرة بشي ء منهما، و حينئذ فيعلم إجمالا باعتبار ملكية نفس الشجرة أو مكانها في جواز القطع، و المتيقن هو اعتبار الملكية في كل منهما، فلا يجوز القطع مع مملوكية أحدهما له؛ لعمومات حرمة القطع، الا أن يدعى سقوطها عن الاعتبار بعد العلم الإجمالي بتخصيصها بناء على ما هو الحق من سقوط العام عن الحجية في المخصص المنفصل المردد بين شيئين، فحينئذ يرجع الى الأصل العملي- و هو جواز القطع- فتدبر.

ثم لا يخفى أنه لا يمكن إثبات عدم ظهور قوله عليه السّلام (له) في الملكية ب (دعوى): عدم صيرورة الحرم ملكا، و ذلك لعدم دليل تعبدي على أن الحرم على الإطلاق لا يملك نعم، المشاعر فقط لا تملك؛ و من المعلوم عدم كونها تمام الحرم، و المكة بما أنها مفتوحة عنوة لا يملك عمرانها دون غيره، فيمكن أن يقال بان المراد من جواز قلعه إذا نبت في منزله إذا كان ملكا له، بان لا يكون مبنيا في المشاعر و لا في عمران مكة.

هذا مضافا إلى أنه يكفي في صدق هذا العنوان عرفا- و هو كونه ملكا-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 280

..........

صرف كونه بنائه المذكور ملكا و ان لم تكن أرضه مملوكة له فتأمل.

ثم أنه لا يمكن التعدي

من مورد الروايات- و هو المنزل و المضرب- الى غيره- من مطلق الملكية- لاحتمال دخل خصوصيتهما في الحكم نعم، إذا حصل القطع بالمناط و عدم مانع من الجعل فلا محيص حينئذ عن التعدي و لكنه مجرد فرض لعدم الإحاطة بملاكات الأحكام و موانعها. و من هنا ظهر أن كلام المصنف- قدس سره- و هو: (الا أن ينبت في ملكه) على إطلاقه لا يستقيم.

2- أنه لا بد في مفروض المقام من الاقتصار على الشجرة، إذ من المعلوم عدم صدق هذا العنوان على كل نبات، فلا يمكن التعدي إلى غيرها، لاحتمال خصوصية فيها. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل أيضا فحينئذ لا محيص عن التعدي و لكنه قد عرفت آنفا و في غير واحد من المقامات أنه مجرد فرض لعدم السبيل اليه لقصور عقولنا عن درك ملاكات الأحكام و موانعها فتدبر.

3- أنه لا يشترط في جواز القطع كون الشجرة ملكا له، لعدم ثبوت اعتبار النسخة المشتملة على قوله عليه السّلام: (و هي له) حتى يقال برجوعها إلى الشجرة، و ظهوره في كونها ملكا له. نعم بناء على عدم ثبوت صحة النسخة الأخرى ينتهي الأمر إلى العلم الإجمالي بتقيد الشجرة بملكية نفسها أم محلها و قد عرفت ما يقتضيه العلم الإجمالي فلاحظ و تأمل.

4- انه هل يختص الحكم في مفروض المقام بالمنزل و الدار الذي كان معمولا في الزمن السابق- من كونه مبنيا على الطين- أو يعم غيره يمكن أن يقال بالأول، للانصراف لكن (فيه): أولا منع الانصراف، و ثانيا: بدويته بعد تسليم ثبوته فلا عبرة به في تقييد الإطلاق، لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص:

281

..........

في الانصراف الصالح للتقييد، فتدبر. و عليه فبمقتضى قوله عليه السّلام: (ان بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له ان يقلعها، و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها) يحكم إطلاق الحكم لكل ما صدق عليه عنوان المنزل.

5- أنه لا فرق في جواز القلع في مفروض المقام بين المباشرة و التسبيب نعم، إذا كان ملكا لشخص و أراد غيره ان يقلعه فعليه إرضاء مالكه في ذلك لكونه تصرفا في مال الغير، فلا يجوز بغير اذنه.

(الثاني)- شجر الفواكه من الحرم، هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه غير واحد إلى قطع الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- كما عن ظاهر المنتهى: الاتفاق عليه بل عن ظاهر الخلاف: الإجماع على نفي الضمان عما جرت العادة بغرس الآدمي له نبت بغرسه أولا.) و يدل عليه- مضافا إلى الاتفاق المزبور ما رواه منصور ابن حازم عن سليمان بن خالد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: لا ينزع من شجر مكة شي ء إلا النخل و شجر الفواكه «1». و ما رواه عبد الكريم عمن ذكره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا ينزع من شجر مكة إلا النخل و شجر الفواكه «2» و لا يخفى ان إطلاق الاذن في النزع يشمل القلع و القطع فتدبر.

ان قلت: ان في الخبرين قصورا من حيث السند. قلت نعم: لكنه منجبر بعمل الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- بمضمونها الموجب للاطمئنان بالصدور الذي هو مناط الحجية.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 3، ص: 282

..........

(الثالث)- الإذخر [1] و في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه- كما اعترف به غير واحد، بل عن المنتهى و التذكرة: الإجماع عليه؛ و هو الحجة.

و يدل عليه قوله عليه السّلام في موثقة زرارة المتقدمة في صدر المبحث (إلا الإذخر) و قوله عليه السّلام في حديث زرارة الآتي: (و الإذخر).

(الرابع)- النخل و الظاهر تسالم الأصحاب عليه، و يدل عليه قوله عليه السّلام في خبر منصور بن حازم و مرسل عبد الكريم المتقدمين: (إلا النخل).

(الخامس)- عودي المحالة [2] و يدل عليه ما رواه محمد بن الحسين عن أيوب بن نوح عن العباس بن عامر عن الربيع بن محمد المسلمي عمن حدثه عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قطع عودي المحالة و هي البكرة العظيمة يستقى بها من شجر الحرم و الإذخر «1» و اليه أشار المصنف- قدس سره- بقوله: (على رواية) و لكنه ضعيف سندا، لإرساله، و لا جابر له على وجه يعتد به، فتدبر.

(السادس)- ما كان داخلا عليك من الأوراق و الأغصان، و يدل عليه ما رواه على بن الحسين بإسناده عن إسحاق بن يزيد، أنه سأل أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها؟. قال: اقطع ما كان داخلا عليك، و لا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك «2» و لا يمكن التعدي إلى غير المنزل أى لا يجوز قطع ما كان داخلا في غير المنزل، لاحتمال خصوصية فيه.

______________________________

[1] و الإذخر (بكسر الهمزة و الخاء المعجمة) قيل نبت معروف؛ و في محكي مجمع البحرين قال في وصفه: (يحرقه الحداد بدل الحطب و الفحم).

[2] المحالة (بفتح الميم) البكرة العظيمة

التي يستقى بها، قاله الجوهري و المراد:

العودان اللذان تجعل عليهما المحالة تستقي بها.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 283

..........

(السابع)- عودي الناضح، و قد دلت عليه موثقة زرارة لقوله عليه السّلام فيها:

(. و حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها و حرم ما حولها بريدا في بريد ان يختلى خلاها و يعضد شجرها إلا عودي الناضح «1» و هذا كما ترى ورد في حرم الرسول صلّى اللّه عليه و آله لا في حرم مكة، فلا يمكن الاستدلال به على استثناء عودي المحالة، ان قلنا بأن عودي المحالة غير عودي الناضح. هذا و التعدي تمسكا بالقول بعدم الفصل غير صحيح، و أما عودي المحالة فقد ورد حديث في استثنائه، لكنه يشكل الأمر بإرساله و قد عرفته في الأمر الخامس فراجعه.

(الثامن)- عصى الراعي و يمكن أن يستدل لذلك بما عن دعائم الإسلام عن على عليه السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رخص في الإذخر و عصى الراعي «2» و لكنه لا عبرة به، لإرساله و بما عن الجعفريات عن على عليه السّلام قال رخص رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن يعضد من شجر الحرام الإذخر و عصى الراعي ليسوق بها بعيره و ما يصلح بها من دلو «3» و فيه أيضا ما لا يخفى، لكونه مجهولا.

(التاسع)- النزع و الجمع لتأكله الإبل؛ و يدل عليه ما رواه محمد بن أبى عمير و صفوان بن يحيى عن جميل و عبد الرحمن بن أبى نجران قال: سألت أبا

عبد اللّه عليه السّلام عن النبت الذي في أرض الحرم أ ينزع؟. فقال: أما شي ء تأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه «4» و لكنه يعارضه ما رواه عبد اللّه بن القاسم عن عبد اللّه ابن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال: نعم، قلت: له أن يحتش لدابته و بعيره؟ قال: نعم، و يقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) المستدرك ج 2 الباب 69 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) المستدرك ج 2 الباب 69 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 89 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 284

..........

الحرم فإذا دخل الحرم فلا «1» فعليه فالمرجع بعد التعارض العمومات و الإطلاقات الدالة على الحرمة، لخروجها عن حريم التعارض.

ضرورة أن التعارض يختص بالمقيدين كما إذا أورد: «أعتق رقبة» و «أعتق رقبة كافرة» و «لا تعتق رقبة كافرة» فلو كان التعارض بين المقيدين و المطلق معا فاللازم سد باب التقييد، إذ ملاك هذا التعارض موجود فيما إذا اتحد المقيد أيضا و قد قرر في محله فساده؛ لكون المقيد قرينة على المطلق لا معارضا له.

و من هنا يظهر ضعف القول بالجواز استنادا الى ما قيل من ان دليل التخصيص إذا صار معارضا لم تكن المعارضة مختصة به و بمقابله حتى يكون المرجع بعد تعارضهما و تساقطهما عموم العام، بل العام أيضا داخل في حريم المعارضة، فعليه يكون المرجع بعد التعارض جواز النزع و الجمع لأكل البعير.

نعم يتجه المعارضة بين الخاصين و بين العام فيما إذا استوعبا العام-

كما إذا قال: [أكرم العلماء] و «يستحب إكرام عدولهم» و يحرم إكرام فساقهم]- فان التعارض يقع بين العام و بين الخاصين اللذين هما بمنزلة دليل واحد مبائن للعام لكن المقام أجنبي عنه- كما هو واضح بأدنى تأمل فالحق مرجعية العام في الخاصين المتعارضين اللذين تكون النسبة بينهما التباين- كمفروض المقام- و كيف كان فلا بأس أن يترك المحرم فضلا عن غيره أبله في الحرم ترعى في الحشيش مثلا و ان فرض حرمة قطعه عليه، و يدل عليه- مضافا إلى الأصل بعد عدم تناول النصوص المتقدمة له و السيرة القطعية التي هي فوق الإجماع- ما رواه حماد بن عيسى عن حريز بن عبد اللّه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «تخلى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 285

..........

البعير في الحرم يأكل ما شاء «1».

(العاشر)- ما أنبته أنت و يدل عليه ما رواه عبد الرحمن عن حماد بن عيسى عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت و غرسته» «2». و قال: في الجواهر ما هذا لفظه:

(و في التهذيب بعد أن روى صحيح حريز الذي ذكرناه في أول المسألة قال: متصلا بقوله: [إلا ما أنبته أو غرسته]: (و كل ما دخل على الإنسان فلا بأس بقلعه فان بنى هو في موضع يكون فيه نبت لا يجوز له قلعه)، فيحتمل أن يكون ذلك من تتمة الصحيح، و الا كانت فتوى منه مستظهرا لها من الخبرين الأولين اللذين و ان كانا مشتملين على خصوص الشجرة إلا أنه لا قائل بالفرق بينه و

بين غيره. إلخ.

و كيف كان فالحديث المتقدم و ان كان يدل على استثناء ما أنبته أنت من الحكم المزبور، الا أنه قد ورد أيضا عين هذا الحديث غير مذيل بهذا الذيل و هو الحديث الأول من الباب- 86- من أبواب تروك الإحرام عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين) فعليه يشكل الأمر في ذلك، فإنه و ان كان هذا الحديث مغايرا للحديث الأول من حيث بعض رجال السند لكن لا يضر ذلك بالمدعى، لأن الذي سمع عن الامام عليه السّلام فيهما واحد- و هو حريز- فكما يحتمل سماعه عن الامام عليه السّلام مرتين (أحدهما) مع الذيل و (ثانيهما): بدونه، كذلك يحتمل أنه سمع مرة واحدة و أن يكونا حديثا واحدا لا ندري أنه زيد في أحد النقلين أو حصل النقص في الآخر و تقديم احتمال النقيصة على احتمال الزيادة كما هو المتداول بين علماء الدراية بعد تسليم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 88 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 286

..........

صحته يختص مورده بحديث واحد نقل تارة مع الزيادة و اخرى بدونها و أما مع احتمال التعدد فلا مجال للتقديم المزبور، كما لا مجال للاستناد إليه في الحكم المزبور إلا بالاطمينان بالتعدد و كونهما حديثين و عدم كفاية احتمال التعدد، فاستثناء قطع ما أنبته المحرم عن حرمة قطع ما نبت في الحرم مشكل و تقتضي العمومات الحرمة فتدبر.

هذا و يمكن أن يقال: ان قوله عليه السّلام في صحيح حريز: (كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس

أجمعين) ليس مطلقا حتى نحتاج إلى الاستثناء بقوله:

(إلا ما أنبته و غرسته)، بل هو منصرف إلى ما نبت بنفسه و لا يشمل ما أنبته الآدمي هذا و لكن التحقيق خلافه لانه خلاف الظاهر إذا يلزم بناء على هذا الانصراف كون الاستثناء منقطعا، لعدم شمول المستثنى منه حينئذ لما أنبته الآدمي حتى يخرج بالاستثناء و مع إمكان الاتصال و ظهور الكلام فيه لا وجه لجعل الاستثناء منقطعا كما لا يخفى.

ثم لو ثبت استثناء هذا العنوان- اعنى قوله عليه السّلام: (إلا ما أنبته أنت)- لم يكن الجواز مختصا بما إذا أنبته هو بنفسه، بل نقول بجواز القطع و القلع حتى ما إذا كان أنبته غيره على وجه يسند الإنبات إليه دون ما إذا لم يكن مستندا إليه إذ ظاهر قوله عليه السّلام (ما أنبته أنت) هو كون الإنبات فعله المباشري أو التسبيبى بل دعوى: ظهوره في خصوص المباشري قريبة جدا، كما لا فرق أيضا بين ما إذا أنبته في مكان حلال، أو في مكان غصبي، و ما إذا كان البذر ملكا لك أو كان غصبا، لصدق ما أنبته على الجميع، نعم عدم جواز التصرف فيه لكونه تصرفا في ملك الغير جهة أخرى لا ترتبط بالجهة المبحوث عنها في المقام.

هذا كله بناء على ثبوت الاستثناء، و لكنه لم يثبت فعليه يكون المرجع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 287

..........

عموم العام الدال على حرمة التصرف في نبات الحرم لا البراءة لوجود الدليل الاجتهادي- و هو العموم المزبور- و معه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي- كما لا يخفى.

ثم أن مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام في صحيح حريز: (حرام) هو حرمة جميع التصرفات فيه، لدلالة حذف المتعلق على العموم أن

لم يكن هناك قرينة- من انصراف أو غيره- على ارادة بعض التصرفات. و (دعوى) انصرافه الى خصوص القطع و القلع ممنوعة. لعدم الانصراف أولا، و بدويته على فرض ثبوته ثانيا فلا عبرة به في تقييد الإطلاق، لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط للانصراف الصالح للتقييد على ما ثبت في محله و لا فرق بين كونه قائما على ساقه و بين كونه ساقطا و يابسا و الخلاء في قوله عليه السّلام في صحيح حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ألا ان اللّه عز و جل قد حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض، هي حرام بحرام اللّه الى يوم القيامة، لا ينفر صيدها، و لا يعضد شجرها، و لا يختلا خلاها و لا تحل لقطتها الا لمنشد، فقال العباس: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلا الإذخر، فإنه للقبر و البيوت؟. فقال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلا الإذخر «1» فقد عرفت فيما تقدم في صدر المبحث أنه كما فسر بالرطب كذلك فسر بالمطلق، فالتفسير فيه مختلف.

مضافا الى أنه قلنا بأنه خصوص الرطب لم يكن منافاة بين دليل حرمة الرطب و بين دليل الحرمة على نحو الإطلاق فتدبر.

ثم أن دليل حرمة التصرف في نبات الحرم لا يشمل المس و نحوه مما لا يعد يعد تصرفا عرفا كما لا يخفى-

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 288

..........

« (ثم انه ينبغي هنا التنبيه على فرع)» و هو أنه إذا سقط نبات من نباتات الحرم أو قطعها عصيانا فهل يجوز له

أن يتملكه بالحيازة و بيعه أم لا؟؟ تنقيحه مبتن على أنه هل تكون الحرمة مختصة بما إذا كان النبات قائما بساقه أم لا؟؟. فان قلنا بالأول فلا مانع منه و الا- كما هو الأقوى في النظر- فلا يجوز ذلك.

و يمكن ابتناء المسألة على كون المنهي عنه كل تصرف سواء كان خارجيا كقطعة، أو قلعه أو إحراقه أو نحوها أم اعتباريا كتملكه على حذو تملك سائر المباحات الأصلية بالحيازة- أو كون المنهي عنه خصوص التصرفات الخارجية؟؟.

الأظهر هو الثاني، لأنها صريح بعض النصوص، و انصراف الآخر فلا حظ و عليه بعد سقوط النبات أو إسقاطه عصيانا لا مانع من تملكه بالحيازة لعموم أدلة حيازة المباحات للمقام. و (دعوى): عدم كون نبات الحرم من المباحات الأصلية كما ترى.

نعم يمتاز نبات الحرم عن غيره من النباتات المباحة بعدم جواز التصرف فيه ما دام نباتا و أما بعد قطعه أو قلعه فحكمه حكم سائر المباحات الأصلية المملوكة بالحيازة لأن موضوع النهى هو القطع و نحوه من التصرفات الخارجية و المفروض عدم خروجه بهذا النهى عن المباح الأصلي، فعموم دليل حيازة المباحات باق على حاله.

نعم بناء على كون النهي إرشادا إلى عدم قابلية نبات الحرم للملكية نظير عدم قابلية الأوقاف العامة للملكية فلعدم تملكه بالحيازة وجه؛ لكنه خلاف ظاهر النهي في التكليف المولوي- كما لا يخفى.

[كتاب الحج: 36]

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 289

..........

« (تذييل)» الظاهر وقوع المعارضة بين أدلة المستثنيات؛ بتقريب: ان مقتضى ما دل على استثناء شجر الفواكه مثلا هو أن لا يكون له عدل آخر و بكون المستثنى منحصرا فيه، و كذا مقتضى ما دل على استثناء ما نبت في المنزل و المضرب و هكذا باقي المستثنيات، يمكن

الجمع بينها بوجهين:

(الأول)- ان مقتضى إطلاق كل واحد منها كونه تمام الموضوع فنقيده بنص الآخر؛ فيكون من قبيل إطلاق الشرط المقابل للعطف بالواو- المعبر عنه بالإطلاق الواوي- فتكون النتيجة في مفروض المقام: أنه يشترط في جواز القطع و القلع: (أن يكون شجر الفواكه- و قد نبت في المنزل- و قد غرسته أنت).

(الثاني)- الأخذ بظاهر كل منها في كونه تمام الموضوع للحكم بالجواز، فيكون كل من [شجر الفواكه- و النبت في المنزل- و غرس المحرم] عنوانا مستقلا محكوما بالجواز، فيتحصل من هذا الجمع: رفع اليد عن الإطلاق العدلى الرافع للعدل و الموجب لانحصار الموضوع بالجواز المستلزم لانتفاء الحكم بانتفاء الموضوع و عدم قيام غيره مقامه في بقاء الحكم و يسمى هذا الإطلاق بالإطلاق الأوى.

و هذا الوجه أظهر من سابقه، لأقوائية ظهور كل عنوان مأخوذ في حيز خطاب في الموضوعية التامة عرفا من ظهوره في الموضوعية الناقصة، و الأقوائية توجب تقدمه؛ و الحكم بان كل عنوان بنفسه موضوع مستقل لا أنه جزء الموضوع فرفع اليد عن الإطلاق العدلى النافي للعدل، و المثبت لانحصار الموضوع أهون من رفعها عن الإطلاق الواوي و مع الظهور في الاستقلالية لا يبقى مجال للمفهوم حتى يدعى تقييد إطلاقه بالمنطوق، و ذلك لترتب المفهوم على عدم جعل العدل و مع جعله لا مفهوم فيكون كل من العناوين المنطوقية المستثناة تمام الموضوع للحكم.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 290

[و تغسيل المحرم لو مات بالكافور]

و تغسيل المحرم لو مات بالكافور (1)

« (ثم انه ينبغي هنا التنبيه على فرع)» و هو أنه قد دل بعض الأخبار على تحريم قطع الشجر التي أصلها في الحرم و فرعها في الحل و كذلك العكس، و هو ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن

موسى ابن القاسم عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحل؟ فقال: حرم فرعها لمكان أصلها، قال:

قلت: فإن أصلها في الحل و فرعها في الحرم؟ فقال: حرم أصلها لمكان فرعها «1» و في بعض نسخ الرضوي: (و الشجرة متى كان أصلها في الحرم و فرعها في الحل فهي حرام لمكان أصلها و متى كان أصلها في الحل و فرعها في الحرم كان كذلك).

و نحوه غيره من الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام.

و لا ينافيه ما دل على جواز قطع الأوراق و الأغصان الواردة عليك في منزلك و هو ما رواه إسحاق بن يزيد أنه سأل أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها؟ قال: اقطع ما كان داخلا عليك و لا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك «2» و ذلك لتخصيص ما دل على حرمة قطع الفرع مطلقا به، لدلالته على جواز القطع في خصوص ما إذا دخل الفرع في المنزل- كما لا يخفى- فتدبر.

(1) حرمة تغسيل المحرم لو مات و تحنيطه بالكافور مما لا ينبغي الكلام و الخلاف فيه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر:

(بلا خلاف أجده فيه) و استدل لذلك بما رواه عبد اللّه بن المغيرة عن ابن سنان عن عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يموت كيف يصنع به؟ قال: ان عبد الرحمن بن الحسن مات بالأبواء مع الحسين عليه السّلام و هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 90 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب

87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 291

..........

محرم و مع الحسين عليه السّلام عبد اللّه بن العباس و عبد اللّه بن الجعفر و صنع به كما يصنع بالميت و غطى وجهه و لم يمسه طيبا قال: و ذلك كان في كتاب على عليه السّلام «1» و ما رواه محمد بن الحسين عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال: سألته عن المحرم يموت؟

فقال: يغسل و يكفن بالثياب كلها و يغطى وجهه و يصنع به كما يصنع بالمحل غير أنه لا يمس الطيب «2». و رواه الكليني- رحمه اللّه تعالى- عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى مثله إلا أنه أسقط قوله: (و يغطى وجهه) و نحوهما غيرهما من الأخبار المروية عنهم- عليهم السّلام.

ثم أن تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- ان حرمة تغسيل الميت بالكافور على الأحياء و ان كانت مما تسالم عليه الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- كما عرفت آنفا، إلا ان نصوص الباب خالية عن عنوان الكافور، إذ المذكور فيها عنوان الطيب- كما عرفته- لكن تسالمهم على حرمة تغسيل الميت بالكافور دليل على كونه طيبا، و من المعلوم انهم عارفون باللغة و المحاورات العرفية؛ فلا مجال للمناقشة فيه. هذا مضافا- إلى أنه على تقدير عدم تسليم كون الكافور طيبا- فيمكن أن يقال في إثبات الحرمة المذكورة التسالم المزبور، إذ يكون حينئذ إجماعا.

اللهم إلا أن يناقش فيه بما ذكرناه غير مرة بأن المعتبر منه هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام دون المدركى، و في المقام يحتمل أن يكون مدركه الأخبار المتقدمة لأجل تعميم مفهوم الطيب للكافور بنظرهم

فتدبر.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 3، ص: 291

(الثانية)- ان ما تقدم في مبحث حرمة الطيب من ورود الأخبار في حصر الطيب في أربعة كخبر عبد الغفار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (الطيب

______________________________

(1) الوسائل ج 1 الباب 13 من أبواب غسل الميت الحديث 1

(2) الوسائل ج 1 الباب 13 من أبواب غسل الميت الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 292

..........

المسك و العنبر و الزعفران و الورس) «1» و نحوه غيره من الأخبار فلا ينافي كون الكافور أيضا طيبا، و ذلك لأن المراد منها هو أن الطيب المحرم على المحرم أربعة لا حصر ذات الطيب، كيف و المحسوس في الخارج عدم انحصار الطيب في الأربعة المذكورة فما تقدم من الحصر هناك لا يوجب إشكال فيما نحن فيه حتى لا يكون الكافور داخلا في الطيب، و لو سلم إشكال اندراج الكافور في الطيب، فقد عرفت تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على كونه محكوما بحكم الطيب، و هذا كاف في الحكم بالحرمة، إلا أن يحتمل استناد حكمهم إلى تعميم مفهوم الطيب للكافور مع عدم مساعدة العرف العام عليه فلا يكون إجماعهم حينئذ حجة كما لا يخفى.

(الثالثة)- ان مقتضى إطلاق أخبار المقام هو حرمة غير الكافور من أقسام الطيب أيضا في الغسل و الحنوط و غيرهما- كما هو معقد إجماع التذكرة- بل الحكم في غير الكافور من أقسام الطيب ثابت بالأولوية، لدلالة النصوص عليها مطابقة.

(الرابعة)- أنه يغسل الميت المحرم بدل خليط الكافور بالماء القراح، و يكون غسله كذلك تاما فلا يجب بمسه بعده غسل على الماس، و

ان ذهب اليه الشهيد و المحقق- قدس سرهما- لانصراف الغسل إلى التام، و ذلك لكون الانصراف بدويا فلا عبرة به في تقييد الإطلاق.

و (دعوى): ظهور الغسل المانع عن وجوب غسل المس في مطلق الصحيح و ان لم يكن تاما قريبة جدا و التفصيل في محله.

(الخامسة)- أنه وقع في بعض الرسائل العلمية (في كتاب الطهارة) اشتباه و هو أن الميت المحرم لا يجعل الكافور في ماء غسله إلا أن يكون موته بعد طواف الحج أو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 16

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 293

[و لبس السلاح]

و لبس السلاح لغير ضرورة و قيل يكره و هو الأشبه (1)

العمرة- كما في العروة، و الوسيلة- و هذا الكلام في غاية الغموض، لكون التحلل في عمرة التمتع بالتقصير دون غيره هذا في العمرة.

و أما الحج فالتحلل فيه في مواطن ثلاثة- على ما سيجي ء تفصيله في محله، ان شاء اللّه تعالى- [أحدها). أعمال منى، فإذا أتى المتمتع بها حل له كل شي ء إلا الطيب و النساء (ثانيها): طواف الزيارة المحلل للطيب- (ثالثها): طواف النساء المحلل للنساء و الموجب لخروج المحرم عن الإحرام بكله] فالصواب أن يقال:

ان المحرم بإحرام العمرة المتمتع بها إذا مات قبل التقصير جنب من الكافور و المحرم بإحرام الحج إذا مات قبل طواف الزيارة المحلل للطيب جنب من الكافور.

فما ذكر من أنه إذا كان الميت محرما لا يجعل الكافور في ماء غسله في الغسل الثاني إلا أن يكون موته بعد طواف الحج أو العمرة على إطلاقه لا يستقيم، لعدم حصول التحلل في العمرة المتمتع بها إلا بالتقصير، فتأمل.

(السادسة)- أن ما دل على أنه يصنع بالميت المحرم ما يصنع بالحلال إلا

أنه لا يقربه طيبا يكون في مقام بيان كيفية غسله فيقيد به إطلاق ما دل على وجوب غسل الميت بالكافور، كما هو الشأن في كل مطلق و مقيد كانا واجدين لشرائط الحمل و من المعلوم عدم التعارض بينهما لكون حمل المطلق على المقيد من أوضح التوفيقات العرفية التي لا يتحير معها العرف، كما لا يخفى.

(1) القول بالتحريم مذهب الأكثر و يدل عليه ما رواه أبو جعفر (يعني أحمد بن محمد بن عيسى) عن محمد بن أبى عمير عن حماد عن عبيد اللّه بن على الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (ان خ) المحرم إذا خاف العدو (و خ) يلبس السلاح فلا كفارة عليه «1».

و ما رواه عبد اللّه بن المغيرة عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أ يحمل

______________________________

(1) الوسائل ج 1 الباب 54 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 294

..........

السلاح المحرم؟ فقال إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح «1». و ما رواه محمد بن على بن الحسين بإسناده عن عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

المحرم إذا خاف لبس السلاح «2» و ما رواه زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: لا بأس بأن يحرم الرجل و عليه سلاحه إذا خاف العدو «3».

ثم ان تنقيح هذا البحث يتوقف على الإشارة إلى أمرين:

1- أنه ليست الجملة الشرطية في ما نحن فيه مسوقة لبيان فرض وجود الموضوع حتى يقال بعدم المفهوم لها، و ذلك لعدم انطباق ضابطه عليه، توضيحه:

ان إناطة الجزاء بالشرط (تارة): تكون عقلية- كقوله تعالى وَ لٰا تُكْرِهُوا فَتَيٰاتِكُمْ عَلَى الْبِغٰاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً «4»

و قوله: (ان رزقت ولدا فاختنه) و نحوه و (اخرى) تكون شرعية أو عرفية- كقوله: (ان استطعت فحج) و: (ان جائك زيد فأكرمه) فإن كان التعليق و الإناطة على النحو الأول فليس للقضية مفهوم، و ان كان على النحو الثاني فلا ينبغي الإشكال في كون القضية ذات مفهوم، و من الواضح: ان المقام من هذا القبيل؛ لعدم كون توقف لبس السلاح عقليا بل شرعيا فيثبت الفرق حينئذ بين صورتي الخوف و عدمه في الحكم بجواز لبس السلاح للمحرم في الأول، و عدمه في الثاني، و إلا يلزم لغوية جعل التعليق الشرعي. هذا و احتمال وجود العدل له منفي بالإطلاق.

فقد ظهر بما ذكرنا حرمة لبس السلاح على المحرم مع عدم الضرورة.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه الفاضل و المصنف- قدس سره- بقوله:

(و الكراهة أشبه) و تبعهما غيرهما للأصل المقطوع بما عرفت. و بما ذكرنا

______________________________

(1) الوسائل ج 1 الباب 54 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 1 الباب 54 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 1 الباب 54 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(4) سورة النور في الآية 33

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 295

..........

يظهر ما في آخر كلام صاحب المدارك حيث أنه بعد ما ذكر صحيحي عبد اللّه بن سنان و عبد اللّه ابن على الحلبي قال: (و أجاب عنه في المنتهى: «بان هذا الاحتجاج مأخوذ من دليل الخطاب و هو ضعيف عندنا» و هو غير جيد، لان هذا المفهوم مفهوم شرط و هو حجة عنده و عند أكثر المحققين، لكن يتوجه عليه ان المفهوم إنما يعتبر إذا لم يظهر للتعليق وجه سوى نفي الحكم عما عدا محل الشرط،

و هنا ليس كذلك إذ لا يبعد أن يكون التعليق باعتبار عدم الاحتياج إلى لبس السلاح عند انتفاء الخوف؛ و أيضا فإن مقتضى الرواية الثانية لزوم الكفارة بلبس السلاح مع انتفاء الخوف، و لا نعلم به قائلا، و يمكن تأويلها بحمل السلاح على ما لا يجوز لبسه للمحرم- كالدرع، و البيضة- و معه يسقط الاحتجاج بها رأسا، و بالجملة: فالخروج عن مقتضى الأصل بمثل هاتين الروايتين مشكل، و القول بالكراهة متجه، إلا أن الاحتياط يقتضي اجتناب ذلك مع انتفاء الحاجة اليه، أما مع الحاجة فيجوز إجماعا) و وجه ضعف كلام صاحب المدارك هو وضوح عدم اندفاع الظهور بمثل هذا الاحتمال خصوصا بعد فهم المشهور منه ما ذكرنا فالأقوى هو الحرمة مع عدم الخوف؛ بل عن الحلبيين على ما في الجواهر حرمة اشتهاره أيضا و ان لم يكن معه لبس و لا حمل يصدق معه أنه متسلح بل كان معلقا على دابة و نحوها.

قال في الجواهر: (بل عن التقى منهما و حمله، لعله لأنه حينئذ كاللابس له، و لقول أمير المؤمنين عليه السّلام في خبر الأربعة مأة المروي عن الخصال: (لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم) كما أن الأول لقول الصادق عليه السّلام في حسن حريز و صحيحة: (لا ينبغي أن يدخل الحرم بسلاح إلا أن يدخله في جوالق أو يغيبه) و في خبر أبى بصير: (لا بأس أن يخرج بالسلاح من بلده و لكن إذا دخل مكة لم يظهره) و لا ريب في أنه أحوط و أن كان الأقوى عدم الحرمة، كما عساه يشعر به قول: (لا ينبغي) الذي يكون

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 296

..........

قرينة على المراد في الخبر الثاني خصوصا بعد ندرة القول

بذلك، كندرة القول بحرمة الحمل على وجه لا يعد به متسلحا، و الخبر المزبور مع ظهوره في الحرم دون المحرم؛ و لم نعرف قائلا به بل السيرة القطعية على خلافه محمول على ضرب من الكراهة) 2- ان ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم (المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا كفارة فيه) هو ثبوت الكفارة عليه إذا لبسه مع عدم الخوف، إلا أنه كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- لم نجد قائلا به، كما اعترف به غير واحد من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر: (اللهم إلا أن يحمل على ما يغطى الرأس، كالمغفر، أو يحيط بالبدن، كالدرع، و لكن حرمتهما حينئذ لذلك لا لكونهما من السلاح الذي قد يشك في شموله لهما، و ان كانت هي مع الترس من لامة الحرب نعم هو شامل لمثل الدبوس و نحوه. بل قد يقال بشموله لمثل بعض الآلات التي تتخذ للحرب و ان لم يكن فيه نصل و لا محددة- كالعصا ذات الرأس و غيرها- كما عساه يومي اليه ما ذكروه في المحارب الذي هو من شهر السلاح للاخافة. نعم، لا يعد مثله و مثل حمل الرمح و آلة البندق و نحوها لبسا عرفا و من ذلك يعلم كون المراد من اللبس هنا ما يشمل نحو ذلك مما هو داخل في الحكم قطعا. إلى أن قال و ربما يشير اليه الجواب عن الحمل في السؤال باللبس المشعر باتحادهما و ان المراد كون الرجل مسلحا.)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 297

بسم اللّه الرحمن الرحيم

[و المكروهات عشرة]

« (و المكروهات عشرة)» الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد (1)

« (في مكروهات الإحرام)»

(1) قال في المدارك: (أما كراهة

الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد فاستدل عليه في المنتهى: (بأنها لباس أهل النار فلا يقتدى بهم) و قال في الجواهر عند شرح قول المصنف: (لموثق الحسين بن مختار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يحرم الرجل بالثوب الأسود؟. قال: «لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفن به الميت» «1» الظاهر في إرادة الكراهة و لو بقرينة التكفين المجمع على جوازه به فهو في نفسه حينئذ غير صالح لإثبات الحرمة فضلا عن ان يخص به ما دل على جواز الإحرام في كل ثوب يصلى فيه، مع الإجماع بقسميه على جواز الصلاة في الثياب السود، المؤيد بتظافر النصوص بالنهي عن لبس السواد، كقول أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا تلبسوا

______________________________

(1) الوسائل ج 1 الباب 26 من أبواب الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 298

..........

السواد، فإنه لباس فرعون» «1». و قول الصادق عليه السّلام: «يكره السواد إلا في ثلاثة: الخف و العمامة و الكساء» «2» المحمول على الكراهة إجماعا، و ان كان لا دلالة في ذلك على كراهة الإحرام بخصوصه، فما عن المبسوط و النهاية و الخلاف و الوسيلة «لا يجوز الإحرام فيه»: واضح الضعف، أو محمول على الكراهة كما عن ابن إدريس حمله على ذلك و اللّه العالم).

لكن الإنصاف: أن موثق الحسين بن مختار المذكور دليل على حرمة الإحرام في الثوب الأسود. و أما ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- من قوله: (الظاهر في إرادة الكراهة و لو بقرينة التكفين.) ففيه: أن جعل الإجماع قرينة على إرادة الكراهة من النهى عن تكفين الميت في الثوب الأسود لا يوجب حمل الجملة الأخرى و هي «لا يحرم في الثوب الأسود» على الكراهة أيضا و أما

القول: بكون وحدة السياق قرينة على ذلك، ففيه: ما لا يخفى.

و أما الأخبار الواردة الدالة على النهى عن لبس الثوب الأسود على الإطلاق الممكن حملها على الكراهة بقرينة ما فيها من التعليلات من أنه «لباس فرعون» و «لباس أهل النار» تخصص بالنهي الوارد فيما نحن فيه، فنقول بكراهة لبس الثوب الأسود مطلقا و حرمته في الإحرام فيكون حراما للدليل المخصص فتدبر.

و أما ما دل على جواز الإحرام فيما يجوز فيه الصلاة- كرواية محمد بن على ابن الحسين بإسناده عن حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: كل ثوب تصلى فيه فلا بأس ان تحرم فيه «3»- ليس قرينة على حمل النهى عن الإحرام في الثوب الأسود على الكراهة، لما قد ذكرناه غير مرة في مقامات عديدة: أنه لا تصل النوبة إلى الجمع

______________________________

(1) الوسائل ج 1 الباب 19 من أبواب لباس المصلى الحديث 5

(2) الوسائل ج 1 الباب 19 من أبواب لباس المصلى الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 299

و العصفر (1) و شبهه و يتأكد في السواد أو النوم عليها

الحكمي ما دام كان الجمع الموضوعي ممكنا؛ لتقدمه رتبة على الجمع الحكمي، فعليه نجمع بينها بالتخصيص فنلتزم بذلك إلا الإحرام في الثوب الأسود. فبما ذكرنا ظهر ضعف ما ذهب اليه المصنف و صاحب الجواهر و غيرهما من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و قوة ما ذهب اليه صاحب المبسوط و النهاية و الخلاف و الوسيلة بظاهر قولهم: «لا يجوز الإحرام فيه».

هذا كله بناء على تمامية سند الحديث المذكور فلاحظ و تأمل.

(1) قال في الجواهر: (و هو شي ء معروف و شبهه

مما يفيد الشهرة و لو زعفرانا أو ورسا بعد زوال ريحهما لخبر ابان بن تغلب قال: سأل (سألت خ ل) أبا عبد اللّه عليه السّلام أخي (أمي خ ل) و أنا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ألبسه و أنا محرم (مة خ ل)؟ قال: نعم ليس العصفر من الطيب، و لكن أكره أن تلبس ما يشهرك بين الناس «1» و نحوه خبر عبيد اللّه بن هلال أو صحيحة عنه أيضا، و لكنهما لا يدلان على كراهة مطلق الصبغ به بناء على عدم الشهرة إلا بالمشبع منه، و لعله لذا خص الكراهة به في محكي المنتهى و التذكرة؛ بل في الأول «لا بأس بالمعصفر من الثياب، و يكره إذا كان مشبعا و عليه علمائنا» بل في التذكرة «و لا يكره إذا لم يكن مشبعا عند علمائنا.).

و لكن الأقوى في النظر عدم كراهة المعصفر مطلقا سواء كان مشهورا أو لا و ذلك للأصل و أما خبر أبان بن تغلب ففيه: (أولا) أنه ضعيف سندا فلا عبرة به و أما القول بأنه و ان كان ضعيف السند إلا أنه يتم الاستدلال للقول بالكراهة به لأجل أخبار من بلغ، ففيه: ما ذكرنا سابقا أنها بعد تسليم تماميتها دلالة أنها تختص بالمستحبات، و التعدي عن موردها إلى المكروهات بان الخبر الضعيف حجة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 300

..........

في المكروهات يحتاج إلى دليل و هو مفقود. و (ثانيا) بعد الغض عن سنده يناقش فيه من حيث الدلالة، لأنه لا يستفاد من قوله عليه السّلام: (و لكن أكره ما تلبس ما يشهرك بين الناس) كراهة لبس المعصفر

بما هو بل انما هو لأجل كونه مشهرا لصاحبه بين الناس بالتشيع، فيحرم في غيره لأجل التقية، لكون ذلك خلاف مذهب أبي حنيفة، فلبسه في نفسه ليس بمكروه، فكرهه عليه السّلام أن يلبسه في زمان رئاسة أبي حنيفة و رئاسة تابعيه الذي لم تجب التقية فيه، بل لا كراهة في حد نفسه في المشبع منه لما رواه محمد بن الحسين بإسناده عن موسى بن القاسم عن على بن جعفر قال: سألت أخي موسى بن جعفر عليه السّلام يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر؟.

فقال: إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به «1» فيما ذكرنا ظهر ضعف ما ذهب اليه المصنف و غيره من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- من القول بكراهة لبس المعصفر و شبهه فتدبر.

« (ينبغي هنا التنبيه على أمور)» (الأول)- ان الثوب المقدم: (و هو الثوب الشديد الحمرة بحيث لا يقبل ازدياد اللون) فقد ورد النهى عنه لمكان الشهرة أي لكونه ثوب شهرة لا لكونه يشهر صاحبه بالتشيع لأن مخالفة أبي حنيفة انما هي في المعصفر لا في المفدم) و كيف كان فيدل على ذلك ما رواه سعيد عن صفوان عن حريز عن عامر بن جذاعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام مصبغات الثياب يلبسها المحرم؟ فقال: لا بأس به إلا المفدم المشهور و القلادة المشهورة «2» و رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن عامر بن جذاعة مثله إلى قوله: (المفدم المشهور) إلا أنه قال (لا تلبسها المرأة المحرمة) و رواه الشيخ

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 301

..........

- قدس

سره- بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله، و كيف كان فمقتضى ظاهره- كما ترى- هو حرمة لبس الثوب المفدم و لا قرينة على الكراهة، إلا أنه ذهب الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- إلى الكراهة.

و يمكن الاستدلال على جواز لبس ثوب المفدم بإطلاق قوله عليه السّلام في خبر نضر بن سويد أن المرأة المحرمة تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس «1» و كا يمكن الجمع بينه و ما دل على حرمة لبسه بالتقييد كذلك يمكن الجمع بالحمل على الكراهة إلا أنه قد مر مرارا من أن الجمع الموضوعي مقدم على الجمع الحكمي، لتقدمه رتبة عليه كما لا يخفى فتدبر.

ثم أنه بناء على معنى المتقدم له أمكن أن يقال بأنه محمول على الكراهة بقرينة ما في أخبار المعصفر الغير المراد منه الحرمة قطعا من قوله عليه السّلام: (و لكن أكره أن تلبس ما يشهرك بين الناس) بناء على كون منه لباس الشهرة لا ما يعلم منه كون صاحبه شيعيا.

(الثاني)- أنه يجوز لبس الثوب المصبوغ بالطيب إذا ذهب ريحه، و يدل عليه ما رواه أبان عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب؟ قال: إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه «2». و ما رواه مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يلبس لحافا ظهارته حمراء و باطنته صفراء قد أتى له سنة أو سنتان؟. قال: ما لم يكن له ريح فلا بأس، و كل ثوب يصبغ و يغسل يجوز الإحرام فيه و ان لم يغسل فلا «3».

نعم في خصوص المصبوغ بالزعفران يشترط- مضافا إلى ذهاب ريحه- خفة لونه

بحيث يضرب إلى البياض و يدل عليه ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 302

..........

أصحابنا عن أحمد بن محمد عن على بن الحكم عن الحسين بن أبى العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب أ يحرم فيه؟ فقال:

لا بأس به إذا ذهب ريحه، و لو كان مصبوغا كله إذا ضرب إلى البياض و غسل فلا بأس به «1» و لكن في نسخة الجواهر ورد هذا الحديث إلا أنه جاء فيه:

(فلا يذهب الجرم منه) بدل: (فلا يذهب أ يحرم فيه).

و الظاهر انه المناسب، و ذلك لأن المراد من قوله (فلا يذهب) ليس عدم ذهاب الريح، فان المفروض في كلام الامام عليه السّلام ذهابه و لا يكون المراد منه أيضا عدم ذهاب اللون؛ فإنه على ما يستفاد من قوله عليه السّلام في ذيل هذا الحديث (و إذا ضرب إلى البياض و غسل فلا بأس به) هو عدم اشتراط ذهاب اللون فيه فلاحظ و تأمل.

(الثالث)- الظاهر أنه فرق بين ما أصاب الثوب الطيب و ما إذا صبغ كله بالطيب ففي الأول يكفي في الحكم بجواز لبسه ذهاب الريح و في الثاني لا يكفي ذلك بل لا بد من الغسل و يومي على الأول صدر صحيح الحسين بن أبى العلاء المتقدم و هو عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب أ يحرم فيه؟ قال: لا بأس إذا ذهب ريحه)

و يدل عليه ما رواه إسماعيل بن الفضل المتقدم ذكره أيضا لقوله عليه السّلام فيه: (إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه) و يدل على الثاني و هو عدم كفاية ذهاب الريح فيما إذا صبغ ثوبه كله بالطيب بل لا بد من الغسل ذيل ما مر من صحيح الحسين بن أبى العلاء، لقوله:

عليه السّلام فيه «و لو كان مصبوغا كله إذا ضرب إلى البياض و غسل فلا بأس به» و ما في ذيل حديث عمار بن موسى المتقدم لقوله عليه السّلام فيه: «و كل ثوب يصبغ و يغسل يجوز الإحرام فيه و ان لم يغسل فلا» و ما عن سعيد بن يسار قال: سألت أبا الحسن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 303

..........

عليه السّلام عن الثوب المصبوغ بالزعفران أغسله و أحرم فيه؟ قال: لا بأس به «1».

و أما ما رواه النضر بن سويد عن أبى الحسن عليه السّلام «في حديث» ان المرأة المحرمة تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس «2» الدال على عدم جواز لبس المرأة المحرمة من الثياب المصبوغة بالزعفران و الورس مطلقا فيقيد إطلاقه بما دل على جواز اللبس مع الغسل أو يحمل على الكراهة فتدبر.

(الرابع)- أنه يمكن ان يقال انه يشترط في الثوب المصبوغ بالطيب مضافا إلى ما عرفت من اشتراط غسله- ان لا يردع، و ذلك لما رواه على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن عمير عن حماد عن الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال: المحرمة لا تلبس الحلي و لا الثياب المصبغات إلا صبغا لا يرفع (لا يردع خ ل) «3» و لكن يمكن أن

يكون هذا الحديث ناظرا إلى غير جهة الطيب لأن ظاهره- كما ترى- هو جواز لبس الثوب المصبوغ حتى قبل الغسل إذا كان لا يرفع أو لا يردع فهو مختص بالمصبوغ بغير الطيب لما عرفت من اشتراط الغسل في المصبوغ بالطيب هذا مضافا إلى أنه بعد غسله يكون مما لا يردع فليس في البين شرطين (أحدهما): الغسل و (ثانيهما): ان لا يردع فتأمل.

(الخامس)- أنه يجوز الإحرام في الثوب المصبوغ بالمشق (أى الطين) و يدل عليه الأخبار الواردة في المقام- منها:

1- ما رواه ابن مسكان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس أن يحرم الرجل في ثوب مصبوغ بمشق «4».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 304

..........

2- ما رواه موسى بن القاسم عن صفوان عن عاصم بن حميد عن أبى بصير (يعني المرادي) عن أبى جعفر عليه السّلام قال: و سمعته و هو يقول: كان على عليه السّلام محرما و معه بعض صبيانه و عليه ثوبان مصبوغان فمر به عمر بن الخطاب فقال يا أبا الحسن ما هذان الثوبان المصبوغان فقال عليه السّلام ما نريد أحدا يعلمنا السنة انما هما ثوبان صبغا بالمشق يعنى الطين «1» 3- ما رواه العياشي «في تفسيره عن عبيد اللّه الحلبي عن أبى جعفر و أبى عبد اللّه عليهما السّلام قالا: حج عمر أول سنة حج و هو خليفة. فحج تلك السنة المهاجرون و الأنصار، و كان

على عليه السّلام قد حج تلك السنة بالحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر قال: فلما أحرم عبد اللّه لبس إزارا و رداء ممشقين مصبوغين بطين المشق ثم أتى فنظر اليه عمر، و هو يلبى و عليه الإزار و الرداء؛ و هو يسير إلى جنب على عليه السّلام فقال عمر من خلفهم ما هذه البدعة التي في الحرم؟؟. فالتفت اليه على عليه السّلام فقال: يا عمر لا ينبغي لأحد أن يعلمنا السنة، فقال عمر: صدقت و اللّه يا أبا الحسن ما علمت انكم هم «2».

(السادس)- أنه يجوز الإحرام في الثوب الملحم [1] و يدل عليه ما رواه جعفر بن محمد بن يونس قال: كتب رجل إلى الرضا عليه السّلام يسأله عن مسائل و أراد أن يسأله عن الثوب الملحم يلبسه المحرم و نسي ذلك، فجاء جواب المسائل و فيه:

لا بأس بالإحرام في الثوب الملحم «3» و نحوه غير من الأخبار نعم يكره لبسه، و ذلك

______________________________

[1] الملحم (وزان اسم المفعول من الأفعال) جنس من الثياب و هو ما كان سداه إبريسم و لحمته من غير إبريسم

______________________________

(1) الوسائل ج 42 الباب 42 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 42 الباب 42 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 305

..........

لما تقدم قوله عليه السّلام في الأمر السادس في ذيل رواية ليث المرادي (انما يحرم الملحم) هذا بناء على حمله على الكراهة و أما بناء على حمله على كونه حريرا محضا- كما أفاده بعض- فلا كراهة في لبسه- كما لا يخفى- فتأمل.

(الثامن)- قد ذكر المصنف في كلامه المتقدم: (و يتأكد

[أي الكراهة] في السواد أو النوم عليها) فنقول أما تأكد الكراهة في السواد فلم نقف عليه دليل بالخصوص سوى ما نقدم في صدر المبحث و هو موثق الحسين بن المختار الذي قد عرفت الكلام فيه مفصلا. و أما تأكدها بالنسبة إلى النوم عليها أى الثياب المزبورة نحو ما عن ابن حمزة من كراهة النوم على ما يكره الإحرام فيه، و عن النهاية و المبسوط و التهذيب و الجامع و التذكرة و التحرير و المنتهى كراهة النوم على الفرش المصبوغة، و كيف كان فلم نقف على دليل له، إلا خبر أبى بصير عن أبى جعفر عليه السّلام قال: يكره (اكره خ ل) للمحرم أن ينام على الفراش الأصفر و المرفقة [1] الصفراء «1» و نحوه خبر المعلى بن خنيس عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: كره أن ينام المحرم على فراش أصفر أو على مرفقة صفراء «2» و عن المقنع الاقتصار عليه و في المدارك: (استفادة السواد بالأولوية). و (فيه): ما لا يخفى.

(تذييل) أنه بناء على حرمة لبس الثوب المصبوغ للمحرم، فيقع الكلام في أنه هل يضر لبسه بالإحرام أو لا؟؟. ان قلنا بعدم دخل لبس الثوبين في الإحرام لا جزء و لا شرطا- كما هو الحق- لما عرفت في مبحث الإحرام- فيتجه صحة إحرامه

______________________________

[1] المرفقة: اى المخدة على ما في الجواهر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 306

و في الثياب الوسخة و ان كانت طاهرة (1) و لبس الثياب المعلمة (2)

و لا يضر لبسه فيه، و أما إذا قلنا بدخله فيه جزءا

أو شرطا فحينئذ (تارة): يكون ثوب المصبوغ هو ثوب إحرامه و (أخرى): لا بل يلبسه زائدا على ثوب إحرامه فعلى الثاني لا إشكال في صحة إحرامه و على الأول فلا يصح إحرامه نعم بناء على القول بالكراهة فلا إشكال في البين كما لا يخفى هذا كله في لبس الثوب المصبوغ، و أما النوم عليه و لو قلنا بحرمة ذلك عليه فلا يضر بإحرامه، كما هو واضح.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من كراهة لبس الثياب الوسخة و ان كانت طاهرة للإحرام مما لا ينبغي الإشكال فيه، و يدل عليه ما رواه أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ؟ قال: لا و لا أقول إنه حرام و لكن تطهيره أحب إلى و طهوره غسله، و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل و ان توسخ إلا أن تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله «1».

(2) يدل عليه ما رواه ابن فضال عن المفضل بن صالح عن ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب المعلم هل يحرم فيه الرجل؟ قال: «نعم» انما يحرم الملحم «2» و ما رواه الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحرم في ثوب له علم؟ فقال: «لا بأس به» «3» و ما رواه معاوية قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلم و تركه أحب الى إذا قدر على غيره «4».

و أما بالنسبة إلى المرأة فلا كراهة إحرامها فيه عن النضر بن سويد عن أبى الحسن عليه السّلام «في

حديث» المرأة المحرمة؟ قال: و لا بأس بالعلم بالثوب «5».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 39 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

(3) الوسائل ج 2 الباب 39 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

(4) الوسائل ج 2 الباب 39 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

(5) الوسائل ج 2 الباب 39 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 307

و استعمال الحناء للزينة (1)

و ما رواه سماعة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: «اما الخز و العلم [1] في الثوب فلا بأس أن تلبسه المرأة و هي محرمة» «1».

(1) اختلف الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في استعمال الحناء للزينة في حال الإحرام فذهب الأكثر إلى كراهة استعماله للرجل المحرم كما في كشف اللثام و المدارك و غيرهما و استدل عليه بصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الحناء؟ فقال: ان المحرم ليمسه و يداوي به بغيره «بعيره خ» و ما هو بطيب و ما به بأس «2» و لكن هذا الحديث- كما ترى- يدل على الجواز الذي هو مقتضى الأصل في مقابل القول بالحرمة المحكية عن المقنعة و الاقتصاد و المنتهى و خيرة الفاضل في المختلف. لمفهوم تعليل المنع عن الكحل بالسواد و النظر في المرآت بأنه زينة، بل مقتضاه الحرمة و ان لم تقصد الزينة، لما عرفته في مبحث الاكتحال و النظر في المرآت من دلالة بعض أخباره على حرمته مطلقا و عدم توقف صدق الزينة على القصد، و لعله لذا كان خيرته في المختلف ذلك.

و لكن فيه ما لا يخفى لتقييد مفهوم

التعليل المزبور بإطلاق ما دل على نفي البأس عنه- مضافا الى ما قال به في الجواهر: (بل و بإطلاق المس الذي هو أخص أو

______________________________

[1] (العلم) (بالتحريك) علم الثوب من طراز و غيره، و هو العلامة، و جمعه: اعلام- مثل سبب و أسباب- كذا في مجمع البحرين، و في مصباح المنير: «و أعلمت الثوب: جعلت له علما من طراز و غيره، و هو العلامة و في المدارك: هو الثوب المعلم المشتمل على علم، و هو لون يخالف لونه، ليعرف به و يقال: اعلم الثوب القصار فهو معلم بالبناء للفاعل و الثوب معلم «بسكون العين و فتح اللام».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 39 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 308

..........

أرجح بناء على العموم من وجه و لو بالشهرة المزبورة و أغلبية الزينة فيها و عدم العمل بعموم المفهوم في الخاتم و الحلي و غيرهما مما تحصل به الزينة و ان لم يقصدها.

و لكن يمكن الاستدلال على الكراهة بخبر الكناني عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟

قال: عليه السّلام «ما يعجبني ان تفعل «1» و دلالته عليها ظاهرة بعد حمل مورد الخبر على غير حال الضرورة بقرينة قوله عليه السّلام في مقام الجواب: «ما يعجبني أن تفعل» و الا فلا يتم ظهوره فيها.

قال في الجواهر: (لم يحضرني نص بالخصوص في الكراهة إلا خبر الكناني الى أن قال بناء على مساواة الرجل و المرأة و ما قبل الإحرام لما بعده و أولوية الزينة المقصودة من خوف الشقاق المنزل

على عدم وصوله الى حد الضرورة؛ و الألم يكن مكروها، و حينئذ يكون ظاهرا في كراهة ذلك باعتبار كونه زينة و ان لم تكن مقصودة؛ و هو خلاف ما صرح به غير واحد من كون المدار على القصد، بل هو ظاهر تقييد المتن و محكي الخلاف و التذكرة، بل لم أجد قائلا صريحا بالكراهة على الوجه المزبور نعم؛ ربما كان ظاهر إطلاق القواعد و محكي النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع كراهة استعمالها الحناء قبل الإحرام على وجه يبقى أثره بعده، الا أنه غير شامل لباقي الصور و لعل الاولى التعميم، لما عرفت مضافا الى جهة الحرمة التي يمكن إرادة الكراهة مما سمعت من دليلها بالنسبة الى ذلك بمعونة فتوى المشهور مع التسامح. إلخ).

و لكن لا يخفى أنه لا يمكن التعدي من مورد الخبر المتقدم (و هو المرأة) الى الرجل و ذلك لاحتمال خصوصية فيها و لا دليل على كراهة الحناء للرجل، و مع الشك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 309

و كذا للمرأة قبل الإحرام إذا قارنته (1)

فالأصل عدم الكراهة، فعليه لا يكره له الحناء لا قبل الإحرام و لا بعده. و أما القول بأن كراهة الحناء من أحكام المحرم لا خصوص المرأة؛ فهو في غاية البعد، لتوقفه على إلغاء خصوصية المرأة المذكورة في الخبر و حملها على المثال، و ذلك خلاف الظاهر جدا، و لا يمكن أن يصار اليه إلا بالدليل و مجرد قاعدة الاشتراك لا تصلح لذلك.

ان قلت: أنه يمكن التعدي من المورد بوحدة المناط، أو بغلبة اشتراك الرجل و المرأة في أحكام الإحرام، لندرة الأحكام المختصة بكل منهما، فإذا

شك في ان الحكم الكذائي مختص بالمرأة المحرمة أو مشترك بينها و بين الرجل المحرم، فيلحق المشكوك بالأعم الأغلب، قلت: في كليهما ما لا يخفى:

أما (في الأول): فلما تكرر منا مرارا و في مقامات عديدة من ان المعتبر منه هو القطعي، و هو غير حاصل في الشرعيات لعدم الإحاطة بملاكات الأحكام و موانعها فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا.

و أما (في الثاني): فلعدم الدليل أيضا على اعتبار الظن الحاصل من الغلبة في الشرعيات و لكن يمكن أن يقال بحرمته، عليه لأجل الأخبار الواردة في الاكتحال و النظر في المرآت المستفاد منها الكبرى الكلية و هي حرمة مطلق الزينة.

ثم أنه على فرض تماميته لا بد من الاقتصار على مورده- و هو كراهة الحناء قبل الإحرام إذا خافت الشقاق- لا مطلقا، فما أفاده المصنف و غيره من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- من القول بالكراهة مطلقا مما لا يمكننا المساعدة عليه فتدبر.

(1) يدل عليه الخبر الكناني المتقدم قال: سألته عن أمرية خافت الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك.؟؟. قال عليه السّلام: ما يعجبني ان تفعل.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 310

و النقاب للمرأة على تردد (1)

لكن في المدارك بعد ان حكى عن جده في المسالك: عدم الفرق بين الواقع بعد نية الإحرام و بين السابق عليه إذا كان يبقى أثره بعده، و أنه جزم في الروضة بتحريم الحناء قبل الإحرام إذا بقي أثره إليه قال: (و الرواية قاصرة عن إفادة ذلك، و يستفاد منها ان محل الكراهة استعماله عند إرادة الإحرام، و على هذا فلا يكون استعماله قبل ذلك محرما و لا مكروها) قال: في الجواهر بعد كلام صاحب المدارك

(و فيه: أن دليله على الحرمة ما سمعته من تعليل الزينة التي لا فرق فيها بين الإحرام معها أو فعل الحرام بعدها- كالطيب؛ و المخيط، و نحوهما- و ان كان فيه ما عرفت كما ان ما عن الشيخ و الحلي و يحيى بن سعيد و الفاضل في بعض كتبه من اختصاص الكراهة بالمرأة، لاختصاص النص بها، و غلبة استعمالها، و قوة تهيجه الشهوة فيها غير واضح، بعد قاعدة الاشتراك، فالأقوى عدم الفرق بينهما فيها، و عدم الفرق بين ما بعد الإحرام و ما قبله مع بقاء الأثر الذي يكون زينة بعده قصد أو لم يقصد، و اللّه العالم) و لكن بما ذكرنا آنفا ظهر لك قوة ما ذهب اليه الشيخ و الحلي و يحيى بن سعيد و و و. من القول باختصاص الكراهة بالمرأة، لاختصاص النص بها و ضعف ما ذهب اليه صاحب الجواهر- قدس سره- من القول بالتعميم لأجل قاعدة الاشتراك فتدبر.

(1) اختلف الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- في لبس النقاب للمرأة المحرمة فقد نسب إلى الأكثر حرمته، و يدل عليه ما رواه الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: مر أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: أحرمي و أسفري؛ و أرخى ثوبك من فوق رأسك، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك. إلخ «1». و ما رواه عبد اللّه بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام، قال: المحرمة لا تتنقب، لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 3 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 311

و دخول الحمام (1)

و يمكن أن يكون الوجه في تردد المصنف- قدس سره- في ذلك الالتفات إلى ظاهر النهى المستفاد من هاتين الروايتين، و إلى قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي عن عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام (في حديث): كره النقاب يعني للمرأة المحرمة. إلخ «1» و قوله عليه السّلام في خبر ابن أبى العلاء: (أنه كره للمحرمة البرقع و القفازين «2» بناء على إرادته من البرقع. و لكن التحقيق: أنه لا وجه لتردده- قدس سره- فيه، و ذلك لما عرفته مرارا أن كلمة (كره- أو يكره) لا تصلح للقرينية على حمل ما دل على الحرمة على الكراهة الاصطلاحية، بل المتعين هو العكس و ذلك بقرينة ما دل من الروايات على حرمة النقاب على المرأة، و لو لا هذه القرينة لم تكن ظاهرة لا في الحرمة المصطلحة و لا الكراهة كذلك بل كانت ظاهرة في مجرد الحزازة فلا دلالة لها على خصوص الكراهة المصطلحة حتى ينافيها ما دل على حرمة النقاب على المرأة المحرمة فتدبر فلا موجب لرفع اليد عن ظاهر النهى الدال على الحرمة الموجب لأن يكون المراد من الأخبار المشتملة: [على كره- أو يكره] الحرمة.

ثم أنه قد تقدم عند البحث عن كيفية إحرام المرأة في بعض المباحث المتقدمة ان مقتضى قوله عليه السّلام: (إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه) هو حرمة تغطية المرأة وجهها في حال الإحرام، و ان حكم وجهها حكم رأس الرجل و عدم اختصاص حرمة تغطية وجهها بغير النقاب.

و الحاصل: أنه قد تقدم هناك أن النقاب مع صيرورته ملصقا و لو ببعض الوجه تغطية محرمة نعم، ان لم يكن ملصقا به فليس

تغطية بل هو تظليل كما لا يخفى.

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و قد نفي عنه الخلاف في الجواهر و استدل لذلك بما رواه محمد بن عبد اللّه بن هلال عن عقبة بن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 312

و تدليك الجسد فيه (1) و تلبية من يناديه (2)

خالد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يدخل الحمام؟ قال لا يدخل «1» و ظاهره و ان كان الحرمة، إلا أنه يحمل على الكراهة لأجل تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الحرمة و لصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا بأس ان يدخل المحرم الحمام و لكن لا يتدلك «2».

و لكن يمكن الجمع بينهما بوجه آخر و هو ان النهى عن دخول الحمام ليس لذاته بل لئلا يتدلك لكن و (فيه): أنه بعيد عن المتفاهم العرفي جدا.

(1) أما تدليك الجسد في الحمام فيدل على حرمته قوله عليه السّلام في ذيل صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (و لكن لا يتدلك) حيث أن ظاهر النهى هو الحرمة لا الكراهة، و لكن من جهة ذهاب الأصحاب إلى عدم الحرمة لا يمكن الإفتاء بها فلا بد من الاحتياط.

و أما تدليك الجسد في غير الحمام، فيدل على حرمته ما رواه صفوان عن يعقوب ابن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يغتسل؟ فقال: نعم يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه «3» و لكن من جهة تسالم الأصحاب: على خلاف مقتضاه فلا

بد من الاحتياط.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر: (و كذا يكره له تلبية من يناديه، لأنه في مقام التلبية للّه تعالى شأنه الذي لا ينبغي أن يشرك غيره معه. إلخ). و استدل له بما رواه محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن حماد بن عيسى عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 75 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 313

..........

أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس للمحرم أن يلبى من دعاه حتى يقضى إحرامه» قلت:

كيف يقول؟؟ قال: يقول: يا سعد «1». و المرسل: (إذا نودي المحرم فلا يقل:

لبيك، و لكن يقول: يا سعد «2» لا يخفى: أن ظاهرهما- كما ترى- هو حرمة تلبية من يناديه، للنهى عن ذلك فيهما و أما ما عن الصادق عليه السّلام: (يكره للرجل أن يجيب بالتلبية إذا نودي و هو محرم) «3» فليس بقرينة على الكراهة، لما عرفته غير مرة و في مقامات عديدة عدم ظهور لفظ: (يكره) في الكراهة المصطلحة، بل يكون ظاهراً في مجرد الحزازة فبقرينة ما دل على حرمة تلبية من يناديه يتعين حمله عليها.

نعم، قول أبى جعفر عليه السّلام: (لا بأس أن يلبى المحرم) «4» يمكن كونه قرينة على الكراهة؛ لكنه ضعيف سندا.

و أما من حيث الدلالة فأيضا قابل للمناقشة و الاشكال فيه، بتقريب: انه لم يعلم كون المراد من قوله عليه السّلام: (لا بأس أن يلبى المحرم) هو التلبية إذا دعاه داع، فتأمل.

و

الحاصل: أنه لا قرينة في البين على الكراهة فيتعين العمل بظاهر النصوص الدالة على الحرمة، فعليه يظهر ضعف ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- في ذيل هذا المبحث بقوله: (فما عن ظاهر التهذيب من التحريم واضح الضعف) و لكن لا يخفى أنه من جهة ذهاب المشهور إلى الكراهة بل كاد يكون إجماعا لا يمكننا الحكم بالحرمة، بل لا بد من الاحتياط، فلاحظ و تأمل و اللّه العالم و هو الهادي إلى الصواب.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 91 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 91 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 91 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(4) المروي في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 314

و استعمال الرياحين (1)

(1) قد وقع الخلاف بين الأصحاب في هذه المسألة على قولين:

(الأول) الكراهة قال في الجواهر: (كما في النافع و القواعد و عن الإسكافي و النهاية و الوسيلة، بل و الحلي و إن كنا لم نتحققه، لأنه ترفه و تلذذ لا يناسب المحرم الأشعث الأغبر. إلخ) (الثاني): الحرمة، كما في المنتهى و التذكرة و التحرير و المختلف و في الرياض نسبته إلى المفيد و لجماعة على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره- و في كشف اللثام (تحتمله عبارة المقنعة و السرائر. إلخ) يمكن أن يستدل على الحرمة بجملة من النصوص المروية عنهم- عليهم السّلام- منها:

1- ما رواه موسى بن القاسم عن حماد عن حريز عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان [1] و لا يتلذذ به الحديث «1» 2- ما رواه عبد الرحمن عن عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه

عليه السّلام، قال:

سمعته يقول: لا تمس ريحانا و أنت محرم الحديث «2»

______________________________

[1] و المراد من الريحان (على ما في الجواهر) ما هو المتعارف منها، و عن العين: (الريحان:

اسم جامع للرياحين الطيبة الريح، قال: «و الريحان أطراف كل بقلة طيبة الريح إذا خرج فيه أوائل النور»، و عن ابن الأثير: (هو كل نبت طيبة الريح من أنواع المشموم) و عن كتابي المرزى: (عند الفقهاء الريحان ما لساقه رائحة طيبة كما لو رده و الورد ما لورقه رائحة كالياسمين و في القاموس: (نبت طيب الرائحة أو كل نبت كذلك أو أطرافه أو ورقه و أصله ذو الرائحة و خص بذي الرائحة الطيبة ثم بالنبت الطيبة الرائحة ثم بما عدا الفواكه و الاباذير ثم بما عداها و نبات الصحراء و من الاباذير الزعفران و هو المراد هنا ثم بالمعروف باسبرم. إلخ)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 315

..........

3- ما رواه البرقي في (المحاسن) عن بعض أصحابنا عن حريز قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يشم الريحان؟. قال: لا «1» مضافا إلى الأخبار الآمرة بالإمساك عن الريح الطيبة كصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تمس شيئا من الطيب، و لا من الدهن في إحرامك، و اتق الطيب في طعامك و أمسك على أنفك، و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة، فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة «2» و نحوه غيره من الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام.

اللهم إلا أن يقال بعدم وجوب الإمساك بقرينة قوله عليه السّلام: (فإنه

ينبغي للمحرم.) بناء على ظهور لفظ: (لا ينبغي) في الكراهة؛ فتأمل.

و كيف كان فلا يعارض الأخبار المتقدمة ما رواه الحسين بن سعيد عن فضالة عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (لا بأس أن تشم الإذخر و القيصوم و الخزامى و الشيح و أشباهه و أنت محرم) «3» و رواه الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن معاوية بن عمار و رواه الكليني- قدس سره- عن على بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن معاوية بن عمار قال: [لا بأس] و ذكر مثله.

و ذلك- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- لعدم كون نفي البأس فيه عن مطلق الريحان حتى يتحقق التعارض بينه و بين ما دل على الحرمة تعارضا كليا ليكون صريحا في الجواز فيتقدم على النهى الظاهر في التحريم تقدم النص على الظاهر و إنما غايته نفي البأس عن أمور معدودة يمكن استثنائها عما دل على الحرمة؛ هذا بناء على تسليم صدق الريحان عليها حقيقة، فعليه لا تعارض بينهما حتى تصل النوبة بالجمع بينهما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 316

..........

بالكراهة. نعم، بقي شي ء و هو تضمنه لفظ: (أشباهه) و لكن و هو كما يحتمل المشابهة في إطلاق اسم الريحان عليه كذلك يحتمل ما هو أخص مما يشبهه من نبت البراري؛ بل في المدارك: «الظاهر: إن المراد به مطلق نبات الصحراء، فيكون المراد بالرياحين المحرمة ما يستنبته الآدميون» و من ذلك يحتمل أن يراد به ما

هو أخص من ذلك الى أن قال: و على كل حال يكون استثنائه، لكونه كما قال في المختلف:

«إن نبت الحرم يتعسر الاحتراز عنه» و معه لا يمكن صرف النهى عن ظاهره الى أن قال: مضافا الى عدم إمكانه من وجه آخر: و هو أن النهى عن مس الريحان في الصحيح الماضي انما هو بلفظ للنهى عن الطيب بعينه، و هو للتحريم قطعا، فلا يمكن حمله بالإضافة إلى الريحان على الكراهة للزوم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في الحقيقة و المجاز، و هو خلاف التحقيق، و صرفه الى المجاز الأعم- يعني مطلق المرجوحية- مجاز بعيد. الى أن قال: و لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرنا خصوصا دعوى: الالتزام باستثناء الأمور المخصوصة التي يمكن دعوى الإجماع المركب على خلافها، و ان اختاره في المسالك و تبعه بعض من تأخر عنها، و كذا ما سمعته من احتمال كون المراد بالمشابهة خصوص نبت البراري، بل و كذا دعوى: الاستبعاد في عموم المجاز الغالب الاستعمال في النصوص، خصوصا المقام المتكرر فيه لفظ (لا) بناء على انها غير عاطفة. و بالجملة: الأولى الكراهة شما بل و استعمالا).

و لكن التحقيق: أنه بناء على تسليم صدق الريحان على الأمور المستثناة في حديث معاوية بن عمار المتقدم أو شمول لفظ: (أشباهه)- الواقع فيه- له فلا بأس بحمل النواهي الدالة على الحرمة على الكراهة، و الا فلا، و إذا شك في ذلك يحكم بالحرمة، لأجل ظاهر الأخبار، فتدبر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 317

..........

« (إيقاظ)» أنه قد عد في المكروهات أفراد أخر زائدة على ما ذكره جمهور الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- منها:

1- الاحتباء [1] للمحرم و استدل له

بخبر حماد بن عثمان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: (يكره الاحتباء للمحرم، و في المسجد الحرام) «1» 2- المصارعة خوفا من جراح أو سقوط شعر، و استدل لذلك بما رواه على بن جعفر في الصحيح عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن المحرم يصارع هل يصلح له؟؟. قال: لا يصلح له مخافة أن يصيبه جراح أو يقع (يقطع خ) بعض شعره «2» و رواه على بن جعفر في كتابه نحوه.

3- رواية الشعر و استدل له بما رواه حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (يكره رواية الشعر للصائم، و المحرم، و في الحرم، و في يوم الجمعة، و أن يروى بالليل قال: قلت: و ان كان شعر حق؟. قال: و ان كان شعر حق «3»

______________________________

[1] الاحتباء: (على ما في نهاية ابن أثير) أن يضم الإنسان رجليه الى بطنه بثوب يجمعها مع ظهر، و يشده عليهما، و قد يكون الاحتباء باليدين.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 93 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و في الباب 31 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 94 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 96 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 318

بسم اللّه الرحمن الرحيم

[خاتمة]

(خاتمة) كل من دخل مكة وجب أن يكون محرما (1)

« (خاتمة)»

(1) لا ينبغي الإشكال في ذلك و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه) بل قال في المدارك:

(أجمع الأصحاب على أنه لا يجوز لأحد دخول مكة بغير إحرام عدا ما استثنى. إلخ) و يدل عليه

الروايات الواردة في المقام- منها:

1- صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام هل يدخل الرجل مكة بلا إحرام قال عليه السّلام: لا إلا مريضا أو من به بطن «1» 2- صحيح البزنطي عن عاصم بن حميد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

يدخل الحرم أحد إلا محرما؟. قال عليه السّلام: لا إلا مريض أو مبطون «2» 3- صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال: لا، الا أن يكون مريضا أو به بطن «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 319

..........

و ظاهر الخبرين- كما ترى- عدم جواز دخول الحرم إلا محرما فضلا عن دخول مكة- كما عن التذكرة، و الجامع، و في الوسائل التصريح به حيث قال في عنوان الباب: (أنه لا يجوز دخول مكة و لا الحرم بغير إحرام. إلخ)- و استدل لذلك أيضا بما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في (إعلام الورى) نقلا من كتاب أبان بن عثمان عن بشير النبال عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في حديث فتح مكة أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: ألا ان مكة محرمة بتحريم اللّه لم تحل لأحد كان قبلي و لم تحل لي إلا ساعة من نهار الى أن تقوم الساعة. إلخ «1» بناء على أن المراد من تحريمها عدم جواز الدخول إليها إلا بإحرام، و بما رواه (في العلل و عيون الأخبار) بأسانيد تأتي عن الفضل بن شاذان عن الرضا

عليه السّلام قال: و إنما يأمروا بالإحرام ليخشعوا قبل دخولهم حرم اللّه و أمنه، و لئلا يلهوا و يشتغلوا بشي ء من أمور الدنيا و زينتها و لذاتها؛ و يكونوا حادين فيما هم فيه قاصدين نحوه، مقبلين عليه بكليتهم مع ما فيه من التعظيم للّه عز و جل لبيته، و التذلل لأنفسهم عند قصدهم إلى اللّه عز و جل، و وفادتهم اليه، راجين ثوابه، راهبين من عقابه، ماضين نحوه، مقبلين اليه بالذل و الاستكانة و الخضوع «2» و بما في العلل عن أبيه عن سعد عن محمد بن عيسى بن عبيد عن العباس بن معروف عن أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: حرم المسجد لعلة الكعبة و حرم الحرم لعلة المسجد و وجب الإحرام لعلة الحرم «3» ثم أن تنقيح هذه المسألة يتوقف على ذكر جهات:

(الاولى)- إن مقتضى الأخبار المتقدمة هو جواز دخول المريض إلى مكة بلا إحرام، و لكن ينافيها ما رواه سهل بن زياد عن أحمد بن محمد عن رفاعة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 12

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الإحرام الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 320

..........

ابن موسى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يعرض له المرض الشديد قبل أن يدخل مكة؟ قال لا يدخلها الا محرما «1» و ما عنه أيضا قال سألت: أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل به بطن و وجع شديد يدخل مكة حلالا؟ قال: لا يدخلها الا محرما «2» لظهورهما في وجوب الإحرام على المريض لدخول مكة الا أن تسالم الأصحاب- رضوان

اللّه تعالى عليهم- على عدم وجوب الإحرام عليه قرينة على رفع اليد عن الظاهر و يتعين حمله على الاستحباب- كما أفاده الشيخ و صاحب الوسائل قدس سرهما- هذا و لكن الحق عدم المجال للحمل على الندب لعدم وصول النوبة الى هذا الحمل الا بعد الاعتبار و شمول أدلة الحجية لهما و لكن الظاهر أن سندهما ضعيف فيسقطان عن الاعتبار فالمدار على النصوص الصحيحة المتقدمة.

نعم بناء على تماميتها من حيث السند فكان لما ذكر- و هو حملها على الندب- لما تقدم مجال فتأمل.

(الثانية)- قال في المدارك: و الظاهر أنه انما يجب الإحرام لدخول مكة إذا كان الدخول إليها من خارج الحرم، فلو خرج أحد من مكة و لم يصل الى خارج الحرم ثم عاد إليها دخل بغير إحرام. إلخ) و ظاهر عبارته- كما ترى- هو المفروغية من ذلك، و لكنه مناف لمقتضى إطلاق صحيح محمد بن مسلم المتقدم في صدر المبحث، فحينئذ ان كان في البين إجماع أو سيرة قطعية على التقييد المزبور الذي ذكره- قدس سره- فهو، و الا فلا يمكننا المساعدة عليه، لمرجعية الإطلاق في عدم هذا التقييد.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 321

..........

و لا يخفى: أنه لا ينافي ذلك كون الميقات أدنى الحل، ضرورة: أنه بناء على وجوب الإحرام عليه يحكم بوجوب الخروج إلى أدنى الحل مع التمكن و مع عدم التمكن يحرم من مكانه، كغيره ممن يجب عليه الإحرام- كما أفاده صاحب الجواهر و غيره من الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم- و لكن يمكن الاستدلال على عدم وجوب الإحرام لدخول مكة لمن

خرج من مكة و لم يصل إلى خارج الحرم ثم عاد إليها بما دل على حرمة مكة بناء على شموله لحرمها بقرينة ما ذكر فيه من عدم تنفير الصيد و غيره مما هو من أحكام الحرم، لقوله صلّى اللّه عليه و آله في ذيل حديث فتح مكة المتقدم: (لا يختلى خلاها و لا يقطع شجرها و لا ينفر صيدها و لا تحل لقطتها إلا لمنشد. إلخ) فعليه فمع فرض عدم الخروج عنه لا يجب عليه الإحرام لدخول مكة بخلاف ما لو خرج عنه، ثم أراد الدخول بقصد الدخول إلى مكة، فإنه حينئذ يحكم بوجوب الإحرام عليه مع فرض مضى الشهر- الذي ستعرف الكلام فيه- (الثالثة)- أنه هل يجب على الداخل فيها أن ينوي بإحرامه الحج أو العمرة أو لا؟.؟. ذهب صاحب المدارك- قدس سره- إلى الأول حيث قال:

(و يجب على الداخل فيها أن ينوي بإحرامه الحج أو العمرة لأن الإحرام عبادة و لا يستقل بنفسه، بل إما يكون بحج أو عمرة، و يجب إكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الإحرام. إلخ) و يمكن المناقشة فيه بكفاية إطلاق النصوص الواردة في المقام و غيره في إثبات مشروعيته في حد نفسه، و منه يظهر ضعف القول بأن الإحرام جزء من الحج أو العمرة، و ليس بمشروع مستقلا، إذ لا تنافي بين تشريعه (تارة): جزء.

(و أخرى): استقلالا كتشريع شرطية الوضوء- مثلا- للصلاة (تارة):

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 322

..........

و الاستحباب النفسي (أخرى)- كما لا يخفى- لكن قال في الجواهر: (قد يقال: إن ما دل على عدم حصول الإحلال إلا بإتمام النسك كاف في عدم ثبوت استقلاله، إذ (دعوى): أنه يحل بالوصول إلى مكة أو بالتقصير أو بغير

ذلك لا دليل عليها بل ظاهر الأدلة خلافها بل يمكن بعد التأمل في النصوص استفادة القطع بتوقف الإحلال من الإحرام في غير المصدود و نحوه مما دل عليه الدليل على إتمام النسك و ليس هو إلا أفعال عمرة أو حجة. إلخ) و لكن يمكن أن يقال بعدم توقف إحلاله عنه على الأعمال و حصوله بالدخول في مكة لانصراف ما دل على عدم حصول الإحلال الا بإتمام النسك عنه، فلا يشمله أدلة التروك حتى يحتاج الى الخروج. و (فيه): أنه ليس في البين انصراف أولا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، فلا عبرة به في تقييد الإطلاق، لعدم كونه بمنزلة القرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط للانصراف الصالح للتقييد، فتدبر.

فبمقتضى الإطلاقات و العمومات يحكم بعدم حصول التحلل له الا بعد أن أتى بالأعمال، لأنه لم يفرق فيها. بين من أحرم لأجل دخول مكة أو غيرها.

مضافا الى أنه يستفاد من الاخبار: ان الموضوع للاحكام هو الإحرام، و ترتب محظورات الإحرام على نفس الإحرام، و المفروض أنه تحقق جامعا للشرائط، فيترتب عليه أحكامه، فلا تصل النوبة الى الأصل العملي- و هو البراءة- بان يقال، ان وجوب الإحرام في المقام لم يكن مطلقا، بل لأجل دخول مكة، و بعد الورود فيها نشك في وجوب الأعمال، فندفعه بالأصل فيحصل التحلل منه بصرف دخول مكة، لحصول الغاية، فلاحظ و تأمل.

ثم أنه بعد الغض عن الإطلاقات و العمومات أيضا لا مجال لهذا الأصل،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 323

..........

للاستصحاب الموضوعي في المقام، لأنه على الفرض صدر منه الإحرام جامعا للشرائط، و إذا شك في حصول التحلل بمجرد دخول مكة، فنستصحب الإحرام إلى أن أتى بالأعمال، لرجوع الشك حينئذ إلى الشك في رافعية

دخول مكة للإحرام [كرافعية التقصير في عمرة التمتع- و طواف النساء في العمرة المفردة] فيكون المقام من صغريات الشك في رافعية الموجود الذي لا إشكال في جريان الاستصحاب فيه.

(الرابعة)- أنه لا يخفى: ان الإحرام لدخول مكة إنما يوصف بالوجوب إذا وجب الدخول، و إلا كان شرطا غير واجب- كوضوء النافلة- و متى أخل الداخل بالإحرام أثم، و لم يجب عليه قضائه- كما أفاده صاحب الجواهر و المدارك و غيرهما، من الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم- و أما وجوب القضاء- كما قيل- فما لا وجه له، لعدم دليل تعبدي عليه، بل الأصل ينفيه بعد كونه بفرض جديد. اللهم الا أن يدعى الإجماع على وجوب القضاء- كما ادعاه في محكي التذكرة- فتدبر.

(الخامسة)- ان المحكي عن الشيخ و جماعة من الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- استثناء العبيد فجوزوا لهم دخولها من غير إحرام، و لكن ينافي ذلك مقتضى إطلاق الأدلة المتقدمة.

لكن استدل له في المنتهى على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره-:

(بأن السيد لم يأذن لهم بالتشاغل في النسك عن خدمته، فإذا لم يجب عليهم حجة الإسلام لهذا المعنى فعدم وجوب الإحرام لذلك أولى) و نفي البأس عنه في المدارك.

و لكن لا يخفى ما فيه؛ لعدم صلاحية ما ذكر لتخصيص ما دل على وجوب الإحرام لمن أراد دخول مكة مطلقا؛ فمقتضى الإطلاقات و العمومات هو كون

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 324

..........

الإحرام لدخول مكة- كالصلاة و نحوها من الواجبات الشرعية في عدم توقفها على اذن المولى- فمع الشك في اعتبار اذنه في وجوب الإحرام عليه لدخول مكة يرجع الى العمومات لرجوع الشك في ذلك الى الشك في التخصيص.

ثم ان ما ذكره في محكي هي من عدم وجوب

حجة الإسلام على العبد، لعدم اذن المولى له في النسك في غاية الغموض ضرورة: ان عدم حجة الإسلام عليه ليس لعدم الاذن له و لذا لو أذن له في الحج أيضا لا يكون ما أتى به من المناسك حجة الإسلام إجماعا و نصا إلا إذا أدرك المشعر أو عرفة على الخلاف معتقا. بل عدم وجوب حجة الإسلام عليه انما هو لأجل الرقية. و هذا بخلاف وجوب الإحرام لدخول مكة فإنه لم ينهض دليل على اعتبار الحرية و لا على اذن السيد في ذلك، فالقول بعدم استثناء العبيد من العمومات هو الأقوى، و قد ظهر مما ذكرنا ما في الأولوية التي ادعاها في محكي هي فلاحظ و تدبر.

و أما كونه عبدا مملوكا لا يقدر على شي ء من دون اذن مولاه انما هو في غير الواجبات الشرعية و اما فيها فلا و على ذلك يصح إحرامه لدخول مكة المكرمة و ان لم يأذن له مولاه.

و لا ينافي ذلك ما تقدم سابقا من توقف صحة إحرامه على اذن مولاه بعد تنزيله على غير مفروض المقام- كما لا يخفى- فتدبر.

(السادسة)- أنه يقيد إطلاق ما دل على وجوب الإحرام لمن أراد دخول مكة أو الحرم بما إذا خرج من الحرم، لحاجة ثم رجع اليه و أراد دخول مكة لما رواه محمد بن إدريس في (آخر السرائر) نقلا من كتاب جميل بن دراج عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السّلام في الرجل يخرج من الحرم الى بعض حاجته ثم يرجع من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 325

الا من يكون دخوله بعد إحرامه قبل مضى الشهر (1)

يومه؟. قال: لا بأس بأن يدخل مكة بغير إحرام «1» هذا مع الغض عما في

سنده و ما رواه أحمد بن محمد عن ابن أبى عمير عن جميل بن دراج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يخرج الى جدة في الحاجة؟؟. قال: يدخل مكة بلا إحرام «2» و ما رواه يعقوب بن يزيد عن الحسن عن ابن بكير عن غير واحد من أصحابنا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنه خرج الى الربذة يشيع أبا جعفر عليه السّلام ثم دخل مكة حلالا «3» إلا إذا كان رجوعه بعد مضى شهر، لما رواه الحسين بن سعيد عن ابن أبى عمير عن حفص بن البختري و أبان بن عثمان عن رجل عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم؟.؟. قال: إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام. فإن دخل في غيره دخل بإحرام «4»

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من عدم وجوب الإحرام لمن أراد دخول مكة بعد إحرامه قبل مضى شهر مما هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قديما و حديثا، و استدل له بصحيح حماد بن عيسى أو حسنه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضى الحج فان عرضت له حاجة الى عسفان أو الى الطائف أو الى ذات عرق خرج محرما، و دخل ملبيا بالحج، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع إلى مكة رجع محرما و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى؛ قلت: فان جهل فخرج الى المدينة أو الى نحوها بغير إحرام ثم رجع في أبان الشهر في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير إحرام؟.؟ قال: ان

رجع في شهره دخل مكة بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرما. قلت: فأي الإحرامين و المتعتين متعة الأولى أو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 11

(2) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 326

..........

الأخيرة؟؟. قال: الأخيرة عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته. إلخ «1» بناء على ارادة شهر العمرة من قوله (في شهره) و بموثق إسحاق بن عمار قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثم تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة أو الى ذات عرق أو الى بعض المنازل؟. قال عليه السّلام: يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأن لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج، قال: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه. إلخ «2» « (ثم انه ينبغي التنبيه على أمرين)» (الأول)- أنه ذهب بعض إلى أن الظاهر إن الأمر بالإحرام إذا كان رجوعه بعد شهر إنما هو من جهة إن لكل شهرة، لا أن يكون ذلك تعبدا كما هو صريح موثق إسحاق بن عمار المتقدم- فعليه يقال أن الحكم بالإحرام إذا رجع بعد شهر إنما هو على وجه الاستحباب لا الوجوب، لأن العمرة التي هي وظيفة كل شهر ليست بواجبة.

و لكن لا يخفى ما فيه، لظهور الخبر في الوجوب كما هو واضح.

و أما التعليل الموجود فيه [لكل شهرة عمرة] فلا ينافي صيرورة هذه العمرة المستحبة واجبة بقصد دخول مكة، و انما يدل- كما

ذكرنا في بعض مباحث العمرة سابقا- على أنه رخص في عدم الاعتمار لدخول مكة ان دخل فيها في الشهر الأول و لم يرخص في ذلك له ان دخل في غيره، لأن لكل شهر عمرة فجعل الامام عليه السّلام استحقاق كل شهر للعمرة علة لعدم نفي العمرة الواجبة لدخول مكة،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب أقسام الحج الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب أقسام الحج الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 327

..........

و هذا لا يدل على عدم وجوبها إذا دخل فيها في غير الشهر الأول فتأمل (الثانية)- ان الظاهر من موثق إسحاق بن عمار المتقدم هو أن العبرة بكون شهر الدخول غير شهر التمتع لا كونه غير شهر الخروج و عليه يحمل ما تقدم من صحيح حماد، لأنه لم يصرح فيه بكون العبرة بشهر الخروج و انما جي ء فيه بالضمير لقوله عليه السّلام فيه: (ان رجع في شهره دخل مكة بغير إحرام و ان دخلها في غير الشهر دخل محرما. إلخ) فهو قابل لهذا الحمل في مقام الجمع.

نعم مرسلة الصدوق تدل على أن العبرة بشهر الخروج لا التمتع و هي: عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال إذا أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك، لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه الا أن يعلم أنه لا يفوته الحج و ان علم و خرج و عاد في الشهر الذي خرج دخل مكة محلا و ان دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما «1» و لكنه لا عبرة به لإرسالها، و في مرسلة حفص البختري و أبان أيضا ذلك و هي ما عنه عليه السّلام في الرجل يخرج في

الحاجة من الحرم؟. قال عليه السّلام: ان رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام و ان دخل في غيره دخل بإحرام «2» و فيه ما أورد في سابقه.

قال في المدارك في شرح قول المصنف- قدس سره-: (ان المراد بمضي الشهر مضيه من وقت إحلاله من الإحرام المتقدم- كما اختاره الشيخ و جماعة- و استشكل العلامة في القواعد احتساب الشهر من حين الإحرام أو الإحلال، و قال المصنف في النافع: «و لو خرج بعد إحرامه ثم عاد في شهر خروجه أجزأه؛ و ان عاد في غيره أحرم ثانيا». و مقتضى ذلك عدم اعتبار مضى الشهر من حين

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب أقسام الحج الحديث 10

(2) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 328

أو يتكرر كالحطاب و الحشاش (1)

الإحرام أو الإحلال، بل الاكتفاء في سقوط الإحرام بعوده في شهر خروجه إذا وقع بعد إحرام متقدم، و قريب. من ذلك عبارة الشيخ في النهاية، فإنه قال:

«في المتمتع: فان خرج من مكة بغير إحرام ثم عاد، فان كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لم يضره ان يدخل مكة بغير إحرام، و ان دخل في غير الشهر الذي خرج فيه دخلها محرما بالعمرة إلى الحج و تكون عمرته الأخيرة و نحوه قال في المقنعة. إلخ) ثم لا يخفى: ان في المسألة فروعا كثيرة قد تقدم الكلام عنها مفصلا في مبحث العمرة (في الجزء الثاني) و من أراد الاطلاع عليها فليراجعها.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من جواز دخول مكة بغير إحرام لمن يتكرر دخوله فيها في الجملة مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو

المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر المبسوط و السرائر: الاتفاق عليه. إلخ) و يدل عليه ما رواه موسى بن القاسم عن صفوان ابن يحيى و ابن أبى عمير عن رفاعة بن موسى (في حديث) قال: و قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام إن الحطابة و المجتلبة [و المختلبة خ ل] أتوا النبي صلّى اللّه عليه و آله فسألوه فأذن صلّى اللّه عليه و آله لهم أن يدخلوا حلالا «1» ثم أن تحقيق الكلام فيه يتوقف على الإشارة إلى أمر:

و هو أنه هل يمكن التعدي عن الحطابة و المجتلبة إلى غيرهما أو لا؟؟. مقتضى ظاهر عبارة المصنف- قدس سره- و غيره استثناء كل من يتكرر دخوله في مكة و ان لم يكن من الحطابة و المجتلبة كالحجارة و الجصاصة و الحشاش و الراعي و من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الإحرام الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 329

و قيل من دخلها لقتال جاز أن يدخلها محلا كما دخل النبي صلّى اللّه عليه و آله عام الفتح و عليه المغفر (1)

كان له ضيعة يتكرر لها دخوله و خروجه، و لكن لا يجوز التعدي عن مورد الرواية- و هو الحطابة و المجتلبة- إلى غيره لاحتمال دخل خصوصية المورد في الحكم فلا وجه للتعدي إلى غيره، إذ لا قطع بالمناط حتى يمكن التعدي.

نعم إذا حصل لنا تنقيح المناط القطعي فلا محيص حينئذ عن التعدي، و لكنه لا سبيل لنا الى ذلك في الشرعيات، لقصور عقولنا عن ادراك الملاكات، فتسرية الحكم من المورد الى غيره قياس، فلا بد من الاقتصار على المورد، فتدبر.

(1) و القائل

هو الشيخ و ابن إدريس على ما حكى عنهما، بل في المدارك هو المشهور بين الأصحاب، و كيف كان ففي الجواهر: (من دخلها لقتال مباح جاز أن يدخلها محلا، بل عن المبسوط و السرائر. الى أن قال و في التذكرة:

«ان النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل و عليه المغفر، و كذا أصحابه- كما في بعض النصوص عن أمير المؤمنين عليه السّلام كذلك». و عن المنتهى: «أن النبي صلّى اللّه عليه و آله دخلها عام الفتح و عليه عمامة سوداء» و على كل حال فلا يخفى عليك ما فيه من المناقشة و الاشكال، و ذلك فإن المروي في صحيح معاوية بن عمار قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم فتح مكة: ان اللّه حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض؛ و هي حرام الى أن تقوم الساعة، لم تحل لأحد قبلي، و لا تحل لأحد بعدي، و لم تحل لي إلا ساعة من نهار «1» قال في الجواهر: و في ما عن المنتهى من احتمال كون المعنى: (حلت لي و لمن هو في مثل حالي)- بقرينة ما سمعته في التذكرة- بعيد، خصوصا بعد عدم إشارة في شي ء من النصوص المزبورة الى أن ذلك قد كان منه صلّى اللّه عليه و آله لمكان القتال

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الإحرام الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 330

و إحرام المرأة كإحرام الرجل الا فيما استثنيناه (1).

و لو حضرت الميقات جاز لها أن تحرم و لو كانت حائضا لكن لا تصلى صلاة الإحرام (2)

الذي يمكن مجامعته للإحرام- كما عرفته في لبس المحرم السلاح للضرورة. على ان النبي صلّى اللّه عليه و

آله دخل مكة مصالحا لا للقتال، الا أنه لما كان الصلح مع أبى سفيان و لم يثق بهم و خاف غدرهم حل له ذلك. اللهم الا أن يقال: «أنه إذا جاز لخوف القتال فله أولى». و (فيه): أنه على كل حال لا يستفاد منه الجواز لمطلق القتال ضرورة: احتمال خصوصية فيما وقع من النبي صلّى اللّه عليه و آله باعتبار كونه منه و جهادا للمشركين و غير ذلك من الخصوصيات التي لا توجد في غيره. الى أن قال: و لعله لذلك كله و الاحتياط نسبه المصنف الى القيل مشعرا بضعفه، ضرورة: بقاء العموم حينئذ بلا معارض، بل عن الشيخ في غير المبسوط: انه لم يستثن إلا المرضى و الحطابة. نعم، قد يقال بالجواز إذا وصل الأمر إلى حد الضرورة، لعموم أدلتها، و فحوى نصوص المرض مع احتمال وجوب الإحرام حينئذ و ارتفاع بعض أحكامه لها لا أصل الإحرام، بل هو الوجه و اللّه العالم).

(1) من جواز لبس المخيط، و الحرير، و التظليل سائرا، و ستر الرأس و وجوب كشف الوجه بالمعنى المتقدم، و نحو ذلك مما تقدم.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و الظاهر أنه المتسالم عليه بينهم، و لم ينقل الخلاف من أحد منهم. قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك؛ بل و لا إشكال، ضرورة: اقتضاء عموم الأدلة عدم مانعيته عنه و خصوصها. إلخ) و استدل لذلك بجملة النصوص الواردة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- ما رواه محمد بن إسماعيل (يعني ابن بزيع) عن صفوان بن يحيى عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 331

..........

منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المرأة الحائض تحرم

و هي لا تصلى؟.

قال: نعم إذا بلغت الوقت فلتحرم «1».

2- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تحرم و هي حائض؟ قال: نعم تغتسل و تحتشي و تصنع كما تصنع المحرمة و لا تصلى «2».

3- صحيح العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أ تحرم المرأة و هي طامث؟. قال نعم تغتسل و تلبي «3».

4- خبر يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تريد الإحرام؟. قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها. و تستقبل القبلة، و لا تدخل المسجد، و تهل بالحج بغير الصلاة «4» و نحوها غيرها من الروايات المأثورة عنهم عليهم السّلام.

ثم أن تنقيح هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى أمور:

(الأول)- انه قد تقدم (في مبحث المواقيت): أن الظاهر من قوله عليه السّلام في خبر يونس بن يعقوب المتقدم: (و تهل بالحج. إلخ) هو وروده في إحرام الحج فلا يتم الاستدلال به في المقام. اللهم الا أن يقال: ان العمرة جزء من الحج، فتصح أن يقال: (أنه تهل بالحج) إذا كان المراد منه الإهلال بالعمرة، فتأمل.

(الثاني)- أنه لو كانت الميقات مسجد الشجرة يجوز لها أن تحرم فيها في حال الاجتياز- كما عرفته سابقا- و أما قوله عليه السّلام في خبر يونس بن يعقوب (و لا تدخل المسجد) فلا بد من توجيهه، قال في الوسائل بعد ما ذكره: (أقول:

المراد: لا تدخل المسجد فتلبث فيه. أو تصلي فيه، بل تحرم مجتازة به أو من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 4

(3)

الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 332

و لو تركت الإحرام ظنا أنه لا يجوز رجعت الى الميقات و أنشأت الإحرام منه و لو منعها مانع أحرمت موضعها (1)

خارجه أو يحمل النهى على الكراهة، أو خوف تعدى النجاسة. إلخ) هذا مع التمكن و أما مع عدم التمكن أحرمت من خارجه.

(الثالث)- إن مقتضى النصوص- كما ترى- عدم سقوط الغسل عنها فما حكاه صاحب المدارك- قدس سره- عن جده (في مناسك الحج): [أنها تترك الغسل أيضا] مما لا يمكننا المساعدة عليه، لما عرفت على أن هذا الغسل- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- ليس طهارة منافية لوجود الحيض بل هو مستحب تعبدا.

(1) أما وجوب الرجوع إلى الميقات و إنشاء الإحرام منه مع التمكن من ذلك فما لا ينبغي الإشكال فيه، لتوقف الواجب عليه، و أما خبر على بن جعفر عن أخيه عليهما السّلام قال: سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى إلى الحرم فأحرم قبل أن يدخله؟. قال عليه السّلام: إن كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضي، فإن ذلك يجزيه- ان شاء اللّه تعالى- و إن رجع إلى الميقات يحرم منه أهل بلده فهو أفضل «1» فهو و إن كان صريحا في عدم لزوم الرجوع الى ميقات أهل بلاده للإحرام و لو في صورة التمكن، لكنه لا يعارض ما دل على وجوب الرجوع الى الميقات عليها مع التمكن (أولا): فلضعف سنده على ما قيل به و (ثانيا): فلاعراض الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- عنه الموجب لخروجه عن حيز دليل الاعتبار، فتدبر.

و أما الاكتفاء بإحرامها من موضعها إذا تعذر

عليها العود إلى الميقات فهو المعروف بين الأصحاب، و قد نفي عنه الخلاف و الاشكال في الجواهر و يمكن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 333

..........

الاستدلال عليه بوجوه:

(الأول)- الإجماع. و (فيه): أنه لا عبرة لاحتمال كونه مدركيا.

(الثاني)- ما أفاده صاحب الجواهر من نفي الحرج.

(الثالث)- ما أفاده أيضا من فحوى ما ورد في الجاهل و الناسي الدال على جواز الإحرام له من مكانه في صورة التعذر كصحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم؟. قال: عليه السّلام قال أبى عليه السّلام يخرج الى ميقات أهل أرضه فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم «1». و نحوه غيره من الأخبار و لكنه لا يخلو من إشكال لما عرفته غيرة مرة و في مقامات عديدة فتدبر.

(الرابع)- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كانت مع قوم تطمث فأرسلت عليهم فسألتهم، فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا؟؟. و أنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم؟. فقال: إن كان عليها مهلة فلترجع الى الوقت فلتحرم منه، و إن يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا تفوتها العرفة «2» و لكن مقتضاه أنه مع تعذر الرجوع الى الميقات وجوب الرجوع عليها الى ما أمكن من الطريق- كما عن الشهيد- قدس سره- الفتوى بذلك- و ربما يؤيده، كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- عدم سقوط الميسور بالمعسور فتأمل.

و لكن في المدارك احتمال الحمل على الندب، لعدم وجوب

ذلك على الجاهل و الناسي مع الاشتراك في العذر، و لما رواه الكليني في الموثق عن زرارة عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا إلى الوقت و هي لا تصلى فجهلوا ان مثلها ينبغي أن يحرم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 334

و لو دخلت مكة خرمت إلى أدنى الحل و لو منعها مانع أحرمت من مكة (1)

فمضوا بها كما هي قدموا مكة و هي طامث حلال فسألوا الناس؟. فقالوا: تخرج الى بعض المواقيت فتحرم منه و كان إذا فعلت لم تدرك الحج، فسألوا أبا جعفر عليه السّلام؟

فقال: تحرم من مكانها، قد علم اللّه نيتها «1» و يمكن المناقشة فيه بتقريب: إن مقتضى إطلاقه و ان كان ذلك الا أنه يقيد بما تقدم مما دل على لزوم الخروج من الحرم مع الإمكان، و كيف كان فقد تقدم الكلام في هذه المسألة مفصلا (في مبحث أحكام المواقيت) و من أراد الوقوف عليها كاملا فليراجعها.

هذا كله إذا كان تركها الإحرام من الميقات بلا تقصير، و أما إذا كان بالتقصير فالظاهر كونها كتارك الإحرام عمدا- الذي قد تقدم الكلام فيه في مبحث أحكام المواقيت- كما أنه قد تقدم الكلام في الترك لعذر و الجاهل و الناسي و غير مريد النسك فراجعها.

(1) أما وجوب الرجوع عليها إلى أدنى الحل لو دخلت مكة فلكونه ميقاتا اختياريا- كما تقدم الكلام فيه في أحكام المواقيت- و أما الاكتفاء بإحرامها من مكة إذا تعذر عليها العود إلى أدنى الحل، لما عرفت من الأدلة فلا حظ و تأمل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14

من أبواب المواقيت الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 335

بسم اللّه الرحمن الرحيم

[القول في الوقوف بعرفات]
اشارة

« (القول في الوقوف بعرفات)» و النظر في مقدمته و كيفيته و لواحقه (1)

« (ينبغي هنا التنبيه على أمر)»

(1) قبل الورود في هذا المبحث ينبغي التنبيه على أمر لم يتعرضه المصنف- قدس سره- و هو أنه لا شك في أن يوم الوقوف بعرفات هو يوم التاسع من شهر ذي الحجة، و لكن ينبغي هنا التكلم في أنه هل يجزى الوقوف في اليوم الثامن منه مع العامة بعنوان التقية أو لا.؟.؟ يمكن الاستدلال على الأجزاء بوجوه:

(الأول)- الإجماع. و (فيه): أولا- انه ليس في ما نحن فيه إجماع.

و ثانيا- انه على فرض ثبوته لا عبرة به، لما قد ذكرناه غير مرة من أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام أو الكاشف عن رضاه عليه السّلام لا المدركى، و في المقام يحتمل أن يكون المدرك بعض الوجوه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 336

..........

الآتية، فالعبرة بالمدرك إن تم.

(الثاني)- السيرة المتصلة بزمان أصحاب الأئمة عليهم السّلام، بتقريب:

انهم كانوا يحجون و لا يحتاطون بالوقوف مرتين أو اعادة الحج، لأنه لو كانوا يحتاطون اما بإعادة الوقوف أو بإعادة أصل الحج لكان ذلك يصل إلينا، و من عدم وصول ذلك إلينا عنهم يستكشف عدم عملهم بالاحتياط.

و (فيه): بعد تسليم ان الاحتياط في ذلك على فرض ثبوته يكون مما يصل إلينا قطعا أن احتياطهم فرع منع العامة لهم عن ترك الوقوف معهم في اليوم الذي يقفون بعرفات و لم يثبت منعهم عن ذلك، بل لعله لم يكن منع في البين، و كان كل يعمل على طبق عقيدته، لعدم كون هذا الاختلاف

اختلافا في المذهب، لاتفاق كلتا الطائفتين على أن الموقف هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة لا الثامن منه، فكل من كان يثبت عنده ان هذا اليوم هو التاسع كان يقف فيه، و كل من كان لا يثبت عنده ذلك كان يقف في اليوم الآتي سواء كان من العامة أو الخاصة.

(الثالث)- قاعدة الميسور و (فيه): ان القدر المتيقن من موارد جريانها هو الموارد التي عمل بها الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فيها دون الموارد التي لم يثبت عملهم بها فيها، و في ما نحن فيه لم يثبت عملهم بها.

مضافا الى أن صدق الميسور على الباقي فرع الاضطرار بترك الموقف الحقيقي و سيأتي في مقام الجواب عن الدليل الرابع بيان عدم تحقق الاضطرار في ما نحن فيه.

(الرابع)- دليل نفي العسر و الحرج و نفي الاضطرار بناء على القول بأنها تقيد الواقع و قد التزموا بذلك في نظائر المقام و هي:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 337

..........

1- من اضطر الى المسح على المرارة فإنهم- قدس اللّه تعالى أسرارهم- حكموا بأنه يمسح عليها و يجزى صلاته.

2- من اضطر الى الجلوس في الصلاة حيث انهم حكموا بصحة صلاته كذلك و نحوهما غيرهما. و ما نحن فيه أيضا كذلك، لعدم تمكنه من الوقوف بعرفة في اليوم التاسع تقية فيحكم بسقوط الوقوف عنه للتمسك بما دل على نفي العسر و الاضطرار.

و (فيه): أولا- إن مقتضى قاعدة انتفاء الكل بانتفاء جزئه و المقيد بانتفاء قيده عند حصول الاضطرار إلى ترك جزء أو قيد من واجب ارتباطي سقوط المركب رأسا لا سقوط ذلك الجزء أو القيد فقط.

نعم ثبت خلاف مقتضى هذه القاعدة في باب الصلاة بالنصوص الخاصة و لا يمكن التعدي عن موردها

إلى ما نحن فيه لعدم قطع بالمناط، و لا عموم لفظي يقتضي ذلك فلا بد من العمل بما يقتضيه القاعدة المزبورة و الالتزام بفوات الحج بترك الوقوف اضطرارا بل لا حاجة إلى إعمال هذه القاعدة في ما نحن فيه لدلالة نفس أخبار الباب على ركنية الوقوف المقتضية لبطلان الحج بفوات الوقوفين و لو اضطرارا كما سيأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالى.

و ثانيا- إن في باب الصلاة إنما حصل الاضطرار لأجل أهمية الوقت و لو لا ذلك لم يكن في البين اضطرار لتمكنه من إتيان الصلاة تامة بعد الوقت- كما لا يخفى- و لذا نقول: ان من يحصل له البرء من المرض و يدرك الصلاة في آخر الوقت ليس له المسح على المرارة أو الصلاة جالسا، لما ذكرناه غير مرة من أن الواجب هو صرف الوجود من الصلاة و الموضوع هو صرف الوجود من الوقت، و المفروض أنه متمكن من الإتيان بصرف الوجود من الصلاة في صرف الوجود من الوقت قائما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 338

..........

أو بالمسح على البشرة، فليس مضطرا الى ترك ذلك.

هذا إذا لم يكن مرضه مستوعبا لتمام الوقت، و أما في صورة الاستيعاب ففي باب الصلاة قام دليل تعبدي على أهمية الوقت و أما في المقام فلم يقم دليل تعبدي على أهمية الفورية فتدبر.

فقد ظهر بما ذكرنا عدم ثبوت حصول الاضطرار الى ترك الوقوف، لعدم كون فورية الحج موجبة لتوقيته بحيث يكون الحج في العام القابل قضاء لما فات عنه في العام الماضي، حتى يقال بأهمية الوقت و وجوب الوقوف في غير يوم عرفة هذا مضافا الى أن اليوم الثامن: (من ذي الحجة) ليس وقتا لوقوف عرفة، فلا محيص عن القول

بالبطلان و فوات الحج.

ان قلت: كيف لا يتحقق الاضطرار في ما نحن فيه مع ان الأمر في جميع السنوات على نهج واحد، لعدم حصول التمكن من الوقوف فيها.

قلت (أولا): قد يتمكن الشخص من الاحتياط.

و (ثانيا): قد يتفق موافقة العامة مع الخاصة في بعض السنين فعليه الرواح الى الحج في كل عام ما لم يكن حرجيا عليه حتى يحصل التوافق لأن يأتي بالحج جامع للشرائط و إذا لم يحصل التوافق و لم يتمكن من الوقوف أصلا فيوصي بالحج.

هذا و إذا اتفق عدم التمكن من الوقوف في العام الأول من استطاعته لم يستقر عليه الحج و كشف عن عدم استطاعته في تلك السنة كما لا يخفى.

(الخامس)- حديث أبى الجارود قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام انا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى، فلما دخلت على أبى جعفر عليه السّلام و كان بعض أصحابنا يضحى؟؟. فقال: «الفطر يوم يفطر الناس- و الأضحى يوم يضحى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 339

..........

الناس- و الصوم يوم يصوم الناس» «1» تقريب دلالته على المدعى هو أنه حكم عليه السّلام فيه بأن الأضحى هو يوم يضحى الناس و معنى ذلك: إن اليوم الذي يضحى فيه الناس منزل منزلة يوم الأضحى الحقيقي و هذا التنزيل و إن لم يكن ملازما عقلا لتنزيل اليوم الثامن الذي يقف فيه الناس منزلة يوم عرفة الواقعي، لكنه ملازم له عرفا، فيفهم أحد التنزيلين بالمطابقة و الآخر بالملازمة العرفية و هذا التنزيل الثابت بالاستلزام العرفي يوسع وقت الوقوف و يجعل غير اليوم التاسع (من شهر ذي الحجة) وقتا أيضا للوقوف فيكون حاكما على ما دل على سببية فوت الموقف لفوت الحج لدلالة التنزيل المزبور على

عدم فوات الوقوف حينئذ و خروج المفروض عن موضوع من فاته الحج بفوات الوقوف.

هذا و كون مورد فرض الراوي هو صورة الشك لا يضر بإطلاق كلام الامام عليه السّلام الشامل للعلم بالخلاف أيضا.

إن قلت: ان ما ذكرته من التقريب يأتي بعينه في قوله عليه السّلام: (الفطر يوم يفطر الناس) مع أنه لا بد من القضاء في مسألة الصوم- كما ورد في بعض الروايات المروية في الوافي قوله عليه السّلام: (كان إفطاري يوما و قضائه أيسر على من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه) فلا يدل على التنزيل الموجب لترتب الآثار عليه، بل غايته وجوب إظهار الموافقة مع العامة لا ترتيب آثار الصحة على الأعمال التي يأتي بها على طبق مذهبه تقية، فالمستفاد حينئذ هو وجوب الاتقاء من شرهم بإظهار الموافقة معهم، و هذا غير صحة العمل و اجزائه عن الواقع.

قلت: ان ابتلاء احدى جمل الحديث و هي قوله عليه السّلام: (الفطر يوم يفطر الناس) بالمعارض لا يستلزم سقوط باقي الجمل عن الحجية- كما مر في غير واحد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 340

..........

من المقامات- فان السند ينحل بعدد الجمل.

هذا مضافا: الى أن التقية في ترك الواجب غير التقية في أدائه، و محل النزاع في دلالة أدلة التقية على الأجزاء و عدمه هو الثاني دون الأول، فالروايات الدالة على وجوب قضاء صوم الذي يكون من شهر رمضان و لكن حكم قاضى المخالفين بكونه يوم العيد و أفطر الإمام عليه السّلام تقية تكون على طبق القاعدة، فلا يقاس التقية في أداء الواجب كالمقام- بالتقية في تركه- كالصوم- هذا غاية

ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال به على المدعى و لكن يرد عليه (أولا): انه ضعيف سندا و (ثانيا): أنه من المحتمل أن يكون مقصوده عليه السّلام من هذا الكلام بيان وجوب التقية تكليفا و المماشاة مع المخالفين و إظهار الموافقة لهم لحفظ النفس و غيرها مما يجب حفظه عن شرهم، فالواجب علينا هو الاتقاء منهم- بان نفطر يوم يفطرون، و نضحي يوم يضحون- و نصوم يوم يصومون- و أما كون العمل الموافق لهم مجزيا فلا يدل عليه الخبر المزبور.

لكن الإنصاف: ان هذا الاحتمال بعيد جدا، إذ التقية حينئذ لا تشرع إلا إذا كان هناك خوف منهم يوجب حفظ النفس الذي هو أهم من فعل الواجب إذ الترخيص في ترك الواجب منوط بمزاحمته لما هو أهم منه- كوجوب حفظ النفس، أو العرض مثلا- و مقتضى إطلاق الأمر بالتضحية معهم هو جواز أو وجوب الموافقة معهم و إن لم يكن خوف منهم، كما يشعر به أو يدل عليه قول السائل (و كان بعض أصحابنا يضحى) فحينئذ يكون في نفس التقية و المداراة مع المخالفين مصلحة غير ملاك حفظ النفس و لازمه كون التقية عنوانا ثانويا مغيرا للحكم الأولى، و مقتضاه كون الأمر بالتقية بعثا حقيقيا لا إرشاديا، إذ لو كانت مشروعة لحفظ

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 341

..........

النفس فقط فتصير الأمر بها إرشاديا لكون التقية حينئذ مقدمة لحفظ النفس الواجب، و قد حقق في محله كون الأمر بالمقدمة إرشادا إلى حكم العقل بحسن الإطاعة و امتناع الأمر المولوي بها، و من المعلوم ظهور الأمر في المولوية لا الإرشادية، و مقتضى المولوية الاجزاء.

فالعمدة في الاشكال ضعف سند رواية أبي الجارود و عدم انجباره بالعمل، لاحتمال

استناد القائلين بالأجزاء إلى سائر الوجوه المذكورة، بل دلالة رواية أبي الجادر أيضا لا تخلو عن إشكال، لأن تنزيل التضحية الصادرة عن تقية منزلة التضحية الواقعية لا يلازم تنزيل الوقوف التقيي ء منزلة الوقوف الحقيقي الذي هو المدعى، فالعمدة منع هذه الملازمة العرفية، فلاحظ و تأمل و اللّه العالم و هو الهادي إلى الصواب.

ثم انه ورد نظير هذا الحديث حديث آخر عن أبى الجارود أيضا قال: سمعت أبا جعفر محمد بن على عليهما السّلام يقول: (صم حين يصوم الناس- و أفطر حين يفطر الناس- فان اللّه جعل الأهلة مواقيت) «1».

و يرد على الاستدلال به ما يرد على الحديث السابق من الوجهين المتقدمين، بل هذا أوهن منه لوجوه:

1- ان هذا الحديث انما هو بلسان الأمر بالصوم، و الإفطار حين يصوم الناس أو يفطرون و عدم دلالته على التنزيل أظهر، إذ لسان الحديث السابق أوفق بالتنزيل من هذا اللسان- كما لا يخفى.

لكن الحق عدم قصور في دلالته على التنزيل نعم، الحديث المتقدم أظهر منه في التنزيل فليس هذا موهنا له. نعم يوهنه ما تقدم في الاشكال على الاستدلال

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 342

..........

بالحديث المتقدم من عدم دلالته على المدعى، و هو تنزيل الوقوف الناشئ عن التقية منزلة الوقوف الحقيقي.

2- ان ذيل هذا الحديث شاهد على صدور صدره تقية و ذلك لأن التعليل بقوله عليه السّلام: (فان اللّه جعل الأهلة مواقيت) لا يناسب كون الصوم يوم يصوم الناس و الفطر يوم يفطر الناس، بل يناسب دورانهما مدار الواقع؛ فبين عليه السّلام كون هذا الكلام صادرا من باب التقية بوجه لا ينافي التقية.

الا أن يقال: ان

الغرض من التعليل بيان كون المدار على الأهلة مع الغض عن عنوان ثانوي يوجب العدول عنه و الاكتفاء بما نزل منزلة الأهلة الواقعية، فالمراد و اللّه العالم أن الأهلة جعلت مواقيت في غير حال الضرورة و مع الاضطرار يجعل غيرها بمنزلتها في الميقاتية و التنزيل هنا واقعي لا ظاهري حتى لا يقتضي الإجزاء، لعدم أخذ الشك في موضوعه كما لا يخفى.

3- ان هذا الحديث غير مشتمل على جملة: (الأضحى يوم يضحى الناس) فلو سلمنا دلالته على الاجزاء في باب الصوم فلا بد من الاقتصار على مورده؛ فلا يمكن التعدي عن مورده- و هو الصوم- الى غيره، لتوقفه على إلغاء خصوصية الصوم المذكور في الحديث و حمله على المثال، و ذلك خلاف الظاهر جدا. و لا يصار اليه الا بالدليل.

ان قلت: يمكن التعدي عن المورد أعنى الصوم الى غيره بوحدة المناط.

قلت: قد تكرر في غير واحد من المقامات من أن المعتبر منه هو القطعي منه، و هو غير حاصل في الشرعيات، و غاية ما يحصل هو الظن، و لا دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا، لاحتمال خصوصية في الصوم دون غيره، و لا دافع لهذا الاحتمال الا فهم المثالية من الصوم (بدعوى):

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 343

..........

ظهوره فيها، و لكنها غير مسموعة، لكون الظاهر على خلافها فتدبر.

هذا كله مضافا الى عدم كفاية الحديث المزبور لإثبات تنزيل غير يوم عرفة منزلة يوم عرفة و ان اشتمل على مثل قوله: (الأضحى يوم يضحى الناس) و ذلك لما عرفت من منع الملازمة العرفية بين تنزيل غير يوم الأضحى بمنزلة يوم الأضحى، و بين تنزيل غير يوم عرفة منزلة يومها.

ثم أنه يمكن أن

لا يكون هذا الحديث من أخبار حكم التقية لقوة احتمال كونه في مقام بيان حجية الشياع على ثبوت الهلال.

إلا أن يقال: ان هذا الاحتمال متجه فيما إذا كان صومهم و إفطارهم مستندين الى شيوع المدعين لرؤية الهلال لكنه ليس كذلك لاستنادهم في ذلك غالبا الى حكم القاضي و لا وجه لحمل الرواية على النادر و هو استنادهم الى دعوى المدعين للرؤية.

ثم ان أكثر الكلام في هذا الحديث يتأتى بالنسبة الى ما رواه محمد بن أحمد ابن داود عن محمد بن على بن الفضل و على بن محمد بن يعقوب عن على بن الحسن عن معمر بن خلاد عن معاوية بن وهب عن عبد الحميد الأزدي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أكون في الجبل في القرية فيها خمس مائة من الناس؟. فقال إذا كان كذلك فصم لصيامهم و أفطر لفطرهم «1» (السادس)- عمومات التقية. و (فيه): ان غاية دلالتها هو وجوب التقية تكليفا؛ و أما الاجزاء فلا يستفاد منها، و ذلك لأن أخبار التقية انما تدل على ارتفاع الحكم التكليفي لا ارتفاع الحكم الوضعي، فإنه لم تحصل الضرورة في الوضع مثلا إذا شرب الخمر تقية، فلا إشكال في سقوط حرمة شرب الخمر عنه، و لكن لا ينبغي الإشكال في أنه يتنجس فمه لعدم ارتفاع نجاسته بالتقية و كذلك من كان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 344

..........

الحج مستقرا عليه فذهب الى الحج و لم يتمكن من الوقوف الحقيقي للتقية فإنما يسقط عنه حرمة ترك الحج في هذه السنة لا انه يثبت له الاجزاء.

(السابع)- التعدي عن الأخبار الدالة على الاجزاء في موارد خاصة-

كالمسح على الخف تقية، و الصلاة معهم. و (فيه): انه بناء على تماميتها دلالة لا يمكن التعدي عن موردها الى ما نحن فيه، إذ لا قطع بالمناط. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل أيضا فلا محيص حينئذ عن التعدي، و لكنه مجرد فرض، لعدم الإحاطة بملاكات الأحكام و موانعها، لقصور عقولنا عن ذلك فتسرية الحكم من موردها الى ما نحن فيه قياس.

فتحصل من جميع ما ذكرنا: ان مجرد التقية لا توجب الاجزاء لعدم تمامية شي ء من أدلة الأجزاء التي قد تقدم ذكرها.

مضافا الى اقتضاء عدم انطباق المأمور به على المأتي به لعدم الاجزاء الا إذا ثبت بالدليل كونه مسقطا للمأمور به و المفروض انتفائه أيضا فلا وجه للاجزاء فتأمل جيدا.

« (حكم حاكم العامة)» و أما حكم حاكمهم فليس واجب الإتباع و ان قلنا بوجوب اتباع حكم حاكمنا في الموضوعات لعدم الدليل على اعتباره.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 345

..........

« (حكم حاكم الإمامية)» لا بأس بأن نتعرض هنا بالمناسبة لبيان أن حكم حاكم الإمامية هل يكون واجب الاتباع في الموضوعات أو لا؟؟ و انه هل يكون لهم الولاية العامة و سلطنة الدين و الدنيا و المناصب: [كمنصب أخذ الصدقات- و تولية الوقف الذي ليس له متول منصوص- و الطفل الذي ليس له الولي- و الصلاة على الميت الذي يكون بلا ولى- و منصب الفتوى- و القضاء في المرافعات- و مطلق الحكم و إن كان في غير المرافعات- و إجراء الحدود]- أم لا.؟؟.

و الحاصل: أنه هل يستفاد من الأدلة ولاية و منصب للفقيه أم لا؟؟ و على فرض استفادة ذلك فأي مقدار يستفاد منها.

فنقول: إن مقتضى الأصل عدم ولاية أحد على أحد،

و لكن يمكن أن يستدل على ذلك بعدة أخبار- منها:

1- ما رواه محمد بن خالد عن أبي البختري عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال عليه السّلام: إن العلماء ورثة الأنبياء، و ذاك إن الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و إنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشي ء منها فقد أخذ حظا وافرا، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين، و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين «1» و نحوه في ذيل رواية على بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من سلك طريقا يطلب فيه علما، سلك اللّه به طريقا إلى الجنة و إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى به. إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله: و فضل

______________________________

(1) أصول الكافي: ج 2 الباب 3 الحديث 2 طبع النجف ص 22 الوسائل الباب 8 من أبواب صفات القاضي و ما يجوز ان يقضى به الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 346

..........

العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر. إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله:

و إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما لكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر «1» و الشاهد فيه قوله صلّى اللّه عليه و آله: (إن العلماء ورثة الأنبياء) يمكن المناقشة فيه باحتمال كون المراد من العلماء: الأئمة- عليهم السّلام-، و على فرض التسليم بأنه مجمل، لعدم العلم بمقدار وراثتهم، للقطع بعدم وراثة جميع مناصبهم لاختصاص ذلك بالإمام

عليه السّلام.

اللهم إلا أن يجاب عن الأول- و هو كون المراد من العلماء: الأئمة- عليهم السّلام- بأنه خلاف الظاهر. و عن الثاني- و هو أنه مجمل- بان كلما حصل القطع بخروجه عن تحت الإطلاق فهو، و أما كلما شك في خروجه عن حيز الإطلاق فاللازم الأخذ به.

و لكن الإنصاف أنه مع ذلك كله عدم تمامية دلالة الحديث على المدعى، لاحتمال وروده في مقام بيان فضيلة العالم، فلا إطلاق له.

هذا مضافا الى ان ذيل الحديث صريح في أن المراد منها هو إرث الأحاديث، حيث قال عليه السّلام: (و ذاك ان الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و انما أورثوا أحاديث من أحاديثهم. إلخ).

2- ما في التوقيع: (و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّه. إلخ) «2» لا يخفى إن قوله عليه السّلام: (فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا.) يحتمل فيه

______________________________

(1) أصول الكافي: ج 2 الباب 5 الحديث 1 طبع النجف ص 31 و 32 (الكافي: ج 1 ص 34)

(2) الوسائل ج 3 الباب 11 من أبواب صفات القاضي و ما يجوز ان يقضى به الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 347

..........

أمران: (أحدهما): وجوب الرجوع إليهم لأخذ ما عندهم من الروايات.

و (ثانيهما): وجوب الرجوع إليهم لأخذ الأحكام التي يستنبطونها من تلك الروايات.

و على الثاني: لا يستفاد منه- كما ترى- إلا جواز التقليد- كما هو واضح- و على الأول: لا يستفاد منه شي ء أصلا، و مع الإجمال لا يمكن التمسك به حتى لإثبات التقليد.

و أما قوله عليه السّلام: (فإنهم حجتي عليكم.) فلا يدل على ثبوت مطلق الولايات للعالم، و غاية ما يمكن أن يدعى دلالته على التقليد.

إلا أن

يقال: ان قوله عليه السّلام: (فإنهم حجتي عليكم) يكون كالعلة المنصوصة لما قبله من الرجوع الى الرواة في الحوادث الواقعة، و من المعلوم ان حسن التعليل منوط بعموم العلة، و إلا يكون أشبه شي ء بالمصادرة- مثلا إذا قال: [لا تأكل الرمان، لانه حامض] فان لم تكن هذه العلة كبرى كلية، بل كان المراد بالحموضة خصوص حموضة الرمان لم يصح التعليل، لأنه حينئذ بمنزلة أن يقال: [لا تأكل الرمان لانه رمان] و استهجانه بديهي، ففي المقام إذا أريد بقوله عليه السّلام (حجتي) جواز الرجوع إليهم في الفتوى من ناحيته المقدسة فهو بمنزلة قوله: (يجوز الرجوع إليهم لجواز الرجوع إليهم من ناحيتي.

هذا مضافا الى أنه يلزم أخصية المحمول من الموضوع، لانه بمنزل أن يقال (الحوادث الواقعة يجوز الرجوع في أحكامها الكلية إلى الرواة) و هو غير صحيح ضرورة: إن المراد بالحوادث كل حادثة متعلقة بنظام المعاش و المعاد و يرجع فيها الى الامام عليه السّلام مع حضوره، فالرجوع قد يكون في الحكم الكلى و قد يكون في الحكم الجزئي- كما في الخصومات- و قد يكون في تنفيذ أمر- كباب الولايات- فبناء على اختصاص الرجوع الى الرواة بالأحكام الكلية يختص جواز الرجوع ببعض الحوادث

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 348

..........

لا جميعها فلا يكون الجواب مطابقا لعموم السؤال- و هو جميع الحوادث- و هو كما ترى مع ان لفظ: [الحجة] بنحو الإطلاق ظاهر في قيام الرواة مقامه عليه السّلام في جميع الشؤن الراجعة إلى منصب الإمامة فإن لفظ: [الحجة] غير الوكيل و النائب فكأنه قال (أنا أحتج عليكم في جميع الحوادث بالرواة فأتممت بهم الحجة عليكم) و هذا المعنى يناسب العموم و ليس في البين ما يصرف الحجة

عن إطلاقها إلى خصوص الإفتاء أو القضاء و بالجملة فمقتضى الظهور العرفي هو كون الرواة حجة من ناحيته في كل حادثة كما هو حجة اللّه على جميع الخلق في كل أمر و مقتضى ذلك ثبوت الولاية العامة للفقيه إلا فيما يختص بهم عليهم الصلاة و السّلام فتدبر.

هذا ما يرجع الى دلالته و أما سنده فقد رواه الكليني- قدس سره- عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان (العمري)- رحمه اللّه تعالى- أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت على فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السّلام الناقل لهذا عن كتاب الغيبة (للشيخ الطوسي) و كتاب الاحتجاج: (للطبرسي) و رجال المامقاني و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في اعتبار سنده لدلالة التوقيع على علو شأن إسحاق و سمو رتبته بعد ملاحظة ما في متن التوقيع الرفيع من شواهد الصدق و الصدور فلاحظ و تدبر.

3- ما رواه محمد بن على بن محبوب عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن أبى الجهم عن أبى خديجة قال: بعثني أبو عبد اللّه الى أصحابنا، فقال: قل لهم:

إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شي ء من الأخذ و العطاء أن تحاكموا الى أحد من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا، فانى قد جعلته عليكم قاضيا و إياكم أن يخاصم بعضكم بعضا الى السلطان الجائر «1» لكن هذا الحديث- كما ترى- مختص بمورد الخصومة فلا يمكن إثبات الولاية المطلقة لهم به.

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 11 من أبواب صفات القاضي و ما يجوز أن يقضى به الحديث 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 349

..........

4- ما في ذيل رواية على بن

أبي حمزة: (الفقهاء حصون الإسلام؛ كحصن سور المدينة لها «1». و (فيه) ان كونهم حصنا للإسلام لا دلالة فيه على ثبوت الولاية لهم و غاية دلالتها هي أنهم يحفظون الإسلام، و هذا لا يدل على ان لهم الولاية المطلقة.

إلا أن يقال: ان مقتضى التشبيه بالحصن هو ولاية الفقيه في كل أمر يرجع الى حفظ الإسلام بجميع شؤنه و حدوده من الأحكام و السياسات، كما ان الحصن يحفظ جميع ما في المدينة، فلا تختص ولايتهم بالإفتاء و القضاء فتدبر.

5- ما في رواية أحمد بن على بن أبى طالب الطبرسي في الاحتجاج عن أبى محمد العسكري عليه السّلام فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه. إلخ) «2» و لا يبعد دعوى: ان متن الحديث شاهد على صدقه فلا حاجة الى تصحيح السند.

لكنك ترى أنه لا يدل إلا على التقليد دون غيره من المناصب.

6- ما رواه النوفلي عن السكوني عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل يا رسول اللّه و ما دخولهم في الدنيا؟؟

قال: اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم «3» و لكن ظاهره- كما ترى- بيان فضيلة العالم دون مناصبه.

الا أن يدعى: ان الأمانة تقتضي الولاية، إذ مفاده ان الفقهاء أمناء الرسل فيما كانوا أمناء عليه من جميع ما يتعلق بالدين و الدنيا بعد وضوح كون الرسل أمناء على كافة أمور الدين، الدنيا، فالعلماء أيضا أمناء على ذلك. و لا داعي إلى تقييد إطلاق ما ائتمنوه عليه بالإفتاء و القضاء، فتدبر.

7- في المرسل قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اللهم ارحم

______________________________

(1) أصول الكافي ج 2 الباب 15 الحديث 5 ص 78 طبع النجف (الكافي ج 1 ص 38).

(2) الوسائل ج 3 الباب 10 من أبواب صفات القاضي و ما يجوز ان يقضى به الحديث 20

(3) أصول الكافي ج 2 الباب 15 الحديث 5 ص 78 طبع النجف (الكافي ج 1 ص 46).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 350

..........

خلفائي ثلاثا قيل يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و من خلفائك؟. قال: الذين يأتون من بعدي يروون حديثي و سنتي «1» و رواه في المجالس عن الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن محمد بن أحمد عن محمد بن على عن عيسى بن عبد اللّه عن أبيه عن آبائه عن على عليه السّلام مثله و زاد (ثم يعلمونها) و الإنصاف عدم ظهوره في الإطلاق، و غاية ما يمكن دعوى: استفادته منها هو الرجوع إليهم في استفادة الأحكام، و أنهم هم الحافظون للدين- كما هو شأن النبي صلّى اللّه عليه و آله- من حيث أنه نبي، و أما سائر المناصب فلا يثبت لهم بذلك.

الا أن يدعى: ظهور الخلافة في قيام الفقيه مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله في كل ما كان له صلّى اللّه عليه و آله الا ما ثبت اختصاصه به؛ و إطلاق الخلافة كاف في استفادة الولايات منه- كما إذا قال مدير دائرة حين يريد المسافرة مثلا: (إن زيدا خليفتي و قائم مقامي ما دمت غائبا) فهل يستفاد منه شي ء خاص من شؤونه أو جميع شؤونه المتعلقة بتلك الدائرة بحيث لا يتعطل شي ء من أشغال الدائرة في زمان غيبته؟؟. لا ينبغي الارتياب

في ظهور الخلافة في جميع الأمور، فتدبر.

8- المروي في كنز الكراجكي عن مولانا الصادق عليه السّلام أنه قال: الملوك حكام على الناس و العلماء حكام على الملوك «2»، و هذا الحديث ليس ناظرا الى المدعى، بل هو ناظر الى ما كان مرسوما في كل زمان من تبعية السلطان لقول عالم الوقت في أي ملة كانوا و كائنا من كان ذلك العالم.

الا أن يقال: ان مجرد الأخبار غير لائق لمقام الإمام عليه السّلام المنصوب لبيان

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 8 من أبواب صفات القاضي و ما يجوز أن يقضى به الحديث 50 و في الباب 11 الحديث 7.

(2) على ما نقل في عوائد الأيام للنراقى قدس سره.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 351

..........

الأحكام، فالمناسب أن يكون ما ظاهره الأخبار إنشاء، فالمراد حينئذ: ان العلماء نصبوا شرعا حكاما على الملوك بحيث تنفذ أحكامهم على الملوك من حيث كونهم ملوكا، و الا فيلغو ذكر الملوك لتساويهم مع غيرهم من أصناف الناس، و من المعلوم ان شأن الملوك القيام بالمصالح النوعية. و اقامة الحدود و حفظ الثغور و تأمين البلاد لنظم معاش العباد و نفوذ حكم العالم على السلطان منوط بولايته في الأمور السياسية فيكون أمور الدين و الدنيا راجعة إلى الفقيه، فتأمل.

9- ما رواه محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن (الحصين) عن عمر بن حنظلة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الى السلطان أو الى القضاة أ يحل ذلك»؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، و ما يحكم له فإنما يأخذ سحتا، و إن كان

حقا ثابتا لأنه أخذه بحكم الطاغوت، و قد أمر اللّه أن يكفر به قال اللّه عز و جل يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ «1» فقلت:

«فكيف يصنعان»؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فانى قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه، فإنما استخف بحكم اللّه و علينا رد و الراد علينا (راد) على اللّه و هما على حد الشرك باللّه، قلت: «فان كان كل واحد إختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما و اختلفا فيما حكما فيه و كلاهما اختلفا في حديثكم؟؟. قال: الحكم ما حكم به أعدلهما و افقهما و أصدقهما في الحديث و أورعهما و لا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر، قال: «قلت: فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه الآخر؟» قال: فقال: ينظر إلى ما كان من

______________________________

(1) سورة 4 الآية 59

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 352

..........

روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا، و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإن المجمع عليه لا ريب فيه و انما الأمور ثلاثة: [أمر بين رشده فيتبع- و أمر بين غيه فيجتنب- و أمر مشكل يرد علمه إلى اللّه و إلى الرسول صلى اللّه عليه و آله] قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: [حلال بين، و حرام بين؛ و شبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات، و من أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات و هلك من حيث لا يعلم] قلت: فان

الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة و خالف العامة فيؤخذ به و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة و وافق العامة، فقلت: جعلت فداك: أ رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنة و وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة و الآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد، فقلت: جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا؟ قال: ينظر الى ما هم إليه أميل- حكامهم و قضاتهم- فيترك و يؤخذ بالآخر، قلت: فان وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ قال: إذا كان كذلك فأرجه حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات «1» لكن هذا الحديث- كما ترى- مختص بباب المرافعة و لا إطلاق فيها لجميع المناصب.

10- ما رواه محمد بن سنان عن إسماعيل بن بزيع جابر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: العلماء أمناء، و الأتقياء حصون، و الأوصياء سادة. و في رواية أخرى:

(العلماء منار، و الأتقياء حصون، و الأوصياء سادة) «2». و فيه ما لا يخفى.

______________________________

(1) أصول الكافي ج 2 ص 150 الباب 22 الحديث 10 طبع النجف (الكافي ج 1 ص 68).

(2) أصول الكافي باب صفة العلم و فضله و فضل العلماء الحديث 5 (الكافي ج 1 ص 33)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 353

..........

11- ما رواه في جامع الأخبار عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه صلّى اللّه عليه و آله قال: أفتخر يوم القيامة بعلماء أمتي؛ فالقول علماء أمتي كسائر أنبياء قبلي «1» و لكنك ترى إن هذه الكلمات تدل على فضيلة العالم فقط و لا دلالة فيه على إثبات

المدعى و كذلك الأخبار الآتية.

12- المروي في الفقه الرضوي أنه صلّى اللّه عليه و آله قال: منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل «2». و هذا أيضا كسابقه.

13- المروي في الاحتجاج في حديث طويل قيل لأمير المؤمنين: من خير خلق اللّه بعد أئمة الهدى و مصابيح الدجى؟؟، قال: العلماء إذا صلحوا «3» و هذا أيضا كسابقه.

14- المروي في المجمع عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: فضل العالم على الناس كفضلي على أدناهم «4». و (فيه): ما لا يخفى.

15- المروي في المنية أنه تعالى قال لعيسى: عظم العلماء و اعرف فضلهم، فانى فضلتهم على جميع خلقي إلا النبيين و المرسلين كفضل الشمس على الكواكب؛ و كفضل الآخرة على الدنيا و كفضلي على شي ء «5» و عدم دلالته على المدعى واضحة.

16- ما رواه الامام عليه السّلام في تفسيره عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:

أشد من يتم اليتيم يتيم انقطع عن أمامه لا يقدر على الوصول اليه، و لا يدرى كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه، فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا فهدي الجاهل بشريعتنا إذا انقطع عن مشاهدتنا كان معنا في الرفيق الأعلى؛ و قال على عليه السّلام: من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا فاخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم الى نور العلم الذي حبوناه به جاء يوم القيامة و على رأسه تاج من نور يضي ء لأهل تلك العرصات. «6»

______________________________

(1) نقلها النراقي قدس سره في عوائد الأيام عنها.

(2) نقلها النراقي قدس سره في عوائد الأيام عنها.

(3) نقلها النراقي قدس سره في عوائد الأيام عنها.

(4) نقلها النراقي قدس سره في عوائد الأيام عنها.

(5)

نقلها النراقي قدس سره في عوائد الأيام عنها.

(6) نقلها النراقي قدس سره في عوائد الأيام عنها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 354

..........

و (فيه): منع واضح.

17- ما رواه أبو محمد الحسن بن على شعبة (في كتابه المسمى بتحف العقول) عن سيد الشهداء الحسين بن على عليهما السّلام قال: و يروى عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه قال: اعتبروا أيها الناس بما وعظ اللّه به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار، إذ يقول [لَوْ لٰا يَنْهٰاهُمُ الرَّبّٰانِيُّونَ وَ الْأَحْبٰارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ] و قال [لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ إلى قوله لَبِئْسَ مٰا كٰانُوا يَفْعَلُونَ] و إنما عاب اللّه ذلك عليهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر و الفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم و رهبة مما يحذرون و اللّه يقول [فَلٰا تَخْشَوُا النّٰاسَ وَ اخْشَوْنِ] و قال [الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ] فبدأ اللّه تعالى بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت و أقيمت استقامت الفرائض كلها هينها و صعبها، و ذلك ان الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر دعاء إلى الإسلام، مع رد المظالم، و مخالفة الظالم، و قسمة الفي ء و الغنائم، و أخذ الصدقات من مواضعها و وضعها في حقها، ثم أنتم أيها العصابة: عصابة بالعلم مشهورة، و بالخير مذكورة؛ و بالنصيحة معروفة، و باللّه في أنفس الناس مهابة، يهابكم الشريف و يكركم الضعيف، و يؤثركم من لا فضل لكم عليه. و لا بذلكم عنده تشفعون في الحوائج، إذا امتنعت من طلابها، و تمشون في الطريق بهيبة الملوك، و كرامة الأكابر، أ ليس كل ذلك

انما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق اللّه؟!. و إن كنتم عن أكثر حقه تقصرون فاستخففتم بحق الأئمة عليهم السّلام فاما حق الضعفاء فضيعتم، فاما حقكم بزعمكم فطلبتم، فلا مالا بذلتموه، و لا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها، و لا عشيرة عاديتموها في ذات اللّه، أنتم تتمنون على اللّه جنته، و مجاورة رسله؛ و أمانه من عذابه، لقد خشيت عليكم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 355

..........

أيها المتمنون على اللّه أن تحل بكم نقمة من نقماته، لأنكم بلغتم من كرامة اللّه منزلة فضلتم بها، و من يعرف باللّه لا تكرمون و أنتم باللّه في عباده تكرمون، و قد ترون عهود اللّه منقوضة، فلا تفزعون و أنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون، و ذمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مخفورة و العمى و البكم و الزمن في المدائن مهملة، لا ترحمون و لا في منزلتكم تعملون، و لا من عمل فيها تعينون، و بالأدهان و المصانعة عند الظلمة تأمنون كل ذلك مما أمركم اللّه به من النهى و التناهي و أنتم عنه غافلون و أنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو يسعون ذلك بان مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه، الأمناء على حلاله و حرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، و ما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق و اختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة، و لو صبرتم على الأذى و تحملتم المؤنة في ذات اللّه كانت أمور اللّه عليكم ترد، و عنكم تصدر، و إليكم ترجع، و لكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم، و استسلمتم أمور اللّه في أيديهم يعملون بالشبهات، و يسيرون في الشهوات، سلطهم على ذلك فراركم

من الموت، و إعجابكم بالحيوة التي هي مفارقتكم؛ فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن بين مستعبد مقهور، و بين مستضعف على معيشته مغلوب، يتقلبون في الملك بآرائكم؛ و يستشعرون الجري بأهوائهم اقتداء بالأشرار، و جرأة على الجبار، في كل بلد منهم على منبره خطيب مسقع، فالأرض لهم شاغرة، و أيديهم فيها مبسوطة، و الناس لهم خول لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد، و ذي سطوة على الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدء المعيد، فيا عجبا و ما لا أعجب من غاش مغشوم؛ و متصدق ظلوم، و عامل على المؤمنين بهم غير رحيم، فاللّه الحاكم فيما فيه تنازعنا؛ و القاضي بحكمه فيما شجر بيننا، اللهم انك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان، و لا التماسا في فصول الخصام، و لكن لترى المعالم من دينك و يظهر الإصلاح

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 356

..........

في بلادك و يأمن المظلومون من عبادك، و يعمل بفرائضك و سننك و أحكامك، فإنكم ان لا تنصرونا و تنصفونا قوي الظلمة عليكم، و عملوا في إطفاء نور نبيكم، و حسبنا اللّه، و عليه توكلنا، و اليه أنبنا و اليه المصير «1».

و هذا الحديث و إن لم يكن له سند لكن في متنه آثار الصدوق و الصدور من الامام عليه السّلام هذا و محل الاستدلال منه قوله عليه السّلام: (مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه، الأمناء على حلاله و حرامه. إلخ) و احتمل فيه كون المراد من العلماء: الأئمة- عليهم السّلام- لكن مع قطع النظر عن إطلاق نفس هذه الفقرة يستفاد من ملاحظة تمام الحديث صدرا و ذيلا ضعف هذا الاحتمال بل القطع بعدمه فلاحظ.

و أما

احتمال أن يكون المراد منها خصوص علماء عصر الظهور و يكون المعنى أنه لو لم تفعلوا كذا و كذا و لم يكن غيرنا و غصب الولايات لكنا نحن نعطيكم الولايات بان يكون ذلك على نحو النيابة فخلاف الظاهر بل يكون كسائر القضايا الشرعية التي هي من القضايا الحقيقية- على ما حقق في محله- و عليه فلا وجه لاحتمال اختصاص العلماء بعلماء عصر الظهور.

و الإنصاف: أنه يدل على ان كل ما للإمام يكون ثابتا للفقيه لكن لا يدل ذلك على ولايته على الحكم في الموضوعات، فان ذلك لم يكن للإمام حتى يحكم بثبوته للفقيه، لأن وظيفة الإمام عليه السّلام هي بيان الأحكام كحرمة شرب الخمر؛ و وجوب الصلاة، و نحوهما- لا بيان الموضوعات؛ فتشخيصها بيد المكلف، فإذا علم المكلف مثلا بخمرية مائع تنجز عليه الحرمة؛ و ربما يكون ثبوت خمريته له ناشيا من اخبار الإمام عليه السّلام و أما حكمه عليه السّلام بكونه خمرا فلا.

______________________________

(1) الوافي ج 9 باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 357

..........

و بالجملة: أنه بعد تسليم ان كل ما للإمام فهو للفقيه عدا ما ثبت كونه من خصائصهم- عليهم السّلام- لكن لم يكن للإمام الحكم في الموضوعات حتى يحكم بثبوته للفقيه فليس للفقيه أن يحكم على الناس بان هذا خمر أو ماء و ان هذه الآنية ذهب أو لا و نحو ذلك.

نعم إذا رأى المجتهد مصلحة عامة في تحريم مباح أصلي كالتتن مثلا فهو مطلب آخر، و ليس ذلك داخلا تحت الموضوعات كما لا يخفى.

ثم: انه قد ظهر مما ذكرنا إن جميع الأمور التي نعلم بكون وجودها مطلوبا للشارع و عدم رضاه بتعطيلها كحفظ بيضة الإسلام و

حفظ أموال القصر من الأيتام و غيرهم و جباية الصدقات و تولية الوقف الذي ليس له متولي و الطفل الذي ليس له ولى و غير ذلك، فان هذه الأمور و إن كانت واجبات كفائية و تكون نسبتها الى جميع المكلفين على حد سواء، للعلم بأن أصل وقوعها في الخارج مطلوب للشارع، لكن لما ثبت ان كل ما للإمام عليه السّلام فهو للفقيه فيجب الاستيذان من الفقيه على من يريد التصدي لإحدى الأمور المذكورة إن لم يكن فقيها.

هذا مضافا الى أنه مهما دار الأمر بين التعيين و التخيير فالأصل هو التعيين، للعلم بنفوذ التصدي للأمور المذكورة إن كان باذن الفقيه سواء شك في اعتبار اذنه في جواز التصدي و نفوذه أم لا، بخلاف ما إذا كان التصدي بغير اذنه؛ فان نفوذه بحيث يترتب عليه الآثار الشرعية مشكوك فيه، و الأصل عدمه كما لا يخفى.

هذا و أما منصب الإفتاء فلا إشكال في كونه للفقيه، فإنه مضافا الى النص يكون العقل أيضا حاكما بذلك. لأنه مما لا يرضى الشارع المقدس بتركه و إلا لتعطلت الأحكام، و العامي لا يقدر على الإفتاء، فينحصر في المجتهد الفقيه و عليه إما قراءة الأحاديث للعامي، و بيان معارضاته، و كيفية الجمع و الترجيح، و العمل بالأخبار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 358

..........

العلاجية و إما الإفتاء و (الأول) باطل، فان معناه ان يجعل الفقيه العامي مجتهدا، فانحصر الأمر في الإفتاء هذا بالنسبة إلى الفقيه و اما العامي فيجب عليه التقليد ما دام عاميا و لم يصل الى درجة يتمكن معها من الاحتياط، و إلا جاز له ذلك إلا في مسألة واحدة، و هي أصل جواز الاحتياط و عدم لزوم قصد الوجه و

نحوه؛ فهذه المسألة يجب العمل فيها بالتقليد أو الاجتهاد، و بعد ان ثبت له بالتقليد أو الاجتهاد جواز الاحتياط و عدم لزوم قصد الوجه و نحوه تخير في بقية المسائل بين التقليد و الاحتياط ما دام عاميا فيها.

ثم اعلم: انا و ان قلنا بعدم نفوذ حكم الحاكم في الموضوعات لكن يستثني من ذلك حكمه بثبوت الهلال، و ذلك لأن الحكم بثبوته ثابت للإمام و قد تقدم إن ما للإمام فهو للفقيه، فيثبت المطلوب، و يدل على ما ذكرنا من كون أمر الهلال بيد الامام عليه السّلام صحيح محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه السّلام قال: إذا شهد عند الامام عليه السّلام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، و إن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخر الصلاة الى الغد فصلّى بهم «1».

و احتمال كون المراد من الإمام فيه هو غير الإمام الحقيقي خلاف الظاهر و يمكن الاستدلال لذلك أيضا بمرسلة رفاعة عن رجل عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال:

دخلت على أبى العباس بالحيرة، فقال يا أبا عبد اللّه ما تقول: في الصيام اليوم؟؟

فقال: ذاك الى الإمام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا، فقال يا غلام: على بالمائدة، فأكلت معه و أنا أعلم و اللّه انه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 359

..........

و قضائه أيسر على من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه «1» و أما الإيراد عليه بان هذه القصة تكون في مورد التقية فقيد أجيب

عنه في الأصول، بأن التقية تكون في التطبيق لا في الكبرى- أعنى كون أمر الهلال الى الامام.

نعم لو كانت العبارة هكذا (ذاك إليك إن صمت. إلخ) لم تكن دليلا على ثبوت ولاية حكم الهلال للإمام عليه السّلام، بل كان حكما شخصيا بعنوان التقية و أما قوله عليه السّلام: (ذاك إلى الامام) فظهوره في الحكم الواقعي الأولي مما لا ينكر، و احتمال التقية فيه مدفوع بالأصل العقلائي خصوصا بعد ملاحظة ان التقية تنادي بتطبيق الكبرى على المورد، إذ معه يكون حمل الكبرى على التقية بلا وجه فان الضرورات تتقدر بقدرها فالمتعين كون التقية في التطبيق فقط.

هذا نعم ضعف سنده يمنع عن الاستدلال به، فالعمدة ما تقدم من صحيح محمد بن قيس فتدبر.

ثم ان حكم الحاكم بالهلال حكم ظاهري، فيختص نفوذه بحال الشك، لعدم كونه من العناوين الثانوية المغيرة للاحكام الثابتة للعناوين الأولية.

و عليه فإذا عمل المكلف على طبق حكم الحاكم بان هذا اليوم يوم عرفة ثم تبين خلافه و لم يدرك الموفقين بنحو يكون مجزيا و لو في حال الاضطرار فيندرج فيمن فاته الحج.

« (بقي هنا شي ء)» بقي هنا شي ء لا بأس بالإشارة اليه و هو ان صدق عنوان العالم على فقهائنا بناء على عدم إفادة الأمارات للعلم و كونها ظنية مشكل، لعدم كونهم بناء عليه عالمين

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 360

..........

بأحكام الأئمة- عليهم السّلام- ليشملهم حديث تحف العقول و شبهه مما ورد في حق العالم بأحكامهم.

إلا أن يلتزم بالحكم الظاهري لأنهم حينئذ عالمون بالأحكام الظاهرية فيرتفع الاشكال، لكن (فيه): إن الالتزام بالحكم الظاهري غير صحيح، لاستحالة الجمع

بين الحكم الظاهري و الواقعي كما حققناه في الأصول و أثبتنا هناك عدم تمامية شي ء من الوجوه التي ذكروها في الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري، و عليه فإشكال عدم صدق العالم بالأحكام على الفقهاء لا دافع له، و معه يشكل إثبات شي ء من الولايات التي منها ولاية الحكم بثبوت الهلال لهم.

هذا مضافا إلى أنه بناء على القول بالحكم الظاهري لا يقولون به في الأمارات لتسالمهم على حجيتها من باب الطريقية، بل يلتزمون بالحكم الظاهري في موارد الأصول العملية فقط.

و الحاصل: ان القضاء و الإفتاء و نحو ذلك من المناصب و إن كانت ثابتة للعلماء على ما نطقت به الاخبار لكن الكلام في الموضوع إذ مع عدم كونهم عالمين بأحكامهم- عليهم السّلام- لا تشملهم الروايات المثبتة بتلك المناصب للعلماء كما لا يخفى.

لكن الذي يسهل الخطب ان هذا الإشكال لا يرد على مختارنا في حجية الاخبار من كونها ببناء العقلاء الذين لا يعملون بالظن و الشك، بل بالعلم العادي و الاطمئنان العقلائي، فيكون مستنبط الحكم من الروايات عالما بالأحكام و مشمولا للروايات المثبتة للولايات و المناصب للفقيه.

نعم هذا الإشكال يرد على سائر المباني كمبنى الانسداد بناء على الكشف و مبنى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 361

..........

منجزية الاحتمال، بان يقال ان الشارع جعل الأمارة المصيبة حجة؛ و حيث انها غير معلومة تفصيلا فيجب الأخذ بجميع الإمارات احتياطا للعلم الإجمالي بمطابقة بعضها للواقع و مبنى تتميم الكشف و جعل الطريقية و الوسطية في الإثبات، فإن ظاهره و هو جعل غير الكاشف كاشفا و ان كان يدفع الإشكال المذكور، ضرورة:

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 3، ص: 361

كون الأمارة حينئذ موجبة للعلم بالواقع لكن الشأن في صحة هذا المبنى، لما قررناه في الأصول من أن جعل غير الكاشف كاشفا ان كان بالتكوين فلا بأس به، لكنه في المقام تشريعي، و مقتضاه حينئذ هو ترتيب آثار العلم على غير العلم- نظير تنزيل المشكوك في الاستصحاب منزلة المتيقن- و معه لا تكون الامارة موجبة للعلم بالواقع فلا يكون الفقيه فقيها و عالما بالأحكام و مبنى جعل وجوب العمل بالأمارة تكليفا، فان هذا الحكم و إن كان معلوما لكنه غير مؤدى الأمارة، فلا يحصل العلم بكون مؤداها هو الواقع حتى يكون مستنبط الحكم من الأمارات غير العلمية عالما بالأحكام و بالجملة: فإشكال عدم كون المجتهد عالما وارد على جميع ما عدا مختارنا في حجية الأمارات من المباني و لا دافع له.

و أما على المبنى الذي اخترناه و أشرنا إليه آنفا فلا يرد عليه الاشكال المتقدم أصلا، لأن الأخبار على هذا المبنى ليست طريقيتها مجعولة بل منجعلة، و لا غرو في هذه الدعوى بعد ملاحظة كيفية ضبط الروايات، و اهتمام المشايخ في ذلك و مراعاة الدقة و بذل الجهد و المشقة في تصحيح المتون و حفظها عن الزيادة و النقيصة، فان المراجعة إلى كيفية تحمل الحديث و آدابه تورث القطع بصدور جملة وافية بالأحكام من أحاديث الأئمة الأطهار عليهم السّلام فلاحظ و اللّه تعالى هو الهادي إلى الصواب.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 362

[أما المقدمة]

« (أما المقدمة)» فيستحب للمتمتع أن يخرج إلى عرفات يوم التروية [1] (1)

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر عند شرح قول الماتن (على معنى خروجه إلى منى، ثم إلى عرفات

يوم عرفة، بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام: «يستحب للحاج اتفاقا بعد الإحرام يوم التروية الخروج إلى منى من مكة»).

و يدل عليه- مضافا إلى الاتفاق المزبور- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان يوم التروية- إن شاء اللّه تعالى- فاغتسل، ثم البس ثوبك، و أدخل المسجد حافيا، و عليك السكينة و الوقار، ثم صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام أو في الحجر؛ ثم أقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، و أحرم بالحج، و عليك السكينة و الوقار فإذا انتهيت إلى الرفضاء (الرقطاء) دون الردم فلب فإذا انتهيت إلى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى «1».

و أما استحباب الإحرام فيه للمتمتع- على معنى مرجوحيته ما قبله بالنسبة

______________________________

[1] يوم التروية: هو يوم الثامن من ذي الحجة، و اما تسمية يوم التروية بذلك، فقد ذكروا لها وجوها:

1- ما هو المذكور فيما رواه ابن بابويه (في كتاب علل الشرائع و الأحكام) في الحسن عن عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبى عبد اللّه- عليه السّلام- قال: «سالته: لم سمى يوم التروية يوم التروية؟.؟.»، قال: (أنه لم يكن بعرفات ماء و كانوا يستقون من مكة من الماء ربهم و كان بعضهم لبعض يقول: [ترويتم؛ ترويتم] فسمي يوم التروية لذلك).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 363

..........

اليه، فقال في الجواهر: (ففي المبسوط و الاقتصاد و الجمل و العقود و الغنية و المهذب و الجامع و غيرها على ما حكى عن بعضها التصريح

به بل لا أجد فيه خلافا- كما عن المنتهى الاعتراف به- بل عن التذكرة: «الإجماع على استحباب كونه يوم التروية» بل في المسالك: «أنه موضع وفاق بين المسلمين». إلى أن قال: «نعم عن ابن حمزة وجوب كونه يوم التروية إذا أمكنه بمعنى عدم جواز تأخيره عنه اختيارا و لعله لظاهر الأمر في حسن معاوية إذا كان يوم التروية إن شاء اللّه فاغتسل. إلخ المحمول على الندب. إلخ) ما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- من حمله على الندب هو الصواب، لأن تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن ظهوره في الوجوب، و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه، فلا محيص عن الالتزام به، فتدبر.

مضافا إلى ما ذكره صاحب الحدائق من الروايات الدالة على جواز وقوع الإحرام في غير التروية- و هي:

1- حديث أبى الحسن عليه السّلام من أنه دخل ليلة عرفة معتمرا فأتى بأفعال

______________________________

ما حكى العلامة- رحمه اللّه تعالى- (في المنتهى): «و هو ان إبراهيم- عليه السّلام- رأى في تلك الليلة التي رأى فيها ذبح الولد رؤياه فأصبح يروى في نفسه ا هو حلم أم من اللّه تعالى.؟؟!. فسمى يوم التروية لذلك، فلما كانت ليلة عرفة رأى ذلك فعرف أنه من اللّه تعالى فسمى يوم عرفة».

3- ما ذكر في خبر ابي بصير (المروي في الجزء الثاني من الوسائل- في الباب 2- من أقسام الحج الحديث 24) انه سمع أبا جعفر و أبا عبد اللّه- عليهما السّلام- يذكران انه لما كان يوم التروية قال جبرئيل- عليه السّلام: «ترو من الماء» فسميت يوم التروية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 364

..........

العمرة و أحل و جامع بعض جواريه ثم أهل بالحج

و خرج الى منى «1» 2- ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبى نصر عن بعض أصحابه عن أبى الحسن عليه السّلام (في حديث) قال فيه: «و موسع للرجل أن يخرج إلى منى من وقت الزوال من يوم التروية الى أن يصبح حيث يعلم أنه لا يفوته الموقف» «2» 3- ما عن على بن يقطين قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذي يريد أن يتقدم فيه الذي ليس له وقت أقل منه؟. قال: إذا زالت الشمس، و عن الذي يريد أن يتخلف بمكة عشية التروية إلى أى ساعة يسعه أن يتخلف؟. فقال: «ذلك موسع له حتى يصبح بمنى» «3» و معناه ان أول وقت الخروج إلى منى زوال الشمس من يوم التروية و آخره ليلة عرفة بان يصبح في منى لا يتقدم عليه و لا يتأخر عنه قال صاحب الحدائق: (هذا هو الأصل في أفضلية الوقت و إن جاز التقديم و التأخير على خلاف الفضل و لذوي الأعذار كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى. إلخ) و كيف كان فهذه الاخبار- كما ترى- ظاهرة في خلاف ما ذهب اليه ابن حمزة من وجوب الإحرام يوم التروية و لكن قال في الجواهر: (و ان قد يناقش بظهور

______________________________

ثم أتى منى فأباته ثم غدا به إلى عرفات. إلى أن قال: [فهذه عرفات، فاعرف بها مناسكك، و اعترف بذنبك، فسمى عرفات، ثم أفاض إلى المزدلفة، فسميت المزدلفة، لأنه ازدلف إليها.] إلخ.

و في حسن معاوية بن عمار أو صحيحة عن ابى عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ان إبراهيم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 و لكن بتغيير

يسير.

(2) الوافي ص 507 ج 5.

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 365

بعد أن يصلّى الظهرين (1)

أولها في الاضطرار و خلو الأخيرين عن ذكر الإحرام، إذ يمكن وقوع الإحرام فيه، ثم تأخير الخروج الى الليل و نحوه) فالعمدة في الرد على ابن حمزة هو ما عرفت، فتدبر.

(1) قال في المدارك: (ما اختاره المصنف من استحباب الخروج للمتمتع الى عرفات يوم التروية بعد أن يصلّى الظهرين أحد الأقوال في المسألة، و هو اختيار الشيخ في النهاية و المبسوط و جمع من الأصحاب، و ذهب المفيد و المرتضى الى استحباب الخروج قبل صلاة الفرضين و إيقاعهما بمنى، و قال الشيخ- رحمه اللّه تعالى- في التهذيب: «إن الخروج بعد الصلاة مختص بمن عدا الامام من الناس، فاما الإمام نفسه فلا يجوز له أن يصلّى الظهر و العصر يوم التروية إلا بمنى» و ذكر العلامة- رحمه اللّه تعالى- (في المنتهى): «إن مراد الشيخ بعدم الجواز شدة الاستحباب» و الأصح التخيير لغير الامام بين الخروج قبل الصلاة و بعدها أما الامام فيستحب له التقدم و إيقاع الفرضين بمنى. إلخ).

و قد استدل صاحب المدارك- قدس سره- على مقالته و هو التخيير لغير الامام بقوله: (إن فيه جمعا بين ما تضمن الأمر بالخروج بعد الصلاة الواردة في كيفية إحرام الحج حيث قال فيها: (ثم أقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة و أحرم بالحج «1» و ما تضمن

______________________________

- عليه السّلام- أتاه جبرئيل عند زوال الشمس من يوم التروية، فقال يا إبراهيم (ارتو من الماء لك و لأهلك و

لم يكن بين مكة و عرفات يومئذ ماء، فسميت التروية لذلك، ثم ذهب به حتى اتى منى فصلّى بها الظهر و العصر و العشاءين و الفجر حتى إذا بزغت الشمس خرج إلى عرفات). إلى أن قال: ثم مضى به إلى الموقف، فقال: يا إبراهيم اعترف بذنبك و اعرف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 366

..........

الأمر بالخروج قبلها كصحيحة معاوية بن عمار أيضا قال قال: أبو عبد اللّه إذا انتهيت إلى منى فقل و ذكر الدعاء، ثم تصلّى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخر و الفجر و الامام يصلّى بها الظهر لا يسعه إلا ذلك «1».

ثم أنه استدل على مقالته و هي أن على الامام يستحب له إيقاع الفرضين بمنى- مضافا الى هذه الرواية- بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا ينبغي للإمام أن يصلّى الظهر يوم التروية إلا بمنى و يبيت بها الى طلوع الشمس «2» و في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام؛ قال: ينبغي للإمام أن يصلّى الظهرين يوم التروية بمنى و يبيت بها و يصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج «3». إلخ) انتهى.

و التحقيق: إن الأفضل لغير الامام أن يصلّى الظهر بمنى و يدل عليه صحيح عمر ابن يزيد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ثم صل ركعتين خلف المقام، ثم أهل بالحج، فان كنت ماشيا فلب عند المقام و إن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك و صل الظهر إن قدرت بمنى «4»

و صحيح معاوية ابن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا انتهيت إلى منى فقل. إلى أن قال:

______________________________

مناسك، فلذلك سميت عرفه حتى غربت الشمس، ثم أفاض به إلى المشعر، فقال يا إبراهيم:

ازدلف إلى المشعر الحرام فسميت المزدلفة و اتى به المشعر الحرام فصلّى به المغرب و العشاء الآخرة بأذان واحد و إقامتين، ثم بات بها حتى إذا صلّى الصبح أراه الموقف. إلخ).

رواه في الوسائل (في الجزء الثاني) في الباب- 2- من أبواب أقسام الحج الحديث: (35).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الإحرام الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 367

..........

ثم تصلّى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر و الامام يصلّى بها الظهر لا يسعه إلا ذلك و موسع عليك أن تصلّى بغيرها إن لم تقدر ثم تدركهم بعرفات «1» و موثق أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: ثم تلبي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت، و تقول: لبيك بحجة تمامها و بلاغها عليك و إن قدرت أن يكون رواحك إلى منى زوال الشمس و الا فمتى ما تيسر لك من يوم التروية «2».

و لا يعارضها صحيح معاوية بن عمار المتقدم قال عليه السّلام فيه إذا كان يوم التروية.

فاغتسل. إلى أن قال: ثم أقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة و

أحرم بالحج. إلخ «3» و ذلك لان مقتضى الصناعة تقييدها به، لتمامية قانون باب الإطلاق و التقييد في المقام- و هو التنافي الموجب للحمل.

و لكن التحقيق: أنه لما لا مجال لذلك في المستحبات- على ما قرر في محله- لكون القيد فيها مطلوب في مطلوب، و لذا تحمل الأخبار المتقدمة على الأفضلية؛ بمعنى ان الأفضل لغير الامام أن يصلّى صلاة الظهر بمنى فبما ذكرنا ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب المدارك قدس سره من التخيير للجمع بين ما تضمن الأمر بالخروج بعد الصلاة و ما تضمن الأمر بالخروج قبلها لعدم وصول النوبة إليه بعد عدم التعارض و التكافؤ بينهما فلاحظ و تأمل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 368

..........

و أما الامام [1] فقد عرفت من الشيخ و ظاهر النهاية على ما حكى عنه أنه لا يجوز له غير ذلك؛ يعنى لا بد له أن يأتي بالظهرين في منى، و مال اليه صاحب الحدائق قدس سره لظاهر النصوص المتقدمة، و لكن حمله في المنتهى على شدة الاستحباب و نفي عنه البأس في الجواهر حيث قال بعد حمل المنتهى و (لا بأس به خصوصا بعد اشعار لفظ لا ينبغي و نحوه به و بعد الإجماع على الظاهر ممن عداه على عدمه).

و لكن التحقيق: أن ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم:

(و الامام يصلّى بها الظهر لا يسعه إلا ذلك) هو عدم جواز صلاة الظهر

و العصر للإمام إلا بمنى و كذا ظاهر ما رواه جميل بن دراج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: على الامام أن يصلّى الظهر بمنى و يبيت فيها و يصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج الى عرفات «1» و أما لفظ (ينبغي- و لا ينبغي) في صحيحة جميل و صحيحة محمد بن مسلم المتقدمتين، فلا ينافي في ذلك؛ لما عرفته في غير واحد من المقامات عدم دلالته على الكراهية المصطلحة بل تكون ظاهرة في مجرد الحزازة فبقرينة ما دل على عدم الجواز يحمل عليه فالقول بالوجوب ليس بالبعيد عملا بظاهرها.

______________________________

[1] و المراد بالإمام أمير الحاج- كما صرح به غير واحد- لا الإمام حقيقية فإنه الذي ينبغي ان يتقدمهم الى النزول فيتبعوه و يجتمعوا اليه و يتأخر عنهم في الرحيل منه و يدل عليه ما رواه في الكافي عن حفص المؤذن: (قال حج إسماعيل بن علي بالناس سنة [أربعين، و مائة] فسقط أبو عبد اللّه عليه السّلام عن بغلته فوقف عليه إسماعيل فقال له أبو عبد اللّه سر فإن الإمام لا يقف «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 369

..........

نعم إذا ثبت تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الوجوب فترفع اليد عن ظاهرها و تحمل على الاستحباب، لكونه قرينة على عدم الوجوب فتأمل.

« (ثم انه ينبغي لنا التنبيه على أمر)» و هو أن ظاهر اقتصار المصنف و غيره على المتمتع عدم استحباب ذلك في المفرد و المقارن للمكي و المجاور بها قال الشهيد الثاني في المسالك

بعد نقل قول المصنف ما هذا نصه: (خص المتمتع بالذكر لأن استحباب الإحرام يوم التروية موضع وفاق بين المسلمين و أما القارن و المفرد فليس فيه تصريح من الأكثر و قد ذكر بعض الأصحاب أنه كذلك و هو ظاهر إطلاق بعضهم).

و في التذكرة: (نقل الحكم في المتمتع عن الجميع ثم نقل خلاف العامة في وقت إحرام الباقي هل هو كذلك أم في أول ذي الحجة) و نحوه في المنتهى و قال بعد كلامه في المتمتع أما المكي فذهب مالك إلى أنه يستحب أن يهل بالحج من المسجد بهلال ذي الحجة و روى عن ابن عمرو ابن عباس و طاوس و سعيد بن جبير استحباب إحرامه يوم التروية أيضا و هو قول أحمد. إلى أن قال قدس سره و لا خلاف في أنه لو أحرم المتمتع أو المكي قبل ذلك في أيام الحج فإنه يجزيه).

و لكن مقتضى الأخبار أن المفرد متى كان من أهل الآفاق مقيما بمكة و انتقل حكمه إليهم أو أراد الحج مفردا استحبابا فإنه يحرم بالحج من أول شهر ذي الحجة أن كان صرورة و أن كان قد حج سابقا فمن اليوم الخامس من شهر ذي الحجة و بعضها مطلق في الإحرام من أول الشهر فإنه يخرج إلى التنعيم أو الجعرانة و يحرم منها لا من مكة منها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 370

..........

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

أنه أريد الجوار فكيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة و أحرم منها بالحج. إلى أن قال: ثم قال إن سفيان فقيهكم أتاني، فقال: ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون

منها؟. فقلت له:

هو وقت من مواقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: و أى وقت من مواقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ فقلت: له أحرم منها حين قسم غنائم حنين عند مرجعه من الطائف. إلى أن قال فقال: أما علمت: إن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنما أحرموا من المسجد؟.

فقلت: إن أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء؛ و إن هؤلاء قطنوا بمكة فصاروا كأنهم من أهل مكة، و أهل مكة لا متعة لهم، فأحببت أن يخرجوا من مكة إلى بعض المواقيت، و أن يستغبوا به (فيشعثوا خ) أياما الحديث «1» 2- ما رواه صفوان عن أبى الفضل، قال: كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من أين أحرم؟. فقال: من حيث أحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الجعرانة أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح، فقلت: متى أخرج؟.

قال: أن كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم و أن كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس «2».

3- ما رواه الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا نحوه قال: قال عليه السّلام: ينبغي للمجاور بمكة إذا كان صرورة و أراد الحج أن يخرج إلى خارج الحرم فيحرم من أول يوم من العشر و إن كان مجاورا و ليس بصرورة فإنه يخرج أيضا من الحرم و يحرم في خمس تمضى من العشر «3».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب المواقيت الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص:

371

..........

4- ما رواه ابن أبى عمير عن عبد اللّه بن مسكان عن إبراهيم بن ميمون و قد كان إبراهيم بن ميمون تلك السنة معنا بالمدينة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أن أصحابنا مجاورون بمكة و هم يسئلونى لو قدمت عليهم كيف يصنعون؟ قال: قل لهم:

إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا إلى التنعيم فليحرموا و ليطوفوا بالبيت و بين الصفاء و المروة. إلخ «1».

5- موثق سماعه بن مهران عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: من حج معتمرا في شوال، من نيته أن يعتمر و يرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، و إن هو أقام إلى الحج فهو يتمتع؛ لأن أشهر الحج: [شوال- و ذو القعدة- و ذو الحجة] فمن أعتمر فيهن و أقام إلى الحج فهي متعة و من رجع إلى بلاده و لم يقم إلى الحج فهي عمرة، و إن أعتمر في شهر رمضان أو قبله و أقام إلى الحج فليس بمتمتع و إنما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة إلى الحج، فان هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها «2».

و هذه الاخبار- كما ترى- تدل بظاهرها على أن إحرام المجاور من هلال ذي الحجة إذا كان صرورة أو بعد مضى خمسة أيام أن لم يكن صرورة، بل ربما استفيد من الأول- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- ثبوت الحكم المزبور لأهل مكة أيضا.

و لكن يفهم من بعض الاخبار أنه يحرم من التروية، و هو ما رواه في الكافي عن سماعة في الموثق عن أبى عبد

اللّه عليه السّلام قال: المجاور بمكة إذا دخلها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب أقسام الحج الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 372

الا المضطر: كالشيخ الهم- و المريض- و من يخشى الزحام (1)

بعمرة في غير أشهر الحج- في رجب، أو شعبان، أو شهر رمضان، أو غير ذلك من الشهور إلا أشهر الحج- فإن أشهر الحج: [شوال- و ذو القعدة و ذو الحجة] من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج ثم أراد أن يحرم فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها ثم يأتي مكة و لا يقطع التلبية حتى ينظر الى البيت؛ ثم يطوف بالبيت و يصلّى الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام، ثم يخرج إلى الصفاء و المروة فيطوف بينهما، ثم يقصر و يحل، ثم يعقد التلبية يوم التروية «1» بناء على ان هذه العمرة مفرد و التقريب فيها أن هذه العمرة الثانية المشار إليها بقوله: (ثم أراد أن يحرم) لا يجوز أن يكون غمرة التمتع لوجوب الإتيان بها من الميقات؛ كما أشار إليه موثق سماعة المتقدمة، و صرح به غيره من الأخبار، و عليه اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل هي عمرة مفردة فالحج المشار اليه بقوله عليه السّلام: (ثم يعقد التلبية يوم التروية) حج أفراد- كما لا يخفى-، و قد صرح بأنه يعقد إحرامه يوم التروية، و هو ظاهر في كونه من مكة قال في الجواهر بعد ما ذكر موثق سماعة: «و لعله لبيان الجواز في حقه و في الأول على جهة الندب) و لكن التحقيق: أنها تحمل على مراتب الفضل، و تظهر وجه ذلك من التأمل فيها، فنقول: ان

الأفضل أن يحرم الصرورة في أول شهر ذي الحجة و لغيرها أن يحرم بعد مضى خمسة أيام منها فتأمل.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و الظاهر أنه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل الخلاف من أحد منهم و يدل عليه- مضافا إلى ذلك- الرواية المروية عنهم عليهم السّلام- منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب أقسام الحج الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 373

..........

1- موثق إسحاق بن عمار عن أبى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط «ضغط خ» الناس و زحامهم يحرم بالحج و يخرج إلى منى قبل التروية؟ قال: نعم قال: فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا يتروح بذلك؟ قال: لا، قلت: يتعجل بيوم؟. قال: نعم، قلت: بيومين؟؟

قال: نعم، قلت: ثلاثة؟ قال: نعم؛ قلت أكثر من ذلك؟ قال: لا «1» 2- ما رواه أحمد بن أبى نصر عن بعض أصحابه أنه قال لأبي الحسن عليه السّلام يتعجل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من أجل الزحام و ضغاط الناس؟ فقال:

لا بأس «2» الى غير ذلك من الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام.

«إيقاظ» أن ما أفاده الشيخ في التهذيب بقوله: «لا بأس أن يتقدم ذو العذر ثلاثة أيام فأما ما زاد عليه فلا يجوز فيمكن ان يكون وجه ذلك موثق إسحاق بن عمار المتقدم و لكن في المنتهى حمله على شدة الاستحباب مشعرا بالمفروغية من ذلك ثم أنه لا يخفى أنه حمل على ما تقدم خبر رفاعة عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته هل يخرج الناس الى منى غدوة قال: نعم الى غروب الشمس «3».

ثم أن صاحب الجواهر قدس سره بعد

ذكره ما تقدم قال: (و لعل إطلاق الموثق المزبور [و هو موثق إسحاق بن عمار المتقدم] بناء على رجوع ضمير يتعجل فيه الى الصحيح محمول على ما كان لأجل الزحام الى أن قال كما أن الظاهر منهما عدم تأكد الندب في الخروج يوم التروية لا أن الاستحباب مرفوع بالنسبة إليهم كما يقتضي به ظاهر العبارة و غيرها.)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3.

(3) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 374

و إن يمضي إلى منى و يبيت بها ليلته الى طلوع الفجر من يوم عرفة (1)

(1) مقتضى بعض الأخبار المتقدمة هو وجوب المبيت في المنى و مقتضى ذلك هو وجوب المبيت فيها تمام الليل إلا أنه يقيد بما دل على كفاية الإصباح فيها و هو ما رواه على بن يقطين الذي قد تقدم ذكره لما فيه: (عن الذي يريد أن يتخلف بمكة عشية التروية إلى أى ساعة يسعه أن يتخلف؟ قال: موسع له حتى يصبح بمنى) ثم أنه بناء على ما أفاده صاحب المستند قدس سره من عدم دلالة الجملة الخبرية على الوجوب، فيتم القول بعدم وجوب المبيت في منى، و أما بناء على القول بدلالتها عليه- كما هو الحق- فلا يتم القول بذلك إلا إذا قامت قرينة على الخلاف و ما يمكن أن تجعله قرينة على الخلاف أمور:

(الأول)- أنه ورد المبيت بمنى- كما ترى- في عداد المستحبات.

و (فيه): أنه لا يصلح للقرينية على رفع اليد عن ظاهره لأن ظاهر الجميع

هو الوجوب، لكون الأمر ظاهرا فيه غاية الأمر أنه إذا قام الدليل من الخارج على استحباب الجميع، فترفع اليد عنه- و هو كونه بداعي الجد- بالنسبة إلى الجميع و يحكم باستحبابها و إذا قام الدليل على استحباب بعض فيتعين رفع اليد عن الظاهر بالنسبة إليه بخصوصه و أما بالنسبة إلى الباقي فلا لعدم الموجب لذلك.

إلا أن يقال: أن نفس وحدة السياق مع فرض استحباب ما ذكر فيه توهن الظهور الإطلاقي في وجوب الباقي لانتفائه بأدنى شي ء، و لكنه لا يخلو من اشكال فتدبر.

(الثاني)- ورود كلمة: (لا ينبغي) في بعض الأخبار المتقدمة.

و (فيه): أنه لم ترد في حق مطلق الحاج بل وردت في خصوص الإمام الذي ينبغي له التقدم في الخروج إلى منى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 375

لكن لا يجوز وادي محسر الا بعد طلوع الشمس (1) و يكره الخروج قبل

مضافا الى ما ذكرناه مرارا و كرارا بأن كلمة: (لا ينبغي) ليست ظاهرا في الكراهة المصطلحة بل تكون ظاهرا في مجرد الحزازة فتأمل.

(الثالث)- ما رواه الحسين بن سعيد عن محمد بن أبى عمير عن هشام بن سالم و غيره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام من أنه قال: (في التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به «1» و (فيه): أن المراد من الإصباح بمنى هو البقاء الى طلوع الفجر لا إلى طلوع الشمس.

(الرابع)- تسالم الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم على عدم الوجوب لكونه قرينة على رفع اليد عن الظاهر و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه فتدبر.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و يدل عليه صحيح هشام بن الحكم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال

لا يجوز: وادي محسر [1]) حتى تطلع الشمس «2» و نقل عن الشيخ و ابن البراج- قدس سرهما- القول بالتحريم أخذا بظاهر النهى، و لكن لا يخفى أن ظاهره و ان كان هو حرمة المرور على وادي محسر قبل طلوع الشمس، إلا أن تسالم الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم على الكراهة يوجب رفع اليد عن ظاهره، فيحمل على الكراهة.

______________________________

[1] وادي محسر (على صيغة اسم الفاعل) من التحسير اى الإيقاع في الحسرة أو الإعياء سمى به لأنه قيل: إبراهيم أوقع أصحابه في الحسرة أو الإعياء لما جهدوا أن يتوجه إلى الكعبة فلم يفعل و هو حد منى لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية و ابى بصير جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال حد منى من العقبة إلى وادي محسر «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 376

الفجر إلا للضرورة- كالمريض و الخائف (1)

مضافا الى أنه في الصحيح عن هشام بن سالم و غيره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: في التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس.؟ قال: لا بأس به «1» هذا كله إذا كان طريق الخروج من منى الى عرفات منحصرا بوادي محسر و أما إذا لم يكن منحصرا فيه بل كان له طريق آخر فلا مانع من الخروج منه قبل طلوع الشمس كما لا يخفى لاختصاص النهى بالخروج عن وادي محسر و لا يشمل غيره فتدبر.

(1) كما

في القواعد و النافع و محكي السرائر بل نسبه غير واحد إلى الشهرة و استدل لذلك بحسن معاوية أو صحيحة: (إذا انتهيت إلى منى فقل اللهم هذه منى و هي مما مننت بها علينا من المناسك فأسألك. الى أن قال: و تصلّى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخر و الفجر «2» و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله المحكي في صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام هل صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الظهر بمنى يوم التروية؟. فقال: نعم و الغداة بمنى يوم عرفه «3» و خبر عبد الحميد الطائي قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أنا مشاة فكيف نصنع؟ قال أما أصحاب الرجال فكانوا يصلون الغداة و أما أنتم فامضوا حيث تصلون في الطريق «4».

و لكن الجميع كما ترى لا دلالة فيها على الكراهة- كما أفاده صاحب الجواهر- و قال: و لذا ناقش فيها بعض الناس بعدم الظفر بنهي يحمل عليها لكن يمكن أن يكون إطلاق النهي عن جواز وادي محسر قبل طلوع الشمس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 5 بتغيير

(3) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 377

و الامام يستحب له الإقامة فيها الى طلوع الشمس (1) و يستحب الدعاء بالمرسوم عند الخروج (2)

بناء على إرادة الكراهة منه الى أن قال: (و على كل

حال فمن ذلك يعلم ضعف ما عن ظاهر النهاية و المبسوط و الاقتصار و أبى الصلاح و ابن البراج من عدم الجواز المنافي للأصل و استحباب المبيت بمنى)

(1) ما أفاده المصنف قدس سره من استحباب الإقامة للإمام في منى إلى طلوع الشمس فمما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و استدل لذلك بالروايات الواردة في المقام- منها:

1- صحيحة جميل بن دراج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: على الإمام أن يصلّى الظهر بمنى ثم يبيت بها و يصبح حتى يطلع الشمس ثم يخرج إلى عرفات «1» 2- موثق إسحاق بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال ان من السنة أن لا يخرج الإمام من منى الى عرفة حتى تطلع الشمس «2».

3- في الدعائم و عن على عليه السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غدا يوم عرفة من منى فصلّى الظهر بعرفة لم يخرج من منى حتى طلعت الشمس «3».

4- ما رواه صفوان بن يحيى و فضالة عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال لا ينبغي للإمام أن يصلّى الظهر يوم التروية إلا بمنى و يبيت بها إلى طلوع الشمس «4» و ظاهرها و إن كان الوجوب إلا أن تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على خلافه يوجب رفع اليد عنه فتدبر.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و يدل عليه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

(3) المسترك ج 10 الباب

7 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 378

و أن يغتسل للوقوف (1)

صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا غدوت الى عرفة فقل و أنت متوجه إليها: اللهم إليك صمدت، و إياك اعتمدت، و وجهك أردت، أسألك أن تبارك لي في رحلتي، و أن تقضى لي حاجتي، و أن تجعلني اليوم ممن تباهي به من هو أفضل مني، ثم تلبي و أنت عاد إلى عرفات «1» و يستحب له أيضا الدعاء بالمرسوم عند التوجه إلى منى لما في حسن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا توجهت إلى منى فقل: اللهم إياك أرجو و إياك أدعو فبلغني أملي و أصلح لي عملي «2».

و يستحب له أيضا الدعاء بالمرسوم عند النزول فيها، و يدل عليه ما رواه الفضل ابن شاذان عن صفوان بن يحيى و ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا انتهيت إلى منى فقل: اللهم هذه منى و هذه مما مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تمن على بما مننت به على أنبيائك فإنما أنا عبدك و في قبضتك.

الى أن قال: (و حد منى من العقبة إلى وادي محسر) «3»

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل في المدارك: «الإجماع عليه») و استدل لذلك بجملة من النصوص المروية عنهم عليهم السّلام- منها:

1- صحيح ابن أبى عمير و صفوان عن معاوية بن عمار عن أبى عبد

اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: فإذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباك بنمرة (و نمرة هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة) فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صل الظهر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 379

..........

و العصر بأذان واحد و إقامتين فإنما تعجل العصر و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء و مسألة «1».

2- صحيح حماد عن الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الغسل يوم عرفة إذا زالت الشمس و تجمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين «2» 3- ما رواه موسى بن القاسم عن محمد بن عمر عن ابن عذافر عن ابن يزيد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية و اغتسل و عليك بالتكبير و التهليل و التحميد و التسبيح و الثناء على اللّه و صل الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين «3».

« (ثم انه ينبغي هنا التنبيه على أمرين)» (الأول)- إن مقتضى أخبار الباب هو وجوب الغسل عليه.

اللهم إلا أن يقال باستفادة الاستحباب منها، بقرينة ذكر الغسل في عداد المستحبات، لكن يمكن المناقشة فيه أنه إذا أمر بأشياء عديدة فظاهر الإطلاق كونه بداعي الجد في الجميع، غاية الأمر أنه إذا قامت قرينة على الاستحباب بالنسبة إلى الجميع فيتعين رفع اليد عن الظاهر و الحكم باستحبابها، و أما إذا قامت قرينة على استحباب بعض فترفع

اليد عن الإطلاق بالنسبة إليه دون غيره.

إلا أن يقال: ان نفس وحدة السياق مع فرض استحباب ما ذكر فيه توهن الظهور الإطلاقي في وجوب الباقي لانتفائه بأدنى شي ء، مضافا الى أن تسالم الأصحاب

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 380

[و أما الكيفية]

« (و أما الكيفية)» فيشتمل على واجب و ندب، فالواجب النية (1)

- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم وجوب الغسل عليه قرينة على رفع اليد عن الظاهر، و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه، فلاحظ و تأمل.

(الثاني)- ان ما يستفاد من أخبار المقام- الذي قد تقدم ذكرها آنفا- استحباب الغسل عند الزوال- كما هو واضح.

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من وجوب النية في الوقوف بعرفات مما لا ينبغي الارتياب فيه، فلو وقف بها من دون نية أصلا بطل سواء كان عن عمد أو سهو؛ أو جهل، و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم-؛ و قد نفي عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع بقسميه، مضافا إلى عموم الأدلة و خصوصها التي ستمر عليك، هذا مما لا كلام لنا فيه، إنما الكلام في وقتها و اعتبر الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- وقوعها عند تحقق الزوال، لأنه أول وقت الوقوف الواجب بناء على انه ما بينه و بين الغروب فيجب مقارنتها له ليقع الوقوف الواجب- و هو ما بين الزوال و الغروب- بأسره عن نية، و الآفات جزء منه بدونها، و لكن

المستفاد من الأخبار الواردة في المقام خلاف ذلك- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار الوارد في كيفية حج النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه صلّى اللّه عليه و آله: انتهى إلى نمرة: (و هي بطن عرنة بحيال الأراك) فضرب قبته و ضرب الناس أخبيتهم عندها فلما زالت الشمس خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه قريش و قد أغتسل، و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد؛ فوعظ الناس، و أمرهم و نهاهم، ثم صلّى الظهر و العصر بأذان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 381

..........

واحد و إقامتين، ثم مضى إلى الموقف فوقف به. إلخ «1».

2- ما رواه سماعة بن مهران عن أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال:

لا ينبغي الوقوف تحت الأراك، فأما النزول تحته حتى تزول الشمس و ينهض إلى الموقف فلا بأس «2».

3- صحيح ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام:

(في حديث) قال: فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة- و نمرة هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة- فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل، و صلّى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، فإنما تعجل العصر، و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء؛ فإنه يوم دعاء و مسألة «3».

4- ما عنه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (انما تعجل الصلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة، ثم تأتى الموقف. إلخ) «4».

4- في المجالس بالإسناد الآتي قال: جاء نفر من اليهود الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسأله أعلمهم عن مسائل، و كان فيما سأله أن قال: أخبرني لأي شي ء أمر اللّه بالوقوف بعرفات بعد

العصر؟؟ فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ان العصر هي الساعة التي عصى آدم فيها ربه، ففرض اللّه عز و جل على أمتي الوقوف و التضرع و الدعاء في أحب المواضع اليه، و تكفل لهم بالجنة، و الساعة التي ينصرف بها الناس هي الساعة التي تلقى فيها آدم ربه بكلمات؛ فتاب عليه أنه هو التواب الرحيم. ثم قال النبي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الإحرام بالحج و الوقوف بعرفة الحديث 7

(3) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الإحرام بالحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الإحرام بالحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 382

..........

صلّى اللّه عليه و آله: و الذي بعثني بالحق بشيرا و نذيرا، ان للّه بابا في سماء الدنيا يقال له باب الرحمة و باب التوبة و باب الحاجات و باب التفضل و باب الإحسان و باب الجود و باب العفو و لا يجتمع بعرفات أحد إلا استأهل من اللّه ذلك الوقت هذه الخصال، و ان للّه مأة الف ملك مع كل ملك مأة و عشرون الف ملك، ينزلون من اللّه بالرحمة على أهل عرفات و للّه على أهل عرفات رحمة ينزلها على أهل عرفات؛ فإذا انصرفوا أشهد اللّه ملائكته بعتق أهل عرفات من النار و أوجب لهم الجنة، و نادى مناد انصرفوا مغفورين فقد أ رضيتموني و رضيت عليكم «1».

5- ما رواه فضالة بن أيوب عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إن إبراهيم عليه السّلام أتاه جبرئيل عند زوال الشمس من

يوم التروية فقال: يا إبراهيم ارتو من الماء لك و لأهلك. الى أن قال: ثم ذهب به حتى أتى منى فصلّى بها الظهر و العصر و العشاءين و الفجر حتى إذا بزغت الشمس خرج الى عرفات، فنزل بنمرة (و هي بطن عرنة) فلما زالت الشمس خرج، و قد أغتسل؛ فصلّى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، و صلّى في موضع من المسجد الذي بعرفات الى أن قال: ثم مضى به الى الموقف. إلخ «2» و كيف كان فهذه الاخبار- كما ترى- لا تدل على المدعى- و هو وجوب الوقوف من أول الزوال- بل على خلافه أدل، و لذا قال في المدارك: (و المسألة محل إشكال و لا ريب في إن ما اعتبره الأصحاب أولى و أحوط).

قال في الجواهر: (و بنحو ذلك عبر في محكي المقنعة و النهاية و المبسوط و من لا يحضره الفقيه و السرائر من غير تعرض للنية، فضلا عن مقارنتها. إلى أن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الإحرام بالحج و الوقوف بعرفة الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 35

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 383

..........

قال: و فيه: ان الأخيرين لا صراحة فيهما؛ بل و لا ظهور في عدم النية عند الزوال خصوصا؛ بناء على انها الداعي المستمر خطوره مع التشاغل بهذه المقدمات. و أما الأول منها: فهو ظاهر في مضى زمان من الزوال في غير الموقف، و مرجعه عدم وجوب الكون فيه من الزوال الى الغروب و ستعرف الكلام فيه ان شاء اللّه تعالى- مع أنه يمكن كون نمرة موضع آخر في عرفة- فعن القاموس: «أنها موضع بعرفات، أو الميل الذي عليه

أقطاب الحرم و حينئذ يكون المراد بمضيه الرواح إلى الموقف ميسرة الجبل الذي يستحب الوقوف فيه». إلى أن قال:

- قدس سره- بعد حكمه بعدم اجزاء الوقوف إذا وقف بحدود عرفات-:

(إنما الكلام في وجوب استيعاب الزمان من زوال يوم عرفة إلى غروب الشمس بالكون فيها مع الاختيار أو يكفي مسماه؟؟ الظاهر: الأول كما صرح به الشهيدان في الدروس و اللمعة و المسالك و المقداد و الكركي و غيرهم من غير إشارة أحد منهم إلى خلاف في المسألة، بل ظاهر المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، بل لم أجد القول الثاني قولا محررا بين الأصحاب. نعم قد سمعت ما في المدارك من التوقف فيما حكاه عن الأصحاب من وجوب كون النية حين الزوال لتكون مقارنة لأول الواجب للروايات التي قدمناها، و تبعه في كشف اللثام و الذخيرة و الحدائق و الرياض و غيرها من كتب المعاصرين، بل ادعى في الأخير:

«أنه ظاهر الأكثر» اعتمادا على ما حكاه في الذخيرة و الحدائق من عبارات القدماء و في كشف اللثام: «و هل يجب الاستيعاب حتى إن أخل به في جزء منه أثم و إن تم حجه»؟. ظاهر الفخرية ذلك، و صرح الشهيد بوجوب مقارنة النية لما بعد الزوال و أنه يأثم بالتأخير، و لم أعرف له مستندا و في السرائر: «ان الواجب هو الوقوف بسفح الجبل و لو قليلا بعد الزوال». و في التذكرة:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 384

..........

«إنما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة، و لو مجتازا مع النية، و ظاهر الأكثر وفاقا للاخبار الوقوف بعد صلاة الظهرين» ثم قال: «لو تجدد الإغماء و النوم بعد الشروع فيه في وقته صح؛ لما عرفت أن الركن

بل الواجب هو المسمى.

إلى أن قال: «قال في الرياض: و هل يجب الاستيعاب حتى أن أخل به في جزء منه أثم و ان تم حجه- كما هو ظاهر الشهيدين في الدروس و اللمعة و شرحها، بل صريح ثانيهما- أم يكفي المسمى و لو قليلا كما عن السرائر.؟؟ و عن التذكرة أن الواجب اسم الحضور في جزء من اجزاء عرفة و لو مجتازا مع النية» و ربما يفهم هذا أيضا عن المنتهى إشكال و ينبغي القطع بفساد القول الأول لمخالفته لما يحكى عن ظاهر الأكثر و المعتبرة المستفيضة بأن الوقوف بعد الغسل و صلاة الظهرين، ففي الصحيح إلى آخر ما سمعته من النصوص السابقة ثم قال: و الأحوط العمل بمقتضاها و إن كان القول بكفاية مسمى الوقوف لا يخلو عن قرب، للأصل النافي للزائد بعد الاتفاق على كفاية المسمى في حصول الركن منه و عدم اشتراط شي ء زائد منه فيه، مع سلامته عن المعارض سوى الأخبار المزبورة، و دلالتها على الوجوب غير واضحة. و أما ما تضمن منها الأمر بإتيان الموقف بعد الصلاتين فلا تفيد الفورية؛ و مع ذلك منساق في سياق الأوامر المستحبة و أما ما تضمن منها فعله فكذلك، بناء على عدم وجوب التأسي، و على تقدير وجوبه في العبادة فإنما غايته الوجوب الشرطي لا الشرعي؛ و كلامنا فيه لا في سابقة للاتفاق كما عرفت على عدمه. قلت لعل الأظهر و الأحوط وجوب الاستيعاب و ان كان الركن المسمى منه، و النصوص المزبورة لا دلالة فيها على كفاية المسمى، و إنما أقصاها التشاغل عند زوال الشمس بمقدمات الوقوف من الغسل و الجمع بين الصلاتين و نحوهما، لا انه يجزى المسمى. و من هنا كان

ذلك خيرة الذخيرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 385

..........

و الحدائق و بعض من تأخر عنهما، على أنه يمكن كون هذه المقدمات كلها بعرفة، فلا تنافي نية الوجوب كما عساه يشهد لذلك أن المستحب الجمع بعرفة. إلخ) و لكن يمكن ان يقال بمقالة صاحب المستند- قدس سره- و هو لزوم كون وقوفه من أول الزوال حتى يكون وقوفه من أول الزوال إلى الغروب إذا كان مختارا و لكن لا بمعنى وجوب استيعاب جميع الوقت في الموقف حقيقة حتى يحكم بعدم جواز الإخلال بجزء منه- كما عن الدروس و اللمعة و الروضة، و نقله في الذخيرة من غير واحد من عبارات المتأخرين، و يشعر كلام المدارك بنسبته إلى الأصحاب- لعدم دليل على ذلك أصلا، كما اعترف به في المدارك و الذخيرة و غيرهما بل، في الأخبار ما يعطى خلافه، بل بمعنى انه يجب استيعاب ذلك الوقت عرفا الحاصل بالاشتغال بمقدمات الوقوف المستحبة في حدود عرفة ثم الوقوف حتى يكون الوقت مستوعبا بهذه الأمور و إن كان قليل من أول الوقت مصروفا في الحدود بالمقدمات و الصلاة، و هذا المعنى هو الذي استقر به في الذخيرة بل هو الذي يعطيه كلام الصدوق في الفقيه و الشيخ في النهاية و المبسوط و الديلمي في رسالته و الحلي في سرائره و الفاضل في المنتهى. إلى أن قال: و هذا المعنى هو الذي يستفاد من الأخبار و عليه عمل الحجج الاطهار.

ثم انه بعد ما ذكر صحيح معاوية بن عمار المتقدم المتضمن لسنة حج النبي صلّى اللّه عليه و آله و غيره قال: (و هذه الاخبار و ان كانت قاصرة عن افادة وجوب الوقوف تمام ذلك الوقت إلا أنه يمكن إتمامها

بضميمة قوله صلّى اللّه عليه و آله: (خذوا عنى مناسككم) و يستفاد من التذكرة الاكتفاء بمسمى الوقوف، قال: إنما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة و لو مجتازا مع النية، و نسبه بعضهم إلى السرائر و هو ليس منه بظاهر، لانه قال أولا: فإذا زالت اغتسل و صلّى الظهر و العصر جميعا يجمع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 386

..........

بينهما بأذان واحد و إقامتين لأجل البقعة ثم يقف بالموقف. إلى أن قال: و الوقوف بميسرة الجبل أفضل من غيره و ليس ذلك بواجب، بل الواجب الوقوف بسفح الجبل و لو قليلا بعد الزوال، و أما الدعاء و الصلاة في ذلك الموضع فمندوب غير واجب، و إنما الواجب الوقوف و لو قليلا انتهى، و كأنه أخذ هذه النسبة من قوله (و لو قليلا) و هو ليس قيدا لمطلق الوقوف، بل للوقوف في سفح الجبل؛ و لذا نسب في الذخيرة إليه وجوب الوقوف بسفح الجبل خلافا للمشهور و قرب الاكتفاء بمسمى الوقوف بعض مشايخنا أيضا، للأصل النافي للزائد بعد الاتفاق على كفاية المسمى في حصول الركن منه، و عدم اشتراط شي ء زائد فيه مع سلامته عن المعارض و هو حسن لو لا ما مر بأخذ المناسك عنه و عدم اكتفائه بالمسمى أبدا؛ سيما في الجزء الأخير من اليوم اللازم كونه هو الواجب، لما مر من وجوب الانتهاء الى الغروب، و لكن مع ذلك فلا وجه للاكتفاء بالمسمى سيما مع ندرة القول به، بل لا بعد في جعل خلافه إجماعيا انتهى كلامه زيد في علو مقامه) تحقيق الكلام في هذا المبحث يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- ان مسمى الوقوف بعرفات ركن- كما افاده صاحب الجواهر و

غيره من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و يمكن الاستدلال لذلك بوجهين:

(الأول)- ما دل على صحة الحج ان أدرك اضطراري الوقوف بعرفات و لو قليلا مع درك المشعر الا أن يقال بعدم شموله لمفروض المقام، لوروده في خصوص صورة الاضطرار فلا يشمل ما إذا ترك مقدارا من الوقوف عمدا فتدبر (الثاني)- ما دل على حرمة الإفاضة قبل الغروب من عرفات.

بتقريب: انه اقتصر الشارع فيه على بيان ثبوت الكفارة لمن أفاض منها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 387

..........

قبل الغروب دون بطلان الحج فتدبر.

(إيقاظ) و هو انه كما يكون المسمى من الوقوف الاختياري ركنا فكذلك المسمى الوقوف الاضطراري، لصحيح معاوية بن عمار المتقدم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، في رجل أدرك الامام و هو بجمع؟ فقال: ان ظن انه يأتي عرفات و يقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها.

(الثانية)- ان مقتضى ما روى في المجالس: (ان وقت الوقوف بعرفات هو العصر)، فعليه تقع المعارضة بينه و بين الاخبار الدالة على وجوبه من أول الزوال اللهم إلا أن يقال: ان التعرض لحكمة وجوب الوقوف في العصر ليطابق الجواب السؤال لا يدل على كون مبدء زمان الوقوف الواجب ما بعد العصر حتى يعارض النصوص المحددة لمبدء الوقوف بالزوال- كما لا يفهم من السؤال اعتقاد السائل بكون أول الوقوف ما بعد العصر حتى يكون سكوت النبي صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك تقريرا له و دليلا على تحديد مبدء الوقوف بما بعد العصر.

هذا كله مضافا إلى ضعف السند و عدم انجباره بعمل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- فلا يصلح للمعارضة مع ما تقدم من الأخبار الدالة على أن أول وقوف الواجب هو الزوال و

ان سلمنا دلالته، فتدبر.

(الثالثة)- انه يمكن أن يكون المراد من قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: «أن نمرة: دون الموقف» انه موقف الدعاء و كون الدعاء أفضل في الموقف لا ان عرفة هي تلك القطعة دون غيرها. مضافا الى أن عرفات أطلق في الأخبار على ما يشمل نمرة أيضا كما ورد في صحيح معاوية بن عمار و أبى بصير جميعا عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال: «و حد عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف «1»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الإحرام بالحج و الوقوف بعرفة الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 388

و الكون بها الى الغروب (1)

و هذا الحديث- كما ترى- صريح في ان بعد المأزمين إلى أقصى الموقف اسمه عرفات فنمرة داخلة في عرفات لوقوعها على يمين من خرج من المأزمين و أراد الموقف فعليه يتعين أن يقال ان إطلاق عرفات على ما بعد نمرة في بعض الأخبار يكون لأجل أفضلية هذه القطعة، أو لأجل كونه محلا لاعتراف الإنسان بالذنوب و ليس فيه ان الموقف هذه القطعة، فقط لا عرفات بمعناها الأعم مضافا الى انه قد ورد في بعض الأخبار: (إن عرفات كلها موقف) و لكن مع ذلك كله هذه المسألة من أولها إلى آخرها تحتاج إلى الملاحظة و التأمل لمنافات ما ذكر مع بعض الأخبار الآتي و عدم تمامية سند الرواية التي أشير إليها المتضمنة لجملة: (أن عرفات كلها موقف)

(1) ما أفاده المصنف- قدس سره- من وجوب الكون بعرفات الى غروب الشمس مما لا ينبغي الإشكال فيه، و قد نفي عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه، و يدل عليه الاخبار المروية عنهم عليهم

السّلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام ان المشركين كانوا يفيضون قبل أن يغيب الشمس؛ فخالفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأفاض بعد غروب الشمس «1» 2- موثق يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام متى تفيض من عرفات؟؟ فقال إذا ذهبت الحمرة من ههنا و أشار بيده الى المشرق و إلى مطلع الشمس «2» 3- ما عنه قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: متى الإفاضة من عرفات؟؟ قال:

إذا ذهبت الحمرة يعنى من الجانب الشرقي «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 389

فلو وقف بنمرة؛ أو عرنة، أو ثوية، أو ذي المجازي، أو تحت الأراك لم يجزه (1)

(إيقاظ)- و هو ان المراد بالغروب هنا هو الذي قد بين في أوقات الصلاة- و هو ذهاب الحرمة المشرقية- لا غيرها.

(1) ما أفاده الماتن- قدس سره- بقوله: (فلو وقف بنمرة [1] أو عرنة [2] أو ثوية [3] أو ذي المجاز [4] أو تحت الأراك [5] لم يجزه) مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه بل في المنتهى: «نسبته إلى الجمهور أيضا إلا ما يحكى عن المالك: «من الاجتزاء ببطن عرنة و لزوم الدم» لكنه واضح الفساد بعد أن

______________________________

[1] نمرة: كفرحة (بفتح النون و كسر الميم- و يجوز إسكانه

و فتح الراء) و هي الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك، إذا خرجت من الملازمين تريد الموقف- كما عن تحرير النووي و القاموس و غيرهما- لكن قد تقدم في صحيح معاوية بن عمار: (من انها بطن عرنة) قيل قلعها تقال عليهما، و يقال على أحدهما للمجاورة.

[2] عرنة: كهمزة: (بضم العين و فتح الراء و النون- و في لغة بضمتين) و هي- كما عن المطرزي: (واد بحذاء عرفة).

و عن السمعاني: (ظني وادي بين عرفات و منى).

و عن القاسي: أنه موضع بين العلمين اللذين هما حد عرفة- و العلمين اللذين هما حد الحرم.

[3] ثوية: (بفتح الثاء- و كسر الواو- و تشديد الياء-) حد من حدود عرفة.

[4] ذو المجاز هو سوق كان على فرسخ من عرفة بناحية كبكب (على ما في الجواهر).

و في الوافي: (و في النهاية: ذو المجاز موضع عند عرفات كان يقام فيه سوق من أسواق العرب في الجاهلية و المجاز موضع الجواز و الميم زائدة سمى به لأن إجازة الحاج كان فيه

[5] الأراك: (كسحاب) و هو موضع بعرفة قرب نمرة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 390

..........

لم يكن هو من عرفة و إنما هي حد لها و الحد خارج عن المحدود. إلخ» و يدل عليه الاخبار الواردة في المقام- منها:

1- ما رواه محمد بن سماعة (الصيرفي) عن سماعة بن مهران عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال: و اتق الأراك و نمرة و هي: «بطن عرنة» و ثوية و ذي المجاز فإنه ليس من عرفة و لا تقف فيه «1» و رواه الصدوق رحمه اللّه تعالى مرسلا.

2- خبر أبى بصير قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام ان أصحاب الأراك الذين ينزلون تحت

الأراك لا حج لهم «2» و رواه الصدوق- قدس سره- مرسلا قال الشيخ: «يعنى من وقف تحته و أما إذا نزل تحته و وقف بالموقف فلا بأس به.

3- خبر إسحاق بن عمار عن أبى الحسن عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «ارتفعوا عن وادي عرنة بعرفات «3» 4- ما رواه ابن أبى عمير و صفوان عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «في حديث» قال: و حد عرفة من بطن عرنة و ثوية و نمرة إلى ذي المجاز و خلف الجبل موقف «4» 5- في المرسل قال عليه السّلام: «حد عرفة من بطن عرنة و ثوية و نمرة و ذو المجاز و خلف الجبل موقف إلى وراء الجبل و ليست عرفات من الحرم و الحرم أفضل منها «5» لا يخفى انه لا تنافي بين الجميع في كونها حدودا للعرفة باعتبار الجهات- كما أفاده صاحب الجواهر و غيره من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- و في المسالك على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره-: (و هذه الأماكن الخمسة حدود عرفة و هي راجعة إلى أربعة- كما هو المعروف من الحدود لأن نمرة بطن عرنة كما روى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 6.

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3.

(3) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 4.

(4) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1.

(5) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 9.

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 3، ص: 391

..........

في حديث معاوية بن عمار عن الصادق عليه السّلام و لا يقدح ذلك في كون كل واحد منهما حدا فإن أحدهما ألصق من الآخر و غيرهما و إن شاركهما باعتبار اتساعه في إمكان جعله كذلك لكن ليس لإجزائه أسماء خاصة بخلاف نمرة و عرنة و نحوه عن الكركي في حواشي القواعد و لكن و فيه انه مناف للمعروف من الحد الذي هو الملاصق للمحدود و يمكن كون ذلك على ضرب من المجاز أو ان نمرة طرف خارج عن عرنة يكون حدا.)

ثم انه لا يخفى ان تعيين تلك الأماكن لا يمكن إلا باخبار أهل الخبرة أو التواتر الموجب للقطع فتدبر.

ثم إن تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على الإشارة إلى أمور:

(الأول)- أن المراد بالوقوف انها الكون فيها، و لا يعتبر في الكون فيها وجه مخصوص، بل كيف ما حصل أجزأ سواء كان قاعدا أو قائما، جالسا أو راكبا نائما أو مستيقظا، للأصل، و صدق الوقوف بعرفات على جميع الحالات و ان كان بعض الحالات- كالقيام- أفضل بالنسبة إلى البعض على ما سيجي ء بيانه ان شاء اللّه تعالى.

نعم في كشف اللثام الإشكال في الركوب و نحوه، لخروجه عن معنى الوقوف لغة و عرفا و نصوص الكون و الإتيان لا تصلح لصرفه الى المجاز.

و لكن لا يخفى ما فيه لعدم الاحتياج إلى الصرف و إنما هو أحد الأفراد، لصدق الكون بها و لو راكبا- كما لا يخفى- مضافا الى ما في رواية حماد بن عيسى قال: رأيت أبا عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السّلام بالموقف على بغلة رافعا يده الى السماء عن يسار و إلى الموسم حتى انصرف و كان

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 3، ص: 392

و لو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا فلا شي ء عليه (1)

في موقف النبي صلّى اللّه عليه و آله و ظاهر كفيه إلى السماء و هو يلوذ ساعة بعد ساعة بسبابتيه «1» و نحوه غيره من الأخبار.

(الثاني)- ان المرجع في معرفة عرفات التي يكون الوقوف فيها واجبا و مجزيا أهل الخبرة القاطنون في تلك الحدود، و مع الشك يجب القصر على المتيقن لان اشتغال الذمة اليقيني تستدعي الفراغ اليقيني، و الوقوف في مشكوك الموقفية يوجب الشك في الامتثال و انطباق المأمور به، على المأتي به الذي لا شبهة في مرجعية قاعدة الاشتغال فيه.

(الثالث)- أن يكون الوقوف بعد زوال الشمس من يوم عرفة: (و هو يوم التاسع- من شهر ذي الحجة)، فلو وقف قبله لم يجز، لما عرفت (في الأخبار) من الأمر بدخول الموقف بعد الزوال.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم، بل في الجواهر (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن ظاهر المنتهى و التذكرة «أنه موضع وفاق بين العلماء» مضافا إلى الأصل، و إلى أولويته بعدم الفساد من حال العمد- الذي ستعرف النص و الفتوى على عدمه فيه- بل الإجماع بقسميه عليه، و إلى الأصل أيضا في عدم الكفارة التي تترتب غالبا على الذنب المفقود في الثاني، و في بعض أفراد الأول قطعا أن أريد به الأعم من القاصر. إلخ) و يدل عليه- مضافا إلى الاتفاق المزبور- ما رواه محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن مسمع بن عبد الملك عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس؟. قال: إن كان جاهلا فلا شي ء

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 393

و ان كان عامدا جبره ببدنة فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما (1)

عليه، و إن كان متعمدا فعليه بدنة «1» ثم إن تحقيق الكلام فيه يتم في ضمن أمرين.

(الأول)- انه لو أفاض قبل الغروب من عرفات جاهلا أو ناسيا فهل يجب عليه العود بعد التفاته أو لا؟؟ تحقيق الكلام فيه هو وجوب العود عليه بناء على القول بوجوب الاستيعاب، بل و على القول الآخر مقدمة لامتثال حرمة الإفاضة قبل الغروب بعبارة أخرى هو انه بناء على القول بوجوب الإفاضة بعد الغروب من عرفات إلى المشعر فاللازم هو الحكم بلزوم عوده إليها لتحصيل الواجب و هو الإفاضة بعد الغروب فبما ذكرنا ظهر لك ما في كلام صاحب كشف اللثام- قدس سره- قال: (و هل عليهما الرجوع إذا انتبها قبل الغروب؟ نعم، ان وجب استيعاب الوقوف، و إلا فوجهان) على ما حكاه صاحب الجواهر- قدس سره- (الثاني)- ان الظاهر ان الوقوف من أول الزوال الى الغروب ليس من قبيل الواجبات الارتباطية التي يبطل الواجب بالإخلال بترك بعضه عمدا بل يكون ما عدا الركن واجبا نفسيا استقلاليا: فلو تركه في جزء من الوقت لا يبطل الوقوف و لا الحج.

(1) قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: (بلا خلاف أجده في أصل الجبر، بل في المنتهى: «أنه قول عامة أهل العلم الا من مالك، فقال لا حج له و لا نعرف أحدا من أهل الأمصار قال بقوله»: و أما كونه بدنة فهو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا. بل عن الغنية دعواه. إلخ» و يدل عليه قوله عليه

السّلام في ذيل صحيح مسمع المتقدم: (و إن كان متعمدا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الإحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 394

..........

فعليه بدنة) و مرسلة الحسن بن محبوب عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفاض من عرفات قبل أن تغرب الشمس؟ قال: عليه بدنة فان لم يقدر على بدنة فان لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوما «1» و ما رواه سهل بن زياد و أحمد بن محمد جميعا عن الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن ضريس الكناسي عن أبى جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله «2» و ما في الدعائم على ما نقل في الجواهر عنه أيضا انه سئل عن وقت الإفاضة من عرفات قال (إذا وجبت الشمس فمن أفاض قبل غروب الشمس فعليه بدنة ينحرها) ثم ان تنقيح هذا المبحث يتوقف على الإشارة إلى جهات:

(الأولى)- ان مقتضى إطلاق الأخبار الواردة في المقام عدم الفرق في ثبوت الكفارة عليه بين ما إذا كانت إفاضته قبل الغروب أو بعد الزوال بمقدار قليل أو كثير، لصدق عنوان (أنه أفاض من عرفات قبل الغروب) على الجميع.

و أما القول بانصراف الأخبار الى صورة ما إذا أفاض قبيل الغروب فإذا أفاض قبله فلا تثبت الكفارة فمما لا وجه له، لعدم ثبوته أولا؛ و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، فلا عبرة به في تقييد الإطلاقات و العمومات الدالة على ثبوت الكفارة مطلقا لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي

هو الضابط في الانصراف الصالح للتقييد.

(الثالثة)- ان مقتضى صريح الأخبار هو كون الكفارة في المقام بدنة، خلافا لما حكى عن الصدوقين من كونها شاة، و ذلك لعدم الدليل عليه، و ان نسبه في محكي الجامع إلى رواية، لعدم مقاومتها لما تقدم من الأخبار المعتضدة بالشهرة، و عن الخلاف: (ان عليه دما، للإجماع و الاحتياط، و قول

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 395

و لو عاد قبل الغروب لم يلزمه شي ء (1)

النبي صلّى اللّه عليه و آله في خبر ابن عباس: (من ترك نسكا فعليه دم) و لعل إطلاقه في مقابلة من لم يوجب عليه شيئا من العامة، مضافا إلى أن النبوي لا يصلح لمعارضته لما سمعت فتدبر.

(الرابعة)- انه هل يلحق الجاهل المقصر بالعامد أو لا؟. فيه وجهان أرجحهما الأول و وجهه واضح.

(الخامسة)- إن ظاهر الأخبار هو صحة هذا الصوم في السفر و ان كان واجبا

(1) قال في الجواهر: (كما عن الشيخ و ابني حمزة و إدريس للأصل و لانه لو لم يقف إلا هذا الزمان لم يكن عليه شي ء فهو حينئذ كمن تجاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه فأحرم لكن عن النزهة: «ان سقوط الكفارة بعد ثبوتها يفتقر إلى دليل و ليس». و في كشف اللثام: «و هو متجه» و «فيه»: منع الثبوت بعد ظهور الدليل في غير العائد نعم لا يجدى العود بعد الغروب عندنا خلافا للشافعي إذا عاد قبل خروج وقت الوقوف.) هذا بناء على ظهور الأخبار في غير العائد و إلا فلا،

لأن تخصيصها بصورة الرجوع لأوجه له فتأمل.

« (تذييل)» هو انه هل يجزى الوقوف في حال النوم أم لا؟؟

و الظاهر عدم المانع من كفاية وقوفه و أما النية و ان كانت معتبرة في الوقوف و لكن لا ينافيها النوم كما لا ينافيها الصوم فكما في الصوم إذا نام الصائم قبل طلوع الفجر ناويا له إلى الغروب يحكم بالصحة فكذلك في المقام لأنه كان من نيته الوقوف و لكن حين الوقوف حصل له ذلك و إذا شك فيه أى في صحته مقتضى الأصل البراءة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 396

[و اما أحكامه فمسائل]
اشارة

(و اما أحكامه فمسائل)

[الأولى]

«الأولى» الوقوف بعرفات ركن من تركه عامدا فلا حج له (1)

و أما الدعاء و ان كان يفوته به لكنه (أولا): ليس بواجب على ما سيظهر لك- إن شاء اللّه تعالى- و (ثانيا): انه واجب على حدة و هو من قبيل الواجب في واجب فعدم الدعاء لا يضر بالوقوف.

فما أفاده الشيخ- قدس سره- من كفاية وقوف النائم هو الصواب.

و من هنا ظهر ضعف مناقشة صاحب الجواهر على كلام الشيخ- قدس سره- حيث قال: (لا وجه لما حكاه عن الشيخ من الاجتزاء بوقوف النائم مع فقده النية التي قد عرفت اعتبارها إلخ).

(1) لا ينبغي الارتياب في ان مسمى الوقوف بعرفات من زوال يوم عرفة ركن في الحج على معنى ان من تركه عامدا فلا حج له- كما هو ضابط الركنية في الحج- و هذا هو المعروف بين الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم بل في الجواهر بلا خلاف أجده في ذلك بيننا بل الإجماع بقسميه عليه بل نسبه غير واحد إلى علماء الإسلام. إلخ ثم انه استدل لذلك بعدة أخبار- منها:

1- عن عوالي اللئالي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال: (الحج عرفة) «1» 2- صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الموقف ارتفعوا عن بطن عرنة، و قال صلّى اللّه عليه و آله (أصحاب الأراك لا حج لهم) يعنى الذين يقفون عند الأراك «2» و نحوهما غيرهما من الأخبار الدالة على عدم الحج بعدم الوقوف

______________________________

(1) المستدرك ج 2 الباب 18 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب إحرام الحج و الوقوف

بعرفة الحديث 10 و أورد ذيله في حديث 11 من هذا الباب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 397

و من تركه نسيانا تداركه ما دام وقته باقيا و لو فاته الوقوف بها اجتزء بالوقوف بالمشعر (1)

فيها و لو بالوقوف في حدودها كالأراك و نحوه فضلا عن غيرها.

و لا ينافي الأخبار المتقدمة مرسل ابن فضال عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: الوقوف بالمشعر فريضة و الوقوف بعرفة سنة «1» و ذلك أما (أولا): فلكونه ضعيفا سندا و أما (ثانيا): فلاحتمال ارادة معرفة وجوبه من السنة بخلاف الوقوف بالمشعر المستفاد وجوبه من قوله تعالى (فَإِذٰا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفٰاتٍ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ) «2» و قال الشيخ رحمه اللّه تعالى في الاستبصار على ما حكاه عنه صاحب المدارك ان المعنى في هذا الخبر ان فرضه عرف من السنة دون النص بظاهر القرآن و ما عرف فرضه من جهة السنة جاز أن يطلق عليه الاسم بأنه سنة، و قد بينا ذلك في غير موضع و ليس كذلك الوقوف بالمشعر، لان فرضه علم بظاهر القرآن قال اللّه تعالى (فَإِذٰا أَفَضْتُمْ. إلخ)

(1) لا إشكال في ان من ترك الوقوف بعرفة نسيانا تداركه ما دام وقته الاختياري و الاضطراري باقيا إن أمكن، و إلا اجتزء بالوقوف بالمشعر في الجملة هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل قد نفي عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه و استدل لذلك بجملة من النصوص المروية عنهم عليهم السّلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال في رجل أدرك الامام و هو بجمع؟. فقال ان ظن انه يأتي عرفات و يقف بها قليلا ثم يدرك جمعها

قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظن أنه لا يأتها حتى يفيضوا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 و قد أورد الحديث بتمامه في الباب 19 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 14

(2) سورة البقرة في الآية 194

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 398

..........

فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجه «1» 2- ما رواه موسى بن القاسم عن ابن أبى عمير عن حماد عن الحلبي قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات؟. فقال:

إن كان في مهل حتى يأتي عرفات في ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات و ان قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فان اللّه تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل ان يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل «2» 3- ما رواه سهل عن أبيه عن إدريس بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أدرك الناس بجمع و خشي أن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها؟. فقال: ان ظن أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس فقد تم حجه «3» 4- ما رواه صفوان بن يحيى عن معاوية عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سفر فإذا شيخ

كبير فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟. فقال: ان ظن انه يأتي عرفات فيقف قليلا بها ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها و ان ظن انه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها و قد تم حجه «4»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.

(4) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 399

..........

«ينبغي هنا التنبيه على أمور» (الأول)- ان مقتضى إطلاق النصوص المتقدمة هو لزوم التدارك على من ترك الوقوف إذا كان الوقت باقيا سواء تركه نسيانا أو غيره، و لا تصريح فيها بخصوص الناسي، و ان كان مندرجا في مفهوم التعليل المذكور في خبر الحلبي المتقدم (فان اللّه تعالى أعذر لعبده) و في قوله عليه السّلام «من أدرك و نحوه» بل في المدارك على ما نقل في الجواهر انه يمكن الاستدلال بذلك على عذر الجاهل أيضا كما هو ظاهر اختيار الشهيد في الدروس و يدل عليه عموم قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: (من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج) «1» و قول الصادق عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (من أدرك جمعا فقد أدرك الحج) «2» و لكن نوقش فيه في الجواهر بان ذلك يشمل العامد أيضا نحو قوله عليه السّلام من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله.

اللهم إلا أن يلتزم ذلك إن لم يكن إجماع عليه.

و التحقيق: هو اعتبار قيد

العذر الذي يراه العقلاء عذرا بنسيان أو غيره و لذا يشكل في شمول الأخبار للجاهل المقصر، فتدبر.

«الثاني»- ان إجزاء الوقوف بالمشعر مع تركه الوقوف بعرفات إنما يكون فيما إذا لم يترك الوقوف بعرفات عمدا، و إلا فيحكم ببطلان حجه.

و أما الأخبار المتقدمة فتختص بغير صورة العمد لأن القول بجواز ترك الوقوف بعرفة أو المشعر مناف لتشريع جزئيته؛ فترك أحدهما عمدا موجب لبطلان حجه، كما انه قد ورد النص على بطلان الحج بترك اضطراري عرفة عمدا

______________________________

(1) المذكور في الجواهر و غيرها.

(2) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 400

..........

و هو خبر الحلبي الآتي فإذا كان ترك اضطراري عرفة عمدا موجبا للبطلان فترك اختياري عرفة عمدا بطريق أولى يكون موجبا للبطلان، بل هذا الحكم مطرد في جميع الأجزاء و الشرائط لما تقتضيه الأصل و القاعدة لعدم إتيانه مع فرض ترك الجزء أو الشرط عمدا بالمأمور به على وجهه إلا إذا قام دليل خاص على صحة الحج معه فإنه يستكشف منه وجوب ذلك المتروك عمدا نفسيا لا قيديا.

و أما ما ورد من انه إذا أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج «1» فهو مقيد بما إذا لم يترك اختياري عرفة أو اضطراريها عمدا فتأمل.

(الثاني)- انه هل يكون وقت اضطراري عرفات من أول ليلة النحر إلى طلوع الفجر أو إلى ما قبل طلوع الشمس؟؟ يمكن أن يقال بالثاني؛ تمسكا بالأخبار المتقدمة، لاشتمالها على قوله (قبل طلوع الشمس) و لكن التحقيق هو الأول- و هو كون اضطراري عرفات إلى طلوع الفجر- لحسن العطار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر

فاقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام و يلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه «2» و ما عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات؟ فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس بالمشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات. إلخ «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 401

[الثانية]

«الثانية» وقت الاختيار لعرفة من زوال الشمس الى الغروب و من تركه عمدا فسد حجه (1) و وقت الاضطرار الى طلوع الفجر من يوم النحر (2)

تقريب دلالة هذا الحديث على المدعى هو أن الظاهر من قوله عليه السّلام (من ليلته) قبل طلوع الفجر- كما لا يخفى- فيكون اضطراري عرفة من أول الليل إلى طلوع الفجر فيقيد الأخبار المتقدمة بهما، فالمراد من الأخبار السابقة بناء عليه ليس الرواح إلى عرفات و لو بعد طلوع الفجر، فتدبر.

(1) أما كون وقت اختياري عرفة من زوال الشمس إلى الغروب فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لما عرفته، و كذا لا ينبغي الإشكال في فساد حج من ترك مسماه عالما عامدا و إن جاء بالاضطرارى لما عرفته أيضا في المباحث السابقة.

(2) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في المدارك و غيرها: الإجماع عليه، و يدل عليه خبر الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

عن رجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات؟؟ فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات في ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات. إلخ «1» و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في رجل أدرك الإمام هو بجمع؟ فقال: ان ظن انه يأتي عرفات و يقف بها قليلا، ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و ان ظن انه لا يأتها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجه «2» و نحوهما غيرهما من الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 402

..........

«ينبغي هنا التنبيه على أمور» (الأول)- ان الواجب من الوقوف الاضطراري هو مسمى الكون بعرفات ليلا، كما عرفت و لا يجب الاستيعاب- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و هو المعروف بين الأصحاب، بل في محكي التذكرة: الإجماع عليه، كما في محكي المنتهى: نفي الخلاف فيه، للأخبار المصرحة بالاجتزاء به و لو قليلا، فلا يتوهم كونه كوقت الاختياري في كون الركن مسماه، و الواجب: الزائد على ذلك الى مطلع الفجر.

(الثاني)- انه يمكن أن يقال: ان وقت الاضطراري من الوقوف بعرفات كوقت الاختياري منها في فوات الحج بفوات المسمى مع العلم و العمد، و لعله يومي اليه خبر الحلبي المتقدم. مضافا: الى قاعدة عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فتدبر قال في الجواهر: «بل لعله مقتضى إطلاقهم ان الركن مسماه الشامل للاختياري و الاضطراري كما صرح به غير واحد من متأخري

المتأخرين. الى أن قال نعم، في قواعد الفاضل ما عرفت من ان الوقوف الاختياري بعرفة ركن من تركه عامدا بطل حجه، و ربما استشعر منه عدم كون الاضطراري كذلك، فلو تركه عمدا حينئذ لم يبطل حجه و فيه منع واضح؛ و يمكن أن يكون الوجه في اقتصاره بيان انه لا يجزى الاقتصار على الاضطراري عمدا بل من ترك الاختياري عمدا بطل حجه و إن أتى بالاضطرارى كما سمعت الكلام فيه. إلخ» (الثالث)- ان ما عن الشيخ رحمه اللّه تعالى في الخلاف من إطلاق «إن وقت الوقوف بعرفة من زوال يوم عرفة الى طلوع الفجر من يوم العيد» منزل على ما عرفت من التفصيل، و مراده منه بيان مجموع الوقت الاختياري

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 403

[الثالثة]

الثالثة من نسي الوقوف بعرفة رجع فوقف بها و لو إلى طلوع الفجر من يوم النحر إذا عرف انه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس (1) فلو غلب على ظنه الفوات اقتصر

و الاضطراري، لا أن ذلك وقت اختياري، لتصريحه بهذا التفصيل في سائر كتبه و على هذا فلا يرد عليه ما أورده ابن إدريس- قدس سره-: «من ان هذا القول مخالف لأقوال علمائنا» و انما هو قول لبعض المخالفين» أورده الشيخ في كتابه إيرادا لا اعتقادا.

و من هنا قال في المختلف: (و التحقيق إن النزاع هنا لفظي، فإن الشيخ قصد الوقت الاختياري و هو من زوال الشمس إلى غروبها و الاضطراري و هو من الزوال إلى طلوع الفجر؛ فتوهم ابن إدريس: إن الشيخ قصد بذلك الوقت الاختياري فأخطأ في اعتقاده، و نسب الشيخ الى تقليد بعض المخالفين مع ان الشيخ أعظم المجتهدين و كبيرهم، و لا ريب في تحريم

التقليد للمحقق من المجتهدين فكيف بالمخالف الذي يعتقد المقلد أنه مخطئ، و هل هذا الا جهالة منه و اجتراء على الشيخ رحمه اللّه تعالى) فتدبر.

(1) لا ينبغي الإشكال فيه، لما عرفته سابقا من الأخبار الدالة على ان من فاته الوقوف الاختياري بعرفة ان كان ظانا بأنه إذا أتى إلى عرفات لدرك اضطرارية يدرك اختياري المشعر- و هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس- فاللازم عليه أن يأتي إلى عرفات، منها: صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، في رجل أدرك الامام و هو بجمع؟ فقال: أن ظن أنه يأتي عرفات و يقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قيل طلوع الشمس فليأتها. إلخ «1» و نحوه غيره من الأخبار.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 404

على إدراك المشعر قبل طلوع الشمس و قد تم حجه (1) و كذا لو نسي الوقوف بعرفات و لم يذكر إلا بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس (2)

(1) هذا أيضا مما لا ينبغي الإشكال فيه، و يدل عليه- مضافا إلى اتفاق الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- قوله عليه السّلام في ذيل صحيح معاوية بن عمار المتقدم آنفا: (و ان ظن انه لا يأتها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجه).

(2) بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص السابقة المصرحة باجزاء اختيار المشعر مع فوات وقوف عرفة بقسميه فلاحظ.

(تذييل) هو أنه إذا شك و تردد في إدراك المشعر إذا أتى الى عرفات فهل يكون حكمه أن لا يأتي عرفات كما يكون كذلك إذا كان ظانا بعدم إدراك المشعر أم لا؟

مقتضى قول

المصنف- قدس سره-: (إذا عرف انه يدرك المشعر. إلخ) عدم وجوب العود الى عرفات مع الشك و التردد في ذلك و في المدارك: (و هو كذلك، للأصل، و قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (ان ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا، ثم يدرك جمعا قبل طولع الشمس فليأتها) و احتمل الشارع وجوب العود مع التردد تقديما للوجوب الحاضر و هو ضعيف.

و ناقش فيه صاحب الجواهر- قدس سره- بقوله: (و فيه أن صحيح معاوية بن عمار السابق و ان كان قد علق إتيان عرفة فيه على الظن؛ لكن علق فيه عدم الإتيان على ظن ذلك أيضا. نعم، في خبر ابن إدريس تعليق ذلك على خشيان الفوات الذي لا ريب في تحققه مع التردد على انه بناء على توقف صحة الحج على إدراك أحد الاختياريين يكفي به عذرا في اقتصاره على المشعر، ضرورة: ان في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 405

[الرابعة]

(الرابعة) إذا وقف بعرفات قبل الغروب و لم يتفق له ادراك المشعر الى قبل الزوال صح حجه (1)

تركه تعريضا لفوات الاختياريين الموجب هنا لفوات الحج، و بذلك ترجح مراعاته على اضطراري عرفة كما هو واضح).

لكن مقتضى قوله عليه السّلام في ذيل بعض الأخبار المتقدمة، فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس فقد تم حجه «1» هو كون المدار على الخوف، لأن لمفهوم قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها) فردين: (أحدهما) ما صرح به في الصحيح المزبور بقوله عليه السّلام (و إن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس مع جمع

فلا يأتها) و (الآخر): الشك في إدراك المشعر إذا أتى عرفات؛ إذ مفهوم قوله عليه السّلام: (إن ظن أنه يأتي عرفات. إلخ) هو و ان لم يظن بإدراك المشعر إذا أتى عرفات سواء ظن بعدم الإدراك، كما صرح به الامام عليه السّلام، أم شك في الإدراك و من المعلوم تحقق الخوف مع كل واحد من الظن و الشك، فالتعبير بقوله عليه السّلام في بعض الاخبار المتقدمة: (فإن خشي أن لا يدرك جمعا) تعبير باللازم لترتب الخوف على الظن و الشك؛ فالجمع العرفي يقتضي كون المدار على الخوف، و انما ذكر الظن في قوله عليه السّلام: (و ان ظن أنه لا يأتها. إلخ) لكونه أجلى سببي الخوف فتأمل جيدا و اللّه العالم و هو الهادي إلى الصواب.

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم- بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه. إلخ). و في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 406

[الخامسة]

(الخامسة) إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهاراً فوقف ليلا ثم لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس فقد فاته الحج (1)

المدارك: (هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب) و استدل لذلك بصحيح معاوية ابن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في رجل أفاض من عرفات فأتى منى قال: فليرجع فيأتي جمعا فيقف بها و إن كان الناس قد أفاضوا من جمع «1» و صحيحة الآخر عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و ان كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع

«2» و بموثق يونس ابن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أفاض من عرفات فمر المشعر فلم يقف حتى انتهى الى منى و رمى الجمرة و لم يعلم حتى ارتفع النهار؟ قال: يرجع الى المشعر فيقف به ثم يرجع فيرمي الجمرة «3» و لكن يمكن المناقشة في الحديثين الأولين و ذلك باحتمال كون المراد من قوله عليه السّلام (فليرجع) هو لزوم الرجوع اليه قبل طلوع الشمس لا بعدها بان يكون الناس قد أفاضوا قبل طلوع الشمس فوجدهم أنهم قد أفاضوا، فعليه لا يتم الاستدلال بهما على كفاية درك اختياري وقوف بعرفة و اضطراري المشعر، و كيف كان ففي المسالك هنا لو فرض عدم إدراك المشعر أصلا صح أيضا و سيتضح لك- تحقيق الكلام في ذلك- ان شاء اللّه تعالى- (في الجزء الرابع) في آخر مسائل مبحث الوقوف بالمشعر.

(1) مقتضى المحكي عن النهاية و المبسوط: انه قد فاته الحج، و اختاره في النافع قال في الجواهر: (للمعتبرة المستفيضة المتضمنة (من لم يدرك الناس بالمشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر فلا حج له)، لشموله بإطلاقه لمفروض المقام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.

(2) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.

(3) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 407

..........

بل و لمن أدرك اختياري عرفة أيضا و إن كان قد خرج درك اختياري عرفة عنه بما دل على الأجزاء فيه، و قد تقدم ما يدل على ذلك، و هذا بخلاف مفروض المقام و لكن يمكن (دعوى): ظهور هذه الاخبار- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- فيمن

لم يدرك إلا ذلك، و أما إذا أدرك معه غيره- كمفروض المقام الذي أدرك فيه اضطراري عرفة- فلا تشمله.

مضافا إلى معارضتها بما رواه جميل بن دراج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: (من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج «1» و تقييدها بمن أدرك مع ذلك اختياري عرفة ليس بأولى من تقييد الأولى بمن لم يدرك عرفة مطلقا حتى الاضطراري منها، بل هو أولى من وجوه، و في الجواهر: (منها الشهرة، و منها: ما قيل: من أن هذه معتبرة الأسانيد جملة عدا صحيح حريز قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مفرد للحج فاته الموقفان جميعا؟ فقال: له إلى طلوع الشمس يوم النحر فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج، و يجعلها عمرة و عليه الحج من قابل «2» و لكن يمكن دعوى ظهوره- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- في عدم إدراكه الوقوف بعرفات مطلقا. فتأمل مضافا إلى خصوص صحيح الحسن العطار عن عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فاقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه «3» و لكن مع ذلك كله و المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 408

و قيل (1) يدركه و لو قبل الزوال و هو حسن (2)

(1) و القائل

هو الشيخ في التهذيب، و الصدوق و الإسكافي و السيد و ابن زهرة و الحلبيون و الفاضل و غيرهم من الفقهاء- قدس اللّه تعالى أسرارهم-

(2) بل هو الأقوى، لما تقدم، بل لا ينبغي الارتياب فيه بناء على القول بإدراك الحج بإدراك اضطراري المشعر النهارى خاصة، كما هو المحكي عن جماعة من الأصحاب- كابني الجنيد و بابويه في علل الشرائع، و السيد و الحلبيين، و جملة من المتأخرين كثاني الشهيدين و سبطه- و يدل عليه جملة من النصوص المروية عنهم عليهم السّلام في هذا المقام إلا انه يعارضها جملة أخرى من النصوص و سيأتي ذكرها، و بيان الجمع بينهما، و ما هو المختار (في الجزء الرابع) في آخر مسائل مبحث الوقوف بالمشعر- عند تعرض أقسام الوقوفين من الاختياري و الاضطراري و المركب منهما بالتفصيل- البالغ ثمانية أقسام إذا لم يجعل الوقوف الليلي بالمشعر قسما على حدة و الا تصير أحد عشر قسما خمسة مفردة و ستة مركبة.

أما الخمسة المفردة فهي:

(الأول): أن يدرك وقوف اختياري عرفة خاصة. (الثاني): أن يدرك اضطراري عرفة خاصة. (الثالث): أن يدرك اختياري المشعر خاصة (الرابع):

أن يدرك اضطراري ليلى المشعر خاصة (الخامس): أن يدرك اضطرارية النهارى خاصة و أما الستة المركبة فهي:

(الأولى): أن يدرك الاختياريين (الثاني): أن يدرك الاضطراريين (الثالث) أن يدرك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي. (الرابع): أن يدرك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر النهارى. (الخامس): أن يدرك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 409

[و المندوبات]

(و المندوبات) الوقوف في ميسرة الجبل [1] (1) في السفح (2)

اضطراري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي. (السادس): أن يدرك اضطراري عرفة مع اختياري المشعر و ستعرف الكلام عنها بالتفصيل في المحل المزبور ان شاء اللّه تعالى.

(1)

استحباب الوقوف في ميسرة الجبل مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه قال عليه السّلام: قف في ميسرة الجبل، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقف بعرفات في ميسرة الجبل، فلما وقف صلّى اللّه عليه و آله حتى جعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته فيقفون إلى جانبه، فنحاها، ففعلوا مثل ذلك فقال: صلّى اللّه عليه و آله ايها الناس: انه ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف و لكن هذا كله موقف، و أشار بيده إلى الموقف، قال: هذا كله موقف و فعل مثل ذلك في المزدلفة الحديث «1»

(2) يدل على استحباب الوقوف في السفح موثق إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض؟.

فقال: على الأرض «2»

______________________________

[1] و المراد بميسرته بالإضافة إلى القادم اليه من مكة، لأن هذا الحكم متعلق بالمكلف في تلك الحالة و خلاف ذلك غير ظاهر، و سفح الجبل: (أسفله حيث ينفسح فيه الماء و هو مضجعه) قاله الجوهري. و في الجواهر: «و المراد بالسفح: الأسفل، حيث يسفح فيه الماء» و قال في القاموس: «السفح عرض الجبل المضطجع أو أصله أو أسفله».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 410

و الدعاء المتلقى عن أهل البيت عليهم السّلام أو غيره من الأدعية (1)

و خبر الحسن بن محبوب عن ابن رئاب عن مسمع عن أبى عبد اللّه

عليه السّلام قال:

عرفات كلها موقف و أفضل الموقف سفح الجبل. إلى أن قال: و انتقل من الهضبات و اتق الأراك «1»

(1) قال في المدارك (لا ريب في تأكد استحباب الدعاء في هذا اليوم، فإنه شريف كثير البركة بل ذهب بعض علمائنا إلى وجوب صرف زمان الوقوف كله في الذكر و الدعاء و الدعوات المأثورة فيه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله؛ و أهل البيت عليهم السّلام أكثر من أن تحصى و أحسنه الدعاء المنقول عن سيدنا و مولانا أبى عبد اللّه عليه السّلام و ولده زين العابدين عليه السّلام. إلخ) لا بأس بذكر بعض الأخبار الواردة في هذا المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: إنما تعجل الصلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه، يوم دعاء و مسألة؛ ثم تأتى الموقف و عليك السكينة و الوقار، فاحمد اللّه تعالى، و هلله، و مجده، و أثن عليه، و كبره مأة تكبير. إلى أن قال: اقرء قل هو اللّه أحد مأة مرة، و تخير لنفسك من الدعاء ما أجبت، و اجتهد فإنه يوم دعاء و مسئلة، و تعوذ باللّه من الشيطان، فان الشيطان لن يذهلك في موطن قط أحب إليه من أن يذهلك في ذلك الموطن، و إياك أن تشتغل بالنظر إلى الناس، و أقبل نفسك. إلى أن قال: و ليكن فيما تقول: (له) [اللهم رب المشاعر كلها فك رقبتي من الناس، و أوسع على من رزق الحلال، و ادرء عنى شر فسقه الجن و الأنس اللهم لا تمكرنى، و لا تخدعني و لا تستدرجني]. إلى أن قال: و ليكن فيما تقول و أنت رافع رأسك إلى السماء:

اللهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني؛ و التي إن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك خلاص

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 411

..........

رقبتي من النار] و ليكن فيما تقول: [اللهم إني عبدك و ملك يدك، و ناصيتي بيدك؛ و أجلى بعلمك، أسألك أن توفقني لما يرضيك عنى، و ان تسلم مني مناسكي التي أريتها إبراهيم خليلك عليه السّلام، و دللت عليها حبيبك محمد صلّى اللّه عليه و آله إلى أن قال: فليكن فيما يقول: (اللهم اجعلني ممن رضيت عمله و أطلت عمره و أحييته بعد الممات حياة طيبة) «1» 2- رواية محمد بن على بن الحسين بإسناده عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلى عليه السّلام: (إلا أعلمك دعاء يوم عرفة و هو دعاء من كان قبلي من الأنبياء؟ فقال على عليه السّلام بل يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال فتقول: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك و له الحمد، يحيى و يميت، و يميت و يحيى و يموت بيده الخير و هو على كل شي ء قدير، اللهم لك الحمد؛ كما تقول، و خير ما يقول القائلون اللهم لك صلاتي، و ديني و محياي، و مماتي، و لك تراثي، و بك حولي، و منك قوتي، اللهم إني أعوذ بك من الفقر، و من وساوس الصدر؛ و من شتات الأمر و من عذاب القبر، اللهم إني أسألك من خير ما يأتي به الرياح، و أعوذ بك من شر ما

يأتي به الرياح؛ و أسألك خير الليل و النهار): و بإسناده عن عبد اللّه بن سنان أنه روى: (اللهم اجعل في قلبي نورا، و في سمعي و بصري نورا، و لحمي و دمي و عظامي و عروقي و مقعدي و مقامي و مدخلي و مخرجي نورا، و أعظم لي نورا يا رب يوم ألقاك، انك على كل شي ء قدير) «2» 3- خبر أبى الجارود عن أبى جعفر عليه السّلام قال: ليس في شي ء من الدعاء عشية عرفة شي ء موقت) «3» و نحوها غيرها من الأخبار.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب إحرام الحج الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 412

..........

« (تذييل)» و هو أنه قد ذهب بعض من الفقهاء إلى وجوب الدعاء عند وقوف بعرفات و يمكن الاستدلال على ذلك بعدة اخباء- منها:

1- ما رواه سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى عن أخيه جعفر بن عيسى و يونس بن عبد الرحمن جميعا عن جعفر بن عامر عن عبد اللّه بن جذاعة الأزدي عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل وقف في الموقف فأصابته دهشته الناس فبقي ينظر إلى الناس و لا يدعو حتى أفاض الناس؟ قال: يجزيه وقوفه، ثم قال:

أ ليس قد صلّى بعرفات الظهر و العصر، و قنت و دعا؟ قال: بلى؛ قال: فعرفات كلها موقف، و ما قرب من الجبل فهو أفضل «1» 2- ما رواه محمد بن خالد الطيالسي عن أبي يحيى زكريا الموصلي قال:

سألت العبد الصالح عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعي أبيه أو نعي بعض ولده قبل أن يذكر اللّه تعالى بشي ء، أو يدعو فاشتغل بالجزع و البكاء عن الدعاء، ثم أفاض الناس؟؟

فقال: لا أرى عليه شيئا، و قد أساء فليستغفر اللّه، أما لو صبر و احتسب لا فاض من الموقف. بحسنات أهل الموقف جميعا من غير أن ينقص من حسناتهم شيئا «2» 3- ما رواه في المجالس بالإسناد الآتي الوارد في اسئلة اليهودي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد ورد فيه قول النبي صلّى اللّه عليه و آله (ففرض اللّه عز و جل على أمتي الوقوف و التضرع و الدعاء في أحب المواضع اليه، و تكفل لهم بالجنة. إلخ) «3» 4- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: فإذا وقفت بعرفات فاحمد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 413

و إن يدعو لنفسه و لوالديه و للمؤمنين (1)

اللّه تعالى، و هلله، و مجده، و أثن عليه، و كبره مائة مرة. الى أن قال: و تخير لنفسك من الدعاء ما أحببت و اجتهد، فإنه يوم دعاء و مسئلة. «1»

5- خبره الآخر عنه عليه السّلام: (و إنما تعجل الصلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسئلة، ثم نأتي الموقف و عليك السكينة و الوقار، فاحمد اللّه و هلله و مجده و أثن عليه. إلخ «2» و

لكن كلها لا يخلو من المناقشة و الاشكال أما (الأول): فلعدم ظهور فيه في الوجوب، بل استدل به الفاضل على عدم الوجوب، و لعله لقوله: عليه السّلام فيه (يجزيه وقوفه) و ان كان فيه ان ذلك غير مناف لوجوب الدعاء- كما أفاده صاحب الجواهر- قدس سره- و أما (الثاني) فلاحتمال كون المراد من الاسائة فيه و الاستغفار من حيث الجزع و نحوه لا من جهة تركه الدعاء.

و أما باقي الأخبار فلان أوامر الدعاء في ذلك المكان محفوفة بالقرائن التي تدل على الاستحباب كقوله عليه السّلام (انه يوم دعاء)- فلسان الروايات الآمرة بالدعاء لسان الاستحباب لا الوجوب- كما لا يخفى- مضافا إلى أن تسالم جل الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الوجوب يوجب رفع اليد عن ظهورها في الوجوب، فتحمل الأوامر على الاستحباب فتدبر.

(1) قال في المدارك: (و يستحب أن يكثر الدعاء لإخوانه المؤمنين، و يؤثرهم على نفسه بذلك فقد روينا في الحسن عن إبراهيم بن هاشم، قال: رأيت عبد اللّه ابن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ما زال مادا يده إلى السماء و دموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض، فلما أنصرف الناس قلت: يا أبا محمد

______________________________

(1) ذكره صاحب الجواهر قده.

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفات الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 414

و ان يضرب خباه بنمرة (1)

ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك!؟ قال: و اللّه ما دعوت إلا لإخواني و ذلك ان أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام: أخبرني انه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش، و لك مأة الف ضعف مثله؛ فكرهت ان ادع مأة

الف ضعف مضمونة بواحدة لا أدرى تستجاب أم لا «1» انتهى.

و يدل عليه أيضا ما عن إبراهيم بن أبى البلاد أو عبد اللّه بن جندب قال:

كنت في الموقف فلما أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب، فسلمت عليه، و كان مصابا بإحدى عينيه، و إذا عينه الصحيحة حمراء كأنها علقة دم، فقلت له: قد أصبت بإحدى عينيك، و انا و اللّه مشفق على عينك الأخرى فلو قصرت من البكاء قليلا؟

فقال: لا و اللّه يا أبا محمد ما دعوت لنفسي اليوم بدعوة؟ فقلت: فلمن دعوت قال:

دعوت لإخواني فإني سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول من دعا لأخيه بظهر الغيب و كل اللّه به ملكا يقول: (و لك مثلاه) فأردت أن أكون أنا أدعو لإخواني و يكون الملك يدعو لي، لأني في شك من دعائي لنفسي و لست في شك من دعاء الملك لي «2» و ما رواه ابن أبى عمير قال: كان عيسى بن أعين إذا حج فصار الى الموقف أقبل على الدعاء لإخوانه حتى يفيض الناس قال: فقلت له: تنفق مالك و تتعب بدنك حتى إذا صرت إلى الموضع الذي تبث فيه الحوائج الى اللّه عز و جل أقبلت على الدعاء لإخوانك و تركت نفسك؟؟! فقال: (انى على ثقة من دعوة الملك لي و في شك من الدعاء لنفسي) «3»

(1) يدل على ذلك صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في (حديث) قال: (فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة (و هي بطن عرنة دون

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث

3.

(3) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 415

و إن يقف على السهل (1) و ان يجمع رحله (2) و يسد الخلل به و بنفسه (3)

الموقف و دون عرفة) فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل. الحديث «1» و صحيحة الأخر الوارد في صفة حج النبي صلّى اللّه عليه و آله انه صلّى اللّه عليه و آله انتهى إلى نمرة و هي بطن عرنة بحيال الأراك فضرب قبته و ضرب الناس أخبيتهم عندها. إلخ «2»

(1) قال في المدارك: (و انما استحب ذلك لاستحباب الاجتماع في الموقف و التضام كما سيأتي و غير السهل لا يتيسر فيه ذلك إلا بتكلف)

(2) قال في الجواهر: (أى يضم أمتعة بعضها إلى بعض ليأمن عليها من الذهاب ليتوجه قلبه الى الدعاء.

(3) المراد انه يسد الفرج الكائنة على الأرض برحله و بنفسه بان لا يدع بينه و بين أصحابه فرجة لتستر الأرض التي يقفون عليها لصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث الوقوف بعرفات) قال: إذا رأيت خللا فسده بنفسك و براحلتك فان اللّه عز و جل يحب أن تسد تلك الخلال و انتقل الى الهضبات و اتق الأراك. «3»

و ربما علل استحباب سد الفرج الكائنة على الأرض بأنها إذا بقيت فربما يطمع أجنبي في دخولها فيشتغلون بالتحفظ منه عن الدعاء و يؤذيهم في شي ء من أمورهم.

و احتمل بعض الأصحاب كون الجار في: (به- و بنفسه) متعلقا بمحذوف صفة للخلل، و المعنى انه يسد الخلل الكائن بنفسه و برحله، بأن يأكل إن كان جائعا و يشرب ان كان عطشانا و هكذا يصنع ببعيره، و يزيل

الشواغل المانعة عن الإقبال

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 416

و ان يدعو قائما (1) و يكره الوقوف في أعلى الجبل (2)

و التوجه إلى اللّه تعالى في الدعاء.

و لكن قال بعض من الفقهاء: انه لا ينطبق على ظاهر خبر سعيد بن يسار قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام عشية من العشايا «العشيات خ» و نحن بمنى و هو يحثني على الحج و يرغبني فيه يا سعيد: أيما عبد رزقه اللّه رزقا من رزقه فأخذ ذلك الرزق فأنفقه على نفسه و على عياله. ثم أخرجهم قد ضحاهم بالشمس حتى يقدم بهم عشية عرفة إلى الموقف فيقيل أ لم تر فرجا يكون هناك فيها خلل؛ فليس فيها أحد؟

فقلت: بلى جعلت فداك فقال: يجي ء بهم قد ضحاهم حتى يشعب بهم تلك الفرج فيقول اللّه تعالى تبارك و تعالى لا شريك له عبدي رزقته من رزقي فأخذ ذلك الرزق فأنفقه فضحى به نفسه و عياله، ثم جاء بهم حتى شعب بهم هذه الفرجة التماس مغفرتي فاغفر له ذنبه و أكفيه ما أهمه و ارزقه قال؟ سعيد: مع أشياء قالها نحوا من عشرة «1» و التحقيق: أنه لا منافاة بين ظاهره و بين ما أفاده بعض من الأصحاب من المعنى المتقدم و وجهه واضح.

(1) قال في الجواهر: (لأنه أفضل أفراد الكون؛ باعتبار كونه أحمز، و إلى الأدب أقرب، و لم أجد نصا فيه بالخصوص، لكن ينبغي أن يكون ذلك

حيث لا يورث التعب المنافي للخشوع و التوجه، و إلا كان الأفضل القعود على الأرض، أو الدابة، أو السجود، بل لعل الأخير أفضل مطلقا للأخيار و الاعتبار)

(2) لما رواه إسحاق بن عمار انه قال سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض؟ فقال. على الأرض «2» و نقل عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 417

و راكبا و قاعدا (1)

ابن براج و ابن إدريس أنهما حرما الوقوف على الجبل إلا لضرورة و مع الضرورة- كالزحام و شبهه- ينتفي الكراهة و التحريم إجماعا قاله في التذكرة و يمكن الاستدلال لذلك بما رواه سهل عن أحمد بن محمد عن سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (إذ ضاقت عرفة كيف يصنعون؟ قال يرتقون الى الجبل «1» و لكن على فرض تماميته دلالة فيمكن جعل رواية إسحاق قرينة على كون المراد منه الكراهة، مضافا إلى أن تسالم الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- على عدم الحرمة يوجب رفع اليد عن ظاهره، فيحمل على الكراهة فتأمل.

(1) الظاهر انه لم يرد رواية تتضمن النهى عن ذلك، بل في خبر محمد بن عيسى المروي (في قرب الاسناد) رأيت أبا عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السّلام بالموقف على بغلة، رافعا يده إلى السماء عن يسار و إلى الموسم حتى انصرف و كان في موقف النبي صلّى اللّه عليه و آله و ظاهر كفيه إلى السماء و هو يلوذ ساعة بعد ساعة بسبابته «2» و أما ما

قيل بان الركوب أفضل من القيام لما رووه: (من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله وقف راكبا) ففيه ما لا يخفى.

هذا و في محكي الخلاف: (يجوز الوقوف بعرفة راكبا و قائما سواء) و هو أحد قولي الشافعي ذكره في الإملاء، و قال في القديم (الركوب أفضل، و استدل بالإجماع و الاحتياط) و قال: «ان القيام أشق فينبغي أن يكون أفضل» و في محكي التذكرة: (عندنا الركوب و القعود مكروهان، بل يستحب قائما داعيا بالمأثور) و حكى عن الأحمد: (ان الركوب أفضل اقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليكون أقوى على الدعاء) و عن الشافعي قولين: (أحدهما): ذلك. (و الأخر): التساوي.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 418

..........

و عن المنتهى: (انه أجاب عن التأسي بأنه صلّى اللّه عليه و آله إنما فعل ذلك بيانا للجواز، و لذا طاف صلّى اللّه عليه و آله راكبا، مع أنه لا خلاف في أن المشي أفضل) و كيف كان فان الركوب قد يكون أرجح لبعض الوجوه و الاعتبارات لا انه أرجح من القيام و القعود في حد نفسه؛ و لكن مع ذلك الأولى: الوقوف قائما.

«ينبغي التنبيه على أمور» 1- أنه يستحب الوقوف بعرفات مع الوضوء لخبر على بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السّلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقف بعرفات على غير وضوء؟ قال: لا يصلح له إلا و هو على وضوء «1» و ما رواه على بن جعفر في (كتابه) عن أخيه قال: سألته عن

الرجل يصلح أن يقضى شيئا من المناسك و هو على غير وضوء؟ قال: لا يصلح إلا على وضوء «2» و يدل على عدم الوجوب صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (لا بأس أن يقضى المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف و الوضوء أفضل) «3» و ما رواه الحسن بن محبوب عن أبي حمزة عن أبى جعفر عليه السّلام أنه سئل أ ينسك المناسك و هو على غير وضوء فقال: نعم، إلا الطواف بالبيت فان فيه صلاة «4» 2- انه ينبغي له أن لا يرد سائلا للمرسل: (كان أبو جعفر عليه السّلام إذا كان يوم عرفة لم يرد سائلا) «5»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب السعي الحديث 8

(3) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 6

(5) ذكره صاحب الجواهر قده. الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 3، ص: 419

..........

3- انه ينبغي له أن لا يسأل فيه غير اللّه تعالى جل شأنه، ففي المرسل سمع على بن الحسين عليه السّلام يوم عرفة سائلا يسأل الناس فقال: ويحك أ غير اللّه تسأل.

إلخ (ذكره صاحب الجواهر قدس سره)

انتهى (و للّه الحمد و الشكر): الى هنا ما أردت إيراده في هذا الجزء من الكتاب و أسأله تعالى: التوفيق لإتمام باقي الأجزاء منه، كما اسأله تعالى جل شأنه:

[أن يرعاني بعين رعايته- و لا يحرمني فضله- و يقبل منى هذا النزر اليسير- و يعفو عن زللي الكثير-

أنه أكرم المسؤولين و أوسع المعطين-] قد وقع الفراغ منه على يد مؤلفه العبد الفاني الراجي رحمة ربه الغفور محمّد إبراهيم الجنّاتى [في 24- شهر محرم الحرام- من سنة 1384] و يتلوه الجزء الرابع من أول مبحث الوقوف بالمشعر إن شاء اللّه تعالى و الحمد للّه أولا و آخرا و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

الجزء الرابع

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصّلاة و السّلام على خير خلقه و أشرف بريّته خاتم النبيّين محمّد بن عبد اللّه سليل خليله إبراهيم عليه السّلام رافع القواعد من البيت الّذي جعل مثابة للنّاس و أمنا، و آله الطيّبين الطّاهرين المعصومين الّذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.

و بعد: فهذا هو الجزء الرابع من كتابنا: (الحجّ) تقريرا لبحث استاذنا الأعظم سماحة آية اللّه العظمى المرجع الدّيني الأعلى الحاج السيد محمود الحسيني الشاهرودي دام ظله.

و هو يشتمل على مباحث (الوقوف بالمشعر، و اعمال منى، و الطّواف) على نهج ما كتبه المحقّق (طاب ثراه) في شرائعه كالجزء الثّالث من هذا الكتاب.

و اللّه سبحانه و تعالى اسأل ان يتفضّل عليّ بتقبّل هذا الجهد المتواضع بقبوله الحسن، و يجعله خالصا لوجهه الكريم، و أتوسل اليه ان يوفقني لإتمام بقيّة أجزاء هذا الكتاب، فهو وليّي و حسبي «نِعْمَ الْمَوْلىٰ وَ نِعْمَ النَّصِيرُ».

النجف الأشرف 2 رجب 1386 محمّد إبراهيم الجنّاتي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 7

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على خير خلقه محمد و آله الطّاهرين

[تتمة شرح كتاب الحج من شرائع الإسلام]

[تتمة الركن الثاني في أفعال الحج]

[القول في الوقوف بالمشعر]
اشارة

القول في الوقوف بالمشعر [1] و النظر في مقدمته و كيفيته

[أما المقدمة]

أما المقدمة فيستحب الاقتصاد في سيره إلى المشعر، و ان يقول إذا بلغ الكثيب الأحمر عن يمين الطّريق:

(اللّهم ارحم موقفي، و زد في عملي، و سلّم لي ديني، و تقبّل مناسكي) (1).

كتاب الحج

(1) يدل على جميع ما افاده المصنف «قدس سره» ما في صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام: (إذا غربت الشمس فأفض مع

______________________________

[1] ينبغي هنا التنبيه على أمرين:

(الأول) ان المشعر الحرام أحد للشاعر التي جعلها اللّه تعالى موضع النسك و العمل و قد سمّى ايضا مزدلفة «بكسر اللام» و جمع «بإسكان الميم» ايضا.

قال في الصحاح: (المشاعر مواضع المناسك، و المشعر الحرام أحد المشاعر و كسر الميم لغة.)

قال في القاموس: (المشعر الحرام «و تكسر ميمه»: المزدلفة و عليه بناء اليوم و وهم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 8

..........

النّاس و عليك السّكينة و الوقار و أفض من حيث أفاض النّاس و استغفر اللّه ان اللّه غفور رحيم) فإذا انتهيت الى الكثيب الأحمر عن يمين الطّريق فقل: (اللهم ارحم موقفي و زد في عملي و سلّم لي ديني و تقبّل مناسكي و إياك و الوجيف (الرصف خ ل) الذي يصنعه كثير من النّاس فإنه بلغنا ان الحجّ ليس بوصف الخيل و لا إيضاع الإبل و لكن اتّقوا اللّه تعالى و سيروا سيرا جميلا لا تواطئوا ضعيفا و لا تواطئوا مسلما و اقتصدوا في السير، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقف بناقته حتى كان يصيب رأسها مقدّم الرحل، و يقول: ايّها الناس عليكم بالدّعة فسنة رسول اللّه تتبع، قال معاوية: و

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «اللّهم أعتقني من النّار» يكرّرها حتى أفاض النّاس. إلخ «1».

______________________________

من ظنّه جبلا بقرب ذلك البناء) و لعله أشار الى القيومي في محكي مصباح المنير- كما افاده صاحب الجواهر، قدس سره قال: «و المشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة، و اسمه قزح، و ميمه مفتوح على المشهور، و بعضهم يكسرها على التّشبيه باسم الآلة، و الظاهر: انه تبعه في ذلك صاحب مجمع البحرين حيث قال- بعد ذكر قوله عز و جل: «فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ» هو: (جبل بآخر مزدلفة و اسمه قزح «بضمّ القاف و فتح الزّاء المعجمة و الحاء المهملة» و يسمّى جمعا و مزدلفة و المشعر الحرام) و هو ممّن يقتفي أثره غالبا.

و نقل في الدروس ايضا تفسيره بالجبل المذكور حيث قال في مسألة وطء الصرورة المشعر برجله أو بعيره. (و قد قال الشيخ: هو قزح فيصعد عليه و يذكر اللّه عنده، و قال الحلبي «يستحب وطء المشعر و في حجة الإسلام آكد» و قال ابن الجنيد: «يطأ برجله أو بعيره المشعر الحرام قرب المنارة و الظاهر انه المسجد الآن» أفاد صاحب الجواهر بعد نقل هذا الكلام من الحلبي بقوله: (فيمكن ان يكون من المشترك بين الكل و البعض أو من باب تسمية الكلّ باسم الجزء).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 9

..........

لا يخفى، ان ظاهر إطلاق الأوامر الواردة فيه بالنسبة إلى الإفاضة بسكينة و وقار و الاقتصاد في السير و الدعاء و الاستغفار هو كونه بداعي الجدّ في الجميع الا ان تسالم الأصحاب على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور، و اما الاستحباب

فلا وجه لرفع اليد عنه.

______________________________

قيل: «ان المزدلفة هي فضاء فسيح لا بناء فيه غير المشعر الحرام و هو عبارة عن مسجد عظيم مرتفع عن الأرض يحاط بسور حجري صغير لا سقف له و في وسطه تقريبا مأذنة فخمة بيضاء تنار بالأنوار السّاطعة أيّام الحج و ذرعه (59) ذراعا و شيرا و المزدلفة موضع بين منى و عرفة يبيت فيه الحجّاج بعد وقوفهم بعرفة و موقعه بين مأذمى (الجبلان) عرفة الّذي يقال له: المديق و بين وادي محسّر من جهة منى و طولها ما بين هذين الحدّين (4370) مترا» و سيتضح لك تحقيق الكلام في ذلك عند تعرّض المصنّف له (إن شاء اللّه تعالى).

(الثاني)- ان تسمية المشعر الحرام بالمزدلفة «بضمّ الميم و سكون الزّاء المعجمة و فتح الدّال و كسر اللّام» فإنما ذكروا الأصحاب- قدس اللّه تعالى أسرارهم- لها وجوها:

1- ان المزدلفة اسم فاعل من الازدلاف و هو التّقدم تقول: يزدلف القوم ازدلفوا اى تقدّموا و روى الصدوق- رحمه اللّه تعالى- في العلل بإسنادهم إلى معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال انما سميت مزدلفة لأنهم ازدلفوا إليها من عرفات «1» و في صحيحة الآخر قال و في حديث إبراهيم عليه السلام ان جبرئيل عليه السلام انتهى الى الموقف و اقام به حتى غربت الشمس ثم أفاض به فقال: يا إبراهيم ازدلف الى المشعر الحرام فسميت مزدلفة «2».

2- باعتبار أنها أرض مستوية منكوسة لكون احدى معانيها في اللغة ذلك.

3- باعتبار مجي ء النّاس إليها في زلف من اللّيل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4.

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص:

10

و ان يؤخر المغرب و العشاء إلى المزدلفة (1)

(1) قد اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) فيه على قولين:

(الأول): استحباب تأخير صلاة المغرب و العشاء إلى المزدلفة و قد صرح بذلك بنو حمزة و إدريس و سعيد و الفاضل و غيرهم من الفقهاء بل هو معقد إجماع العلماء كافة في محكي التذكرة و تبعهم المصنف قدس سره.

(الثاني): وجوب تأخيرهما إلى المزدلفة و هو خيرة الشيخ على هو المحكي عن معظم كتبه و ابن زهرة بل في كشف اللثام حكايته عن ظاهر الأكثر و استدل للقول الأول- مضافا الى الإجماع- بالأخبار، منها:

1- صحيح هشام بن الحكم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس ان يصلي

______________________________

4- باعتبار انه يتقرب فيه الى اللّه قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار ما للّه تعالى منسك أحب الى اللّه تعالى من موضع المشعر الحرام و ذلك انه يدل فيه كل جبار عنيد «1».

و اما وجه تسمية تلك المكان بجمع فلما يأتي:

1- لأن آدم عليه السلام جمع في ذلك المكان بين صلاة المغرب و العشاء و يدل عليه قوله عليه السلام في رواية ابن ابي الديلم قال: سميت جمع لان آدم عليه السلام جمع فيها بين الصلاتين المغرب و العشاء «2».

2- لانه يجمع فيه بين المغرب و العشاء بأذان واحد و يدل عليه ما رواه الصدوق مرسلا عن النبي صلى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام انه انما سميت المزدلفة جمعا لانه يجمع فيها بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين «3».

3- ما قاله في الصحاح انه يقال المزدلفة جمع، لاجتماع الناس فيها.

______________________________

(1) ذكر في الجواهر.

(2) الوسائل ج 2 الباب 6

من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 7

(3) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 11

..........

الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة «1» و بإسناده عن يعقوب بن يزيد عن بن أبى عمير مثله الا انه حذف لفظ (المغرب).

2- خبر محمد بن سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يصلي المغرب و العتمة في الموقف؟ فقال: قد فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاهما في الشعب «2» 3- ما رواه احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن ربعي ابن عبد اللّه عن محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: عثر محمل أبى بين عرفة و المزدلفة فنزل و صلى المغرب و صلى العشاء بالمزدلفة «3».

و لكن يعارضها اخبار قد استدل بها على القول الثاني- منها:

1- مضمرة سماعة قال: سألته عن الجمع بين المغرب و العشاء الآخرة بجمع؟

فقال: لا تصليهما حتى تنتهي إلى جمع و ان مضى من الليل ما مضى، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمعهما بأذان واحد و إقامتين كما جمع بين الظهر و العصر بعرفات «4».

2- صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا تصل المغرب حتى تأتى جمعا و ان ذهب ثلث الليل «5».

و لكن يمكن ان يقال انه لا معارضة بينهما و ذلك لان الجمع العرفي يقتضي حمل الطائفة الثانية الظاهرة في وجوب التأخير على الاستحباب بقرينة نفى البأس الذي تضمنه صحيح هشام، لكونه نصا في الجواز و حكومة النص على الظاهر من اجلى الحكومات،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5.

(2)

الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4.

(3) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.

(4) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.

(5) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 12

..........

كما انه يرفع اليد عن ظهور (لا بأس) في الإباحة بقرينة قوله عليه السلام في مضمرة سماعة:

(لا تصليهما حتى تنتهي إلى جمع) لكونه نصا في رجحان الصلاة في المزدلفة و من المعلوم ان الجواز مع الرجحان هو الاستحباب.

فيما افاده المصنف «قدس سره» متين، و على فرض عدم تماميته فلا مجال للقول الثاني، لأن لازمه هو بطلان صلاته لو فعلها في الوقت في عرفة للنهي عنها المقتضى لفسادها، و من الواضح انه لا يمكن الالتزام به و لم يقل به أحد.

و لكن ظاهر كلام بعض الأصحاب موهم لتحريم الصلاة قبل المشعر، قال الشيخ في النهاية: (لا تصل المغرب و العشاء الآخرة الا بالمزدلفة و ان ذهب من الليل ربعه أو ثلثه فان عاقه عن المجي ء إلى المزدلفة الى ان يذهب من الليل أكثر من الثلث جاز له ان يصلي المغرب في الطريق و لا يجوز ذلك مع الاختيار).

و نحوه كلام بن ابى عقيل حيث قال بعد ان حكى صفة سيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «و أوجب بسنته على أمته ان لا يصلي أحد منهم المغرب و العشاء بعد منصرفهم من عرفات حتى يأتوا المشعر الحرام).

و نحو ذلك كلام الشيخ، في الخلاف، و قريب منه في الاستبصار حيث ذهب الى انه لا يجوز صلاة المغرب بعرفات ليلة النحر.

لكن يمكن ان يكون مراد الشيخ من قوله:

(لا يجوز) الكراهة لأنه كثيرا ما يطلق هذه العبارة على المكروه- كما أفاده العلامة «رحمه اللّه» في المختلف- فإذا لا يبقى المجال للمناقشة في جواز التقديم، كما ان ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه. بل ظاهر المنتهى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 13

و لو صار الى ربع الليل (1)

دعوى الإجماع عليه حيث قال: (لو تركت الجمع فصلّى المغرب في وقتها و العشاء في وقتها صحت صلاته و لا اثم عليه ذهب إليه علمائنا» نعم يحكم بالكراهة للاخبار الناهية المتقدمة بعد رفع اليد عن ظاهرها بقرينة الأخبار الدالة على الجواز، فيما ذكرنا ظهر لك انه لا مجال لحمل الأخبار الدالة على جواز التقديم على صورة العذر و القول بحرمة التقديم استنادا إلى النهي عنه الظاهر في الحرمة كما هو ظاهر في المنتهى حيث انه خص الأخبار الثّلاثة الأخيرة بصورة العذر على ما في الحدائق، و ذلك لما تقدم من عدم المعارضة بينهما بعد الجمع العرفي الحكم المذكور بينهما.

نعم على فرض ثبوت المعارضة و تمامية القول بكون موردها العذر لم يبق في البين معارض لما دل على التحريم من الاخبار و لكنه مع ذلك لا يمكن الالتزام بالحرمة لأن تسالم الأصحاب على الخلاف يصلح لأن يكون قرينة على رفع اليد عن ظاهرها فتحمل على الكراهة، فتدبر.

(1) يمكن ان يقال بجواز تأخير صلاة المغرب و العشاء إلى المزدلفة و لو صار الى ثلث اللّيل كما هو المحكي عن الأكثر، و منهم الفاضل في محكي ير و كرة و هي بل في الأخيرين إجماع العلماء عليه على ما في الجواهر و يدل عليه- مضافا الى ما ذكر- ذيل صحيح محمد بن مسلم المتقدم و هو قوله عليه السّلام (و ان

ذهب ثلث الليل) بل و ذيل مضمرة سماعة المتقدمة و هو قوله عليه السّلام: (و ان مضى من الليل ما مضى) و لعله أشار في محكي ف بما أرسله من انه روى الى نصف الليل كما أفاده صاحب الجواهر.

ثم انه قال في الجواهر: «و لعلّ المراد تأخيرهما إلى خوف فوات وقت الأداء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 14

و لو منعه مانع صلى في الطريق (1).

و ان يجمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين من غير نوافل بينهما و يؤخر نوافل المغرب الى ما بعد العشاء (2)

بعد تنزيل الربع و الثلث على الغالب»: و يقرب منه قول بن زهرة: «لا يجوز ان يصلي العشاء ان إلا في المشعر الا ان يخاف فوتهما بخروج وقت المضطر.» و ان كان فيه ما لا يخفى.

و في كشف اللثام: «و لعل من اقتصر على الربع نظرا الى اخبار توقيت المغرب اليه و حمل الثلث على ان يكون الفراغ من العشاء عنده» و فيه: (ان المصنف ممن لا يرى ذلك».

(1) لا إشكال في انه لو منعه مانع عن الوصول الى المشعر قبل فوات الوقت يتعين عليه ان يصلي في الطريق و هو المتسالم عليه بين الأصحاب «رضوان اللّه عليهم»

(2) الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل الخلاف من أحد منهم و قد ادعى عليه الإجماع- و يدل على ذلك جملة من النصوص المروية عنهم «عليهم السلام»- منها:

1- خبر عبد اللّه بن مسكان عن عنبسة بن مصعب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة؟ فقال: صلها بعد العشاء الآخرة أربع ركعات «1».

2- صحيح منصور بن حازم عن أبى عبد اللّه

عليه السلام قال: صلاة المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين و لا تصل بينهما شيئا و هكذا صلى رسول اللّه «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 15

..........

3- ما رواه بن أبى عمير عن معاوية و حماد عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا فصل بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان و إقامتين «1» و نحوها غيرها من الاخبار.

ثم ان تنقيح البحث يتوقف على ذكر أمور: الأول- ان ظاهر بعض الاخبار المتقدمة و ان كان وجوب الجمع بين صلاة المغرب و العشاء و الإتيان بهما في جمع، لظهور النهى عن الإتيان بصلاة المغرب إلا في جمع ذلك الا انه ترفع اليد عنه لأجل تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه و اما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه لعدم منافاة التسالم المزبور له كما لا يخفى.

الثاني- انه تقع المعارضة بين الاخبار المتقدّمة الدالة على النهي عن الإتيان بالنوافل بينهما و بين ذيل ما رواه بن ابى عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابان بن تغلب قال: صليت خلف ابى عبد اللّه عليه السّلام المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة و لم يركع فيما بينهما ثم صليت خلفه بعد ذلك سنة فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات «2» قال في الجواهر: «و احتمال كون الثانية في غير المزدلفة كما ترى، نعم الظاهر ارادة بيان الجواز منه و ان كان الفضل في الأول و ليس هو من قضاء النافلة

وقت الفريضة و ان كان الأقوى جوازه بناء على امتداد وقتها بامتداد وقت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 16

[و أما الكيفية]
اشارة

و أما الكيفية

[فالواجب]

فالواجب النية و الوقوف بالمشعر وحده ما بين المأزمين [1] إلى الحياض إلى وادي محسر (1)

المغرب و ان استحب تأخيرها عن العشاء و انها لا تخرج وقتها بذهاب الشفق».

الثالث- ان للعلامة في المقام أقوالا:

1- الجمع بين المغرب و العشاء بإقامتين.

2- الجمع بينهما بأذان واحد و اقامة واحدة.

3- الجمع بأذان واحد و إقامتين.

4- ان جمع بينهما في وقت الأولى فكما قلنا و الا فباقامتين مطلقا أو إذا لم يرج اجتماع النّاس و الا اذّن.

5- اقامة للأولى فقط و الجميع منها سوى الثّالث الّذي اخترناه باطل، لما عرفته من الأخبار.

(1) ما افاده المصنف «قدّس سرّه» من وجوب النّية و الوقوف بالمشعر ممّا

______________________________

[1] المأزمان «بكسر الزاء و الهمزة و يجوز التخفيف بالقلب ألفا» الجبلان بين عرفات و المشعر.

و عن الجوهري: «المأزم بالهمزة الساكنة ثم كسر الزّاء المعجمة» كل طريق ضيّق بين جبلين و منه سمّي الموضع الذي بين جمع و عرفة مأزمين».

و في القاموس: «المأزم- و يقال المأزمان- مضيق بين جمع و عرفة و آخر بين مكّة و منى، و ظاهرهما أن المأزم اسم لموضع مخصوص و ان كان بلفظ التثنية».

و في رواية عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: يوكل اللّه عز و جل ملكين بمأزمي عرفة فيقولان سلم سلم «1». و في رواية سعيد الأعرج عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: ملكان يفرجان للناس ليلة مزدلفة عند المأزمين الضيّقين «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 17

..........

لا اشكال فيه، و هو المعروف بينهم فلو وقف بالمشعر

بلا نية أصلا بطل، انما الكلام في حدّه و المعروف بين الفقهاء انه ما بين المأزمين إلى وادي محسر كما افاده المصنف «قدّس سرّه» بل قد نفى الخلاف عنه، بل في المدارك هو مجمع عليه بين الأصحاب، و يدل عليه جملة من النصوص المروية عنهم «عليهم السلام» في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: حدّ المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر «1».

2- صحيح زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام انه قال للحكم بن عتيبة: ما حد المزدلفة فسكت؟. فقال أبو جعفر عليه السّلام: حدها ما بين المأزمين إلى الجبل الى حياض محسّر «2».

3- ما رواه عبد اللّه بن مسكان عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: حدّ المزدلفة من وادي محسّر إلى المأزمين «3».

4- ما رواه ابى علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمّار عن ابى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن حد جمع؟ فقال: ما بين المأزمين إلى وادي محسّر «4».

ينبغي التّنبيه على أمرين: الأول- ان تعيين ما بين المأزمين إلى وادي محسّر الّذي يكون الوقوف فيه واجبا و مجزيا لا يمكن إلا باخبار أهل الخبرة القاطنين في تلك الحدود أو التّواتر الموجب

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 18

و لا يقف بغير المشعر (1). و يجوز مع الزحام الارتفاع الى الجبل (2)

للقطع و مع

الشك يجب القصر على المتيقن لان اشتغال الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني و الوقوف في المشكوك الموقفية كما ذكرنا في الوقوف بعرفات يوجب الشك في الامتثال و انطباق المأمور به على المأتي به الذي لا شبهة في مرجعية قاعدة الاشتغال فيه.

الثاني- ان المراد بالوقوف هو مطلق الكون في المشعر فلا يعتبر فيه نحو مخصوص بل كيف ما أنفق سواء كان قائما أم قاعدا جالسا أو راكبا كما ذكرناه في الوقوف بعرفات لصدق الوقوف بالمعنى المذكور على جميع الحالات المزبورة.

(1) يعني لا يجزي الوقوف بغير المشعر اختيارا أو اضطرارا هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و قد نفى عنه الخلاف و الاشكال و ادعى عليه الإجماع في الجواهر.

(2) لا ينبغي الإشكال في ذلك و في الجواهر بعد ما ذكر كلام الماتن قال: (كما عن الفقيه و الجامع و هي و كرة بل لا أجد فيه خلافا. بل في ك هو مقطوع به في كلام الأصحاب بل عن الغنية الإجماع عليه. إلخ) و يدل عليه خبر سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إذا كثر الناس بجمع و ضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين «1» هذا مما لا كلام فيه انما الكلام في انه هل يجوز الارتفاع الى الجبل في غير حال الضرورة أم لا جوز الشهيد و غيره الارتفاع الى الجبل اختيارا مع الكراهة قال في الدروس: (و يكره الوقوف على الجبل إلا لضرورة) على ما نقل صاحب الجواهر بل قد صرح القاضي في المحكي عنه بوجوب ان لا يرتفع اليه الا لضرورة و كذا عن أبي زهرة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الوقوف بالمشعر: الحديث 1

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 19

..........

و لكن لا يخفى ما فيه من المناقشة و الاشكال و ذلك لقوله عليه السّلام في صحيح زرارة المتقدّم «حدّها ما بين المأزمين إلى الجبل الى حياض الى محسّر» «1» لان الظّاهر منه هو جعل الجبل من حدود المشعر الخارجة عن المحدود، فعليه لا يجزى الوقوف فيه. نعم، يمكن ان يكون مراده «قدّس سرّه» من الجبل غير المأزمين و انما هو جبل في خلال المشعر لا من حدوده خصوصا بعد قوله «و الظاهر ان ما أقبل من الجبال من المشعر دون ما أدبر منها» و لا ريب في خروج القنة عما أقبل منها كما افاده صاحب الجواهر.

ثم انه ينبغي التنبيه علي أمر و هو انه يقع التهافت بين خبر سماعة المتقدم الدّال على جواز الارتفاع على الجبل اي المأزمين عند الزّحام و بين غيره مما دل على خروج المأزمين عن المشعر و عدم جواز الوقوف فيه و لكن لا تهافت بينهما و ذلك لإمكان القول بان المراد من قوله عليه السّلام: «يرتفعون إلى المأزمين» هو الانتهاء إليهما من غير صعود عليهما.

و يمكن تأييد ذلك بإتيانه ب (الى) دون (على) و من المعلوم ان الالتزام بمقتضى ظاهر ما دل عليه خبر سماعة من جواز الوقوف عند الزّحام في خارج المشعر و هو الوقوف على الجبل مشكل، لما يستفاد من الاخبار ان الوقوف بالمشعر من الأركان و له أهمية فكيف يمكن الالتزام بجواز تركه بمجرد الضّيق و كثرة الناس، فعليه يمكن القول بان المراد من قوله عليه السّلام فيه: «يرتفعون إلى المأزمين» الوقوف الى جنب الجبل فلا يكون في خارج المشعر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 20

و لو نوى الوقوف ثم نام أو جن أو أغمي عليه صح وقوفه و قيل لا و الأول أشبه (1)

و يؤيد ذلك ايضا من قولهم بكراهة الوقوف المذكور اختيارا لانه لو كان المراد الوقوف في خارج المشعر كان ذلك منافيا للقول بالركنية.

و اما الوجه في كراهة ذلك فلأجل ما يشعر به موثق سماعة من اختصاص ذلك بحال الضرورة فتدبر.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لا ينبغي الإشكال في ذلك، لان الركن من الوقوف- كما افاده غير واحد من الأصحاب- هو مسماه الذي يحصل بآن يسير بعد النية و ليس الوقوف من بعد طلوع الفجر من ليلة النحر الى طلوع الشمس من قبيل الواجبات الارتباطية التي يبطل الواجب بالإخلال بترك بعضها عمدا بل يكون ما عدا الركن واجبا نفسيا فلو تركه في جزء من الوقت لا يبطل الوقوف و لا الحج و لذا لا يمكن الحكم ببطلان حج من أفاض قبل طلوع الشمس عمدا فضلا عمن خرج عن التكليف بما يوجب خروجه عنه و لم يخالف أحد صريحا في هذا الحكم، و لم نعرف القائل بالخلاف. نعم، ذكر الشيخ في المبسوط عبارة مقتضاها اعتبار الإفاقة من الجنون و الإغماء في الموقفين. ثم قال: «و كذلك حكم النوم سواء و لكن الاولى ان نقول يصح منه الوقوف بالموقفين و ان كان قائما لأن الغرض هو لزوم الكون في الموقف لا الذكر أو اشتغاله بعمل و ليس في كلام الشيخ «رحمه اللّه» دلالة على عدم صحة الوقوف إذا عرض أحد هذه الاعذار بعد النية كما هو المنقول في العبارة» فالتحقيق هو صحة وقوفه إذا أدرك المسمى و البطلان

بدونه كما افاده الشهيد في الدروس و غيره قال:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 21

و ان يكون الوقوف بعد طلوع الفجر فلو أفاض قبله عامدا بعد ان كان به ليلا و لو قيل لم يبطل حجه إذا كان وقف بعرفات و جبره بشاة (1)

(خامسها اي الواجبات السلامة من الجنون و الإغماء و السكر و النوم في جزء من الوقت) فظهر انه لو جن أو أغمي عليه أو نام بعد حصول مسمى الوقوف يحكم باجزائه و هذا بخلاف ما إذا كان مستوعبا فحينئذ يحكم ببطلان وقوفه و ذلك لفوات النية المعتبرة فيه.

و من هنا ظهر ضعف ظاهر إطلاق ما تقدم في مبحث الوقوف بالعرفة من كفاية وقوف النائم قياسا بما إذا نام الصائم قبل الفجر فتدبر.

(1) وجوب كون الوقوف للرجل المختار بعد طلوع الفجر هو المعروف بين الفقهاء «قدس سرهم» بل في الجواهر: (بل خلاف أجده فيه، بل في المدارك و الذخيرة و كشف اللثام و عن غيرها: الإجماع عليه. إلخ) و استدل له- مضافا الى ما ذكر- بصحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر فقف إن شئت قريبا من الجبل و ان شئت حيث شئت فإذا وقفت فاحمد اللّه عز و جل و أثن عليه، و اذكر من آلائه و بلائه و ما قدرت عليه، و صلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثم ليكن من قولك (اللّهمّ رب المشعر الحرام فكّ رقبتي من النّار و أوسع عليّ من رزقك الحلال، و ادرأ عني شر فسقة الجنّ و الانس، اللهم أنت خير مطلوب اليه و خير مدعو و خير مسؤول، و لكل وافد

جائزة، فاجعل جائزتي في موطني، هذا ان تقيلني عثرتي، و تقبل معذرتي و ان تجاوز عن خطيئتي، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي، ثم أفض حيث يشرق لك ثبير و ترى الإبل موضع أخفافها «1» حيث جعل فيه- كما ترى- وقت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 22

..........

الوقوف من بعد الفجر. و بمرسل جميل بن دراج عن أحدهما عليه السّلام قال: لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان خائفا «1» لأنه كما ترى دل بالمفهوم على ثبوت البأس مع عدم الخوف و استفادوا مما ذكر عدم كون الوقوف الليلي داخلا في الوقوف الاختياري، خلافا للمحكي عن الدروس، حيث انه جعل الوقت الاختياري ليلة النحر الى طلوع الشمس، و نسبه بعضهم الى ظاهر الأكثر نظرا الى حكمهم بجبره الإفاضة قبل الفجر بدم شاة فقط و بصحة الحج لو أفاض قبله. ناقش فيه صاحب المستند فيه بقوله: «و فيه ان الجبر بالدم لو لم يكن قرينة على تحريم الإفاضة لم يشعر بجوازه و لو لم يذكر غيره بل هو بنفسه كاف في الإشعار بعدم الجواز عند الأكثر و صحة الحج مع الإفاضة لا ينافي الإثم مع ان في الصحة كلاما يأتي و يشبه ان يكون النزاع لفظيا فيكون مراد من جعل ما بين الطلوعين خاصة الوقت الاختياري ما يحرم ترك الوقوف فيه و من ضم معه قبل الفجر أراد ما يوجب تركه عمدا بطلان الحج. إلخ).

و لكن يمكن الاستدلال لهذا القول بأمور:

الأول- إطلاق رواية مسمع عن أبي إبراهيم «عبد اللّه خ ل» عليه السّلام في رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل ان يفيض

الناس قال: ان كان جاهلا فلا شي ء عليه و ان كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة «2» و هو كما ترى لم يذكر فيه لزوم اعادة الرجوع و الحج و لو كان كذلك لكان عليه البيان كما بين الكفارة فمقتضى إطلاقه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 23

..........

عدم لزوم الرجوع و صحة حجه.

الثاني- صحيحة هشام بن سالم و غيره عن أبى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به و التقدم من مزدلفة إلى منى يرمون الجمار و يصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس «1».

الثالث- إطلاق الاخبار بان من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج، و نوقش في الأول:

أولا- بأنه ضعيف سندا، لاشتماله على سهل بن زياد و هو عامي، و بان راويها و هو مسمع غير موثق.

نعم روى بن بابويه في من لا يحضره الفقيه هذه الرواية بطريق صحيح عن علي ابن رئاب عن مسمع، فينتفي الطعن الأول، و يبقى الباقي على ما افاده صاحب المدارك «قدس سره».

و ثانيا- بان عدم الذكر لا يدل على العدم و لذا سكت في اخبار الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس من العود و اكتفى بذكر الكفّارة فقط- كما مر- مع وجوبه.

و في الثاني- بكونه أعم مطلقا مما مر، لاختصاص ما مر بغير المضطر، فيجب التخصيص به.

و في الثالث- بأن إدراك الحج بشي ء لا ينافي وجوب غيره ايضا مع انه ايضا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر

الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 24

..........

كالثاني أعم مطلقا مما مر. نعم روى علي بن عطية قال: أفضنا من المزدلفة بليل أنا و هشام بن عبد الملك الكوفي و كان هشام خائفا فانتهيا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر، فقال لي هشام: أي شي ء أحدثنا في حجتنا فنحن كذلك، إذ لقينا أبو الحسن موسى عليه السّلام و قد رمى الجمار و انصرف فطابت نفس هشام «1» الا انها قضية في واقعة فلعله عليه السّلام كان ذا عذر- من خوف و غيره- مع ان المراد ادراك الوقوف الشرعي و كونه وقوفا شرعيا ممنوع.

و تفصيل الكلام في هذه المسألة و هي كون الوقوف الليلي داخلا في الوقوف الاختياري أولا، هو انه قد استدل على عدم دخوله فيه بصحيح معاوية المتقدم، لقوله عليه السّلام فيه: «أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر. إلخ» لدلالته على ان وقت الوقوف من بعد طلوع الفجر الا ان يناقش فيه بأنه و ان دل على وجوب الوقوف من بعد الفجر الا انه ليس له مفهوم حتى يدل على عدم وجوب الوقوف في الليل الا ان يقال انه يدل على المفهوم، لكونه في مقام تحديد وقت الوقوف، و من المعلوم دلالة التحديد على المفهوم كما لا يخفى. و بما دل على التفصيل بين الخائف و غيره في الحكم بجواز الإفاضة ليلة النحر للخائف دون غيره كمرسل جميل المتقدم. و ما رواه سهل بن زياد عن احمد بن محمد عن علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام قال: أي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا فلا بأس فليرم الجمرة ثم ليمض «2» و بما دل التفصيل بين النساء و الضعفاء

و الصبيان و غيرها الدالة على جواز الإفاضة لهم في ليلة النحر- و سنذكرها في الفرع

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 25

..........

الآتي ان شاء اللّه تعالى- و كيف كان فيما ان التفصيل قاطع للشركة يستدل بالتفصيل. على ان وقت الوقوف الواجب للرّجل المختار من بعد الفجر من ليلة النّحر و لغيره من اللّيل.

الا ان يناقش فيه بان ظاهر الاخبار هو التفصيل في وجوب البقاء الى طلوع الشّمس لا في وقت الوقوف الذي يكون مسمّاه ركنا فتدل على وجوب البقاء في المشعر للرجل المختار الى قبيل طلوع الشمس و جواز الإفاضة لمن رخّص له قبل طلوع الفجر، فالفرق بينهما ليس في آن وقت الوقوف الذي يكون مسماه ركنا بل الفرق بينهما هو ان من رخّص له الإفاضة قبل الفجر لم يعص بإفاضته و ليس عليه الكفّارة و هذا بخلاف من لم يرخّص له الإفاضة- كالّرجل المختار- فإنه إذا أفاض قبل الفجر عصى و عليه الكفّارة، كما يدل على ذلك ما رواه محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن علي بن رئاب عن مسمع عن أبي إبراهيم (عبد اللّه خ ل) عليه السّلام: (في رجل وقف مع النّاس بجمع ثم أفاض قبل ان يفيض الناس؟ قال: ان كان جاهلا فلا شي ء عليه و ان كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة «1» و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب- و هو كما ترى-

لم يذكر فيه لزوم اعادة الحج و لو كان كذلك لكان عليه البيان كما حكم بثبوت الكفّارة فمقتضى إطلاقه صحة حجه و يدل على ما ذكر أيضا بدلالة أقوى ما رواه محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 26

..........

علي بن رئاب ان الصادق عليه السّلام قال: من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة «1» فان عدم الحكم بلزوم الإعادة و بطلان الحج مع الترك العمدي و الاقتصار على البدنة كاشف عن عدم اختصاص الوقت الاختياري للوقوف بما بعد طلوع الفجر فالوقوف الليلي كاف في الصحة غايته ان الوقوف فيما بعد طلوع الفجر واجب نفسي يوجب تركه الكفارة لا بطلان الحج.

و بالجملة: مقتضى الجمع بين الاخبار هو ان الوقوف الليلي داخل في الوقوف الاختياري اعني ان وقت الوقوف الذي يكون مسماه ركنا للمختار و هو من أول الليل الى قبيل طلوع الشمس.

لكن ذلك انما يكون مع قطع النظر عن خبر ابى بصير و هو قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك ان صاحبي هذين جهلا ان يقفا بالمزدلفة فقال: يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة، قلت: فإنه لم يخبرهما أحد حتى كان اليوم و قد نفر الناس؟ قال:

فنكس رأسه ساعة، ثم قال: أ ليسا قد صليا الغداة بالمزدلفة؟ قلت: بلى. قال: أ ليس قد قنتا في صلاتهما؟ قلت: بلى قال: تم حجهما. ثم قال: و المشعر من المزدلفة و المزدلفة من المشعر و انما يكفيهما اليسير من الدعاء «2» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن

يعقوب و كذا الذي قبله. و اما بالنظر اليه فيكون المقتضى الجمع بين الاخبار هو التفصيل بين من رخص له في الإفاضة من المشعر قبل طلوع الفجر و من لم يرخص له في ذلك فمن لم يرخص

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 27

..........

له في الإفاضة قبل طلوع الفجر و هو الرجل المختار يكون وقت الوقوف الذي يكون مسماه ركنا له هو ما بعد طلوع الفجر دون ما قبله و لكن كونه في المشعر في تمام الليل واجب عليه و اما من رخص له ذلك فمسمى الوقوف بالليل يجزيه و ذلك حيث انه ترى قد علق في هذا الحديث صحة حج هذا الجاهل المقصر الذي هو كالعامد على إتيان صلاة الغداة بالمزدلفة فحصل الوقوف بمقدار الصلاة و على انه قنت و دعا فحصل مسمى الدعاء فيعلم منه انه لولا إدراكه الوقوف بعد الفجر لما صح حجه و هو الوقت الذي يكون مسماه ركنا لمكان تعليقه عليه السّلام صحة الحج على ما عرفت و لم يقل: «أ ليسا قد صليا المغرب و العشاء بالمزدلفة» فيدل على بطلان حجه إذا أفاض قبل الفجر فلا بد بواسطة هذا الحديث ان ترفع اليد عن إطلاق خبر مسمع و علي بن رئاب المتقدم الدال على عدم بطلان حجه إذا أفاض قبل الفجر من جهة اقتصاره على الكفارة دون الإعادة الا ان يحمل هذا الحديث على التقية بقرينة سكوت الامام عليه السّلام عن الجواب بساعة فلعل الامام عليه السّلام كان في مجلس التقية فسكت عن الجواب ساعة كي يفهم

أبا بصير صدوره تقية، إذ التصريح بذلك كان مظنة أن ينقله الى صاحبيه. فعليه يتم الجمع المتقدم و هو كون الوقوف الليلي داخلا في الوقوف الاختياري و كون درك مسماه مجزيا، فبناء عليه ظهر ضعف ما ذهب إليه الحلي و ظاهر الخلاف من بطلان الحج إذا أفاض ليلة النحر باعتبار فوات الركن عمدا الذي هو الوقوف بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس و لو في جزء منه، و ذلك ضرورة كون المدار في الركن على ما يستفاد من الاخبار الواردة في المقام و قد عرفت ان الثابت منها مع غض النظر عن خبر ابي بصير و حمله على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 28

..........

التقية هو البطلان بترك المسمى عمدا في ليلة النحر الى طلوع الشمس و لا ينافي ما ذكر الحكم بوجوب الوقوف بعد طلوع الفجر لكونه واجبا غير ركني و لا ملازمة بينهما كما لا يخفى.

و ظهر ايضا بما ذكرناه ضعف ما في المدارك و هو (ان مجرد الحكم بوجوب الوقوف بعد الفجر كاف في عدم تحقق الامتثال بدون الإتيان به الى ان تثبت الصحة مع الإخلال به من دليل خارج، و ذلك لحسن مسمع المتقدم الدال على الصحة و احتمال كون المراد به بيان حكم الجاهل المفيض بعد طلوع الفجر و قبله فيكون حينئذ من مسألة ذي العذر لا داعي له بعد ثبوت الفتوى على طبق ظاهره.

مضافا الى ان من له عذر لا جبر عليه بشي ء. نعم، قد يقال بعدم دلالته على التقييد الذي أفاده المصنف «قدس سره» في المتن فيصح حجه و ان لم يكن قد وقف بعرفات قال صاحب الجواهر: الا ان الإنصاف عدم خلّوه عن ظهور في ذلك لا

أقل من ان يكون غير متعرض فيه للحكم من غير الجهة المذكورة فيبقى ما يقتضي بفساده مما دل على وجوب وقوف عرفة و انه الحج بحاله.

ثم انه ينبغي هنا التنبيه على أمرين: الأول- انه ينافي ما دل على وجوب المبيت في المشعر ليلة النحر ما يدل على جواز الإفاضة من المشعر قبل طلوع الشمس، و هو صحيح هشام بن سالم المتقدم، حيث انه جعل في هذا الحديث التقدم من مزدلفة مقابلا للتقدم من منى و لما كان التقدم من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 29

..........

منى جائزا اختيارا فيتضح بقرينة المقابلة ان المقصود هو التقدم عن المزدلفة اختيارا فعليه لا يمكن الجمع بينهما بان يقال ان المقصود فيه هو التقدم من مزدلفة لعذر، و حمله الشيخ على المعذور فنحمله عليه تورعا عن الطرح الا ان يقال: ان المقصود هو التقدم بعد طلوع الفجر.

الثاني- ان ما ذكرنا من الاكتفاء بالوقوف في جزء من ليلة النحر مع الجبر بشاة إذا كان قد أفاض قبل طلوع الفجر غير مسألة وجوب المبيت ضرورة: إمكان القول بذلك و ان لم نقل بوجوبه- كما افاده صاحب الجواهر- فعليه يحكم بكفاية الوقوف ليلا ثم الإفاضة فيه، مضافا الى انه يمكن الاستدلال على وجوبه بما افاده صاحب الجواهر من وجوه:

الأول- التأسي. و لكن فيه ما لا يخفى.

الثاني- قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (و يستحب للضرورة ان يقف على المشعر و يطأ برجله و لا يتجاوز الحياض ليلة المزدلفة) «1» و يمكن المناقشة فيه:

أولا- بإمكان عطف قوله (و لا يجاوز) على قوله: (يقف) فيكون مستحبا و ثانيا- ان عدم التجاوز عن الحياض أعم من المبيت في الموقف.

و ثالثا- الى احتماله. النّهي

عن الإفاضة قبل الفجر لأجل كونه ملازما لترك الوقوف الواجب بعد الفجر كما لا يخفى.

و أما المناقشة فيه بأن جملة الخبرية لا تفيد الوجوب ففيه ما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 صدره في الباب 7 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 و ذيله في الباب 8 الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 30

..........

الثالث- خبر عبد الحميد بن ابى الديلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمي الأبطح أبطح لأن آدم عليه السّلام أمر ان يتبطح في بطحاء جمع فتبطح حتى انفجر الصبح ثم أمر ان يصعد جبل جمع و امره إذا طلعت الشمس ان يعترف بذنبه ففعل ذلك فأرسل اللّه قارا من السماء فقبضت قربان آدم «1».

الرابع- ما في ذيل صحيح معاوية بن عمار المتقدم: «ثم أفض حين تشرق لك ثبير و ترى الإبل موضع أخفافها».

الخامس- الأخبار الآمرة بأخير الصلاتين إليها و الإتيان بهما فيهما و لكن قد عرفت عدم بقاء تلك الأوامر على الحقيقة.

السادس- مفهوم مرسل جميل لا بأس ان يفيض الرجل إذا كان خائفا «2» و ناقش فيه صاحب المستند بان عدم الإفاضة أعم من المبيت فيه فيقدم فيه لدرك الوقت الاختياري.

و لكن يمكن الاستدلال على عدم وجوب المبيت فيه بوجوه:

الأول- الأصل و فيه: انّه مقطوع بما عرفت من الاخبار.

الثاني- قوله عليه السّلام في صحيح هشام المتقدم «و المتقدم من المزدلفة إلى منى يرمون الجمار و يصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس». و فيه انه محمول على حال الضرورة لأنه لم يعلموا بظاهرها فلا يمكن إثبات المدعى به مطلقا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث

1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 31

..........

الثالث- قوله عليه السّلام في ذيل حسن مسمع المتقدم و هو: «ان كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» و فيه انه و ان دل على الاجراء مع تركه المبيت فيه عمدا الا انه مع الإثم بقرينة ما فيه من الجبر بشاة. هذا بناء على ثبوت الملازمة بين الكفارة و الحرمة، فيما ذكرنا يظهر ضعف ما أفاده العلامة «رحمه اللّه تعالى» في التذكرة من عدم وجوب المبيت و كذا ما افاده صاحب المستند.

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- انه قد ظهر مما ذكرنا ان وقوفه بالمزدلفة يتصور على أنحاء لأنه تارة يقف فيها ليلا الى ما بعد طلوع الفجر و اخرى: يقف فيها بعد طلوع الفجر خاصة و ثالثة:

يقف فيها ليلا فقط اما النحو الأول: فلا ينبغي الارتياب في اجزائه لحصول الركن من الوقوف حينئذ كما لا يخفى. و اما النحو الثاني: فكذلك و ان أثم بعدم المبيت فيها ليلا بناء على وجوبه و الا فلا اثم في البين كما لا يخفى و اما النحو الثالث: فكذلك لكن اثم بعدم وقوفه بعد الفجر بل اثم بعدم المبيت تمام الليل بناء على وجوبه مع الغض عن خبر ابى بصير الثاني- قال صاحب الجواهر: «لا يخفى عليك ان الاجتزاء بمسمى الوقوف ليلا يستلزم كونه واجبا إذ احتمال استحبابه مع اجزائه عن الواجب بضم الجبر بشاة مناف لقاعدة عدم اجراء المستحب بلا داع و يناقش في تمامية القاعدة لعدم العلم بمقدار الملاك الثابت للمستحب و الواجب حتى يحكم بعدم الاجزاء فيما إذا وقف في المزدلفة ليلا و قلنا باستحباب المبيت من جهة اقلية الملاك» لكن هذه المناقشة مندفعة بان عدم الاجراء

ليس لعدم العلم بمقدار ملاك الواجب بل لكون الشك في الفراغ بعد العلم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 32

..........

بالشغل المقتضي للعلم بفراغ الذمة فالقاعدة المزبورة محكمة إلا إذا ثبت من الخارج تخصيصها كما لا يخفى.

الثالث- قال: «ان الاجتراء به عن الوقوف بعد طلوع الفجر من حيث الركنية مشروط بحصول النية و الا كان كتارك الوقوف بالمشعر كما صرح به في المسالك لكن أشكله سبطه بان الوقوف لغير المضطر و ما في معناه انما يقع بعد الفجر، فكيف تتحقق نيته ليلا، و هو كما ترى، ضرورة: بناء ذلك على حصول الركنية بالوقوف ليلا و ان وجب مع ذلك الوقوف بعد طلوع الفجر، لكنه ليس بركن بمعنى عدم بطلان الحج بتركه عمدا».

الرابع- قال في الجواهر و في المسالك: «إن لم نقل بوجوبه اي المبيت فلا إشكال في وجوب النية للكون عند الفجر و ان أوجبنا المبيت فعدم النية عنده ففي وجوب تجديدها عند الفجر نظر» و يظهر من الدروس عدم الوجوب و ينبغي ان يكون موضع النزاع ما لو كانت النية للسكون به مطلقا اما لو نواه ليلا أو نوى المبيت كما هو الشائع في كتب النيات المعدة لذلك فعدم الاجزاء بها عن نية الوقوف نهارا صحة لأن الكون به ليلا و المبيت عنده مطلقا لا يتضمنان النهار فلا بد من نية أخرى و الظاهر ان نية الكون به عند الوصول كافية عن النية نهارا لانه فعل واحد الى طلوع الشمس كالوقوف بعرفة و ليس في النصوص ما يدل على خلاف ذلك».

و ناقش فيه صاحب الجواهر بقوله: «إذ عدم الوجوب بخصوصه لا ينافي الاجتزاء به باعتبار كونه أحد أفراد الوقوف لو حصل كما ان الوجوب بخصوصه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 33

..........

لا يقتضي الإجزاء بالنيّة الواحدة مع فرض وجوب الكون من طلوع الفجر الى طلوع الشمس بخصوصه على وجه يكون فعلا مستقلا كما هو الظّاهر من نصّهم عليه بالخصوص و منه يعلم ما في قوله و الظاهر. إلخ كقوله فيها ايضا الى ان قال و إطلاق المصنف الاجتزاء بذلك مع جعله الوقوف الواجب بعد طلوع الفجر لا يخلو من تكلّف بل يستفاد من اجتزائه كذلك كونه واجبا لان المستحب لا يجزى عن الواجب. إلخ الا ان يقال لا مانع منه، لعدم السّبيل الى كشف اقليّة ملاك المستحب عن الواجب» لكن قد عرفت ما فيه.

الرابع- انه يستفاد من قول المصنّف: «إذا كان قد وقف بعرفات» ان الوقوف بالمشعر ليلا ليس اختياريا محضا، و الا لأجزأ و ان لم يقف بعرفة إذا كان الترك على غير وجه العمد، و في الجواهر: «و على ما اخترناه من اجزاء اضطراري المشعر وحده يجزي هنا بطريق أولى لأن الوقوف اللّيلي للمشعر فيه شائبة الاختيار للاكتفاء به للمرأة اختيارا و للمضطرّ و للمتعمّد مطلقا مع جبره بشاة و الاضطراري المحض ليس كذلك، إذ قد عرفت ان المراد من التفريع بيان الإثم و عدم الاجتزاء به لعدم ظهور في الدليل و ليس المدار على كونه وقوفا اختياريا كي يستتبع الاجزاء بل في المدارك المناقشة في الأولوية المزبورة و خبر مسمع ظاهر فيمن أدرك مع ذلك عرفة، إذ لا تعرض فيه للجهة المزبورة كما ان المنساق من قوله عليه السّلام «من أدرك جمعا فقد أدرك الحج» ادراك وقت الاختياري منها، كما تقدم بعض الكلام في ذلك.»

ثم انه بعد ما ذكر صاحب المدارك «قدس سره» ما ذكره المصنف

نقل كلام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 34

..........

الشارح و هو: «و على ما اخترناه من اجزاء اضطراري المشعر وحده يجزى هنا بطريق أولى لأن الوقوف الليلي بالمشعر. إلخ» الى ان قال: و يمكن المناقشة فيه بان الاجتزاء باضطراري المشعر انما يثبت بقوله في صحيحة جميل بن دراج: «من أدرك المشعر الحرام يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج» «1» و نحو ذلك و لا يلزم من ذلك بالوقوف الليلي مطلقا، و رواية مسمع المتضمنة للاجتزاء بالوقوف الليلي لا تدل على العموم إذ المتبادر منها تعلق الحكم على من أدرك عرفة نعم قوله: «من أدرك جمعا فقد أدرك الحج» عام فيمكن الاستدلال بعمومه على موضع النزاع الا ان المتبادر من الإدراك تحققه في آخر الوقت لا في قبله أو في اوله» و ستعرف المختار في اجزاء اضطراري المشعر و عدمه في ذيل المبحث ان شاء اللّه تعالى.

الخامس- ان المعروف بين الأصحاب هو ان القدر الواجب من الوقوف هو ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس من يوم النحر مستوعبا له و لكن الركن منه مسماه و الباقي واجب غير ركن كما عرفته سابقا لكن في محكي السرائر: «و يستحب للصرورة أن يطأ المشعر برجله و ان كان الوقوف واجبا ركنا من أركان الحج عندنا من تركه متعمدا فلا حج له و أدناه أن يقف بعد طلوع الفجر اما قبل صلاة الغداة أو بعدها بعد ان يكون قد طلع الفجر الثاني و لو قليلا و الدعاء و ملازمة للموضع الى طلوع الشمس مندوب غير واجب» و لكن يمكن ان يريد ندبية الملازمة لموضع الوقوف حال الدعاء لا الخروج عن المشعر رأسا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب

23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 35

و يجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة و من يخاف على نفسه من غير جبران (1).

و كيف كان فيمكن الاستدلال على عدم وجوب استيعاب الوقوف ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس من يوم النحر- مضافا الى الأصل و إطلاق الأدلة- بوجهين:

1- قوله عليه السّلام في صحيح هشام بن الحكم: «لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس» «1» الدال على النهي عن تجاوز وادي محسر قبل طلوع الشمس.

2- قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: «ثم أفض حين تشرق لك ثبير و ترى الإبل موضع أخفافها.» «2» حيث ان الظاهر إرادة الاسفار من الإشراق فيه بقرينة قوله عليه السّلام فيه: «ترى الإبل موضع أخفافها» الذي لا يعبر بذلك عن بعد طلوع الشمس فتدبر.

السادس- انه يجب في الوقوف ان يكون ناويا له مقارنا بها لأوله نحو ما مر في سائر المناسك.

(1) جواز الإفاضة للمرأة و كذا من يخاف على نفسه من المشعر الحرام قبل الفجر مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في المدارك: «هو مجمع عليه بين الأصحاب. بل في محكي هي: «يجوز للخائف و النساء و لغيرهم من أصحاب الاعذار، و من له ضرورة الإفاضة قبل طلوع الفجر من المزدلفة، و هو قول كل من يحفظ عنه العلم». و يدل عليه جملة من النصوص المروية في هذا المقام- منها:

1- ما رواه سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 5

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 36

..........

معنا نساء فأفيض بهنّ بليل؟ فقال: نعم تريد ان تصنع كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟

قلت: نعم قال: أفض بهنّ بليل، و لا تفض بهنّ حتى تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى، فترمين الجمرة، فان لم يكن عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهنّ، و يقصرن من أظفارهن، و يمضين إلى مكّة في وجوههن، و يطفن بالبيت، و يسعين بين الصّفا و المروة، ثم يرجعن الى البيت، و يطفن أسبوعا، ثم يرجعن إلى منى و قد فرغن من حجّهن، و قال: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أرسل معهن أسامة «1».

2- ما رواه ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الصبيان ان يفيضوا بليل و ان يرموا الجمار بليل، و ان يصلّوا الغداة في منازلهم فان خفن الحيض مضين إلى مكّة و وكّلن من يضحى عنهنّ «2».

3- ما وراه علي بن ابى عن حمزة عن أحدهما عليهما السّلام قال: اي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا فلا بأس فليرم الجمرة ثم ليمض و ليأمر من يذبح عنه و تقصر المرأة و يحلق الرجل ثم ليطف بالبيت و الصّفا و المروة ثم يرجع الى منى فإن اتى منى و لم يذبح عنه فلا بأس ان يذبح هو و ليحمل الشّعر إذا حلق بمكة إلى منى و ان شاء قصر ان كان قد حجّ قبل ذلك «3».

4- مرسل جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا بأس ان يفيض الرّجل بليل إذا كان خائفا «4».

5- ما

رواه سعيد السمّان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ان رسول اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 37

..........

صلّى اللّه عليه و آله: عجل النّساء ليلا من المزدلفة إلى منى و أمر من كان منهنّ عليها هدي ان ترمي و لا تبرح حتى تذبح و من لم يكن عليها منهنّ هدي أن تمضي إلى مكة حتى تزور «1».

6- ما رواه ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء ان يفيضوا من جمع بليل، و ان يرموا الجمرة بليل، فإن أرادوا أن يزوروا البيت، و كلوا من يذبح عنهنّ (عنهم خ ل) «2».

7- ما رواه بن مسكان عن ابى بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

لا بأس بأن يقدم النّساء إذا زال الليل، فيفضن عند المشعر الحرام في ساعة، ثم ينطلق بهن إلى منى، فيرمين الجمرة، ثم يصبرن ساعة، ثم يقصرن و ينطلقن إلى مكّة، فيطفن الا ان يكن يردن ان يذبح عنهنّ، فإنّهن يوكّلن من يذبح عنهنّ «3» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السّلام).

ان تنقيح البحث في هذه المسألة يتمّ بذكر أمور: الأول- ان مقتضى قوله عليه السّلام في خبر سعيد الأعرج المتقدم في مقام الجواب عن السؤال: (بان معنا نساء فأفيض بهن بليل؟. قال: نعم).

و مقتضى ما رواه علي بن عطيّة

قال: «أفضنا من المزدلفة بليل أنا و هشام بن عبد الملك و كان هشام خائفا فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر فقال لي هشام: أيّ شي ء أحدثنا في حجّنا، فنحن كذلك إذ لقينا أبو الحسن موسى قد رمى الجمار و انصرف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الوقوف الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 38

و لو أفاض ناسيا لم يكن عليه شي ء (1)

فطابت نفس هشام «1» هو استثناء مع من يمضي مع الخائف و النساء فلا مانع من إفاضتهم معهن قبل طلوع الفجر.

الثاني- ان مقتضى قوله عليه السّلام في خبر سعيد الأعرج: (و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع.) هو وجوب الوقوف لهن في المشعر و لو قليلا.

الثالث- ان مقتضى قوله عليه السّلام في خبر ابى بصير «لا بأس بأن يقدم النساء إذا زال الليل فيفضن عند المشعر الحرام في ساعة» هو عدم جواز الإفاضة لهن الا بعد انتصاف الليل كما هو واضح و الصناعة تقتضي تقييد إطلاق الاخبار المتقدمة بهذا الخبر، و لكن إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه مانع عن الاعتماد عليه، فتدبر.

الرابع- مقتضى قوله عليه السّلام في خبر ابى بصير: «رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الصبيان ان يفيضوا بليل. إلخ» هو جواز الإفاضة من المشعر قبل الفجر للصبيان كما يجوز ذلك للمرأة و من يخاف على نفسه.

الخامس- ان مقتضى قوله عليه السّلام في خبر ابى بصير ايضا: «رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء ان يفيضوا من جمع

بليل. إلخ» هو جواز الإفاضة قبل الفجر لمن كان ضعيفا ايضا.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر «لا أجد فيه خلافا، كما اعترف به غير واحد، للأصل و رفع الخطأ و النسيان الى ان قال:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 39

..........

نعم لو تمكن من الرجوع لتحصيل الوقوف بعد طلوع الفجر وجب، لما عرفت. بل يمكن ذلك في كل عذر بعد دعوى عدم انصراف الأدلة المزبورة، لمن ارتفع عذره على وجه يدرك الواجب الذي هو الوقوف بعد الفجر فتأمل. إلخ».

و قال صاحب المدارك في شرح قول الماتن: «هذا مما لا خلاف فيه بين الأصحاب و لم أقف على رواية تدل عليه صريحا و ربما أمكن الاستدلال عليه بفحوى ما دل عن جواز ذلك للمضطرّ و ما في معناه».

ظهر مما تقدم ان لذي العذر الإفاضة من المشعر بليل، و عدّ المصنف «قدس سره» النسيان عذرا، لقوله المتقدم و هو: «و لو أفاض ناسيا لم يكن عليه شي ء» هذا مما لا كلام فيه.

انما الكلام في ان الجهل عذر حتى يحكم بعد ثبوت الكفّارة فيما إذا أفاض من المشعر جهلا أو لا؟.

ذهب بعض الى كونه عذرا، بل ربما كان ذلك مقتضى إطلاق خبر مسمع المتقدم و هو: «في رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل ان يفيض النّاس؟ فقال: ان كان جاهلا فلا شي ء عليه و ان كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» «1» فيكون مقابله- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره»- العالم العامد الذي يجب عليه الجبر بشاة كما هو ظاهر الأصحاب.

ثم قال صاحب الجواهر: «بل لا

وجه لحمل الأول على ارادة ما قبل طلوع الشمس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 40

[و يستحب]

و يستحب الوقوف بعد ان يصلّي الفجر، و ان يدعو بالدّعاء المرسوم، أو ما يتضمن الحمد للّه و الثّناء عليه و الصّلاة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله (1)

لعدم الفرق في عدم شي ء عليه بين الجاهل و العالم مؤيدا ذلك بما يظهر في غير المقام من معذورية الجاهل في الحج، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط فيجبر بشاة».

(1) يدل على ذلك صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف إن شئت قريبا من الجبل و ان شئت حيث تبيت، فإذا وقفت فاحمد اللّه عز و جل، و أثن عليه، و اذكر من آلائه و بلائه ما قدرت عليه، و صلّ على النّبي صلّى اللّه عليه و آله. إلخ» و قد تقدم الحديث بطوله في صدر المبحث.

و في محكي المهذب: «ينبغي لمن أراد الوقوف بالمشعر الحرام بعد صلاة الفجر ان يقف منه بسفح الجبل متوجها الى القبلة، و يجوز له ان يقف راكبا ثم يكبّر اللّه سبحانه و يذكر من آلائه و بلائه ما تمكّن منه، و يتشّهد بالشّهادتين، و يصلّي على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة، و ان ذكر الأئمة «عليهم السلام» واحدا واحدا و دعى لهم، و تبرّء من عدوّهم كان أفضل. و يقول بعد ذلك: «اللهم ربّ المشعر فكّ رقبتي من النّار، و أوسع عليّ من رزقك الحلال، و ادرأ عنّي شر فسقة الجنّ و الانس، اللّهم أنت خير

مطلوب اليه، و خير مرغوب، و خير مسؤول، و لكلّ وافد جائزة، فاجعل جائزتي في موطني هذا ان تقيلني عثرتي و تقيل معذرتي و تجاوز عن خطيئتي، ثم اجعل التّقوى من الدّنيا زادي برحمتك ثم تكبر اللّه سبحانه مأة مرة، و تحمده مائة مرّة، و تسبّحه مأة مرّة، و تهلله مأة مرّة، و تصلّي على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و تقول: اللهمّ اهدني من الضّلالة، و أنقذني من الجهالة، و اجمع لي خير الدّنيا و الآخرة، و خذ بناصيتي الى هداك، و انقلني الى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 41

..........

رضاك فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعته، و ذل لك فأكرمته، و جعلته علما للناس فبلغني فيه مناي و نيل رجائي، اللّهم إني أسألك بحقّ المشعر الحرام ان تحرم شعري و بشري على النّار، و ان ترزقني حياة في طاعتك و بصيرة في دينك و عملا بفرائضك و اتباعا لاوامرك و خير الدارين جامعا و ان تحفظني في نفسي و والدي و ولدي و أهلي و إخواني و جيراني برحمتك و تجتهد في الدعاء و المسألة و التّضرع الى اللّه سبحانه الى حين ابتداء طلوع الشّمس ثم ذكر من الواجبات فيه ذكر اللّه سبحانه و الصّلاة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و عن السيد الرّاوندي: احتماله و ابن الزهرة: الاحتياط به و يمكن ان يكون وجه وجوب ذكر اللّه تعالى في المشعر الآية الشريفة: «فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ» و وجه وجوب الصّلاة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم «فإذا وقفت فاحمد اللّه و أثن عليه و اذكر

من آلائه و بلائه ما قدرت عليه و صلّ على النّبي صلّى اللّه عليه و آله».

و لكن لا يخفى ما فيه لانه على فرض تسليم كون ظاهره الوجوب الا ان تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه يوجب رفع اليد عن هذا الظهور، فيحمل على الندب، لعدم الموجب لرفع اليد عنه فتدبر.

قال في الجواهر: بل يمكن ارادة الذّكر قلبا الحاصل بنيّة الوقوف فيكون في قوة الأمر بالكون عند المشعر الحرام للّه تعالى بل لو قلنا بوجوب الاستيعاب المستلزم لصلاة الغداة أو الجمع بين المغرب و العشاء كفى ذلك في الذّكر بناء على إرادة مطلقه بل و الصّلاة على محمّد و آله ايضا. الى أن قال قال أبو بصير للصّادق عليه السّلام: جعلت فداك: «ان صاحبي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 42

..........

هذين جهلا ان يقفا بالمزدلفة؟ فقال: يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة. قلت: فإنه لم يخبرهما أحد حتى كان اليوم و قد نفر الناس؟ قال: فنكس رأسه ساعة ثم قال: أ ليسا قد صليا الغداة بالمزدلفة قلت: بلى قال: أ ليس قد قنتا في صلاتهما؟ قال: بلى قال: تم حجهما. ثم قال: و المشعر من المزدلفة و المزدلفة من المشعر و انما يكفيهما اليسير من من الدعاء» «1» و ظاهر الجهل بالوقوف الدعائى لا مطلق الكون الحاصل مع النية في ضمن صلاة الغداة و القنوت فيها الذين قد عرفت إمكان الاجتزاء بهما عن الذكر، بل يمكن إرادة القائل ذلك أيضا الا أن هذا و نحوه ظاهر في كون الأمر للندب المناسب لهذا التسامح. و كذا خبر محمد بن حكيم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أصلحك اللّه الرجل الأعجمي و المرأة الضعيفة تكونان

مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مرّ بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعا؟ قال: أ ليس قد صلّوا بها فقد أجزأهم. قال: فان لم يصلوا بها قال: فذكروا اللّه فيها فان كان قد ذكروا اللّه فيها قد أجزأهم «2»، إذ يمكن إرادة نيّة الوقوف من الذكر فيه و الأمر في ذلك كله سهل» انتهى كلامه زيد في علو مقامه ينبغي هنا التنبيه على أمرين: الأول- انه يستحب الاجتهاد في الدعاء ليلة المزدلفة و إحيائها ففي صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: «و لا تجاوز من الحياض ليلة المزدلفة و تقول اللهم هذه جمع إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير اللهم لا تؤيسني من الخير

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر: الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر: الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 43

و ان يطأ الصرورة [1] المشعر برجله (1)

الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي و أطلب إليك ان تعرفني ما عرفت أوليائك في منزلي هذا و ان تقيني جوامع الشرور و ان استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل فإنه بلغنا ان أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين لهم ذوي كدوي النحل يقول اللّه جل ثناؤه أنا ربكم و أنتم عبادي أديتم حقي و حق علي ان استجيب لكم فيحط تلك الليلة عمن أراد ان يحط عنه ذنوبه و يغفر لمن أراد ان يغفره «1» الثاني- قال الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك: «ان المراد بالوقوف في نحو عبارة المصنف القيام للدعاء و الذكر، و اما الوقوف المتعارف بمعنى الكون

فهو واجب من أول الفجر فلا يجوز تأخير نيته الى ان يصلي».

و تمامية كلامه «قدس سره» مبنية على وجوب الابتداء من الفجر، و لكنه لا دليل عليه بل ظاهر الأدلة- كما افاده صاحب الجواهر- خلافه حتى صحيح معاوية ابن عمار المتقدم الذي قد أمر فيه بالإصباح على طهر، ثم الصلاة، ثم الوقوف و ان كان يمكن ارادة الوقوف للدعاء فيه، الا ان إطلاق غيره كاف كما صرح به الفاضل و غيره.

قال في المنتهى: «و يستحب ان يقف بعد ان يصلي الفجر و لو وقف قبل الصلاة إذا كان قد طلع الفجر أجزأه» و هذا كما ترى كالصريح في إرادة هذا المعنى- و هو عدم وجوب الابتداء من الفجر- و بالجملة: فما ذكره الشهيد «قدس سره» من الحمل انما يتجه إذا ثبت وجوب مقارنة الوقوف الواجب لطلوع الفجر، و لكنه غير ثابت لعدم دليل عليه، فتدبر.

(1) كما نص عليه جماعة بل عن المبسوط و النهاية، و لا يتركه مع الاختيار كما عن

______________________________

[1] ان المراد بالصرورة من لم يحج، و المراد بوطئه برجله ان يعلو عليه بنفسه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 44

..........

الحلبيين استحبابه مطلقا، لا في خصوص الصرورة، بل عن ابى الصلاح منهما انه آكد في حجة الإسلام و ان كنا لم نقف على ما يدل عليه برجليه، كما في محكي المبسوط و غيره و عن التهذيب و المصباح و مختصره: يستحب للصرورة أن يقف على المشعر أو يطأه برجله و لعله لما تسمعه من الصحيح ان كان الواو فيه بمعنى (أو) و عن الفقيه: «انه يستحب له ان يطأ برجله أو براحلته ان

كان راكبا» و كذا عن الجامع و ير. إلخ». على ما في الجواهر و يدل على ما افاده المصنف «قدس سره» من استحباب وطء الصرورة المشعر برجله حسن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: و انزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر و يستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام و يطأه برجله «1». و ما رواه ابان بن عثمان عن رجل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام و ان يدخل البيت «2». و ما رواه سليمان بن مهران عن جعفر بن محمد عليه السّلام (في حديث) قال: قلت له: كيف صار الصرورة يستحب دخول الكعبة (الى ان قال): قلت: كيف صار وطئ المشعر عليه واجبا؟ فقال: ليستوجب بذلك وطء بحبوحة الجنة «3».

ثم ان تنقيح البحث يتوقّف على ذكر أمرين: الأول- ان مقتضى قوله عليه السّلام في ذيل حسن الحلبي: «و يطأ المشعر برجله» هو اختصاص استحباب الوطي بالرجل دون غيره و اما ما دل على استحبابه مطلقا كما في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الوقوف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الوقوف الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الوقوف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 45

و قيل يستحب الصعود على قزح و ذكر اللّه عليه (1)

ما رواه بن عثمان «يستحب ان يطأ الصرورة المشعر الحرام» فيقيد بما دل على انه يطأ المشعر برجله لكون الحكم فيها على نحو صرف الوجود لا مطلق الوجود، فعليه يتعين الاقتصار على الوطي برجله فعليه ظهر ضعف ما أفاده في المسالك و المدارك و هو:

«و الظاهر

ان الوطي بالرجل يتحقق مع النعل و الخف بل في الأولى المراد بوطئه برجله ان يعلو عليه بنفسه فان لم يكن فببعيره على ما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» إلا إذا قلنا بان ما دل على وطئ المشعر بالرجل انما يكون لأجل تأكد الاستحباب فيه.

الثاني- انه خص الحكم المذكور- و هو استحباب وطء المشعر بالرجل- في كتاب أحكام النساء بالرجال، و لكن فيه ما لا يخفى، لكون الأخبار مطلقة.

مضافا الى التعليل في رواية سليمان بن مهران المتقدمة بقوله عليه السّلام: «ليستوجب بذلك وطء بحبوحة الجنة» حيث انه كالصريح في الإطلاق، لدلالته علي كون نفس وطء المشعر موجبا لوطي بحبوحة الجنة، من غير فرق في ذلك بين الرجل و المرأة، فتدبر.

(1) و القائل الشيخ «رحمه اللّه تعالى» في محكي المبسوط، قال و إليك نص عبارته على ما هو المحكي عنه في الجواهر: «يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام، و لا يتركه مع الاختيار و المشعر الحرام جبل هناك يسمى: (قزح) و يستحب الصعود عليه، و ذكر اللّه عنده، فان لم يمكنه ذلك فلا شي ء عليه لما روته العامة عن الصادق عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن جابر من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله ركب القصوا حتى اتى المشعر الحرام، فرقي عليه و استقبل القبلة فحمد اللّه تعالى، و هلله، و كبره، و وحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 46

..........

جدا و روى ايضا انه أردف الفضل بن العباس و وقف على (قزح) و قال: «هذا قزح و هو الموقف و جمع كلها موقف». الى ان قال صاحب الجواهر: و لعل ذلك و نحوه كاف في ثبوت الاستحباب المسامح

فيه و ان كان ظاهر المصنف و غيره التوقف فيه دون الوطي مع انك سمعت ما في الصحيح من استحباب الوقوف عليه و الوطي. إلخ»:

لا يخفى انه إذا أمكن استفادة استحباب الصعود على قزح من قوله عليه السّلام في حسن الحلبي المتقدم: «و يستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام و يطأه برجله».

فهو، و الا فالحكم باستحبابه لأجل رواية جابر و نحوه مشكل.

اللهم الا ان يقال: انه يمكن إثباته بقاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من اخبار من بلغ. لكن فيه: ما عرفت مرارا و كرارا من تطرق الاحتمالات الكثيرة فيها و اختلاف الآثار المترتبة عليها، و قد بينا في محله ان اخبار من بلغ ليست ظاهرة في إنشاء حكم أصولي- و هو حجية خبر الضعيف- و حكم فقهي- أعني استحباب نفس العمل- بل ظاهرة في كونها اخبارا عن ترتب الثواب الموعود بعد البناء على عدم إجمالها على الفعل الذي بلغ عليه الثواب زائدا على ثواب أصل الانقياد و هذا المعنى كما ترى أجنبي عما افادوه من قاعدة التسامح.

فتلخص ان الاخبار التي تقدمت في كلام صاحب الجواهر «قدس سره» لا يمكن إثبات استحباب الصعود على قزح بها لكونها ضعيفا سندا فيسقط عن الاعتبار.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 47

[مسائل خمس]
[الأولى وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس]

مسائل خمس الأولى وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس و للمضطر الى زوال الشمس (1)

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم». و في الجواهر:

«لا خلاف معتد به عندنا في ان وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس و للمضطر الى زوال الشمس بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى النصوص. إلخ» لكن قد عرفت الإشكال في الحكم

بوجوب الوقوف ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس في المباحث السابقة و من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

و كيف كان فاما ما حكى بن إدريس عن السيد امتداد وقت المضطر الى الغروب فأنكره في المختلف أشد إنكار و ان أطلق في بعض عباراته التي لم تسق لذلك «ان من فاته الوقوف بعرفة حتى أدرك المشعر يوم النحر فقد أدرك الحج خلافا للعامة مستدلا عليه بالإجماع» لكن مراده من اليوم الى الزوال بقرينة حكاية الإجماع، فإن أحدا من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لم يقل بذلك، لكن حكى هو عنه في غير المختلف ذلك ايضا على ما افاده صاحب الجواهر «رحمه اللّه تعالى» و على كل حال فلا عبرة به، لمخالفته للنصوص و الفتاوي.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 48

[الثانية من لم يقف بالمشعر ليلا و لا بعد الفجر عامدا بطل حجّه]

(الثانية) من لم يقف بالمشعر ليلا و لا بعد الفجر عامدا بطل حجّه و لو ترك ذلك ناسيا لم يبطل ان كان وقف بعرفات (1) و لو تركهما جميعا بطل حجه عمدا أو نسيانا (2)

[الثالثة من لم يقف بعرفات و أدرك المشعر قبل طلوع الشمس صح حجه]

(الثالثة) من لم يقف بعرفات و أدرك المشعر قبل طلوع الشمس صح حجه ة و لو فاته بطل على الأصح و لو وقف بعرفات جاز له تدارك المشعر الى قبل الزوال (3)

(1) مقتضى كلام المصنف «قدّس سرّه» القطع بإدراك الحج باختياري عرفة وحده، كما يجترئ باختياري المشعر وحده و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لكن صاحب المدارك استشكل في الأوّل حيث قال عند شرح قول الماتن: «. الأظهر عدم الاكتفاء باختياري العرفة خاصة كما اختاره في المنتهى. إلخ» و لعله من جهة قوله عليه السّلام في صحيح: «إذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج» «1» و نحوه غيره من الاخبار و سيتّضح لك تحقيق الكلام و بيان ما هو المختار بعد ذكر المسألة الثالثة (ان شاء اللّه تعالى).

(2) بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه و يدل عليه- مضافا الى عدم صدق الامتثال مع الإخلال بذلك- قوله عليه السّلام في رواية عبيد اللّه و عمران ابني على الحلبيين: «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحجّ» «2» و مفهوم قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمّار: «من أدرك جمعا فقد أدرك الحج «3».

(3) و في المدارك: «بل الأظهر إدراك الحج بإدراك اضطراري المشعر خاصة،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 4، ص: 49

..........

لقوله عليه السّلام في حديث جميل بن دراج: «من أدرك الموقف بجمع يوم النحر من قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحج» و قد تقدّم الكلام في ذلك.

قال في الجواهر عند شرح قول المصنف: «من لم يقف بعرفات و أدرك المشعر قبل طلوع الشمس صح حجّه»: (إجماعا و نصوصا). و قال عند كلامه (و لو فاته بطل على الأصح) إذا لم يكن قد أدرك اضطرارية، و الا ففيه البحث السابق. و قال عند كلامه «جاز له. إلخ) بل وجب عليه ذلك، بل هو كذلك لو أدرك اضطراري عرفة ايضا. نعم لو لم يدرك شيئا منهما لم يجزه التّدارك قبل الزّوال. إلخ» أقسام الوقوفين قد سبق منّا الوعد في آخر مبحث الوقوف بعرفات «في الجزء الثالث» و هنا ان نفصّل الكلام في البحث عن الصّور البسيطة و المركبة من ادراك الوقوف فنقول: ان أقسام الوقوفين من الاختياري و الاضطراري و المركب منهما تبلغ ثمانية أقسام إذا لم يجعل الوقوف اللّيلي بالمشعر قسما علي حدة و الا تبلغ أحد عشر قسما، خمسة مفردة و ستة مركبة.

خمسة مفردة: 1- ادراك وقوف اختياري عرفات خاصة.

2- ادراك وقوف اضطراري عرفات خاصة.

3- ادراك وقوف اختياري المشعر خاصة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 50

..........

4- ادراك وقوف اضطراري ليلي المشعر خاصة.

5- ادراك وقوف اضطراري نهاريّ المشعر خاصة.

ستة مركبة: 1- أن يدرك اختياري عرفات و اختياري المشعر.

2- ان يدرك اضطراري عرفات و اضطراري المشعر.

3- ان يدرك اختياري عرفات مع ليلي المشعر.

4- ان يدرك اختياري عرفات مع نهاري المشعر.

5- ان يدرك اضطراري عرفات مع اضطراري المشعر الليلي.

6- أن يدرك اضطراري عرفات مع اختياري المشعر.

(بيان الصور البسيطة من الوقوف) اما الصور البسيطة

من الوقوف، فنقول:

اما الاولى- و هي ان يدرك اختياري عرفات فقط، فقد وقع الخلاف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» في صحة الحج معه و عدمها. فقد ذهب بعضهم إلى صحّة الحج مع درك اختياري عرفات خاصة- كالشهيد الثاني. و اختاره في الجامع و الفاضل في التبصرة و الشهيد الأول في الدروس و اللمعة على ما حكاه صاحب المستند «قدس سره» و قد نفى عنه الخلاف في التنقيح بل نسبه جماعة إلى الشهرة منهم المحدث المجلسي «رحمه اللّه» و السيد نعمة اللّه الجزائري «قدس سره» في شرح التهذيب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 51

..........

و شارح المفاتيح بل عن الأخير عن بعضهم الإجماع عليه و في الذّخيرة و المختلف: انه المعروف بين الأصحاب. بل في الرياض انه عزّاه في الذخيرة إليهم مشعرا بعدم خلاف فيه، كما هو ظاهر المختلف و الدروس ايضا- و ذهب بعض آخر منهم الى عدم صحة الحج بدرك اختياري عرفات خاصة- كالفاضل في المنتهى و تبعه صاحب المدارك و المفاتيح من المتأخرين. و صاحب الجواهر بعد ان نقل كلام المسالك و هو: «لا خلاف في الاجتزاء بأحد الموقفين الاختياريين» قال: (لكن أشكله سبطه بانتفاء ما يدل على الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة خاصة مع ان الخلاف في المسألة متحقق فإن العلامة «رحمه اللّه تعالى» في المنتهى صرح بعدم الاجتزاء بذلك، و هذه عبارته: «و لو أدرك أحد الموقفين اختيارا وفاته الآخر مطلقا فان كان الفائت هو عرفات فقد صح حجه لإدراك المشعر و ان كان المشعر ففيه تردد أقربه الفوات» و قال في التحرير:

«و لو أدرك أحد الاختياريين وفاته الآخر اختيارا أو اضطرارا فان كان الفائت هو عرفة صح الحج و ان

كان هو المشعر ففي إدراك الحج اشكال» و به يظهر ان الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة ليس إجماعيا كما ذكره الشارح الى ان قال، قد نفى عنه الخلاف في التنقيح. بل ستسمع تصريح المصنف و الفاضل في القواعد و غيرهما بعدم بطلان الحج مع نسيان الوقوف بالمشعر ان كان قد وقف بعرفة كالمحكي عن السرائر و الجامع و القواعد و التبصرة و الدروس و اللمعة و غيرها بل هو صريح الفاضل في التحرير و المنتهى ايضا فيكون رجوعا عن الأول و به يتم نفي الخلاف حينئذ. إلخ».

و كيف كان فاستدل مضافا الى ما ذكر- بعدة اخبار- منها:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 52

..........

1- عن عوالي اللئالي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله الحج عرفة «1».

2- ما رواه بن ابى عمير عن عمر بن أذينة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: سألته عن قول اللّه تعالى: «الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»؟ قال: الحج الأكبر الموقف بعرفة و رمي الجمار الحديث «2».

3- ما رواه محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن علي بن رئاب ان الصادق عليه السّلام قال: «من أفاض من عرفات مع الناس فلم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة «3».

4- صحيح أو حسن محمد بن يحيى الخثعمي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال:

في رجل لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى اتى منى؟ فقال: «أ لم ير الناس لم يكونوا بمنى حين دخلها؟. قلت: فإنه جهل ذلك. قال: يرجع. قلت: ان ذلك قد فاته؟.

قال: لا بأس به «4».

5- مرسل محمد بن يحيى الخثعمي عن ابى عبد عليه السّلام فيمن جهل و لم يقف بالمزدلفة و

لم يبت حتى اتى منى؟ قال: يرجع. قلت: ان ذلك قد فاته؟ فقال:

لا بأس به «5».

______________________________

(1) المستدرك ج 2 الباب 18 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب العود إلى منى الحديث 1 و في الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9

(3) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب «2 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6

(5) الوسائل ج 2 الباب «2 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 53

..........

و لكن جميعها لا يخلو من المناقشة و الاشكال:

اما «في الأول و الثاني» فلضعف سندهما و على فرض التسليم لا يتم دلالتهما على المطلوب لكون الإطلاق مجازا و الا يلزم صحة الحج بمجرد الوقوف بعرفات و ترك سائر المناسك عمدا و هو كما تري فالروايتان في مقام التّشريع فقط.

و اما (في الثالث) فلعدم استلزام وجوب البدنة لصحة الحج و كذا السكوت عن بطلان الحج.

مضافا الى أعمية ترك اللّبث مع الناس عن ترك اللّبث مطلقا.

الا ان يقال ان الظاهر هنا عدم اللّبث مطلقا لظهور قوله عليه السّلام: «و لم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى» في العبور على المشعر و عدم المكث فيه رأسا، فتدّبر.

و اما (في الرّابع و الخامس) فلكونهما ضعيفين من حيث السّند.

ان قلت انهما و ان كانا ضعيفين من حيث السّند الا ان ضعفهما منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» فعليه لا يصغى الى المناقشة فيهما بضعف السّند.

قلت: انه لم يعلم استنادهم في مقام العمل الى هذين الحديثين حتى يتمّ ما ذكر، لاحتمال استنادهم في مقام العمل إلى باقي الرّوايات.

و لكن

الظاهر ان سند الحديث الرّابع معتبر و اما الخامس و ان كان مرسلا الا ان ناقله موّثق و لذا قد يحصل الاطمئنان منه فلاحظ و تأمّل.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 54

..........

ثم ان تنقيح البحث يتوقف على ذكر جهات: الاولى- انه بناء على تماميتهما سندا لا يمكن الحكم بالإجراء مطلقا، بل يختص بما إذا أدرك الوقوف بعرفات و ترك الوقوف بالمزدلفة جهلا و لم يمكنه التدارك لضيق الوقت، و لا يمكن التعدي عن مورد الحديثين- اعني الجهل- الى غيره، اعني العامد و الناسي و المضطر اما عدم شمولهما لصورة العمد، لان القول بجواز ترك الوقوف بالمشعر مناف لتشريع جزئيته و اما صورة النسيان و الاضطراري فلاحتمال خصوصية فيه اي الجهل، إذ لا قطع بالمناط، إلا إذا قام دليل تعبدي من الخارج على جواز التسرية، و هو لم يثبت ظاهرا، فلا بد من الاقتصار على موردهما.

ان قلت: انه يمكن التعدي عن المورد الى غيره بتنقيح المناط. و فيه: ان المعتبر منه هو القطعي دون الظني، و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن، و هو لا يغني من الحق شيئا، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا، لاحتمال خصوصية في الجهل دون غيره من النسيان و الاضطرار.

نعم إذا قطعنا بملاك الحكم و عدم مانع من الجعل ايضا، فلا مانع من التعدي، و لكنه مجرد فرض لعدم العلم بملاكات الأحكام و موانعها كما لا يخفى.

و لكن في الجواهر بعد ما حكم بتخصيص العمومات الآتية الدالة على فوت الحج بفوت المزدلفة بغير الجاهل الذي أدرك اختياري عرفة قال: «الملحق به الناسي و المضطر بعدم القول بالفصل، و باحتمال ارادة الجهل بالحكم، بل هو الظاهر و لا ريب

في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 55

..........

أولوية الناسي منه بل يمكن ارادة ما يعم النسيان من الجهل فيه خصوصا بعد ملاحظة ما عرفت من الشهرة العظيمة و عدم الخلاف المحقق نقلا ان لم يكن تحصيلا».

و لا يخفى ان مجرد عدم القول بالفصل لا يجدي ما لم يرجع الى الإجماع التعبدي على عدم الفصل بين الجهل و النّسيان.

و اما أولوية النسيان عن الجهل بالحكم فهي ظنيّة لعدم القطع بعدم دخل خصوصيّة الجهل و مع احتماله لا يخرج التّعدي عنه الى النّسيان عن القياس المسدود بابه في الشرعيات فينحصر الوجه في كون النسيان كالجهل بإرادة ما يعم النسيان من الجهل لكنه يحتاج إلى إثبات ظهور الجهل فيه.

ثم انه لا يمكن الاستدلال على جواز التعدي من المورد الى غيره بقوله صلّى اللّه عليه و آله:

«رفع الخطأ و النسيان» و ذلك لان غاية ما يدل ذلك عليه هو ارتفاع التكليف بالمنسي، و اما كون الباقي من ذلك تمام المأمور به فلا- على ما قرّر في محله- فيتّجه الاجزاء في خصوص صورة الجهل دون غيرها فتدبر و اللّه الهادي إلى الصواب.

الثانية- انه لا تقع المعارضة بين هذين الحديثين و بين عموم ما رواه الحسين بن سعيد عن القاسم بن عروة عن عبيد اللّه و عمران ابني علي الحلبيين عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج» «1». و مرسل بن فضال عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «الوقوف بالمشعر فريضة و الوقوف بعرفة سنة» «2». و مفهوم جملة من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة

الحديث 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 56

..........

الأخبار الدالة على ان من أدرك جمعا اما مطلقا أو قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج، و ذلك لتخصيصها بهما.

و اما مرسل فضال فأولا ضعيف سندا.

و ثانيا- ان المراد من قوله: «الوقوف بالمشعر فريضة. إلخ» هو ان وجوبه مستفاد من القرآن الكريم من قوله تعالى: «فَإِذٰا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفٰاتٍ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ» و هذا بخلاف الوقوف بعرفة لاستفادة وجوبه من السنّة.

الثالثة- ان ما ذكره الشيخ «قدس سره» من الطعن في خبر محمد بن يحيى الخثعمي بأنه (تارة): رواه بواسطة و (اخرى): بدونها و إنه محمول على ما إذا وقف بالمزدلفة شيئا يسيرا دون الوقوف التام الذي متى وقفه الإنسان كان أفضل و أكمل لا داعي له.

اما أوّلا- فلعدم الشاهد عليه.

و اما ثانيا- فلانجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» كما افادوه مضافا الى انه لا حاجة الى حمله على ما ذكر بعد كونه موافقا لقول المشهور الصّريح في عدم وقوفه شيئا من الوقوف الاختياري.

نعم قد يقال باعتبار وقوف شي ء يسير من اللّيل في المشعر و لو في حال المرور فيه في الصحة فيما نحن فيه، و ربما يؤيّده في الجملة ما رواه محمد بن الحكيم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أصلحك اللّه الرّجل الأعجمي و المرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مرّ بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعا. قال: أ ليس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 57

..........

قد صلّوا بها فقد أجزأهم؟. قلت: فان لم يصلوا بها قال: فذكروا اللّه فيها فان كانوا ذكروا اللّه فيها فقد اجزئهم «1» و خبر ابى بصير قال: قلت لأبي

عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك ان صاحبي هذين جهلا ان يقفا بالمزدلفة؟ فقال: يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة قلت: فان لم يخبرهما أحد حتى كان اليوم و قد نفر الناس قال: فنكس رأسه ساعة ثم قال: أ ليسا قد صليا الغداة بالمزدلفة؟ قلت بلى قال: أ ليس قد قنتا في صلاتهما؟ قلت بلى، قال: تم حجهما. إلخ «2». و لكنه حينئذ يخرج عن موضوع المسألة الذي هو ادراك موقف عرفة خاصة ضرورة: كونه على الفرض المزبور أدرك الموقفين، لما عرفت من ان موقف المشعر الركني الكون آنا ما من أول ليلة النحر الى طلوع الشمس و ان وجب مع ذلك الكون الى بعد طلوع الفجر لكنه ليس ركنا بحيث لو أخل به لصار موجبا للبطلان.

هذا بناء على التّقريب الأول الّذي تقدّم.

و أما بناء علي التقريب الآخر و هو مع ملاحظة خبر ابى بصير المتقدّم فيكون الرّكن هو مسمى الوقوف من طلوع الفجر الى طلوع الشمس دون أوّل اللّيل الى طلوع الفجر من أراد الوقوف عليهما فليراجعهما.

و اما الصورة الثّانية من الصور البسيطة و هي ما إذا أدرك اضطراري عرفات فقط فملخص الكلام فيها انه غير مجز قولا واحدا كما في الدروس و المفاتيح و في الذخيرة: «انه لا اعرف فيه خلافا» و نقل بعضهم عن جماعة الإجماع عليه الا ان في شرح المفاتيح نسبه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 3.

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 58

..........

الى المشهور و هو مشعر بالخلاف فيه.

و كيف كان فيمكن الاستدلال للصحة في المقام بإطلاق رواية محمد بن يحيى الخثعمي و بمرسلته

التي تقدم ذكرهما.

و فيه: انه لم يعمل بهما أحد من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بالنسبة إلى مفروض المقام و ذلك يوجب سقوطهما عن الحجيّة بالنّسبة اليه، و اما الصورة الثالثة من الصور البسيطة و هي ان يدرك اختياري المشعر فيما بين الطلوعين خاصة فنخبة الكلام فيها انه لا ينبغي الارتياب في صحة حجه حينئذ و يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: قال في رجل أدرك الامام و هو بجمع؟ فقال: انه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و ان ظن انه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجه «1» و رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه و عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى و ابن ابي عمير عن معاوية بن عمار مثله.

2- ما رواه موسى بن القاسم عن ابن ابي عمير عن حماد عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات؟ فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل ان يفيضوا فلا يتمّ حجّه حتى يأتي عرفات و ان قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 59

..........

فان اللّه تعالى أعذر لعبده فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس و قبل ان يفيض الناس فان لم بدرك المشعر الحرام فقد

فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل «1».

3- ما رواه سهل عن أبيه عن إدريس بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أدرك الناس بجمع و خشي ان مضى الى عرفات ان يفيض الناس من جمع قبل ان يدركها؟ فقال: ان ظنّ ان يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات فإن خشي ان لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع النّاس فقد تمّ حجّه «2».

4- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سفر فإذا شيخ كبير فقال: يا رسول اللّه ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له: ان ظن انه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و ان ظن انه لا يأتيها حتى يفيض النّاس من جمع فلا يأتها و قد تمّ حجّه «3».

و اما الصورة الرابعة من الصور البسيطة و هي ان يدرك الوقوف بالمشعر ليلا خاصة فقد وقع فيها الخلاف بين الفقهاء (قدّس اللّه تعالى أسرارهم).

ففي الذخيرة: «الظاهر انه لا يصح حجّه، لعدم الإتيان بالمأمور به، و عدم الدّليل على الصحّة» و عن الشهيد الثاني القول بالصّحة، لصحّة حج من أدرك اضطراري المشعر بالنّهار، فهذا يصح بالطريق الأولى، لأن الوقوف الليلي فيه شائبة الاختيار، للاكتفاء به للمرأة اختيارا و للمضطر و للمتعمّد مطلقا مع الجبر بشاة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص:

60

..........

و ظاهر المدارك التردد على ما أفاده في المستند «قدس سره».

قال في المستند: «الظاهر عدم الاجزاء لمن ترك عرفة عمدا و الاجزاء لغيره مطلقا سواء كان ممن رخص له الإفاضة قبل الفجر مطلقا أو مع عذر أولا و سواء أفاض قبل الفجر عمدا أو اضطرارا، اما الحكم الأول فلمعارضة عمومات نفي الحج عن أصحاب الأراك مع عمومات ادراك الحج بإدراك مزدلفة بالعموم من وجه و لا مرجح فيرجع الى قاعدة عدم الصحة لعدم الإتيان بالمأمور به، و يدل عليه ايضا صريح صحيحة الحلبي المتقدمة. المصرحة بأنه ان كان يتمكن من إدراك اضطراري عرفة و لم يدركه لم يتم حجه «1» و إذا كان كذلك بالنسبة إلى الاضطراري فالاختيارى اولى بالحكم. و اما الحكم الثاني فلصحيحة الحلبي المذكورة و سائر الأخبار. المصرحة بان من فاتته عرفات و وقف بالمشعر الحرام أو أقام به أو أدرك الناس به تم حجه، فإنها بإطلاقها شاملة لما نحن فيه و أخص مطلقا من عمومات أصحاب الأراك و التخصيص بما بين الطلوعين لا وجه له.

و يؤيده مطلقات: «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» منطوقا أو مفهوما و انما جعلناها مؤيده لإمكان الدخل فيها بان المتبادر من ادراك المشعر و نحوه غير الكون به بل المراد ادراك أمر فيه فهو اما إدراك وقوفه الشرعي أو في وقت خاص أو جمع خاص أو غيره فيكون الكلام مقتضيا و مقتضاه غير معلوم و لا قدر مشترك يقينا بحيث يشمل المورد فيدخله الإجمال المنافي للاستدلال».

و لكن تحقيق الكلام انه بناء على القول بكونه داخلا في الوقوف الاختياري

______________________________

(1) تقدم في الصورة الثالثة من الصور البسيطة فراجعها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 61

..........

فلا ينبغي الإشكال

في اجزائه، لما دل على ان «من أدرك جمعا فقد أدرك الحج» و الا فلا دليل على اجزائه.

و اما الصورة الخامسة من الصور البسيطة و هي ان يدرك اضطراري المشعر النهاري خاصة، فقد وقع الخلاف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» فيها.

قال في المستند: «فالمشهور بين الأصحاب فتوى كما صرح به جماعة عدم صحة الحج، بل و كذلك رواية على ما ذكره المفيد قال الاخبار بعدم ادراك الحج به متواترة و جعل القول المخالف رواية نادرة بل عليه الإجماع في المختلف كما قيل، و في التنقيح و قيل لا خلاف في عدم إجزاء اضطراري عرفة و ان بن الجنيد قال بإجزاء اضطراري جمع لا غيره و به قال ايضا الصدوق و على التقديرين فالإجماع منعقد اليوم على عدم اجزاء واحد من الاضطراريين لانقراض بن الجنيد و من قال بمقالته انتهى.

و نقل في المدارك الإجماع عن المنتهى ايضا و لم أجده فيه انه قال: اما لو أدرك أحد الاضطراريين خاصة فإن كان المشعر صحّ حجّه و بطل على قول الشيخ، و يؤيد قول السيّد روايتا عبد اللّه بن المغيرة الصحيحة و جميل الحسنة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام لكن الشيخ تأولهما بتأويلين بعيدين».

و ذهب الصدوق في العلل الى الاجتزاء به و هو قول الإسكافي و الظّاهر من كلام السيّد و الحلبي و اختاره الشهيد الثّاني و صاحب المدارك من المتأخّرين و قال الشهيد الأول في نكت الإرشاد: «و لعل الأقرب أجزائه ثم قال: و لولا ان المفيد نقل ان الأخبار الواردة بعدم الإجزاء متواترة و ان الرّواية بالاجزاء نادرة لجعلناه أصحّ

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 62

..........

لا أقرب» و الأقوى عندي هو القول المشهور.

إلخ» تنقيح هذا البحث متوقف على ذكر الروايات الواردة في المقام و الاخبار الواردة في هذا المقام متعارضة، لدلالة جملة منها على الاجزاء و جملة أخرى منها على عدم الاجزاء فهنا طائفتين من الأخبار:

اما الطائفة الأولى منها- فهي:

1- ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن بن ابى عمير عن جميل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «من أدرك المشعر الحرام يوم النّحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج» «1» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله و رواه الصدوق بإسناده عن ابن ابى عمير الا انه قال: «من أدرك الموقف بجمع يوم النّحر».

2- ما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن بن فضال عن عبد اللّه بن المغيرة عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من النّاس قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحج» «2» و رواه الصّدوق بإسناده عن عبد اللّه بن المغيرة و رواه أيضا بإسناده عن إسحاق بن عمار الا انه ترك قوله: «و عليه خمسة من الناس».

3- ما رواه محمد بن الحسن الصفار عن عبد اللّه بن عامر عن ابن ابى نجران عن محمد بن ابى عمير عن عبد اللّه بن المغيرة قال: جائنا رجل بمنى؟ فقال: اني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا (الى ان قال): فدخل إسحاق بن عمار على ابى الحسن عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف الحديث 9

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 63

..........

فسأله عن ذلك فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس يوم

النحر فقد أدرك الحج «1» حمله الشيخ «قدس سره» على ادراك ثواب الحج و ان لم يسقط فرضه و جوز كونه مخصوصا بمن أدرك عرفات ايضا و هو بعيد.

4- ما رواه علي بن الحسين بإسناده عن معاوية بن عمار قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أدرك الزوال فقد أدرك الموقف» «2».

5- صحيح جميل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من عرفة و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر «3».

و اما الطائفة الثانية منها- فهي:

1- ما رواه حرير قال سأل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن مفرد الحج فاته الموقفان جميعا فقال له الى طلوع الشمس من يوم النحر فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج و يجعلها عمرة و عليه الحجّ من قابل، قلت: كيف يصنع؟ قال: يطوف البيت و يسعى بين الصفا و المروة و ان شاء أقام بمكة و ان شاء اقام بمنى مع النّاس و ان شاء ذهب حيث شاء ليس من الناس في شي ء «4».

2- ما رواه محمد بن فضيل قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحدّ الذي أدركه الرّجل أدرك الحج؟ فقال: إذا اتى جمعا و النّاس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 15

(3) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 14

(4) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 64

..........

أدرك الحج و لا عمرة له و ان لم يأت جمعا حتى تطلع

الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له فان شاء أقام بمكة و ان شاء رجع و عليه الحج من قابل «1».

3- ما رواه محمد بن سهل عن إسحاق بن عبد اللّه قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل دخل مكة مفردا للحج فخشي ان يفوته الموقف؟ فقال: له يومه الى طلوع الشمس من يوم النحر فإذا طلعت الشمس فليس له حج، فقلت له: كيف يصنع بإحرامه؟ قال:

يأتي مكة فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، فقلت له: إذا صنع ذلك فيما يصنع بعد؟ قال: ان شاء أقام بمكة و ان شاء رجع الى الناس بمنى و ليس منهم في شي ء و إن شاء رجع الى اهله و عليه الحجّ من قابل «2».

4- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات؟ فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل ان يفيضوا فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات و ان قدم و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فان اللّه تعالى أعذر لعبده فقد تم حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس و قبل أن يفيض النّاس فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحجّ من قابل «3» و لا يضرّ قوله عليه السّلام فيه أخيرا: «فان لم يدرك المشعر الحرام. إلخ» لأن المتبادر منه بعد ما سبق من قوله عليه السّلام: «إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس» انه لم يدركه قبل الطلوع كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر

الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 65

..........

5- ما رواه ابن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا اتى جمعا و الناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له و ان أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حجّ له فان شاء ان يقيم بمكة أقام و ان شاء ان يرجع الى أهله رجع و عليه الحجّ من قابل «1».

6- صحيح ضريس بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتّعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النّحر فقال: يقيم على إحرامه و يقطع التّلبية حتى يدخل مكّة فيطوف و يسعى بين الصّفا و المروة و يحلق رأسه و ينصرف إلى اهله ان شاء و قال هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه فان لم يكن اشترط فان عليه الحجّ من قابل «2» و رواه الصدوق ايضا كذلك الا أنه زاد فيه بعد قوله: «و يحلق رأسه»: «و يذبح شاته» فعلى هذا تقع المعارضة بين هذه الطّائفة من الرّوايات و بين الطّائفة الأولى منها و يمكن الجمع بينهما بوجوه:

الأول- ان يجمع بينهما بتقييد كل من الطّائفتين بما دل على الاجزاء في خصوص المصدود و المحصور و هو ما رواه الفضل عن ابي الحسن قال: سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل ان يعرف فبعث به الى مكة فحبسه فلما كان يوم النّحر خلّى سبيله كيف يصنع؟ قال: يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف إلى

منى و يرمي و يذبح و لا شي ء عليه، قلت: فان خلّى عنه يوم النّفر، كيف يصنع؟ قال: هذا مصدود عن الحجّ ان كان دخل مكّة متمتعا بالعمرة إلى الحجّ فليطف بالبيت أسبوعا ثم يسعى أسبوعا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 66

..........

و يحلق رأسه و يذبح شاته و ان دخل مكة مفردا للحجّ فليس عليه ذبح و لا شي ء عليه «1» و ليس المراد من قوله عليه السّلام: «فلما كان يوم النحر خلّى سبيله» انه خلّى سبيله قبل طلوع الشمس بل المقصود انه خلّى سبيله بعده بقرينة مقابلة ذلك بقوله: «فإن خلّى عنه يوم النّفر» و ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه فإذا أفاق و وجد في نفسه خفّة فليمض ان ظنّ انه يدرك النّاس فان قدم مكّة قبل ان ينحر الهدى فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك و لينحر هديه و لا شي ء عليه و ان قدم مكّة و قد نحر هديه فان عليه الحجّ من قابل و العمرة، قلت: فان مات و هو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة؟ قال يحجّ عنه ان كانت حجّة الإسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه «2» و رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب نحوه الا انه قال: ان ظن انه يدرك هديه قبل ان ينحر. و أنت ترى دلالة هذين الحديثين على الاجزاء في خصوص المصدود و المحصور، فتقيّد الطائفة الاولى من الاخبار الدالة

على الاجزاء مطلقا إذا أدرك اضطراري المشعر النهاري خاصة بهما، و كذا الطّائفة الثّانية الدالة على عدم الاجزاء مطلقا في المحلّ المفروض، فيتّجه الاجزاء في خصوص المصدود و المحصور دون غيرهما بمقتضى الإطلاق و التقييد، فلا يبقى بناء عليه تعارض بين الاخبار.

و لكن لا يخفى ما فيه ضرورة: عدم تماميّة ضابط حمل المطلق على المقيّد و هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب الإحصار و الصدر الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب الإحصار و الصدر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 67

..........

التنافي الموجب لذلك فلا يمكن تقييد الطائفة الأولى الدالة على الاجزاء بهذين الحديثين لكونهما مثبتين.

الثاني- و هو ان هذين الحديثين يقيدان الطّائفة الثانية الدالة على عدم الاجزاء فتصير النتيجة بعد هذا التّقييد عدم الاجزاء، الا في المصدود و المحصور، فبناء عليه تصير الطائفة الثانية الدالة على عدم الإجزاء أخص من الطائفة الأولى الدالة على الاجزاء و ذلك لدلالة الطّائفة الأولى على الاجزاء مطلقا، سواء كان في المصدود و المحصور أو غيرهما، و هذا بخلاف الطائفة الثّانية. لدلالتها بعد تقييدها بالحديثين المزبورين على عدم الإجزاء في خصوص غير المصدود و المحصور، و هذا يوجب انقلاب النسبة، لعدم التّباين على هذا بين الطّائفتين من الاخبار فبعد انقلاب النسبة بين الطّائفتين من التّباين و العامين الى العموم و الخصوص فنقيد الطّائفة الأولى بالثّانية، فيتّجه الاجزاء في خصوص المصدود و المحصور، و عدمه في غيرهما، و لكن انقلاب النسبة بهذا النحو غير صحيح على ما حقّق في محلّه.

الا ان يقال به بنحو آخر بتقريب: انه بعد ما دل هذين الحديثين على الاجزاء في خصوص المصدود و المحصور نعلم ان الطائفة الثانية الدالة

على عدم الاجزاء لا تشمل المصدود و المحصور من أوّل الأمر، فهذه الاخبار كانت في الحقيقة أخص من الطّائفة الاولى من أوّل الأمر فعليه يمكن ان يقال بتخصيص هذه الاخبار للطائفة الاولى.

الثالث- ان يقيد كلتا الطائفتين بما رواه موسى بن القاسم عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن الحسن العطّار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر فاقبل من عرفات و لم يدرك النّاس بجمع و وجدهم قد أفاضوا فليقف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 68

..........

قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه «1» فعليه تقيد الطائفة الأولى الدالة على الاجزاء مطلقا بما إذا أدرك مع اضطراري المشعر النهاري اضطراري عرفة و تقيد الطائفة الثانية الدالة على عدم الاجزاء مطلقا بما إذا لم يدرك معه اضطراري عرفة فتصير النتيجة الاجزاء إذا أدرك اضطراري المشعر النهاري مع اضطراري عرفة و عدم الاجزاء إذا أدرك اضطراري المشعر النهاري خاصة، نعم في خصوص المصدود و المحصور لأجل النصوص الخاصة يحكم بالاجزاء مطلقا.

لكن هذا الجمع انما يتمّ مع الغضّ عما دلت عليه رواية عبد اللّه بن المغيرة التي تقدّم ذكرها في الطائفة الاولى من الاخبار- و اما مع ملاحظتها فلا يتم أصلا، لأن المستفاد منها انه لم يدرك الموقفين و انما أدرك اضطراري المشعر النّهاري خاصة، حيث قال فيها: «جائنا رجل بمنى فقال: اني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا الى ان قال: فدخل إسحاق بن عمّار على ابى الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك؟ فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس يوم النّحر فقد أدرك الحج».

لكن يمكن ان يقال بعدم ارتباط هذا الحديث

بما دل على اجزاء اضطراري المشعر النّهاري فقط لإدراكه اضطراري عرفة و مشعر، فيدل على الاجزاء في خصوص هذه الصّورة و هذا بعينه حديث العطّار المتقدّم لدلالته على انه أدرك اضطراري عرفة و اضطراري المشعر لانه لو لم يدرك ذلك ايضا لم يصدق انه لم يجد النّاس فيه.

لكن يمكن المناقشة في دلالة هذا الحديث على كفاية ادراك الاضطراريين

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 69

..........

لاحتمال كون المقصود من درك المشعر دركه قبل طلوع الشمس بان كان الناس قد أفاضوا قبل طلوع الشمس فاتى المشعر بعده و قد أفاض الناس فعليه ليس له ظهور معتدّ به في انه أدرك الوقوف بعد طلوع الشمس، فلا ربط له بالمقام، لإدراكه اضطراري عرفات و اختياري المشعر، و لكنه بعد يحتاج إلى التأمل، لشموله الاضطراري أيضا بمقتضى إطلاقه، فتدبر.

و كيف كان فعلى فرض تماميّة المناقشة فيه كفانا في الجمع المذكور رواية المغيرة المستفاد منها ادراك الاضطراريّين.

اللهم الا ان يقال: ان رواية المغيرة- المتقدمة- لا تنفي صحة الحج في فرض ادراك اضطراري المشعر النّهارى فقط حتى يقيّد بها الطّائفة الأولى الدّالة على الاجزاء مطلقا و القول باختصاص الحكم بالاجزاء في خصوص درك الاضطراريين، لكون دليليهما مثبتين، و لا يقيّد أحدهما بالآخر فتأمل.

ثم ان ما توهم بعض من ان الطّائفة الثانية أرجح من الاولى فلا يمكن المساعدة عليه، لعدم كون الطّائفة الأولى نادرة و قاصرة الدّلالة.

و اما فتوى المشهور و ان كان مطابقا للطائفة الثّانية الدّالة على عدم الاجزاء الا ان القول بالخلاف ليس مما لا يعتنى به.

و كيف كان فإذا أمكن الجمع بينها بما ذكرناه أو بغيره فهو، و الا

فالمرجع التخيير أو التّعارض و التّساقط و الرجوع الى الأصلي العملي، كل على مبناه في باب تعارض الرّوايات.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 70

..........

ثم انه ينبغي التّنبيه على أمر: و هو انه لا يشترط في اضطراري المشعر النهاري ان يدرك المشعر و عليه خمسة من النّاس. و أمّا ما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن ابى فضال عن عبد اللّه بن المغيرة عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: «من أدرك المشعر الحرام و عليه خمس من الناس قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحجّ» «1» و رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّه بن المغيرة و رواه أيضا بإسناده عن إسحاق بن عمار الا انه ترك قوله: «و عليه خمس من الناس» ففيه ما لا يخفى، لكون نسخته مختلفة.

و اما ما رواه احمد بن محمد عن بن ابى عمير عن هشام بن الحكم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من النّاس فقد أدرك الحجّ» «2» و رواه الصدوق بإسناده عن بن ابى عمير مثله الا انه قال: «على خمسة من الناس» فلانه كما ترى ليس في ذكر عنوان ما بعد طلوع الشمس فلعله ناظر الى ما قبله فعليه يكون ناظرا الى الوقت الاختياري و لعل نظره من قوله: «و عليه خمسة من الناس» هو كون خمسة من الناس علامة على بقاء الوقت فتأمل.

بيان الصّور المركّبة من الوقوف و اما الصور المركبة من الوقوف فنقول:

اما الأولى- و هي ان يدرك الاختياريين (اختياري عرفة و اختياري المشعر)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف الحديث 11

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب

الوقوف الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 71

..........

درك الحج به ضروري و لا ينبغي الكلام فيه.

و اما الصورة الثانية- و هي ان يدرك الاضطراريين اعني اضطراري عرفات و اضطراري المشعر النهارى قال في المستند: «و الأقوى صحة الحج وفاقا للشيخ و الصدوق و السيد و الإسكافي و الحلبيين و المحقق و أكثر كتب الفاضل و أكثر المتأخرين بل الأكثر مطلقا كما قيل. إلخ» و استدل بحديث الحسن العطار المتقدم، لقوله عليه السّلام: «إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فاقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه» «1».

و لكن يمكن المناقشة بأنه يحتمل ان يكون المراد من قوله عليه السّلام: «و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا» هو إفاضة الناس قبل طلوع الشمس و أدرك المشعر قبل طلوع الشمس لعدم لزوم بقائهم إلى طلوع الشمس، فعليه أدرك هذا الشخص اختياري المشعر الذي هو من طلوع الفجر الى طلوع الشمس لا اضطرارية الذي يكون من طلوع الشمس الى الزوال، فيخرج عن المحل المفروض و هو ما إذا أدرك اضطراري المشعر النهاري و اضطراري عرفة، و على فرض عدم تمامية ما ذكر ليس له ظهور معتد به في إدراكه المشعر بعد طلوع الشمس، كما لا يخفى.

و يمكن الاستدلال لذلك برواية المغيرة- التي تقدمت ذكرها- قال: فيها جائنا رجل بمنى فقال: اني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا. الى ان قال: فدخل إسحاق بن عمار الى ابى الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 72

..........

بها قبل ان تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج «1».

و اما العمومات المتقدّمة في صدر المبحث المتضمنة لان من لم يدرك الناس بمشعر قبل طلوع الشمس من يوم النّحر فلا حجّ له الشّاملة بعمومها لمحل النزاع، فتقيّد برواية المغيرة فيحكم بعدم الاجزاء مع دركه اضطراريّ المشعر إذا لم يدرك معه اضطراري عرفة فتدبر.

و مما ذكرنا ظهر لك ما في كلام صاحب المستند «قدّس سرّه» في هذا المقام، حيث قال بعد ما استدل على كفاية الاضطراريين بصحيحة العطّار: «و اما العمومات المتضمنة لان من لم يدرك الناس بمشعر قبل طلوع الشّمس من يوم النّحر فلا حج له الشّاملة بعمومها لمحل النّزاع. فإنها معارضة لمثلها من العمومات القائلة بان من أدرك المشعر قبل زوال الشّمس من يوم النّحر فقد أدرك الحج، و تقييد الأخيرة بمن أدرك اختياري عرفة ليس بأولى من تقييد الاولى بمن لم يدرك عرفة مطلقا و لو اضطراريها بل الأخيرة أولى بوجوه كثيرة منها شهادة صحيحة العطّار له. إلخ» و اما الصورة الثالثة- و هي ان يدرك اختياري عرفات مع ليلي المشعر فبناء على كون الوقوف اللّيلي بالمشعر داخلا في الوقوف الاختياري، فلا ينبغي الارتياب في صحّة الحجّ، لإدراكه الاختياريين حينئذ و درك الحج به ضروريّ، و الا فبناء على القول بأن اختياري عرفات بنفسه مجز، فأيضا لا إشكال في الصحّة. و قد تقدّم الكلام عنه في الصّورة الاولى من الصّور البسيطة من الوقوف و من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 73

..........

و اما بناء على عدم كفايته فيشكل الحكم بالاجزاء، فتدبّر.

و اما الصّورة

الرابعة- و هي ان يدرك اضطراري عرفة مع ليلي المشعر هذه الصورة غير مجز إلا إذا قلنا بان الوقوف الليلي للمشعر داخل في الوقوف الاختياري فعليه يحكم بالاجزاء لما دلّ على انّ من أدرك جمعا فقد أدرك الحجّ.

و اما الصّورة الخامسة- و هي ان يدرك اختياري عرفات مع نهاريّ المشعر قد ادّعى الاتفاق على صحّة الحجّ كما عن المنتهى و التّذكرة و في التّنقيح و غيره بلا خلاف فيه يمكن الاستدلال على ذلك بصحيح معاوية بن عمّار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: «من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و ان كان قد وجد النّاس قد أفاضوا من جمع «1» الا ان يناقش فيه بأنه من المحتمل ان يكون المراد من قوله عليه السّلام:

«فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها. إلخ» هو الرّجوع قبل طلوع الشمس كي يدرك اختياري المشعر لا بعده بان كانت إفاضته قبل طلوع الشّمس فوجدهم قد أفاضوا.

لا يمكن الاستدلال على الصّحة بما رواه محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن ابن فضال عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل أفاض من عرفات فمرّ بالمشعر فلم يقف حتى انتهى الى منى فرمى الجمرة و لم يعلم حتى ارتفع النهار قال: يرجع الى المشعر فيقف به ثم يرجع و يرمي الجمرة «2». ضرورة: ان المفروض فيه هو مروره بالمشعر فقد أدرك الوقوف اللّيلي هذا بناء على كونه داخلا في الوقوف الاختياري.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 74

[الرابعة) من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة ثم يقضيه ان كان واجبا]

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 74

(الرابعة) من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة ثم يقضيه ان كان واجبا على الصفة التي وجبت تمتعا أو قرانا أو افرادا (1)

و كيف كان فقد مر أن إدراك اضطراريين يوجب الإجزاء ففي مفروض المقام يجزي بالأولوية القطعية فتدبر.

و اما الصورة السادسة- و هي ان يدرك اضطراري عرفات مع اختياري المشعر لا ينبغي الإشكال في الاجزاء لما عرفت من دلالة الاخبار على الاجزاء إذا أدرك اختياري المشعر فقط فتدبر.

(1) بلا خلاف فيه بل في المنتهى الإجماع عليه و يدل عليه قوله عليه السّلام صحيح معاوية بن عمار. أيما حاج سائق للهدي أو مفرد للحجّ أو متمتع بالعمرة إلى الحج قدم و قد فاته الحج فليجعلها عمرة و عليه الحج من قابل «1» و رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى و ابن ابى عمير عن معاوية بن عمار نحوه الا انه قال: «و ليحّل بعمرة». و يدل على ما افاده المصنف ايضا قوله عليه السّلام في صحيح حريز. (فان طلعت الشمس يوم النحر فليس له حج و يجعلها عمرة و عليه الحج من قابل.) «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام التي وصلت الى حد الاستفاضة ان لم يكن متواترة و لذا قطع في ير:

«بأنه لو أراد البقاء على إحرامه إلى القابل ليحج به لم يجز» و استظهره في محكي التّذكرة و جعله الشّهيد أشبه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2)

الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 75

..........

قال في الجواهر: «لم أجد فيه خلافا بيننا. نعم، يحكى عن مالك جوازه و ستسمع ما عن ابني حمزة و البراج مع عدم الاشتراط و حينئذ فلا محلل له الا الإتيان بها فلو بقي على إحرامه و رجع الى بلاده و عاد قبل التحلل لم يحتج إلى إحرام مستأنف من الميقات و ان بعد العهد، فيجب عليه إكمال العمرة أولا ثم يأتي بما يريد من النسك حتى لو كان فرضه التمتع وجب عليه الخروج الى أحد المواقيت للعمرة فإن تعذر فمن أدنى الحل كما في حكم من لم يتعمد مجاوزة الميقات و لو صد عن الرجوع من بلاده لإتمام العمرة كان له حكم المصدود عن إكمالها من التحلل بالذبح و التقصير في بلاده كما ستعرف ان شاء اللّه. إلخ» ثم ان تنقيح البحث يتوقّف على ذكر جهات: الاولى- انه هل يجب عليه نية الاعتمار بمعنى قلب إحرامه السابق إليه بالنية أولا، لصيرورته عمرة قهرا فينقلب إحرامه السابق إليها ثم يأتي بباقي أفعالها؟ ظاهر بعض الاخبار المتقدمة من جهة تضمنها، لقوله عليه السّلام «فهي عمرة مفردة». كما في خبر محمد ابن فضيل الذي تقدم ذكره «1» في الأخبار الدّالة على عدم إجزاء ادراك اضطراري المشعر النهاري خاصة. و قوله عليه السّلام في خبر إسحاق بن عمار: «فإذا طلعت الشمس فليس له حج، فقلت له كيف يصنع بإحرامه؟ قال: يأتي مكّة فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة. إلخ «2» و قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار «. يقيم مع الناس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب

الوقوف بالمشعر الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 76

..........

حراما أيام التشريق و لا عمرة فيها فإذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل و عليه الحج من قابل «1» و قوله عليه السّلام في صحيح ضريس يقيم على إحرامه و يقطع التلبية حتى يدخل مكة فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة و ينصرف إلى اهله ان شاء «2» عدم وجوب قلب إحرامه السابق الى الاعتمار بالنية، لانقلاب إحرامه عمرة قهرا.

من غير توقف على نية الاعتمار، فلو اتى بأفعالها من غير نية العمرة لكفى حيث انه ترى دلالتها على وجوب الإتيان بأفعال العمرة على من فاته الحج من غير تعرض لنقل النية فلا تكون معتبرة كما نقله في الذخيرة عن موضع من القواعد و عن الدروس و اختاره هو لما ذكر.

و لا ينافي ذلك قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدم «فليجعلها عمرة» لإمكان القول بان المفهوم من هذا، الإتيان بأفعالها لا نيتها كذلك.

و لكن عن التحرير و المنتهى اعتبار النيّة، للأصل و قوله: «إنما الأعمال بالنيّات» و عدم وضوح دلالة نحو قوله عليه السّلام: «فهي عمرة و يطوف و يسعى» على الانقلاب القهري، لجواز ان يكون المعنى فالواجب عليه هذه الأمور و أفعاله التي يجب عليه الإتيان بها أفعال العمرة» و لكن كلها لا يخلو من المناقشة و الاشكال.

أما الأصل: ففيه ما لا يخفى.

و اما قوله: «إنما الأعمال بالنيّات» فقال في الجواهر: «و كون الأعمال بالنيّات مع انه بالنسبة إلى نيّة القربة انما يقتضي ابتدائه بها لا اعتبارها فيما يتفق له

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب

27 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 77

..........

من الأحكام على انه إذا كان متمتّعا فقد نوى العمرة الا انه فاته الحج فاتصفت عمرته بالإفراد قهرا نحو صلاة الجماعة التي مات الإمام في أثنائها على ان الإحرام السابق لا تؤثر فيه النيّة اللّاحقة فليس هو حينئذ إلا حكما شرعيا، و لعله لذا مال اليه بعض، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في نيّة العدول. إلخ» و لكن اختار صاحب المستند القول الثاني حيث قال في ذيل المبحث: «و لكن الإنصاف ان المتبادر من الجعل عمرة النقل إليها بالاختيار اما بالقصد أو بأمر اختياري مشعور به و هو ايضا لا ينفكّ عن قصدها و الا لم يكن جعلا منه و هو ظاهر فالحق هو القول الثّاني».

الثّانية- ان هذه العمرة صارت واجبة بالفوات فلا يجزى عن عمرة الإسلام كما صرّح به في الدّروس و غيرها بل هو ظاهر غيرهم ايضا بل يمكن دعوى ظهور النّصوص فيه.

الثالثة- ان مقتضى قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمّار المتقدم: «. فليجعلها عمرة و عليه الحجّ من قابل.» وجوب الحج على من فاته الحجّ في العام القابل مطلقا سواء استقرّ عليه الحجّ أولا و لكن لا يمكن الالتزام به بعد أعراض المشهور عنه حيث انهم حكموا بوجوب الحجّ عليه في العام القابل إذا كان الحجّ مستقرا عليه و الا فحكموا بالاستحباب و في الذخيرة: «انه لا اعرف خلافا بين الأصحاب في ذلك» و نحوه غيره.

لكن في تهذيب الشيخ «قدّس سرّه»: «ان من اشترط في حال الإحرام يسقط

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص:

78

[الخامسة) من فاته الحج سقطت]

(الخامسة) من فاته الحج سقطت عنه أفعاله (1)

عنه القضاء و ان لم يشترط وجب» مستدلا عليه بصحيح ضريس بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكّة إلا يوم النّحر؟

فقال: يقيم على إحرامه و بقطع التّلبية حين يدخل مكة فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة و يحلق رأسه و في الفقيه: و يذبح شاته و ينصرف إلى اهله ان شاء و قال: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه فان لم يكن اشترط فعليه الحجّ من قابل «1» و هذا مما لا يمكن المساعدة عليه بعد ذهاب المشهور الى عدم وجوب الحجّ في العام القابل على من فاته الحج ان كان ندبا و ان لم يشترط، و وجوبه إذا كان واجبا (اي مستقرا) و ان اشترط فعليه يمكن حمله على شدّة استحباب الإتيان به في العام القابل إذا لم يشترط و كان مندوبا أو غير مستقر الوجوب و لا مستمرة و يمكن حمله على ما أفاده ابني حمزة و البراج من جعل فائدة الاشتراط جوازا للتّحلّل فيكون المراد حينئذ ان عليه البقاء على إحرامه الى ان يأتي بالحج من قابل ان لم يشترط و الا جاز له التّحلّل، و لكن لا يخفى ما في هذين الحملين من المناقشة و الاشكال:

اما في الأوّل- فواضح. و اما في الثّاني- فلأنه مناف لظاهر النصوص المتقدمة الآمرة بجعله عمرة، فتدبر.

(1) انه لا ينبغي الاشكال ان من فاته الحجّ يسقط عنه أفعاله و في الجواهر: «بلا خلاف معتد به أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه إلخ.» و يدل على ذلك ما تقدّم من الاخبار الآمرة بجعلها عمرة.

______________________________

(1) ذكره

صاحب الجواهر و في الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 79

..........

و لكن ذهب بعض من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) إلى وجوب الهدى عليه قياسا على المحصر. (و فيه) ما لا يخفى.

أما أولا- فلكونه قياسا مع الفارق، فلا يمكن التعدي عن المورد الى مفروض المقام.

و اما ثانيا- فيدل على خلافه صحيح ضريس المتقدّم على ما في الفقيه.

و اما ذكر الشاة فيه و إضافته إليه- كما ذكره صاحب الجواهر- (قدس سره) يشعر بأنه كانت معه شاة عينها للهدي بنذر و نحوه مع احتماله النّدب و لكنه لا يخلو من تأمل و العمدة إعراض الأصحاب عن العمل به الموجب لخروجه عن حيّز دليل الاعتبار و اما ما ورد في خبر داود بن كثير الرّقي قال: كنت مع ابى عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجل فقال: قدم اليوم قوم قد فاتهم الحج؟ فقال: نسأل اللّه العافية، قال: ارى عليهم ان يهريق كل واحد منهم دم شاة و يحلّون «يحلق» و عليهم الحج من قابل ان انصرفوا الى بلادهم و ان أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا الى بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا منه و اعتمروا فليس عليهم الحج من قابل «1» ففيه:

أولا- انه ضعيف سندا.

و ثانيا- على فرض تماميّته من حيث السّند لا عبرة به، لإعراض الأصحاب عنه الموجب لخروجه عن حيّز دليل الحجّية و الاعتبار.

و ثالثا- بعد الغضّ عمّا ذكر يحمل على التقية، لأن وجوب الحج على فائت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 80

..........

الحج محكي عن الشافعي و أكثر العامّة، كما

ان ما فيه من وجوب الحج في العام القابل محكيّ عن ابن عباس و ابن الزّبير و مروان و أصحاب الرأي ان كان الحج مندوبا، و قد عرفت ان الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لم يلتزموا به فلا يمكن الاعتماد عليه.

و في كشف اللثام على ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره): «فليحمل على انهم كانوا مصدودين أم محصورين فان عليهم حينئذ هدي التّحلل و معنى قوله عليه السّلام:

«و عليهم الحجّ. إلخ» انهم ان استطاعوا ان يرجعوا الى بلادهم ثم يعودوا كان عليهم الحجّ من قابل و الا لم يكن عليهم إلا عمرة فليعتمروا ثم يرجعوا الى بلادهم أو على انهم لم يجب عليهم الحجّ كما فعله الشّيخ «قدّس سرّه» و يمكن ان يكونوا قد أحرموا بعمرة أو لا يكونوا أحرموا بعمرة و لا حجّ، لما علموا انهم لا يدركون الموقف فكان يستحب لهم ذبح شاة و الحلق تشبيها بالحّاج فان كانوا أحرموا بحج فبعد الانتقال إلى العمرة و الإتيان بمناسكها و ان كانوا أحرموا بعمرة فبعد الإتيان بمناسكها و الا فعلوا ذلك ابتداء. ثم ان وافقوا الحاج فأقاموا و لم ينصرفوا الى بلادهم ثم أتوا بعمرة من أحد مواقيت أهل مكّة فلا يتأكّد عليهم الرّجوع في القابل و الإتيان فيه بالحجّ، فهذه العمرة تكفيهم و هي عمرة ثانية ان كانوا قد قدموا محرمين، و الا فلا، و ان لم يقيموا أيام التّشريق و عجّلوا الانصراف الى بلادهم تأكّد عليهم الإتيان في القابل يحجّ. الى ان قال صاحب الجواهر: و ان كان هو كما ترى نحو المحكي عن الشّيخ من جمله على خصوص من اشترط، و ما عن الفاضل من انّ وجوب العود عليهم مع كون

الحجّ مندوبا، للإتيان بأفعال العمرة الّتي تركوها أو غير ذلك من المحامل البعيدة الّتي هي خير من الطّرح

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 81

و يستحب له الإقامة بمنى الى انقضاء أيام التشريق ثم يأتي بأفعال العمرة الّتي يتحلّل بها (1)

الذي لا بأس بالتزامه مع فرض تعذرها اجمع بعد منافاته لغيره و الاعراض عنه، فإنه لم نعرف القائل به بخصوصه بالنسبة إلى وجوب فيها. نعم، في دروس: أوجب الهدى على بن بابويه و ابنه على المتمتّع بالعمرة يفوته الموقفان العمرة و دم شاة و لا شي ء على المفرد سوى العمرة، و لا ريب في ضعفه و ان كان هو الأصل انتهى».

الخامسة- لا شبهة في اعتبار طواف النّساء في عمرة الإسلام المفردة، اما هذه العمرة فلم يتعرض أحد من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بلزوم اعتباره فيها، كما انه لم يتعرّض ذلك الأخبار الواردة في المقام، بل ظاهر النّصوص المتعرّضة لافعالها هو عدم اعتباره فيها، فتدبر.

(1) لا ينبغي الإشكال في استحباب الإقامة لمن فاته الحج بمنى الي انقضاء أيام التشريق ثم الإتيان بأفعال العمرة، و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل جاء حاجا ففاته الحج و لم يكن طاف؟ قال: يقيم مع الناس حراما أيام التشريق و لا عمرة فيها فإذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل و عليه الحج من قابل و يحرم من حيث أحرم «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 82

[خاتمة- ما يستحب في المشعر الحرام]
اشارة

خاتمة- ما يستحب في المشعر الحرام

[إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصى منه]
اشارة

إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصى منه، و هو سبعون حصاة و لو أخذه من غيره جاز لكن من الحرم عدا المساجد و قيل عدا المسجد الحرام و مسجد الخيف (1)

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا.

بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر التّذكرة و المنتهى: الإجماع عليه. إلخ» و يدل عليه- مضافا الى اتفاق الأصحاب- صحيح معاوية بن عمار قال: (خذ حصى الجمار من جمع. و ان أخذته من رحلك بمنى أجزأك) «1» و ما رواه مثنى الحناط عن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الحصى الّتي يرمى بها الجمار؟ فقال: تؤخذ من جمع، و تؤخذ بعد ذلك من منى «2».

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- ان مقتضى قوله عليه السّلام في حديث زرارة: «و تؤخذ بعد ذلك من منى» هو استحباب أخذها من منى بعد المشعر على ما في الجواهر.

الثاني- ان ما افاده المصنف «قدّس سرّه» بقوله: «و هو سبعون حصاة» فستعرف تفصيلها، و لكن لو زاد على ذلك احتياطا حذرا من سقوط بعضها أو عدم اصابته كان اولى.

الثالث- ان مقتضى الخبرين المتقدمين و غيرهما هو جواز أخذ الحصى من غير المشعر و هو المعروف بين الأصحاب، و قد نفى عنه الخلاف، و من هنا يظهر ضعف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 83

..........

القول بعدم جواز الأخذ من وادي محسر و ضعف ما عن «هي»: «من انه لو رمى بحصاة محسّر

كره له ذلك و هل يكون مجزيا أم لا؟ فيه تردّد أقربه الإجزاء عملا بالعموم».

الرابع- انه يجوز أخذ الحصى من غير المشعر، الا انه يجب ان يكون من الحرم من ايّ جهات شاء، فلا يجوز له ان يأخذه من غيره، و هذا مما لا ينبغي الكلام و الاشكال فيه، و يدلّ عليه- مضافا الى اتفاق الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير عن جميل عن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: حصى الجمار ان أخذته من الحرم أجزأك و ان أخذته من غير الحرم لم يجزئك. «1» و ما رواه محمد بن احمد عن محمد بن عيسى عن يس الضرير عن حريز عمن أخبره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار؟ قال: لا تؤخذ من موضعين من خارج الحرم و من حصى الجمار و لا بأس بأخذه من سائر الحرم «2».

الخامس- انه عرفت مقتضى الأخبار الواردة في المقام هو جواز أخذ الحصى من الحرم من أيّ جهة شاء، و لكن يستثني من ذلك المسجد الحرام و مسجد الخيف فلا يجوز أخذ الحصى منهما، و يدل عليه ما رواه محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن حنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم الا من المسجد الحرام و مسجد الخيف «3» و ما رواه علي بن الحسين بإسناده

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3

(3)

الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 84

..........

عن حنان بن سدير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: يجزيك ان تأخذ حصى الجمار من الحرم كله الا المسجد الحرام و مسجد الخيف «1».

السادس- انه لم يستثن القدماء على ما ذكره الشهيد الأول في الدروس من الحكم المزبور- و هو جواز أخذ الحصى من جميع الحرم- سوى المسجدين بل في المختلف- على ما حكاه صاحب المستند «قدس سره»- التصريح بالجواز عن غيرهما عن الصدوق و الشيخ و الحلبي و الحلّي و ابن حمزة، بل ظاهر التّذكرة و المنتهى الإجماع عليه، و ان كان فيهما بعد ذلك الإجماع نسبة التعدّي إلى سائر المساجد الى بعض علمائنا و لكن استثنى جماعة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» سائر المساجد ايضا، منهم المصنف «قدس سره» و العلامة في القواعد و لكن لم يذكروا دليلا على ذلك.

يمكن ان يكون وجه ذلك دعوى انه ذكر المسجدين فقط من باب المثال و لا خصوصية فيهما و انما ذكرا لأنهما الفرد المتعارف.

و لكن فيه ما لا يخفى، لان مورد الأخبار المتقدمة هو المسجد الحرام و مسجد الخيف و مع احتمال دخل خصوصيّة المورد في الحكم لا وجه للتعدي إلى غيره.

ان قلت يمكن التّعدي من المورد- و هو المسجد الحرام و مسجد الخيف- الى غيره- و هو سائر المساجد- بوحدة المناط أو بغلبة اشتراك المساجد في الأحكام لندرة الأحكام المختصّة بكل منها فإذا شكّ ان الحكم الكذائي مختص بالمسجد الحرام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 85

..........

أو مشترك بينه و بين غيره فيلحق المشكوك

بالأعمّ الأغلب، في كليهما ما لا يخفى:

اما في الأول- فلما تقدم غير مرّة: من ان المعتبر منه هو القطعي و هو غير حاصل في الشرعيات، و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن بالحكم، و من المعلوم انه لا يغني من الحق شيئا، لعدم دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا باطلا عندنا، لاحتمال خصوصية للمسجد الحرام و مسجد الخيف دون غيرهما، و لا دافع لهذا الاحتمال الا فهم المثالية من ذكرهما، بدعوى: ظهوره فيها و لكنها غير مسموعة، لكون الظاهر على خلافها، فتدبر.

و اما في الثاني- فلعدم الدّليل على اعتبار الظن الحاصل من الغلبة في الشّرعيّات و نفس الشّك في اعتباره كاف في عدم جواز ترتيب آثار الحجّة عليه.

و كيف كان فتنقيح هذه المسألة- و هي جواز إخراج حصى المساجد منها و عدمه- مبتن على النهي عن إخراج حصى المساجد و عدمه، فيحرم على الأول، دون الثاني.

قال في الجواهر: «. قيل: (ان إخراج الحصى من المساجد منهي عنه و هو يقتضي الفساد) و ان كان فيه: أولا: ان الذي تقدم سابقا في أحكامها كراهة الإخراج و ثانيا- ان حرمة الإخراج لا تقتضي حرمة الرمي الا على مسألة الضد، إذا قلنا بوجوب المبادرة إلى العود المنافي له، كما ان وجوب عودها إليها أو الى غيرها من المساجد لا ينافيه الرمي المقتضي لالتباسها بغيرها لولا إمكان تعليمها بما لا تشتبه به، فالعمدة حينئذ ما عرفت).

السادس- ان المراد بحصى الحرم- كما هو المتبادر- هو المتكون فيه أو لم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 86

[واجبات الرّمي]

واجبات الرّمي و يجب فيه شروط ثلاثة: ان يكون مما يسمى حجرا (1)

يعلم نقله اليه من غيره، فلا

يكفي ما علم انه نقل اليه من غيره فتأمل.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل في الجواهر: «عند علمائنا في محكي كرة و هي و الانتصار بل في الأخير صريح الإجماع و لكن الموجود في النصوص و الفتاوى الحصى و الحصيات، بل قد سمعت ما في حسن زرارة من النهي عن رمي الجمار الا بالحصى، و من هنا قال في المدارك: «الأجود تعين الرمي بما يسمى حصاة، فلا يجزى الرمي بالحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة، خلافا للدروس و كذا الصّغير جدّا بحيث لا يقع عليه اسم الحصاة، و سبقه الى ذلك جده، قال «احترز باشتراط تسميتها حجرا على نحو الجواهر و الكحل و الزرنيخ و العقيق، فإنها لا تجزى، خلافا للخلاف، و يدخل فيه الحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة عرفا، و ممن اختار جواز الرمي به في الدروس و يشكل بأن الأوامر الواردة إنما دلت على الحصاة. إلخ» لا ينبغي الإشكال في انه يجب ان يكون مما يصدق عليه الحصى، وفاقا للأكثر لأن المأمور به فما افاده المصنف (قدس سره) بقوله: «ان يكون مما يسمى حجرا» على إطلاقه لا يستقيم، و لكن يمكن ان يكون مراده جنس الحصى لا الاجتزاء بمطلق الحجر، و مما يؤيد ذلك ما ذكره في صدر المبحث بقوله: «إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصى منه» فتدبر.

و كيف كان فلا يجوز بغير الحجر- كالمدر و الآجر و الزرنيخ و الذهب و الفضة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 87

و من الحرم (1) و أبكارا (2)

و نحو ذلك- خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من الجواز بالحجر و بما كان من نفس الأرض- كالطين و المدر و

الكحل و الزرنيخ- و عن أهل الظاهر: من الجواز بكل شي ء- حتى لو رمى بالخزف و العصافير الميتة أجزأ- فتدبر.

(1) وجوب كون الحصى من الحرم مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و يدل عليه قوله عليه السّلام في مرسل حريز:

«لا تأخذه من موضعين، من خارج الحرم من حصى الجمار» «1».

ان قلت: انه ضعيف سندا، لإرساله.

قلت: انه و ان كان ضعيفا سندا، الا انه منجبر بعمل الأصحاب، فلا يصغي الى المناقشة فيه بضعف السند بعد الانجبار الموجب للاطمئنان بصدور الحكم عن المعصوم عليه السلام الذي هو مناط الحجية و الاعتبار. مضافا الى حسن زرارة أو صحيحة المتقدم الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السلام).

(2) وجوب كون الحصى أبكارا مما لا شبهة فيه، و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع، و يدل عليه- مضافا الى اتفاق الأصحاب- مرسل حريز المتقدم، و خبر الأعلى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال: لا تأخذ من حصى الجمار «2».

و رواه الصدوق (قدس سره) مرسلا، الا انه قال: «لا تأخذ من حصى الجمار الذي رمى».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 88

[مستحبّات الرّمي]

مستحبّات الرّمي و يستحب ان يكون برشاء [1] رخوة، بقدر الأنملة، كحلّية منقّطة، ملتقطة (1)

ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- ان المراد من كون الحصى أبكارا: لم يرم بها رميا صحيحا، فلو رمى بها بغير نيّة، أو لم يصب الجمرة و نحو ذلك جاز الرّمي بها ثانيا، و لم يخرج من كونها بكرا».

الثاني-

انه عرفت انجبار ضعف سند مدرك الحكم بعمل الأصحاب، (رضوان اللّه تعالى عليهم) فلا يبقى مجال للمناقشة في مدرك الحكم المزبور.

الثالث- انه هل يشترط طهارة الحصى أولا؟ فيه قولان- كما في الذّخيرة، على ما حكاه صاحب المستند (قدس سره)- أقربهما العدم، وفاقا للأكثر، لعدم دليل معتبر عليه.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب و الظاهر انه المتسالم عليه فيما بينهم.

______________________________

[1] و المراد من كلمة (برشاء) ان يكون في الحصى نقط يخالف لونه، كما نسب الى المشهور و لكن أقوال أرباب اللغة فيها مختلفة: حكى عن الجوهري ما نسب الى المشهور و هو: «ان فيه نقط يخالف لونه».

و حكى عن ابن فارس: انه خصوص نقط بيض.

و حكى عن النّهاية هو ما فيه لون مختلط حمرة و بياضا و غيرهما.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 89

..........

اما استحباب كون الحصى برشاء و رخوة فاستدل له بحسن هشام بن الحكم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حصى الجمار؟ قال: كره الصم منها و قال عليه السّلام خذ البرش «1».

و اما استحباب كون الحصى منقّطة و مثل إلا نملة، و كحلية، فاستدل بما رواه البزنطي عن ابى الحسن عليه السّلام قال: حصى الجمار تكون مثل الأنملة، و لا تأخذها سوداء و لا بيضاء، و لا حمراء خذها كحلية منقطة «2».

و اما استحباب كون الحصى ملتقطة فاستدل له بما رواه ابى بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: التقط الحصى و لا تكسّرن منه شيئا «3».

لا يخفى: انّ ظاهر هذه الاخبار- كما ترى- هو وجوب كون الحصى برشاء و غيره من العناوين التي تضمّنها الأخبار الواردة في المقام، الا ان تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على عدم الوجوب

قرينة على رفع اليد عن هذا الظّهور، و اما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه، فتدبر.

______________________________

و حكى عن المحيط: هو مختلط بحمرة.

عن تهذيب اللغة: هو ما فيه ألوان و خلط.

و لا يخفى انه على التفسير الأول يكون مساويا للمنقطة، فتغنى عنها و لعله لذلك اقتصر الشّيخ في النّهاية و التّهذيب و الجمل على البرش و على الثاني: يكون اخصا منها، و على البواقي يكون أعما و المراد من كلمة: «ملتقطة» ان يكون كل واحدة مأخوذة من الأرض منفصلة و لا تكون مكسورة من حجر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 90

و يكره ان يكون صلبة (1) أو مكسرة (2)

و يستحب لمن عدا الإمام الإفاضة قبل طلوع الشمس بقليل (3)

ينبغي هنا التّنبيه على أمر: و هو انه يحكم باستحباب كون الحصى واجدا للعناوين المذكورة بناء على تمامية أحاديث المتقدّمة من حيث السّند، و الا فلا يمكن الحكم باستحباب ما تقدم بقاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من اخبار: «من بلغ»، لما ذكرناه غير مرّة من عدم إمكان استفادة الحكم منها، لأن غاية ما تدل عليه- بعد البناء على عدم إجمالها- هو ترتب الثّواب على العمل الموعود عليه ذلك، فتدبر.

(1) لا ينبغي الإشكال في ذلك. و استدل لذلك بقوله عليه السّلام في حسن هشام بن الحكم المتقدم: (كره الصم).

(2) استدل له بقوله عليه السّلام في رواية أبي بصير المتقدّمة: «و لا تكسرن منهن شيئا» و لكن يمكن المناقشة فيها بأنها انما تدل بظاهرها على حرمة

الكسر لا الرمي بالمكسرة.

اللهم الا ان يفهم ان النهى عن ذلك لذلك، كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» فتدبر.

ثم انه لا يخفى ان الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) لم يعملوا بظاهر ما دلت عليه الرواية و انما استفادوا منها الكراهة، و حكى عن الغنية الإجماع عليه.

(3) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا بل عن المنتهى: «لا نعلم فيه خلافا» و يدل عليه ما رواه صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 91

و لكن لا يجوز وادي محسر الا بعد طلوعها «اي الشمس» (1)

قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام ايّ ساعة أحبّ إليك ان أفيض من جمع؟ قال: قبل ان ان تطلع الشمس بقليل فهو أحب السّاعات اليّ، قلت: فان مكثنا حتى تطلع الشّمس؟

قال: لا بأس «1». و نحوه غيره من الاخبار.

و من هنا ظهر ضعف ما حكى عن الصدوقين و المفيد و السيد و سلار و الحلبي من عدم الجواز، بل عن الأولين وجوب شاة عن من قدمها على طلوع الشمس، لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: «ثم أفض حين يشرق لك ثبير و ترى الإبل موضع أخفافها» بناء على ارادة طلوع الشمس من الإشراق فيه و في ذيل الخبر، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان أهل الجاهلية يقولون أشرق ثبير كيما يغير و انما أفاض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خلاف أهل الجاهلية. «2».

و كيف كان فلا يمكن الاستدلال به على عدم الجواز و ذلك لما عرفته سابقا من ان المراد من الإشراق هو الاسفار بقرينة قوله عليه السّلام: «و ترى الإبل موضع أخفافها» الذي لا

يعبر بذلك عن بعد طلوع الشمس. نعم، لا يجوز التجاوز عن وادي محسر قبل طلوع الشمس للنصوص، كما ستعرفه الآن. و لما حكى عن المنتهى و التّذكرة من الإجماع على عدم إثمه لو أفاض بعد طلوع الفجر أو قبل طلوع الشمس. فلا عبرة بأصل الصحيح فضلا عن ذيله

(1) يدل عليه ما رواه هشام بن الحكم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس «3».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 92

و الامام يتأخر حتى تطلع (1) و السعي بوادي محسر و هو يقول: اللهم سلم عهدي و اقبل توبتي و أجب دعوتي و اخلفني فيمن تركت بعدي (2)

(1) و استدل عليه بما رواه حماد بن عثمان عن جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: ينبغي للإمام ان يقف بجمع حتى تطلع الشمس و سائر الناس ان شاءوا عجلوا و ان شاءوا تأخروا «1» فينبغي للإمام ان يتأخّر الإفاضة من المشعر إلى منى حتى تطلع الشمس، و قد صرح بذلك غير واحد من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل عن الشيخ و ابن حمزة و القاضي و ظاهر ابني حمزة و سعيد على ما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» الوجوب.

و لكن لا يخفى ما فيه، و ذلك لمنافاة هذا القول مع ظاهر الخبر المتقدم المستفاد منه جواز الإفاضة له قبل ان تطلع الشمس مضافا الى الأصل.

و لا يخفى ايضا ما في المحكي عن ابن

إدريس من استحباب ذلك (أي التأخير) لغير الامام، و ذلك لمنافاته ما عرفته من موثق إسحاق بن عمار الدّال على استحباب الإفاضة من المشعر لغير الامام قبل ان تطلع الشّمس، فتدبر.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه. إلخ».

و يدل عليه ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم عن إبراهيم الأسدي عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) «في حديث الإفاضة من المشعر» قال: فإذا مررت بوادي محسّر و هو واد عظيم بين جمع و منى و هو الى منى أقرب فأسع

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 93

و لو ترك السعي فيه رجع فسعى استحبابا (1)

فيه حتى تجاوزه، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرك ناقته و يقول: «قال خ ل» اللّهم سلّم لي عهدي، و اقبل توبتي، و أجب دعوتي، و اخلفني «بخير» فيمن تركت بعدي «1» و ما رواه عبد اللّه بن مسكان عن عبد الأعلى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا مررت بوادي محسّر فأسع فيه، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سعى فيه «2» و ما رواه محمد بن إسماعيل عن ابى الحسن عليه السّلام قال: الحركة في وادي محسر مأة خطوة «3» و نحوه غيره من الاخبار الواردة في المقام.

ينبغي هنا بيان أمرين: 1:- ان ظاهر قوله عليه السّلام فيه: «فاسع فيه» هو كونه بداعي الجدّ، الا انه ترفع اليد عنه لأجل تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه، لكونه قرينة على ذلك،

و اما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه.

2:- ان السّعي هنا انما يكون بمعنى الهرولة اي الإسراع في المشي للماشي، و تحريك الدّابة للرّاكب، على ما افاده صاحب الجواهر «قدس سره».

(1): و استدل بما رواه حفص البختري و غيره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال لبعض ولده: هل سعيت في وادي محسّر؟ فقال: لا، فأمره ان يرجع حتى يسعى.

إلخ «4» و مرسل الحجال قال: مرّ رجل بوادي محسّر، فأمره أبو عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.

(4) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 94

[القول في نزول منى و ما بها من المناسك]
اشارة

القول في نزول منى [1] و ما بها من المناسك فإذا هبط بمنى استحب له الدعاء بالمرسوم (1) و مناسكه يوم النحر ثلاثة، و هي: رمي جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق (2)

بعد الانصراف إلى مكة ان يرجع فيسعى «1» و هذين الحديثين- كما ترى- يدلان على وجوب السعي الا انه ترفع اليد عنه، لأجل التسالم على خلافه.

ثم انه بناء على عدم تمامية السند لا يمكن إثبات الحكم- و هو استحباب السعي في وادي محسر- بقاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من اخبار من بلغ، لما ذكرناه غير مرة من ان غاية دلالتها بعد البناء على إجمالها هو ترتب الثواب علي العمل الموعود عليه ذلك لا الحكم فتدبر.

(1) قال في الجواهر: «لم أقف على دعاء مأثور في ذلك كما اعترف به في مدارك

1 رمى جمرة العقبة

(2) اما

الأول و هو وجوب رمي جمرة العقبة فهو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا بل في المنتهى و التذكرة: (لا نعلم فيه خلافا)

______________________________

[1] منى- بكسر الميم و القصر- و هي المكان المعروف و سمى بها لوجوه:

1- لما بمنى بها من الدماء.

2- إن جبرائيل عليه السلام لما أراد ان يفارق آدم عليه السلام هناك قال له: تمن؟ قال:

أتمنى الجنة، فسميت بذلك لا منية آدم.

3- لما في خبر ابن سنان المروي عن العلل عن الرضا عليه السلام لما سئل عن ذلك قال:

لأن جبرائيل قال: هناك لإبراهيم عليه السلام: تمن على ربك- ما شئت فتمنى ان يجعل اللّه مكان ولده إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له فأعطاه اللّه مناه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 95

..........

بل في السرائر (لا خلاف فيه بين أصحابنا).

و اما ما في عبارة جمل الشيخ (قدس سره) من انه مسنون محمول على انه مستفاد وجوبه من السنة لا من الكتاب، لان الكتاب لا يدل على ذلك فلا يكون المراد منه انه مندوب فتدبر.

و كيف كان فيدل عليه- مضافا الى اتفاق الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) جمله من النصوص المأثورة عنهم عليهم السلام- منها:

1- صحيح سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام معنا نساء، قال:

أفض بهن بليل و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع، ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكة الحديث «1».

2- خبر علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام قال: اي امرأة أو رجل خائف أفاض من

المشعر الحرام بليل فلا بأس فليرم الجمرة ثم ليمض و ليأمر من يذبح عنه و تقصر المرأة و يحلق الرجل «2».

3- حسنة بن أذينة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: و سألته عن قول اللّه عز و جل الحج الأكبر فقال: الحج الأكبر الوقوف بعرفة و رمي الجمار «3».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 2

(3) الوسائل ج الباب 19 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 96

[اما الأول]
[فالواجب فيه]

اما الأول فالواجب فيه النية (1) و العدد و هو سبع (2)

4- حسن معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها.

إلخ «1» الى غير ذلك من الاخبار التي تقدمت بعضها في مسألة جواز الإفاضة بليل من المشعر الحرام للنساء و الخائف و غيرهما المتضمنة للرمي على وجهه.

(1) لا ينبغي الكلام في ذلك، لما عرفته غير مرة من اعتبارها في كل عبادة.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه). بل عن المنتهى: (عليه إجماع المسلمين) و استدل لذلك بعدة اخبار- منها:

1- ما رواه علي بن أبي حمزة عن ابي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

ذهبت أرمي فإذا في يدي ست حصيات؟ فقال: خذ واحدة من تحت رجليك «2».

2- خبر عبد الأعلى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: رجل رمى الجمرة بست حصيات فوقعت واحدة في الحصى؟

قال: يعيدها ان شاء من ساعته و ان شاء من الغد إذا أراد الرّمي و لا يأخذ من حصى الجمار «3».

3- صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في رجل أخذ احدى و عشرين حصاة فرمى بها فزادت واحدة فلم يدر أيّهن نقص؟ قال: فليرجع و ليرم كل واحدة بحصاة فإن سقطت عن رجل حصاة فلم يدر أيّهن هي فليأخذ من تحت قدميه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب العود ان منى و رمي الجمار و المبيت و النفر. الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب العود ان منى و رمي الجمار و المبيت و النفر. الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 97

و إلقائها بما يسمى رميا (1) و اصابة الجمرة بها بفعله، فلو وقعت على شي ء و انحدرت على الجمرة جاز (2)

حصاة و يرمي بها «1» 4- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: و قال في رجل رمى الجمار فرمى الأولى بأربع و الأخيرتين بسبع سبع؟ قال: يعود فيرمي الأولى بثلاث و قد فرغ، و ان كان رمى الاولى بثلاث و رمى الأخيرتين بسبع سبع فليعد و ليرمهن جميعا بسبع سبع، و ان كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع، و ان كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث «2».

5- ما حكى عن فقه الرّضا (عليه السّلام): «و ارم جمرة العقبة في يوم النحر بسبع حصيات».

(1) هذا ايضا مما هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا. بل في الجواهر:

بلا خلاف أجده فيه

بل و لا اشكال، لما سمعته من الأمر به المتوقف صدق امتثاله على تحقق مسماه، فلا يجزى الوضع و نحوه مما لا يسمى رميا قطعا، بل إجماعا بقسميه، خلافا للعامة، بل لا يجزى المشكوك فيه ايضا فضلا عن المقطوع به».

(2) هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم». بل قد نفى الخلاف عنه- كما في المدارك و الذخيرة- و ادعى عليه الإجماع- كما في شرح المفاتيح- ليتحقق الواجب المأمور به في النصوص و غيرها- و هو مفهوم الرمي- فلا يجزى إذا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب العود إلى منى و رمى الجمار و المبيت و النّفر الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب العود إلى منى و رمي الجمار و المبيت و النّفر الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 98

و لو قصرت فتممها حركة غيره- من حيوان أو إنسان- لم يجزه (1) و كذا لو شك فلم يعلم وصلت الجمرة أو لا (2) و لو طرحها على الجمرة من غير رمي لم يجزه (3)

رماها و لم يصبها و يدل عليه- مضافا الى عدم صدق رمي الجمرة مع عدم الإصابة- قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار الآتي: «و ان رميت بحصاة فوقفت في محمل فأعد مكانها».

و كذا لا يجزي فيما لو رماها و أصابت حيوانا و تحرك و وقعت الإصابة بحركته لكونها بغير فعله- كما لا يخفى- و حتى لو وقعت على حصاة فارتفعت الثانية إلى الجمرة لم تجزه، و ان كانت الإصابة عن فعله، لخروجه عن مسمى رميته، كما هو واضح.

نعم لو وقعت على شي ء ثم خرجت إليها أو تجاوزت عنه إليها كما إذا وقعت على

ارض صلبة ثم رجعت منها إليها، فالوجه الاجزاء، لصدق الامتثال بعد ان كانت الإصابة بفعله.

و استدل لذلك ايضا بصحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال «في حديث» فان رميت بحصاة فوقفت في محمل فأعد مكانها، و ان أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت على الجمار أجزأك «1».

(1) هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه، لعدم صدق الإصابة بفعله، كما لا يخفى.

(2) هذا ايضا مما لا ينبغي الإشكال فيه و ذلك تحصيلا للبراءة اليقينية.

(3) لما عرفته غير مرة من أن المأمور به هو الرمي و يجب أمثاله و لا يصدق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 99

..........

ذلك إلا بالإلقاء، فلو وضع بكفه في المرمى لم يجزه، لعدم صدق الرمي الواجب، كما لا يخفى.

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- انه يجب التفريق في الرمي، فلو رمى بها دفعة واحدة لم يحسب إلا واحدة، و هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» بل في الجواهر:

«بلا خلاف أجده فيه. بل عن الخلاف و الجواهر: الإجماع عليه، و استدل لذلك بالسيرة، و التأسي و الأخبار الآمرة بالتكبير مع كل حصاة: و لا بأس بذكر بعضها تيمنا و هو:

1- ما رواه يعقوب بن شعيب عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: قلت:

ما أقول إذا رميت؟ قال كبر مع كل حصاة «1».

2- ما رواه ابن ابي عمير عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: خذ حصى الجمار (الى ان قال) ثم ترمي، فتقول مع كل حصاة اللّه أكبر «2».

و كيف كان فيمكن الاستدلال لعدم كفاية الرمي دفعة

واحدة بوجوه:

3- دعوى انصراف الإطلاقات الدالة على وجوب الرمي إليه.

يمكن المناقشة فيه: انه لا انصراف في البين أولا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا فلا عبرة به في تقييد الإطلاق، لعدم كونه كالقرينة الحاقة بالكلام الذي هو الضابط في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 100

..........

الانصراف الصالح التقييد.

2- ما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» و هو السيرة.

يمكن المناقشة فيه بما ذكرناه غير مرة بأن المعتبر منها هو ما إذا كانت متصلة إلى زمان الأئمة عليهم السلام و كونها كذلك في ما نحن فيه أول الكلام، لعدم معلوميته.

3- ما عرفته في كلام صاحب الجواهر و هو التأسي بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و فيه: انه قد ذكرنا غير مرة عدم دلالة الفعل على الوجوب.

4- قوله صلّى اللّه عليه و آله: «خذوا عنّي مناسككم» يمكن المناقشة فيه:

اما أولا: فلعدم مسلمية كون الرمي من المناسك و جزء الحج لاحتمال كونه واجبا على الحاج- كما احتمله بعض.

و اما ثانيا- فلاحتمال ان يكون معناه هو وجوب أخذ المناسك- المشتملة على واجبات و مستحبات- عنه و نتيجة ذلك هو وجوب الإتيان بالحج على النهج الذي قرره الإسلام لا على النهج الذي كان قبل الإسلام، فلا دلالة فيه بناء عليه على وجوب التعاقب.

نعم انما يتم الاستدلال به بناء على القول بان المراد منه هو وجوب الإتيان بها بمثل ما كان يأتي به صلّى اللّه عليه و آله، فيجب الإتيان بالرمي و نحوه بالكيفية التي كان يأتي بها إلا إذا قام دليل على استحباب شي ء فعليه يكون قوله

صلّى اللّه عليه و آله: «خذوا عنى مناسككم نظير قوله صلّى اللّه عليه و آله «صلوا كما رأيتموني أصلي».

5- استظهار ذلك عن الاخبار الواردة في كيفية الرمي- من الرمي خذفا،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 101

..........

و الدعاء بالمأثور، و التكبير مع كل واحدة من الحصى- و من الواضح انه لا يتحقق ذلك مع الرمي دفعة.

و فيه ان ظاهر إطلاق الأوامر الواردة بالنّسبة الى ما ذكر و ان كان بداعي الجد في الجميع الا ان تسالم الأصحاب «قدس اللّه تعالى أسرارهم» على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور فيحمل على النّدب، لعدم الوجه في رفع اليد عنه، فعليه لا يبقى مجال للاستدلال بها على الحكم المزبور- و هو وجوب التفريق و التعاقب في الرمي.

6- الإجماع. و فيه ما ذكرناه غير مرة ان الإجماع إنما يعتمد عليه إذا كان موجبا للقطع بصدور الحكم عن المعصوم عليه السّلام دون المدركي، فلا عبرة به في مفروض المقام، لاحتمال ان يكون مدرك المجمعين في الحكم بوجوب تعاقب الرّمي بعض الوجوه المتقدمة.

نعم إذا حصل الوثوق و الاطمئنان بالحكم فيكون الاطمئنان حجة حينئذ كما لا يخفى.

ثم انه شك في وجوب التّعاقب فيجري البراءة، و ذلك لان أصل وجوب الرّمي معلوم، و اما التّعاقب فهو قيد زائد يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا و إثباتا، و حيث لم تثبت ذلك فنحكم بعدم اعتباره بمقتضى البراءة.

و لكن مع ذلك كله لا يمكن الفتوى به (اي عدم اشتراط وجوب التّعاقب) لتسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على اشتراط ذلك في الرّمي، فتدبر.

الثاني- ان يرميها باليد فلو رماها بفمه أو رجله، لم يجزه و ذلك لانصراف المطلق الى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 102

..........

ما هو المتعارف. مضافا الى ما رواه محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن ابى بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: خذ حصى الجمار بيدك اليسرى و ارم باليمنى «1».

الثالث- ان الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» التزموا بان المعتبر في تحقق الرمي الذي أمر به الشارع هو تلاحق الرمي لا الإصابة، فلو أصابت اللاحقة و السابقة دفعة أجزأت، و لو رمى دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجزه.

و يمكن تأييدهم بدعوى ان المستفاد من الأدلة هو لزوم أصل الرمي مع كون إرساله متعاقبا. و اما لزوم تعاقب الإصابة فلا دلالة فيها على ذلك.

اللهم الا أن يقال: انه يستفاد منها ان الواجب هو رمي الجمرة لا التلاحق، و لا يتحقق ذلك الا بالجزء الأخير، و هو إصابة الحصاة الجمرة، فعليه نقول: انه كما يجب التعاقب و التلاحق في الرمي كذلك يعتبر ذلك في الإصابة فإذا لا يحصل الشرط مع الإصابة دفعة واحدة فلا يجزى.

مضافا الى انه قد يقال في تأييده استقرار السيرة على رمى الثانية بعد اصابة الاولى، فلا يترك الاحتياط، فتأمل.

الرابع- ان المراد من الجمرة البناء المخصوص أو موضعه ان لم يكن كما في كشف اللثام.

الخامس- انه سمى بذلك لأجل أمور:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 103

[مستحبات الرمي]

مستحبات الرمي و المستحب فيه ستة، الطهارة (1)

1- رميه بالحجار الصغار المسماة بالجمار.

2- كونه من الجمرة بمعنى اجتماع القبيلة لاجتماع الحصى عندها.

3- كونه من الاجمار بمعنى الإسراع لما روى ان آدم عليه السّلام رمى فاجمر إبليس من بين يديه.

(1) استحباب الطهارة من الأحداث في حال

الرمي مما لا اشكال فيه، و هو المشهور بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) و استدل بما رواه ابن ابى عمير عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: «و يستحب ان ترمى الجمار على طير» «1» و ما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن البرقي عن ابى جعفر عن ابى غسان حميد بن مسعود قال. سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رمي الجمار على غير طهور؟ قال:

الجمار عندنا مثل الصفا و المروة حيطان، ان طغت بهما على غير طهور لم يضرك و الطهر أحب الى فلا تدعه و أنت قادر عليه «2».

و لا يعارضهما ما رواه علي بن الحكم عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الجمار؟ فقال: لا ترم الجمار الا و أنت على طهر «3»، و ما رواه على بن الفضل الواسطي عن ابي الحسن عليه السّلام قال: لا ترم الجمار الا و أنت طاهر «4» و ذلك لحملهما على الاستحباب بقرينة قوله عليه السّلام في رواية معاوية بن عمار، «و يستحب

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب رمي الجمرة العقبة الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب رمي الجمرة العقبة الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب رمي الجمرة العقبة الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب رمي الجمرة العقبة الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 104

..........

ان ترمى الجمار على طهر» و لأجله يضعف ما عن المفيد من الوجوب.

و اما صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، قال. سألته عن الغسل إذا رمى الجمار؟ فقال. ربما

فعلت فأما السنة فلا و لكن من الحر و العرق «1» و نحوه صحيحة الآخر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الغسل إذا أراد ان يرمي فقال: ربما اغتسلت فاما من السنة فلا «2» و ان دل على عدم استحباب الغسل له بخصوصه لنفي السّنة عنه، الا انه قال في الجواهر بعد ذكرهما: «اللّهم الا ان يكون المراد من نفي السنّة انه لم يرد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله فعله لأمور رجحت ذلك بالنسبة اليه و ان كان هو راجحا في نفسه، كما يدل عليه فعل الامام عليه السّلام له في بعض الأوقات. و في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما السّلام: «انه استحب بالغسل لرمي الجمار» مضافا الى ان أعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنهما مانع عن الاعتماد عليهما فتأمل.

و كيف كان فقد يقال بوجوب الطّهارة في حال الرّمي بمقتضى ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم المتقدم. «لا ترم الجمار الا و أنت على طهر».

و اما كلمة «يستحبّ» في حديث معاوية بن عمار- المتقدم- فيمكن ادعاه كونه بمعنى مطلق المحبوبية لا المعنى الاصطلاحي، فعليه لا يبقي مجال لحمل ما ظاهره الوجوب على الندب.

و اما خبر ابى عسفان- المتقدم- و ان دل على عدم وجوب الطّهر، لقوله عليه السّلام في ذيله. «و الطهور أحبّ الي.» الا انه ضعيف سندا، فلا عبرة به.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 105

و الدعاء عند إرادة الرمي (1) و ان يكون بينه و بين الجمرة عشرة أذرع

إلى خمسة عشر ذراعا (2)

نعم إذا ثبت استناد الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في حكمهم باستحباب الطهارة في حال الرمي إليه تحقق انجبار ضعف سنده و كان موجبا لحمل ما ظاهره الوجوب على الاستحباب لكن الكلام في ثبوت الاستناد اليه.

و لكن مع ذلك كله لا مجال للمناقشة في الحكم المزبور بعد ثبوت الوفاق و الاتفاق عليه قديما و حديثا مضافا الى تمامية الدليل.

(1) استدل على استحباب الدّعاء عند إرادة الرمي، و عند رمي كل حصاة، و عند الرجوع الى المنزل، بصحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: خذ حصى الجمار، ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها، و تقول و الحصى في يدك: «اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي و ارفعهن في عملي» ثم ترمي فتقول مع كل حصاة: «اللّه أكبر اللهم ادحر عنى الشيطان، اللهم تصديقا بكتابك و على سنة نبيك، اللهم اجعله حجا مبرورا و عملا مقبولا و سعيا مشكورا و ذنبا مغفورا و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا، فإذا أتيت رحلك و رجعت من الرمي فقل: «اللّهم بك وثقت و عليك توكلّت، فنعم الرّب و نعم المولى و نعم النّصير. إلخ» «1».

(2) و استدل لذلك بقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار- المتقدم-:

«و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا.»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 106

و ان يرميها خذفا (1)

ينبغي هنا التنبيه على أمرين: الأول- ان مقتضى ظاهر قوله عليه السّلام في

صحيح معاوية المتقدم: «فليكن.»

هو الوجوب، الا ان اتفاق الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور. و اما الاستحباب فلا وجه لرفع اليد عنه، فتدبر.

الثاني- انه لا يمكن الأخذ بظاهره و ذلك لان التحديد بالناقص- و هو عشرة أذرع- و الزائد- و هو خمسة عشر ذراعا- غير ممكن، فيمكن ان يحمل على التخيير، أو على مراتب الفضل، و بناء على الأخير تارة يقال: ان رأس عشرة أذرع حد الفضيلة و رأس خمسة عشر ذراعا حد الأفضل و اخرى: ان رأس عشرة أذرع حد الفضيلة، و لكن كلما كثر البعد كان أفضل الى ان بلغ خمسة عشر ذراعا، و لكن في النحو الثاني ما لا يخفى، فتدبر.

(1) استحباب رمي المحصى خذفا [1] مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف

______________________________

[1] الحذف «بإهجام الحروف» الرمي بأطراف الأصابع- كما عن الخلاص، و نسبه الحلي في السر الى أهل اللسان- و عن الصحاح و الديوان و غيرهما (الرمي بالأصابع) و الظاهر رجوعه إلى الأول إذ لا يكون الرمي بالأصابع غالبا إلا بأطراف الأصابع، و كذا يتحد معهما ما عن المجمل و المفصل: «أنه الرمي من بين إصبعين» إذ الرمي بالأصابع و بأطرافها لا يكون غالبا الا من بين إصبعين.

ثم ان ذلك يتصور على أنحاء شتى:

عن العين و المحيط و المقاييس و الغريبين- بالإعجام- و النهاية الأثيرية: (من بين السبابتين). و عن الأخيرين: (أو يتخذ مخذفة- من خشب- ترمى بها بين إبهامك و السبابة)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 107

..........

بين الأصحاب بلى قال في الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا بل لم يحك الخلاف فيه الا عن السيد

و ابن إدريس. إلخ» و استدل له بما رواه البزنطي عن ابي الحسن عليه السّلام قال: حصى الجمار تكون مثل الأنملة و لا تأخذها سوداء و لا بيضاء و لا حمراء خذها كحلية منقطة تخذفهن خذفا و تضعها على الإبهام و تدفعها بظفر السبابة. إلخ «1» و هذا الحديث- كما ترى- يدل بظاهره على وجوب رمي الجمرة خذفا، الا ان تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه يوجب رفع اليد عن هذا الظهور، فيحمل على الندب، لعدم الموجب لرفع اليد عنه، عنه، فتدبر.

______________________________

و في القاموس «الخذف- كالصرب- رميك بحصاة أو نواة أو نحوهما تأخذ بين سبابتك و تخذف به».

و عن المصباح المنير: «خذفت الحصاة و نحوها خذفا- من باب ضرب- رميتها بظفري الإبهام و السبابة».

و لكن الاولى العمل بما في الخبر المزبور بأن يرمي من طرفي السبابة و الإبهام بان يضعها على الإبهام- اي باطنه- و الدفع بظفر السبابة- كما صرح به غير واحد، و انما حصصناه مع إطلاق الخبر بباطن الإبهام لأن الدفع بظفر السبابة كما أمر به في الخبر لا يتيسر الا بوضعها على بطن الإبهام.

و اما ما قيل من انه بضعها على ظفر إبهامه و يدفعها بالمسبعة و ما قيل ايضا: «انه يضعها على بطن الإبهام و يدفعها بظفر الوسطى» فمخالف للخبر قال عن الدليل.

ثم انه لا يضر مخالفة جمع من اللغويين في تفسير الحذف بما ذكر بعد بيان الحديث لكيفيته.

______________________________

(1) صدره في الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 و ذيله في باب 7 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 108

و الدعاء مع كل حصاة (1) و ان يكون ماشيا

(2)

ثم ان هذا كله بناء على تماميته من حيث السند و الا فالحكم باستحبابه مشكل.

ان قلت: انه يمكن إثباته بقاعدة التسامح في أدلة السّنن المستفادة من اخبار (من بلغ). قلت: قد ذكرنا غير مرة من ظهورها في كونها اخبارا عن ترتب الثواب الموعود- بعد البناء على عدم إجمالها- على الفعل الذي بلغ عليه الثواب فلا يمكن إثبات الحكم بها، فتدبر.

(1) لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: «و تقول مع كل حصاة اللّه أكبر اللهم ادحر عني الشيطان اللهم تصديقا بكتابك و على سنة نبيك. إلخ».

(2) استحباب كونه في حال الرّمي ماشيا مما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و استدل لذلك بما رواه علي بن جعفر عن أخيه عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال كان رسول اللّه عليهما السّلام يرمي الجمار ماشيا «1». و ما رواه عنبسة بن مصعب قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام بمنى يمشى و يركب فحدثت نفسي ان أسأله حين ادخل عليه، فابتدأني هو بالحديث فقال: ان علي بن الحسين عليهما السّلام كان يخرج من منزله ماشيا إذا رمى الجمار و منزلي اليوم أنفس (أبعد) من منزله فاركب حتى اتى إلى منزله، فإذا انتهيت إلى منزله مشيت حتى أرمي الجمار «الجمرة» «2». و ما رواه على بن مهزيار قال: رأيت أبا جعفر عليه السّلام يمشي بمد يوم النحر حتى يرمي الجمرة ثم ينصرف راكبا و كنت أراه ماشيا بعد ما يحاذي المسجد بمنى «3» الى غير ذلك من النصوص المأثورة عنهم (عليهم السلام).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب رمى جمرة للعقبة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب رمى جمرة

للعقبة الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب رمى جمرة للعقبة الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 109

و لو رمى راكبا جاز (1) و في جمرة العقبة يستقبلها و يستدبر القبلة (2) و في غيرها يستقبلها و يستقبل القبلة (3)

(1) و استدل لذلك بما رواه احمد بن محمد بن عيسى انه رأى أبا جعفر عليه السّلام رمى الجمار راكبا «1». و مرسلة محمد بن الحسين: «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رمى الجمار راكبا على راحلته «2». و ما رواه عبد الرحمن بن ابى نجران انه رأى أبا الحسن الثاني عليه السّلام رمى (يرمي) الجمار و هو راكب حتى رماها كلها «3». و ما رواه معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل رمى الجمار و هو راكب؟ فقال: لا بأس «4»

(2) استحباب استقبال الجمرة، و استدبار القبلة مما صرح به غير واحد من الأصحاب بل في الجواهر: «بل عن هي نسبته الى أكثر أهل العلم بل لعله لا خلاف فيه. إلخ» و لكن دليله غير ظاهر.

و اما صحيح معاوية بن عمار المتقدم الآمر فيه يرميها من قبل وجهها و النهي عن رميها من أعلاها فلا يخلو من الاشكال.

(3) كما عن الشيخ و بنى حمزة و إدريس و سعيد و القاضي لكن دليله ايضا غير ظاهر. نعم، هو أفضل الهيئات خصوصا في العبادات و عند الذكر و الدعاء، و لذا حكى عن الشيخ «قدس سره» انه قال جميع أفعال الحج يستحب يكون مستقبل القبلة من الموقف بالموقفين و رمي الجمار إلا جمرة العقبة يوم النحر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث

1

(2) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 110

[و اما الثاني- و هو الذبح]
اشارة

و اما الثاني- و هو الذبح- فيشتمل على أطراف

[الأول في الهدى]

الأول في الهدى و هو واجب على المتمتع (1)

(2- الذبح)

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا.

بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه بل في «هي» إجماع المسلمين عليه، و هو الحجة. إلخ» و استدل لذلك- مضافا الى قوله تعالى «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ»- بعدة اخبار:

1- صحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل فقال: المتعة، فقلت: و ما المتعة؟ قال: يهمل بالحج في أشهر الحج الى ان قال:

فإذا كان يوم التروية أهل بالحج و نسك المناسك و عليه الهدي فقلت: و ما الهدى؟.

فقال: أفضله بدنة، و أوسطه بقرة، و أخسه شاة «1».

2- خبر سعيد الأعرج قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة و من تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور بمكة حتى يحضر الحج فليس عليه دم انما هي حجة مفردة و انما الأضحى على أهل الأمصار «2» و رواه الشيخ «قدس سره» بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله إلا أسقط

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب أقسام الحج الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب أقسام الحج الحديث 1 و في الباب 1 من أبواب الذبح الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 111

..........

قوله «من قابل» و قال في الوسائل:

«و على تقدير وجودها لعله مخصوص بالحج المندوب أو المراد (من قابل): الشهر لا السنة، لئلا ينافي ما تقدم».

و كيف كان فيكون المراد من قوله عليه السّلام: «و من تمتع في غير أشهر الحج.

فليس عليه دم» ان حجه ليس حج التمتع، لانه اتى بعمرته في غير أشهر الحج و لا متعة إلا فيها، و بناء على هذا ما أتى به من العمرة اما تكون عمرة مفردة و اما باطلة.

3- صحيح العيص عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في رجل اعتمر في رجب؟

فقال: ان كان أقام بمكة حتى يخرج منها حاجا فقد وجب عليه هدي فإن خرج من مكة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدى «1». و في الوسائل: «أقول المراد بخروجه منها حاجا الإحرام منها بحج التمتع بعد العمرة و المراد بآخره الإحرام بغير التمتع، أشار إليه الشيخ، و جوزه على الاستحباب» و فيه: ان كان حجة تمتعا فكيف حيث ان عمرة التمتع لا تقع إلا في أشهر الحج و المفروض وقوع هذه العمرة في رجب، و ان كان افرادا فلا إشكال في استحباب هديه و لا يحتاج الى الخروج للإحرام و كيف كان فأولا لا بد من تصحيح الحج ثم حمل هديه على الاستحباب. و حمل هذا الحديث على محامل اخرى:

1- على من اعتمر عمرة أخرى بعمرة التمتع ثم أحرم بعنوان الحج من مكة.

و لكن لا يخفى ما فيه حيث ان مرجعه الى رفع اليد عنه لمنافاته لظاهرة.

2- على ان هذا الهدي كفارة ان كان عليه ان يحرم من خارج مكة وجوبا أو ندبا فأحرم من مكة نسيانا، و اما مع العمد فيبطل حجه الى غير ذلك من المحامل.

______________________________

(1) الوسائل ج

2 الباب 1 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 112

و لا يجب على غيره سواء كان مفترضا أو متنفلا (1) و لو تمتع المكي وجب عليه الهدي (2)

4- خبر إسحاق بن عبد اللّه قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المعتمر المقيم عليه مجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى؟. فقال يتمتع أحب الي و ليكن إحرامه من مسير ليلة أو ليلتين فإذا اقتصر على عمرته في رجب لم يكن متمتعا لا يجب عليه الهدي «1» الى غير ذلك من النصوص الدالة مفهوما أو منطوقا على وجوب الهدي على المتمتع.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه الا ما يحكى عن سلّار. إلخ» و يدل عليه قوله عليه السلام في خبر إسحاق المتقدّم: «و إذا لم يكن متمتعا لا يجب عليه الهدى» و في صحيحة ابن عمار: «و اما المفرد للحج فعليه طواف. الى ان قال و ليس عليه هدى و لا أضحية» «2» و نحو ذلك في صحيحته الأخرى الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ذلك.

و اما ما دل من الاخبار بظاهره على وجوب الهدي على غير المتمتع ايضا فيحمل على الاستحباب جمعا.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب (قدس اللّه تعالى أسرارهم) بل في الجواهر «. بل لم يحك الخلاف فيه الا عن الشيخ في المبسوط و الخلاف احتمالا، بناء على رجوع اسم الإشارة في قوله تعالى: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ

______________________________

(1) المذكور في الجواهر

(2) ذيله في الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 113

و لو كان المتمتع مملوكا

باذن مولاه كان بالخيار بين ان يهدي عنه و ان يأمره بالصوم (1).

» «1» إلى الهدي لا الى التمتّع، لانه كقوله: «من دخل داري، فله درهم ذلك لمن لم يكن عاصيا» في الرّجوع الى الجزاء دون الشرط و وافقه عليه المصنف سابقا في المكي و من في حكمه إذا عدل الى التمتّع. و في الدّروس: «احتمال وجوبه علي المكي ان كان لغير حجة الإسلام» و لعله لاختصاص الآية به و فيه: بعد التسليم عدم انحصار الدليل فيها، و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور، إذ هو مع انه اجتهاد يمكن منعه عليه في نفسه باعتبار أولويّة الرجوع الى الأبعد في الإشارة ب «ذلك» مدفوع بتعيين النصوص كصحيح زرارة المشتمل على سئواله لأبي جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: «ذٰلِكَ لِمَنْ. إلخ» فقال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة. «2»

و قول الصادق عليه السّلام في خبر سعيد الأعرج ليس لأهل سرف، و لا لأهل مرو، و لا لأهل مكة متعة، يقول اللّه تعالى «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» «3» فعموم الأدلة و إطلاقها حينئذ كتابا و سنة بحاله مؤيّدا بالاحتياط) ما افاده صاحب الجواهر «قدّس سرّه» تبعا للمصنّف متين، فلا فرق في وجوب الهدى على المتمتّع بين من أتاه فرضا أو نفلا، و لا بين المكّي و غيره، لإطلاق الاخبار، فتدبر.

(1) لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب. بل قال في الجواهر: «بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه عندنا. بل في ظاهر المنتهى و التّذكرة الإجماع

______________________________

(1) سورة البقرة 192 الآية.

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب أقسام الحج الحديث 3.

(3) الوسائل ج

2 الباب 6 من أبواب أقسام الحج الحديث 6.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 114

و لو أدرك المملوك أحد الموقفين معتقا لزمه الهدى مع القدرة و مع التعذر الصوم (1)

عليه. بل في صريح مدارك. إلخ» و يدل عليه النصوص الواردة في المقام- منها 1- ما رواه ابن ابى عمير عن جميل بن دراج قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل أمر مملوكه ان يتمتع، قال: فمره فليصم، و ان شئت فاذبح عنه «1» 2- ما رواه سعد بن ابي خلف قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام قلت: أمرت مملوكي أن يتمتع؟ فقال: ان شئت فاذبح عنه و ان شئت فمره فليصم «2».

3- ما رواه الحسن العطار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أمر مملوكه ان يتمتع بالعمرة إلى الحج أ عليه ان يذبح عنه؟ قال عليه السّلام: لا، لان اللّه تعالى يقول:

«عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ» «3» بناء على تمامية ما افاده الشيخ «قدس سره».

و هو حمله على انه لا يجب عليه الذبح تعيينا و انما هو مخير بينه و بين ان يأمره بالصوم لما مر.

و اما صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «في حديث» قال: سألته عن المتمتع المملوك؟ فقال: عليه مثل ما على الحر إما أضحية و اما صوم «4» فقد حمله الشيخ «قدس سره» على من أدرك أحد الموقفين معتقا، و جوز حمله على إرادة المماثلة في كمية ما يجب عليه لئلا يظن ان عليه نصف ما على الحر و ان اختلف في الكيفية.

(1) لا ينبغي الكلام و الاشكال في ذلك و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع ضرورة أنه بالإدراك

المزبور يكون حجة حجة الإسلام فيكون كالحر في الكيفية في وجوب الهدى عليه مع القدرة و مع التعذر الصوم.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الذبح، الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الذبح، الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الذبح، الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الذبح، الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 115

و النية شرط في الذبح (1) و يجوز ان يتولاها عنه الذبح (2)

(1) كما في غيره من الأفعال لأنه عبادة و كل عبادة يشترط فيها النية و لان جهات الذبح متعددة فلا يتمحض المذبوح هديا إلا بالنية، فيجب مقارنتها لأول جزء من الذبح، فتدبر.

(2) قد نفى عنه الخلاف و ادعى الإجماع عليه و استدل لذلك بصحيحتا ابي بصير و روايته و رواية علي بن أبي حمزة المتقدم جميعا في بيان الوقوف بالمشعر.

يمكن ان يقال: ان المستفاد من الاخبار هو ان المطلوب وقوع الذبح في الخارج لا المباشرة، مضافا الى انه استدل لذلك بخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألت عن الضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمى غير صاحبها أ تجزي عن صاحب الضحية؟. فقال: نعم انما له ما نوى «1» و نحوه غيره من الاخبار.

هذا كله مع غيبة المنوب عنه و اما مع حضوره فالظاهر ايضا مشروعيته كالتوكيل في الزكاة و الخمس فينوي النائب حينئذ النية.

نعم قد يقال لو كان التوكيل في الفعل نفسه خاصة نوى الأصل حينئذ، و لا يقدح كونه غير مباشر بعد مشروعية التوكيل في الفعل الذي صار به بمنزلة فعله، فينوي القربة به و لعل المراد بالجواز في المتن الإشارة الى ذلك

و الاولى مع حضوره جمع النيتين منهما.

اللهم الا ان يقال: ان الحكم المذكور لما كان علي خلاف القاعدة لاقتضاء إطلاق الأمر المباشرية كاقتضائه العينية و التعينية فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 116

و يجب ذبحه بمنى (1)

و هو صورة الضرورة، و اما في حال الاختيار فلا، و لا يمكن قياس المقام بباب التوكيل في الخمس و الزكاة لعدم حصول تنقيح المناط القطعي في الشرعيات- كما ذكرناه غير مرة- فتدبر.

(1) عند علمائنا في محكي التذكرة، و عندنا في كشف اللثام، و هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب في المدارك، و استدل لذلك بعدة اخبار- منها:

1- ما رواه الحسن بن محبوب عن إبراهيم الكرخي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل قدم بهديه مكة في العشر فقال؟: ان كان هديا واجبا فلا ينحره الا بمنى و ان كان ليس بواجب فلينحره بمكة ان شاء و ان كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره الا يوم أضحى «1».

2- رواية عبد الأعلى قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا هدي الا من الإبل و لا ذبح الا بمنى «2».

3- صحيح منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره؟ قال: ان كان نحره بمنى فقد اجزء عن صاحبه الذي ضل عنه و ان كان نحره بغير منى لم يجز عن صاحبه «3» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السلام).

و لا ينافي ما تقدم صحيحة ابن عمار في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب

4 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 117

و لا يجزي واحد في الواجب الا عن واحد و قيل يجزي مع الضرورة عن خمسة و عن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد و الأول أشبه (1)

البيت فاشترى بمكة ثم ذبح؟ قال: لا بأس قد اجزء عنه «1» و ذلك لعدم صراحتها في كون الذبح أيضا بمكة و حمل على غير الهدى الواجب، كحسن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ان أهل مكة أنكروا عليك انك ذبحت هديك في منزلك بمكة؟

فقال: ان مكة كلها منحر «2».

(1) و استدل لذلك- مضافا الى أنه المطابق لظاهر الأوامر العامة- بصحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النفر تجزيهم البقرة قال: اما الهدي فلا، و اما في الأضحى فنعم «3» و صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا تجوز البدنة و البقرة إلا عن واحد بمنى «4» و خبر الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال تجزى البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة و لا تجزي بمنى الا عن واحد «5».

و لا ينافيها خبر معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال يجزى البقرة عن خمسة بمنى ان كانوا أهل خوان [1] واحد «6» و خبر أبي بصيرة عن ابى عبد اللّه

______________________________

[1] الخوان: «بكسر الخاء المعجمة- ككتاب- ذكره الجوهري و زاد في- ق- ضمّها ايضا «كغراب: ما يوكل عليه الطّعام، و المراد بكونهم أهل خوان واحد ان يكون برفقة مختلطين في المأكل، و

اعتبر بعضهم ان يكونوا أهل بيت و جعل الخوان كناية عنه على ما افاده صاحب الجواهر (قدس سره)

______________________________

(1) ذكرها صاحب المستند.

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الذبح، الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الذبح، الحديث 1

(5) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الذبح، الحديث 4

(6) الوسائل ج 3 الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 118

و يجوز ذلك في النّدب (1)

عليه السّلام البدنة و البقرة يضحي بها تجزى عن سبعة إذا اجتمعوا من أهل بيت واحد و من غيرهم «1». و خبر إسماعيل بن ابى زياد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: البقرة الجذعة تجزى عن ثلاثة من أهل بيت واحد و المسنة تجزى عن سبعة متفرقين و الجزور تجزى عن عشرة متفرقين «2» و ما في خبر حمران قال عزت البدنة سنة بمنى حتى بلغت البدنة مأة دينار فسئل أبو جعفر عليه السّلام عن ذلك؟ فقال: اشتركوا فيها، قال: قلت: كم؟ قال: ما خف فهو أفضل، قال: فقلت: عن كم يجزى؟ فقال:

عن سبعين «3» و خبر الحسين بن خالد المروي عن العلل و العيون عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام قال. قلت له: عن كم تجزئ البدنة؟ قال: عن نفس واحدة قلت: فالبقرة؟

قال: تجزي عن خمسة إذا كانوا يأكلون على مائدة واحدة، قلت: كيف صارت البدنة لا تجزى الا عن واحدة و البقرة تجزى عن خمسة قال: لأن البدنة لم يكن فيها من العلة ما كان في البقرة ان الذين أمروا قوم موسى بعبادة العجل كانوا

خمسة و كانوا أهل بيت. يأكلون على خوان واحد و هم الذين ذبحوا البقرة «4» و ذلك لانه- كما ترى- لا تصريح في شي ء منها بالهدي الواجب فيمكن حملها على الأضحيّة المندوبة كما حملوا على ذلك باقي الأخبار الواردة في المقام.

فالأقوى في النّظر عدم الاجزاء في الهدي الواجب مطلقا، فما افاده المصنف (قده) بقوله: «و الأول أشبه» متين.

(1) بلا كلام في ذلك و يدل عليه الاخبار السابقة بلا فرق في ذلك بين كونهم

______________________________

(1) الوسائل ج الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 6

(2) الوسائل ج الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 7

(3) الوسائل ج الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 11

(4) الوسائل ج الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 18

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 119

و لا يجب بيع ثياب التجمل في الهدي بل يقتصر على الصوم (1)

من أهل خوان واحد أو لا و بين كونهم من أهل بيت واحد أولا.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب. بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل في المدارك و غيرها انه مقطوع به في كلام الأصحاب، لفحوى استثنائها في دين المخلوق الذي هو أهم في نظر الشارع من دين الخالق، و لصدق عدم الوجدان عليه الذي هو عنوان الصوم، و انتفاء صدق الاستيسار الذي هو عنوان وجوب الذبح.

إلخ».

و استدل لذلك مضافا الى ما أفاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه)- بمرسل علي بن أسباط- المنجبر ضعفه بما عرفت- عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام قال: قلت له: رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ و في عيبته ثياب له، أ يبيع من ثيابه شيئا و يشتري هديه؟. قال عليه السّلام: (لا) هذا يتزيّن به المؤمن، يصوم، و لا يأخذ من ثيابه

شيئا «1» و بما رواه البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الّذي يحتاج اليه فتسوي بذلك الفضول مأة درهم هل يكون ممّن يجب عليه؟. فقال:

له بد، من كراء و نفقة قلت له: كرى أو ما يحتاج اليه بعد هذا الفضل من الكسوة، فقال: و أي شي ء كسوة بمأة درهم هذا ممّن قال اللّه: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحجّ و سبعة إذا رجعتم) «2».

تفصيل الكلام في هذه المسألة هو انه لا كلام من حيث الفتوى في عدم وجوب بيع ثياب التّجمّل لشراء الهدى انما الكلام في دليله و مدركه يمكن الاستدلال

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 57 من أبواب الذبح. الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 57 من أبواب الذبح. الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 120

..........

لذلك بوجوه:

الأول- بما عرفت في كلام صاحب الجواهر «قدس سره» من ان ثياب التجمل مستثناة في دين المخلوق فكذلك في مفروض المقام، بالفحوى فان دين المخلوق أهم من دين الخالق.

و فيه أولا- ان أهمية دين المخلوق من دين الخالق أول الكلام، و قد تقدم تفصيل ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب عند ذكر مسألة (ما إذا كان له مال بمقدار يكفيه لحجة و لكن عليه دين بمقداره ايضا) و من أراد الوقوف عليها فليراجعها و ثانيا: انه قياس، لاحتمال خصوصية هناك دون ما نحن فيه. نعم، إذا حصل القطع بعدم الخصوصية، تمّ كلامه و لكن انى لنا ذلك و غاية ما يحصل لنا الظّن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا، فتدبّر.

الثاني- تنظير المقام بباب الاستطاعة بأن يقال:

انه كما يستثني ثياب التّجمّل و نحوها في الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج، كذلك الأمر في مفروض المقام.

و فيه: ما عرفته في جواب الوجه الأول.

الثالث- ما عرفت في كلام صاحب الجواهر «قدس سره» من عدم صدق عنوان الاستيسار الوجوب الذبح.

و فيه: انه و ان كان ذلك من حيث الكبرى مسلما و انما الكلام في الصغرى و هي انه هل يصدق ذلك مع وجود ثياب التجمّل له أولا، و صدقه في مفروض المقام أوّل الكلام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 121

..........

الرابع- انه قد يقال ان العمدة في وجه اشتراط كون المستطيع واجدا لمقدار الرجوع الى الكفاية و استثناء ثياب التجمّل و نحوها في باب الاستطاعة انما هي قاعدة نفي العسر و الحرج فنقول به أيضا في مفروض المقام.

و فيه: انه انما يصحّ فيما إذا كان بيعه لها موجبا لهتكه بحيث يستلزم العسر و الحرج و الا فلا عبرة به، و عليه فإذا كان محتاجا إليها و كانت دخيلة في حفظ شأنه و حيثيّته و كانت من قبيل الثّياب الضروريّة من غير جهة التجمّل، فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب بيعها عليه، و الا فيحكم بوجوبه عليه، فتدبر.

الخامس- قوله عليه السّلام في مرسل علي بن أسباط المتقدّم: (لا).

و فيه- ان هذا الحديث و ان كان واضح الدلالة على المقصود، و لكنه مرسل فلا عبرة به.

نعم يتم الاستدلال به إذا ثبت انجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و هو أوّل الكلام، لاحتمال ان يكون مستندهم في الحكم المذكور سائر الوجوه و بالجملة لو حصل الاطمئنان بالصدور صح التمسك به، و الا فلا.

السادس- قوله عليه السّلام في صحيح البزنطي (و أيّ شي ء كسوة بمأة درهم).

و فيه- انه يمكن

ان يكون قوله عليه السّلام: «و أي شي ء كسوة بمأة درهم» من جهة عدم كفاية الثمن لشراء الهدي و هذا لا يدل على عدم وجوبه فيما إذا كان كافيا لذلك.

اللهم الا ان يقال انه لو لم تف المأة درهم بثمن الهدي لم يكن وجه لسؤال السائل، و لا لقوله عليه السّلام أولا: «له بد من كراء و نفقة» بل كان يقول من أول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 122

..........

الأمر انه غير واجد للهدي، فهو داخل في قوله تعالى «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ» و قد دل الدليل على كفاية أقل من ذلك المقدار للهدي، فإنه ورد من عبد اللّه بن عمر: «قال: كنا بمكة فأصابنا غلافي الأضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة «1» و أنت ترى انه جعل المرتبة الاولى من الغلاء دينارا و هو عبارة عن عشرة دراهم فعليه يكون هذا الحديث دليلا على المدعى فيكون المراد من قوله عليه السّلام: «و أي شي ء كسوة بمأة درهم» ان هذه الكسوة كسوة تسوى بمأة درهم بمعنى ان هذه القيمة قيمة غالية، فتكون كسوة تجمل لا فضول من ثياب بدنه المتعارفة، و لاتباع فهذا داخل في قوله تعالى: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ.

إلخ» فتأمل.

ينبغي هنا التّنبيه على أمر: و هو- انه هل يحرم بيع ثياب التجمل و تفسد المعاملة أولا؟ و التحقيق:

عدم حرمته، لعدم كونه منهيا عنه. و أما ما مر في مرسل علي بن أسباط من النهي بقوله عليه السّلام: «لا، هذا يتزين به المؤمن، يصوم.» فهو وارد في مقام توهم الوجوب، فلا دلالة له على الحرمة، كما ان الأمر الوارد في مقام توهم الحظر لا يدل

على الوجوب.

نعم قول السائل: «إله ان يبيع من ثيابه» و قوله عليه السّلام (لا) و ان كان يتوهم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 123

..........

نفي الجواز، الا ان الظاهر ان المراد انه هل يجب عليه بيعه، فقال عليه السّلام: (لا).

مضافا الى اختلاف النسخ فيه فإنه و ان كانت في نسخة الجواهر هكذا لكن في نسخة الوسائل غيره ليس فيها كلمة (إله) بل قال: (أ يبيع من ثيابه شيئا) فقال عليه السّلام: (لا) فقوله عليه السّلام بناء على هذه النسخة ليس نفيا للجواز هذا على ان قوله عليه السّلام:

«هذا يتزين به» قرينة على ان ذلك إرفاق من الشارع، لا نهي تحريمي، فتدبر.

هذا مضافا الى انه مع قطع النظر عن جميع ذلك فنقول: انه من المعلوم ان بيع ثوب التجمل في نفسه ليس من المحرمات، فله بيعه، و إذا باعه و اشترى الهدى و ذبحه و لم يصم أجزأه ذلك فتأمل.

و لكن يمكن الاستدلال على خلافه بوجهين:

1- ان الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، فهو مأمور بالصوم، و منهي عن الهدي، فلا يجزى هديه، لأنه منهي عنه.

و فيه أولا- لا يكون مفروض المقام من ذلك الباب، و ثانيا- انه قد حقق في محله خلافه.

2- انه لا يجتمع البدل و المبدل، كما في الوضوء و التيمم و قد قرر في محله ان من كان وظيفته التيمم و توضؤ يحكم ببطلان وضوئه لعدم كونهما في عرض واحد فكذلك في مفروض المقام حيث ان وظيفته الصوم، فإذا اشترى هديا و ذبح لا يجزى.

و فيه- ان قياس المقام بذلك الباب قياس مع الفارق، لأنه في مفروض المقام بعد ان باع ثياب

تجمله صار واجدا لثمن الهدي، و تبدل الموضوع، و دخل في عنوان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 124

و لو ضل الهدي عن صاحبه فذبحه غير صاحبه لم يجز عنه (1)

ما استيسر من الهدي، و هو نظير من فقد الماء أولا ثم وجده قبل الصلاة، فيكون تكليفه حينئذ مخصرا بالإتيان بالمبدل منه، و هذا بخلاف المقيس عليه، لأن النهي فيه عن الإتيان بالمبدل منه انما كان من جهة المرض مثلا أو غيره و هو موجود.

فالتحقيق هو وجوب الهدي عليه حينئذ.

نعم إذا كان محتاجا الى ثياب التجمل في ذلك المكان و ليس له مهلة الى ان يرجع الى بلده و يشتريه و يكون بحيث لو لم يكن له ذلك في ذلك المكان كان حرجا عليه فما فعله من بيع ثيابه و ان لم يكن حراما لكن لا يجب عليه الهدي حينئذ، لمكان الحرج، فله ان يشتري ثوب التجمل ثانيا و يصوم بدل الهدي، و لكن لا يخفى انه مع ذلك كله لو اشترى الهدي اجزء عنه، فتدبر.

(1) تفصيل الكلام في هذه المسألة هو انه تارة: يتكلم فيها على ما تقتضيه القاعدة، و اخرى: على ما تقتضيه النصوص المرويّة عنهم (عليهم السّلام).

اما على الأول- فمحصل الكلام فيه هو انه لا ينبغي الإشكال في عدم الاجزاء لا عنه و لا عن صاحبه، اما عنه فلعدم الملكيّة، و اما عن صاحبه فلعدم الوكالة عنه و عدم الاذن.

و اما على الثاني- فمحصل الكلام فيه هو الاجزاء، لاقتضائه صحيح منصور ابن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره؟ فقال:

ان كان نحره في منى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه و ان كان

نحره في غير منى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 125

..........

لم يجز عن صاحبه «1» ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- ان مقتضى إطلاق الصحيح المتقدم هو الاجزاء و ان لم ينوه عن صاحبه و اما دعوى انصرافه إلى صورة النيّة، ففيه ما لا يخفى، لعدم الانصراف في البين أولا و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، فلا عبرة به.

الا انه يقيد إطلاقه و يحكم باعتبار النيّة في الحكم بالاجزاء بصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «في حديث» قال: و قال: إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر و الثاني و الثالث، ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث «2» و ذلك لما في ذيله من قوله عليه السّلام: «ليذبحها عن صاحبها عشيّة الثّالث» فعليه لو لم ينوه لا يجزى، لا عنه و لا عن صاحبه، اما عنه فلعدم كونه مالكا له، للنهي عنه، و اما عن صاحبه فلعدم النية، فبناء عليه لا نحتاج في إثبات اعتبار النيّة عن صاحبه بما قيل من ان عدم ذكر النيّة في صحيح منصور بن حازم انما كان من جهة الاتّكال على وضوحه، فيحمل إطلاقه على الأصل المسلم في حمل فعل المسلم على الصحة، فلا يتصور منه الذبح بغير النية عن صاحبه و ذلك لكونه قابلا للمنع و الاشكال، لعدم كون المورد من موارد جريان أصالة الصّحة، لإمكان تخيّل الواجد للهدي ان له التملّك و صيرورته ملكا له.

الثاني- ان مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم المتقدّم:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 126

..........

«فليعرفه يوم النحر

و الثاني و الثالث.» هو وجوب تعريفه إلى ثلاثة أيام على الواجد للهدي لاقتضاء الأمر ذلك لكن في الجواهر قوى الندب لوجه غير ظاهر فتدبر.

و استدل لذلك- مضافا الى ما ذكر- بوجوه:

1- التحرز عن النيابة بلا ضرورة فإن النيابة على خلاف الأصل على ما ذكرناه غير مرة.

2- ان المنوب عنه غير معين فيجب تعريفه لكي يعين.

3- إطلاق الذبح عما في الذمة إطلاقا محتملا للوجوب و الندب و للهدي و غيره و للمتمتع و غيره حجة الإسلام و غيرها.

و لكن كلها لا يخلو من المناقشة و الاشكال و كيف كان فالعمدة هي صحيح محمد ابن مسلم و به ايضا يقيد إطلاق صحيح منصور بن حازم- المتقدم- الدال على الاجزاء مطلقا، فنقول بالاجزاء عن صاحبه إذا ذبحه بعد تعريفه ثلاثة أيام.

الثالث- انه لم يذكر في صحيح محمد بن مسلم- كما ترى- الذبح في خصوص منى الا انه أفاد بعض بان عدم ذكره كان لأجل وضوحه فتأمل.

الرابع- انه يجب التعريف إلى ثلاثة أيام إذا وجد الهدي يوم النحر، و الا فإذا وجده في اليوم الثاني فيعرفه يومين، و إذا وجده في اليوم الثالث فيعرفه الى عشيته و الا لانقضى وقت الذبح فيذبحه.

السابع- انه ذهب بعض من الفقهاء إلى انه بعد ان ذبحه يتصدق منه و يهدي و يسقط وجوب الأكل منه الا ان إطلاق الدليل ينفيه، كما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 127

..........

الثامن- انه قد تحصل ان مقتضى الجمع بين الخبرين المتقدمين هو اجزاء الهدي الذي ضل عن صاحبه إذا عرفه الواجد إلى ثلاثة أيام و نواه عن صاحبه وقت ذبحه.

و لكن يمكن ان يقال بمعارضتهما للأخبار الدالة على انه لو سرق الهدي أو هلك أو

ضاع يجزى بنفس السرقة و الهلاك و الضياع و ان كان بعضها قابلا لان يقال بورودها في الأضحية المستحبة لا في الهدي الواجب، و لا بأس بذكرها- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل ان يذبحها؟ قال: لا بأس، و ان أبدلها فهو أفضل، و ان لم يشتر فليس عليه شي ء «1».

2- ما رواه احمد بن عيسى في كتابه عن غير واحد من أصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل اشترى شاة فسرقت منه أو هلكت؟ فقال: ان كان أوثقها في رحلها فضاعت فقد اجزءت عنه «2».

3- ما رواه سعد بن عبد اللّه، عن احمد بن محمد، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، و عن إبراهيم بن عبد اللّه عن رجل يقال له:

الحسن، عن رجل سماه قال: اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت، فقال لي أبي: ائت أبا عبد اللّه عليه السّلام فاسأله عن ذلك، فأتيته فأخبرته، فقال لي: ما ضحى بمنى شاة أفضل من شاتك «3».

و هذه الاخبار- كما ترى- تدل على الاجزاء بصرف السرقة و الهلاك.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 128

..........

و لا يخفى ان قوله عليه السّلام في مرسلة أحمد بن عيسى المتقدمة (فضاعت) أعم من الضلال و الهلاك و السرقة، فيدل على الاجزاء بصرف تحقق الضلال بمقتضى عمومه من دون احتياج الى تحقق الذبح، فضلا عن القول باعتبار النية عن

صاحبه أو وجوب التعريف إلى ثلاثة أيام، فعليه يقع التعارض بين هذه الاخبار و ما تقدم منها.

و لكن يمكن ان يقال انه لا معارضة بينها، بتقريب ان ثبوت الإجزاء بالسرقة و الهلاك لا يكون مستلزما لثبوته بالضلال بمجرد ذبح الغير له، لإثبات الحكم في الأولين بالتعبد، لكن هذا بخلاف الأخير، فلا تهافت بينها.

ان قلت: انه: يعارض مع ما مر قوله عليه السّلام (فضاعت) لشموله مفروض المقام.

قلت: انه لا معارضة بينهما، لشموله صورة ما إذا وجده صاحبه أو غيره و ما إذا لم يوجد، فيقيد إطلاقه بما دل من الاخبار على انه إذا وجده صاحبه أو غيره لم يكن نفس الضياع موجبا للاجزاء، بل يجب عليه ذبحه بعنوان صاحبه بعد تعريفه إلى ثلاثة أيام، فيتحصل ان الضياع موجب للإجزاء إذا لم يوجد الهدي الى تمام الوقت، و الا يجب على صاحبه ذبحه إذا وجده صاحبه، و على غيره إذا وجده بعد تعريفه إلى ثلاثة أيام و النية عن صاحبه ايضا.

اللهم الا ان يقال باختصاص ما دل على وجوب التعريف إلى ثلاثة أيام و وجوب النية و حديث النحر بمنى بصورة الاشعار و التقليد الخارج عما نحن فيه لانه لو لم يكن أشعر أو قلد فمن اين عرفه الواجد أنه هدي، فتدبر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 129

..........

و اما قوله (لمتعته) في رواية محمد بن عيسى، فإنما ذكر في نسخة الجواهر، و لكنه ليس موجودا في نسخة الوسائل، فليس في البين قرينة على اختصاصها بالمتعة.

ثم على فرض عدم تماميته فيمكن حمله على الندب أو على ما كان واجبا بالنذر و شبهه.

ينبغي هنا التّنبيه على أمرين: الأول- ان من ضلّ هديه وجب عليه شراء آخر كما هو المشهور،

لقاعدة الاشتغال.

و اما ما تقدّم في مرسل محمد بن عيسى فيما لو ضاع أو هلك من الاجتزاء بها ان كان أوثقها في رحله فضاعت، فلا مجال للعمل به، لضعف السّند من دون جابر.

مضافا الى ما دل على وجوبه من الاخبار و سيأتي في الفرع الآتي.

و اما صحيح محمد بن مسلم و رواية إبراهيم بن عبد اللّه ففيهما ما لا يخفى.

الثاني- انه إذا اشترى هديا آخر ثم وجد الضالّ فالظاهر انه يجب عليه ذبح الأول دون الثّاني فله ان يبيعه أو يتصّدق به أو غيرهما من الأمور المباحة له، و يدل عليه خبر ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى كبشا فهلك منه؟ قال:

يشتري مكانه آخر، قلت: فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأول؟ قال: ان كانا جميعا قائمين فليذبح الأول و ليبيع الأخير و ان شاء ذبحه، و ان كان قد ذبح الأخير ذبح الأول معه «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 130

و لا يجوز إخراج شي ء مما يذبحه عن منى بل يخرج الى مصرفه بها (1).

مقتضى إطلاق ذيله و هو قوله عليه السّلام: «و ان كان قد ذبح الأخير ذبح الأول معه» هو وجوب ذبح الأول عليه و ان كان لم يشعره و لم يقلده. و لكن الأصحاب «رضوان اللّه تعالى» في مقام العمل قد تسالموا على خلافه.

و يمكن تقييده بما في صحيح الحلبي و هو، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل ان يشعرها و يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر و يجد هديه؟ قال: ان لم يكن قد أشعرها

فهي من ماله ان شاء نحرها و ان شاء باعها و ان كان أشعرها نحرها «1».

اللهم الا ان يقال بعدم ارتباط هذا الحديث بالأول، و ذلك لكون مورد الحديث الأول هدي التمتع، و هذا بخلاف مورد الحديث الثاني، لاختصاصه بالهدي المسبوق في الحج القران الذي هو خارج عن محل البحث.

بل يمكن ان يقال بخروج الأول عن مفروض المقام، لاحتمال ان لا يكون المراد منه الهدي الواجب فتأمل.

(1) هذا هو المشهور المنسوب الى مذهب الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و استدل له بعدة اخبار- منها:

1- صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن اللحم أ يخرج به من الحرم؟ فقال: لا يخرج منه بشي ء إلا السنام بعد ثلاثة أيام «2». و لكن يمكن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 3 الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 131

..........

المناقشة فيه:

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 131

اما أولا- فلاختصاصه باللحم غير السنام فلا يمكن التعدي عنه الى غيره، لاحتمال خصوصية فيه.

و أما ثانيا- فلدلالته على حرمة إخراجه من الحرم- كما لا يخفى- فما فعله صاحب الوسائل «قدس سره» من ذكر هذا الحديث في باب كراهة إخراج لحوم الأضاحي من منى الا السنام اشتباه عجيب.

قد يقال بدلالته على المدعي، بدعوى: ان التخصيص بالحرم كان في سؤال السائل و هو لا يعارض ما ظاهره المنع عن الإخراج الظاهر في الإخراج من منى، فتأمل 2- ما رواه موسى بن القاسم عن فضالة عن معاوية بن عمار قال: قال

أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تخرجن شيئا من لحم الهدى «1». و فيه: ايضا ما لا يخفى، و ذلك لانه- كما ترى- لم يذكر فيه المحل الذي نهى عن إخراجه منه، فلعله الحرم لا منى.

ان قلت: ان عدم ذكر المتعلق يدل على العموم.

قلت: ان عدم ذكر المتعلق لا يدل على العمومية، لعدم فهم العرف ذلك.

3- ما رواه حماد عن علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام، قال: لا يتزود الحاج من أضحيته، و له ان يأكل منها بمنى أيامها، قال: و هذه مسألة شهاب كتب اليه فيها «2». و هذا- كما ترى- يدل على النهي عن التزود من الأضحية لا الإخراج 4- ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 132

..........

عن جميل عن محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى؟. فقال: كنا نقول لا يخرج منها بشي ء لحاجة الناس اليه فاما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه «1» و هذا الحديث كما ترى يدل على انه كان إخراج اللحم من منى حراما سابقا و لكن ارتفعت حرمته لانتفاء ملاكها.

5- ما رواه محمد بن نجران عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: قال:

ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى ان تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام «2». و هذا- كما ترى- يدل على حرمة الحبس لا حرمة الإخراج.

مضافا الى ان حرمة الحبس ايضا قد ارتفعت،

و يدل عليه الاخبار الواردة عنهم عليهم السلام- منها:

1- ما رواه ابي الصباح عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ثم اذن فيها و قال: كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك و ادخروا «3».

2- ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: كان النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى ان تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة فأما اليوم فلا بأس به «4» 3- ما عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي (عليهم السلام) قال: قال:

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهيتكم عن ثلاث، نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، و نهيتكم عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح، الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح، الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح، الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 133

..........

إخراج لحوم الأضاحي من منى بعد ثلاث ألا فكلوا و ادخروا و نهيتكم عن النبيذ ألا فانبذوا و كل مسكر حرام. «1» و بالجملة: إخراج لحوم الأضاحي من منى ليس بحرام لعدم الدليل على الحرمة، بل الدليل على خلافه.

ينبغي هنا التنبيه على أمرين: الأول- انه على فرض تسليم حرمة إخراج الهدي المذبوح عن منى فيقع الكلام في انه هل تختص بصورة وجدان المستحق في منى و الا فلا بد من إخراجه و إيصاله إلى المستحق أو لا؟؟

قال في الجواهر: «نعم ينبغي القطع بالجواز (جواز الإخراج) إذا لم يكن مصرف له الا في خارجها

كما صرح به في المسالك مستثنيا له من إطلاق المنع و نحوه.

و لكن تنقيح البحث متفرع على ملاحظة دليل الحرمة من ان ظاهره الإطلاق أو الاختصاص، و ملاحظة وجه الجمع بين دليل الحرمة و ما دل على لزوم الإيصال إلى المستحق، و مراعاة كون المورد مورد ملاحظة الأهم و المهم و عدمه، و على فرض كونه من ذلك فهل يظهر من الأدلة أهمية الإيصال إلى المستحق أو أهمية عدم الإخراج، و مع الشك في الحكم تصل النوبة إلى التخيير.

الثاني- في انه هل يحرم إخراج ما يذبحه من منى حتى على غير صاحب الهدي أو لا؟؟ تنقيح هذا البحث ايضا متفرع على ملاحظة دليل الحرمة، و على فرض عدم الظهور يرجع الى البراءة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 134

و يجب ذبحه يوم النحر (1)

الثالث- انه لو اشتراه من مسكين بعد ان ملكه، يمكن ان يقال بجواز إخراجه، بل في الجواهر ادعى القطع بجوازه لخروجه عن نصوص المنع، فتأمل.

الرابع- انه صرح الشهيد الثاني «قدس سره»- على ما هو المحكي عنه- بعدم جواز إخراج شي ء من الهدي الذي ذبحه من منى حتى الجلد، بل حكم بوجوب التصدق بجميعه من اللحم و الجلد و غيرهما من الأطراف و الأمعاء. و لكن لا يمكن المساعدة عليه، لاختصاص دليل المنع على فرض تماميته باللحم.

مضافا الى موثق إسحاق بن عمار «1» الدال على جواز إخراج الجلد و السنام و الشي ء ينتفع به.

و اما الاستدلال له بصحيح معاوية قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الإهاب؟

فقال: تصدق به، أو تجعله مصلى تنتفع به في البيت، و لا تعطه الجزارين، و قال نهى

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يعطي جلالها و جلودها و قلائدها الجزارين و أمر ان يتصدق بها «2» و صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما السّلام قال: سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها ان يجعلها جرابا؟ قال: لا يصلح ان يجعلها جرابا الا ان يتصدق بثمنها «3» ففيه ما لا يخفى لعدم دلالتهما على عدم جواز الإخراج من منى، بل الأخير منهما في الأضاحي التي يمكن القول بجواز إخراج لحومها اختيارا و ان كره كما عن الفاضلين و غيرهما التصريح به.

(1) وجوب ذبح الهدي يوم النحر مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح. الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح. الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 135

مقدما علي الحلق (1) فلو أخره أثم (2) و اجزء و كذا لو ذبحه في بقية ذا الحجة جاز (3)

بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا، بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به بعضهم. بل في المدارك: «انه قول علمائنا و أكثر العامة للناسي» لكن المسلم منه كونه بمعنى عدم جواز تقديمه على يوم النحر الذي يمكن تحصيل الإجماع عليه، كما ادعاه بعضهم. اما عدم جواز تأخيره عنه فهو و ان كان مقتضى العبارة، لكن ستعرف القائل بالجواز صريحا و ظاهرا، بل قد يشكل الدليل عليه فإنهم لم يذكروا له الا التأسي الذي يمكن الاشكال فيه بعد تسليم وجوبه في غير معلوم الوجه بأنه لم يعلم كون ذبحه في ذلك اليوم نسكا، ضرورة:

احتياج الذبح الى وقت و ان كان هو خلاف ظاهر الحال.»

(1) القول بوجوب كون الذبح مقدما على الحلق انما يتم بناء على وجوب الترتيب الذي سيتضح تحقيق الكلام فيه عند تعرض المصنف «رحمه اللّه تعالى» له.

(2) هذا بناء على الوجوب.

(3) و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه. بل في كشف اللثام: قطع به الأصحاب من غير فرق بين الجاهل و العالم و العامد و الناسي، و لا بين المختار و المضطر.

بل عن النهاية و الغنية و السرائر الجواز، بل عن الثاني: الإجماع عليه، و لكن يمكن ارادة الجميع الاجزاء منه كما في المتن» و استدلوا لذلك بعدة اخبار- منها:

1- رواية النضر بن قرواش قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 136

[صفات الهدي]
اشارة

(صفات الهدي) الثاني: في صفاته،

[و الواجب ثلاثة]
اشارة

و الواجب ثلاثة:

[الأول الجنس]

الأول الجنس و يجب ان يكون من النعم: الإبل و البقر و الغنم (1)

بالعمرة إلى الحج فوجب عليه النسك فطلبه فلم يجده، و هو موسر حسن الحال، و هو يضعف عن الصيام، فما ينبغي له ان يصنع؟ قال: يدفع ثمن النسك الى من يذبحه بمكة ان كان يريد المضي إلى اهله، و ليذبح عنه في ذي الحجة، قلت: فان دفعه الى من يذبح عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا و اصابه بعد ذلك؟ قال: لا يذبح عنه الا في ذي الحجة و لو أخره إلى قابل «1».

2- ما رواه حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم؟

قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه فان مضى ذو الحجة أخر ذلك الى قابل من ذي الحجة «2» الى غير ذلك من الاخبار المروية عنهم (عليهم السلام) و في هذين الحديثين بحث سيأتي ذكره في المباحث الآتية

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى ما يحكى عن المفسرين في قوله تعالى «لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلىٰ مٰا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعٰامِ» من أنها الثّلاثة المزبورة. و الى صحيح زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام في المتمتع قال: عليه الهدي قلت: و ما الهدي؟ فقال: أفضله بدنة و أوسطه بقرة و أخسّه شاة «3» و غيره

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 2.

(2) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 1.

(3) الوسائل ج 2 الباب

5 من أبواب أقسام الحج الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 137

..........

من النصوص و كونه المعهود و المأثور من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة (عليهم السّلام) و الصّحابة و التابعين، بل هو كالضّروري بين المسلمين. إلخ» ان قلت: انه و ان كان السّؤال عن جنس الهدي لكنه عليه السّلام ليس في مقام الحصر، لكونه في مقام بيان الأفضلية.

قلت: ان كلامه عليه السّلام لا يخلو عن ظهور في الحصر جوابا لسؤال السائل عن جنس الهدي، و اما بيانه عليه السّلام الأفضلية فيكون تفضلا منه، كما لا يخفى. هذا مضافا الى انه مع قطع النّظر عن صحيح زرارة يجب الاقتصار في الهدي على الأنعام الثّلاثة- الإبل و البقر و الغنم- و ذلك بتقريب ان يقال: انه ليس هنا إطلاق بالنسبة إلى جنس الهدي حتى يرجع إليه في صورة الشّك، فالمرجع في صورة الشك هو الأصل العملي، و هو- في مفروض المقام- الاشتغال، كما لا يخفى.

ان قلت: ان المورد مورد جريان أصالة البراءة، و ذلك بدعوى: ان أصل وجوب الذبح ثابت، غاية الأمر يشك في اعتبار خصوصيته زائدة، و هو كونه من الأنعام الثّلاثة لا غيرها، و الأصل البراءة، و بمقتضاها يحكم بكفاية الذّبح و لو كان من غير الأنعام الثّلاثة.

قلت: انك قد عرفت عدم وجود إطلاق بالنسبة إلى جنس الهدي، فليس المقام من قبيل ما إذا علم بوجوب أصل شي ء و شك في الخصوصية و انما يكون من قبيل ما إذا كان التكليف مرددا من أول الأمر بين المطلق و الخاص، ففي هذا الفرض لا مجال لجريان البراءة و المتعين فيه جريان الاشتغال و في مفروض المقام يكون من قبيل الثّاني لا

الأوّل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 138

[الثاني: السن]

الثاني: السن فلا يجزى من الإبل إلا الثني و هو الذي له خمس و دخل في السادسة و من البقر و المعز ما له سنة و دخل في الثانية و يجزى من الضأن الجذع لسنة (1)

- كما لا يخفى- و ذلك لان أصل التكليف بالهدي معلوم و لكنه مردد بين كونه من الأنعام الثلاثة أو مطلقا سواء كان منها أو من غيرها فعليه إذا شك فيما إذا ذبح من غير الأنعام الثلاثة فيكون مرجع ذلك الى الشك في أصل سقوط التكليف و المرجع هو الاشتغال لا البراءة فتدبر.

مضافا الى انه يمكن ان يقال: بما انه لا عين و لا أثر في اخبار الباب لغير الأنعام الثلاثة يستكشف عن عدم اجزاء غيرها قطعا فتدبر.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده في الحكم و التفسير للأول الذي هو المعروف عند أهل اللغة أيضا. بل على الحكم في الثلاثة الإجماع صريحا في كلام بعض و ظاهرا في كلام آخر.

إلخ» و استدل لذلك كله بعدة اخبار- منها:

1- صحيح عيص بن القاسم عن ابي عبد اللّه عن علي عليهما السّلام انه كان يقول:

الثنية من الإبل و الثنية من البقر و الثنية من المعز و الجذع من الضأن [1] «1». بناء على ظهوره في ان ذلك أقل المجزي.

______________________________

[1] الثني من الإبل هو ما كمل له خمس سنين و دخل في السادسة، بلا خلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه.

و اما من البقر و الغنم ففي الوافي: ان الأشهر انه ما دخل في الثالثة و هو المطابق للصحاح و القاموس، و به قال الشيخ على ما

هو المحكي عنه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 139

..........

2- صحيح ابن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: يجزى من الضأن الجذع و لا يجزى من المعز إلا الثني «1».

3- ما رواه محمد بن يحيي عن حماد بن عثمان قال، سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أدنى ما يجزى من أسنان الغنم في الهدي؟ فقال: الجذع من الضأن. قلت: فالمعز؟

قال عليه السّلام: لا يجوز الجذع من المعز قلت: و لم؟ قال عليه السّلام لان الجذع من الضأن يلقح و الجذع من المعز لا يلقح «2».

4- ما رواه معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال:

و يجزى في المتعة الجذع من الضأن و لا يجزي الجذع من المعز «3» 5- خبر سلمة أبي حفص عن ابى عبد اللّه عن أبيه عليهما السّلام قال: كان علي عليه السّلام

______________________________

و لكن في المدارك و الذخيرة و المفاتيح و شرحه: «ان المشهور انه ما دخل في الثانية» و به صرح به المحكي في السرائر.

و اما الجذع من الضأن فمن التذكرة و المنتهى موافقا لكلام الجوهري على ما قيل: «انه ما كمل له ستة أشهر».

و عن الدروس «انه ما كمل له سبعة أشهر».

و حكى ايضا القول بأنه إذا لم يكمل ثمانية أشهر لا يطلق عليه الجذع، و أسند ذلك الى الشيخ و ابن الأعرابي.

و في المفاتيح و شرحه: «ان المشهور ان الجذع من الضأن و المعز ما دخل في الثانية» و هو الظاهر من القاموس و النهاية الى غير ذلك من الأقوال.

و حيث لا دليل تاما يمكن التعويل عليه في التعيين في المقام فالواجب

بمقتضى الاشتغال الأخذ بالاحتياط و ذبح الأعلى سنا من هذه الأقوال (في المستند).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 140

[الثالث: ان يكون تاما]

الثالث: ان يكون تاما، فلا يجزي العوراء، و لا العرجاء البين عرجها (1).

يكره التشريم: «التشقيق» في الآذان، و الخرم لا يرى به بأسا ان كان ثقب في موضع المواسم كان يقول: يجزى من البدن الثني و من المعز الثني و من الضأن الجذع «1».

6- في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما السّلام انه قال: «الذي يجزى في الهدي و الضحايا من الإبل الثني و من البقر المسن و من المعز الثني و يجزى من الضأن الجذع و لا يجزى الجذع من غير الضأن و ذلك لان الجذع من الضأن يلقح و لا يلقح الجذع من غيره» الي غير ذلك من الاخبار المروية عنهم (عليهم السلام).

ثم انه قد عرفت ان مقتضى الاخبار انه لا يجزى الا الثني من الأنعام الثلاثة نعم. في الصحيح اما في البقر لا يضرك بأي أسنانها «2» الا انه مهجور و لم يعمل أحد به من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» فيخرج عن حيز دليل الحجية و الاعتبار فلا عبرة به.

(1) الظاهر انه المتسالم عليه، و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع.

و استدل لذلك بما في صحيح علي بن جعفر انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام: عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم الا بعد شراءها هل تجزى عنه؟ قال عليه السّلام نعم، الا ان يكون هديا واجبا،

فإنه لا يجوز ان يكون ناقصا «3» و رواه الحميري في «قرب الاسناد» عن عبد اللّه بن الحسن عن علي بن جعفر مثله الا انه قال: «نعم»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 9

(2) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 141

..........

الا ان يكون هديا فإنه لا يجوز في الهدي» و يؤيده ما ورد في المجبوب و مقطوعة الاذن و مكسورة القرن الداخل و سيأتي ذكره في الفروع الآتية.

و في السرائر و المنتهى عن البراء بن عازب قال: قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خطيبا فقال: اربع لا يجوز في الأضحى: العوراء البين عورها [1] و المريضة البين مرضها [2] و العرجاء البين عرجها [3] و الكبيرة التي لا تنقي [4].

ينبغي هنا التّنبيه على أمور: الأول- ان بين الناقص و المعيب عموم مطلق، لان كل ناقص معيب و لكن ليس كل معيب ناقصا- كالعور- فإنه عيب و لكنه ليس بنقص. نعم، ان مرجع العيب في الحقيقة و ان كان الى النقص لانه لو كان تام لما طرء عليه ذلك و به يستكشف ان في الحيوان نقص نشأ منه هذا العيب و لذلك يطلق في الاستعمالات كل واحد منهما على الآخر، و لكن المفهوم من النقص عرفا أعم من المفهوم من العيب عرفا، فتدبر،

______________________________

[1] فسر بانخساف العين.

[2] فسر بالجرباء و فسر ايضا بمطلق المرض الموجب لهزالها.

[3] فسر بالعرج الشديد، بحيث كان موجبا لمنعه عن السير مع الأغنام و مشاركتهن في العلف.

[4] فسر بالتي لا مخ لها. لهزالها، لأن «النقي»- بالنون المكسورة

و القاف الساكنة- إلخ.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 142

..........

الثاني- ان صحيح علي بن جعفر- كما ترى- و كذا خبر البراء وارد في الأضحية، فلا يمكن التعدي عن مورده الى غيره، الا إذا حصل القطع بالمناط.

الثالث- ان مقتضى قوله صلّى اللّه عليه و آله: «و الكبيرة التي لا تنقى» عدم اجزائها في الهدي بناء على التعدي، و هو المشهور بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر نفي الخلاف فيه. و عن المنتهى و غيره: الاتفاق عليه.

الرابع- انه يمكن ان يقال عدم دليل على اعتبار انخساف العين و غروب الحدقة في البين عورها بل يحكم بعدم الاجزاء و لو لم يكن كذلك، بل انه لا يبعد الاكتفاء بمطلق العور في الحكم بعدم الإجزاء، لإطلاق صحيح علي بن جعفر المعتضد بإطلاق كلام المصنف «قدس سره» و غيره من الأصحاب كما اعترف به في المدارك، و لكن تردد بعض فيه، و لعله من التقييد بالبين في خبر البراء المتقدم و خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يضحى بالعرجاء بين عرجها، و لا بالعوراء بين عورها، و لا بالعجفاء و لا بالخرفاء «و لا بالخرقاء بالجرباء خ ل» و لا بالجدعاء و لا بالعضباء. «1» و ان كان في خبر آخر له ابدال العوراء بالجرباء و إليك نص عبارته قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: لا يضحى بالعرجاء بين عرجها، و لا بالعجفاء و لا بالجرباء و لا بالخرقاء. إلخ «2» الخامس- انه لا يضر الحكم المزبور- و هو عدم كون الهدي معيبا و ناقصا- عدم ذكر جميع العيوب في الاخبار الخاصة-

كالعمى و نحوه- لكفاية المطلقات، فلا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 143

..........

نحتاج في إثبات اشتراط عدم العمى و نحوه في الهدي بالتمسك بالأولوية القطعية حتى يشكل بعدم حصولها في الشرعيات و غاية ما يحصل هو الظن و هو لا يفيد لعدم الدليل على اعتباره.

السادس- ان ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح علي بن جعفر: «فإنه لا يجوز ان يكون ناقصا» يدل على ان عدم النقص شرط واقعي لا علمي الا انه ترفع اليد عنه بما دل على انه شرط علمي، و هو قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي: «من اشترى هديا و لم يعلم ان به عيبا حتى فقد ثمنه ثم علم فقد تم» «1» و مقتضاه- كما ترى- ان عدم النقص شرط علمي مع استثناء العلم الحاصل بعد نقد الثمن، و كذا مقتضى قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: «ان كان نقد ثمنه فقد اجزء عنه و ان لم يكن نقد ثمنه رده و اشترى غيره» «2» و لكن لا يخفى ان أكثر الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لم يعملوا بهذا المضمون، لعدم افتائهم بالتفصيل بين ما إذا علم بالعيب بعد نقد الثمن و بين ما إذا علم قبله في الحكم بالاجزاء في الأول، و بعدمه في الثاني.

نعم، ان الشيخ «قدس سره» على ما هو المحكي عنه أفتى به في تهذيبه، و لكن تردد في كتابه الآخر و هو الاستبصار. نعم صاحب المدارك عمل بهما مشيا على طبق مبناه من العمل بالأخبار الصحيحة و لو كان مخالفا للأصحاب.

و كيف كان فإذا

كان عدم عمل الأصحاب بمضمون الحديثين من جهة الإعراض عنهما، فيشكل الاعتماد عليهما، و اما إذا كان ذلك من جهة معارضتهما مع ما مر من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 144

..........

صحيح علي بن جعفر ففيه كلام.

لا بأس بذكر بيان المعارضة فنقول: انه- كما ترى- انه دل صحيح علي بن جعفر على عدم إجزاء الهدي فيما إذا كان ناقصا مطلقا سواء تبيّن النّقص و العيب قبل نقد الثّمن أو بعده و لكن هذا بخلاف الصّحيحين، لدلالتهما على عدم الاجزاء فيما إذا تبيّن النقص و العيب قبل نقد الثّمن فعليه تكون الصحيحتان أخصّ منه من هذه الجهة إلا أنهما أعم من صحيح علي بن جعفر من جهة شمولهما للهدي الواجب و المستحب و هو لا يشمل إلا الهدي الواجب فتكون المعارضة بينهما بالعموم من وجه مادّة الاجتماع هو ما إذا كان الهدي الواجب المعلوم كونه ناقصا و معيبا بعد نقد الثّمن فيتساقطان في مادّة الاجتماع و تصل النّوبة بعد تساقطهما الى الأصل.

فيقع الكلام في انّ المرجع حينئذ هو البراءة أو الاشتغال؟.

يمكن ان يقال بان المرجع هو الاشتغال للعلم باشتغال الذّمة بالهدي و هو يستدعي الفراغ اليقيني و لا يحصل ذلك بذبح هذا المعيب فعليه ان يذبح الهدي الّذي لم يكن ناقصا حتى بعد نقد الثّمن.

و لكن الأقوى في النّظر هو ان المرجع بعد التّساقط هو البراءة بتقريب: ان التّكليف بأصل ذبح الهدى- من الأنعام الثّلاثة: «الإبل و البقر و الغنم»- معلوم و هو على الفرض في المقام محرز غاية الأمر يشكّ في اعتبار وصف زائد على

سائر الأوصاف المعلوم اعتبارها- و هو اعتبار ان لا يكون معيبا و ناقصا مع تبيّنه بعد نقد الثّمن لا قبله- فتجري البراءة و تحكم بمقتضاها عدم اعتبار شرط الزّائد، و لكن مع ذلك كلّه مخالفة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 145

و لا التي انكسر قرنها الدّاخل (1) و لا المقطوعة الأذن (2)

الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» تمنع عن الإفتاء بذلك، فإنه و ان لم يحصل لنا العلم بان مخالفتهم انما كان من جهة إعراضهم عن الصّحيحين، و لكن عدم عملهم بمضمونهما يوجب سلب الاطمئنان تكوينا عنّا عنهما فيسقطان و يخرجان عن حيّز دليل الحجّية و الاعتبار، فعليه يتّجه الرجوع الى ما دلّ على اشتراط عدم النّقص في الهدي.

(1) ان عدم إجزاء الهدي الذي انكسر قرنها الداخل مما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا و استدل له بصحيح جميل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الأضحية يكسر قرنها الدّاخل؟ قال: ان كان القرن الدّاخل صحيحا فهو يجزى «1» و بصحيح جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في المقطوع القرن أو المكسور القرن إذا كان القرن الدّاخل صحيحا فلا بأس و ان كان القرن الظّاهر الخارج مقطوعا «2» و لا يخفى ان الصّحيح الأول و ان كان واردا في الأضحية الّا انّه يكفي في الحكم المزبور إطلاق الصحيح الثّاني.

ثم انه لا يخفى ان المراد من انكسار القرن الدّاخل هو الأبيض الذي في وسط الخارج و اما الخارج فلا عبرة به.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده في ذلك.» و استدل لذلك بعدة اخبار- منها:

1- خبر السكوني،

عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام، قال: قال:

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يضحى بالعرجاء بيّن عرجها، و لا بالعوراء بيّن عورها، و لا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 146

..........

بالعجفاء و لا بالخرفاء «بالخرقاء، خ ل» و لا بالجدعاء و لا بالعضباء، العضباء مكسورة القرن و الجدعاء المقطوعة الاذن «1» 2- ما رواه أبو إسحاق عن شريح بن هاني عن علي عليه السّلام قال أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الأضاحي: أن نستشرف العين و الأذن، و نهانا عن الخرقاء، و الشّرقاء و المقابلة و المدابرة «2» و روي عن محمد بن احمد مثله ثم قال: الخرقاء ان يكون في الاذن ثقب مستدير و الشرقاء المشقوقة الأذن باثنين حتى ينفذ الى الطرف و المقابلة أن يقطع في مقدم أذنها شي ء ثم يترك ذلك معلقا لاثنين «لا تبين ظ» كان زعبة و المدابرة أن يفعل مثل ذلك بمؤخّر أذن الشاة «3».

3- في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال في خطبة له: و من تمام الأضحية استشراف اذنها، و سلامة عينها، فإذا سلمت الاذن و العين سلمت الأضحية و تمت. إلخ «4».

4- ما رواه محمد بن ابى نصر بإسناد له عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سئل من الأضاحي إذا كانت الأذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة؟ فقال: ما لم يكن مقطوعا فلا بأس «5».

5- ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الضحية تكون الأذن مشقوقة؟ فقال: ان كان شقها و سما فلا بأس،

و ان كان شقا فلا يصلح «6».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 6

(5) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الذبح الحديث 1

(6) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 147

..........

6- ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن الأضحية؟ فقال: ضح بكبش أملح. و اشتره سليم الأذنين و العينين. «1» الى غير ذلك من الاخبار المرويّة عنهم (عليهم السّلام).

و لكن لا يخفى انه لا يمكن التمسّك بها في المحل المفروض- و هو الهدي- لورودها في الأضاحي، إلّا إذا ادّعى القطع بالأولويّة، فإنه يغتفر في المستحب ما لا يغتفر في الواجب، فإذا كانت الأضحية مشروطة بخلوها عمّا ذكر فكذلك في الهدي بالطريق الأولى، لأن التشدّد و التضيق في الهدي أزيد منه في الأضحية، أو لعلها أعمّ من الهدي، فتأمل.

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- قال في الجواهر: «و في المدارك. قد قطع الأصحاب باجزاء الجماء «و هي التي لم يخلق لها قرن» و الصهناء «و هي الفاقدة الاذن خلقة» للأصل، و لان فقد هذه الأعضاء لا توجب نقصا في قيمة الشّاة و لا في لحمها و استقرب العلّامة في المنتهى اجزاء التّبراء ايضا: «و هي مقطوعة الذّنب» و لا بأس به، و عنه ايضا فيه و في التحرير القطع باجزاء الجمّاء، و عن الخلاف و الجامع و الدّروس كراهتها، قيل و ذلك لاستحباب الأقرن لنحو قول

أحدهما عليهما السّلام لمحمّد بن مسلم في الصحيح في الأضحية: «أقرن فحل.» «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 12

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 148

..........

و ناقش في جميع ما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) بقوله: «قلت ان كان إجماع على اجزاء المزبورات فذاك، و الا فقد يمنع، لانه مناف لإطلاق عدم جواز كون الهدي ناقصا في الصّحيح المزبور الشّامل: للجمّاء و التّبراء و الصمعاء و لو خلقة، ضرورة: كون المراد النّقص بالنسبة إلى غالب النوع، لا خصوص الشّخص، و عدم النّقصان في القيمة و اللّحم لا يمنع صدق النّقص الذي ينقطع به الأصل المزبور، مع انه قد يمنع عدم النّقص في القيمة، و لعله لذا نسب الاجزاء في الدّروس الى قول مشعرا بتمريضه، بل ينبغي القطع بفساده في التّبراء، إذا كان المراد ما يشمل مقطوعة الذّنب، ضرورة: صدق النّقص عليه، و لعله لذا قطع به في الرّوضة مدرجا له إدراج غيره. الى ان قال: و بالجملة الظّاهر اتحاد حكم التّبراء مع الصمعاء و الجمّاء، ان أريد التّبر خلقة، و ان أريد مقطوعة الذنب- كما هو ظاهر عبارة السابقة- فالمتجه عدم اجزائها. بل قد يقال بعدم اجزائها و لو خلقة و ان قلنا باجزاء الجماء و الصمعاء باعتبار غلبة تعاون الصفتين المزبورتين بخلافها، فتعد التبراء ناقصة دون الجمّاء و الصمعاء، و مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه في الجميع» ما افاده صاحب الجواهر «قدّس سرّه» متين لصدق النقص المانع من الاجزاء في الجميع.

3- ان مقتضى ما تقدّم من الاخبار عدم الفرق في الحكم بعدم الاجزاء بين ما إذا قطع بعض الاذن

أو جميعها، لإطلاقها، و لذا قال في المنتهى: العضباء «و هي التي ذهب نصف اذنها أو قرنها» لا تجزى. الى ان قال: و كذا لا يجزى عندنا قطع ثلث اذنها، نعم لا بأس بمشقوق الاذن و مثقوبتها على وجه لا ينقص منها شي ء، و قد نفى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 149

و لا الخصي من الفحول (1)

عنه الخلاف و يشهد له مرسل البزنطي و غيره، و لكن موردها الأضاحي، و لعلها أعم من الهدي، أو يتعدى اليه منها أو يتمسّك فيه بالإطلاق، لعدم صدق النّقص بمجرد ذلك و لكنه مع ذلك كلّه لا يخلو من تأمّل.

(1) عدم إجزاء الهدي إذا كان خصيا مما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل قد ادعى عليه الإجماع، و يدل عليه- مضافا الى ما دل على اشتراط عدم النقص في الهدي- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج- المتقدم- سئل الكاظم عليه السّلام عن الرجل يشتري الهدي فلمّا ذبحه إذا هو خصي محبوب و لم يكن يعلم ان الخصي المجبوب لا يجوز في الهدي هل يجزيه أم يعيده؟؟ قال: لا يجزيه الا ان يكون لا قوة به عليه «1».

تحقيق الكلام في هذا المقام يتوقّف على ذكر أمور: الأول- ان ظاهر قوله عليه السّلام: «الا ان يكون لا قوّة به عليه» هو عدم القوّة بمعنى عدم اليسار، فلا يشمل عدم وجدان غير الخصيّ و في صحيح عبد الرحمن الآخر عن الرجل يشتري الكبش فيجده خصيا مجبوبا؟ قال: ان كان صاحبه موسرا فليشتر مكانه «2».

الثاني- انه قد عرفت عدم كفاية الخصي في الهدي- و هو مسلول الخصية (بضم الخاء و كسرها)- و اما الموجوء (و هو مرضوض عروق الخصيتين حتى

تفسد)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 150

و لا المهزولة: و هي الّتي ليس على كليتها شحم (1)

فسيأتي حكمه عند تعرض المصنف (قدّس سرّه) له.

الثالث- ان مقتضى ما رواه حماد عن الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: النعجة من الضأن إذا كانت سمينة أفضل من الخصى من الضأن و قال: الكبش السّمين خير من الخصي و من الأنثى، و قال: و سألته عن الخصي و عن الأنثى فقال: الأنثى أحبّ اليّ من الخصي «1»- كما ترى- جواز جعل الخصي هديا، غاية الأمر على كراهة، فيعارض مع ما مرّ من الاخبار الدّالة على عدم الاكتفاء به، و لكن لا يمكن الاعتماد عليه في قبال صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم المعتضد بالشّهرة، و يمكن حمله على الأضحية المندوبة.

الرابع- ان مقتضى صحيح عبد الرّحمن بن الحجّاج هو اشتراط عدم قوّة المكلف على غيره في الحكم المزبور و لكن ينافيه خبر ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: فالخصيّ يضحّى به؟ قال: لا الا ان لا يكون غيره «2» و ذلك لدلالته على اشتراط عدم وجود غيره و دلالة الصحيحة على عدم قوة المكلف على غيره و لكن حمل على الأضحية المندوبة فتأمل.

(1) هذا مما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديث و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع و استدل عليه- مضافا الى الأصل بجملة من النصوص- منها:

1- صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «في حديث» قال: و ان اشترى أضحية و هو ينوي

أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، و ان نواها مهزولة فخرجت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 151

..........

سمينة أجزأت عنه و ان نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم يجز عنه «1» بناء على ان المراد بالأضحية فيه الهدى و لو بقرينة ذكر الاجزاء و عدمه.

2- ما رواه منصور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: و ان اشترى الرجل هديا و هو يرى انه سمين أجزأ عنه، و ان لم يجده سمينا، و من اشترى هديا و هو يرى انه مهزول فوجده سمينا اجزء عنه و ان اشتراه و هو يعلم انه مهزول لم يجز عنه «2».

3- حسن الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه، و ان اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة، فإنها لا تجزى عنه «3» الى غير ذلك من الاخبار المروية عنهم (عليهم السلام) و المستفاد منها- كما ترى- التفصيل بين ما إذا اشتراها باعتقاد كونها سمينة فبانت مهزولة و بالعكس، و ما إذا اشتراها باعتقاد كونها مهزولة و بانت مهزولة، في الحكم بالاجزاء في الأولين و بعدمه في الأخير.

ثم ان البحث يتم بذكر أمور: الأول- ان العبرة في كون الحيوان مهزولا أو سمينا بالصدق العرفي و مع الشّك فيه فهل يمكن التمسّك بهذه الاخبار في رفعه أو لا؟ و الأقوى عدمه، لمكان الإجمال و لكن يقع الكلام حينئذ في ان المرجع هو الأصل- و هو الاشتغال- أو إطلاق الأدلّة يمكن ان يقال: بالثاني، و لكن التّحقيق عدم كونه المرجع، لتقيّده بعنوان مجمل

______________________________

(1)

الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 152

..........

- و هو المهزول- فلا بد من ذبح ما يعلم منه الفراغ اليقيني بعد العلم باشتغال الذمة بذبح هدي غير مهزول، هذا كله لو لم يرد من الشّارع المقدّس تحديد شرعي للهزال.

الثاني- انه قد ورد تحديد شرعي للهزال، و هو ان حد الهزال ان لا يكون على كليته شحم، فعن الفضل قال: حججت بأهلي سنة فعزّت الأضاحي، فانطلقت فاشتريت شاتين بغلاء فلما ألقيت إهابيهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال فأتيته فأخبرته بذلك، فقال: ان كان على كليتهما شي ء من الشحم أجزأت «1».

و المستفاد من هذا الحديث- كما ترى- ان حد الهزال ان لا يكون على كليته شحم.

الثالث- ان الحديث المتقدم- الدّال على ثبوت حد شرعي للهزال- و ان كان ضعيفا سندا و مضمرا، و من هنا اعرض عنه بعض متأخر المتأخرين و أحال الأمر إلى العرف الا انه منجبر بعمل جماعة كثيرة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» فلا بأس بالعمل به.

الا ان يقال: ان عدم عمل جماعة أخرى به مانع عن الاعتماد عليه.

الرابع- في انه على فرض اعتباره فلا إشكال في الاجزاء فيما صدق عرفا هذا العنوان- و هو ان على كليته شحم- و عدمه فيما إذا لم يصدق ذلك انما الكلام فيما إذا كان الشّحم بمقدار حصل الشّك في الاجزاء، فهل يكون المرجع حينئذ إطلاق الأدلّة أو الأصل- و هو الاشتغال- لا ينبغي الإشكال في كون المرجع حينئذ هو الاشتغال، لان اشتغال الذمة اليقيني يستدعي

الفراغ اليقيني و الشّك في الاجزاء في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 153

..........

مفروض المقام يوجب الشّك في الامتثال و انطباق المأمور به على المأتيّ به الّذي لا ينبغي الارتياب في مرجعيّة قاعدة الاشتغال فيه.

الخامس- انه لا يخفى ان هذا الحديث ليس معارضا لما دل على اجزاء المهزول فيما إذا لم يعلم بهزاله قبل الشّراء و ذلك من جهة ان مورده عدم العلم و اما حديث الفضل و ان كان مورده عدم العلم لكن يمكن ان يقال ان المراد منه ان الامام عليه السّلام قد بيّن له ان الهزال الّذي كان عدمه شرطا في الهدي حدّه عدم الشّحم على الكلية فيما اشتريته ما كان مهزولا حتى تندم فندمك ليس في محله فتأمل.

السادس- انه قد عرفت ان حد الهزال عدم الشحم على كليته و لكن يقع الإشكال في ذلك و هو انه كيف يحصل العلم بذلك قبل الذبح للمكلف: نعم يمكن ان يحصل ذلك للأوحدي الذي هو من أهل الاطلاع، و كيف كان فكيف يمكن ان يقال:

انه لو اشتراه و هو يرى انه مهزول فبان سمينا أو كان يرى انه سمين فبان مهزولا أجزأ و الا فلا.

الا ان يقال: ان المراد من المهزول الذي تضمّنه الرواية هو العرفي و المراد من أنه بان مهزولا هو الشّرعي الّذي عرفت تحديده فيصير المعنى حينئذ انه لو اشتراه و هو يرى انه مهزول عرفا فبان انه غير مهزول شرعا أجزأ، و كذا إذا اشتراه و هو يرى انه سمين عرفا فبان مهزولا شرعا، و هذا بخلاف الصّورة الثّالثة و في ما إذا اشتراه و هو يراه غير سمين عرفا

و بان مهزولا شرعا لا يجزى.

و لكن التحقيق: ان هذا الاشكال غير وارد من أصله، و ذلك لانه عليه السّلام بين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 154

و لو اشتراها على أنها مهزولة فخرجت كذلك لم تجزء (1). و لو خرجت سمينة أجزأته (2)

الكبرى الكلية و هي أنه لو كان يراه مهزولا فكذا، و أما عدم معرفة هزاله فغير مربوط بكلامه عليه السلام فإنه بين على نحو القضية الحقيقية أنه لو عرفه كان حكمه كذا.

السابع أنه لو اشترى سمينا و بان أنه لم يكن على كليته شحم مع كونه سمينا و لكن لم يكن عدم الشحم على الكلية لأجل المرض فهل يجزي أو لا؟ و الظاهر أنه يجزى، فإن ما في الحديث من وجود الشحم و عدمه حد للهزال لا للسمن فعليه في ظرف السمن لا بد أن يحكم بالإجزاء مطلقا كان على كليته شحم أو لا فتأمل.

و لكن يمكن أن يقال إنه لا يتفق أن يكون سمينا و لكن لم يكن على كليته شحم، فإن أول درجة من الهزال الغير المجزي عدم الشحم على كليته فمهما كان سمينا كان على كليته الشحم.

إلا أن يقال إن عدم الشحم على الكلية يمكن أن يكون لأجل مرض في الكلية فلا يجزى حينئذ، لا من جهة الهزال بل من جهة المرض، و لكن مع ذلك لا يمكن الحكم بعدم الإجزاء فيما إذا كان مرضه قليلا إذ لا يقال عرفا أنه معيب فتأمل.

الثامن أنه لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجزه كما هو واضح.

(1) قد نفي عنه الخلاف و ادعي عليه الإجماع و يدل عليه الأخبار المتقدمة.

(2) كما هو المشهور، للنصوص المتقدمة خلافا للعماني فلم يجتزء به للنهي عنه

المنافي لحصول التقرب به حال الذبح و هو اجتهاد في مقابل النص و يمكن حصوله بالرجاء.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 155

و كذا لو اشتراها على أنها سمينة فخرجت مهزولة (1) و لو اشتراها على أنها تامة فبانت ناقصة لم يجزه (2)

(1) لما سمعته من الأخبار في صدر المبحث.

(2) كما عن الأكثر، لإطلاق صحيح ابن جعفر عليه السلام الدال على عدم الاجتزاء بالناقص، لكن في التهذيب: «إن كان نقد الثمن ثم ظهر النقصان أجزأه» و لعله لقول الصادق عليه السلام في صحيح عمران الحلبي من اشترى هديا و لم يعلم به عيبا حتى نقد ثمنه ثم علم به فقد تم «1» و قوله عليه السلام في حسنة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى هديا و كان به عيب عور أو غيره؟ فقال: إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه و إن لم يكن نقد ثمنه رده و اشترى غيره «2» بعد حمله على عجزه عن نقد الثمن بعد ظهور العيب و تقييد الصحيح المتقدم و هو صحيح علي بن جعفر بغير صورة نقد الثمن، و قد نفى عنه البأس في المدارك، و احتمل في محكي الاستبصار أن يكون هذا في الهدي الواجب، و ذاك في المندوب و الإجزاء إذا لم يقدر على استرجاع الثمن.

و لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد إعراض الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم عنه حتى الشيخ في غير الكتاب المزبور الموجب لخروجه عن محل الاعتبار قال في الجواهر: «نعم في الدروس اجزاء الخصي إذا تعذر غيره أو ظهر خصيا بعد ما لم يكن يعلم، و قد عرفت البحث في الأول، و اما الثاني فلا أعرف به

قولا و لا سندا كما اعترف به في كشف اللثام، و لو اشتراها على أنها ناقصة فبانت تامة قبل الذبح أجزأه لصدق الامتثال، و لو كان بعد الذبح ففي الاجزاء و عدمه إشكال ينشأ من

______________________________

(1) الوسائل ج 14 الباب 24 من أبواب الذبح الحديث 3

(2) الوسائل ج 14 الباب 24 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 156

..........

فحوى ما ورد في المهزول و من عدم النيّة حال الذبح مع حرمة القياس و لعله الأقوى.»

و لا يخفى انه قد تقدم البحث عن هذين الحديثين بصورة مفصلة عند شرح كلام المصنف: «الثالث ان يكون تاما.».

تذييل و هو انه إذا لم يجد الهدي الكامل فهل يجب عليه شراء الهدي النّاقص أو ينتقل قرضه الى الصّوم؟؟ يمكن الاستدلال للأول بوجوه:

الأول- الاستصحاب. و فيه ما لا يخفى.

الثاني- قاعدة الميسور و فيه: انه لم يلتزم أحد بجريانها في صورة ما إذا تعذر القيد فإذا قال المولى: «أعتق رقبة مؤمنة» و فرض انه لم يتمكن منها لم يقل أحد بوجوب رقبة كافرة عليه.

الثالث- انه يمكن ان يقال بوجوب شراء النّاقص بقاعدة الميسور و لكن لا بالقاعدة الميسور الكبيرة التي تجري في كثير من الموارد بل بقاعدة الميسورة الصغيرة الواردة في خصوص ما نحن فيه في حسن معاوية عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: ثم اشتر هديك ان كان من البدن أو من البقر و الا فاجعله كبشا سمينا فحلا فان لم تجد كبشا فحلا فموجأ من الضأن، فان لم تجد فتيسا، فان لم تجد فما تيسّر عليك و عظم شعائر اللّه «1». و عنه أيضا: إذا رميت الجمرة فاشتر هديك ان كان من البدن أو البقر،

______________________________

(1)

الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 157

[مستحبات الهدي]

(مستحبات الهدي) و المستحب فيه ان يكون سمينا (1)

و الا فاجعله كبشا سمينا فحلا، فان لم تجد فموجوء من الضأن، فان لم تجد فتيسا فحلا فان لم تجد فما تيسّر عليك و عظّم شعائر اللّه عزّ و جلّ. إلخ» «1» و قوله عليه السّلام:

(ما تيسّر عليك) دليل على المدّعي اللّهمّ الا ان يناقش فيه بأنه لعلّ المراد من قوله عليه السّلام: (ما تيسّر عليك) الأنثى من المعز فعليه يكون الحديث واردا لبيان مراتب الفضل من افراد الصحيح و يؤيّد ذلك ما ترى انه من أول الحديث الى قوله عليه السّلام (ما تيسّر عليك) بيان لمراتب الفضل و لا إشكال في اجزاء الجميع.

و لكن الإنصاف ان حمل قوله (ما تيسّر عليك) على أنثى المعز خلاف الظّاهر فيتّجه اجزاء النّاقص مع عدم وجدان الكامل فلا تصل النّوبة إلى الصّوم.

ثم انه بناء على تماميّة هذا التّقريب ليس الهدي الناقص بدلا عن الهدي الكامل- كما يكون الصّوم بدلا عنه- بل يكون قوله عليه السّلام (ما تيسّر عليك) معهما للموضوع كما ان قوله عليه السّلام: (امسح على المرارة) ليس ذلك بدلا عن الوضوء- كما ان التيمّم بدل عنه- لما عرفت من تعميم الموضوع بخبر عبد الأعلى، فيكون الهدي حين عدم وجدان الكامل ذلك، فلا تصل النّوبة إلى الصّوم، و لكن مع ذلك كله هذه المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 158

تنظر في سواد و تبرك في سواد

و تمشي في مثله اى يكون لها ظلّ تمشي فيه و قبل ان تكون هذه المواضع منها سوداء (1)

: «بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى الاعتبار.»

(1) كما في التواعد و النافع بل و محكي الجامع، و لعله لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام انه سأل عن الأضحية؟ فقال: اقرن فحل سمين عظيم العين و الأذن الى ان قال: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كان يضحّي بكبش أقرن عظيم فحل يأكل في سواد و ينظر في سواد، فان لم تجدوا من ذلك شيئا فاللّه اولى بالعذر «1» و صحيح عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضحي بكبش أقرن فحل، ينظر في سواد، و يمشي في سواد «2» و صحيح محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام أين أراد إبراهيم عليه السّلام ان يذبح ابنه؟ قال: على الجمرة الوسطى، و سأله عن كبش إبراهيم عليه السّلام ما كان لونه و اين نزل؟ قال: أملح، و كان أقرن و نزل من السماء على الجبل الأيمن من مسجد منى، و كان يمشي في سواد و يأكل في سواد و ينظر و يبهر و يبول في سواد «3» و في حديث الحلبي: «حدّثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ضحّ بكبش أسود أقرن فحل فان لم تجد أسود فأقرن فحل يأكل في سواد و يشرب في سواد و ينظر في سواد «4».

ينبغي هنا التّنبيه على أمور: الأول- ان الأخبار المقدمة- كما ترى- لم يذكر فيها (البروك في السواد)

______________________________

(1) الوسائل ج

2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 6

(4) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 159

..........

و لعله لذا قال في كشف الرموز: «لم أظفر بنص فيه» و لكن عن المبسوط و التذكرة أنه صلى الله عليه و آله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد و ينظر في سواد و يبرك في سواد فأتي به فضحى به.

الثاني أنه هل يكون الحكم مختصا بالكبش أو لا؟ و الظاهر عدم اختصاصه به، و ذلك لما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: النعجة من الضأن إذا كانت سمينة أفضل من الخصي من الضأن و قال: الكبش السمين خير من الخصي و من الأنثى. إلخ «1» الثالث- إنه هل يكون الحكم مختصا ببعض أفراد الهدي أو يعم الجميع؟

و التحقيق أنه يعم الجميع لقوله عليه السلام في صحيح الحلبي الآتي تكون ضحاياكم سمانا. إلخ الرابع- إن الأخبار المتقدمة موردها الأضحية فلو كنا نحن و الأخبار المتقدمة لنحكم بالاقتصار على موردها لو لا الأخبار المطلقة الدالة على ثبوتها في غيرها أيضا الخامس إن قوله عليه السلام في ذيل صحيح محمد بن مسلم: (فالله أولى بالعذر) بظاهره يدل على الوجوب إلا أنه ترفع اليد عنه بما ورد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تكون ضحاياكم سمانا فإن أبا جعفر عليه السلام كان يستحب أن تكون أضحيته

______________________________

(1) الوسائل ج 14 الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 160

..........

سمينة «1»، لأن قوله عليه السّلام

فيه: «يستحبّ» قرينة على الاستحباب اى انه كان يحب ذلك و من المعلوم ان كلمة: «يستحب» ليست مثل كلمة «يجب» حتى يقال انه هل المراد منه الوجوب الاصطلاحي أو اللغوي و كيف كان فبقرينة هذا الحديث يحمل ما دل بظاهره على وجوب كونه سمينا على الاستحباب.

السادس- انه لا نحتاج في إثبات الحكم المزبور الى ما دل على انه «ينظر في سواد و يمشي في سواد.» حتى يقال ان فيه احتمالات عديدة بل يكفينا في إثباته ما تقدّم من الاخبار الدّالة على استحباب كونه سمينا مطلقا.

الثامن- انه اختلف الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في تفسير ذلك- اي ما تضمنه الاخبار من السواد- و هو عبارة عما يلي:

1- قيل ان المراد بذلك كون هذه المواضع سوداء- اى العين التي ينظر بها و القوائم التي يمشي عليها و البطن الذي يبرك عليه و هكذا سائر المواضع المذكورة و هو خيرة ابن إدريس على ما حكاه صاحب الحدائق «قدّس سرّه» و لكن لا يخفى ما فيه:

اما أولا- فلانه لا يمكن استفادة ذلك منها، لظهورها في غير هذا المعنى.

و اما ثانيا- فلانه- كما ترى- عزيز الوجود، حيث انه ما نرى الى الآن و ما سمعنا شاة ان تكون متّصفة بسواد هذه المواضع.

2- ان يكون المراد من ذلك هو ما افاده المصنف «قدّس سرّه» بقوله:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 161

..........

«ان تكون لها ظلّ تمشي فيه» بمعنى ان يكون لها ظلّا عظيما باعتبار عظم جسمها و سمنها فتنظر في ظلّ جثّتها و تمشي و تأكل فيها فلا يكون المراد مطلق الظّل، فإنه لازم لكل ذي جسم كثيف، و كيف كان فبناء

على هذا التّفسير فتكون كناية عن المبالغة في السّمن.

و لكن لا يخفى ما فيه من المناقشة و الاشكال، لعدم كونه كذلك دائما- اي يمشي و ينظر و يأكل في سواد- نعم يمشى و ينظر في ظلّه فيما إذا كان ذهابه خلاف الشمس و ما إذا كان الشمس فوقه و هذا- كما ترى- لا يختص بعظيم الجثّة لكون صغيرها ايضا كذلك حينئذ، الّا ان يقال بعدم لزوم المشي فيه و انما هو تتمّة للمبالغة في عظم الظلّ، فإن المشي فيه حقيقة لا يتحقّق الا عند مسامتة الشمس لرأس الشخص و حينئذ يتساوى الجسم الصّغير و الكبير في الظّل باعتبار مطابقته له فتأمل.

3- قيل ان السواد كناية عن المرعى و المنبت فإنه يطلق عليه ذلك لغة فيكون المراد ان الهدى رعى و مشى و نظر و برك و بعر في الخضرة و المرعى فسمن لذلك و هذا المعنى هو أظهر انطباقا بالأخبار السّابقة.

4- ان يكون المراد من ذلك عدم كونه مريضا أو ضعيفا أو اعرجا بحيث يتأخر عن القطيع، بل يمشي فيهم، و يأكل فيهم، و ينظر فيهم.

فتحصّل مما ذكرنا انه لا نحتاج في الاستدلال على المطلوب- و هو استحباب كونه سمينا بهذه الأحاديث، بل يكفينا غيرها من المطلقات، فتدبر.

5- نقل عن القطب الراوندي انه قال: «ان التّفسيرات الثّلاث مرويّة عن أهل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 162

..........

البيت (عليهم السلام) و بذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك و الظاهر انه تبع فيه ما نقل عن القطب الرّاوندي و يحتمل وقوفه على ما دل ذلك من الاخبار و في الدروس نسب النّقل الى القطب الرّاوندي و كيف كان فان المعنى الثالث يرجع الى الثّاني و هو

الكناية عن السّمن و اما التفسير الأول فإنه يكون وصفا برأسه.

التاسع- انه يمكن ان يقال ان الاولى الجمع بين الأوصاف التي تضمنها الرّوايات المتقدّمة بالنسبة إلى الهدي- من كونه أسود أقرن فحل- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» حيث قال في ذيل المبحث: «و لعل الاولى الجمع بين الجميع، فإن أمر الاستحباب مما يتسامح فيه، و ان كان قد سمعت ان لون كبش إبراهيم عليه السّلام كان أملح. بل في المرسل: «ان النبي صلّى اللّه عليه و آله ضحّى بالأملح» الذي عن ابى عبيدة ان المراد به: «ما فيه سواد و بياض، و البياض أغلب» بل عن ابن أبي الأعرابي: «أنه الأبيض النقي البياض» الا ان ذلك كله- كما ترى- مناف للعرف، و لما سمعت من الأمر بكونه اسود، فالأولى مراعاة السّواد مع إمكانه، و الا فالاملح عرفا، كل ذلك للتّسامح الّذي منه ايضا يقوى عدم الاختصاص بالكبش و الأضحيّة) و لكن لا يخفى ان الظاهر مما ورد في هذه الأحاديث من الأمر بالأوصاف هو الوجوب و لكن ترفع اليد عنه لأجل التّسالم على خلافه.

ثم انه إذا فرض دوران الأمر بين وصفين- كما إذا كان أحدهما مثلا اسود و الآخر أقرن- فالمرجع التّخيير، لعدم ذكر أهميّة بعض هذه الأوصاف على الآخر في هذه الأحاديث، لأنه ذكر فيها دخالة الجميع على نهج واحد.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 163

و ان تكون مما عرف به (1)

ثم ان ما ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) بقوله «فالأولى مراعاة السّواد مع إمكانه، و الا فالاملح.» فهو غير موجود في الاخبار، و لكن يمكن استفادة ذلك بملاحظة الجمع بين ما دل من الأمر بذبح الأسود- و هو مرسل الحلبي المتقدم ذكره

في صدر المبحث- و ما دل على انه كان كبش إبراهيم عليه السّلام أملح الدّال على ثبوت الرّجحان في الاملحية و هو صحيح محمد بن مسلم المتقدم ذكره أيضا في صدر المبحث، فيمكن ان ان يقال- بناء على ذلك-: انه مع عدم إمكان الأسود يقوم مقامه الأملح الذي هو قريب منه، و لكن مع ذلك كله التّرتيب بينهما غير ظاهر بل يكون مقتضى الجمع بينهما التخيير لا الترتيب- كما لا يخفى- فتدبر.

و اما ما أفاده صاحب الجواهر «قدّس سرّه» بقوله: «فإن أمر الاستحباب مما يتسامح فيه.» ففيه ما لا يخفى.

و اما ما افاده بقوله أخيرا: «يقوّى عدم الاختصاص بالكبش و لا بالأضحيّة» فقد عرفت انه لا نحتاج في الحكم المزبور بالنسبة الى غير الكبش الى الرّوايات المتقدمة حتى يقال بلزوم الاقتصار على المورد بل نحكم في غيره بغيرها ممّا دلّ ذلك.

(1) استحباب كون الهدى مما عرف به مما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل عن التّذكرة الإجماع عليه و استدل لذلك بما رواه محمد بن احمد بن يحيى، عن احمد بن محمد عن احمد بن محمد بن ابى نصر قال: سئل عن الخصي يضحى به؟ قال: ان كنتم تريدون اللّحم فدونكم، و قال: لا يضحي الا بما قد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 164

..........

عرف به «1». و ما رواه ابي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يضحي بما قد عرفت به «2» و ظاهرهما- كما ترى- هو الوجوب و لكن ترفع اليد عنه بما دل على عدم لزوم ذلك و هو ما رواه سعد بن عبد اللّه عن احمد بن محمد عن محمد بن سنان عن عبد اللّه

بن مسكان عن سعيد بن يسار، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن اشتراه شاة لم يعرف بها قال: لا بأس بها عرف أم لم يعرف «3»، و ذلك لان الجمع العرفي يقتضي حمل ظاهرهما الدّال على وجوب كون الهدى مما عرف به على الاستحباب، بقرينة نفي البأس الّذي تضمّنه حديث سعيد بن يسار، لكونه نصا في الجواز، و حكومة النّص على الظّاهر من أجل الحكومات كما انه ترفع اليد عن ظهور (لا بأس) في الإباحة، بقرينة قوله عليه السّلام في حديث احمد بن محمد بن ابى نصر، و خبر ابي بصير: «لا يضحى الا بما قد عرف»، لكونه نصا في رجحان كون الهدي مما قد عرف، و من المعلوم ان الجواز مع الرجحان هو الاستحباب.

ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- ان المراد من التعريف به- كما في الجواهر- إحضاره في عشية عرفة بعرفات كما صرح به الفاضل و غيره و ان أطلق غيره، الا انه هو المنساق منه.

الثاني- قال: ان الظاهر الاكتفاء بإخبار البائع فيه- كما أشار إليه في حديث سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: انا نشتري الغنم بمنى و لسنا ندري عرف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 165

و أفضل الهدي من البدن و البقر الإناث و من الضأن و المعز الذكران (1)

بها أم لا؟ فقال: انهم لا يكذبون، لا عليك، ضحّ بها «1» و ربما كان ذلك مناسبا للاستحباب كما انه ربما يومي الى قبول اخباره في

سنّه و ان كان لا يخلو من اشكال).

الثالث- انه ليس المراد من قوله عليه السّلام: «إنهم لا يكذبون» انهم لا يكذبون في شي ء أصلا فيقع الكلام في انه هل المراد انهم لا يكذبون في خصوص اخبارهم عن التعريف أو انهم لا يكذبون في مطلق أوصاف الهدي؟؟ القدر المتيقّن: هو الأول فيؤخذ به، فيحكم بكفاية اخبار البائع في خصوص التعريف دون غيره.

الرابع- الظاهر ان قوله عليه السّلام: «لا يكذبون» ليس تعبدا بل يكون اخبارا عن مطابقة اخبارهم الواقع، فيوجب الاطمئنان.

الخامس- ان حديث سعيد بن يسار ضعيف سندا، فلا عبرة به، فلا يبقى مجال- بناء عليه- لما تقدّم من الأمور- اللهم الا ان يقال بانجبار سنده بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» هذا انما يتمّ إذا لم يكن القول المخالف ممن اعتنى به، فتدبر.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا و استدل لذلك بصحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل و البقر، و قد تجزي الذكورة من البدن و الضحايا من الغنم الفحولة «2» و رواه المفيد في «المقنعة» مرسلا، الا انه قال: (و أفضل الضحايا) و صحيح

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الذبح الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 166

..........

عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه قال: تجوز ذكورة الإبل و البقر في البلدان إذا لم يجدوا الإناث و الإناث أفضل «1» و حسن أو صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الإبل و البقر أيهما أفضل ان يضحى بهما؟. قال: ذوات

الأرحام «2» الى غير ذلك من الاخبار المروية عنهم (عليهم السلام).

و المستفاد منها- كما ترى- هو اجزاء غير الإناث كما دل على ذلك صحيح محمد ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «في حديث» قال: الإناث و الذكور من الإبل و البقر تجزى «3».

قال في الجواهر: نعم عن (ية) لا يجوز التضحية بثور و لا جمل بمنى و لا بأس بهما في البلاد.» و يمكن الاستدلال لذلك بما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن ابن محبوب عن العلاء عن ابى بصير قال: سألته عن الأضاحي؟ فقال: أفضل الأضاحي في الحج الإبل و البقر و قال: ذوا الأرحام و لا تضحي بثور و لا جمل «4» لكنه أولا- كما ترى- ورد هذا الحديث في الأضحية و لا يمكن التّعدي عن مورده الى مفروض المقام- و هو الهدي الواجب- الا ان يقال بذلك فيه أيضا بالأولويّة القطعيّة و ثانيا انه يحمل على الكراهة بقرينة سائر الأخبار.

(إيقاظ): و هو انه ليست الكراهة في الأمور العباديّة إلا بمعنى مفضوليته عن صنف آخر من ذلك النوع.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 167

و ان ينحر الإبل قائمة (1)

(1) استحباب نحر الإبل قائمة مما قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع، لقوله تعالى «فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ» و قد ورد في تفسير (صوّاف) بكونها قائمة على قوائمها و استدلوا لذلك- مضافا الى ما ذكر- بعدة اخبار- منها:

1- صحيح عبد

اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل:

«فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ» قال: ذلك حين تصف للنحر يربط يديها ما بين الخفّ إلى الرّكبة، و وجوب جنوبها إذا وقعت علي الأرض «1».

2- رواية أبي الصّباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام كيف تنحر البدنة فقال: تنحر و هي قائمة من قبل اليمين «2».

3- ما رواه محمد بن الحسين، عن عبد الرّحمن بن ابى هاشم العجلي عن ابي خديجة قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو ينحر بدنته معقولة يدها اليسرى ثم يقوم به من جانب يدها اليمنى، و يقول: (بسم اللّه و اللّه أكبر، اللّهمّ هذا منك و لك، اللّهم تقبّل منّي) ثم يطعن في لبتها، ثم يخرج السكّين بيده، فإذا وجبت قطع موضع الذّبح بيده «3».

و لا يخفى ان ظاهر بعض الاخبار المتقدّمة و ان كان وجوب نحر الإبل قائمة الا انه ترفع اليد عنه بما دل على جواز نحره باركة و هو ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري في (قرب الاسناد) عن عبد اللّه بن الحسن، عن جده علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو باركة؟؟ قال: يعقلها و ان شاء قائمة و ان شاء باركة «4»،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 168

قد ربطت بين الخف و الركبة (1) و يطعنها من الجانب الأيمن (2)

و ان يدعو اللّه تعالى عند الذبح (3) و يترك يده مع يد الذابح (4)

و لكن سنده ضعيف، الا ان يقال بانجبار سنده بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» فتأمل.

(1) لا ينبغي الإشكال فيه، لقوله عليه السّلام في صحيح ابن سنان المتقدم: (.

يربط يديها ما بين الخف إلى الركبة.).

(2) لقوله عليه السّلام في خبر الكناني: (تنحر و هي قائمة من قبل اليمين).

(3) استحباب الدعاء بالمأثور عند الذبح مما لا ينبغي الإشكال فيه في صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة و انحره أو اذبحه، و قل «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ- إِنَّ صَلٰاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، لٰا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ و انا من المسلمين، اللّهمّ منك و لك، بسم اللّه و باللّه و اللّه أكبر، اللّهم تقبّل منّى» ثم أمر السّكين و لا تنخعها حتى تموت «1» و نحوه غيره من الاخبار الواردة في المقام.

(4) استحباب ترك يده مع يد الذابح إذا استناب مما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و استدل له في الجواهر و غيرها بصحيح معاوية ابن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: و كان علي بن الحسين عليهما السّلام يضع السكين في يد الصبي ثم يقبض على يديه (يدي الصبي خ ل) الرّجل فيذبح «2» قال

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 37 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الذبح الحديث 2 و 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 169

و أفضل منه ان

يتولى الذبح بنفسه إذا أحسن (1) و يستحب ان يقسمه أثلاثا، يأكله ثلثه، و يهدي ثلثه، و يتصدق بثلثه (2)

صاحب الجواهر بعد ذكر هذا الحديث: «و ليس بواجب شرعا و لا شرطا، و عن الوسيلة و الجامع: انه يكفى الحضور عند الذبح، و لعله لما عن المحاسن من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في خبر بشر بن زيد لفاطمة عليهما السّلام: «اشهدي ذبح ذبيحتك، فإن أول قطرة منها يغفر اللّه لك بها كل ذنب عليك و كل خطيئة عليك (الى ان قال:) و هذا للمسلمين عامّة «1» و ان كان الظاهر عدم اعتباره ايضا.)

(1) قال في الجواهر: «و أفضل منه اي وضع اليد ان يتّولى الذّبح أو النّحر بنفسه إذا أحسن للتأسي و لقول الصّادق عليه السّلام: (فان كانت امرأة فلتذبح لنفسها) «2» لكن التّحقيق ان تولي الذبح أو النحر واجب، و انما تصل التوبة إلى الاستنابة إذا لم يتمكّن منه، كما ان الأمر كذلك في الطّواف و نحوه، أو قام الدّليل على جوازها ثم ان الصّبي الغير المتمكن من الذّبح بنفسه يستحب ان يؤخذ بيده مع كون السّكين بيده، فيذبح لما عرفته في صحيح معاوية بن عمّار، و لا يمكن التّعدي في هذا الحكم الى غيره، لاحتمال خصوصيّة فيه، نعم يمكن التعدي إذا حصل القطع بالمناط أو قام دليل على جواز التّسرية فتدبر.

(2) كما هو ظاهر جماعة و صريح أخرى، بل في كشف اللّثام نسبته إلى الأكثر.

و الظاهر ان محل البحث هنا في هدى التمتع، لأنه سيأتي حكم القرآن و الأضحية، و لكن الاخبار وردت في القرآن و الأضاحي و لم نرى منها ما يدل على التثليث

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب

36 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 170

..........

فيه بخصوصه.

ثم ان الاخبار الواردة في القرآن و الأضاحي: مختلفة بحسب المضمون، و لا بأس بذكرها- منها:

1- صحيح سيف التمّار قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان سعيد بن عبد الملك قدم حاجا فلقي أبي، فقال: اني سقت هديا فكيف اصنع؟ فقال له أبي: أطعم أهلك ثلثا، و اطعم القانع و المعتر ثلثا، و اطعم المساكين ثلثا، فقلت: المساكين هم السؤال؟

فقال: نعم، و قال: القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، و المعتر:

ينبغي له أكثر من ذلك هو اغنى من القانع يعتريك فلا يسألك «1» بناء على إرادة الإهداء من إطعام القانع و المعترّ و ان كان بعيدا، بل هو مقتضى حينئذ لاعتبار الفقر في ثلث الإهداء، مع ان ظاهر الإطلاق خلافه، كما صرح به بعض الأصحاب.

2- خبر شعيب العقرقوفى قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكة، قلت: ايّ شي ء أعطي منها؟ قال: كل ثلثا، و اهد ثلثا، و تصدّق بثلث «2» و يمكن ان يكون المراد من قوله عليه السّلام في هذا الخبر (كل ثلثا) اكله مع اهله حيث انه بنفسه لا يمكنه أكل تمام الثلث.

3- خبر ابي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لحوم الأضاحي؟ فقال: كان علي بن الحسين و أبو جعفر عليهما السّلام يتصدقان بثلث على جيرانهم و ثلث على السؤال، و ثلث يمسكانه لأهل البيت «3» بناء على إرادة الإهداء من التصدق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 3

(2) الوسائل

ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 13

(3) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 18

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 171

..........

على الجيران.

4- مرسلة جميل بن دراج عن ابى جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام انهما قالا: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر ان يؤخذ من كل بدنة بضعة فأمر بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فطبخت فأكل هو و علي و حسوا من المرق و قد كان النبي صلّى اللّه عليه و آله أشركه في هديه «1».

ثم انه يمكن استفادة التثليث من دلالة مجموع الآيتين و هما قوله تعالى (فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْبٰائِسَ الْفَقِيرَ) «2» و قوله تعالى (فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ) «3» و لكن ظاهر الآيتين- كما ترى- لا يدل على التثليث، لدلالتهما بظاهرهما على لزوم إعطاء اللحم الى الفقير و الأكل، فعليه يقع التهافت بين ظاهر الآيتين و ظاهر اخبار التثليث، بناء على تماميّة دلالتها، و لكن لا تهافت بينها، لان المستفاد منها هو لزوم الا كل بمقدار المسمى و الإعطاء بمقدار المسمى، و من الواضح ان ذلك لا ينافي ما ثبت من الاخبار من التثليث.

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- قال صاحب الجواهر (قدس سره) في ذيل المبحث: (و على كل حال فلا ريب في استحباب التثليث المزبور في هدى التمتع، فان النصوص و ان لم تنصّ عليه بخصوصه، الا انه مع إمكان شمول أخبار الأضاحي له قد يقال: ان المراد منها بيان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) سورة 21 «الحج» الآية 28 و 29 و 37.

(3) سورة 21 «الحج» الآية 28 و

29 و 37.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 172

..........

الكيفية التي لا تفاوت فيها بين الواجب و الندب) ما افاده صاحب الجواهر (قدس سره) لا يخلو من تأمل.

الثاني- انه لا ريب في عدم اعتبار الفقر في ثلث الإهداء، لإطلاق خبر العقرقوفي الذي هو المستند.

الثالث- انه ان لم يكن إجماع يحكم بعدم اعتبار الايمان في من يصرف عليه الثلثين كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره».

و اما القول باعتباره فيه حملا للمقام بالزكاة، و الصحيح: «كره عليه السّلام ان يطعم المشرك من لحوم الأضاحي» ففيه: ما لا يخفى.

الرابع- انه لا يشترط الفقر في الأهل، لإطلاق قوله عليه السّلام في صحيح سيف التمار «أطعم أهلك ثلاثا» الخامس- انه لا يعتبر الفقر في الجيران في الأضحيّة، لإطلاق قوله عليه السّلام في خبر ابى الصباح الكناني: «يتصدقان بثلث على جيرانهم».

و اما دعوى انصرافه الى الفقير و فيه: ما لا يخفى، لعدم الانصراف في البين أو لا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، فلا عبرة في تقييد الإطلاق فتدبر، فلا يشترط الفقر في الجيران إلا إذا ثبت بالدّليل حرمة الصدقة مطلقا على الغنيّ، فعليه يحكم فيه اعتبار الفقر الشّرعي لا العرفي.

السادس- انه لا يعتبر كون من يتصّدق اليه لحم هدي العمرة و القانع و المعتر و السؤال من أهل بلد التّصدق بل يجزى الإعطاء الى من أتى من الخارج ايضا لعدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 173

و قيل يجب الأكل منه و هو الأظهر (1)

الدليل على التقييد.

السابع- قد يقال: ان قوله عليه السّلام في حديث شعيب العقرقوفي: «و اهد ثلثا» بظاهره خلاف صحيح التمّار الذي لم يذكر فيه الإهداء، لأنه جعل فيه كلا القسمين صدقة فينا فيه. اللّهم الا ان يقال:

ان المراد من الإهداء هنا ايضا هو الصّدقة و انما ذكر عنوان الإهداء فيه لأجل تأنّف بعض عن اسم الصّدقة. أو يقال: ان المراد ارادة الإهداء من إطعام القانع و المعتر المذكور في صحيح سيف التمّار- كما أشرنا إليه عند ذكر الحديث- و لكن يظهر ضعف هذين القولين بما تقدم في صدر المبحث في ذيل صحيح سيف التمّار.

الثامن- انه يمكن الجمع بين ما مر من الاخبار الثلاثة الواردة في تقسيم الهدى بان يقال ان الحديث الأول- و هو صحيح سيف التمار- وارد في هدى السّياق في الحج و الثاني- و هو خبر شعيب العقرقوفي- وارد في هدى السياق في العمرة و الثالث- و هو خبر ابي الصّباح الكناني- وارد في الأضحية المندوبة، و يمكن ان يقال: ان قوله عليه السّلام: «يتصدقان بثلث على جيرانهم» قرينة على انه كان في البلد.

(1) و تبعه عليه بعض من تأخر عنه كالفاضل و غيره، للأمر به في قوله تعالى:

«فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ» و في الصحيح «إذا ذبحت أو نحرت فكل و اطعم كما قال اللّه تعالى (فَكُلُوا مِنْهٰا.) «1» لكن يمكن المناقشة فيه- مضافا الى عدم اختصاصه بهدي التمتّع- بأنه في مقام نفي توهّم الحظر حيث حكى عن صاحب الكشّاف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 174

..........

و الفاضل المقداد و غيرهما ان الأمم الماضية يمتنعون من أكل نسكهم فرفع اللّه الحرج عنه فلا يفيد سوى الإباحة و لكن لم يثبت ذلك.

ثم انه بعد رفع اليد عن ظاهر الأمر لما ذكر فيقع الكلام في انه هل يمكن إثبات استحباب الأكل به أو لا؟ يمكن الاستدلال لذلك بوجوه:

الأول-

ما ذكره صاحب الجواهر بقوله: «و يجوز ان يكون ندبا لما فيه من مواساة الفقراء و مساواتهم من استعمال التواضع» و لكن فيه ما لا يخفى.

الثاني- ان الهدى للّه تعالى و وصوله إليه بأكل الفقراء له- كما افاده صاحب الجواهر- فيستحب اكله. و فيه: ان كونه للّه تعالى لا يدل على استحباب أكله أيضا للّه تعالى كما لا يخفى.

الثالث- انه يمكن إثباته منه بتقريب: ان الأمر دالّ على شيئين على مطلق الرّجحان و على كونه بداعي الجدّ. و في الأول يبقى ظهوره على حاله، لعدم وجود قرينة على الخلاف، و هذا بخلاف الثاني لانتفاء ظهوره، لما عرفته من كونه في مقام نفى توهم الحظر. و لكن فيه: انه قد حقق في محله عدم كون الوجوب امرا مركبا حتى يقال: بأنه ذهب الفصل لأجل الدليل و بقي الجنس، لعدم القرينة على الخلاف، بل هو أمر بسيط و بعد انتفائه ينتفي الحكم فلا يبقى في البين حكم.

تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على ذكر أمور: الأول- انه بناء على تماميّة انتفاء ظهور الأمر بالأكل في الوجوب لكونه في مقام نفى توهّم الحظر يكون ظهور الأمر بالإطعام في الوجوب باقيا على حاله إلا إذا قام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 175

..........

الدّليل على الخلاف.

الثاني- ان القسمة أثلاثا فلم اعرف قولا بوجوبها كما افاده صاحب الجواهر الثالث- قال في الجواهر: انه بناء على الوجوب لا يضمن مع الإخلال بالأكل- كما صرح به غير واحد من غير تردّد- لعدم تعلق حق لغيره به، بل في الذّكرى ايضا بعدمه لو أخل بالإهداء- بأن تصدق بالجميع- و قربه في محكي «هي» و جعله الوجه في «ير» و لعله لتحقق الإطعام الذي ليس

في الآيتين غيره مع الأكل، و لكون التصدق إهداء. نعم لو أخل به بالأكل ضمن قطعا كما انه كذلك لو أخل بثلث الصدقة، بل قد يحتمل الضمان لو أخل بالإهداء و لو للصدقة للأمر به و هو مباين لها، و لذا حرمت عليه صلّى اللّه عليه و آله الصدقة دون الهدية، و لو باع أو تلف فلا إشكال في الضمان، و لكن هل هو من الثلث أو الثلثان أو الجميع؟ وجوه ظاهر «ير»: الأخير منها و فيه: منع و المتجه ضمان شي ء للهدية و للصدقة لما عرفت من عدم وجوب التّثليث.)

و كيف كان فما افاده من عدم ضمانه مع الإخلال بالأكل متين. و اما لو أخلّ بالإهداء و التصدق بان فرط فيهما أو أتلفهما يمكن ان يقال بضمانه الثلثين لتعلق حق الغير بهما.

اللّهم الا ان يقال: ان الوجوب لو تمّ لا يلازم الحقّ.

نعم بناء على القول بان ظاهر الأدلّة الشّرطيّة، فيتجه الحكم بإعادة هديه في مفروض المقام، لعدم اجزاء هديه كذلك و هذا الفرض- كما تري- غير ضمان الثّمن، كما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 176

و يكره التضحية بالجاموس (1)

الرابع- انه لو نهبه غير المؤمن- بناء على اعتبار الايمان- أو أخذه قهرا أو تلف فلا ضمان عليه للأصل.

الخامس- انه لو اهدى جميعه الى غنى، فالأحوط ضمانه للفقير، للإتلاف و أما لو تصدّق به للفقير فقد يقال بعد ضمانه- كما حكى عن العلّامة في التّذكرة و غيرها- لكن قد يناقش بأنه لا يتمّ بناء على وجوب الإهداء، لأنه تصرّف ممنوع عنه و هذا لا يخلو من تأمل.

(1) كما في القواعد و غيرها من دون نقل خلاف، و يمكن ان يستدل لذلك بفحوى ما في

مضمر ابى بصير الآتي: (و لا تضحى بثور و لا جمل) و فيه: ما لا يخفى و كيف كان فاستدل لاجزاء الجاموس- مضافا الى انه من البقر- بخبر علي بن الريان الصلت عن ابي الحسن الثالث عليه السّلام، قال كتبت إليه أسأله عن الجاموس عن كم يجزى في الضحية؟ فجاء في الجواب: ان كان ذكرا فعن واحد و ان كان أنثى فعن سبعة «1» و لا يخفى ان هذا الخبر- كما ترى- وارد في الأضحية المستحبة. لاختصاص إجزاء الأنثى عن سبعة بها، و لا يمكن التعدي عن مورده الى غيره لاحتمال خصوصية فيه.

و اما القول بان الظاهر من أصل سؤال السائل كون اجزاء الجاموس أمرا مفروغا عنه عنده في الأضحية، و هي تعم الهدى، غاية الأمر سأل عن كم يجزى فأجاب عليه السّلام بما أجاب فالكفاية عن سبعة و ان كانت مختصّة بالأضحية المستحبة لكن أصل الاجزاء ليس مختصا بها، ففيه: ما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب الذبح الحديث 1 و في الباب 18 الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 177

و بالثور (1)

و لكن العمدة في تنقيح هذه المسألة هي صدق عنوان البقر عليه و عدمه في الحكم بالاجزاء على الأول و بعدمه على الثاني.

و اما إذا شك فيه فالمرجع هو الاشتغال و عدم الاكتفاء به، لان الشك في الاجزاء في مفروض المقام يوجب الشك في الامتثال و انطباق المأمور به على المأتي به الذي لا شبهة في مرجعية قاعدة الاشتغال فيه.

(1) اما كراهة الثور في الهدي فاستدل لها بذيل ما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن العلاء عن ابي بصير قال: سألته عن الأضاحي؟

فقال:

أفضل الأضاحي في الحج الإبل و البقر، و قال: ذو الأرحام و لا تضحي بثور و لا جمل «1» و لكن فيه ما لا يخفى مضافا الى اختصاصه بالأضحية.

ثم انه لا يخفى ما في افاده صاحب المستند (قدس سره) بقوله: «الا ان بعد فتوى جماعة لا بأس به في مقام التسامح» من المناقشة و الاشكال:

أما أولا- فلان قاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من اخبار (من بلغ) فقد ذكرنا غير مرة ان غاية دلالتها- بعد الغض عن تعدد الاحتمالات المتطرقة في مفادها- هي ترتب الثواب على العمل الموعود عليه ذلك لا الحكم.

و اما ثانيا- فعلى فرض تسليم دلالتها على ذلك، فإنها تختص بالمستحبات، و لا يمكن التعدي عن موردها الى مفروض المقام- و هو المكروهات- و التعدي عن موردها الى المكروهات بان يكون الخير الضعيف حجة في المكروهات أو يكون الفعل مكروها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 178

و بالموجوء (1)

محتاج الى الدليل و هو مفقود.

(1) أما كراهة الموجوء (و هو مرضوض الخصيتين حتى تفسد) في الهدي فهو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا. بل في المدارك:

نسبته الى قطع الأصحاب. و لكن استفادة كراهة التضحية به من الأخبار محل نظر، لان فيها ما رجح بعض الأصناف على الموجوء و الموجوء على بعض أخر، كما في حسن معاوية بن عمار «في حديث» قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اشتر فحلا سمينا للمتعة فان لم تجد فموجوءا، فان لم تجد فمن فحولة المعز، فان لم تجد فنعجة، فان لم تجد فما استيسر من الهدي «1» و نحوه غيره من الاخبار المروية عنهم

«عليهم السلام».

(تذييل) و هو انه هل يجزي الإبل البخاتي. و البقر الجبلية أو لا؟؟ يمكن ان يقال بعدم اجزائه، لما رواه إبراهيم بن محمد، عن السلمي عن داود الرقى قال: سألني بعض الخوارج عن هذه الآية «مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ، وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ، وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ» ما الذي أحل اللّه من ذلك، و ما الذي حرم؟ فلم يكن عندي فيه شي ء، فدخلت على ابى عبد اللّه عليه السّلام، و انا حاج فأخبرته بما كان، فقال: ان اللّه عز و جل أحل في الأضحية بمنى الضأن و المعز الأهلية، و حرم ان يضحى بالجبلية، و اما قوله «وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ» فان اللّه تعالى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 179

..........

أحل في الأضحية: الإبل العراب، و حرم فيها البخاتي و أحل البقر الأهلية ان يضحى بها و حرم الجبلية، فانصرفت الى الرجل فأخبرته بهذا الجواب، فقال: هذا شي ء حملته الإبل من الحجاز «1» و ما رواه صفوان الجمال قال: كان متجري إلى مصر، و كان لي بها صديق من الخوارج فأتاني في وقت خروجي إلى الحج فقال لي: هل سمعت شيئا من جعفر بن محمد عليهما السّلام في قوله تعالى «ثَمٰانِيَةَ أَزْوٰاجٍ: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ، قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحٰامُ الْأُنْثَيَيْنِ- وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ» أيا أحل و أيا حرم؟؟ قلت: ما سمعت منه في هذا شيئا، فقال لي أنت على الخروج فأحب أن تسأله عن ذلك، قال: فحججت فدخلت

على ابي عبد اللّه عليه السّلام فسألته عن مسألة الخارجي فقال: حرم من الضأن و من المعز الجبلية و أحل الأهلية و حرم من البقر الجبلية و من الإبل البخاتي يعني في الأضاحي، قال فلما انصرفت أخبرته. إلخ «2» مقتضى هذين الحديثين- كما ترى- عدم اجزائهما- اي البقر الجبلية و الإبل البخاتي- و لكن لا يخفى ما فيه لكون السند ضعيفا فلا عبرة به، فيتعين في الإبل البخاتي الرجوع الى الإطلاقات.

و اما الجبلي فبما انه صيد محرم لا بد ان يقال بعدم الاجزاء و لو كان صيده قبل الإحرام حيث انه يجب عليه بالإحرام إطلاقه و بذلك يخرج من ملكه نعم إذا صاد جبليا و تولد منه الولد عنده فولده ليس صيدا مع انه جبلي فطريق إثبات عدم إجزائه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 اباب 8 من أبواب الذبح الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 180

[الثالث في البدل]

الثالث في البدل من فقد الهدي و وجد ثمنه: قيل يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة و قيل: ينتقل فرضه الى الصوم و هو الأشبه (1)

منحصر في التمسك بالنص ثم هنا اشكال آخر في النص و هو وروده في الأضحية فلا بد من الاقتصار على المورد لاحتمال خصوصية فيه.

(بدل الهدى: و هو الصّوم)

(1) من فقد الهدي و كان عنده ثمنه قيل و القائل المشهور، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه بل قد يشهد عليه التتبع لانحصار المخالف في ابن إدريس و المصنف «قدس سرهما» يخلف ثمنه عند من يشتريه في ذي الحجة فيذبحه فان لم يتمكن منه أخر ذلك الى العام القابل في ذي الحجة.

و قيل: و القائل

ابن إدريس ينتقل فرضه الى الصوم، و هو الأشبه عند المصنف «قدس سره» بأصول المذهب و قواعده باعتبار صدق قوله تعالى «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ «1» و دعوى: ان تيسير الهدي و وجدانه يعمان العين و الثمن تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقّف على ذكر جهات: الاولى- ان عنوان (من لم يجد) هل يشمل مفروض المقام أم لا؟.

و الجواب انه لو كنّا نحن و ظاهر الآية المباركة لقلنا بدخوله في هذا العنوان،

______________________________

(1) صورة البقرة الآية 19

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 181

..........

و اما القول بان وجدان الهدي أعم من وجدان عينه و وجدان ثمنه، فلا عبرة به، لان الظاهر منها هو وجدان العين فعليه بمقتضى الآية يحكم بوجوب الصوم عليه كما يحكم بذلك فيما إذا لم يكن واجدا للهدي و لا لثمنه فيتم بناء عليه كلام المصنف و ابن إدريس «قدس سرهما».

لكن في صحيح حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزى عنه فان مضى ذو الحجة أخر ذلك الى قابل من ذي الحجة «1» و هذا الحديث- كما ترى- يدل على عدم تعين الصوم عليه بل عليه ان يخلف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشترى له و يذبح عنه و لا يخفى ان المراد من جملة: «و لا يجد الغنم» انه لا يجد الهدي و ذكر الغنم يكون من باب المثال.

و يمكن تأييد الصحيحة بما رواه

احمد بن محمد بن عيسى، عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن النضر بن قرواش قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج، فوجب عليه النسك فطلبه فلم يجده و هو مؤسر حسن الحال و هو يضعف عن الصيام، فما ينبغي له ان يصنع؟ قال: يدفع ثمن النسك الى من يذبحه بمكة ان كان يريد المضي إلى اهله و ليذبح عنه في ذي الحجة، فقلت: فإنه دفعه الى من يذبح عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا و اصابه بعد ذلك؟ قال: لا يذبح عنه الا في ذي الحجة و لو أخره إلى قابل «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 182

..........

ثم انه يمكن ان يقال ان جعل ذلك مؤيدا لما تقدم متوقف على غمض العين مما ورد فيه من جملة: «و هو يضعف عن الصيام» فيدل بناء عليه على ما دلت عليه الصحيحة، و لكن غمض العين عنها كما ترى و عندئذ هذا الحديث يعارض الصحيحة المتقدمة بالأخصية، لتخصيصه الحكم- و هو دفع الثمن الى من يشتري و يذبح عنه بمكة- بمن يضعف عن الصيام، فلا بد من تخصيص الصحيحة به، و عليه فمن لم يضعف عن الصيام يجب ان يصوم و ان كان واجدا للثمن.

و يمكن ان يقال ان عدم التزام الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بالقيد المزبور ليس لأجل الإعراض بل لأجل انهم لم يروا لهذا القيد الموجود في كلام السائل مفهوما فتدبر. و كيف كان فمقتضى التحقيق انه لا محيص عما ذهب اليه المشهور من ان

واجد الثمن عليه الذبح لا الصوم ضعف عن الصوم أولا و ذلك لعدم عمل الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بجملة «يضعف عن الصيام» فعليه يخرج عن حيز دليل الحجية و الاعتبار.

ان قلت انه ضعيف سندا بوجود النضر بن قرواش، فلا عبرة به في جعله مؤيدا قلت: أولا ان ضعفه منجبر بما سمعته من الشهرة.

و ثانيا- ان المروي عنه احمد بن محمد بن ابي نصر و هو من أصحاب الإجماع، فلا يضر ضعف من بعده على ما افاده بعض، و لكن في ذلك كلام، فتأمل.

فقد تحصل مما ذكرنا ان الواجد للثمن دون الهدي داخل في عنوان (من يجد) وفاقا للمشهور و خلافا لابن إدريس حيث انه ذهب الى ان الواجد للثمن دون الهدى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 183

..........

داخل في عنوان (من لم يجد) و عليه الصوم بمقتضى الآية المتقدمة خلافا للمشهور.

و لا يخفى ان ما ذهب اليه «قدس سره» هو الحق بناء على مبناه من عدم حجية خبر الواحد، و أما بناء على حجيّته- على ما قرر في محله- فلا.

مضافا الى ما ذكره صاحب الجواهر «قدس سره» فيها «و هو اعتبار اعتضاده بعمل رؤساء الأصحاب الذين هم الأساس في حفظ الشريعة- كالشيخين و الصدوقين و المرتضى (قدس اللّه أسرارهم) و كفى بذلك قرينة على صحة مضمونه» فتأمل.

الثانية- انه لا يعارض ما مر خبر ابى بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النّفر وجد ثمن شاة، أ يذبح أو يصوم؟

قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت «1» و ذلك لوروده فيما إذا لم يكن واجدا للثمن في أيام الذبح و لكن صار واجدا

له بمنى يوم النفر و هذا بخلاف صحيح حريز المتقدم لوروده فيما إذا كان واجدا له في أيام الذبح و لكن لم يجد الهدي، فهو غير ما نحن فيه الثالثة- حكى عن ابي علي التخيير بين الصوم و التصدق بالثمن بدلا عن الهدي و وضعه عند من يشتريه فيذبحه الى آخر ذي الحجة جمعا بين ما تقدم و بين خبر عبد اللّه ابن عمر قال: كنا بمكة فأصابنا غلا في الأضاحي، فاشترينا بدينار، ثم بدينارين، ثم بلغت سبعة، ثم لم توجد بقليل و لا كثير، فرقع هشام المكاري رقعة الى ابى الحسن عليه السّلام فأخبره بما اشترينا ثم لم نجد بقليل و لا كثير، فوقع: انظروا الى الثمن الأول

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 184

و إذا فقدهما صام عشرة أيام (1)

و الثاني و الثالث ثم تصدقوا بمثل ثلثه «1» و لكن فيه ما لا يخفى.

أما أولا: فلكونه ضعيفا سندا، فلا عبرة به حتى يحتاج الى الجمع بينه و بين ما دل على تعيين الصوم بالتخيير.

و أما ثانيا: فلما قيل من كونه ظاهرا في المندوب، و اما ثالثا: فلان عدم عمل الأصحاب مانع عن الاعتماد عليه، فتدبر.

(1) اي الهدي و الثمن بما بصدق عليه عدم الوجدان عرفا و في المسالك (يتحقق العجز عن الثمن بان لا يقدر على تحصيله و لو بتكسب لائق بحاله، و بيع ما زاد على المستثنى في الدين) و ناقش فيه صاحب الجواهر «قدس سره» بقوله: «و لا يخفى عليك ما في الأول نعم المعتبر القدرة في موضعه لا في بلده إلا إذا تمكن من بيع ما في بلده بما لا

يتضرر به أو من الاستدانة عليه، فإنه لا يبعد الوجوب بل في المسالك أطلق البيع بدون ثمن المثل».

تفصيل الكلام فيه يتوقف على ذكر أمرين: الأول- انه إذا لم يكن لديه مال لشراء الهدي و لكن كان قادرا على الكسب و تحصيله فهل يجب ذلك عليه أو لا؟

يمكن ان يقال بوجوبه عليه، لكونه مقدمة للواجب المطلق- و هو الهدي الواجب- فيجب تحصيله و لو بالكسب إلا إذا كان مستلزما لهتكه و ذهاب شرفه و حيثيّته

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 185

ثلاثة أيام في الحج متتابعات (1)

فيجب عليه الصّوم حينئذ.

لكن التحقيق: عدم وجوب الكسب عليه في مفروض المقام، لعدم كون الكسب مقدّمة وجوديّة للواجب المطلق، بل يكون مقدّمة وجوبية، فإن موضوع وجوب الهدي هو اليسار، فليس عليه ان يكتسب حتى يدخل في قوله تعالى «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ».

الثاني- انه إذا كان له مال في بلده و تمكّن من الاستقراض هناك فهل يجب عليه ذلك لتحصيل الهدي، لكونه واجدا و موسرا عرفا أولا؟.

يمكن ان يقال بالتفصيل بين ما امكنه الاستقراض بمجرد الإشارة، لكونه ذا ثروة كثيرة و كان من قبيل أخذ ماله من صندوقه، فحينئذ يحكم بوجوب القرض عليه لان العرف يراه موسرا، كما يحكم بوجوب أخذ المال من صندوقه إذا كان له مال في صندوقه الذي كان عنده مثلا و من المعلوم انه لا يعد أخذ المال من صندوقه الذي عنده تحصيلا للقدرة على الهدي، و بين ما إذا كان استقراضه متوقفا على التماس لا يصل الى مرتبة الهتك و ذهاب الحيثيّة و الشّرف، فلا يحكم في هذا الفرض بوجوب القرض عليه.

و اما إذا استلزم الهتك

و الحرج فلا إشكال في عدم وجوبه، كما لا يخفى.

و التحقيق: هو وجوب القرض عليه مطلقا ما لم يوجب الهتك و العسر و الحرج، لصدق اليسار عرفا، و لا يعد ذلك تحصيلا للقدرة على الهدي كما لا يخفى.

(1) لا ينبغي الإشكال في وجوب صوم عشرة أيّام على من فقد الهدي و ثمنه ثلاثة أيام في سفر الحج قبل الرجوع الى اهله، و يجب ان يكون- كما افاده المصنف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 186

يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة (1)

(قدس سره)- متواليات و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا بل في الجواهر: «بلا خلاف، بل عن المنتهى و غيره الإجماع عليه.

إلخ» و يدل عليه- مضافا الى ما ذكر- ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السّلام قال سألته عن صيام الثلاثة أيام في الحج و السبعة أ يصومها متوالية أم يفرق بينهما؟ قال: يصوم الثلاثة لا يفرق بينها. إلخ «1» و خبر إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يصوم الثلاثة متفرقة «2».

(1) يدل عليه جملة من النصوص المأثورة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- خبر رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع لا يجد الهدي؟ قال: يصوم قبل التّروية، و يوم التّروية، و يوم عرفة، قلت: فإنه قدم يوم التروية؟ قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جماله؟ قال: يصوم يوم الحصبة و بعده يومين، قال: قلت: و ما الحصبة؟ قال: يوم نفره قلت: يصوم و هو مسافر؟ قال: نعم أ ليس هو يوم عرفة مسافرا إنا أهل بيت نقول ذلك لقول اللّه

عز و جل «فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ» يقول في ذي الحجة «3».

2- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع لم يجد هديا؟ قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج يوما قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة، قال: قلت: فان فاته ذلك؟ قال: يتسّحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 17

(2) الوسائل ج 2 الباب 53 من أبواب الذبح الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 187

..........

قلت: فان لم يقم عليه جماله أ يصومها في الطريق؟ قال: ان شاء صامها في الطريق، و ان شاء رجع الى أهله «1».

3- المرويّ في قرب الاسناد عن حماد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال على في قول اللّه عز و جل «فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ» قال: قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة، فمن فاتته هذه الأيّام فلينشئ يوم الحصبة و هي ليلة النّفر «2» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام).

تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقّف على بيان جهات: الاولى- انه لا يجوز تقديم الصيام على ذي الحجة، بأن يصوم إذا أحرم بالعمرة قبلها بتقريب: ان عمرة التمتع جزء للحج فيصدق عليه انّه في الحج أو يقال بجوازه قبلها و ان لم يحرم بالعمرة بدعوى صدق عنوان كونه في الحج لان شوال و ذي القعدة أيضا من أشهر الحج، و ذلك لما دل من الاخبار على عدم جواز صيامها في غير ذي الحجّة.

الثانية-

ان الاخبار الواردة في المقام مختلفة في وقت الصّوم، فقد دل بعضها على انه يصوم قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة، و هو خبر رفاعة بن موسى و غيره مما تقدّم و قد دل بعض منها على جواز الصوم من أول ذي الحجّة و هو ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السّلام انه قال: من لم يجد هديا و أحبّ ان يقدّم الثّلاثة الأيام في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 188

..........

أول العشر فلا بأس «1». و قد دلّ بعض آخر منها على جواز تأخير صومه الى العشر الآخر من ذي الحجة، و هو ما عن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: من لم يجد ثمن الهدي، فأحبّ أن يصوم الثّلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك «2» فعلى هذا تقع المعارضة بين الاخبار، و لكن يمكن ان يقال انه لا معارضة بينها، و ذلك لان الجمع العرفي يقتضي حمل الأخبار المتقدمة في صدر المبحث الظاهرة في وجوب الصوم لمن لا يجد الهدي و لا ثمنه في يوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة على الاستحباب، بقرينة نفي البأس في صومه من أول العشر من ذي الحجة الذي تضمنه خبر زرارة الأول، و نفي البأس في صومه من العشر الآخر الذي تضمّنه خبره الثّاني لكونه نصّا في الجواز، و قد ذكرنا غير مرّة ان حكومة النّص على الظّاهر من اجلى الحكومات، كما انه ترفع اليد عن ظهور: (لا بأس) في الإباحة بقرينة قوله عليه السّلام في الاخبار

المتقدّمة في صدر المبحث: «يصوم قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة، لكونه نصّا في رجحان الصوم في الأيّام الثّلاثة المذكورة، و من المعلوم ان الجواز مع الرجحان هو الاستحباب.

فظهر انه للصوم: وقتين، وقت فضيلة و وقت اجزاء، أما وقت الفضيلة: و هو قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة، أما وقت الاجزاء و هو تمام ذي الحجّة، إلا ما استثنى منها من الأيّام و سيأتي ذكرها عند تعرض المصنّف «قدّس سرّه» له.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 2 و 8 و في الباب 54 الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 189

..........

الثالثة- انه قد يشكل ما تقدم في الجهة الثّانية من حمل الأخبار المتقدمة في صدر المبحث الظاهرة في وجوب الصوم في الأيّام الثّلاثة المتقدّمة على الاستحباب، و ذلك لعدم كون بعض الاخبار ظاهرا في التّعيين حتى يحمل على الاستحباب بقرينة: (لا بأس) الّذي تضمّنه خبر زرارة، بل يكون نصّا أو أظهر في التّعيين، و هو ما رواه عبد الرحمن الحجّاج قال: كنت قائما أصلّي و أبو الحسن قاعد قدّامي، و انا لا أعلم فجائه عباد البصري فسلم ثم جلس فقال له: يا أبا الحسن ما تقول: في رجل تمتّع و لم يكن له هدي؟

قال: يصوم الأيّام الّتي قال اللّه تعالى، قال: فجعلت سمعي إليهما، فقال له عباد: و أي أيام هي؟ قال: قبل التّروية بيوم، و يوم التّروية و يوم عرفة قال: فان فاته ذلك؟ قال:

يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك. إلخ «1» و هذا الحديث- كما ترى- نصّ في التعيين، لانه فسر الثّلاثة الأيّام التي

في الآية بأنها قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، فعليه لا يتأتى فيه ما عرفته من الجمع الذي تقدّم ذكره- و هو حمل ما دل بظاهره على التّعيين على الاستحباب- فتدبر.

اللّهمّ الا ان يقال في مقام الجمع: ان الأيّام الثّلاثة المأمور بها للصوم: قبل يوم التّروية بيوم و يوم التّروية و يوم عرفة، و لكن الثّلاثة الأيام من باقي الأيام من أول ذي الحجّة إلى آخرها غير الأيّام المستثناة منها بدل لها، فيحمل ما دل على جواز الصّوم في غير الأيّام الثّلاثة المذكورة على الثّاني.

و بعبارة اخرى: ان حديث عبد الرّحمن بن الحجّاج نصّ في مطلوبيّة ذلك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 54 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 190

..........

الأيام لا في تعيينها، لكونه ظاهرا أو أظهر فيه، و هذا يرفع بما دل على انه إذا أحب ان يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس به، و ما دل على انه إذا أحب ان يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأول فلا بأس، و نتيجة ذلك: هي ان المأمور به هو الأيام الثلاثة المذكورة و لكن لا بنحو التعينية و من جهة الدليل جعل لها بدل فتأمل.

الثالثة- ان هنا اشكال و هو ان الهدي بعد لم يجب و تقدم البدل على المبدل منه محال فلا معنى للخطاب بالبدل قبل تحقق الخطاب بالمبدل منه، خصوصا بعد ظهور الآية في عدم الوجدان عند الأمر بالذبح، كما دل عليه خبر احمد بن عبد اللّه الكرخي قال: قلت للرضا عليه السّلام: المتمتّع يقدّم و ليس معه هدى أ يصوم ما لم يجب عليه؟ قال:

يصبر الى يوم النّحر، فان لم يصب فهو ممن

لم يجد «1» و عن علي بن إبراهيم في تفسيره: «ان من لم يجد الهدى صام ثلاثة أيام بمكّة يعني بعد النّفر و لم يذكر صومها في غير ذلك.

و كيف كان فموضوع حكم الذبح هو خصوص يوم النّحر لا قبله فقبل يوم النّحر ليس الحكم ثابتا للذّبح، و إذا كان كذلك فكيف يكون الصّوم الذي هو بدل عنه ثابتا و يصوم الحاج قبل يوم التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة أو ثلاثة أيام من أول ذي الحجّة ان قلت: ان ذلك كله اجتهاد في قبال النّص.

قلت: انه قد حقّق في محله انه مهما تعارض النّقل مع الدّليل العقلي المنتهى الى الضّروري، فلا بد من الأخذ بحكم العقل، و الا فيلزم طرح العقل و النّقل معا، و في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 54 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 191

..........

ما نحن فيه قد تحقق اشكال عقلي ينتهي الى الأمر الضّروري، و هو ما عرفت من ان الحكم لا يتقدم على موضوعه و انه لا يتقدم البدل على المبدل منه، لانه لو تقدم عليه لزم ان لا يكون دخيلا في ثبوت الحكم، لثبوت الحكم بدونه، و المفروض انه دخيل، و يلزم بناء عليه اجتماع الدّخل و اللادخل، و محاليّة اجتماع النّقيضين ضرورية عند الكل، فظهر: ان الموضوع بالنسبة إلى الحكم يكون كالعلة بالنسبة إلى معلولها، و من المعلوم انه لا انفكاك بين العلّة و المعلول زمانا آنا واحدا، فبملاك استحالة تقدم المعلول على علّته يستحيل تحقّق الحكم أو البدل قبل تحقّق الموضوع أو المبدل منه.

و لا يخفى ان هذا الاشكال انما يتوجه بناء على عدم الالتزام بالواجب المعلّق و الا فلا

يبقى في البين اشكال، و قد حقق في الجزء الأول من هذا الكتاب عند شرح كلام صاحب العروة الوثقى: «لو توقف ادراك الحج بعد حصول الاستطاعة على مقدمات من السفر و تهيئة أسبابه وجب المبادرة إليها على وجه يدرك الحج في تلك السنة.»: عدم استحالة واجب المعلق، لعدم كون الوقت جزء للموضوع، لكونه من قيود المتعلّق.

نعم يلزم الاشكال بناء على القول بان ظرف المتعلق لا بد و ان يكون متّحدا مع ظرف الحكم و موضوعه و استحالة التفكيك الزّماني بينهما كما انه لا إشكال في لزوم اتحاد ظرف الموضوع مع ظرف الحكم و استحالة التفكيك الزماني بينهما و لكن ليس الأمر كذلك، و كيف كان فالموضوع قبل الوقت متحقق و الحكم ثابت عليه و متعلق الوجوب هو ذلك الأفعال المقيدة بالوقت الخاص الذي لم يجي ء وقتها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 192

..........

ان قلت: ان الوقت ليس داخلا تحت قدرة المكلف حتى يمكن جعله من قيود المتعلق، و لا يمكن له جر الزمان فلا يتعلق الخطاب بالمتعلق الا بعد وجوده كي يصير مقدورا للمكلف، فقبل الوقت المضروب للعمل لا وجود للحكم، كما لا وجود له قبل وجود موضوعه.

قلت: انه لا ينبغي الارتياب في ان الخطاب لا يتعلق الا بالمقدور، و لكن يكفي في جواز تعلّق الحكم بإتيان الأفعال في خصوص الوقت الخاص: كون ذلك داخلا تحت القدرة، و من المعلوم ان الإتيان بالمتعلق في وقته مقدور، و المعيار فيها هو المقدورية في وقت الواجب، فلا مانع من تحقق التكليف به.

و بعبارة اخرى: ان جرّ الزمان و ان لم يكن داخلا تحت قدرة المكلف، لكن الفعل المقيد بوقت الكذائي مقدور له في ظرف الامتثال و ان لم

يكن مقدورا له في أول أزمنة الوجوب و هو كاف في صحته اي التكليف.

إذا عرفت ذلك فنقول: ان الظاهر من أدلّة وجوب الحج على المستطيع هو ان الاستطاعة تمام الموضوع للوجوب، لان الاستطاعة إنما فسرت في الأخبار الواردة في تفسيرها بأمور و ليس منها الموسم، و كيف كان فما لم يثبت دخالة شي ء آخر بدليل خاص لا نقول بدخالته فيه، فمهما تحقق الموضوع يتحقق الحكم لاستحالة التخلف، إلا إذا قام الدليل على كون الوقت قيدا في الموضوع، و لا يكون صرف عدم مقدوريّة جرّ الزمان كاشفا عن دخله في الموضوع فعلى ذلك وجب عليه جميع النّسك، و منها الهدي من أول تحقق الاستطاعة، فلا يلزم تقدم البدل على المبدل منه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 193

و لو لم يتفق اقتصر على التروية و عرفة ثم صام الثالث بعد النفر (1).

و من هنا ظهر انه لا نحتاج في إثبات وجوب المسير قبل الموسم الى مقدمات المفوتة و نحوها، لان المفروض تحقق الموضوع و تحقق الحكم فيجب المقدمة.

و كيف كان فلا يمكن التفصّي عن الإشكال في مفروض المقام الا بالالتزام بالواجب المعلق و عدم كون وقت الواجب شرطا للحكم أو الالتزام بتعدد الموضوع و منع كون الصوم بدلا عن الذبح، فيكون حال الواجد للهدي و فاقده كحال المسافر و الحاضر، لا مثل المتمكّن من الطّهارة المائية و غير المتمكن منها الّذين لا يكونان كالمسافر و الحاضر بل يكونان من باب الأبدال الاضطرارية و مبدلاتها و قد أشرنا الى ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب عند المبحث الذي بيّنا فيما تقدّم.

ثم انه لا يعارض خبر احمد بن عبد اللّه الكرخي مع الاخبار المتقدّمة لأنه محمول على الجواز،

أو على من وجد الثّمن.

مضافا الى ان أعراض الأصحاب عن العمل بظاهره مانع عن الاعتماد عليه، فتدبر.

(1) ذهب المصنف «قدس سره» إلى انه لو لم يتفق له صوم يوم قبل التروية اقتصر على يوم التّروية و يوم عرفة ثم صام اليوم الثّالث بعد النفر، وفاقا للمشهور، و قد ادعى عليه الإجماع ابن إدريس و غيره، و استدل لذلك بخبر عبد الرّحمن بن الحجّاج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام فيمن صام يوم التّروية و يوم عرفة؟ قال: يجزيه ان يصوم يوما آخر «1».

و خبر يحيى الأزرق أو موثقة عن ابي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل قدم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 194

..........

يوم التروية متمتعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة؟ قال: يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق «1» و رواه الصدوق (قدس سره) بإسناده عن يحيى الأزرق أنه سأل أبا إبراهيم، و ذكر مثله الا انه قال: «بعد أيام التشريق بيوم» تنقيح هذه المسألة يتّوقف على ذكر أمور: الأول- ان مقتضى خبر الأول هو جواز اقتصاره على صوم يوم التّروية و يوم عرفة و صوم يوم آخر حتى في حال الاختيار، بل مقتضى الحديث الثاني أيضا ذلك لان القدوم يوم التّروية لا ينافي صوم يوم قبله قبل القدوم، و قد صرح به ابن حمزة، بل في كشف اللّثام نسبته الى ظاهر الباقين على ما حكاه صاحب الجواهر «قدّس سرّه» و من هنا يظهر ضعف ما أفاده القاضي و الحلبيين من القول باختصاصه بحال الاضطرار، و مثله القول باشتراط الجهل بالعيد، لأن إطلاق ما تقدم من الأخبار ينفيه، كما

اعترف به الكركي و ثاني الشهيدين.

الثاني- انه نقل في الجواهر عن أبي حمزة جواز صوم يوم السّابع و الثّامن ثم يوما بعد النّفر، لمن خاف ان يضعّفه صوم يوم عرفة عن الدّعاء. و نفى عنه البأس في المختلف، محتجّا له: «بان التشاغل بالدّعاء فيه مطلوب للشّارع فجاز الإفطار له» و لكن فيه ما لا يخفى. و ان أيّده بعض بالنّهي عن صوم يوم عرفة مطلقا، كقول الصّادقين عليهما السّلام في خبر زرارة: «لا تصم في يوم عاشوراء و لا عرفة بمكة و لا في المدينة و لا في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 195

..........

وطنك و لا في مصر من الأمصار» أو إذا أضعف عن الدّعاء، كقول أبى جعفر عليه السّلام في خبر ابن مسلم إذ سأله عن صومها من قوىّ عليه: «فحسن ان لم يمنعك من الدّعاء فإنه يوم دعاء و مسألة فصمه، و ان خشيت ان يضعّفك عن الدّعاء فلا تصمه» الا ان ذلك كله- كما أفاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه)- لا يدل على اغتفار الفصل به في التّوالي الّذي عرفت اعتباره في النصّ و معقد الإجماع، مضافا الى ما يظهر من جملة من الاخبار التي سيأتي ذكرها عدم اغتفار الفصل بالعيد الذي قد عرفت النصّ و الفتوى و معقد الإجماع عليه، فتأمل.

الثالث- انه قد عرفت ان مقتضى الأخبار المتقدّمة في صدر المبحث هو جواز اقتصاره على صومه يوم التّروية و يوم عرفة و يوما آخر، و لكن يعارضها جملة من النّصوص- منها:

1- صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع يدخل يوم التّروية و ليس معه

هدي؟ قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسّحر ليلة الحصبة فيصبح صائما و هو يوم النّفر و يصوم صومين بعده «1».

2- ما رواه عبد الرّحمن بن الحجّاج عن ابى الحسن عليه السّلام قال: سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي؟ قال: يصوم ثلاثة أيام قبل التّروية بيوم، و يوم التّروية و يوم عرفة، قال: فان فاته صوم هذه الأيام؟ فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة، و لكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التّشريق «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 196

..........

3- خبر رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتّع لا يجد الهدي؟ قال: يصوم قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة، قلت: فإنه قدم يوم التّروية قال: يصوم ثلاثة بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جماله؟ قال: يصوم يوم الحصبة و بعده يومين قال: قلت: و ما الحصبة؟ قال: يوم نفره. إلخ «1».

4- خبر معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن متمتّع لم يجد هديا؟ قال: يصوم ثلاثة أيّام في الحج يوما قبل التّروية، و يوم التّروية و يوم عرفة، قال: قلت: فان فاته ذلك؟ قال: يتسحّر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده.

إلخ «2» و نحوه خبر حماد بن عيسى «3» و خبر إبراهيم بن يحيى «4» فهنا طائفتين من الاخبار و يقع التّعارض بينهما.

يمكن الجمع بينهما بوجوه:

الأول- حمل الطّائفة الثّانية على الكراهة و ذلك لان الجمع العرفي يقتضي حمل الطّائفة الثّانية

الظّاهرة في حرمة صوم يوم التّروية و يوم عرفة على الكراهة، بقرينة قوله عليه السّلام «يجزيه» الذي تضمّنه خبر عبد الرّحمن بن الحجّاج المتقدّم ذكره في الطّائفة الأولى، لكونه نصّا في الجواز و حكومة النص على الظّاهر من اجلى الحكومات، فيحكم بالكراهة فتأمل، الثاني- حمل الطّائفة الأولى الدّالة على كفاية صوم يوم التّروية و يوم عرفة على ما إذا لم يكن متمكّنا من صوم قبل يوم التّروية و حمل الطّائفة الثّانية على ما إذا كان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 14

(4) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 20

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 197

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 197

..........

متمكنا من ذلك، و لكن فيه ما لا يخفى، لعدم الشاهد له فلا يصار اليه.

ثم انه يمكن ان يقال: انه لا عبرة بالطّائفة الثّانية، لإعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنها الموجب لخروجها عن حيّز دليل الاعتبار.

ثم انه بناء على التّساقط، فيكون المرجع الأخبار الدّالة على اعتبار التّوالي، فلا بد له من ان يؤّخر صومه الى بعد أيام التّشريق، و لكن له ان يجعل أوّل صومه يوم الحصبة، و ان كان هو من أيّام التّشريق، فإنه اليوم الثّالث عشر لا الرّابع عشر، و من قال: ان يوم الحصبة هو اليوم الرابع، فمراده رابع العيد، لا الرابع عشر من الشهر، فالأخبار الدّالة على حرمة صوم أيام التّشريق في منى مخصصة به،

خرج منها اليوم الثّالث لمن لم يأت بصومه قبل العيد.

الخامس- قال في الجواهر: «و في كشف اللثام: (و الظاهر وجوب المبادرة الى الثّالث بعد زوال العذر و ان أطلقت الاخبار و الفتاوي التي عثرت عليها، الا فتوى ابن سعيد، فإنه قال: صام يوم الحصبة و هو يوم رابع النّحر) قلت: مع انه من أيّام التّشريق التي ستسمع الكلام فيها، بل و الكلام في ابتداء الثّلاثة منه، و لا ريب ان الأحوط المبادرة بها بعد أيّام التّشريق و ان كان الوجوب لا يخلو من نظر بعد إطلاق النص و الفتوى، بل قد سمعت ما في النص من كون المراد من قوله «فِي الْحَجِّ» شهر ذي الحجة مضافا الى ما تسمعه مما يدل على جواز صومها طول ذي الحجة من النص و الإجماع و غيرهما» و يمكن ان يكون الوجه في وجوب المبادرة المنع من التفريق بناء على ارادة المنع عن كل مرتبة عنه، و لكنه لا يخلو من المناقشة و الاشكال.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 198

و لو فاته يوم التّروية أخره الى بعد النّفر (1)

(1) بمعنى انه لم ينتفر الفصل بالعيد حينئذ كما هو المشهور، بل قال في الجواهر: «لا أجد فيه خلافا لإطلاق ما دل على وجوب التّتابع، و إطلاق ما دل على صومها متتابعة إذا فات صومها على الوجه المزبور لكن عن الاقتصاد: «ان من أفطر الثاني بعد صوم الأول لمرض أو حيض أو عذر بنى و كذا الوسيلة إلا إذا كان العذر سفرا» و لعلهما استندا الى عموم التعليل في خبر سليمان بن خالد: «سئل الصادق عليه السّلام عمن كان عليه شهران متتابعان فصام خمسه و عشرين يوما ثم مرض، فإذا برأ

أ يبني على صومه أو يعيد صومه كله؟ فقال عليه السّلام: بل يبني على ما كان صام، ثم قال:

هذا مما غلب اللّه عز و جل عليه و ليس على ما غلب اللّه عليه شي ء» و استثناء السّفر لانه ليس هنا عذرا. ناقش فيه صاحب الجواهر بقوله: «و فيه مع انه في غير ما نحن فيه ضرورة العلم بالعيد يمكن الفرق بين المقامين خصوصا بعد النّصوص الدّالة هنا على وجوب صومها بعد ذلك إذا فاتت الثلاثة. إلخ.

تفصيل الكلام في ذلك و هو انه انما يتمّ الاستدلال على جواز الفصل بالعيد و أيّام التّشريق مع عدم التّمكن قبلها بالتعليل الّذي تضمّنه خبر سليمان بن خالد و هو قوله عليه السّلام: «و ليس على ما غلب اللّه عليه شي ء» بناء على إثبات كون صوم يوم قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة توقيتا لا رخصة و الا فهو ليس مما غلب اللّه عليه شي ء» لعلمه بان بعد يوم عرفة هو يوم العيد و أيام التّشريق، و المفروض عدم كون الصّوم موقتا بالأيام الثلاثة المزبورة فله التأخير حتى لا يفوت التّوالي.

و كيف كان فيمكن الاستدلال على التّوقيت بما تقدّم من الاخبار التي عينت فيها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 199

..........

الأيام الثّلاثة للصوم بأنها: يوم قبل التّروية و يوم التّروية و يوم عرفة و قد فسرت الثّلاثة التي تضمنها الآية الشريفة بالأيام المزبورة. و أما ما ورد في تفسير كلمة «فِي الْحَجِّ» الذي تضمّنها الآية بذي الحجة المقتضية بإطلاقها لكفاية الصّوم من أوّلها إلى آخرها، فلا بد من تقييدها بهذه الأخبار الدّالة على التّوقيت.

هذا مع الغضّ عن الاخبار الدّالة على جواز تقديم الصّوم عليها و على جواز التأخير

عنها لكن قد تقدّم منها في المباحث السّابقة ما كان نصّا في جواز التّقديم، كقوله عليه السّلام في خبر زرارة: «من لم يجد هديا و أحبّ ان يقدم الثلاثة الأيام في أول العشر فلا بأس «1» و ما كان نصا في جواز التأخير كقوله عليه السّلام في خبره الآخر: «من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثّلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك «2» و قد عرفت ان الأخبار الّتي استدل بها على التّوقيت لا تصلح للمعارضة لكونها ظاهرا في التّوقيت فلا تكون نصا فيه و قد ذكرنا غير مرّة ان النّص مقدم على الظّاهر فعليه ما دل على جواز التقديم و كذا ما دل على جواز التأخير يكون مقدما على الاخبار الدالة بظاهرها على التّوقيت فتحمل على الاستحباب فعلى ذلك لا دلالة لها على التّوقيت حتى يتم الاستدلال بما ذكر في المقام.

ثم بعد فرض تسليم التوقيت، فلا يمكن الحكم مطلقا بتعيّن رفع اليد عن التّوالي تمسكا بقوله عليه السّلام: «و ليس على ما غلب اللّه عليه شي ء» بل لا بد من ملاحظة: أن الأهم هل هو الوقت، أو التّوالي أو متساويان، فان ثبت أهمية الوقت يحكم برفع اليد عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 2 و 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 200

..........

التّوالي تمسكا بقوله عليه السّلام: «و ليس على ما غلب اللّه عليه شي ء» و كذلك إذا لم نسلم التوقيت لكن سلمنا الفوريّة و فرض ثبوت أهمية الفور، لكن فيه ما لا يخفى لعدم الدّليل على ذلك.

و كيف كان فان ثبت أهمية التّوالي فهو يقدّم فيؤخّر

الصّوم الى ما بعد العيد و أيام التّشريق و إذا لم يثبت أهمية أحدهما يحكم بالتخيير.

فتحصّل: انه علي فرض تسليم تمامية دلالة الأخبار التي أشرنا إليها على التّوقيت فلا يصح على الإطلاق القول بتعيّن رفع اليد عن التّوالي تمسكا بقوله عليه السّلام: «و ليس على ما غلب اللّه عليه شي ء».

و التحقيق: ان التّوقيت و الفوريّة كلاهما ممنوعان، فلا يتم الاستدلال بما ذكر على المدّعي.

مضافا الى ما عرفته في كلام صاحب الجواهر «قدس سره» فلاحظ.

فقد ظهر انه لو فاته يوم التّروية أخره الى ما بعد النّفر، و المشهور عدم جواز استينافها أيّام التّشريق، بل عن الخلاف الإجماع عليه، لعموم النّهي عن صومها بمنى، و يدل عليه جملة من النصوص المأثورة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- صحيح ابن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام. قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد هديا؟ قال: فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التّشريق، و لكن يقيم بمكة حتى يصومها و سبعة إذا رجع الى أهله. «1»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 201

..........

2- صحيح سليمان بن خالد و علي بن النعمان عن ابن مسكان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتّع و لم يجد هديا؟ قال: يصوم ثلاثة أيام، قلت له:

أ فيها أيام التّشريق؟ قال: لا و لكن يقيم بمكة حتى يصومها و سبعة إذا رجع الى أهله فان لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع الى أهله. «1».

3- في المرسل: و لا يجوز له «اي المتمتّع» ان يصوم أيام التّشريق، فإن النّبي صلّى اللّه عليه و آله بعث بديل بن

ورقا الخزاعي على جمل أورق (و) فأمره أن يتخلّل الفساطيط و ينادي في الناس أيام منى: ألا، لا تصوموا، فإنها أيام أكل و شرب و بعال «2» و في معاني الاخبار عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بديل بن ورقاء ثم ذكره نحوه ثم قال: و البعال النكاح و ملاعبة الرجل أهله «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم في ذلك، و لا يعارضها خبر إسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه ان عليا عليه السّلام كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التّشريق، فان ذلك جائز له «4» و نحوه غيره.

أما أولا- فلموافقته لقول من العامّة- على ما افاده صاحب الجواهر.

و اما ثانيا- فلان إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه مانع عن الاعتماد عليه، فتدبر.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه أبو علي من اباحة صومها فيها. نعم في بعض

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 8

(3) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 202

و يجوز تقديمها من أول ذي الحجة (1) بعد التلبس بالمتعة (2) و يجوز صومها طول ذي الحجة (3)

الروايات المتقدمة: «يتسحّر ليلة الحصبة و هي ليلة النّفر و يصبح صائما» و قد بينّا سابقا ان الاخبار الدّالة على حرمة صوم أيّام التّشريق بمنى مخصّصة به فيصحّ صوم يوم النّفر لمن لم يأت بصومه قبل العيد،

و قد أشرنا ايضا ان المراد من يوم الحصبة هو اليوم الثّالث عشر لا الرّابع عشر.

(1) كما في القواعد و النافع، و يدل عليه خبر زرارة أو موثقة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام: من لم يجد الهدي و أحبّ ان يصوم الثّلاثة الأيّام في أول العشر فلا بأس «1» المعتضد بإطلاق الآية المفسّر في صحيح رفاعة بشهر الحجّ كله و قد تقدّم وجه الجمع بينه و بين ما دل بظاهره على خلافه في صدر المبحث عند ذكر الجهة الثّالثة من جهات المسألة و من أراد الوقوف عليه فليراجعها.

و كيف كان فلأجله يشكل ما عن جماعة من وجوبه في الثّلاثة الأيّام المتّصلة بالنّحر و عن السّرائر الإجماع عليه اعتمادا على الأمر بفعله فيها.

(2) لما سيأتي عند تعرّض المصنّف حكم الصّوم قبل التّلبس بالمتعة.

(3) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في المدارك «انه قول علمائنا و أكثر العامة» لإطلاق الآية و هو قوله تعالى (فِي الْحَجِّ) فإن الظرفية يصدق بمجموع الشهر، لانه وقت الحج و قد فسر في صحيح رفاعة المتقدم بذي الحجة و يدل عليه خصوص قول الصادق عليه السّلام في صحيح زرارة: «من لم يجد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 2 و 8 و في الباب 54 الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 203

و لو صام يومين و أفطر الثالث لم يجزه و استأنف (1) الا ان يكون ذلك هو العيد فيأتي بالثالث بعد النفر (2) و لا يصح صوم هذه الثلاثة إلا في ذي الحجة بعد التلبّس بالمتعة (3) و لو خرج ذو الحجة و لم يصمها تعيّن الهدي في القابل (4)

عن الهدي

فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك «1» و قد تقدم ذكره و وجه الجمع بينه و بين ما دل بظاهره على خلافه في الجهة الثالثة التي تقدّمت ذكرها في صدر المبحث.

(1) للأخبار المتقدمة في صدر المبحث الدّالة على لزوم التّوالي فيها.

(2) فيأتي بالثالث بعد النفر، لما تقدم من الأخبار.

(3) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه.» و الإجماع الذي ادعاه صاحب الجواهر (قدس سره) هو العمدة في رفع اليد عن إطلاق ما دل على جواز الصوم من أول ذي الحجة و لو قبل التّلبس بالمتعة، و لا سيما بملاحظة كون موضوع الأمر بالصّيام في الآية و الاخبار (المتمتّع) الظّاهر في المتلبس.

و لا يخفى انه يتحقّق التلبّس بالمتعة بدخوله في إحرام العمرة التي صارت جزء من حجّ التمتّع وفاقا للأكثر، بل في صريح السّرائر: الإجماع عليه- على ما حكى في المستند- و لكن الشهيد الأول (قدس سره) في الدروس اعتبر التلبس بالحج و هو خيرة المصنف «رضوان اللّه تعالى عليه» في النافع و ثاني الشهيدين و كأنه لعدم الأمر بالهدي بدونه، فيكون تقديما للواجب على وقته و للمسبّب على سببه، و لكن قد عرفت عدم لزوم ذلك في صدر المبحث.

(4) هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) بل في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل في ظاهر المدارك و صريح المحكي عن الخلاف الإجماع عليه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 204

..........

إلخ) و استدل لذلك- مضافا الى اختصاص دليل البداية بشهر ذي الحجة فيرجع في

غيره إلى إطلاق دليل وجوبه- بصحيح منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، قال: من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم فعليه دم شاة و ليس له صوم و يذبحه بمنى «1» لكن في كشف اللثام: «انه كما يحتمل الهدي يحتمل الكفارة بل هي أظهر» و ناقش في الجواهر كلام صاحب كشف اللثام بقوله: (و فيه انه دال بإطلاقه أو عمومه لهما خصوصا بعد ملاحظة استدلال الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) به علي الهدي). و في المستند: (من لم يصم الثلاثة حتى خرج ذو الحجة، سقط عنه الصوم و تعين عليه الهدي بمنى في القابل عند علمائنا و أكثر العامة كما في المدارك. إلخ) و من الغريب ما في الرياض- على ما حكاه صاحب الجواهر (قدّس سرّه)- فإنه بعد ان اعترف بدلالة الصحيح على الهدى و الكفّارة، قال: (ان عدم الوجوب أقوى، للأصل) بعد ان نسبه الى ظاهر المصنف و الأكثر و ذكر الاستدلال بالنبوي: (من ترك نسكا فعليه دم) ثم قال: و سند الخبر لم يثبت و كأنه غفل عما اعترف به من دلالة الصحيح، فلاحظ و تأمل).

و كيف كان فيمكن ان يقال بالتّعارض بين صحيح منصور بن حازم و بين الاخبار الآتية و هي: صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع الى أهله فإن فاته ذلك و كان له مقام بعد الصدر [1] صام ثلاثة أيام بمكة و ان لم يكن له مقام صام

______________________________

[1] قال في القاموس: (و الصدر أعلى مقام

كل شي ء. الى ان قال: و الرجوع كالصدور و الاسم بالتحريك و منه طواف الصدر. الى ان قال: و الصدر بالتحريك اليوم الرابع من أيام النحر) و في الحدائق: (مرجعه الى احتمالات ثلاثة كلها قائمة في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 205

..........

في الطريق أو في اهله «1» و صحيحة الآخر قال: حدثني عبد صالح عليه السّلام قال: سألته عن المتمتّع ليس له أضحية وفاته الصّوم حتى يخرج و ليس له مقام؟ قال: يصوم ثلاثة أيّام في الطريق ان شاء و ان شاء صام عشرة في اهله «2» و صحيح سليمان بن خالد قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتّع و لم يجد هديا؟ يصوم ثلاثة أيام بمكة، و سبعة إذا رجع الى أهله فان لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكّة فليصم عشرة أيّام إذا رجع الى اهله «3» و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: الصّوم الثّلاثة الأيام ان صامها فأخرها يوم عرفة و ان لم يقدر على ذلك فليؤخّرها حتى يصومها في اهله و لا تصومها في السّفر «4»- و فيه كلام بخصوصه سيأتي ذكره في آخر المبحث- و خبر علي ابن الفضل الواسطي قال: سمعته يقول: إذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصّوم اليوم الثّالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحجّ فليصم بمكة ثلاثة أيّام متتابعات، فان لم يقدر و لم يقم عليه الجمّال فليصمها في الطّريق أو إذا قدم على أهله صام عشرة أيام متتابعات «5» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السلام) و أنت ترى

______________________________

الخبر، أحدها- ان يكون مصدرا

بمعنى الرجوع فتكون دالة ساكنة و ان يكون اسم مصدر منه فتكون دالة مفتوحة، و ان يراد به اليوم الرابع من أيام النحر و هو ثالث أيام التشريق فيكون مفتوح الدال أيضا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 7

(4) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 10

(5) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 206

..........

دلالتها مع الغض عن صحيح ابن مسلم على ان من فاته صومها بمكة لعدم القدرة أو عدم اقامة الجمال أو الأصحاب فليصمها في الطريق ان شاء و ان شاء إذا رجع الى اهله، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين خروج ذي الحجة و عدمه فتقع المعارضة بينها و بين صحيح منصور بن حازم الدّال على تعيين الهدي عليه بعد خروج ذي الحجّة.

يمكن الجمع بينها و بينه بأمور:

الأول- حمل الأخبار على غير المتمكّن من صوم الثّلاثة الأيّام في مكّة فإنه يجزيه الصّوم و لكن هذا بخلاف المتمكن منه و أخر عمدا فإنه لا يجزيه و يتعيّن عليه الذّبح.

الثاني- ما أفاده في التهذيب بحملها على من استمر به عدم التمكن من الهدي حتى وصل الى بلده فان الصوم يجزيه و الحال هذه و لكن ان تمكن من الهدي بعث به، و فيهما ما لا يخفى لعدم الشاهد لهما، فلا عبرة بهما.

الثالث- ما احتمله في الذخيرة من الجمع بينها بالتخيير بين الصوم و الذبح و لكن في غير الناسي، فعليه دم، لما سيجي ء من صحيح عمران و حمل صحيح منصور بن

حازم عليه ايضا و فيه ايضا ما لا يخفى.

و لكن يمكن ان يقال: انه لا معارضة بين صحيح منصور بن حازم مع ما تقدم من الأخبار، و الذي ينبغي ان يقال: ان نفس ذلك الاخبار بينها معارضة بالعموم المطلق، من جهة تقييد بعضها بعدم التمكّن و إطلاق بعض الآخر، فيقيّد الإطلاق بالأخبار المقيّدة، ثم ان بعد ذلك يكون جميعها مطلقها و مقيدها مطلقة من حيث وقت الصوم، حيث انه لم يعيّن فيها انه هل يصوم حتى ما إذا كان قد خرج ذو الحجة أو لا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 207

..........

ثم بعد ذلك نقيّد هذا الإطلاق بصحيح منصور بن حازم الدّال على تعيين وقت الصّوم فتصير النّتيجة على ذلك انه يصوم إذا كان ذو الحجة باقيا و الا فعليه دم و ذلك الاخبار- كما ترى- لا تقتضي الصّوم مع خروج ذي الحجة الا بالإطلاق المنفي بهذا الصحيح المقيد لها فلا معارضة بين الاخبار و هذا النحو من الجمع مطابق لظاهر الآية و السنّة من كون وقت الصوم تمام ذي الحجة.

ثم من ترك صوم الثلاثة الأيام في مكّة ناسيا فقد ورد صحيح عمران الحلبي قال:

سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصوم الثّلاثة الأيام الّتي على المتمتع إذا لم يجد الهدي حتى يقدّم على اهله قال: يبعث بدم «1» قد يقال: ان قوله عليه السّلام: (يبعث بدم) يكون على طبق القاعدة إذا كان ذوي الحجّة باقيا، لما سيأتي من ان وقت الهدي تمام ذي الحجة فعليه يكون الحكم غير مختصّ بالنّاسي و يعمّ جميع الاعذار، بل العامد ايضا و إذا لم يكن ذو الحجّة باقيا فلعلّ هذا كفارة و لكنه يحتاج إلى

التأمّل.

ثم انه قد يقال: ان ما تضمّن جواز الصّوم عند أهله لا يعارض ما نحن فيه بدعوى:

عدم الإطلاق لها من حيث الزّمان، لكون نظرها الى المكان فقط. نعم يعارض صحيح عمران.

و يقال في مقام الجمع بتخصيص الصّحيح بالناسي و حمل تلك النّصوص على غيره من المعذورين فتأمل.

و قد أجيب عن صحيح محمد بن مسلم المتضمن قوله عليه السّلام: «فان لم يقدر على

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 208

..........

ذلك فليؤخرها حتى يصومها في اهله و لا يصومها في السفر»- الدّال على عدم جواز الصوم في السّفر الذي يعارض بظاهره الأخبار المذكورة بالوجوه التالية:

الأول- ما افاده الشيخ «قدس سره» على ما نقل في الحدائق و هو ان المراد منه: لا يصومها في السفر معتقدا انه لا يسعه غير ذلك بل يعتقد انه مخير في صومها في السفر و في اهله. و لكن فيه ما لا يخفى، لعدم الشاهد له فلا يصار اليه.

الثاني- ما ذكر في المنتقى بعد نقل الخبر: «قلت: ينبغي ان يكون هذا محمولا على رجحان تأخير الصّوم الى ان يصل الى أهله مع فوات فعله على وجه يكون آخره عرفة و ان جاز ان يصوم في الطّريق جمعا بين الخبر و بين ما سبق».

الثالث- حمل الخبر المذكور على التقية، و هو ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي مستندا الى ما يشعر به صحيحة رفاعة المتقدّمة في صدر المبحث، و احتمله الأقرب صاحب الحدائق و فيه ما لا يخفى.

ثم انه ناقش صاحب الحدائق كلام المنتقى المتقدّم بقوله: «ظاهر الخبر- كما ترى- ان المرتبة الثّانية مع عدم الإتيان بها في الوقت الموظّف الّذي تقدّم في الاخبار هو

التّأخير الى ان يصومها في أهله مع استفاضة الرّوايات المتقدّمة بالأمر بصوم يوم الحصبة و ما بعده ان لم يتمكّن من التأخير الى ما بعد أيام التشريق و ان الصّوم في الطّريق انما هو بعد هذه المراتب، و بذلك يظهر لك ما في حمل صاحب المنتقى ايضا.

ثم انه ان تمّ ما ذكر من الجمع بينه و بين ما تقدّم من الاخبار الدّالة على جواز الصّوم في السّفر فهو، و الا، فنقول حيث ان الخبر المزبور معارض بجملة من الاخبار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 209

و لو صامها (أي الثلاثة) ثم وجد الهدي و لو قبل التلبس بالسبعة لم يجب عليه الهدي، و كان له المضي على الصوم، و لو رجع الى الهدي كان أفضل (1)

الصّحيحة الصريحة المستفيضة المتفق على العمل بها- قديما و حديثا- فترفع اليد عنه لأجل ان أعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عن العمل به مانع عن الاعتماد عليه، لخروجه بذلك عن حيّز دليل الاعتبار، فتدبر.

(1) كما في النافع و القواعد و النهاية و المبسوط و الجامع، بل في المدارك نسبته الى أكثر الأصحاب عن الخلاف الإجماع عليه. و استدل لذلك بخبر حماد بن عثمان قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتّع صام ثلاثة أيّام في الحج، ثم أصاب هديا يوم خرج من منى؟ قال أجزأه صيامه «1» و بما رواه ابي بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النّفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فإن أيام الذّبح قد مضت «2» بعد حمله على انه قد صام الثّلاثة و ان المراد من قوله: «أو

يصوم» إكماله بصوم السّبعة، كما ان المراد من مضيّ أيام الذّبح تعيّنه.

ان قلت: ان في الخبرين قصورا من حيث السّند.

قلت: انهما و ان كانا ضعيفين من حيث السّند، الا انّ ضعفهما منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بمضمونهما، فلا يصغى الى المناقشة فيهما بضعف السّند، بعد الانجبار المزبور الموجب للوثوق بصدورهما عن المعصوم عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 210

و صوم السبعة بعد وصوله إلى أهله (1)

الذي هو مناط الحجيّة و الاعتبار.

و لا تهافت بين ذلك و بين ما اخترناه في الأصول من عدم حجيّة الشّهرة العمليّة بنفسها، لما ذكرناه غير مرّة في الأصول ان المدار في اندراج الخبر تحت دليل الاعتبار هو الاطمئنان الحاصل تكوينا بعملهم على طبقه، فعلى ذلك يحكم بعدم وجوب الهدي في مفروض المقام.

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه القاضي من وجوب الهدي، و لكن يمكن ان يستدل له بخبر عقبة بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتّع و ليس معه ما يشترى به هديا فلما ان صام ثلاثة أيام في الحج أيسر أ يشتري هديا فينحره، أو يدع ذلك و يصوم سبعة أيّام إذا رجع الى أهله؟ قال: يشتري هديا فينحره و يكون صيامه الّذي صامه نافلة له «1» و لكن لا مجال له بعد ذهاب الأصحاب على خلافه، لكونه مانعا عن الاعتماد عليه و لذا حمل على النّدب كما أشار المصنف (قدّس سرّه) بقوله:

و لو رجع الى الهدي كان أفضل و في هذا الحمل ايضا ما لا يخفى.

(1) هذا

هو المعروف بين الأصحاب (قدّس سرّهم) بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه و هو الحجة بعد ظاهر الآية الّذي مقتضاه العود الى الوطن.) و استدل لذلك بصحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من كان متمتّعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 211

و لا يشترط فيها (اي صوم السبعة) الموالاة على الأصح (1)

إذا رجع الى أهله. إلخ «1» و بصحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتّع و لم يجد هديا؟ قال: يصوم ثلاثة أيام بمكة و سبعة إذا رجع الى أهله فان لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكّة فليصم عشرة أيام إذا رجع الى أهله «2» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السّلام).

ان للعامة في المقام أقوالا و هي:

1- ان يصوم السبعة إذا فرغ من اعمال الحجّ و هو خيرة بعضهم.

2- ان يصومها إذا خرج من مكّة سائرا في الطريق و هذا قول بعض آخر منهم.

3- ان يصومها بعد أيّام التّشريق.

و الجميع منها- كما ترى- مخالف لظاهر الآية الشّريفة «وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ» الّذي مقتضاه ايضا جواز صومها بعد الرّجوع متى شاء، و عن إسحاق بن عمار قال:

قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام: انى قدمت الكوفة و لم أصم السّبعة الأيام حتى فزعت في حاجة الى بغداد؟ فقال عليه السّلام: صمها ببغداد، فقلت: أفرّقها؟ قال:

نعم «3».

(1) وفاقا للمشهور، بل عن المنتهى و التذكرة لا نعرف فيه

خلافا و استدل لذلك- مضافا الى الأصل بعد إطلاق الدّليل- بقوله عليه السّلام في ذيل خبر إسحاق بن عمار

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 7

(3) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 212

..........

المتقدم: «ا فرّقها؟ قال: نعم».

ان قلت: انه ضعيف سندا.

قلت: ان ضعفه منجبر بعمل الأصحاب (رضوان اللّه تعالى علمهم) فلا يصغي الى المناقشة فيه بضعف السّند، مضافا الى اعتضاده- كما افاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه) بالعموم في حسن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام: «كل صوم يفرّق إلا ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين» فتأمّل.

و كيف كان فبما ذكرنا ظهر ضعف ما حكى عن ابن ابى عقيل و ابى الصلاح من وجوب الموالاة فيها، و لكن يمكن ان يستدل له بخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السّلام قال: سألته عن صيام الثّلاثة الأيام في الحجّ و السّبعة أ يصومها متوالية أو يفرّق بينهما؟ قال: يصوم الثّلاثة يفرق بينها و السّبعة لا يفرّق بينها. «1» ناقش فيه صاحب الجواهر (قدّس سرّه) بقوله: «و هو مع الطعن في سنده بمحمد بن أحمد العلوي الذي هو غير معروف الحال و ان وصف الفاضل الروايات الواقع في طريقها بالصّحة. فهو كالشّهادة منه بذلك. الى ان قال: انه قاصر عن معارضة ما سمعت، كخبر الحسين بن زيد عن ابي عبد اللّه السّبعة الأيام و الثّلاثة الأيام في الحجّ لا تفرّق انما هي بمنزلة الثّلاثة الأيّام في اليمين «2» فالوجه حملهما على ضرب من الكراهة كما عساه يشعر بها التّفريق بينها في

الجواب في الأول» ما افاده صاحب الجواهر في هذا المقام متين، و لأجل خبر إسحاق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 17

(2) ذكر في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 213

فإن أقام بمكة انتظر قدر وصوله إلى أهله ما لم يزد على شهر (1)

ابن عمار المتقدم يحمل ما ظاهره وجوب التوالي على كراهة التفريق، فتدبر.

(تذييل) و هو ان الظاهر اعتبار التفريق بين الثّلاثة الأيّام و السّبعة الأيام و هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، لظاهر الآية و قوله عليه السّلام في ذيل خبر على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: و لا يجمع بين السّبعة و الثّلاثة جميعا» «1».

لكن في الجواهر قال: «الظاهر اختصاص ذلك بما إذا صام في مكة اما لو وصل الى اهله و لم يكن قد صام الثلاثة لم يجب عليه التفريق كما نص عليه الفاضل في محكي المنتهى بل هو ظاهر الأمر بصوم العشرة فيما سمعته من النصوص.»

و لكن ما افاده غير ظاهر لان مقتضى صحيح على بن جعفر ينافيه.

ثم انه لا يعتبر المبادرة إليها للإطلاق و يمكن استظهار ذلك من خبر إسحاق المتقدم فتدبر.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل في الذخيرة: «لا اعلم فيه خلافا، و استدل لذلك بما رواه احمد بن محمد بن ابى نصر في المقيم إذا صام ثلاثة الأيام ثم يجاور ينظر مقدم أهل بلده، فإذا ظنّ انّهم دخلوا فليصم السبعة الأيام «2» و صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: و ان كان له مقام

بمكة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 17

(2) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 214

و لو مات من وجب عليه الصوم و لم يصم وجب ان يصوم عنه وليه الثلاثة دون السبعة (1)

و أراد ان يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام بعده «1» و ما عن ابى بصير قال: سألته عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيّام فلما قضى نسكه بدا له ان يقيم (بمكّة) سنة؟ قال: فلينتظر منهل أهل بلده، فإذا ظنّ انهم قد دخلوا بلدهم فليصم السّبعة الأيّام «2». الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السلام).

ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- ان المراد من الظنّ الّذي تضمّنه بعض اخبار المقام هو تقدير المدّة المزبورة التي تصل بها عادة الرّفقة إلى أهله- كما في الجواهر- لعدم حصول العلم بدخولهم بمضيها كما لا يخفى لإمكان حدوث المانع، فالمدار انما يكون عليها لا على دخولهم.

الثاني- ان العبرة في تحقّق عنوان المجاور- الذي تضمنه بعض الاخبار المتقدمة- هي نظر العرف فلا يشترط في ذلك قصد التّوطّن.

الثالث- انه يمكن ان يقال ان مبدء الشهر هو اليوم الذي يفارق رفقته و يبني على البقاء في مكة فلا يكون المبدء من يوم النّفر أو غيره.

(1) و استدل لذلك- مضافا الى الأصل- بحسن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 215

و قيل بوجوب قضاء الجميع و هو الأشبه (1)

انه سأله عن رجل

تمتع بالعمرة و لم يكن له هدي فصيام ثلاثة أيام في ذي الحجة، ثم مات بعد ما رجع الي أهله قبل ان يصوم السبعة الأيام، أعلى وليّه قضاء ان يقضي عنه قال عليه السّلام: ما أرى عليه قضاء «1» و نوقش فيه بأن الأصل مقطوع بما سيأتي في الفرع الآتي، و اما حسن الحلبي فيحتمل فيه موته قبل ان يتمكّن من الصّوم الذي لا خلاف معتدّ به في عدم وجوب الصّوم عنه معه، و به يقيّد الإطلاق، و فيه كلام سيأتي في القول الآتي.

(1) قال في الجواهر: «و القائل ابن إدريس و أكثر المتأخّرين بوجوب قضاء الجميع مع فرض عدم صومها بعد التّمكن، و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها عموم ما دل على وجوب قضاء ما فات الميت من الصيام، بل عن المختلف الإجماع على ذلك، و خصوص صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: من مات و لم يكن له هدى لمتعة فليصم عنه وليه «2»» و يمكن ان يقال بوقوع المعارضة بينه و بين حسن الحلبي المتقدّم لدلالته على وجوب القضاء على وليّه مطلقا، و هذا بخلاف حسنة الحلبي و لكن يمكن الجمع بينهما بان يقال: ان حسن الحلبي يختص مورده بمن صام الثّلاثة الأيام فمن صام الثّلاثة ثم مات لم يكن على وليّه قضاء أصلا و هذا بخلاف ما إذا لم يصم الثلاثة و مات فإنه يجب على وليّه قضاء جميع العشرة بمقتضى صحيح معاوية ابن عمار.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 48 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 216

و من وجب

عليه بدنة في نذر أو كفارة و لم يجد كان عليه سبعة شياه (1)

ثم انه ليس المراد من قوله عليه السّلام في حسنة الحلبي: «و ما ارى عليه قضاء» صورة موته قبل تمكّنه من صوم السّبعة الأيام- كما احتمله في الجواهر- و ذلك لان عدم وجوب القضاء عمن لم يشتغل ذمته معلوم، بل المراد منه هو صورة موته بعد تمكّنه من صوم السّبعة لا قبله، و هذا و ان لم يذكر في الحديث الا انه معلوم، حيث انه يجب القضاء إذا كان ذمة الميت مشغولا و الا فكيف يمكن إفراغ ذمته فيتجه على ذلك إطلاق الحديث فيتعيّن العمل به فتأمل، فتصير النتيجة عدم وجوب القضاء على الولي ان مات بعد صوم الثّلاثة و قضاء العشرة ان مات قبله، لانه مقتضى الجمع بينهما.

(1) كما في القواعد و النافع و غيرهما و محكي السرائر و النهاية و المبسوط بل في الأخيرين فان لم يجدها صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله، لخبر داود الرقى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء؟ قال: إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله «1» و يمكن تأييد ذلك بما عن ابن عباس: «انه أتى النّبي صلّى اللّه عليه و آله: رجل فقال: على بدنة، و انا موسر لها و لا أجدها فأشتريها فأمره النبي صلّى اللّه عليه و آله ان يبتاع سبع شياه فيذبحهنّ» على ما ذكر في الجواهر.

اللهم الا ان يناقش فيه بان خبر داود الرّقي ورد في الفداء و لذا اقتصر عليه ابن سعيد على ما هو المحكي عنه، فلا وجه

للتعدي عنه الى ما وجب عليه بدنة بالنذر أو غيره الا دعوى القطع بعدم الخصوصيّة و هي غير مسموعة، لتوقفها على تنقيح المناط القطعي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 56 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 217

و لو تعيّن الهدي فمات من وجب عليه اخرج من أصل التركة (1)

الذي لا سبيل إليه في الشّرعيّات، لما ذكرناه غير مرة من عدم إحاطة العقول بملاكات الأحكام و موانعها، فلا وجه لدعوى القطع بالمناط خصوصا بعد جعل قضيّة أبان نصب العين.

نعم إذا فرض قطع بملاك الحكم فلا محيص عن التّعدي من الفداء الى غيره، و لكنّه مجرّد فرض لا واقع له، لعدم العلم بالملاكات و موانعها، و غاية ما يحصل منه- كما ذكرنا غير مرة- هو الظنّ بالحكم و من المعلوم انه لا يغني من الحقّ شيئا، لكونه قياسا.

و كيف كان فقد حكى عن الصدوق في المقنع و الفقيه الاقتصار على الكفّارة التي هي أعم من الفداء، و مال إليه في الجواهر حيث قال: «و لا يبعد اتحاد المراد منهما هنا» الى ان قال: كما انه لا يبعد العمل بالخبر المزبور بعد الاعتضاد بالعمل و غيره مما سمعت. نعم ينبغي الاقتصار عليه بعد حرمة القياس عندنا، فلا تجزى السّبع المزبور عن البقرة و ان اجزءت عن الأعظم، كما ان البدنة لا تجزى عن السبع حيث تجب و ان وجب هي بدلا عنها، و ما عن التذكرة و المنتهى من اجزاء البدنة عن البقرة، لأنها أكثر لحما و أوفر، لا يخفى عليك ما فيه، و يتحقق العجز عن السبع بالعجز عن البعض فينتقل فرضه الى الصّوم حينئذ، كما هو واضح انتهى.

(1) لكونه دينا كسائر الحقوق

الماليّة، فيخرج من أصل التّركة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 218

[الرّابع- في هدى القران]

الرّابع- في هدى القران لا يخرج هدى القران عن ملك سائقه و له ابله و التّصرف فيه و ان: أشعره أو قلّده [1] و لكن متى ساقه فلا بد من نحره (1)

(1) المشهور عدم خروج هدى القران عن ملك سائقه بصرف شرائه و إعداده و سوقه لا بل ذلك قبل عقد الإحرام به، فله إبداله و ركوبه و نتاجه و غيرها، و اما إذا ساقه بمعنى أنه أشعره أو قلده عاقدا به الإحرام فلا بد من نحره أو ذبحه، فلا يجوز له إبداله و لا التصرف فيه بما يمنع من نحره لتعيّنه بذلك، و استدل لذلك- مضافا الى قوله تعالى «لٰا تُحِلُّوا شَعٰائِرَ اللّٰهِ وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرٰامَ وَ لَا الْهَدْيَ وَ لَا الْقَلٰائِدَ»

______________________________

[1] ينبغي هنا بيان أمور:

الأول- انه في حج القران يتخيّر القارن في عقد إحرامه بين التلبية و بين الإشعار أو التقليد.

الثاني- ان الإشعار مختص بالبدن و التقليد مشترك بينها و بين غيرها من أنواع الهدي.

الثالث- ان الاشعار عبارة عن شقّ السّنام الأيمن بأن يقوم الرّجل من الجانب الأيسر من الهدي و يشق سنامه من الجانب الأيمن و يلطخ صفحته بدمه، و التقليد عبارة من ان يعلّق في رقبة الهدي نعلا خلقا قد صلى فيه و قد تقدم تفصيل الكلام في جميع ذلك مع الدّليل في الجزء الثاني من هذا الكتاب من صفحة (393) و من أراد الاطلاع عليه فليراجعه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 219

..........

و الاخبار المستفيضة الدّالة على ان السياق يمنع من العدول الى التمتع- بخبر الحلبي أو صحيحة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يشتري البدنة

ثم تضل قبل أن يشعرها و يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر و يجد هديه؟ قال: ان لم يكن قد أشعرها فهي من ماله ان شاء نحرها، و ان شاء باعها و ان كان أشعرها نحرها «1» و اما الإشكال عليه بان أقصى ما يدل عليه هو وجوب نحر الهدي الذي ضل بعد الاشعار ثم وجد في منى لا وجوب النحر بالاشعار مطلقا ففيه ما افاده صاحب الجواهر من ظهوره أو صريحه في ان المدار على الاشعار و عدمه.

ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- انه لا دلالة لخبر الحلبي المتقدم على اعتبار العقد بالإشعار أو التأكيد بل مقتضاه- كالآية- الاكتفاء بحصوله بقصد الهدي، فان لم يكن إجماع لم يبعد القول به- كما في الجواهر- الى ان قال: اللهم الا ان يقال: ان المراد بهدي القران هو ما يقترن به نيّة الإحرام سواء عقده به أو بالتلبية و أكده به و فيه منع كما سيأتي.

الثاني- ان عبارة المصنف «قدس سره» هنا لا تخلو من تنافر لان (و ان) في قوله: «و ان أشعره أو قلّده» ان كانت وصلية، فمعناه: ان له التّصرف و الأبدال حتى مع الاشعار و التقليد، فحينئذ ينافي قوله «لكن متى ساقه فلا بد من نحره» لان وجوب النحر ينافي جواز التّصرف فيه و الأبدال الذي ذكر جوازه في قوله الأول و اما ان لم تكن وصلية فقوله: «و ان أشعره أو قلده» لا يجتمع مع قوله: (و لكن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 220

..........

متى ما ساقه.).

و يمكن توجيه كلامه «قدس سره» بوجوه:

1- يقال: انه تارة ينشئ عقد الإحرام بالإشعار و التقليد

بان لم يحرم بالتلبية أو لبّى، لكن أراد بالإشعار و التقليد تأكيد الإحرام بناء على كونه قابلا له، و اخرى: لا، و لكن يشعر و يقلد بعد التّلبية لا بقصد التّأكيد بناء على فرض تصويره فعلى الأول: يحرم عليه التّصرف المنافي و هو المراد من قوله: (لكن متى ساقه.) و على الثاني لا يحرم عليه التّصرف المنافي و هو المراد من قوله: (و ان أشعره أو قلده) و لكن هذا التفصيل ان كان مراد المصنّف «قدس سره» فهو مناف لظاهر الآية و الحديث المتقدم.

2- ما في المدارك من دفعه: «بأنه انما يتّجه لو اتحد متعلّق الحكمين و العبارة كالصريحة بخلافه، فإن موضع جواز التّصرف فيه ما بعد الاشعار و قبل السّياق و موضع الوجوب المقتضى لعدم جواز التصرف ما بعد السياق» و لكن دفعه بما في حاشية الكركي: «من انه لا يراد بالسياق أمرا زائدا على الإشعار أو التقليد، فان السّياق بمجرده لا يوجب ذلك اتفاقا، و مقتضى النص و كلام الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عدم الاحتياج الى ضمّه إلى الإشعار أو التقليد في ذلك فالتّنافر حينئذ بحاله.

3- يمكن ان يقال: ان مراد المصنف «قدس سره» بقوله: «و ان أشعره» الأشعار على غير الوجه المعتبر، و هو الّذي يعقد به الإحرام، فإنه الذي يتعيّن به عليه ذبحه و لا يجوز إبداله، و لكن متى ما ساقه أي أشعره أو قلده عاقدا به الإحرام وجب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 221

..........

عليه ذلك، و هذا و ان كان مصححا لعبارته «قدّس سرّه» و لكنه- كما ترى- خلاف الظاهر.

و كيف كان فبناء على كون الموضوع للحكم المزبور هو السّوق مع الإشعار أو التّقليد، فتتم عبارة المصنف

«قدّس سرّه» و الا فيكون الاشكال واردا عليها.

الرابع- الحق ان الإحرام غير قابل للتأكيد، لأنه ان أريد به انه لو لم يؤكد بالإشعار أو التقليد حصل الخروج من الإحرام بأدنى شي ء بخلاف ما إذا أكد به ففيه ما لا يخفى، لان الخروج من الإحرام متوقف على الأعمال المقررة، و بدونها لا يخرج من الإحرام، قلنا بالتأكيد أم لم نقل.

و ان أريد به تأكيد وجوب ترك محرمات الإحرام، ففيه: ان الوجوب- على ما ذكرناه غير مرّة- أمر بسيط لا يقبل الشّدة و الضّعف.

ثم انه قال في الجواهر في ذيل المبحث: (هذا كله إذا لم يعيّنه بالنذر، و الا تعين و ان لم يشعره أو يقلده و لم يجز له إبداله قطعا- كما صرح به في المسالك و غيرها و هو كذلك مع فرض تعلّق النذر بعينه، و لو تلفت بغير تفريط لم يجب عليه عوضه بخلاف ما إذا تعلق بكلّي ثم عيّنه في فرد فان الظّاهر وجوب عوضه. إلخ) تفصيل الكلام في ذلك هو ان متعلق النذر (تارة) يكون امرا شخصيا و (اخرى) كليا، فعلى الأول: لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب العوض عليه و لو فيما إذا أتلفه عمدا، و ذلك لانتفاء متعلق النذر نعم، في صورة العمد يحصل العصيان بمخالفته العمل بالنذر، و على الثاني: لا ينبغي الإشكال في وجوب العوض عليه، لعدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 222

..........

انتفاء متعلق النذر بانتفاء الفرد المخصوص.

ثم انه هل يتعين المنذور الكلى بالتعيين- كما في البيع الكلى حيث انّه يتعين بالتعيين و حصول القبض- أو لا؟ و الظاهر عدمه، لاحتياجه الى دليل، و هو لم يثبت.

ثم ان الأحاديث حيث انها مطلقة من حيث كون نذره متعلقا

بالكلي أو الفرد، تقيد بما دل على انه مع انتفاء متعلق النذر ينتفي الحكم.

ان قلت: ان بعض الاخبار ورد في خصوص نذر المعين، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب؟ فقال:

ان كان تطوعا فليس عليه غيره، و ان كان جزءا أو نذرا فعليه بدله «1» و أنت ترى ان قوله عليه السّلام: (ثم يعطب) دليل على كون نذره تعلّق بالمعين، لأن الكلي لا يعطب، و ليس المقصود منه العطب بعد تعيين الناذر فردا خاصا. لما عرفت من ان المنذور الكلي لا يتعين بالتعيين.

قلت: ان ما ذكر انما يتم إذا قلنا: ان كلية منذورة تنافي كون هديه شخصيا و لكن هذا بخلاف ما إذا قلنا بعدم منافاته لذلك، فعلي ذلك يمكن ان يكون منذورة كليا و العطب صفة لذلك الهدي الشخصي، فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 223

بمنى ان كان لإحرام الحج و ان كان للعمرة فبفناء الكعبة [1] بالحزورة [2] (1)

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في المدارك الإجماع عليه و استدل لذلك- مضافا الى ما ذكر، و التأسي- بخبر عبد الأعلى لا هدى إلا من الإبل و لا ذبح إلا بمنى «1» و موثق العقرقوفي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

سقت في العمرة بدنة، فأين أنحرها؟ قال: بمكة. إلخ «2» و قال في الجواهر: (و في الصحيح من ساق هديا و هو معتمر نحر هديه في المنحر و هو بين الصفا و المروة و هي الحزورة).

ينبغي هنا بيان أمرين: الأول- ان إطلاق موثق العقرقوفي يقيّد بما في

الصحيح المتقدم الدال على وجوب نحر الهدي بالحزورة و ظاهره- كما ترى- هو الوجوب الا ان تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه- على ما في المدارك- يوجب رفع اليد عن هذا الظهور، فيحمل على الاستحباب.

______________________________

[1] و المراد بفناء الكعبة: سعة امامها- على ما في الجواهر- و قيل ما اعتد من جوانبها دورا و هو حريمها خارج المملوك عنها.

[2] الحزورة «بالحاء المهملة» على وزن «قسورة»: تل كان خارج المسجد بين الصّفا و المروة. و ربما قيل: الحزورة «بفتح الزاء و تشديد الواو».

______________________________

(1) ذكر في الجواهر

(2) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 18

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 224

و لو هلك لم يجب اقامة بدله، لانه ليس بمضمون (1)

الثاني- قال في الجواهر: «ان التسامح يقتضي استحباب «اي النحر» فناء الكعبة من مكة أيضا و ان أطلق في الموثق المزبور». و فيه ما لا يخفى لما ذكرناه غير مرة من ان قاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من اخبار (من بلغ) غاية دلالتها- بعد فرض عدم إجمالها- هو ترتب الثواب على العمل الموعود لا الحكم.

(1) ما افاده المصنف «قدّس سرّه» من عدم وجوب البدل لو هلك هدى القران فهو مما هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه مما عدا الحلبي، بل و لا إشكال، لأنه ليس بمضمون، للأصل. إلخ) و استدل له- مضافا الى ما ذكر- بصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن الهدي الّذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب؟ فقال: ان كان تطوعا فليس عليه غيره و ان كان جزاء أو نذرا فعليه بدله «1» و صحيح معاوية بن عمار

عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن الهدي إذا عطب قبل ان يبلغ المنحر أ يجزي عن صاحبه؟ فقال: ان كان تطوعا فلينحر و ليأكل منه، و قد اجترأ عنه، بلغ المنحر أو لم يبلغ، فليس عليه فداء، و ان كان مضمونا فليس عليه أن يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ، و عليه مكانه «2».

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه الحلبي من وجوب البدل مع التمكن، لظاهر بعض النصوص التي سيأتي «ان شاء اللّه تعالى» المحمول على ذلك.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 225

و لو كان مضمونا- كالكفارات- وجب اقامة بدله (1)

(1) قال في الجواهر: (و لو كان- أي هدي القران- مضمونا بان كان واجبا أصالة لا بالسياق وجوبا مطلقا لا مخصوصا بفرد- كالكفارات و المنذور مطلقا- وجب اقامة بدله، كما صرح به غير واحد، لان وجوبه غير مختص بفرد، فلا تبرأ الذمة إلا بالذبح في المحل و صرفه فيما يصرف فيه. الى ان قال: بل في المدارك و غيره من الأصحاب يستفاد «تأدي وظيفة السياق بالمستحق، كالكفارة و النذر» و لا بأس به بعد ظهور النص و الفتوى، بل قيل: ان عبارات الأصحاب كالصريحة في ذلك بل هو صريح الشهيد في الدروس. و على كل حال فلا ينافي الحكم المذكور مرسل حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «و كل شي ء إذا دخل الحرم فعطب، فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره» «1» و ان كان خاصا الا انه قاصر عن المعارضة من وجوه، و لذا حمله غير واحد على

العجز عن البدل، أو على ارادة غير الموت من العطب- كالكسر و نحوه مما يمنع من الوصول الذي ستعرف حكمه ان شاء اللّه- أو على المنذور المعين، أو غير ذلك، و ان كان هو كما ترى، الا انه خير من الطّرح هذا و لعل لفظ المضمون في النصوص كاف في الدلالة على ما ذكره في من اختصاص وجوب الإبدال بالكلي في الذمة ضرورة: انسياق ذلك منه، لا ما يشمل المنذور بخصوصه كما هو واضح).

توضيح المقام هو انه (تارة): يكون ما ساقه مضمونا و (اخرى) غير مضمون و المضمون أيضا (تارة) يكون شخصيا و (اخرى) كليا.

اما غير المضمون فإذا تلف فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب البدل عليه و انما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 226

و لو عجز هدي السياق عن الوصول جاز ان ينحر أو يذبح و يعلم بما يدل على انه هدي (1)

وجب عليه ذبحه أو نحره، لأنه الذي أشعره أو قلده و يحكم بعدم وجوب البدل عليه ايضا حتى فيما إذا أتلفه عمدا حيث انّه كان مالكا له فلا ضمان، غاية الأمر أنه عصى و اما المضمون الشخصي- كما إذا نذر سوق هدي بالخصوص- فهذا ايضا كسابقه يحكم بعدم ضمانه له في صورة التلف، لانتفاء موضوع الحكم لتعلق النذر على المفروض بفرد مخصوص و قد انتفى، فلا بدل له و لا ضمان و هذا جار في كل نذر تعلق بفرد مخصوص لما ذكرنا غير مرة ان جميع الخصوصيات الملحوظة في النذر من الوقتية و الفردية و المنذور له و المكان الخاص و غير ذلك دخيلة فيه، و بانتفاء كل واحد من هذه

الخصوصيات و لو بالإتلاف ينتفي الحكم فإذا تلف متعلق النذر أو المنذور له أو لم يتمكّن من الصّرف في المكان الخاص لم يكن عليه ان يعطي بدله في الأول، و ان يعطي المنذور لوارث المنذور له في الثّاني و لزوم الصرف في المكان المعين في الثالث هذا كله في المضمون الشخصي.

و اما المضمون الكلي- كالكفارة و النذر الكلي- فهل يتعيّن الكلّي في الفرد الخاص بالتّعيين، بان يقول باللفظ: «هذا منذوري» أو بنية ذلك و يجزي عليه أحكام النذر الشخصي من عدم الضمان مع التلف و غير ذلك أو لا؟.

مقتضى القاعدة عدم التّعيين، إلا إذا قام الدّليل على الخلاف، فإذا تلف كان عليه البدل.

(1) استدلوا لذلك بصحيح حفص بن البختري قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 227

و لو اصابه كسر جاز بيعه و الأفضل ان يتصدق بثمنه أو يقيم بدله (1)

: رجل ساق الهدى فعطب في موضع لا يقدر، على من يتصدّق به عليه و لا يعلم أنه هدي؟ قال: ينحره و يكتب كتابا، و يضعه عليه ليعلم من مرّ به انه صدقة «1».

و صحيح الحلبي عنه ايضا قال: اى رجل ساق بدنة فانكسرت قبل ان تبلغ محلّها أو عرض لها الموت أو الهلاك فلينحرها ان قدر على ذلك ثم ليلطّخ نعلها الّذي قلدت به بدم حتى يعلم من مرّ بها انّها قد ذكيت فيأكل من لحمها ان أراد و ان كان الهدي الذي انكسر أو هلك مضمونا، فان عليه ان يبتاع مكان الذي انكسر أو هلك و المضمون هو الشي ء أ واجب عليك في نذر أو غيره و ان لم يكن مضمونا و انما شي ء تطوع به فليس

عليه ان يبتاع مكانه إلا ان يشاء ان يتطوّع «2» و خبر علي بن أبي حمزة قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ساق بدنة فانكسرت قبل ان تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك؟ قال: يذكّيها ان قدر على ذلك، و بلطخ نعلها التي قلدت حتى يعلم من مر بها انها قد ذكّيت فيأكل من لحمها ان أراد «3» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام و ظاهر هذه الاخبار هو وجوب النّحر أو الذبح تعيينا إلا انه ترفع اليد عنه لأجل ما يأتي من الاخبار.

(1) ان مقتضى صحيح الحلبي المتقدم هو وجوب البدل عليه لو كان الهدي مضمونا و قد أشكل على ذلك «بان مقتضى وجوب البدل- باعتبار النذر المطلق أو غيره- رجوع المبدل الى ملك صاحبه يتصّرف فيه كيف ما يشاء لا وجوب النحر و الدلالة عليه بأنه هدي» و فيه: انه اجتهاد في مقابل النّص، إذ لا مانع من جريان حكم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 228

..........

الهدي عليه بإشعاره أو تقليده و ان لم يصل الى المحل لأجل الكسر أو الهلاك، و وجوب بدله.

و كيف كان فما أفاده المصنّف «قدّس سرّه» في هذا المقام بقوله: «و لو أصابه كسر جاز بيعه.» مناف لذلك، لان مقتضاه هو رجوعه الى ملكه بعد الكسر أو غيره و ان كان قد تعين ذبحه بالإشعار أو التقليد و من هنا أنكر الكركي جواز البيع فيتعين تقييد ذيل كلامه في هذا المقام

بما إذا لم يكن مضمونا، لأنه إذا كان مضمونا يحكم بوجوب البدل عليه، لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب؟ قال: ان كان تطوّعا فليس عليه غيره و ان كان جزاء أو نذرا فعليه بدله «1».

ثم لا يخفى ان الاشكال بأن هدي السّياق صار نحره متعينا فكيف يجوز بيعه ففيه ما لا يخفى- لانه- مضافا الى دلالة النّص على خلافه- ان الواجب و ان كان ذبحه في محله إلا انه من جهة التعذر لا مانع من الحكم بسقوطه، و مما دل على ما ذكر هو صحيح الحلبي قال: سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه في هدي آخر؟ قال: يبيعه و يتصدق بثمنه و يهدى هديا آخر «2» و نحوه غيره من الاخبار و أنت ترى ان مورده هو هدى الواجب، و من هنا قال في المدارك: «المستفاد من الاخبار: ان هدي السّياق المتبرع به متى عجز عن الوصول- بكسر أو غيره- وجب ذبحه في مكانه على الوجه المتقدم، و أما البيع و الصدقة بالثمن مع اقامة البدل فإنما ورد في الهدى الواجب، فيجب قصر الحكم عليه الى ان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 229

..........

يثبت الجواز في غيره، و مع ذلك فالأظهر كراهة بيعه، للنهي عنه في صحيح محمد ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه في هدى؟ قال: لا

يبيعه، فان باعه فليتصدق بثمنه و ليهد هديا آخر» «1» و بما تقدم ظهر ضعف ما ذهب إليه الكركي من عدم جواز بيعه.

ثم انه قال في الجواهر في ذيل المبحث: «فالتحقيق: ان لم يكن إجماع على خلافه هو التخيير في العاجز و المكسور و نحوهما بين ذبحه و الدلالة عليه، و بين بيعه و الصدقة بثمنه، و لكن مع ذلك يجب في المضمون البدل، و منه يعلم الاشكال فيما في المتن من الفرق بين الكسر و غيره و من استحباب الصدقة بالثّمن، حيث لم نجد نصّا فارقا بين الكسر و غيره، بل صحيح الحلبي السابق مصرح بالذبح و التعليم على الوجه المذكور مع الكسر- كخبر علي بن أبي حمزة بل عن ظاهر أهل اللغة انه المراد من العطب الذي وقع عنوانا في النصوص قال في القاموس: «عطب كفرح و البعير و الفرس: انكسر و ان كان الظاهر كونه للأعم من الكسر و غيره» مضافا الى صحيح محمد بن مسلم المتقدم) و كيف كان فلا يخفى ان هذه المسألة من أولها إلى آخرها تحتاج إلى التأمل.

تذييل مقتضى قوله عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم «. و يتصدق بثمنه.» هو وجوب التّصدق به، لظهور الأمر في الوجوب و لا يمكن رفع اليد عنه إلا بالصّارف،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 230

و لا يتعين هدى السياق للصدقة إلا بالنذر (1)

و يمكن الاستدلال له بوجوه:

الأول- أصالة البراءة، و فيه ما لا يخفى لانقطاعها بما عرفت.

الثاني- دليل نفي العسر و الحرج. و فيه: منعهما، و ذلك لعدم استلزام الحكم بها ذلك كما لا يخفى.

الثالث- دعوى احتمال ارادة معنى «أو»

من الواو في قوله عليه السّلام- في صحيح محمد بن مسلم و غيره مما تقدم- (فليتصدق بثمنه، و ليهد هديا آخر) و فيه: انه لا يمكن الالتزام به، لكونه خلاف الظاهر، فلا يصار اليه إلا بالقرينة.

(1) قال في الجواهر: «بل سيأتي استحباب تثليثه. بالأكل و الصدقة و الهدية بل استقرب الشّهيد في الدروس مساواته لهدي التمتع في وجوب الأكل منه و الإطعام و لا بأس به- كما في المدارك- لإطلاق قوله تعالى فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ) المتناول لهدي التمتع و غيره و ربما احتمل في نحو عبارة المتن إرادة ان الهدي الذي يريد سوقه لا يتعين هديا قبل السوق و الاشعار إلا إذا نذره بعينه لكنه كما ترى و كذا احتمال إرادة انه لا يتعين هديا بالاشعار لجواز تبديله بتاء على بعض الأقوال السابقة و ربما أيّد بما في المختلف من انه ان ضلّ فاشترى بدله فذبحه ثم وجد ما ساقه لم يجب ذبحه و ان أشعره أو قلده لانه امتثل و خرج عن العهدة لكن قد عرفت ما في ذلك كله و انه بالإشعار أو التقليد يتعين ذبحه كما تقدّم الكلام فيه نعم ظاهر العبارة و نحوها انه لا يجب في هدي السّياق إلا الذبح و النّحر و انه لا يجب الأكل و الإطعام لا هدية و لا صدقة، و لكنه مناف لظاهر الكتاب و السنة، كما سيأتي (ان شاء اللّه تعالى)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 231

و لو سرق «هدي السياق» من غير تفريط لم يضمن (1)

(1) بلا إشكال في ذلك، لما عرفت من عدم وجوب هدي السياق في الذمة و ان تعين الذبح بالاشعار، و يدل عليه صحيح معاوية

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل ان يذبحها؟ قال: لا بأس و ان أبدلها فهو أفضل و ان لم يشتر فليس عليه شي ء «1» و مرسل إبراهيم بن عبد اللّه عن رجل اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت؟ فقال لي أبي: ائت أبا عبد اللّه عليه السّلام فأسأله عن ذلك، فأتيته فأخبرته؟ فقال: ما ضحى بمنى شاة أفضل من شاتك «2» لكن مورد صحيح الأول هو الأضحية و لعلها أعم من الهدي أو يتعدى اليه منها بتقريب الّذي تقدّم في المباحث المتقدّمة.

نعم يضمن ان نذر مطلقا ثم عين فيه ان المنذور كما سمعت و كذا الكفّارات بل و هدي التمتّع، لوجوب الجميع في الذّمة.

هذا كله مع عدم التفريط، و أما معه فظاهر بعض و صريح آخر الضّمان مطلقا، لتعيّن ذبحه لكن أشكله الكركي: «بمنافاته لما تقدّم من عدم تعيّن هدى السّياق للصّدقة إلا بالنّذر، فان مقتضاه جواز التّصرف فيه كيف شاء، فلا وجه لضمانه مع التفريط، و لو حمل- أي ما في المتن- و نحوه على المضمون في الذّمة لاتّجه الضّمان حينئذ مع التّفريط و عدمه» و فيه: عدم توقّف الضّمان على تعين الصّدقة بل يكفي فيه وجوب نحره أو ذبحه بمنى فإذا فرّط فيه قبل فعل الواجب ضمنه على معنى وجوب ذبح

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 232

و لو ضل فذبحه الواجد في محله عن صاحبه أجزأ عنه (1)

البدل و ان لم يعتبر الصدقة به كما هو واضح فتأمل.

(1) لا ينبغي الإشكال في ذلك،

و يدل عليه صحيح منصور بن حازم عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يضل هديه فوجده رجل آخر فينحره؟ فقال: ان كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه و ان كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه «1».

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- ان مقتضى إطلاق صحيح منصور بن حازم المتقدم هو الاجزاء مطلقا- بلا فرق بين المتبرّع به و بين الواجب بالنّذر أو الكفارة- فعلى ذلك توقف الكركي «قدّس سرّه» في الواجب في غير محله، خصوصا مع موافقته على الاجزاء في هدي التّمتع.

الثاني- ان مقتضى إطلاقه عدم اعتبار معرفة صاحبه بعينه و صحيح محمد بن مسلم الآتي كالصريح في ذلك و هو ما عن أحدهما عليهما السّلام «في حديث» قال: و قال:

إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرّفه يوم النّحر و الثّاني و الثّالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشيّة الثّالث «2».

الثالث- انه لو ذبحه الواجد عن نفسه لم يجز لا عنه و لا عن صاحبه و قد تقدم تفصيل الكلام عن ذلك عند البحث عن هدي التمتّع، فراجعه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 233

و لو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه و لم يجب ذبح الأخير (1). و لو ذبح الأخير ذبح الأول ندبا إلا ان يكون منذورا (2)

(1) ما أفاده المصنف «قدّس سرّه» من عدم وجوب ذبح الأخير انما يتمّ ان لم يكن قد أشعره، لعدم تعيّنه له حينئذ بإقامة البدل.

(2) كما في محكي المختلف، لانه امتثل، فخرج عن عهدة التكليف و فيه: ان المتّجه حينئذ وجوب

ذبحه مع الإشعار الذي قد عرفت سابقا إيجابه الذبح، و هو مقتضى الأمر في صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن الرجل يشتري البدنة ثم تضلّ قبل ان يشعرها و يقلّدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر و يجد هديه؟ قال:

ان لم يكن قد أشعرها فهي من ماله ان شاء نحرها و ان شاء باعها و ان كان أشعرها نحرها «1» و دعوى ارادة النّدب منها لا شاهد له، حتى خبر أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى كبشا فهلك منه؟ قال: يشتري مكانه آخر، قلت:

فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأول؟ قال: ان كانا جميعا قائمين فليذبح الأول و ليبع الأخير و ان شاء ذبحه، و ان كان قد ذبح الأخير ذبح الأوّل معه «2» بعد ضعف سنده بمحمد بن سنان- كما في المدارك- و عدم تعرّضه لهدي السّياق، بل لعل الظّاهر ان المسؤول عنه فيه هو هدي التّمتع.

مضافا الى انه- كما ترى- أمر فيه بذبح الأول مع ذبح الأخير و من المعلوم: انّ ظاهره هو الوجوب، فمن الغريب ما في المسالك من دعوى كون مستند المصنف و الجماعة صحيح أبي بصير مشيرا به الى الخبر المزبور فتدبّر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 234

و يجوز ركوب الهدي ما لم يضرّ به، و شرب لبنه ما لم يضرّ بولده (1).

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «قدّس اللّه تعالى أسرارهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل في المدارك هو موضع وفاق، و عن غيرها الإجماع مطلقا

الا من الإسكافي في الواجب. إلخ» لا ينبغي الكلام و الاشكال فيه، لما عرفته سابقا من عدم خروج الهدي عن ملك مالكه بالإشعار أو التقليد، و ان تعين للذبح أو النحر، و استدل لذلك ايضا بخبر ابى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل «لَكُمْ فِيهٰا مَنٰافِعُ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى» قال ان احتاج الى ظهرها ركبها من غير ان يعنف عليها و ان كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها «1» و صحيح سليمان بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: ان نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضرّ بولدها. ثم انحرهما جميعا، قلت: اشرب من لبنها و أسقي؟ قال: نعم، و قال: ان عليّا عليه السّلام كان إذا رأى أناسا يمشون قد جهدهم المشي حملهم على بدنة و قال: ان ضلّت راحلة الرّجل أو هلكت و معه هدي فليركب على هديه «2» و صحيح حريز ان أبا عبد اللّه قال كان علي عليه السّلام إذا ساق البدنة و مرّ على المشاة حملهم على بدنة و ان ضلّت راحلة رجل و معه بدنة ركبها غير مضرّ و مثقل «3» و صحيح يعقوب بن شعيب انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يركب هديه ان احتاج اليه؟ فقال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يركبها غير مجهد و لا متعب «4».

مقتضى إطلاق هذه الاخبار هو شمولها للهدي الواجب سواء كان مضمونا أو غير مضمون كما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 6

(3) الوسائل ج

2 الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 235

..........

و دعوى كون المراد من الإطلاق المزبور غير المضمون لا دليل عليها.

و أما الانصراف ففيه: ليس في البين انصراف أولا و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا فلا عبرة به في تقييد الإطلاق.

و اما خبر السكوني عن جعفر بن محمد عليهما السّلام انه سئل ما بال البدنة تقلد النعل و تشعر؟ فقال: أما النّعل فيعرف انها بدنة و يعرفها صاحبها بنعله و أما الاشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها فلا يستطيع ان يتسنّمها «1» ففيه انه يقصّر عن معارضة ما تقدم من الاخبار، فينبغي حمله على الكراهة أو على صورة الإضرار، لأن الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لم يعملوا بظاهره فترفع اليد عن ظاهره، لان تسالمهم على خلافه يوجب المنع عن الاعتماد عليه مضافا الى اختصاصه بالرّكوب.

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- ان ظاهر كلام المصنّف «ما لم يضرّ به. أو بولده» عدم جواز ركوبه و شرب لبنه إذا استلزم ذلك.

الثاني- ان إطلاق قوله عليه السّلام: «ثم أنحرها جميعا» في صحيح سليمان بن خالد المتقدّم يشمل إذا كان الولد موجودا حال السياق و سيق معها أو ولد بعده من غير فرق بين قصد سوقه مع الأم و عدمه و يؤيّد ذلك صحيح معاوية بن عمّار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: في رجل ساق بدنة فنتجت؟ قال: ينحرها و ينحر ولدها و ان كان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 236

و كل هدى واجب- بغير الإشعار أو التقليد- كالكفارات لا

يجوز ان يعطي الجزار منها شيئا و لا أخذ شي ء من جلودها (1)

الهدي مضمونا فهلك اشترى مكانها و مكان ولدها «1» نعم لو ولد حال السّياق و لم يقصد سوقه لم يجب ذبحه، للأصل بناء على ظهور الاخبار في غيره فلو أضرّ به شرب اللّبن حينئذ فلا ضمان، لكونه ماله.

الثالث- اما الصّوف و الشّعر: ففي المدارك نسبة الى الأصحاب: «انه ان كان موجودا عند التّعيين تبعه، و لم يجز إزالته إلا ان يضرّ به فيزيله و يتصّدق به على الفقراء و ليس له التّصرف فيه و لكن لو تجدّد بعد التعيين كان كاللّبن و الولد» و لكن لا يخفى: ان المتّجه- كما افاده صاحب الجواهر «قدّس سرّه»- مع عدم النّص فيه بالخصوص مراعاة القواعد في المتجدّد بالنسبة إلى بقاء الهدي على ملك صاحبه و عدمه كالهدي المتبرع به و غيره مما كان معينا بنذر و نحوه و قلنا بخروجه عن الملك، فيحكم في الأول بجواز التّصرف فيه بما شاء بخلاف الثّاني.

على ان قوله: «كاللّبن و الولد» غير واضح الوجه فتأمل.

(1) عدم جواز إعطاء شي ء من الهدي الواجب عوضا عن ذبحه بغير الاشعار و التقليد- كهدي الكفّارات و الفداء و النذر و نحو ذلك- مما لا اشكال فيه، و يدل عليه قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: «و لا تعطه الجزارين» و قال عليه السّلام:

نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يعطى جلالها و جلودها و قلائدها الى الجزّارين و أمره ان

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 237

..........

يتصّدق بها «1». و في صحيحة الآخر قال: نحر رسول اللّه صلّى اللّه عليه

و آله بدنة و لم يعط الجزّارين «من» جلودها و قلائدها و لا جلالها، و لكن تصدّق به و لا تعط السلاخ منها شيئا، و لكن أعطه من غير ذلك «2» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السلام. و لكن يعارضها ما في خبر صفوان بن يحيى الأزرق قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام الرجل يعطي الأضحية من يسلخها بجلدها؟ قال: لا بأس به انما قال اللّه عز و جل: «فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا.» و الجلد لا يؤكل و لا يطعم «3» و لعله لذلك و الأصل ذهب ابن إدريس- على ما حكى عنه- إلى كراهة إعطاء الجزّار الجلد، جمعا بين ذلك و بين ما دل على عدم جواز الإعطاء.

الا ان يناقش في خبر صفوان بن يحيى الأزرق بأنه ورد في الأضحية المندوبة فلا يعارض ما تقدم من الاخبار.

اللهم الا ان يقال بظهور الاستدلال- و هو قوله عليه السّلام: «انما قال اللّه عز و جل (فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا.) و الجلد لا يؤكل و لا يطعم»- في العموم ان لم نقل بأنه صريح فيه فتأمّل.

و لكن التحقيق انه لا عبرة به لأن إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه مانع عن الاعتماد عليه، ثم انّه بعد الغضّ عن ذلك يتمّ ما ذهب اليه ابن إدريس من الكراهة لأنه مقتضى الجمع بين الاخبار، لان الجمع العرفي يقتضي حمل الأخبار

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 238

و لا أكل شي ء منها فإن أكل تصدق بثمن

ما أكل (1)

المتقدمة الدالة بظاهرها على حرمة إعطاء الجلد الى الجزار على الكراهة بقرينة نفي البأس الذي تضمنه خبر منصور، لكونه نصّا في جواز ذلك، و قد ذكرنا غير مرّة ان حكومة النّص على الظّاهر من أجل الحكومات.

هذا كله إذا كان إعطاء الجزّار الإهاب و القلائد و الجلال على وجه الأجرة و اما إذا كان على وجه الصّدقة مع كونه من أهلها فلا بأس به، كما صرح به في المدارك و اما إعطاء اللحم فكذلك لا يجوز إلا إذا كان على وجه الصّدقة، لكونه من أهلها و سيظهر لك وجهه (ان شاء اللّه تعالى).

(1) قال في الجواهر: «وفاقا للمشهور، بل في محكي المنتهى و التذكرة: (لا يجوز الأكل من كل واجب غير هدى التّمتّع ذهب إليه علمائنا اجمع) مضافا الى تعلّق حقّ الفقراء سيّما في نحو النّذر.»

تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على ذكر الأخبار الواردة في المقام و الاخبار الواردة في المقام تكون على طائفتين:

الأولى: ما دلت على عدم جواز الأكل من الهدي الواجب في غير هدي التمتع- منها 1- خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: إذا أكل الرجل من الهدي تطوّعا فلا شي ء عليه و ان كان واجبا فعليه قيمة ما أكل «1».

2- ما رواه أبو بصير- يعنى ليث بن البختري قال: سألته عن رجل أهدى هديا فانكسر؟ فقال: ان كان مضمونا و المضمون ما كان في يمين يعنى نذر أو جزاء فعليه فداؤه، قلت: أ ياكل منه؟ فقال: لا. انما هو للمساكين فان لم يكن مضمونا فليس عليه شي ء، قلت: أ يأكل منه؟ قال: يأكل منه «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 5

(2) الوسائل

ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 16

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 239

..........

3- خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه ان علي بن ابى طالب عليه السّلام كان يقول: لا يأكل المحرم من الفدية و لا الكفّارات و لا جزاء الصيد و يأكل مما سوى ذلك «1».

4- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الهدي إذا عطب قبل ان يبلغ المنحر أ يجزي عن صاحبه؟ فقال: ان كان تطوّعا فلينحره و ليأكل منه و قد أجزأ عنه بلغ المنحر أو لم يبلغ فليس عليه فداء و ان كان مضمونا فليس عليه ان يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ و عليه مكانه «2».

5- مرسلة المفيد في المقنعة قال: قال عليه السّلام: من ساق هديا مضمونا في نذر أو جزاء فانكسر أو هلك فليس له ان يأكل منه و يفرّقه على المساكين و عليه مكانه بدل منه و ان كان تطوّعا لم يكن عليه بدله و كان لصاحبه ان يأكل منه «3».

6- مرسل حريز (في حديث) يقول في آخره ان الهدي المضمون لا يؤكل منه إذا أعطب فإن أكل منه غرم «4» الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ذلك.

الثانية- ما دلت جواز الأكل من الهدي الواجب- منها:

1- صحيح معاوية بن عمّار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل اهدى هديا فانكسرت؟ فقال: ان كانت مضمونة فعليه مكانها و المضمون ما كان نذرا أو جزاء أو يمينا، و له أن يأكل منها فان لم يكن مضمونا فليس عليه شي ء «5».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 27

(2) الوسائل ج 2 الباب 25

من أبواب الذبح الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 10

(4) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 26

(5) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 240

..........

2- ما رواه جعفر بن بشير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن البدن التي تكون جزاء الايمان و النساء و لغيره يؤكل منها؟ قال: نعم يؤكل من كل البدن «1».

3- ما رواه عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: يؤكل من الهدي كله مضمونا كان أو غير مضمون «2».

4- ذيل خبر إسحاق بن عمار و قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام الرّجل يخرج من حجّته ما يجب عليه الدّم و لا يهريقه حتى يرجع الى أهله؟ قال: يهريقه في اهله و يأكل منه الشّي ء «3».

5- خبر عبد الملك القمّي عن الصادق عليه السّلام قال: يؤكل من كل هدي نذرا كان أو جزاء «4» الى غير ذلك من الأخبار الدالة على ذلك فتقع المعارضة بينهما، لدلالة الطائفة الأولى على عدم جواز الأكل منه و دلالة الطائفة الثانية على جوازه منه.

و يمكن ان يقال، انه لا معارضة بينهما لان الجمع العرفي بينهما يقتضي حمل الطائفة الأولى الدّالة بظاهرها على حرمة الأكل على الكراهة، بقرينة أخبار الطائفة الثّانية، لكونها نصا في الجواز، و قد ذكرنا غير مرّة: ان النصّ مقدّم على الظّاهر.

و لكن الذي يسهّل الخطب هو ان دليل الاعتبار لا يشمل الطائفة الثانية، لأن إعراض الأصحاب «رضوان اللّه عليهم» عن العمل بها يوجب سقوطها عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب

40 من أبواب الذبح الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الذبح الحديث 1

(4) ذكر في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 241

و من نذر ان ينحر بدنة فان عين موضعا وجب و ان أطلق نحرها بمكة (1).

و يستحب ان يأكل من هدي السياق و ان يهدي ثلثه و يتصدق بثلثه كهدي التمتع (2).

الحجية فتأمّل.

(1) يشهد له خبر محمد عن ابى جعفر عليه السّلام قال: عليه بدنة ينحرها بالكوفة؟

فقال عليه السّلام: إذا سمى مكانا فلينحر فيه «1». و خبر إسحاق الأزرق الصائغ قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جعل للّه تعالى عليه بدنة ينحرها بالكوفة في شكر فقال عليه السّلام لي: عليه أن ينحرها حيث جعل للّه تعالى عليه و ان لم يكن سمّى بلدا فإنه ينحرها قبالة الكعبة منحر البدن «2».

ان قلت: ان الخبر ضعيف سندا قلت: ان ضعفه منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و به يخرج عن إطلاق النّذر مع انه غير ظاهر فان الظاهر ان الهدي و البدنة اسم لما ينحر بمكة فيكون نذره نذر له و التّقييد بغير مكة حين النذر يقتضي ان يكون المراد بالمنذور ما هو أعمّ من ذلك و على ذلك يظهر لك انه لا تعبّد في خبر إسحاق الأزرق الصائغ فلاحظ و تأمل.

(2) استحباب الأكل من أكل السياق غير الواجب- من كفارة أو نذر للصّدقة- و استحباب إهداء ثلثه و التّصدق بثلثه انما يكون لأجل موثّق شعيب العقرقوفي، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكة قلت: فأي

______________________________

(1) ذكر في الجواهر

(2) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب الذبح الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص:

242

و كذا الأضحية (1)

شي ء أعطي منها قال: كل ثلثا و تصدق بثلث و اهد ثلثا «1» و نحوه غيره من الاخبار ثم انه لم يقيّد المصنف و الفاضل الأكل بالثلث، لتعذره أو تعسّره غالبا، فيكفي فيه المسمّى و لعل الأمر به فيه محمول على إرادة أكل أهله معه أو من يقوم مقامهم و لكن ذهب بعض الى وجوب التّثليث- و هو خيرة ابن إدريس- كما في هدي التّمتع، لان ظاهر إطلاق الأمر بالنسبة إلى الأكل و الإهداء و التّصدق هو كونه بداعي الجدّ في الجميع فلا بد من الحكم بالوجوب إلا إذا ثبت خلافه بالدّليل و قد تقدم تفصيل الكلام عن هذا الموثّق و غيره عند البحث عن هدي التمتّع فراجعه

(1) اي يستحب أن يأكل منها ثلثا و يهدي ثلثا و يتصدّق بثلث لقول أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة له: «و إذا ضحّيتم فكلوا و أطعموا و أهدوا و احمدوا اللّه على ما رزقكم من بهيمة الانعام» «2» و لخبر ابي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لحوم الأضاحي فقال: كان علي بن الحسين و أبو جعفر عليهما السّلام يتصدّقان بثلث على جيرانهم، و ثلث على السؤال، و ثلث يمسكانه لأهل البيت «3» و ظاهر الأول- كما ترى- هو الوجوب، إلا ان تسالم الأصحاب على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور، و كيف كان فقد تقدّم تفصيل الكلام عن هذا في هدي التمتّع فراجعه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 18

(2) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 23

(3) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 13

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 4، ص: 243

[الخامس: في الأضحية]

الخامس: في الأضحية (1) [1]

(1) لا ينبغي الإشكال في كون الأضحية مستحبا مؤكدا و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر «إجماعا بقسميه» و قد عبر عنها بالوجوب في بعض رواياتها و لا بأس هنا بذكر بعض رواياتها تيمنا- منها:

1- صحيح محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال: الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير و هي سنة «1».

2- ما رواه عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن الأضحى أ واجب هو على من وجد لنفسه و عياله؟ فقال: أما لنفسه فلا يدعه، و اما لعياله ان شاء تركه «2».

3- ما رواه العلاء بن الفضيل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام ان رجلا سأله عن الأضحى، فقال: هو واجب على كل مسلم الا من لم يجد، فقال له السائل: فما ترى في العيال؟ فقال: ان شئت فعلت و ان شئت لم تفعل فأمّا أنت فلا تدعه «3».

______________________________

[1] الأضحية: «بضم الهمزة و كسرها و تشديد الياء» على ما هو المعروف من اللغة فيها، و ان جاء على ما في مجمع البحرين فيها ايضا ضحية- كعطية- و الجمع: ضحايا كعطاياها، و أضحات بفتح الهمزة- كارطاة- و الجمع: اضحى- كارطى- و ربما كان هو الظاهر من الأضحى في بعض النصوص الآتية» و المراد منها مما يذبح أو ينحر من النعم يوم عيد الأضحى و ما بعدها إلى ثلاثة أيام أحدها يوم العيد أو أربعة كذلك، بل لعل وجه تسميتها بذلك لذبحها في الضّحى غالبا بل سمّي العيد بها.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 3

(2) الوسائل

ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 244

و وقتها بمنى أربعة أيام أولها يوم النحر و في الأمصار ثلاثة (1). و يستحب الأكل من الأضحية (2)

4- خبر ابي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: ما علّة الأضحية؟ فقال له: انه يغفر لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها على الأرض. «1».

و لأجل بعض ما تقدم ظن الإسكافي وجوبها لكنه لا عبرة به، لما عرفت من تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه، مضافا الى النبوي الذي نقل في الجواهر (كتب على النحر و لم يكتب عليكم) و في المرسل: «ضحّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بكبشين ذبح واحدا بيده و قال: اللّهم هذا عنّي و عمّن لم يضح من أهل بيتي و ذبح الآخر و قال: اللّهم هذا عنّي و عمّن لم يضح من أمّتي «2» و نحوه غيره، فلا بأس بإرادة من لفظ الوجوب على معنى كونه مندوبا مؤكدا، فتأمل.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع عليه) و استدل لذلك بصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال:

أربعة أيام، و سألته عن الأضحى في غير منى؟ فقال: ثلاثة أيام، فقلت: فما تقول في مسافر قدم بمد الأضحى بيومين، إله أن يضحّي في اليوم الثالث؟ فقال: نعم «3» و موثّق عمار الساباطي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الأضحى بمنى؟ فقال: أربعة أيام، و عن الأضحى

في سائر البلدان فقال: ثلاثة أيام «4».

(2) لما عرفته في صدر المبحث.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 11

(2) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 245

و لا بأس باذخار لحمها (1). يكره ان يخرج به من منى (2)

(1) و استدل لذلك بخبر ابى الصباح الكناني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ثم اذن فيها، فقال كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك و ادخروا «1» و صحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال:

كان النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى ان تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة فأما اليوم فلا بأس به «2» و في المرسل قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كنا ننهي عن خروج لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، لقلة اللحوم و كثرة الناس، فاما اليوم فقد كثر اللحم و قل الناس فلا بأس بإخراجه «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم عليهم السلام و قد تقدم تحقيق الكلام و نقل الأخبار الواردة في هذا المقام في البحث عن هدي التمتع فراجعه

(2) يمكن الاشكال على ما أفاده المصنف «قدّس سرّه» هنا من القول بكراهة إخراج الأضحية من منى بملاحظة الأخبار المتقدّمة، و كيف كان فقد ذهب بعض من الأصحاب إلى الحرمة، و هو المحكي عن النّهاية و المبسوط و التّهذيب، و استدل له بخبر علي بن حمزة عن أحدهما عليهما

السّلام قال: لا يتزود الحاج من لحم أضحيته و له ان يأكل منها بمنى أيامها، قال و هذه مسألة شهاب كتب اليه فيها «4» و ما رواه احمد بن محمد عن علي عن أبي إبراهيم عليه السّلام لا يتزوّد الحاجّ من أضحيته و له ان يأكل منها أيامها إلا السّنام، فإنه دواء، قال احمد و قال: لا بأس ان يشترى الحاج من لحم منى و يتزوّده «5».

و لكن التّحقيق: انه لا يتم القول لا بالحرمة و لا بالكراهة، أما الحرمة فلان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 6

(4) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 3

(5) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 246

..........

مقتضى الجمع بين هذه الاخبار و الاخبار المتقدمة هو رفع اليد عن ظاهر هذه الاخبار الدالة على الحرمة بقرينة الأخبار الدّالة على الجواز، لكونها نصا فيه، و قد ذكرنا غير مرّة ان حكومة النصّ على الظّاهر من اجلى الحكومات.

و اما الكراهة فلقصور الخبرين عن إثباتها، لضعفهما و معارضتهما بما تقدم من الاخبار مما فيها من الصّحاح.

و اما القول بأنه يمكن الحكم بالكراهة بقاعدة التّسامح في أدلّة السّنن المستفادة من اخبار: «من بلغ» و فيه: انه بعد الغض عن تعدّد الاحتمالات المتصورة في مفادها من كونها إنشاء لحكم أصولي- و هو حجّية الخبر الضّعيف- أو إنشاء لحكم فقهي- و هو استحباب نفس العمل- أو إخبارا عن ترتّب الثّواب الموعود على العمل- على التفصيل الذي بيّناه في الأصول و تسليم

تمامية دلالتها انها تختص بالمستحبات و التّعدي عن موردها الى المكروهات بان يكون الخبر الضّعيف حجة في المكروهات أو يكون الفعل مكروها يحتاج الى الدّليل و هو مفقود.

لا بأس هنا بذكر أمور: الأول- ان الشّيخ «قدس سره» و ان عبّر بعدم الجواز في التهذيب إلا انه يريد منه الكراهة بقرينة تصريحه بها في الاستبصار مع انه قال قيل ذلك: (و لا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام و ادخارها) مستدلا عليه بجملة من النصوص السّابقة و لا ريب: ان الادخار بعد ثلاثة أيّام لا يكون غالبا إلا بعد الخروج من منى، لانه بعد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 247

و لا بأس بإخراج ما يضحيه غيره (1)

الثلاث لا يبقى فيها أحد، فلو لا ان المراد بقوله: «لا يجوز» الكراهة لحصل التّنافي بين كلاميه، إلا ان يحمل جواز الادخار على غير مني أو على ما لا يجامع الخروج به من منى (على ما في الجواهر).

الثاني- قال في الجواهر أشكل على بعض من منافاة هذه النّصوص- الدالة على حرمة الإخراج بظاهرها- لما اتفقوا عليه ظاهرا من استحباب التّثليث في الأضحية المقتضي لعدم بقاء شي ء في يده الا الثلث الذي هو في يده له ان يتصرف فيه كيف ما شاء، مع انه لا يزيد غالبا على مصرفه في ثلاثة أيام منى حتى ينهي عن إخراجه ثم يؤمر به و يعلل بوجود المستحقّ و عدمه، إذ لا يتعلق به حق المستحق بعد إخراج حق المستحقين. اللّهم إلا ان يحمل استحباب التثليث على صدر الإسلام من حيث قلة اللحوم و كثرة الناس و انه بعد ذلك سقط هذا الحكم، لعدم من يتصدق به عليه و من يهدي له بسبب

كثرة اللّحم و قلّة النّاس، فلا بأس بإخراج اللحم و ادخاره و عدم صرفه في ذلك المصرف الموظف، إلا ان هذا لا يلائم كلام الأصحاب، لاتّفاقهم على استحباب هذا الحكم في جميع الأعصار، و هو كما ترى من غريب الكلام، ضرورة: عدم التّنافي بين الاستحباب المزبور و كراهة الادخار و الإخراج إذا لم يأت بالمستحبّ أو في ثلاثة خاصة، كما هو واضح.

(1) إذا كان قد اهدى اليه أو تصدّق به عليه أو اشتراه، للأصل بعد اختصاص الخبرين السابقين على فرض تماميتهما بأضحيته على ان في الثّاني منهما من قول احمد: (قال: و لا بأس ان يشتري الحاج من لحم مني و يتزوّده) فتأمل.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 248

و يجزى الهدى الواجب عن الأضحيّة المندوبة و الجمع بينهما أفضل (1).

و من لم يجد الأضحية تصدق بثمنها فان اختلفت أثمانها جمع الأعلى و الأوسط و الأدون و تصدّق بثلث الجميع (2)

(1) لصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: يجزيه في الأضحية هديه و في نسخة: (يجزئك من الأضحية هديك) «1» و صحيح الحلبي (يجزي الهدي عن الأضحية) و ربما كان في لفظ الإجزاء إشعارا أو ظهورا من ان الجمع بينهما أفضل- كما أفاده في الجواهر- مضافا الى ما قيل: من ان فيه فعل المعروف و نفع المساكين فتأمل.

ثم ان ظاهر الصحيحين- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» اجزاء مطلق الهدي عنها- كما عن النهاية و الوسيلة و المنتهى و التذكرة و التحرير- خلافا للقواعد و الدروس، فقيداه- كالمتن- بالواجب، بل في النافع و التخليص و التبصرة: التقييد بهدي التمتع، و لعله لدعوى الانصراف و لكن فيه ما لا يخفى: لعدم الانصراف في البين

أولا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، و قد ذكرنا غير مرّة ان الانصراف المعتبر هو ما إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرّح بخروج المنصرف عنه عن تحت الإطلاق كان توضيحا للواضح، و كونه في المقام كذلك غير معلوم، فلا يكون من الانصراف الصّالح للتّقييد.

(2) لخبر عبد اللّه بن عمر عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: كنّا بالمدينة فأصابنا غلا في الأضاحي، فاشترينا بدينار، ثم بدينارين، ثم بلغت سبعة. ثم لم يوجد بقليل و لا كثير، فوقع هشام المكاري الى ابى الحسن عليه السّلام فأخبره بما اشترينا و انّا لم نجد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 249

و يستحب ان يكون الأضحية بما يشتريه و يكره بما يربيه (1)

بعد فوقع عليه السّلام اليه انظروا الى الثّمن الأوّل و الثّاني و الثّالث فاجمعوا ثم تصدّقوا بمثل ثلثه «1» و في الجواهر (و الظاهر كما صرح به غير واحد ان المراد التصدّق بقيمة منسوبة الى ما كان من القيم، فمن الاثنين النصف، و من الثلاث، الثلث، و من الأربع الربع، و هكذا. و قد تقدم ذكر هذا الحديث في لزوم بيع التّجمل للهدي و عدمه فراجعه.

(1) لخبر محمد بن الفضيل عن ابي الحسن عليه السّلام قال: قلت جعلت فداك: كان عندي كبش سمين لاضحي به فلما أخذته و أضجعته نظر الي فرحمته و رفقت له ثم انى ذبحته؟ قال: فقال لي: ما كنت أحبّ ان تفعل، لا تربين شيئا من هذا ثم تذبحه «2» و في المرسل قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام: لا يضحى باثنين من الدّواجن [1]

«3» و هو يقتضي كراهية الأعم من الأول.

______________________________

[1] الدواجن جمع داجن، و هي الشاة التي تألف البيوت، كما عن الجوهري.

و عن القاموس: دجن بالمكان دجونا أقام، و الحمام و الشاة و غيرهما ألفت و هي دجن، و تسمى الدواجن رواجن ايضا.

قال في محكي القاموس رجن بالمكان رجونا: اقام، و الإبل و غيرها ألفت و دابته حبسها في المنزل على العلف.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 61 من أبواب الذبح الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 61 من أبواب الذبح الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 250

و يكره ان يأخذ شيئا من جلود الأضاحي (1). و ان يعطيها الجزّار (2).

و الأفضل ان يتصدق بها (3)

(1) لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها أن يجعلها جرابا؟ قال: لا يصلح ان يجعلها جرابا الا أن يتصّدق بثمنها «1».

(2) للنّهي عنه في صحيح معاوية و هو ما عنه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام. و قال:

نحر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بدنة و لم يعط الجزّارين من جلودها و لا قلائدها و لا جلالها، و لكن تصدق به، و لا تعط السلاخ منها شيئا، و لكن أعطه من غير ذلك «2» و نحوه غيره من الاخبار و ظاهره- كما ترى- هو الحرمة، الا انه ترفع اليد عنه لأجل قوله عليه السّلام في خبر صفوان بن يحيى الأزرق قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام: الرجل يعطي الأضحية من يسلّخها بجلدها؟ قال: لا بأس به، انما قال اللّه عز و جل «فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا» و الجلد

لا يؤكل و لا يطعم «3» و قوله عليه السّلام في المرسل: (انه انما يجوز للرجل ان يدفع الأضحية الى من يسلخها بجلدها. «4».

(3) لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (و لكن تصدّق بثمنها) و نحوه غيره من الاخبار.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 8

(4) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 251

[في الحلق أو التّقصير]

(في الحلق أو التّقصير) الثالث في الحلق أو التّقصير (1)

(3- الحلق أو التّقصير)

(1) من مناسك منى يوم النّحر هو الحلق و لا ينبغي الإشكال في كونه واجبا و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا، بل عن المنتهى: «انه ذهب إليه علمائنا أجمع» إلا في قول شاذ للشيخ في التّبيان انه مندوب مع ان المحكيّ عن الشيخين أنهما إنما جعلاه مسنونا- كالرّمي- و عن ابن إدريس انه فهم في الرّمي الواجب بغير نصّ الكتاب، و لكنه حكى عن النهاية ان الحلق أو التقصير مندوب غير واجب، و عن مجمع البيان الندب ايضا، بل ربما كان ظاهره اتفاق الأصحاب عليه. و كيف كان فلا شك في ضعف هذا القول. و استدل لوجوبه في الجواهر بوجوه لا تخلو بعضا منها من المناقشة و الاشكال، و هي التأسي، و النّصوص الموجبة للحلق على الملبّد أو الصّرورة المخيّرة لغيرهما بينهما، و الآمرة بهما إذا نسي حتى نفرا و اتى مكة، و بالكفارة إذا طاف قبلهما، و المعلّقة للإحلال عليهما و خبر سعيد الأعرج: «فان لم يكن عليهن

ذبح فليأخذن من شعورهنّ و يقصّرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكّة».

ثم لا يخفى ان المشهور- كما في المدارك- ان وقته يوم النّحر بعد ذبح الهدى أو حلوله في رحله على القولين، و هذا القول هو الّذي يقتضيه الاحتياط، للاتفاق على كونه وقتا لذلك و الشّك فيما عداه.

و حكى عن ابى الصلاح جواز تأخيره إلى آخر أيّام التّشريق، و لكن لا يزور

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 252

فإذا فرغ من الذبح فهو مخير ان شاء حلق و ان شاء قصر و الحلق أفضل و يتأكّد في حق الصّرورة و من لبّد شعره و قيل لا يجزيه الا الحلق و الأول أظهر (1)

البيت قبله، بل عن الفاضل في المنتهى و التذكرة: انه استحسنه، لان اللّه تعالى بين أوله بقوله (حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) و لم يبين آخره، فمتى اتى به اجزء، كالطواف للزّيارة و السعى).

(1) ما افاده المصنف «قدس سره» من التخيير بين الحلق و التقصير انما يتم في الحاجّ و المعتمر مفردة دون ما إذا كان صرورة أو ملبّدا اي جعل في رأسه عسلا أو صمغا لئلا يتسخ أو يقمّل، أو معقوصا، فإن هؤلاء يتعيّن عليهم الحلق وفاقا لجماعة من أعاظم القدماء «قدّس اللّه تعالى أسرارهم».

أما وجوب الحلق معيّنا على من لبّد رأسه أو عقصه فيدل عليه صحيح معاوية ابن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: ينبغي للصّرورة أن يحلق، و ان كان قد حجّ، فان شاء قصر و ان شاء حلق فإذا لبّد شعره أو عقّصه فان عليه الحلق و ليس له التقصير «1» و ما رواه هشام بن سالم قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا عقص الرّجل رأسه

أو لبّده في الحجّ أو العمرة فقد وجب عليه الحلق «2» و صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه قال: سمعته يقول: من لبّد شعره أو عقّصه فليس له ان يقصّر، و عليه الحلق، و من لم يلبّده تخيّر ان شاء قصر و ان شاء حلق، و الحلق أفضل «3» و صحيح معاوية عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا أحرمت فعقّصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق و ليس لك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 15

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 253

..........

التّقصير و ان أنت لم تفعل فمخيّر لك التّقصير و الحلق في الحجّ، و ليس في المتعة إلا التّقصير «1».

و اما الصّرورة فيمكن الاستدلال على وجوب الحلق عليه تعيينا بالحديث الأول فإن مفهوم قوله عليه السّلام فيه: «و ان كان قد حج فان شاء قصر و ان شاء حلق» هو انه لم يكن قد حج فليس مخيرا، بل عليه الحلق تعيينا و هذا صارف عن ظهور كلمة (ينبغي) التي تضمنها- صحيح معاوية بن عمار- في الاستحباب، و لا أقل من حصول الإجمال، فلا يصلح لفظ (ينبغي) فيه للمعارضة مع الاخبار الآتية الدالة على تعيين الحلق عليها، و ذلك لعدم وجود قرينة على صرفها عن ظاهرها.

و كيف كان فاستدل على وجوب الحلق تعيينا على الصّرورة بخبر ابي سعيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: يجب الحلق على ثلاثة نفر: رجل لبد، و رجل حج بدوا لم يحج من قبلها و رجل عقص رأسه «2».

و لا يخفى:

ان المراد من الوجوب فيه هو الوجوب الاصطلاحي بقرينة جعله في سياق الملبّد و المعقوص، فليس المقصود هو مطلق ثبوت الحلق على الصّرورة.

بل قد يقال بتعيين الحلق على الصرورة و ان كان ذلك عسريا عليه، لما رواه عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق قال: ان كان قد حج قبلها فليجز شعره و ان كان لم يحجّ فلا بد له من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 254

..........

الحلق «1» و به يقيّد إطلاق دليل نفي العسر و الحرج.

ثم انه يقع الكلام في ان المراد هو وجوب الحلق على من لم يحجّ قبل و لو غير حجة الإسلام أو اللّازم في ثبوت التّخيير كونه حج حجّة الإسلام؟؟

مقتضى إطلاق بعض الاخبار هو ارادة مطلق الحج و لو غير حجة الإسلام- كما ان معنى الصرورة من لم يحج أصلا- لكن يقيد بخبر ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: على الصّرورة أن يحلق رأسه و لا يقصّر انما التّقصير لمن قد حج حجة الإسلام «2» و مقتضاه- كما ترى- ان المراد من الصرورة هو من لم يحج حجة الإسلام فيما ان حجة الإسلام تكون اخصا من مطلق الحجّ، فيقيّد إطلاق غيره مما دل على ان المراد من لم يحجّ مطلقا.

ان قلت: انه لا يتم في المقام قانون حمل المطلق على المقيّد، لكونهما مثبتين.

قلت: انهما و ان كانا مثبتين، لكنهما من قبيل صرف الوجود، فلا بد من التّقييد ثم انه ورد عن سليمان بن مهران (في

حديث) انه قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف صار الحلق على الصّرورة واجبا دون من قد حجّ؟ قال: ليصير بذلك موسّما بسمة الآمنين، الا تسمع قول اللّه عز و جل «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لٰا تَخٰافُونَ» «3».

يمكن الاستدلال به على عدم وجوب الحلق تعيينا على الصّرورة، لمكان تعليله بصيرورته موسّما بسمة الآمنين الذي لا يصلح جعله علة للوجوب فيدل على الاستحباب

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الذبح الحديث 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 255

..........

و على ذلك ترفع اليد عن ظاهر الاخبار المتقدّمة الدّالة على وجوب الحلق على الصّرورة تعيينا.

ثم ان تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقف على ذكر الأمور التالية:

الأول- ان الظاهر من حلق الرأس المذكور في الاخبار هو حلق تمامه كما هو الظاهر من غسل الوجه في قوله تعالى: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ.» و من مسح الرأس في قوله تعالى «وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ» لولا الباء، و لذا أورد زرارة الذي هو من أهل اللسان على الامام عليه السّلام ان مقتضى الآية مسح تمام الرأس فكيف يستفاد كفاية مسح البعض منه، فأجابه عليه السّلام لمكان الباء و كيف كان فما ذهب اليه صاحب المستند (قدس سره) من كفاية المسمى منه- اي من الحلق- يكون مشكلا.

يمكن ان يستدل على كفاية المسمى منه بما رواه غياث بن إبراهيم عن جعفر عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: السنة في الحلق ان تبلغ العظمين «1» و بما رواه موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية عن ابي جعفر

عليه السّلام قال: أمر الحلاق ان يضع الموسى على قرنه الأيمن. ثم أمره أن يحلق و سمى هو، و قال: اللّهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة «2» و لكن فيهما ما لا يخفى من المناقشة و الاشكال.

أما عدم دلالة الأول على كفاية المسمّى فلأنه إذا بلغ العظمين فمن المعلوم انه تجاوز الحلق عن الرأس، فعليه لا يبقى مجال للقول بان قوله عليه السّلام: (السنة في الحلق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 256

و ليس على النساء حلق (1)

ان تبلغ العظمين) يدل على كفاية الأقل من حلق تمام الرأس.

و أما عدم دلالة الثاني على كفاية مسماه فلو ردوه- كما ترى- في بيان كيفية الحلق فلا ربط له لما نحن بصدد إثباته.

الثاني- ان مقتضى إطلاق الاخبار المتقدمة هو كفاية المسمى من التقصير و فيه بحث سيأتي في الفرع الآتي عند البحث عن حكم المرية.

الثالث- ان في مورد التخيير بين الحلق و التقصير يكون الحلق أفضل- كما عرفته في كلام المصنف و استدل لذلك بصحيح الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: استغفر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للمحلّقين ثلاث مرات. إلخ «1» و بحسن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم الحديبية: اللهم اغفر للمحلقين مرتين، قيل و للمقصّرين يا رسول اللّه؟ قال: و للمقصّرين «2». و بما رواه سالم ابي الفضل قال قلت:

لأبي عبد اللّه عليه السّلام دخلنا بعمرة نقصّر أو نحلق؟ فقال: احلق، فان رسول اللّه صلّى

اللّه عليه و آله ترحّم على المحلّقين ثلاث مرّات و على المقصّرين مرّة واحدة «3».

الرابع- انه إذا اختارت المرأة الحلق يحكم بعدم اجزائه، لورود النهي عنه فيها و يحكم مضافا الى ذلك- بثبوت الكفارة عليها لوقوع الحلق على الفرض قبل ان تحل و الحلق من التروك.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 257

و يتعين في حقهن التّقصير (1) و يجزيهن منه و لو مثل الأنملة (2).

و حديثا بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده بل في التحرير و المنتهى الإجماع عليه).

و يدل عليه ما في وصيّة النّبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام قال: يا علي ليس على النساء جمعة الى ان قال: و لا استلام الحجر و لا حلق «1». و صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

ليس على النساء حلق و يجزيهن التّقصير «2» بل حكموا بحرمته عليها، و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع و يدل على ذلك ما في المرسل نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان تحلق المرأة رأسها «3» بناء على إرادة الإطلاق لا في خصوص الإحلال فقط بعد جبره بالشّهرة.

(1) لا ينبغي الإشكال فيه و يدلّ عليه- مضافا الى اتفاق الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم) خبر علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام (في حديث) قال: و تقصّر المرأة، و يحلق الرّجل و ان

شاء قصّر ان كان قد حجّ قبل ذلك «4» و نحوه غيره من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السّلام).

(2) كما في القواعد و النافع و محكي التّهذيب و النّهاية و المبسوط، لمرسل ابن ابي عمير (تقصّر المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الأنملة) «5» لا يخفى ان المستفاد من كلام المصنف «قدس سره» ان أقل ما يمكن الاكتفاء في التّقصير هو مقدار الأنملة، الا ان المحكي عن المختلف و غيره انه كناية عن المسمّى بل قيل هو ظاهر المنتهى و التّذكرة للأصل مع عدم ثبوت الزيادة و إطلاق الأخذ من الشعر في صحيح سعيد الأعرج انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النساء؟ فقال: ان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 3

(3) المذكور في الجواهر

(4) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(5) المذكور في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 258

و يجب تقديم «الحلق» و التقصير على زيارة البيت لطواف الحج و السعي (1)

شعورهن و يقصّرن من أظفارهن «1» و ترك الاستفصال في حسن الحلبي قال له: اني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم اقصر؟ قال عليك بدنة، قال قلت: اني لما أردت ذلك منها و لم تكن قصرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها؟ فقال:

رحمها اللّه كانت أفقه منك عليك بدنة و ليس عليها شي ء «2».

ثم انه يظهر من القواعد و غيره تحقق التّقصير بذلك الرجل، للأصل و لقول الصادق عليه السّلام في خبر عمر بن يزيد ثم ائت منزلك تقصر من شعرك

و حلّ لك كل شي ء «3» و إطلاق حسن الحلبي المتقدّم الا انه كما ترى لا تقدير فيهما بالأنملة التي لا يتوقّف صدق التّقصير من الشّعر عليها عرفا، كما هو واضح.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه و في كشف اللثام، كأنه لا خلاف فيه، و في المدارك: لا ريب في وجوب تقديمهما على زيادة البيت للتأسّي و الاخبار الكثيرة و لعلّ مراده ما تسمعه من النصوص الآمرة بإعادته للنّاسي أو مطلقا و بالشّاة للعالم. إلخ) و كيف كان فقد يقتضي ما ذكره المصنف «قدّس سرّه» في هذا المقام صحيح محمد بن مسلم الآتي الدال على لزوم الشاة عليه لو خالف، لكن ظاهر صحيح جميل بن دراج خلافه و هو، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزور البيت قبل ان يحلق؟ قال: لا ينبغي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(2) المذكور في الجواهر

(3) المذكور في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 259

و لو قدم ذلك على التّقصير عامدا جبره بشاة (1)

الا ان يكون ناسيا، ثم قال: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم:

يا رسول اللّه اني حلقت قبل اذبح و قال بعضهم: حلقت قبل أرمي فلم يتركوا شيئا كان ينبغي ان يؤخّروه إلا قدّموه؟ فقال: لا حرج «1» فالعمدة في المسألة دعوى الإجماع عليه. فتأمل.

و كيف كان فلو خالف أعاد بما يحصل به الترتيب- على المشهور- و يقتضيه الأصل- بناء على وجوب التّرتيب- و يدل عليه صحيح علي بن يقطين الآتي

(1) و استدل لذلك بصحيح محمد بن

مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام في رجل زار البيت قبل ان يحلق؟ فقال: ان كان زار البيت و هو عالم ان ذلك لا ينبغي له، فان عليه دم شاة «2» و لكن يمكن ان يقال: انه يعارضه صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة رمت العقبة و ذبحت و لم تقصر حتى زار البيت فطافت و سعت من الليل ما حالها و ما حال الرّجل إذا فعل ذلك؟ قال: لا بأس به يقصّر و يطوف بالحج ثم يطوف للزّيارة ثم قد أحلّ من كل شي ء «3» بيان المعارضة: هو ان الحديث الأول- كما ترى- دل على عدم وجوب اعادة الطواف و السعي و استفادة ذلك منه يكون بوجهين:

الأول- من قوله عليه السّلام «لا ينبغي له.» بدعوى دلالته على جواز تقديم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 260

..........

الطّواف على التّقصير مع الكراهة.

الثاني- ذكر الكفارة فيه دون الإعادة حيث ان ظاهره هو عدم وجوب الكفّارة لأنه لو لم يكن كذلك لما اقتصر على الكفارة فقط و لكن هذا بخلاف الحديث الثاني لدلالته على وجوب الإعادة.

و لكن الأقوى في النّظر عدم المعارضة بينهما، لانه قد ذكر في صحيح محمد بن مسلم الكفارة، و في صحيح ابن يقطين الإعادة و ملاحظة التّرتيب و سكوت صحيح محمد ابن مسلم عن التّعرض للإعادة لا يعارض مع صحيح ابن يقطين.

ثم لا يخفى ان مقتضى إطلاق صحيح علي بن يقطين هو وجوب الإعادة

للعامد و اما عموم الجبر بشاة للعامد و غيره- من الجاهل و الناسي- فغير ظاهر لاختصاص صحيح محمد بن مسلم المتقدم بالعالم فلا يمكن التعدي عن مورد الى غيره، لما قد ذكرناه غير مرة من انه لا علم لنا بملاكات الأحكام و موانعها، فلعل في العمد خصوصية دون غيره، فيقتصر على مورد الحديث و يحكم بلزوم الجبر في صورة العمد دون غيره.

و كيف كان فبناء على المشهور يكون الترتيب فيما نحن فيه بين الطواف و الحلق أو التقصير شرط في الصحة و مع الإخلال به يحكم بلزوم اعادة الطّواف إلا إذا قام دليل على الخلاف و لم يرد ذلك في المقام فيحكم بوجوب الجمع بين الكفارة و الإعادة على العامد و أما في غير العمد فيحكم بوجوب الإعادة دون الكفّارة لما تقدم فتأمل.

ثم انه قد يقال: ان قوله صلّى اللّه عليه و آله: (لا حرج) في صحيح جميل المتقدم لا يعارض

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 261

..........

صحيح علي بن يقطين (بدعوى): ان المقصود منه ليس نفي البأس بل المقصود منه هو المعنى الذي أريد من قوله تعالى «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» فعليه يختصّ الحكم و هو عدم لزوم الإعادة بصورة ما إذا كانت الإعادة موجبة للحرج، و الا فعليه الإعادة فيكون الحديث حاكما على صحيح علي بن يقطين لا معارضا له.

و لكن الظاهر ان قوله عليه السّلام في صحيح جميل المتقدّم: «لا حرج» بمعنى «لا بأس» لا بمعنى نفي الحرج الذي تضمنه الآية، لعدم اختصاص نفي الحرج بالنّاسي لأنه على ذلك لا معنى لقوله عليه السّلام في صحيح جميل المتقدم: «لا ينبغي الا ان يكون ناسيا» فعليه تقع المعارضة بينهما.

لكن يمكن

الجمع بينهما بحمل قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا حرج» على نفي الكفّارة دون الإعادة. لكنه فيه ما لا يخفى، لعدم الشاهد له، فلا يصار اليه.

ثم انه يمكن ان يقال: ان الحديث المتقدم الذي تضمّن كلمة «لا حرج» ليس فيه اسم من تقديم الطواف على الحلق أو التقصير، و لكن لا يخفى ان قوله عليه السّلام في صحيح جميل المتقدم «لم يتركوا شيئا كان ينبغي ان يؤخروه إلا قدّموه» مطلق يشمل تقديم الطواف ايضا.

ثم انه لا ينافي ما ذكرنا ما ورد عن ابى بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل زار البيت و لم يحلق رأسه؟ قال: يحلق بمكة و يحمل شعره إلى منى و ليس عليه شي ء «1» لأن قوله عليه السّلام: «ليس عليه شي ء» و عدم ذكر الامام عليه السّلام لإعادة الطواف لا يدل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 262

و لو كان ناسيا لم يكن عليه شي ء و عليه اعادة الطواف على الأظهر (1) و يجب ان يحلق بمنى فلو رحل رجع فحلق بها (2)

على عدم وجوبها، لكونه في مقام بيان حكم آخر و هو مكان حلقه، و لزوم حمل شعره إلى منى و لا يخفى ان هذه المسألة من أولها إلى آخرها بعد تحتاج إلى التأمل.

(1) اما عدم وجوب الدم فيما لو قدم الطواف على التقصير ناسيا فقد نفى عنه الخلاف و استدل له بالأصل و غيره و اما إعادة الطواف فقال في الجواهر بعد ذكر كلام المصنف: «بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في المدارك و غيرها لإطلاق ابن يقطين السابق الذي لا

ينافيه صحيح جميل السابق و غيره الذي استثنى فيه الناسي بعد عدم اشعار فيه بعدم الإعادة، بل و لا نفي الحرج في صحيحة الآخر المراد منه عدم بطلان الحج كنفي البأس في صحيح ابن يقطين. إلخ».

ثم ان الظاهر وجوب إعادة السعي حيث تجب اعادة الطواف، كما عن العلامة في التذكرة التصريح به تحصيلا للترتيب و ربما كان ظاهر عبارة المصنف «قدس سره» عدمه، و لعله لصحيح علي بن يقطين الذي لا ظهور له في ذلك.

ثم انه لو قدم الطواف على الذبح أو على الرمي نفى الحاقه بتقديمه على التقصير وجهان؟ أجودهما ذلك، كما في المسالك و المدارك.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 262

(2) وجوب الحلق أو التقصير بمنى مما لا ينبغي الإشكال فيه فلو أخل عالما أو جاهلا أو ناسيا يتعين عليه الرجوع اليه فيحلق أو يقصر فيها وجوبا قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك» بل في المدارك: (هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب) بل عن ظاهر التذكرة و المنتهى «انه موضع وفاق» بل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 263

فان لم يتمكن حلق أو قصر مكانه (1) و بعث بشعره ليدفن بها (2).

عن المفاتيح ذلك ايضا و عن غيرها نفي الخلاف فيه ايضا و في صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى قال: يرجع الى منى حتى يلقى شعره بها حلقا كان أو تقصيرا «1». و خبر ابى بصير قال: سألته عن رجل

جهل ان يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى؟ قال:

فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره أو يقصّر و على الصّرورة أن يحلق «2» نعم في خبر مسمع قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر قال: يحلق في الطريق أو أين كان «3» و مقتضى ذلك حمل صحيح الحلبي الوارد في الناسي على الاستحباب لكن الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) حملوه على صورة عدم التمكّن من الرّجوع و لكن في هذا الحمل ما لا يخفى بل مقتضى ما في صحيح الحلبي انه (يرجع الى منى حتى يلقي شعره بها) ان الرجوع مقدمة للإلقاء فعليه يكون مقتضى الجمع بينهما حمل صحيح الحلبي الوارد في الناسي و خبر ابي بصير الوارد في الجاهل على كون وجوب رجوع غيريا و الواجب إلقاء الشعر بمنى لا غير، فعليه لا يبقى في البين دليل للحكم المزبور إلا الإجماع ان تم، فتأمل.

(1) وجوب الحلق أو التقصير في مكانه إذا لم يتمكن من الرجوع الى منى مما لا اشكال فيه و قد نفى عنه الخلاف كما اعترف به في الجواهر و قد حمل خبر مسمع المتقدم على ذلك.

(2) قال في الجواهر عند شرح قول الماتن: «ندبا كما في النافع و محكي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 264

..........

التهذيب و الاستبصار بل في المدارك نسبته الى قطع الأكثر لا وجوبا كما عن الكافي و ظاهر المتن،

للأصل و قول الصادق عليه السّلام في خبر ابي بصير: «ما يعجبني أن يلقي شعره الا بمنى «1». و في صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السّلام يدفن شعره في فسطاته بمنى و يقول: كانوا يستحبّون ذلك قال: و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يكره ان يخرج الشّعر من منى و يقول من أخرجه فعليه ان يرده «2» و في خبر البختري المروي عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا يأمران أن يدفن شعرهما بمنى «3» و لا ينافي قول الصادق عليه السّلام في صحيح ليث المرادي ليس له ان يلقي شعره الا بمنى «4» واحدهما عليهما السّلام في خبر علي بن أبي حمزة في حديث: و ليحمل الشّعر إذا حلق بمكة إلى منى «5» بعد عدم دلالتهما على الدّفن كغيرهما من النصوص، بل لعل ما عن في محمول على تأكّد النّدب كظاهر المتن انما الكلام في وجوب البعث الذي استوجهه الفاضل في محكي المختلف ان كان خروجه من منى عمدا دون النسيان، لانه كان يجب عليه الحلق بمنى و إلقاء الشعر بها و لا يسقط أحد الواجبين إذا سقط الآخر، بخلاف ما إذا نسي فإنه لا يجب عليه شي ء منهما مضافا الى خبر ابي بصير الظاهر في العمد بل عن النهاية و ظاهر المتن وجوبه مطلقا و لعله للأمر به في حسن حفص بن البختري عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل يحلق رأسه بمكة قال: يرد الشعر إلى منى «6» و خبر ابى بصير السابق المحمول على النّدب أيضا بقرينة خبر ابى

بصير الأخير الظاهر في ذلك، و لكن مع ذلك لا ريب في ان الأحوط بعثه خصوصا إذا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 6.

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 5.

(3) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 8.

(4) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4.

(5) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2.

(6) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 265

و لو لم يمكنه لم يكن عليه شي ء (1). و من ليس على رأسه شعر أجزأه إمرار الموسى عليه (2)

كان قد أخرجه منها و أحوط منه دفنه فيها.

(1) يعنى من لم يتمكن من بعثه سقط الوجوب و لم يكن عليه شيئا إجماعا- كما في المدارك- للأصل و غيره.

(2) سقوط الحلق عمّن ليس على رأسه شعر خلقة أو غيرها مما لا ينبغي الإشكال فيه، و قد ادعى عليه الإجماع بقسميه. هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه.

انما الكلام في انه هل يتعيّن التّقصير عليه أو يكفي إمرار الموسى عليه؟ مقتضى عبارة المصنّف هو الثّاني، و لكن مقتضى الأصل في الوجوب التّخييري هو الأول.

و يمكن تأييد ظاهر عبارة المصنف بمقتضى خبر زرارة. ان رجلا من أهل خراسان قدم حاجّا و كان أقرع الرأس لا يحسن ان يلبّي فاستفتي له أبو عبد اللّه عليه السّلام فأمر أن يلبّى عنه و يمرّ الموسى على رأسه، فإن ذلك يجزى عنه «1» بل قيل بوجوبه، لانه كان واجبا عند الحلق فإذا سقط، لتعذره لم يسقط، بل قيل:

ان كلام الامام عليه السّلام و هو: (يجزى عنه) يدل على ذلك، لان الاجزاء انما يستعمل في الواجب، بل في كشف اللثام- على ما حكاه صاحب الجواهر (قدّس سرّه)-: «ان لم يكن له ما يقصر منه أو كان صرورة أو ملبّدا أو معقوصا و قلنا بتعين الحلق عليهم اتجه وجوب الإمرار و تبعه في الرّياض مؤيّدا له بالخبر المتقدّم بدعوى: ظهوره في الصّرورة.

ناقش فيه صاحب الجواهر «قدّس سرّه» بعد نقل ما تقدم بقوله: «و فيه ان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 266

..........

المتّجه حينئذ السقوط للأصل بعد ان كان الواجب من الإمرار ما يتحقق في ضمنه الحلق لا مطلقا، فلا تأتي قاعدة الميسور و ما لا يدرك، و بعد قصور الخبر المزبور عن إثبات الوجوب. و من هنا كان المحكي عن الأكثر منا و من غيرنا الاستحباب، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه، و حينئذ فيتعيّن عليه التّقصير من لحيته أو غيرها الذي هو أحد الفردين، و مع العدم يتجه السقوط. نعم لو قلنا بوجوبه عملا بالخبر المزبور اتجه الاجتزاء به عنه، لظهور لفظه فيه، و ان كان يحتمل إرادة الاجزاء عن الحلق الحقيقي لا عن مطلق الفرض فضلا عن قاعدة الأمر، و لعدم توجه الجمع بين الحلق و التقصير فكذا ما يقوم مقامه، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين الإمرار و التقصير خصوصا بعد ما سمعته من أمر الصادق عليه السّلام في أقرع خراسان مؤيدا بخبر أبي بصير عنه أيضا سألته عن المتمتع أراد ان يقصّر فحلق رأسه؟ فقال عليه السّلام: دم يهريقه فإذا كان يوم

النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد ان يحلق، و خبر عمّار السّاباطي عنه أيضا في حديث سأله عن رجل حلق قبل ان يذبح قال: يذبح و يعيد الموسى لان اللّه تعالى يقول وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، كما انه لا ينبغي تركه إذا لم يكن عنده شعر يقصّره، لاستبعاد حلّه بلا حلق و لا تقصير و لا إمرار الموسى، مضافا الى ما سمعته من النّصوص. إلخ) و كيف كان فان مقتضي خبر زرارة الوارد في الأقرع من أهل خراسان و كذا خبر أبى بصير في من حلق في عمرة التمتّع الاجتزاء بإمرار الموسى على رأسه من دون تقصير، كما هو ظاهر عبارة المصنف (قدّس سرّه) و لكنه يحتمل ان يكون موردهما الصّرورة، بل يمكن ان يقال: انه ليس لخبر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 267

..........

زرارة إطلاق لأنه قضية في واقعة، و لا يبعد القول بذلك في خبر ابى بصير ايضا، فعليه لا يمكن رفع اليد عن التقصير عند تعذر الحلق لان الدليل غير ظاهر، فتأمل.

ينبغي هنا بيان المستحبّات و هي أمور: الأول- يستحب عند ارادة الحلق استقبال القبلة كما في المقنع و في الفقه المنسوب الى الامام الرضا عليه السّلام و إذا أردت أن تحلق رأسك فاستقبل القبلة و ابدأ بالنّاصية و احلق الى العظمين النّابتين بحذاء الأذنين. و فيه ما لا يخفى و اما التّسامح في أدلة السّنن ففيه ما ذكرنا غير مرّة من عدم إمكان استفادة الحكم منه بعد الغضّ عن الإجمال فيه.

الثاني- يستحب عند ارادة الحلق التّسمية لما في صحيح معاوية بن عمّار عن ابي جعفر عليه السّلام قال: أمر الحلاق ان يضع الموسى على قرنه الأيمن

ثم أمره أن يحلق و سمى هو و قال: اللّهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة «1».

الثالث- انه يستحب ان يبدأ فيه من قرنه الأيمن، لقوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمّار المتقدم أمر الحلاق ان يضع الموسى على قرنه الأيمن.

الرابع- يستحب ان ينتهي به الى العظمين النابتين قبلة و تسدّ الأذنين، لما في خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن آبائه (عليهم السّلام) قال: السنة في الحلق ان تبلغ العظمين «2» و فسّره جماعة بما ذكر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 268

و ترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر، الرّمي، ثم الذّبح، ثم الحلق، فلو قدّم بعضها على بعض أثم و لا اعادة (1)

الخامس- يستحب ان يدعو بهذا الدّعاء، اللّهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة، و الأصل فيه ما في صحيح معاوية بن عمار المتقدّم.

السادس- ذكر بعض ان الأفضل ان يختم دعاءه بالصّلاة على النّبي و آله صلوات اللّه عليهم أجمعين، و يمكن ان يكون وجه ذلك ما دل على فضل ختم كل دعاء بها.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قال في الجواهر عند شرح الماتن: (كما في النافع و القواعد بل و محكي النهاية و المبسوط و الاستبصار و ظاهر المقنع في الأخيرين بل نسبه غير واحد الى أكثر المتأخرين، لقوله تعالى «وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» و للتأسي مع قوله صلّى اللّه عليه و آله: «خذوا عنّي مناسككم» و قول الصادق عليه السّلام في خبر عمر بن يزيد: «إذا ذبحت

أضحيتك فاحلق رأسك و اغتسل و قلّم أظفارك و خذ من شاربك» و في خبر جميل:

«تبدأ بمنى بالذّبح قبل الحلق» و في صحيح معاوية بن عمار أو حسنه: (إذا رميت الجمرة فاشتر هديك. إلخ) و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في ظهور مجموع ما تقدم- كما افاده- صاحب الجواهر «قدس سره» في وجوب الترتيب في الثّلاثة و لا عبرة بقول المخالف و دليله بعد ثبوت الشّهرة على ما ذكر و لو خالف لم يلزمه شي ء و ان أثم بعمده و لكن الأحوط الإعادة بما يحصل به التّرتيب، لاحتمال كون وجوب التّرتيب وجوبا شرطيّا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 269

[مسائل ثلاث]
[الاولى مواطن التحليل ثلاثة]
اشارة

مسائل ثلاث الاولى مواطن التحليل ثلاثة (1)

[الأول عقيب الحلق أو التقصير يحلّ من كل شي ء إلا الطيّب و النّساء و الصّيد]

الأول عقيب الحلق أو التقصير يحلّ من كل شي ء إلا الطيّب و النّساء و الصّيد (2)

(1) لا ينبغي الكلام فيه، لانه المتسالم عليه بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»، و يدل عليه جملة من الرّوايات المأثورة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه الا النّساء و الطّيب، فإذا زار البيت و طاف و سعي بين الصّفا و المروة فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه الا النّساء، و إذا طاف طواف النّساء فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه الا الصّيد «1».

2- صحيح العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: تمتّعت يوم ذبحت و حلقت أ فألطخ رأسي بالحناء؟ قال: نعم من غير ان تمس شيئا من الطيب. قلت: أ فألبس القميص؟ قال: نعم إذا شئت. قلت: أ فأغطي رأسي؟ قال: نعم «2».

3- صحيحة الآخر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: انى حلقت رأسي و ذبحت و أنا متمتع اطلي رأسي بالحنّاء؟ قال: نعم من غير ان تمس شيئا من الطّيب قلت: و البس القميص و أتقنع؟ قال: نعم، قلت: قبل ان أطوف بالبيت؟ قال: نعم «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 270

..........

4- خبر عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

اعلم انك إذا حلقت رأسك فقد حلّ لك كلّ شي ء إلا النّساء و الطّيب «1».

5- قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (ثم اخرج الى الصفاء فاصعد عليه، و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة، ثم ائت المروة، فاصعد عليها، و طف بينهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفاء و تختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه الا النساء، ثم ارجع البيت و طف به أسبوعا آخر، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام ثم أحللت من كلّ شي ء و فرغت من حجّك كله و كل شي ء أحرمت منه) «2».

6- خبر جميل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المتمتع ما يحل له إذا حلق رأسه قال: كل شي ء إلا النّساء و الطّيب، قلت: فالمفرد؟ قال: كلّ شي ء إلا النّساء ثم قال:

و ان عمر يقول. الطيب و لا نرى ذلك شيئا «3».

7- خبر محمد بن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحاج غير المتمتّع؟

يوم النّحر ما يحل له قال: كل شي ء إلا النساء، و عن المتمتع ما يحل له يوم النّحر؟ قال:

كلّ شي ء إلا النساء و الطيب «4» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام ثم انه لا تعارض الأخبار المتقدمة الأخبار الآتية، و هي:

1- صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل ابن عباس

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير

الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 271

..........

هل كان رسول اللّه يتطيب قبل ان يزور البيت؟ قال: رأيت رسول اللّه مر يضمد رأسه قبل ان يزور «1».

2- خبر أبي أيوب الخزاز قال: رأيت أبا الحسن عليه السّلام بعد ما ذبح حلق ثم ضمد رأسه بمسك و زار البيت و عليه قميص و كان متمتعا «2» و في بعض النسخ (كان مقنعا).

3- خبر عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: ولد لأبي الحسن مولود بمنى، فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص [1] فيه زعفران، و كنا قد حلقنا قال عبد الرحمن: فأكلت أنا و ابي الكاهلي و مرازم أن يأكلا منه، و قال: لم نزر البيت، فسمع أبو الحسن عليه السّلام كلامنا، فقال لمصادف- و كان هو الرسول الذي جائنا به: في أي شي ء كانوا يتكلمون فقال: أكل عبد الرّحمن و أبى الآخران، فقالا: لم نزر بعد البيت، فقال: أصاب عبد الرحمن، ثم قال: اما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه و أبى عبد اللّه أخي ان يأكل منه، فلمّا جاء ابي حرشه على، فقال: يا ابه ان موسى أكل خبيصا فيه زعفران و لم يزر بعد، فقال: ابى هو أفقه منك ا ليس قد حلقتم رؤوسكم «3».

4- خبر إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن المتمتع إذا حلق

______________________________

[1] هو طعام معمول من التمر و الزبيب و السمن.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 272

..........

رأسه

ما يحل له قال: كل شي ء إلا النساء «1» و وجه عدم معارضة هذه الاخبار مع الاخبار المتقدمة اما الأول- فلأنه حمله الشيخ «قدّس سرّه» على الحاجّ غير المتمتع بقرينة باقي الاخبار.

و اما الثاني- فلعدم ثبوت كونه عليه السّلام متمتعا، فلا يعارض مع ما مر لاختلاف النسخ فيه، و لعل الصّحيح هو النسخة التي فيها: «و كان مقنّعا».

و اما الثالث- فلاحتمال كونهم غير متمتّعين، و يحمل على الحاجّ غير المتمتّع بقرينة باقي الأخبار، كالخبر الأول.

و اما الرابع- فلكونه قابلا للتخصيص بما عرفت ان لم نقل ان العرف يأباه، و كيف كان فان تمّ ما ذكر فهو، و الا فيتعيّن رفع اليد عنه، لأن إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» مانع عن الاعتماد عليه، فتدبر.

و أما صحيح سعيد بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتّع قال: إذا حلق رأسه قبل ان يزور البيت يطليه بالحناء؟ قال نعم الحنّاء و الثّياب و الطّيب، و كل شي ء إلا النّساء، رددها على مرّتين أو ثلاثا قال: و سألت أبا الحسن عليه السّلام عنها؟ قال:

، نعم الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء إلا النّساء «2». و لكن في بعض النّسخ لم يذكر جملة: «قبل ان يزور» و كيف كان فيمكن ان يقال بعدم معارضته لما مرّ، لحمله على التقيّة، لذهاب جماعة من العامّة الى ذلك.

اللهم الا ان يناقش فيه بان هذا الحديث لو كان واردا مورد التقيّة لما قال الإمام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 273

..........

عليه السّلام فيه: (الا

النّساء) لأن العامة لا يقولون بطواف النساء الا ان تستشعر التّقية من الترديد فيه: (مرتين أو ثلاث)، لاحتمال كون شخص في المجلس يقول بحلية الطّيب بالحلق و حلّية النّساء بطواف النساء.

مضافا الى انه يمكن ان يقال. ان قوله عليه السّلام: «الا النساء» ليس مخالفا للتقية لأنه عليه السّلام لم يذكر ان النساء تحل بطواف النساء حتى يقال: بأنه خلاف التقية لذهاب العامة الى ان النساء تحل بطواف الزيارة، فعليه يتجه ترجيح ما تقدم من الاخبار على هذا الحديث بحمله على التقيّة لموافقته لهم.

هذا و لكن مع ذلك كله ان هذا الحديث لا يمكن حمله على التقية، لأنه صريح في كونه في التمتع و العامة لا يقولون به، و الذي يسهل الخطب هو ان هذا الحديث موهون بإعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه الموجب لخروجه عن حيّز دليل الحجيّة و الاعتبار.

و اما صحيح محمد بن إسماعيل قال: كتبت الى ابى الحسن الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم المتمتع ان يمسّ الطّيب قبل ان يطوف طواف النّساء؟ فقال: لا «1».

فيمكن ان يقال: انه لا يعارض مع ما تقدم من الاخبار، لحمله على الكراهة جمعا بينه و بين ما هو صريح في الجواز.

مضافا الى ان أعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه مانع عن الاعتماد عليه فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 274

..........

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- ان الظاهر اعتبار فعل المناسك الثلاثة التي في منى «الرّمي و الذّبح و الحلق أو التّقصير» في هذا التحلل كما عن الشيخ التصريح به بل و المصنّف في النافع و الفاضل في المختلف، فلا يتحلّل في الموطن

الأول بالحلق أو التقصير فقط بل المحلل هو الأمور الثّلاثة المتقدمة.

و اما صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم و ان كان مشتملا على الذبح و الحلق فقط و لكن إنما ينفي دخالة الرمي بالإطلاق مع انه ورد عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه كان يقول: إذا رميت جمرة العقبة فقد حل لك كل شي ء حرم عليك إلا النساء «1» و أنت ترى ان مقتضى إطلاق هذا الحديث كون المحلل في الموطن الأول هو الرمي فقط دون الذبح و الحلق، فعليه فالمتجه تقييد إطلاق كل واحد بالآخر، فينتج دخالة الجميع في الحلية.

و ان أبيت عن ذلك فنقول: ان كان سنده ضعيفا فلا عبرة به و الا فيطرح أيضا لأجل إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه الموجب لخروجه عن حيّز دليل الاعتبار.

الثاني- انه بناء على دخالة المناسك الثّلاثة في الحليّة يشكل الأمر فيما إذا نسي الرّمي مثلا، فان مقتضى القاعدة انه لا يتحلّل الا ان يرمى نائبة عنه و لو في العام القابل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 130 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 275

..........

أو يتحلّل بعمرة مفردة، و كذا الكلام فيما إذا لم يذبح لأجل عدم تمكّنه من الهدي و خلف الثّمن، و اما مقتضى إطلاق الآية الشريفة و ان كان وجوب الصّوم على من لم يجد هديا، لكن يقيّد بحكم النّص إذا لم يكن واجدا للثّمن، و الا خلف الثمن و قد تقدم تفصيل الكلام عنه في أحكام الهدى، و قد أشرنا هناك ايضا الى انه لم يعملوا بحديث التّصدق [1] بثلث الأثمان الثّلاثة حسب حصول الغلاء من الثّمن الأول

إلخ) و كيف كان فإذا لم يجد الهدى و خلف الثّمن كان مقتضى القاعدة بقاؤه محرما الى العّام القابل أو يتحلّل بعمرة مفردة.

نعم في فرض كون تكليفه الصّوم سقوط الذبح عنه و لكن لا دليل على قيام الصوم مقامه في المحللية، فيكفي في تحلله الرمي و الحلق من دون توقف ذلك على انقضاء صوم الثلاثة أيام في الحج أو انقضاء تمام العشرة.

و على الجملة: مقتضى القاعدة في الفروض المتقدمة هو بقاؤه محرما، و مع فرض الشّك يكون مقتضى الاستصحاب ايضا ذلك. نعم يحلّ له الطّيب بطواف الزّيارة و النّساء بطواف النساء ان لم نقل انّ المحلّل ليس مطلق الطواف بل الطواف الّذي

______________________________

[1] عن عبد اللّه بن عمر قال: كنا بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ثم لم توجد بقليل و لا كثير فرقع هشام المكاري رقعة الى ابي الحسن عليه السّلام فأخبره بما اشترينا ثم لم نجد بقليل و لا كثير فوقع انظروا الى الثمن الأول و الثّاني و الثالث ثم تصدّقوا بمثل ثلثه (الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الذبح)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 276

..........

يؤتى به بحسب الترتيب.

و كيف كان فيمكن حل الاشكال بدعوى: منع كون المحلّل في الموطن الأول هو الرّمي و الذّبح و الحلق، بل المحلّل فيه هو الحلق فقط- كما في قوله عليه السّلام في خبر عمر بن يزيد المتقدم في صدر المبحث: «إذا حلقت رأسك فقد حل لك كل شي ء إلا النساء و الطيب» و أما قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم في صدر المبحث: «إذا ذبح الرّجل و حلق فقد أحل من كل شي ء أحرم منه. إلخ»

فليس المقصود منه هو ان الذبح دخيل في الحلّية و انما ذكر الذبح، لكونه واجبا يؤتى به قبل الحلق و كون تقدّمه دخيلا في صحة الحلق. و أما كون الحلية مستندة اليه فلا و كذلك الكلام في الرّمي.

و لكن لا يخفى ان هذا الكلام- بناء على تماميته و فرض صحّته- لا يتأتى في الرمي لأنه لم يقل إذا رمى و ذبح و حلق فقد أحلّ من كل شي ء إلا النّساء و الطيّب) بل رتب الحلية في صحيح على الرمي صريحا غاية الأمر يقيد إطلاقه بباقي الاخبار و لكن قد تقدم عدم إمكان الأخذ بهذا الحديث لإعراض الأصحاب عن العمل به.

الثالث- ان المتمتع لا يحل له الطيب بالحلق أو التقصير و أما غيره- من المفرد و القارن- فيحل له بالحلق أو التقصير ايضا- كما في القواعد و غيرها، لخبر محمد بن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحاجّ غير المتمتّع يوم النّحر ما يحلّ له؟ قال:

كل شي ء إلا النّساء و عن المتمتّع ما يحل له يوم النحر؟ قال: كل شي ء إلا النّساء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 277

[الثاني: إذا طاف «المتمتع» طواف الزيارة حلّ له الطيب]

الثاني: إذا طاف «المتمتع» طواف الزيارة حلّ له الطيب (1)

و الطيب «1» و صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل ابن عباس هل كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتطيب قبل ان يزور البيت؟ قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضمد رأسه المسك قبل ان يزور «2» و قد حمله الشيخ علي الحاج غير المتمتع لما مر و خبر جميل قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المتمتع ما يحل له إذا حلق رأسه؟

قال: كل شي ء إلا النساء و الطيب، قال: فالفرد؟ قال: كل شي ء إلا النساء. إلخ «3».

الرابع- ان المفرد أو القارن فان كان قد قدم الطواف و السعي على الوقوفين حل له الطيب ايضا بتحلّله بمنى و قد صرح به جماعة من الأصحاب و يقتضيه خبر جميل و خبر محمد بن حمران و غيرهما لان مقتضى إطلاق هذه الأدلة عدم الفرق في تحلل الطيب للمفرد و القارن بين تقديمه الطواف و السعي على الوقوفين و عدمه، و عن الدروس التخصيص بالأول، لكنه في غير محله- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره»- و لذا أطلق الأكثر، و مثله في الضعف ما عن الجعفي، و ظاهر آخرين من التسوية بينهما و بين المتمتع في توقف حل الطيب على الطواف، فلاحظ و تأمل و اللّه الهادي إلى الصواب.

(1) كما في النّافع و القواعد و غيرها، و قد نفى عنه الخلاف، كما في الجواهر، و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار المتقدم، و خبر منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل رمى و حلق أ ياكل شيئا فيه صفرة؟ قال: لا حتى يطوف بالبيت و بين الصفا و المروة ثم قد حل له كل شي ء إلا النّساء حتى يطوف بالبيت طوافا آخر ثم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 278

..........

قد حل له النساء «1» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام.

ينبغي هنا بيان أمر، و هو انه

ليس المحلل في الموطن الثاني طواف الزيارة فقط بل مع صلاته و مع السعي، أما السعي فلدلالة النّص عليه، و أما الصلاة فلان المنصرف من دليل تحليل الطواف هو كون المحلّل الطّواف مع توابعه.

و لكن في كشف اللثام: (انه لا يتوقف على صلاة الطّواف لإطلاق النّص و الفتوى) و يمكن المناقشة فيه بأن الإطلاق غير ظاهر، لكون صلاة الطواف من توابعه و الاستصحاب يقتضي توقف الحلّ عليهما.

مضافا الي خبر المروزي: «إذا حجّ الرّجل فدخل مكة فطاف بالبيت و صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السّلام و سعى بين الصّفا و المروة و قصر فقد حل له كل شي ء ما خلا النّساء «2» و قريب منه صحيح معاوية بن عمار: «إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه الا النّساء و الطّيب فإذا زار البيت و طاف و سعى بين الصّفا و المروة فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه الا النّساء. إلخ) «3» و لكن ظاهر خبر المروزي عمرة التمتّع على أنه ضعيف سندا.

ثم انه ينبغي هنا ذكر أمر: و هو انه إذا قدم المتمتّع للضّرورة طواف الزّيارة و السّعي على الوقوف، فهل يحل له ما يحلّله طواف الزيارة و هو الطّيب في ذلك الوقت أولا، و يتأتى هذا البحث في المفرد و القارن إذا قدما الطواف، فإنه يجوز لهما تقديم الطّوافين و لو اختيارا و كيف كان فقال في الجواهر: «فالظاهر عدم التّحلل الا بالحلق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(2) المذكور في الجواهر

(3) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 279

..........

للأصل و

خبر المفضل «1» و انصراف الخبر الأول و الفتاوى إلى المؤخر مضافا الى إمكان كون المحلل هو المركب من الطّواف و السّعي و ما قبلهما من الأفعال بمعنى كون السعي جزء العلة فما عن بعض من التحلل لا يخفى عليك ما فيه و ان استوجهه في المدارك لكن قد سمعت فيما تقدم انه مع تقديم الطواف و السعى لا بد من تجديد النيّة لئلا يحصل التحلل و يصير الحج عمرة و حينئذ فلا وجه لدعوى التحلّل بما وقع من الطواف و السعي مع فرض تجديد النية لتجدد الإحرام كما انه لا وجه لبقاء حكم الإحرام مع فرض عدم تجديد التلبية و صيرورته حلالا و انقلاب حجه عمرة و بذلك يظهر لك إشكال في أصل تصور المسألة فتأمل جيدا انتهى).

و كيف كان فيمكن ان يقال: ان الانصراف الذي أفاده صاحب الجواهر عن الطواف المقدم بدوي، فلا عبرة به، لعدم كونه بمنزلة القرينة الحافة بالكلام الموجبة للتّقييد، فعليه تكون مواطن التحلل ثلاثة و باقية على حالها غاية الأمر حصل فيها التقدّم و التأخّر و فيه ما يأتي في ذيل صفحة 280 نعم هنا كلام و هو ان المستفاد من بعض الاخبار ان من طاف بالبيت أحل أحب أو كره فعليه ان يلبى بعد كل طواف ليحرم للإتيان بالأعمال محرما و على ذلك فيشكل الأمر هنا لأنه ان لم يلبّ انقلب حجّه الى عمرة مفردة و ان لبّى صار محرما فلم يبق له محلّل عن الطّيب أو عنه و عن النّساء فيبقى على إحرامه الى ان يتحمل بعمرة مفردة و الجواب هو انه و ان كان أحلّ من كل شي ء بالطواف و أحرم بالتّلبية لكن هذا

______________________________

(1) الوسائل

ج 2 الباب 6 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 280

[الثالث إذا طاف طواف النساء حل له النساء]

الثالث إذا طاف طواف النساء حل له النساء (1)

الإحرام يكون لباقي الأعمال فيحرم عليه به ما لم يحصل محلله فليس إحرامه إحراما عن الطيب في صورة تقديم طوافه الزيارة فقط و لا إحراما عن النساء في صورة تقديمهما.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى ما سمعته من النصوص فما عن الحسن من انه تحل بدونه ضعيف فلا يمكن المساعدة عليه.

نعم في كشف اللثام: «صلّى له أم لا؟ لإطلاق النصوص و الفتاوى الا فتوى الهداية و الاقتصاد» و ان كان فيه ما عرفت.

مضافا الى قول الصادق عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار، ثم اخرج الى الصفا و اصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة ثم ائت المروة فاصعد عليها و طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء حرمت منه الا النّساء، ثم ارجع الى البيت و طف به أسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام ثم قد أحللت من كلّ شي ء و فرغت من حجك كلّه و كلّ شي ء أحرمت منه «1» و اما احتمال كون ذلك لتوقف الفراغ عليها لا حل النّساء فلا داعي له و لكن التحقيق- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» هو انصراف الاخبار عن الطواف المقدم لان ظاهرها هو الطّواف الآتي بحسب الترتيب، فليس الطّواف المقدم محللا فعليه يكون موطن التّحلل مع تقديم طواف الزّيارة اثنان: أحدهما

______________________________

(1) الوسائل ج

2 الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 281

و يكره لبس المخيط حتى يفرغ من طواف الزيارة (1)

الحلق، و ثانيهما: طواف النساء و مع تقديم طواف النساء واحد، و هو الحلق.

قد ظهر مما تقدم: ان الحاج لو طاف الطوافين و سعى قبل الوقوفين في موضع الجواز، فتحلله واحد عقيب الحلق بمنى، و لو قدم طواف الحج و السعي خاصة كان له تحللان، أحدهما: عقيب الحلق مما عدا النساء، و ثانيهما: بعد طواف النساء لهن و لو قلنا انه يتحلل من الطيب بطواف الحج و من النساء بطوافهن و ان تقدم على الوقوفين كانت المحللات ثلاثة.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا و قد نفى عنه الخلاف في الجواهر، و يدل عليه خبر إدريس القمي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ان مولى لنا تمتع و لما حلق لبس الثياب قبل ان يزور البيت؟ فقال: بئس ما صنع، فقلت: أ عليه شي ء؟ قال: لا، قلت: فإني رأيت ابن ابي سماك يسعى بين الصفا و المروة و عليه خفان و قباء و منطقة؟ فقال: بئس ما صنع، قلت: أ عليه شي ء؟

قال: لا «1» بعد حمله على الكراهة جمعا بينه و بين ما تقدم من الاخبار الدالة على الإحلال بالحلق من كل شي ء عدا النساء و الطيب.

ثم انه ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- ان مقتضى ظاهر خبر ابن إدريس المتقدم هو كراهة لبس المخيط للمتمتع حتى يتم السعي.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 282

..........

الثاني- انه يكره تغطية رأسه حتى يطوف طواف الزيارة، و

قد نفى عنه الخلاف، لصحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة فوقف بعرفة و وقف بالمشعر و رمى الجمرة و ذبح و حلق أ يغطي رأسه؟ فقال: لا حتى يطوف بالبيت و بالصفاء و المروة، فقيل له: فان كان فعل؟ فقال: ما أرى عليه شيئا «1» و صحيح منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل كان متمتعا فوقف بعرفات و بالمشعر و ذبح و حلق؟ فقال: لا يغطّى رأسه حتى يطوف بالبيت و بالصفاء و المروة، فان أبي عليه السّلام كان يكره ذلك و ينهي عنه، فقلنا: فان كان فعل؟ قال: ما أرى عليه شيئا «2» و هذه الاخبار تحمل على الكراهة جمعا بينها و بين الاخبار المتقدّمة الدّالة على الجواز.

الثالث- ان ظاهر الاخبار المتقدّمة- الدّالة على كراهة تغطية الرأس قبل ان يطوف طواف الزيارة بعد اعمال منى- اختصاص الحكم بالمتمتّع دون غيره- من المفرد و القارن- بل في خبر سعيد الأعرج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل رمى الجمار و ذبح و حلق أ يلبس قميصا و قلنسوة قبل ان يزور البيت؟ قال: ان كان متمتعا فلا و ان كان مفردا للحج فنعم «3» و خبر إسماعيل بن عبد الخالق قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ألبس قلنسوة إذا ذبحت و حلقت؟ قال: أما المتمتع فلا، و اما من أفرد الحجّ فنعم «4» و هذان الحديثان- كما ترى- صريح في اختصاص الحكم بالمتمتع و لكن مع ذلك كله أطلق المصنّف و غيره في ذلك.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(2) الوسائل

ج 2 الباب 18 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 283

و كذا يكره الطيب حتى يفرغ من طواف النساء (1).

[الثانية: إذا قضى مناسكه يوم النّحر فالأفضل المضي إلى مكة للطواف و السّعي ليومه]

الثانية: إذا قضى مناسكه يوم النّحر فالأفضل المضي إلى مكة للطواف و السّعي ليومه (2). فإن أخره فمن غده و يتأكّد ذلك في حق المتمتّع (3)

(1) لصحيح محمد بن إسماعيل قال: كتبت الى أبي الحسن الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم المتمتع ان يمسّ الطيّب قبل ان يطوف طواف النساء؟ فقال: لا «1» بعد حمله على الكراهة جمعا بينه و بين الأخبار المتقدمة الدّالة على الجواز.

(2) لا ينبغي الإشكال في ذلك للنصوص- منها:

1- موثق إسحاق قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن زيارة البيت تؤخّر إلى يوم الثّالث؟ قال: تعجيلها أحبّ اليّ و ليس به بأس ان أخّره «2».

2- خبر عبد اللّه بن سنان عنه عليه السّلام ايضا قال: لا بأس ان تؤخر زيارة البيت الى يوم النفر انما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث و المعاريض «3».

3- صحيح معاوية بن عمار عنه أيضا في زيارة البيت يوم النحر؟ قال: زره فان شغلت فلا يضرك ان تزور البيت من الغد و لا تؤخر أن تزور من يومك، فإنه يكره للمتمتع ان يؤخر و موسع للمفرد أن يؤخره «4».

(3) يظهر وجه ما افاده المصنف «قدس سره» هنا مما تقدم في صحيح معاوية بن عمّار مضافا الى ما في صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: ينبغي للمتمتع ان يزور

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19

من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 10

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 9

(4) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 284

..........

البيت يوم النحر أو من ليلته و لا يؤخر ذلك «1» و ما في صحيح معاوية بن عمار عنه ايضا قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد و لا يؤخر و المفرد و القارن ليسا بسواء موسع عليهما «2» و صحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر «3» و صحيح منصور ابن حازم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت «4» بل حكى عن النهاية و الوسيلة و الجامع لا يؤخر عنه الا لعذر و ان كان يحتمل ان يريدوا التأكيد.

نعم في المتن و النافع و القواعد فإن أخره- أي عن الغد و هو اليوم الحادي عشر- أثم كالمحكي عن المفيد و غيره من عدم جواز تأخير المتمتع ذلك عن اليوم الثاني، بل عن التذكرة و المنتهى نسبته إلى علمائنا و لعلّه لما سمعته من النّهي في النّصوص السّابقة و لكن الأقوى- كما افاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه)- حمله على الكراهة، لما تقدم من إطلاق نفى البأس عن تأخيره إلى يوم النّفر في صحيح ابن سنان و غيره.

مضافا الى صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح؟ فقال: ربما أخرته حتى تذهب

أيام التشريق و لكن لا تقرب النساء و الطيب «5» و صحيح هشام بن سالم عنه ايضا قال: لا بأس ان أخرت زيارة البيت الى ان يذهب أيام التشريق إلا انك لا تقرب النّساء و الطّيب «6» و ظاهرهما بقرينة النّهي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 8

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 6

(5) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 6

(6) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 285

فإن أخر اثم (1) و يجزيه طوافه و سعيه (2) و يجوز للقارن و المفرد تأخير ذلك طول ذي الحجة على كراهية (3)

[الثالثة: الأفضل لمن مضى إلى مكة للطواف و السعي الغسل و تقليم الأظفار و أخذ الشارب]

الثالثة: الأفضل لمن مضى إلى مكة للطواف و السعي الغسل و تقليم الأظفار و أخذ الشارب (4)

عن الطيب المتمتع و صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل أخر الزيارة إلى يوم النفر؟ قال: لا بأس و لا يحلّ له النّساء حتى يزور البيت و يطوف طواف النساء «1».

(1) قد تقدم ما فيه من الكلام.

(2) و قد صرح به غير واحد من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لظهور بعض ما تقدم من الاخبار في ذلك.

(3) كما في النافع و غيره للأصل و كون ذي الحجة من أشهر الحج، و ما سمعته من إطلاق جواز التأخير من مفهوم صحيح الحلبي و صحيح معاوية المشتمل على كراهة التأخير للمتمتع و التوسعة للمفرد، بل و صحيحة الآخر

المذكور فيه نفي التسوية بين المفرد و القارن، و على كل حال فهو ظاهر في انه موسع عليهما التأخير عن الغد، نعم الظاهر جواز ذلك لهما على كراهة- كما افاده المصنف «قدس سره» لما تقدم من قول الصادق عليه السّلام من تعليل استحباب التقديم بخوف الحوادث و المعاريض.

و في كشف اللثام: «و هو يعطي أفضلية التقديم» و لكن لا يخفى انه يكفي في الكراهة إطلاق النّهي عن التّأخير في بعض النّصوص المتقدّمة، فتأمل.

(4) لخبر عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثم احلق رأسك و اغتسل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 286

و الدعاء إذا وقف على باب المسجد (1)

و قلم أظفارك، و خذ من شاربك و زر البيت و طف أسبوعا تفعل كما صنعت يوم قدمت مكة «1» و ظاهره الوجوب المذكورات الا انه ترفع اليد عنه لأجل تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه.

و لا يخفى ان مقتضى إطلاقه جواز الغسل لذلك بمنى بل لعله اولى لحسن بن ابي العلاء عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الغسل إذا زرت البيت من منى؟

فقال: انا اغتسل بمنى ثم أزور البيت «2».

(1) لصحيح معاوية بن عمّار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: فإذا أتيت يوم النحر فقمت على باب المسجد، قلت: «اللّهم أعنّي على نسكك، و سلّمني له و سلّمه لي أسألك مسألة العليل الذّليل المعترف بذنبه ان تغفر لي ذنوبي، و ان ترجعني بحاجتي، اللّهم اني عبدك و البلد بلدك، و البيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، و أؤم طاعتك متّبعا لأمرك راضيا بقدرك أسألك

مسألة المضطر إليك، المطيع لأمرك المشفق من عذابك الخائف لعقوبتك، أن تبلغني عفوك و تجيرني من النّار برحمتك.

إلخ» «3».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب زيارة البيت الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 287

[القول في الطّواف]
اشارة

القول في الطّواف و فيه ثلاث مقاصد

[الأول: في المقدمات]
اشارة

الأول: في المقدمات و هي واجبة و مندوبة،

[و الواجبات]

و الواجبات الطهارة (1)

(الكلام في الطواف)

(1) من الواجبات في الطواف كما افاده المصنّف «قدّس سرّه» الطهارة، و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه، و يدل عليه- مضافا الى ما ذكر- جملة من النصوص الواردة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا بأس ان تقضي المناسك كلها على غير وضوء الا الطواف بالبيت و الوضوء أفضل «1».

2- صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليهما السّلام قال: سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب، و ذكر و هو في الطواف؟ قال: يقطع طوافه و لا يعتد بشي ء مما طاف، و سألته عن رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء؟ فقال: يقطع طوافه و لا يعتد به «2».

3- صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما عليهما السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهور؟ قال: يتوضأ و يعيد طوافه و ان كان تطوعا توضأ و صلّى ركعتين «3».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 288

..........

ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- ان مقتضى صحيح محمد بن مسلم المتقدم عدم وجوب الطّهارة عن الحدث الأصغر في الطواف المندوب كما هو أحد القولين في المسألة- و هو الأقوى في النظر، للأصل، و صحيح حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف تطوعا و صلّى ركعتين و هو على غير وضوء؟ قال: يعيد الركعتين و

لا يعيد الطواف «1» و خبر عبيد زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: لا بأس ان يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ و يصلي، و ان طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضأ و ليصل، و من طاف تطوعا و صلّى ركعتين فليعد الركعتين و لا يعيد الطّواف «2».

و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه أبي الصلاح من وجوب الطهارة عن الحدث الأصغر في المندوب أيضا، لإطلاق بعض النصوص المفيد بما عرفت من الاخبار الدالة على عدم اعتبارها فيه.

الثاني- ان الظاهر عدم اشتراط الطهارة في المندوب من الحدث الأكبر اللهم الا ان يقال: ان مقتضى إطلاق ما مر في صحيح علي بن جعفر عدم الفرق في اعتبار الطّهارة فيه بين الواجب و المندوب.

و لكن يمكن ان يقال: انه وارد في خصوص الواجب، بقرينة ذيله الدال على اعتبار الوضوء في الطواف، و ذلك لاختصاص هذا الحكم بالواجب، فعليه لا يمكن الأخذ

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 289

..........

بإطلاق صدره، لصلاحية ذيله للقرينية.

إلا ان يناقش بعدم كون ذيله قرينة على اختصاص صدره بالواجب، لعدم ورود ذيله في الواجب، لكونه مطلقا، فبمقتضى إطلاق هذا الحديث يتعين الحكم بلزوم الطّهارة عن الحدث الأكبر و الأصغر في الواجب و المندوب، غاية الأمر انه خرج عن تحت هذا الإطلاق بالدليل الخاصّ المتقدم الطّهارة عن الحدث الأصغر في المندوب، و بقي الباقي.

الا ان يقال: انه بعد خروج المندوب عما ذكر عن تحت الإطلاق بالنّص الخاصّ يحصل لنا العلم بورود ذيل هذا الحديث من أول الأمر في خصوص

الطّواف الواجب، لكون مرجع التّخصيص الى التخصّص، فعليه لما ذا لا يصلح ذيل الحديث ان يكون قرينة، لصرف صدره على إطلاقه، فتأمل.

الثالث- انه بناء على عدم اشتراطه بالطهارة من الحدث الأكبر الذي يحرم مطلق الكون في المسجد معه فضلا عن اللبث يكون الطّواف فيه مزاحما لهذه الحرمة، لكن هذا في صورة العلم، و اما في صورة النّسيان فيحكم بصحة طوافه- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره»- للأصل بعد امتناع تكليف الغافل، و لعله المراد من محكي التهذيب: «من طاف على غير وضوء أو طاف جنبا فان كان طوافه طواف الفريضة فليعده و ان كان طواف السنّة توضأ أو اغتسل فصلى ركعتين و ليس عليه اعادة الطواف» و كيف كان فهذا انما يتمّ بناء على عدم القول برجوع مفروض المقام إلى المعارضة، لوحدة المتعلق، و الا فهو داخل في باب النهي عن العبادة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 290

..........

و بالجملة: انه بناء على القول بوحدة المتعلق فيدخل المقام في باب النهي عن العبادة و على القول بالانضمام اتجه الحكم بالصحة في صورة النسيان، بل يمكن ان يقال بالصحة مع العلم أيضا، لأنه و ان كان الطواف مزاحما مع حرمة الكون في المسجد جنبا و ان الطواف المندوب لا يقبل المزاحمة مع الحرام، فيقدم جانب الحرمة، و لكن مع ذلك، ان النهي تعلق بأمر خارج عن العبادة، فلا يوجب البطلان.

الا ان يقال بعدم تمشي قصد القربة حينئذ فيوجب البطلان من هذه الجهة أو من جهة فقدانه الحسن الفاعلي، و أما في صورة النّسيان فيتمشى منه قصد القربة و يعد فعله حسنا، فعليه لا وجه للقول بالبطلان.

الرابع- انه لا ريب في استحباب الطّهارة لطواف المندوب، لما سمعته في

صحيح معاوية بن عمار المتقدم.

الخامس- قال في الجواهر: «ان الظاهر ارادة الطواف المندوب لنفسه دون ما كان جزء عمرة مندوبة أو حج كذلك فإنه من الواجب» ما افاده صاحب الجواهر «قدس سره» هو الصواب، لانه و ان كان نفس العمل مستحبا لكن طوافه واجب لصيرورة العمل واجبا عليه بشروعه فيه، لقوله تعالى (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ) فمقتضى إطلاق دليل وجوب الطهارة للطواف الواجب شموله للطواف الذي صار جزء للعمرة المندوبة و الحجّ النّدبي.

ان قلت: انه منصرف عنه. قلت: ليس في البين انصراف أولا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، فلا عبرة به، لما ذكرناه غير مرّة ان الانصراف المعتبر هو ما إذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 291

..........

كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرح بخروج المنصرف عنه عن تحت الإطلاق كان توضيحا للواضح و انه في المقام كذلك أوّل الكلام فليس من الانصراف الصالح للتقييد، فيثبت وجوب الطهارة عن الحدث الأصغر في الطواف الذي هو جزء للحج الندبي أو العمرة المندوبة.

السادس- انه تقوم الطّهارة التّرابية مقام المائية، لاقتضائها عموم دليل البدليّة لكن عن فخر المحققين عن والده انه لا يرى اجزاء التيمّم فيه بدلا عن الغسل، بل في المدارك: «انه ذهب فخر المحققين الى عدم اباحة التيمم للجنب للدخول في المسجدين و لا اللّبث فيما عداهما من المساجد» و مقتضاه عدم استباحة الطواف به.

و لكن لا يخفى ما فيه. لما أشرنا إليه من ان عموم البدليّة تقتضي قيام الطّهارة الترابيّة مقام الطهارة المائية، من غير فرق بين الحدث الأكبر و الأصغر.

السابع- انه يكفي للطواف طهارة المستحاضة و المسلوس، و أما المبطون فقد قال في كشف اللثام انه يطاف عنه و

الأصحاب قاطعون به، و الفارق هو النّص، و الا كان المتّجه الجواز فيه كالمستحاضة و المسلوس و غيرهما من ذوي الطّهارة الاضطرارية في صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه قال: المبطون و الكسير يطاف عنهما و يرمى عنهما «1» في حديث حبيب الخثعمي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يطاف عن المبطون و الكسير «الكبير خ ل» «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الحلق و القصير الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الحلق و القصير الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 292

و ازالة النجاسة عن الثوب و البدن (1)

(1) ما أفاده المصنف «قدس سره» من وجوب إزالة النجاسة عن الثوب و البدن في الطواف مما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا، لخبر يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف؟ قال: ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج و يغسله ثم يعود فيتم طوافه «1» و ما عنه ايضا قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رأيت في ثوبي شيئا من الدم و انا أطوف؟ قال: فاعرف الموضع، ثم اخرج فاغسله، ثم عد فابن على طوافك «2».

ان قلت: انهما ضعيفان من حيث السند.

قلت: ان كونهما ضعيفين من حيث السند أول الكلام، لكون يونس بن يعقوب شخصا جليل القدر. و ثانيا- على فرض تسليم ضعف السّند فهو منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

ان قلت: انه يمكن ان يكون مدرك الحكم

فيه قوله: (الطواف بالبيت صلاة) لا خبر يونس بن يعقوب المتقدم حتى يقال بانجبار سنده بعمل الأصحاب فلا عبرة به.

قلت: ان مستند حكمهم في وجوب إزالة النجاسة عن الثوب و البدن ليس الا الخبر المتقدم، لما نرى من تفريق الأصحاب بين المقام و بين الصلاة في الفرعين الآتيين و هما:

1- حكمهم بان الدم الأقل من الدرهم معفو عنه في الصّلاة و لم يحكموا بالعفو؟؟؟

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 293

..........

عنه في المقام فحكموا بعدم الصحّة من دون فرق بين ما كان الدم أقل من الدرهم أو أكثر 2- حكمهم بجواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة به و لو لم يكن طاهرا بخلاف المقام لحكمهم بعدم الصّحة. و من ذلك يستكشف عدم كون استناد حكمهم في المقام الى قوله: (الطواف بالبيت صلاة) لأنه لو كان كذلك لما فرقوا بين الطّواف و الصّلاة في هذين الفرعين.

ان قلت: لعل مستند حكمهم في المقام هو أصالة الاحتياط مطلقا أو أصالة الاحتياط في خصوص الارتباطيات.

قلت: انه اتفق على هذا الحكم في المقام الأصوليّون القائلون بالبراءة و الأخباريون القائلون بالاحتياط، و القائلون باختصاص البراءة بغير الارتباطيات و القائلون بجريان البراءة فيها فتحصّل ان مستند حكمهم في المقام خبر يونس بن يعقوب لا غيره فيحصل انجبار ضعفه بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

و اما مرسل البزنطي- قال: قلت له رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه؟ فقال: أجزأ الطواف فيه ثم ينزعه و يصلى في ثوب طاهر «1» الدال على جواز الطواف

فيما إذا كان في ثوبه الدم الذي لا يجوز الصلاة فيه- فلا يصلح لمعارضة خبر يونس بن يعقوب المتقدم، لضعفه و عدم انجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

مضافا الى انه قد يقال بعدم المعارضة بينهما، لاختصاص خبر يونس بن يعقوب

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 294

..........

بصورة العلم، و هذا بخلاف مرسل البزنطي، لكونه مطلقا ان لم نقل باختصاصه بالجاهل، فيقيد به، هذا بناء على رجوع الضمير في قوله (مما لا تجوز الصلاة في مثله) الى الدم و أما بناء على رجوعه الى الثوب فلا معارضة، لدلالته حينئذ على عدم مضرية الطواف فيما لا تتم الصلاة فيه إذا كان نجسا، فتأمل.

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- ان خبر يونس بن يعقوب- كما ترى- وارد في خصوص الثوب المتنجس بالدم، فلو كنا نحن و هذا الخبر أشكل الحكم بلزوم التجنب عن كل نجاسة في مفروض المسألة.

الثاني- ان مقتضى إطلاق الخبر المزبور عدم الفرق في عدم صحة الطواف مع نجاسة الثوب و البدن بالدم بين الواجب و المندوب.

و اما دعوى انصرافه عن المندوب ففيه ما لا يخفى لعدم ثبوته في مفروض المقام أولا، و على فرض ثبوته فهو بدوي ثانيا و ليس من الانصراف المعتبر فلا عبرة به في تقييد الإطلاق.

الثالث- انه قد ظهر مما تقدم اعتبار طهارة ثوبه عن كل دم حتى المعفو عنه في الصلاة، لإطلاق خبر يونس بن يعقوب المتقدم.

الرابع- انه إذا طاف في الثوب المتنجس نسيانا فيقع الكلام في صحته و عدمه يمكن ان يقال بالبطلان بدعوى ان قوله: «رأيت في ثوبي دما و أنا أطوف.»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 295

و

ان يكون مختونا (1)

و كذلك قوله: «يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف» ظاهر في انه كان من أول الأمر جاهلا به و رآه في الطواف فلا يشمل صورة النسيان، و لذا حكم فيه عليه السّلام بالتتميم بعد التطهير لا الاستيناف، فهو دليل على صحة ما سبق في صورة الجهل، فان مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين صورة احتمال طرو النجاسة حين الرؤية و انها لم تكن من قبل أو لا.

و أما مع النّسيان فلم يدل دليل على صحة ما مضى من الطواف فيحكم فيه بالبطلان لخروج خصوص صورة الجهل عن تحت دليل الاشتراط، و لا يتأتى في المقام رفع النّسيان لان حديث رفع النسيان لا يرفع الحكم الوضعي.

و لكن يمكن الحكم بالصحة فيه ايضا بدعوى ان حكمه عليه السّلام بالتطهير لما بقي من الطواف مهما رأى الدم انما دل على اشتراط الطهارة في صورة العلم و لم يشمل صورة الجهل و النسيان.

إلا ان يقال انه قبل النسيان كان يعلم بالنّجاسة فتحقّق موضوع المانعيّة، لكن قد يقال: انه و ان كان قد علم بالنجاسة لكنه زال بالنسيان فارتفع موضوع المانعية.

ان قلت: ان النسيان ليس جهلا طارئا بل طبيعة ثالثة.

قلت: ان سلم ذلك فيكفي في ارتفاع الموضوع كونه طبيعة ثالثة. و لكن هذه المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

(1) ما افاده المصنف «قدس سره» من اعتبار كون الرجل مختونا في الطواف مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 296

..........

قديما و حديثا، بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل عن الحلبي ان إجماع آل محمد صلّى اللّه عليه و آله عليه. إلخ» و يدل

عليه- مضافا الى ما ذكر- صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه قال: الأغلف لا يطوف بالبيت، و لا بأس ان تطوف المرأة «1» و صحيح حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان تطوف المرأة غير المخفوظة، فاما الرجل فلا يطوف الا و هو مختون «2» و خبر إبراهيم بن ميمون عنه أيضا في الرجل يسلم فيريد ان يحج و قد حضر الحج أ يحج أو يختتن؟ قال: لا يحجّ حتى يختتن «3» الى غير ذلك من الاخبار. و من هنا ظهر ضعف ما في المدارك من انه نقل عن ابن إدريس التوقّف في ذلك.

تحقيق الكلام في هذا المقام يتم في ضمن أمور: الأول- ان مقتضى إطلاق الاخبار المتقدمة عدم الفرق بين الطواف الواجب و المندوب. و أما دعوى انصرافها عن المندوب ففيه ما لا يخفى، لانه ليس في البين انصراف أو لا، و على فرض ثبوته فهو بدوي ثانيا، فلا عبر به في تقييد الإطلاق.

الثاني- ان مقتضى إطلاق بعض الاخبار المتقدمة هو شموله للصبيان فعليه يكون الختان شرطا في صحة طواف الصّبي كما يكون كذلك في طواف الرجل، فلو طاف الصبي غير المختون أو طيف به بعد ان أحرم به الولي لم يجز له ان يتزوّج بعد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3 و قد ذكر صحيح حريز في الباب 39 من أبواب الطواف.

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 297

..........

البلوغ الا بعد ان يتدارك طواف النساء بنفسه أو بنائبه.

قد يقال بعد

اعتبار هذا الشرط في حق الصبي غير المميز الذي يحج به، لانه عليه السّلام نهى في صحيح معاوية بن عمار المتقدم ان يطوف الأغلف. و من المعلوم ان الصبي غير المميز لا يطوف بل يطاف به.

و لكن ما ذكر انما يتم إذا كان النهي عن طواف الغلف نهيا نفسيا لا إرشادا إلى الشرطية، و هذا في المقام إرشاد، فعليه يكون الختان شرطا في صحة الطواف.

الثالث- يمكن ان يقال: ان النّهي فيه عن طواف الأغلف نفسي.

و لكن التحقيق: انه إرشاد إلى الشرطيّة بوجهين:

1- قد بين في محله ان ظاهر الأمر بشي ء في شي ء و نهى شي ء عن شي ء الشرطية و المانعية.

2- ان النهى في المقام تعلق بنفس الطواف، لان الظاهر منه هو تعلقه بالنتيجة- كالنهي عن بيع ما ليس عندك- و قد قرر في محله ان النهي في العبادة يوجب الفساد مطلقا، فلا يكون من قبيل تعلق النهي بالإيجاد، كالنهي عن البيع وقت النداء.

(تذييل) لو أسلم الكافر في حال الاستطاعة و لم يكن مختونا و فرض ان الوقت ضيق فيقع الكلام في انه هل يسقط عنه الختان أو الحج؟ قد يقال بالأول، لأن الشرطية كانت منتزعة عن الأمر التكليفي الذي لا يتعلق الا بالمقدور، فيسقط في حال عدم القدرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 298

..........

و لكن الأمر ليس كذلك، لأن الأمر به إرشاد، فمقتضى القاعدة سقوط الحج عنه، الا يتمسك بقاعدة الميسور أو بحديث عبد الأعلى و لكن يمكن المناقشة فيهما:

أما (في الأول): فلعدم عمل الأصحاب به في المقام و يحتمل ان يكون العمل بها منوطا بوجود قيد كان معلوما عند الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لذا حكموا بجريانها في الموارد التي كان القيد

موجودا فيها دون الموارد الفاقدة له، و كيف كان فلا بد في إجرائها في كل مورد إحراز عمل الأصحاب بها فيه، و الا فلا محيص عن التوقف و عدم إجرائها فيه، اللهم الا ان يقال انهم عملوا بها في الحج غاية الأمر انه لم يتعرضوا المفروض المسألة بالخصوص فتأمل.

ان قلت: انه يمكن إثبات وجوب الحج من باب سقط ما سقط و بقي ما بقي و قد بينّا في قوله: (على اليد ما أخذت حتى تؤدّي) في صورة تلف العين انه حيث يكون إرجاع العين الى مالكه بجميع خصوصياتها- من الشخصية و النّوعية و الماليّة- متعذرا فيحكم بسقوط خصوصية الشخصية عنه لتعذره و ببقاء خصوصية النوعية و المالية على عهدته، و كذلك في مفروض المقام، لاشتغال ذمته بالحج المشروط طوافه بالختان، و حيث ان الختان متعذر لأجل ضيق الوقت، فيحكم بسقوطه عنه. للتعذر و بقاء أصل الحج عليه.

قلت: انما يتم ذلك إذا لم يكن الشيئان من قبيل القيد و المقيد بحيث حكم بانتفاء المقيد بانتفاء قيده، و في المقام كذلك، لان الختان دخيل في أصل صحة طوافه الذي يكون الحج مشروطا به، فبعدمه لأجل التعذر يحكم بانتفاء مقيده و هو الطواف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 299

و لا يعتبر في المرأة (1)

[و المندوبات]

و المندوبات ثمانية الغسل لدخول مكة (2)

الموجب لانتفاء الحج، كما لا يخفى.

و بعبارة أخرى ان هذه القاعدة انما تجري في غير المركبات الارتباطية، و أما فيها فلا مجال لجريانها فيها، لان المقيّد ينتفي بانتفاء قيده.

و اما (في الثاني): فلإمكان القول بعدم ارتباطه بالمقام، لوروده في إثبات الجبيرة و جعل البدل عن مسح البشرة- و هو المسح على المرارة- و في المقام ليس كذلك،

لعدم البدل عن الختان. و لكنه لا يخلو من تأمل و وجهه واضح.

ثم انه يمكن ان يقال: انه لا يتصور ضيق الوقت بالنسبة إلى الختان لعدم احتياجه الى زمان معتد به. قلت: انه يتصور فيما إذا فرض عدم وجود من يختتنه و كان متوقفا على الفحص و الزمان لا يسع ذلك.

(1) عدم اعتبار الختان في صحة طواف المرأة مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا بل في الجواهر:

«بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه.» و يدل عليه الاخبار المتقدمة.

(الكلام في المندوبات)

(2) لحسن الحلبي قال: أمرنا أبو عبد اللّه عليه السّلام ان نغتسل من فخ قبل ان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 300

..........

ندخل إلى مكة «1» و خبر عمران الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام تغتسل النساء إذا أتين البيت؟ فقال: نعم ان اللّه تعالى يقول (أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ) و ينبغي للعبد ان لا يدخل مكة الا و هو طاهر قد غسل عنه العرق و الأذى و تطهر «2» بناء على إرادة الكناية بذلك عن الغسل.

ثم انه قد ذهب بعض الى استحباب غسل آخر لدخول الحرم، لخبر ابان بن تغلب قال: كنت مع ابي عبد اللّه عليه السّلام مزاملة فيما بين مكة و المدينة فلما انتهى الى الحرم نزل و اغتسل و أخذ نعليه بيديه، ثم دخل الحرم حافيا فصنعت مثل ما صنع، فقال: يا ابان من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعا للّه عز و جل، محي اللّه تعالى عنه ألف سيئة، و كتب له مأة ألف حسنة و بنى اللّه له مأة

ألف درجة، و قضى له مأة ألف حاجة «3» و حسن معاوية بن عمار عنه ايضا قال: إذا انتهيت الى الحرم «ان شاء اللّه تعالى» فاغتسل حين تدخله، و ان تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخّ أو من منزلك بمكة «4».

و لكن في صحيح ذريح المحاربي قال: سألته عن الغسل في الحرم قبل دخول مكة أو بعد دخوله؟ قال: لا يضرّك أي ذلك فعلت و ان اغتسلت بمكة فلا بأس. و ان اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكّة فلا بأس «5» يظهر منه كون الغسل واحدا- كما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب زيارة البيت الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 2

(5) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 301

..........

جزم به في المدارك، فإنه بعد ان ذكر النصوص المتقدمة، و خبر عجلان ابي صالح قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد فاغتسل و اخلع نعليك و امش حافيا و عليك السكينة و الوقار «1» قال: و مقتضاها استحباب غسل واحد قبل دخول الحرم أو بعده من بئر ميمون الحضرمي الذي في الأبطح أو من فخ، و هو على فرسخ للقادم من المدينة أو من المحل من مكة الذي ينزل فيه بمكة على سبيل التخيير، و غاية ما يستفاد منه ان إيقاع الغسل قبل

دخول الحرم أفضل، فما أفاده المصنف «قدس سره» من استحباب غسل لدخول مكة و آخر لدخول المسجد غير واضح.

و أشكل منه حكم العلامة و بعض المتأخرين باستحباب ثلاثة أغسال بزيادة غسل آخر لدخول الحرم، لان النّصوص المتقدّمة ظاهرة الدّلالة على غسلين: (أحدهما)- لدخول الحرم (ثانيهما)- لدخول مكة، و التخيير المزبور فيها غير مناف خصوصا بعد احتمال الرخصة في التداخل.

و أما الغسل الثالث لدخول المسجد، فقال في الجواهر: (فإنه و ان كنا لم نعثر في النصوص على ما يدل عليه لكنه يكفي فيه ما عن الخلاف و الغنية من الإجماع عليه، نعم المعروف في الغسل للمكان التقدم عن دخوله، و لكن ظاهر النّصوص المزبورة الرخصة في الغسلين الأولين بوقوعهما بعد الدخول، كما ان ظاهرها الاجتزاء بغسل واحد عنهما بعد دخول مكة و لا بأس به بل لا بأس بقصد دخول المسجد معهما لما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 302

فلو حصل عذرا اغتسل بعد دخوله (1) و الأفضل ان يغتسل من بئر ميمون أو فخ و الا فمن منزله (2) و مضغ الإذخر (3)

ذكرناه في كتاب الطهارة من جواز التداخل في الأغسال المندوبة. إلخ)

(1) انه قد عرفت مما تقدم ان مقتضى الرّوايات التخيير بين الغسل قبل دخول الحرم و بعده من دون اعتبار عذر فيه اي في تأخيره عن الدخول، و ما دل على استحباب الغسل عند دخول الحرم لا ينافيه التخيير المحمول على بيان الجواز أو التداخل، و قوله عليه السّلام في حسن معاوية: (و ان تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ) «1» ظاهر في ذلك، لان المراد منه

هو ان الاولى الغسل لدخول الحرم عند دخوله، لكن مع التّقديم يجزيك الغسل له و لدخول مكة من بئر ميمون بن عبد اللّه الحضرمي و من فخ، فالأول للقادم من العراق و نحوه. و الثاني: للقادم من المدينة على معنى ان كلا لمن يمر عليه في قدومه.

(2) لما تقدم في صدر المبحث.

(3) استحباب مضغ الإذخر لدخول مكة مما لا اشكال فيه، و يدل عليه حسن معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه «2» و خبر ابي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه. «3» و هو و ان كان يحتمل التأخير عن دخول الحرم و التقديم، الا ان المنساق منه- كما افاده صاحب الجواهر «قدّس سرّه»- هو ارادة فعله عند الدخول

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 303

و ان يدخل مكة من أعلاها (1) و ان يكون حافيا على سكينة و وقار (2).

و يمكن تأييده بما قال الكليني: (سأل بعض أصحابنا عن هذا؟ فقال:

يستحب ذلك ليطيب به الفم لتقبيل الحجر.

(1) لخبر يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: من أين ادخل مكة و قد جئت من المدينة؟ فقال: ادخل من أعلى [1] مكة و إذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة «1» و للتأسي بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله

الذي حكاه الصادق عليه السّلام عنه في الصحيح و هو ما عن معاوية بن عمار عنه عليه السّلام في (حديث طويل) في صفة حج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: و دخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين «2».

قال في الجواهر: «الا ان التقييد في الأول قد كان في كلام السائل، و التأسي بالنبي صلّى اللّه عليه و آله يقتضي الأعم خصوصا مع كون الأعلى على غير جادة طريق المدينة، بل قيل: ان النبي صلّى اللّه عليه و آله عدل اليه، فالمتجه حينئذ ما أطلقه المصنّف (قدّس سرّه).

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لكن لم يدل عليه دليل بخصوصه.

نعم في خبر ابان بن عثمان عن عجلان ابي صالح قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد فاغتسل، و اخلع نعليك؛ و امش حافيا

______________________________

[1] و الأعلى- كما في الدروس و عن غيرها- ثنية كداء «بالفتح و المد» و هي التي ينحدر منها الى الحجون لمعبر مكة، و يخرج من ثنية كدا «بالضم و القصر» منونا و هي بأسفل مكة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 304

و يغتسل لدخول المسجد الحرام (1) و يدخل من باب بني شيبة (2).

بعد ان يقف عندها و يسلم على النبي صلّى اللّه عليه و آله و يدعو بالمأثور (3).

و عليك السكينة و الوقار «1» و يعضده غيره و هذا- كما ترى- يدل على استحباب ذلك في دخول الحرم.

(1) قد

عرفت الكلام فيه.

(2) للتأسي و قول الصادق عليه السّلام في خبر سليمان بن مهران في حديث المأزمين قال: انه موضع عبد فيه الأصنام، و منه أخذ الحجر الذي نحت منه هبل الذي رمى به علي عليه السّلام من ظهر الكعبة، لما علا ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأمر به فدفن عند باب بني شيبة، فصار الدخول الى المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك. «2»

(3) لخبر ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: تقول و أنت على باب المسجد بسم اللّه و باللّه، و من اللّه و الى اللّه، و ما شاء اللّه، و على ملة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و خير الأسماء للّه، و الحمد للّه، و السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، السّلام على محمد بن عبد اللّه، السّلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته، السّلام على أنبياء اللّه و رسله، السّلام على إبراهيم خليل الرحمن، السّلام على المرسلين، و الحمد للّه رب العالمين، و السّلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، اللّهم صل على محمّد و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد، و ارحم محمدا و آل محمد كما صليت و باركت و ترحمت على إبراهيم و آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللّهم صل على محمد و آل محمد عبدك و رسولك، و على إبراهيم خليلك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 305

[المقصد الثّاني في كيفية الطواف]
اشارة

المقصد الثّاني في كيفية

الطواف، و يشتمل على واجب و ندب،

[فالواجب]
اشارة

فالواجب سبعة: النية (1)

و على أنبيائك و رسلك، و سلم عليهم و سلام على المرسلين و الحمد للّه رب العالمين، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، و استعملني في طاعتك و مرضاتك، و احفظني بحفظ الإيمان أبدا ما أبقيتني جل ثناء وجهك. الحمد للّه الذي جعلني من وفده و زواره و جعلني ممن يعمر مساجده، و جعلني مما يناجيه، اللهم اني عبدك و زائرك في بيتك و على كل مأتي حق لمن أتاه و زاره و أنت خير مأتي و أكرم مزور، فاسئلك يا اللّه يا رحمن و بأنك أنت اللّه لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، و بأنك واحد أحد صمد لم تلد و لم تولد و لم يكن لك كفوا أحد، و ان محمدا عبدك و رسولك و على أهل بيته يا جواد يا ماجد يا جبّار يا كريم، أسئلك ان تجعل تحفتك إيّاي من زيارتي إياك أول شي ء ان تعطيني فكاك رقبتي من النّار، اللّهم فكّ رقبتي من النّار (تقولها ثلاث) و أوسع علي من رزقك الحلال الطّيب، و ادرأ عنّي شرّ شياطين الانس و الجن، و شرّ فسقة العرب و العجم «1» و قال أيضا في صحيح معاوية. فإذا انتهيت الى باب المسجد، فقم و قل:

السّلام عليك أيّها النّبي و رحمة اللّه و بركاته، بسم و باللّه و ما شاء اللّه و السّلام على أنبياء اللّه و رسله و السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و السّلام على إبراهيم خليل اللّه و الحمد للّه رب العالمين. «2».

(1) بلا خلاف فيه و لا اشكال، لكونه من العبادات الموقوفة على النيّة، و

قد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب مقدمات الطواف و توابعها الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب مقدمات الطواف و توابعها الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 306

..........

تقدم الكلام في نظائر المقام في حكمها و كيفيتها غير مرة. قال في الجواهر: (نعم في الدروس هنا ظاهر بعض القدماء: ان نية الإحرام كافية عن خصوصيات نيات الأفعال و لعله لخلو الأخبار الواردة بتفصيل أحكام الحج من ذكر النيّة في شي ء من أفعاله سوى الإحرام الذي هو أولها، فيكون حينئذ كباقي العبادات المركبة- من الصلاة و غيرها- التي تحتاج اجزاؤها إلى نية، و هو كما ترى ضرورة: الفرق بينه و بين الصلاة التي أفعالها مرتبطة و متصلة بخلاف أفعال الحج الباقية على مقتضى قوله: (لا عمل إلا بنية) و «انما الأعمال بالنيات» الذي هو لولا الإجماع لكان معتبرا في اجزاء الصلاة أيضا بل لعله كذلك فيها بناء على انها الدّاعي المفروض وجوده في تمام الصلاة بل ربما كان ذلك مرجحا للقول بأنها الداعي- كما أوضحناه في محله- بل ربما كان على ذلك لا فرق بين الابتداء و الاستدامة التي هي على هذا التقدير فعلية لا حكمية إلا في صورة نادرة، و هي فيما لو فرض ذهاب الداعي في الأثناء مع بقاء الأفعال منتظمة، بل يمكن منع الفرض المزبور و منع صحة الصلاة فيه لو سلم، و لتحقيق المسألة مقام آخر هذا و ربما كان الوجه في تخصيص الإحرام بذكر النيّة فيه توقف نوع الحج و العمرة عليه. إلخ) ثم لا يخفى انه- كما أفاده صاحب الجواهر «قدّس سرّه» لا بد- من مقارنة النيّة للطواف كغيره من الأعمال.

و اما الاستدامة حكما فقد

تقدم الكلام عنه بل ذكرنا بناء على انها الدّاعي انه موجود غالبا في جميع اجزاء الفعل و الا لم يقع منه منتظما.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 307

و البدئة بالحجر و الختم به (1)

ثم انه لو غفل الشخص في أثناء العمل عن النية و لم يكن محركة الداعي الأول و توجه ذهنه إلى إعمال أخرى فلا إشكال في بطلان عمله لخروج عمله بناء عليه عن الترتيب- و بكون نظير النائم الذي يقوم و يصلي و يأتي بالأعمال- و أما إذا حصلت له الغفلة و لكن كان محركه الداعي الأول، فهذا لا ينافي إتيان العمل بتمامه على وجهه فيكون عمله صحيحا، فتأمل.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنّصوص مضافا الى التّأسي به صلّى اللّه عليه و آله خصوصا بعد قوله: «خذوا عنى مناسككم. إلخ» و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود «1» ينبغي هنا بيان أمرين: الأول- ان ظاهر قولهم: (و يتحقق ذلك بان يبتدئ في الطواف بقليل مما قبله ناويا ان يكون ابتداء طوافه مما يحاذيه و الزائد خارجا عن طوافه مقدمة علمية له) اعتبار البدأة بأول الحجر.

لكن قد يشكل في استفادة ذلك من الأدلة، لأن الخبر انما دل على كون الطواف من الحجر الى الحجر و من الواضح انه مع الابتداء بآخر الحجر يصدق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 308

و ان يطوف

على يساره (1)

الطواف منه، فعليه يكفي في تحقق الشوط الابتداء بآخر الحجر و الانتهاء بأوله- كما عن ظاهر المدارك.

و بعبارة أوضح: انه قد بين الشارع المقدس كيفية الطواف و هي البدأة من الحجر و الختم به و المفروض ان هذا الشخص الذي بدأ من آخر الحجر و ختم بأول جزء منه يصدق عليه انه بدأ به و ختم به فعليه لا يلزم إتمام الشوط بل يكفى الشروع من آخره و الختم بأوله.

و لكن التحقيق: خلافه، لان ما ورد من البدء بالحجر و الختم به انما يكون المقصود منه عدم جعل ابتداء طوافه و انتهائه ركنا آخر غير الحجر، و ليس في مقام بيان جهات اخرى حتى يستفاد منه الإطلاق فعليه يتعين الرجوع الى مقتضى القاعدة، و مقتضاها الختم بالنقطة التي بدء بها، لان الحجر داخل في البيت و من المعلوم لزوم الطواف بالبيت بتمامه، و معنى الطواف الدور التمام، و الشوط عبارة عن تمام الحركة الدوريّة و عدم خروج بعضها عنه.

الثاني- انه لو ابتدأ بما قبل الحجر و كان ذلك بعنوان المقدّمة العلمية و كذلك في الختام: فقد علم بتحقق الابتداء و الاختتام بالحجر الواجبين عليه تحقيقا و ان لم يعلم بهما حال تحققهما تفصيلا و هذا مما لا بأس به.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى التأسي. إلخ» لم يرد فيه نص بالخصوص و العمدة فيه الإجماع ان تمّ.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 309

..........

نعم ربما تشير اليه بعض أخبار الأدعية، و هو صحيح عبد اللّه بن سنان قال:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا

كنت في الطواف السابع فائت المتعوذ، و هو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب فقل: «اللهم البيت بيتك، و العبد عبدك و هذا المقام العائذ بك من النار، اللهم من قبلك الروح و الفرج» ثم استلم الركن اليماني، ثم ائت الحجر فاختم به «1» و صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثم تطوف بالبيت سبعة أشواط «الى ان قال» فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة و هو المستجار دون الركن اليماني بقليل في الشوط السابع فابسط يديك على الأرض و ألصق خدك و بطنك بالبيت ثم قل: «اللهم البيت بيتك، و العبد عبدك، و هذا مكان العائذ بك من النار» ثم أقر لربك بما عملت من الذنوب، فإنه ليس عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا المكان الا غفر له ان شاء. الى ان قال: ثم استقبل الركن اليماني و الرّكن الذي فيه الحجر الأسود و اختم به. «2» هذا بناء على القول باستلزام الترتيب المذكور في الشوط السابع، لكون الطواف على اليسار.

ينبغي ذكر أمرين: الأول- انه لو جعل البيت على يمينه أو استقبله بوجهه أو استدبره جهلا أو سهوا أو عمدا لم يصح و لو كان ذلك بمزاحمة آخر، لفوات الشرط.

الثاني- انه يكفى في تحقق كون البيت على اليسار الصدق العرفي، و لا يحتاج

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 310

و ان يدخل الحجر في الطواف (1) و ان يكمله سبعا (2)

فيه المداقة لصدق العنوان فلا ينافي الانحراف اليسير الى اليمين كما صرح به غير واحد من الأصحاب «رضوان

اللّه تعالى عليهم» و في الجواهر ادعى القطع به.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه.» و يدل عليه جملة من النصوص المأثورة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر؟ قال: يعيد ذلك الشوط «1» و رواه الصدوق عن ابن مسكان مثله الا انه قال: «يعيد الطواف الواحد».

2- خبر حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يطوف بالبيت فيختصر في الحجر؟ قال: يقضي ما اختصر من طوافه «2».

3- صحيح معاوية بن عمار المتقدم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود «3» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام، فلو طاف بينه و بين البيت بطل طوافه، و لو دخله في أثناء طوافه أعاد ذلك الشوط للأصل و ظاهر صحيح الحلبي المتقدم.

(2) كما هو المعروف، بل قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه، و يدل عليه النصوص المأثورة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- ما رواه انس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 311

..........

(في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام) قال: يا علي ان عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن و أجراها اللّه

عزّ و جل في الإسلام، حرم نساء الإباء على الأبناء «الى ان قال:» و لم يكن للطواف عند قريش فسن لهم عبد المطلب سبعة أشواط فأجرى اللّه عز و جل ذلك في الإسلام «1».

2- ما عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال: قلت: لأي علة صار الطواف سبعة أشواط؟ فقال: ان اللّه قال للملائكة «إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» فردوا عليه و قالوا «أَ تَجْعَلُ فِيهٰا مَنْ يُفْسِدُ فِيهٰا وَ يَسْفِكُ الدِّمٰاءَ» فقال «إِنِّي أَعْلَمُ مٰا لٰا تَعْلَمُونَ» و كان لا يحجبهم عن نوره فحجهم عن نوره سبعة آلاف عام فلاذوا بالعرش سبعة آلاف سنة فرحمهم و تاب عليهم، و جعل لهم البيت المعمور في السماء الرابعة، و جعله مثابة و جعل البيت الحرام تحت البيت المعمور و جعله مَثٰابَةً لِلنّٰاسِ وَ أَمْناً فصار الطواف سبعة أشواط واجبا على العباد لكل ألف سنة شوطا واحدا «2».

3- ما عن ابي خديجة أنه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول «في حديث»: ان اللّه أمر آدم ان يأتي هذا البيت فيطوف به أسبوعا و يأتي منى و عرفة فيقضي مناسكه كلها فأتى هذا البيت فطاف به أسبوعا و أتى مناسكه فقضاها كما امره اللّه فقبل منه التوبة و غفر له. إلخ «3» و نحوها غيرها من الاخبار الآتية التي ذكرت في أبواب متفرقة من أبواب الطواف.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الطواف الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 312

و ان يكون بين المقام و البيت و لو مشى على أساس

البيت أو حائط الحجر لم يجزه (1)

(1) كما هو المعروف المدعي عليه الإجماع قال في الجواهر: «فلا خلاف معتد به أجده في وجوب كون الطواف بينه و بين البيت بل عن الغنية الإجماع عليه.»

و يدل عليه حريز بن عبد اللّه عن محمد بن مسلم قال: سألته عن حد الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفا بالبيت؟ قال: كان الناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام [1] و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت فكان الحد موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف، و الحد قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت من نواحي البيت كلها، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد، لانه طاف في غير حد و لا طواف له «1».

ان قلت: انه ضعيف سندا. قلت: انه و ان كان ضعيفا سندا، لكن ذلك

______________________________

[1] و المقام لغة موضع قدم القائم و لكن المراد به هنا مقام إبراهيم عليه السّلام اي الحجر الذي وقف عليه لبناء البيت- كما عن ابن أجير، أو للأذان بالحج- كما عن غيره- أو لما عن ابن عباس من انه لما جاء يطلب ابنه إسماعيل فلم يجده، قالت له زوجته:

انزل فأبى، فقالت: دعني اغسل رأسك فاتته بحجر، فوضع رجله عليه و هو راكب، فغسلت شقه ثم رفعته و قد غابت رجله فيه، فوضعته تحت الشق الآخر و غسلته، فغابت رجله الثانية فيه فجعله اللّه من الشعائر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 313

..........

منجبر

بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بمضمونه، فلا يصغي الى المناقشة فيه بضعف السند بعد الانجبار المزبور الموجب للاطمئنان و الوثوق بصدوره عن المعصوم عليه السّلام الذي هو مناط الحجيّة و الاعتبار، و قد بيّنا غير مرّة في الأصول:

ان المدار في اندراج الخبر تحت دليل الاعتبار هو الوثوق و الاطمئنان الحاصل تكوينا بعملهم على طبقه.

ينبغي هنا ذكر أمور: الأول- انه في بعض الاخبار ما يدل على جواز الطّواف خلف المقام مع الكراهة إلا مع الضّرورة، و هو صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف خلف المقام؟ قال: ما أحبّ ذلك و ما أرى به بأسا فلا تفعله الا ان لا تجد منه بدا «1» كما عن ظاهر الصدوق الفتوى به، و لكن إعراض الأصحاب عنه مانع عن العمل به.

الثاني- انه يراعي ذلك القدر من البعد في جميع جوانب البيت، كما تضمنه خبر محمد بن مسلم المتقدم في صدر المبحث و نسب الى قطع الأصحاب حتى جهة الحجر لاقتضائه ظاهره.

و لكن عن المدارك و غيره احتساب المسافة المذكورة من خارج الحجر لوجوب إدخاله في الطواف، فلا يكون محسوبا من المسافة. و فيه ما لا يخفى، لكونه خلافا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 28 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 314

..........

لظاهر الخبر.

فعليه يضيق المطاف حينئذ من تلك الجهة و يكون قريبا من ستة أذرع و يقرب في سائر الجوانب من ستة و عشرين ذراعا و نصف، كما في كشف اللثام عن تاريخ الأزرقي.

الثالث- قال في الجواهر كان وجه ما فيه «اي خبر حريز المتقدم في صدر المبحث» من الاختلاف بين اليوم و عهده صلّى اللّه عليه و آله مع

قوله: «و الحدّ قبل اليوم و اليوم واحد» ما عن مالك و الطّبري: «من انه كانت قريش في الجاهلية ألصقته بالبيت خوفا عليه من السيول، و استمر كذلك في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و عهد ابي بكر، فلما ولى عمر رده الى موضعه الآن الذي هو مكانه في زمن الخليل عليه السّلام» و ان كان يبعد ذلك:

ان النبي صلّى اللّه عليه و آله اولى من عمر بذلك، خصوصا بعد عدم معرفته بموضعه في زمن الخليل و من هنا كان المحكي عن ابن أبي مليكة انه قال: «موضع المقام هذا الذي هو فيه اليوم، و هو موضعه في الجاهليّة و في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و ابي بكر و عمر، الا ان السّيل ذهب به في خلافة عمر، ثم رد و جعل في وجه الكعبة حتى قدم عمر فرده».

و عن تاريخ البخاري: «أن سئل أم نهشل: لما أتى المسجد أخذ المقام إلى أسفل مكة فلما جف الماء أتوا بالمقام، و ألصقوه بالكعبة، و كتبوا الى عمر بذلك فورد مكة معتمرا في شهر رمضان من ذلك العام، و سئل هل أحد عنده علم بمحل الحجر، فقام المطلب بن وداعة السلمي، و قيل رجل من آل عابد، و الأول أشهر، أنا كنت أخاف عليه مثل هذا فأخذت مقياسه من محله الى الحجر، فأجلسه عمر عنده، و قال له:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 315

..........

ابعث فأتني بالمقياس فاتى به فوضع عمر المقام في محله الآن»- و نحوه عن النووي و الأزرقي.

و عن ابن سراقة: «ان ما بين الكعبة و مصلى آدم أرجح من تسعة أذرع و هناك كان موضع مقام إبراهيم عليه السّلام،

و صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنده حين فرغ من طوافه ركعتين، و انزل عليه: «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى.» ثم نقله الى الموضع الذي هو فيه الآن، و ذلك على عشرين ذراعا من الكعبة، لئلا ينقطع الطواف بالمصلين خلفه ثم ذهب به السيل في أيام عمر إلى أسفل مكة فاتى به، و أمر عمر برده الى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» و نحوه- في ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو الواضع له هنا- ما عن ابني عنبسة و عروية.

بل قد يظهر من صحيح زرارة: ان عمر قد أحيا فعل الجاهلية قال لأبي جعفر عليه السّلام: قد أدركت الحسين عليه السّلام؟ قال: نعم، اذكروا انا معه في المسجد الحرام، و قد دخل فيه السيل، و الناس يقومون على المقام يخرج الخارج، فيقول قد ذهب به السيل و يدخل الداخل، فيقول هو مكانه قال: فقال: يا فلان ما يصنع هؤلاء؟ فقلت: أصلحك اللّه تعالى يخافون ان يكون السيل قد ذهب بالمقام، فقال لهم: ان اللّه عز و جل جعله علما لم يكن ليذهب به، فاستقروا و كان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السّلام عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم فلما فتح النبي صلّى اللّه عليه و آله مكة رده الى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السّلام فلم يزل هناك الى ان تولى عمر، فسئل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟ فقال رجل: انا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 316

..........

كنت قد أخذت مقداره بتسع فهو عندي، فقال: ائتني به

فأتاه به، فقاسه فرده الى ذلك المكان.)

الرابع- انه لا يجزى الطواف على أساس البيت الذي هو القدر الباقي من أساس الحائط بعد عمارته المسمى بالشاذروان، و على حائط الحجر، لعدم صدق الطواف بالبيت و الحجر و في الجواهر: (إذ الأول من الكعبة فيما قطع به الأصحاب على ما في المدارك، بل هو المحكي من غيرهم- من الشافعية و من الحنابلة و بعض متأخري المالكية- نعم عن ابن ظهرة من الحنفية: جواز الطواف عندنا على الشاذروان، لانه ليس من البيت، نص على ذلك الأصحاب، و لعله لما رواه من ان ابن الزبير لما هدم الكعبة و ادخل الحجر أو ستة أذرع منه أو سبعة فيها، لما سمعته من عائشة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه بناها على أساس إبراهيم الخليل عليه السّلام و لم ينقص من عرض جدارها شي ء، اللهم الا ان يكون النقصان المتعارف بين الناس في البناء إذا ظهر على الأرض، و مثله يمكن منع كونه نقصانا من البيت.

نعم، في بعض التواريخ انه لما قتل ابن الزبير هدموا الكعبة و اخرجوا ما كان ادخله فيها من الحجر، و المراد ان المعروف كون الشاذروان هو ما نقصته قريش من عرض جدار الكعبة، لكن قد بنيت بعدهم غير مرة منها في أواخر الستين و ستمائة، أو أوائل عشر السبعين و ستمائة، فان كان المراد النقصان المتعارف عند ظهور الأساس إلى الأرض أشكل حينئذ دعوى خروجه من البيت، و ان كان غيره و انه لما جددوها أبقوها على ما نقصتها قريش النقصان الغير المتعارف اتجه حينئذ وجوب احتسابه في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 317

[و من لوازمه ركعتا الطواف]

و من لوازمه ركعتا الطواف و هما واجبتان في

الطواف الواجب (1)

في الطواف، لكون الطواف عليه حينئذ طوافا بالبيت كما هو واضح و على كل حال فالعمل على ما عليه الأصحاب.

و اما الثاني: فلما فاته لما سمعته سابقا من وجوب الطواف به سواء قلنا بكونه من البيت أو خارجا عنه و لا ريب في عدم تحقق ذلك مع الطواف ماشيا على حائطه بل عن التذكرة عدم جواز مس الطائف الجدار بيده في موازاة الشاذروان لانه يكون بعض بدنه في البيت فلما يتحقق الشرط الذي هو خروجه عنه بجميعه بل كان كما لو وضع أحد رجليه اختيارا على الشاذروان و لكن فيه منع الشرط المزبور مع فرض صدق الطواف عليه و لو لخروج معظم بدنه و لعله إذا جزم بالصحة في القواعد لكن الأحوط ما ذكره نعم لو مسه لا في موازاته لم يكن به بأس.

و في كشف اللثام هو مبني على اختصاصه ببعض الجوانب- كما عرفت- قلت:

المحكي عن ابن الزهرة في شفاء الغرام ان شاذروان الكعبة هو الأحجار اللاصقة بالكعبة التي عليها البناء المسنم المرخم في جوانبها الثلاثة الشرقي و الغربي و اليماني و بعض حجارة الجانب الشرقي بناء عليه و هو شاذروان ايضا، و اما الحجارة اللاصقة بجدار الكعبة التي يلي الحجر فليست شاذروان، لان موضعها من الكعبة بلا ريب، و الشاذروان هو ما نقصته قريش من عرض جدار أساس الكعبة حين ظهر على الأرض كما هو عادة الناس في الأبنية، أشار الى ذلك الشيخ أبو حامد الاسفراينى و غيره و اللّه العالم).

(1) كما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» المدعي عليه الإجماع. مضافا الى ما قال به في الجواهر: «للتأسي به صلّى اللّه عليه و آله، فإنه صلهما، و تلا

قوله

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 318

..........

تعالى: «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى». بل قيل: انها نزلت عليه حين فعلهما و منه مع غيره من النصوص المشتملة على وجوب عود النّاسي لهما الى المقام و الصلاة فيه و ذكر الآية دليل عليه يظهر وجه دلالة الآية على ذلك، مضافا الى الإجماع على عدم وجوب غيرهما فيه، و للأمر بقضائهما مع فواتهما المحمول على الوجوب المقتضي لوجوب الأداء و لقول الصادق عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: «. إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السّلام و صل ركعتين و اجعله اماما، و اقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد، و في الثانية قل يا أيها الكافرون، ثم تشهد و احمد اللّه و أثن عليه، وصل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و اسئله ان يتقبّله منك و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره ان تصليهما في أي السّاعات شئت عند طلوع الشمس وعد غروبها و لا تؤخرهما ساعة تطوف «و تفرغ فصلهما» «1» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم (عليهم السّلام).

هذا مما لا كلام لنا فيه انما الكلام في ان ركعتي صلاة الطواف جزء للطواف أو شرط لصحته، يمكن ان يقال بالأول لما دل على وجوب الوضوء في طواف الفريضة معللا بان فيه الصلاة، و هذا يدل على انها جزء له لمكان: «في» الواقع في منطوقه، و فيه: أولا لم يقصد منها الظرفيّة الحقيقية هنا، لعدم كون الصّلاة في أثناء الطّواف بل بعده. و ثانيا انها لا تدل على ذلك كما يقال: ان في الصلاة قنوت مع انه قيل بعدم الجزئية، و إذا شكّ فيه فالمرجع هو الأصل، فتدبر.

______________________________

(1) صدره في

الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 3 و ذيله في الباب 3 من أبواب الطواف الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 319

..........

مضافا الى انه يمكن الاستدلال لعدم جزئيتهما له بأمور:

الأول- ما ورد في الاخبار ما يعد الصلاة الواجبة إلى صلاة الميت و الخسوف و الطواف. أ فهل يقال: ان صلاة الخسوف جزء له أولا أو شرط لصحته. و غاية ما في الباب ان الخسوف سبب لوجوب الصلاة و هكذا الطواف يكون سببا لوجوب الصلاة و لكن لا بمعناه الحقيقي بل بمعنى ان الشارع المقدّس شرع الحكم على الموضوع فمهما تحقق الموضوع تحقق الحكم بحكم الشارع، و كيف كان فبهذا الاعتبار يضاف الصلاة الى الطواف فيقال: صلاة الطواف.

الثاني- ما دل من الاخبار على عدم اعتبار الطّهارة في طواف الناقلة و اعتبارها في صلاته، لانه لو كان جزء لها لكان يشترط فيه ايضا ذلك الا ان يقال بعدم الملازمة فتدبر.

الثالث- ظهور قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السّلام فصل ركعتين) «1» في كونهما «أي الطواف و الصلاة» عملين الى غير ذلك من الأدلة.

و لكن بناء على تمامية هذه الأدلة يثبت بها عدم الجزئية فقط دون عدم الشرطية و العمدة في إثبات عدم الشرطية عدم الدّليل، ففي فرض الشّك يرجع الى مقتضى الأصل هذا كله بالنسبة إلى الطّواف، و أما بالنسبة إلى السّعي فهل تكون ركعتي صلاة الطواف جزء له أو شرطا لصحّته، فنقول: أما كونها جزء له فلا مجال للقول به لأنه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 320

..........

لو كانت جزء لكانت جزء

للطواف لا للسعي، و أما كون تقدمها على السّعي شرطا لصحّته، فيدل عليه دليل الترتيب الظاهر في الشرطية، كقوله عليه السّلام في خبر علي بن أبي حمزة: «. فإذا فرغ صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام، ثم خرج الى الصفا و المروة فطاف بينهما. إلخ «1» و نحوه غيره من الاخبار.

و لكن في بعض الاخبار ما يدل على سقوط اشتراط التّرتيب بالنّسيان، و هو صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في رجل طاف طواف الفريضة و نسي الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم ذكر؟ قال: يعلم ذلك المكان ثم يعود فيصلي الركعتين، ثم يعود الى مكانه «2» لان من عدم امره عليه السّلام بإعادة السعي من رأس يعلم سقوط الشرط المزبور- و هو تقدم الصلاة على السعي- عند النسيان كما انه يعلم من أمره عليه السّلام بالصلاة ثم تتميم السعي: ان الترتيب شرط ذكري. و نحوه ما عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسى ان يصلي الركعتين حتى يسعى بين الصفا و المروة خمسة أشواط أو أقل من ذلك؟ قال: ينصرف حتى يصلي الركعتين، ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتم سعيه «3»، و ما عن حماد بن عيسى عمن ذكره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف طواف الفريضة و نسي الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة؟ قال: يعلم ذلك الموضع، ثم يعود فيصلي الركعتين ثم يعود الى مكانه «4».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 15

(2) الوسائل ج 2 الباب 77 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2

الباب 77 من أبواب الطواف الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 77 من أبواب الطواف الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 321

..........

و لكن روى الصدوق- رحمه اللّه تعالى- بإسناده عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام انه رخّص له ان يتم طوافه ثم يرجع فيركع خلف المقام «1» فبمقتضى هذا التّرخيص لا بد من حمل الأمر بالعودة الى خلف المقام للصلاة عنده في تلك الاخبار على الاستحباب و يمكن القول بأنه يستفاد من هذا الحديث عدم اشتراط التّرتيب في صحة السّعى في حال الذّكر سواء كان تذكره في أثناء العمل أو في ابتدائه.

و لكن لا يخفى ان هذا انما يتمّ بناء على ظهور الحديث المتقدم في التعميم، و أما بناء على عدمه- كما هو الظاهر- فيقال بعدم اشتراط الترتيب في حال الذكر بالنسبة إلى البقية لا مطلقا.

ثم انه بناء على التعميم يمكن ان يقال باشتراط التّرتيب الذكري بالنسبة إلى خصوص الشوط الأول دون سائر الأشواط اقتصارا في مخالفة الدليل الاولى على مقدار دلالة النّص على الخلاف، و لكنه لم يلتزم به أحد، فعلى ما ذكر يقال: ان تقديم الصلاة على السعي ليس شرطا في صحته.

نعم بناء على فورية وجوب الصلاة لا يجوز له الدخول في السّعي و لو خالف ذلك عمدا أثم لمخالفته الفور، و لا يبطل طوافه.

و لكن التحقيق: انه لا حجّية لحديث محمد بن مسلم المتقدم، لان طريق الصدوق- رحمه اللّه تعالى- الى محمد بن مسلم ضعيف و بعد طرحه يتعين القول باشتراط الترتيب لوجهين:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 77 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 322

..........

الأول- الاخبار المصرحة بأنه لو تذكر في الأثناء رجع الى

الصلاة ثم أتم السعي الثاني- ظاهر خبر علي بن أبي حمزة المتقدم و نحوه و لكن يمكن المناقشة فيهما.

أما (في الأول): فلان لزوم الرجوع عند التذكر المستفاد من تلك الاخبار لا يدل على ذلك لانه لازم أعم له، فكما يحتمل ان يكون ذلك لشرطية الترتيب كذلك يحتمل ان يكون ذلك لأجل فورية وجوب الصلاة و عدم فورية وجوب السعى، فيرجع و يأتي بها عند المقام، لتقدم الواجب الفوري على الموسع، فعليه يكون ذلك لحفظ فوريتها.

و أما (في الثاني) فيأتي فيه عين ما تقدم في الأول، فلعل الأمر بالصلاة بعد الطواف ثم السعى كان لأجل ان الصلاة واجب فوري لا اشتراط الترتيب.

نعم تقدم أصل الطواف شرط في صحة السعي للنص بلا فرق بين صورة الذكر و النسيان و أما تقدم الصّلاة فلا. نعم بناء على القول بأن ركعتي صلاة الطواف جزء له أو شرط لصحته يتجه بطلان السعي بترك الصلاة قبله، لكن ذلك غير صحيح لما تقدم، و كيف كان فظهر: انه لا يمكن إثبات اشتراط التّرتيب بين صلاة الطّواف و السّعي، و لذا ذهب صاحب الجواهر «قدّس سرّه» الى عدمه و نسبه الى الشّهيد الثّاني الذي هو من أساطين الفقه.

ثم ان لما ذكرناه- من عدم دلالة لزوم تقديم الصّلاة على السّعي على اشتراط الترتيب، لاحتمال ان يكون ذلك و كذلك لزوم الرجوع لو تركها ثم تذكر في الأثناء لمكان الفوريّة- نظائر- منها:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 323

..........

1- ان الإقامة بناء على القول بوجوبها ليست شرطا لصحة الصلاة و انما هي واجب نفسي، و لو تركها و تذكر في أثناء الصلاة فقد دل الدليل على انه يرجع و يأتي بالإقامة مع عدم كونها شرطا لصحتها.

2-

ان المتابعة في صلاة الجماعة واجبة مع عدم التزامهم بكونها شرطا لصحتها و لو تركها لم يحكموا ببطلان الصلاة و لا الجماعة، و لكن مع عدم فصل بمقدار يخل بالجماعة عرفا.

ان قلت: ان ظاهر دليل الإتيان بالطواف ثم الصلاة ثم السعى و كذا اخبار الرجوع لو تذكر في الأثناء هو اشتراط الترتيب، كما ان ظاهر اخبار الترتيب في اعمال منى: الشرطية.

قلت: يمكن الفرق بين المقام و بين أعمال منى بدعوى: فورية وجوب الصلاة، هنا فعليه يتأتى الاحتمال المتقدم و أما هناك فلا تأتى هذه المناقشة، و الأمر في اعمال منى دائر بين كون الترتيب واجبا نفسيا أو شرطيا، و مقتضى ظاهر دليله هو الشرطية لا النفسية، و أما فيما نحن فيه بعد وجود الاحتمال المتقدم فلا مجال في إثباته بما ورد من الأمر بالصلاة ثم السعى، و لا بما ورد من اخبار الرّجوع لو تذكر في الأثناء.

فظهر: انه بناء على تماميّة المناقشة المتقدّمة فليس دليل لفظي يدل على اشتراط التّرتيب، فتصل النّوبة إلى الأصول العمليّة و مقتضاها البراءة عنه. هذا غاية ما يمكن ان يقال في تصحيح ما ذهب اليه صاحب الجواهر و الشهيد الثاني (قدّس سرّهما) و لكن التّحقيق: ظهور اخبار التّرتيب و كذا الأخبار الدّالة على لزوم الرجوع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 324

..........

عند التذكر في كونه شرطا، و لا يضر احتمال كون الطائفتين من الاخبار ناظرتين إلى جهة فورية الصلاة، فإن مع كل ظهور احتمال خلافه، و هذا الاحتمال خلاف الظاهر.

و أما الاستشهاد بما مر من ان الإقامة بناء على القول بوجوبها مع انها ليست شرطا لصحة الصلاة و انما هي واجب نفسي، ففيه: ان عدم الاشتراط هناك- بناء على تقدير

وجوبها- انما يكون لأجل النص.

و أما الاستشهاد بما مر من وجوب التّبعية في الجماعة، ففيه: انه قد حققنا في محلّه ان الحق هنا الاشتراط ايضا خلافا للمشهور.

فظهر مما تقدم: ان تقدم الصّلاة في حال الذّكر شرط لصحة السّعي، و أما في حال النسيان فلا لدلالة صحيح معاوية بن عمار المتقدم على الصحة و في حكم النّسيان الجهل، لصحيح جميل بن دراج عن أحدهما عليهما السّلام: ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام بمنزلة الناسي «1».

تحقيق الكلام يتوقّف على ذكر الأمور التالية: الأول- انه بناء على ما تقدم من عدم كون الصلاة جزء للطواف فلو تركها نسيانا و سعى لم يضرّ ذلك بالتحلّل مما يحلّ منه بطواف الزّيارة.

الثاني- انه بما ان تقدّم الصلاة شرط في صحّة السّعي لا بد من إتيانها عقيب الطواف بحيث لا يفوت السّعي، و بما انه ورد في بعض الاخبار ما يظهر منه الفور- بناء

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 325

..........

على تماميّة هذا الظّهور- مثل قوله عليه السّلام: (إذا فرغت من الطواف فائت مقام إبراهيم عليه السّلام فصل.) «1» فلا بد من الإتيان بها عقيب الطواف فورا، و لو عصى ذلك لم تسقط الصلاة عن ذمته فيجب عليه ان يأتي بها.

ان قلت: كيف و الواجب يسقط بالامتثال و بالعصيان، و المفروض انه عصى فيسقط. قلت: انه لم يعص أصل الأمر بالصّلاة و انما عصى فوريّتها.

مضافا الى انه لا يصح القول بكون العصيان مسقطا للتكليف و انما المسقط له أمران: (الأول): الامتثال. (الثاني): ذهاب الموضوع- كان يحرق الميت الذي يجب ان يصلي عليه أو يتأخر الواجب المضيّق الى ان

يفوت وقته الذي هو موضوع له و لم يرد أمر بقضائه.

الثالث انه لو نسي الصلاة و تذكر بعد السعي، فإن بقي من شهر ذي الحجة شي ء أتى بها فيه، لوقوعها في وقتها، و لو تذكر بعد مضي الشهر وقع الكلام في انه هل يجوز له الإتيان بها في خارج ذي الحجة أو عليه ان يصبر الى العام القابل؟ مقتضى إطلاق دليل القضاء الأول، لكونها قبل صيرورتها قضاء موقتا بوقت خاص و لولا دليل القضاء لقلنا بسقوطه بانقضاء الوقت، لكن دليل القضاء كشف عن انه كان الواجب على نحو تعدد المطلوب و في الحقيقة الأمر الأول باق، فعليه الإتيان بها لان مقتضى إطلاق دليل القضاء عدم توقيتها بوقت خاص، فيأتي بها قبل ذي الحجة، إلا إذا قام دليل خاص على لزوم الإتيان بها في وقت خاصّ فتدّبر. و هذا الكلام بعينه جار

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب زيارة البيت الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 326

و لو نسيهما وجب عليه الرجوع (1) و لو شق قضاهما حيث ذكره (2).

بالنسبة إلى الطواف و السعي.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه الا ما يحكى عن الصدوق من الميل الى صلاتهما حيث يذكر بل في كشف اللثام الإجماع عليه. إلخ) و يدل عليه- مضافا الى أصالة عدم سقوط المأمور به مع التمكن من الإتيان به على وجهه- صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سئل عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء و لم يصل ايضا لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح؟ قال: يرجع

الى المقام فيصلي ركعتين «1» و خبر عبيد بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء فلم يصل الركعتين حتى ذكر بالأبطح يصلي اربع ركعات؟ قال: يرجع فيصلي عند المقام أربعا «2» و المرسل سئل عن الرجل يطوف بالبيت طواف الفريضة و نسي ان يصلى الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام فقال: يصليهما و لو بعد أيام، لأن اللّه تعالى يقول:

(وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى.) «3» و نحوها غيرها من الاخبار.

(2) ما افاده المصنف «قدّس سرّه» من وجوب القضاء حيث ما ذكره فيما لو شقّ عليه الرجوع الى المقام مما هو المعروف بين الأصحاب، فلو شقّ عليه الرجوع فضلا عما لو تعذر قضاهما حيث ذكر، كما في القواعد و الناقع و محكي التهذيب و الاستبصار،

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 7

(3) المذكور في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 327

..........

قال في الجواهر: «و لعله المراد من التعذر في محكي النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و المهذب و الجامع، لقاعدة الحرج و اليسر المشار إليهما في صحيح ابي بصير (يعني المرادي) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، و قد قال اللّه تعالى «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى» حتى ارتحل؟ قال: ان كان ارتحل فاني لا أشق عليه و لا آمره ان يرجع و لكن يصلي حيث يذكر «1». إلخ».

و لكن في جملة من النصوص: انه يصليهما حيث تذكر

منها حسن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السّلام فلم يذكر حتى ارتحل من مكة قال: فليصلهما حيث ذكر و إن ذكرهما و هو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما «2» و نحوه غيره من الاخبار الا ان المشهور حملها على صورة المشقة بالرجوع بشهادة صحيح ابي بصير المتقدم.

و لكن تحقيق الكلام يتوقف على ذكر جميع الأخبار الواردة في المقام حتى يتضح المختار فنقول:

منها- صحيح عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام فيمن نسي ركعتي الطواف حتى ارتحل من مكة؟ قال: ان كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلهما أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه «3».

و منها- خبر عمر بن البراء عن ابي عبد اللّه عليه السّلام فيمن نسي ركعتي طواف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 10

(2) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 18

(3) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 328

..........

الفريضة حتى أتى منى انه رخص له ان يصليهما بمنى «1».

و منها- ما عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن رجل نسي ان يصلي الركعتين؟ قال: يصلي عنه «2».

و منها- ما عنه ايضا عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء و لم يصل لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح؟ قال: يرجع الى المقام فيصلي ركعتين «3».

و منها- ما عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة

و لم يصل الركعتين حتى ذكر و هو بالأبطح يصلي أربعا؟ قال: يرجع فيصلي عند المقام أربعا «4».

و منها- ما عنه ايضا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء فلم يصل الركعتين حتى ذكر بالأبطح فصلى اربع ركعات؟ قال: يرجع فيصلي عند المقام أربعا «5».

و منها صحيح عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه سأله عن رجل نسي ان يصلى الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم عليه السّلام حتى أتى منى؟ قال: يصليهما بمنى «6».

و منها- ما عن هشام المثنى قال: نسيت أن أصلي الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى فرجعت الى مكة فصليتهما ثم عدت إلى منى فذكرنا ذلك لأبي عبد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 5

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 328

(4) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 6

(5) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 7

(6) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب الطواف الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 329

..........

اللّه، فقال: أ فلا صلاهما حيث ما ذكر «1».

و منها- ما عن حنان بن سديد قال: زرت فنسيت ركعتي الطواف فأتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو بقرن الثعالب فسألته؟ فقال: صل في مكانك «2».

و منها- ما عن احمد

بن عمر الحلال قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتى اتى منى؟ قال: يرجع الى مقام إبراهيم فيصليهما «3».

و منها- صحيح عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: من نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه ان يقضي، أو يقضي عنه وليّه، أو رجل من المسلمين «4».

و منها- ما عن ابن مسكان قال: حدثني من سئله عن الرّجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج؟ فقال: يوكل «5» قال ابن مسكان (و في حديث آخر) ان كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع و ليصليهما، فان اللّه تعالى يقول (وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى) «6».

و منها- ما عن الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام في طواف الحج و العمرة؟ فقال: ان كان بالبلد صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام فان اللّه عز و جل يقول:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 9.

(2) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 11.

(3) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 12.

(4) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 13.

(5) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 14.

(6) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 15.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 330

..........

«وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى» و ان كان قد ارتحل فلا آمره ان يرجع «1».

و منها- ما عن هشام بن المثنى و حنان قالا: طفنا بالبيت طواف النساء و نسينا الركعتين فلما مرنا

«مررنا» بمنى ذكرناهما فأتينا أبا عبد اللّه عليه السّلام فسألناه؟ فقال:

صلياهما بمنى «2».

و منها- عن الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان عن الصادق عليه السّلام انه سئل عن رجل يطوف بالبيت طواف الفريضة و نسي ان يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام؟ فقال: يصليهما و لو بعد أيام، ان اللّه يقول «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى» «3» و أنت ترى ان الاخبار الواردة في المقام على طوائف فلا بد من الجمع بينها فنقول: ان خبر محمد بن مسلم المتقدم الدال بإطلاقه في الناسي بأنه يصلى عنه منزل على ما في باقي الاخبار من التفصيل حملا للمطلق على المقيد و كيف كان فالناسي تارة: يتذكر و هو في البلد، و اخرى بعد خروجه منه، فان تذكر و هو في البلد فحكمه ان يرجع و يصلي بنفسه كما هو صريح صحيحي معاوية و خبر ابي الصباح الكناني و ان كان خرج عن البلد فمقتضى صحيح معاوية عدم وجوب العودة عليه مطلقا بل يصلي حيث ما ذكر لكن خرج من هذا الإطلاق بمقتضى صحيح عمر بن يزيد (الحديث الأول) لان مقتضى قوله عليه السّلام فيه «ان كان قد مضى قليلا فليصليهما أو يأمر بعض الناس فليصليهما عنه» هو كونه مخيرا بين العودة و الاستنابة فيبقى حينئذ تحت الإطلاق صورة ما إذا كان خرج كثيرا من مكة ففي هذه الصورة أيضا مخير بين ان يصلي بنفسه هناك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 16

(2) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 17

(3) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 19

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 331

..........

أو يرجع الى

مكة و يصلي عند المقام أو يستنيب.

أما الأول: فلجملة من الاخبار المتقدمة.

و أما الثاني: فلان ما دل من الاخبار المتقدمة على انه يصلى حيث ذكر يكون من باب التّرخيص و الإرفاق لا اللزوم و العزيمة.

و أما الثالث: فلما مرّ في حديث محمد بن مسلم من قوله عليه السّلام (يصلى عنه) و ما مر في حديث ابن مسكان من قوله عليه السّلام (يوكل).

ثم ان حيث لفظ القليل مشكك ذو مراتب يعلم مقدار المراد منه بصحيح محمد ابن مسلم و نحوه (الحديث الثاني) الدال على لزوم إعادة الصلاة لو ذكر و هو بالأبطح أنه إلى هناك داخل في القليل، بخلاف منى الذي صرح في خبري عمر بن براء و عمر ابن يزيد و نحوهما بجواز الصلاة هناك لو تذكر هناك.

و أما خبر احمد بن عمر الحلال الآمر بالعودة الى مقام إبراهيم عليه السّلام مع ان المفروض انه تذكر بمنى و هو محمول على الندب، فان ظاهر الأمر و ان كان هو الوجوب و بداعي الجد الا انه ترفع اليد عنه لأجل ما دل من الاخبار المتقدمة على الجواز فيحمل على الاستحباب جمعا.

مضافا الى انه ان هذا الحديث هكذا رواه الشيخ «ره» بسند، و رواه الصدوق بسند آخر عن احمد بن عمر الحلال مثله الا انه قال: «نسي ركعتي طواف الفريضة و قد طاف بالبيت حتى يأتي منى» و النسخة الثانية- كما ترى- لا تدل على انه كان وصل الى منى، فمع اختلاف النسخ يسقط الحديث عن الحجّية و لم يثبت كونهما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 332

..........

خبرين فلا دليل على استحباب العود حينئذ.

ثم انه لا يخفى ان مقتضى إطلاق الأدلة عدم الفرق في الحكم بعدم وجوب

العود و جواز الصلاة هناك إذا كان قد خرج كثيرا بين صورة لزوم العسر و الحرج من العود و عدمه و لكن استدل على اختصاص الحكم بصورة لزوم العسر و الحرج بما في حديث ابي بصير المتقدم في صدر المبحث: (اني لا أشق عليه و لا آمره ان يرجع) و هذا الحديث قرينة على ان المراد من قوله عليه السّلام في خبر ابي الصباح الكناني: (لا آمره ان يرجع) الذي ليس فيه ذكر عن المشقة أيضا ذلك.

و لكن التحقيق: خلافه لانه ليس المراد من قوله عليه السّلام: (لا أشق عليه) المشقة بمعنى العسر و الحرج، فان الحكم الحرجي منفي في الشريعة، فلا يبقى مجال لان يقول:

«لا أشق عليه» لعدم كونه قابلا للجعل في الشريعة حتى يرفعه فالمراد من قوله عليه السّلام في صحيح أبى بصير: «لا أشقّ عليه و لا آمره» هو المراد من قوله عليه السّلام في حديث ابي الصّباح الكناني: (لا آمره) بدون ذكر المشقّة و المراد من المشقّة في هذا الحديث هي المشقة الثابتة في نفس الرجوع طبعا.

و قد تحصل من الجمع بين الاخبار: انه ان كان في البلد و تذكر صلى بنفسه خلف المقام، و ان كان تذكر بعد الخروج منه قليلا تخير بين الرجوع و الاستنابة، و ان كان تذكر بعد الخروج منه كثيرا تخيّر بين ان يصلي هناك أو يستنيب أو يرجع.

لكن يبقى الكلام فيما مرّ من حديث ابن مسكان حيث قال: (و في حديث آخر: إذا كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع و ليصلهما). فإنه مناف لما عرفت من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 333

و لو مات قضاهما الولي عنه (1)

الجمع، و ما ذكره بعض من حمله

على صورة العمد غير صحيح، لوروده في صورة النسيان، و لم يذكر صاحب الوسائل «قدس سره» صدر الحديث، و ذلك بقرينة ان ابن مسكان بعد ان ذكر ما مر من الحديث في الناسي قال: و في حديث آخر.»

فيعلم انهما موضوع واحد، فحصل التعارض بينه و بين باقي الأخبار الدالة على خلاف ذلك، و لكن لا يعتد به لاضطراب متنه الموجب لعدم الوثوق به حيث ان مقتضاه انه لو جاوز ميقات أهل أرضه وجب عليه الرجوع و الا فلا هذا بحسب المفهوم و هو مفهوم التحديد الذي هو من أقوى المفاهيم، و من الواضح ان هذا غير صحيح، لانه لو كان تفصيل في البين، فهو على العكس و لعل قوله عليه السّلام: (ان كان جاوز) غلط و كان الصحيح: «ان كان لم يجاوز» و بعد تصحيح الحديث بجعله «ان كان لم يجاوز» يلزم وجوب الرجوع مع فرض عدم مجاوزته من الميقات و لو انه وصل الى قريب الميقات و لو كان ميقات أهل أرضه مسجد الشجرة مع ما بينه و بين مكة من البعد فيلزم ان يقال بوجوب الرجوع من هناك، و هذا خلاف صريح ما تقدم من الاخبار.

مضافا الى ما في هذا الحديث من ضعف السند مع ان عدم المجاوز من الميقات مطلق يمكن تقييده بمقتضى باقي الأخبار بخصوص ما إذا كان خرج قليلا ان قلنا انه قابل لهذا التقييد و لم ننكره من جهة كونه في مقام التحديد، و يمكن حمله على الندب، فلاحظ و تأمل و اللّه الهادي إلى الصواب.

(1) يحتمل ان يكون وجه ما افاده المصنف «قدس سره» هنا من وجوب قضاء الولي ركعتي طواف الفريضة عنه: صحيح عمر بن يزيد

عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 334

[مسائل ست]
اشارة

مسائل ست:

الأولى

[الأولى- الزيادة عمدا على سبع في الطواف الواجب محظورة]

الأولى- الزيادة عمدا على سبع في الطواف الواجب محظورة و مبطلة على الأظهر (1)

قال: من نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة، فعليه ان يقضي أو يقضي عنه وليه، أو رجل من المسلمين «1» و خبر محمد بن مسلم سئل أحدهما عليهما السّلام عمن نسي ان يصلي الركعتين؟ فقال: يصلى عنه «2» مضافا الى عموم ما دل على قضاء الصلاة الفائتة عنه، فتدبر.

ثم انه يظهر من صحيح عمر بن يزيد جواز قضاء غير الولي عنه مع وجوده و لا يخفى انه حمله جماعة على صورة الموت، بقرينة ذيله- و هو ذكر الولي- فمعناه ان كان حيا قضى بنفسه، و الا قضى عنه وليه أو رجل من المسلمين.

(1) كما عن الوسيلة و الاقتصاد و الجمل و العقود و المهذب، بل في المدارك: «انه المعروف من مذهب الأصحاب» و في كشف اللثام: «انه المشهور» و استدل لذلك بأمور الأول- خبر عبد اللّه بن محمد عن ابي الحسن عليه السّلام قال: (الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة إذا زدت عليها، فعليك الإعادة، و كذلك السعي) «3».

الثاني- خبر ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض؟ قال: يعيد حتى يثبته «4» و رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد مثله الا انه قال: «حتى يستتمه».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 13

(2) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 11

(4) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 335

..........

الثالث- خروجه عن الهيئة التي

فعلها النبي صلّى اللّه عليه و آله مع وجوب التأسي و قوله صلّى اللّه عليه و آله: (خذوا عني مناسككم).

و نوقش في الأول: بكونه ضعيفا سندا.

و في الثاني: أولا- بأنه ضعيف سندا، و ثانيا- على فرض صحة سنده فلعدم تمامية دلالته لاختلاف نسخه، ففي بعض النسخ: «حتى يستتمه» و مقتضاه التتميم بإضافة ستة إلى الواحد الذي زاد لا الاستيناف من رأس، فالمراد من قوله عليه السّلام «يعيد» بناء على تلك النسخة ذلك.

الا ان يقال: منع قرينية قوله: «حتى يستتمه» لذلك، لكونه ملائما للإعادة من رأس، لكون مرجع الزيادة إلى النقصان لنقصان القيد العدمي، فتأمل.

و في الثالث- قد يقال بأن النبي صلّى اللّه عليه و آله و ان لم يزد على السبعة لكن مقتضى التأسي ليس إلا صحة الإتيان بالسبعة و لا دلالة له على بطلان الإتيان بأزيد منها، و لكن فيه ما لا يخفى و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في أصل الحكم بعد ثبوت الاتفاق عليه قديما و حديثا مضافا الى ان خبر عبد اللّه بن محمد المتقدم و ان كان ضعيفا سندا الا انه منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

ينبغي هنا بيان أمور الأول- انه يمكن ان يقال: ان خبر عبد اللّه بن محمد المتقدم في صدر المبحث.

محمول على الزيادة العمدية، لأنه المنصرف اليه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 336

..........

الثاني- ان مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين كون الزيادة في ابتداء النية و في أثنائها و بعد الإكمال.

الثالث- ان ظاهر الخبرين المزبورين اعادة الطواف من رأس، لا الشوط خاصة و هو كذلك، كما صرح به غير واحد.

الرابع- انه لا يعارض ما مر صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال سألته عن

رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط قال: يضيف إليها ستة «1» لأنه حمل على الزيادة نسيانا أو على انه نوى طواف ثان و على فرض عدم تمامية هذين الحملين فلا عبرة به لإعراض الأصحاب عنه و كذا عن أبي أيوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف الفريضة؟ قال: فليضم إليها ستا ثم يصلي اربع ركعات «2».

الخامس- قد يقال عدم تصور الزيادة في الطواف، فإنه بمجرد تماميّة السّبعة قد تم طواف واحد و لو أتى بشوط آخر لا يحسب زيادة في الطواف الذي تم- نظير أن يأتي بركعة أخرى بعد السّلام- فعليه يتعين حمل الخبر على صورة ما إذا كان قصده من الزيادة تقييديا.

و فيه ان الزيادة في بعض الأمور يكون بالقصد- كما في القراءة فلو كرّرها و لكن لا بقصد الجزئية للصلاة لم تصدق عنوان الزّيادة- و في بعض الأمور لا يكون بالقصد- كما في المعدودات، لكون الزّيادة حاصلة تكوينا و لو لم يقصد الجزئية كما في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 337

..........

عدد الركوع. نعم يمكن ان يقال انه لو قصد الخلاف لم تصدق الزيادة كما في الانحناء لقصد قتل العقرب مثلا، و لكن مع ذلك ايضا تحصل الزّيادة، و عدم حصولها بالانحناء لقتل العقرب انما يكون لأجل خصوصيّة في الركوع، و هو كونه امرا قصديا، أو مشروطا بعدم قصد الخلاف و كيف كان فاشواط الطواف تكون من المعدودات فلو جاء بثمانية أشواط، فقد حصلت الزيادة على السبعة تكوينا سواء قصد الجزئية أم لا.

فتحصل: انه لو زاد

عمدا كان عليه الإعادة- أي إعادة الطواف من رأس- بمقتضى خبر عبد اللّه بن محمد، و لا يصح حمله على صورة كون القصد تقييديّا، كيف و ليس البطلان حينئذ مستندا إلى الزيادة في المأمور به، بل الى عدم قصد امتثال الأمر.

و بالجملة: ان هذا الحديث تامّ من حيث الدلالة، لكن سنده ضعيف الا انه منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

تحقيق الكلام يتوقف على بيان الجهات التالية الاولى- ان بعض اخبار المقام صريح في التفصيل بين طواف النافلة و الفريضة في صورة ما لو زاد نسيانا في الحكم بتتميم الزائد طوافا كاملا في النافلة، و بالإعادة بمعنى الاستيناف من رأس في الفريضة، و هو ما رواه أبو بصير «في حديث» قال: قلت له: فإنه طاف و هو متطوّع ثمانية مرّات و هو ناس؟ قال: فليتمه طوافين ثم يصلي اربع ركعات فأما الفريضة فليعد حتى يتم سبعة أشواط «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 338

..........

و لكن قد يقال بأنه يعارضه ما رواه علي بن أبي حمزة قال: سئل و انا حاضر عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط؟ فقال: نافلة أو فريضة؟ فقال: فريضة، فقال:

يضيف إليها ستة فإذا فرغ صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام ثم خرج الى الصفا و المروة. إلخ «1». و يعارضه أيضا بإطلاقه ما في المقنعة قال: قال عليه السّلام: من طاف بالبيت ثمانية أشواط ناسيا ثم علم بعد ذلك فليضف إليها ستة أشواط «2» و ما رواه جميل انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن طاف ثمانية أشواط و هو يرى أنها سبعة قال فقال في كتاب علي عليه السّلام

انه إذا طاف ثمانية أشواط يضم إليها ستة أشواط ثم يصلي الركعات بعد، قال: و سئل عن الركعات كيف يصليهن أو يجمعن أو ما ذا؟ قال: يصلي ركعتين للفريضة ثم يخرج الى الصفا و المروة فإذا رجع من طوافه بينهما رجع يصلى ركعتين للأسبوع الآخر «3» و ما عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: ان في كتاب علي عليه السّلام إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستا و كذلك إذا استيقن انه سعى ثمانية أضاف إليها ستا «4».

الثانية- ان خبر ابى بصير المتقدم و ان كان دالا على لزوم الإعادة في طواف الفريضة إذا حصلت الزيادة نسيانا، لكن يمكن ان يقال: ان الاخبار المتقدمة الدالة على إضافة ستة في تلك الصورة مفسرة لذلك الحديث و مبينة لعدم كون المراد من اعادة الطواف استئنافه من رأس بل إعادته بتتميم الزائد طوافا كاملا و هو الفريضة، و الأول يجعل نافلة، و هذا لا ينافي ما فيه من التفصيل بين طواف النافلة و الفريضة، فإنه على هذا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 15

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 17

(3) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 16

(4) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 339

..........

ايضا يتحقق الفرق بينهما بأن النافلة لا تعاد بل يستتم الزائد و هي نافلة على حده، و أما الفريضة فتعاد، و الأول يجعل نافلة، فهذا الحديث لا يعارض- بعد الغض عما في سنده- تلك الأحاديث، لأنها مفسرة له و خبر ابي بصير المتقدم ايضا محمول على هذا

المعنى بناء على كونه في صورة النسيان، و لكن فيما تقدم تأمل.

فظهر: ان الحكم في صورة النسيان هو تتميم الزائد فلو كان فريضة جعل الأول نافلة و الثاني فريضة، و الا فكلاهما نافلة.

و أما في صورة العمد فمقتضى ظاهر ما مر من قوله عليه السّلام: (الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها فعليك الإعادة) هو لزوم الإعادة من رأس خرج منه بالتخصيص صورة النسيان، و بقي صورة العمد و الجهل، و على العامد الاستيناف من رأس.

الثالثة- ان المستفاد من بعض الاخبار ان الثاني فريضة و الأول نافلة قال محمد ابن علي بن الحسين و في خبر آخر: (ان الفريضة هي الطواف الثاني و الركعتان الأولتان لطواف الفريضة، و الركعتان الأخيرتان و الطواف الأول: تطوع «1».

الرابعة- ان مقتضى ظاهر خبر زرارة عن ابي جعفر صلّى اللّه عليه و آله قال: ان عليا عليهما السّلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة و بنى على واحد، و أضاف إليه ستا، ثم صلى ركعتين خلف المقام، ثم خرج الى الصفا و المروة. إلخ «2» هو جواز ذلك مع العمد، فليس عليه الإعادة من رأس، بل يتم الزائد و ان كان متعمدا و لكن حمل على التقية

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 14

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 340

و في النافلة مكروهة (1)

(1) لم يعرف وجه ما أفاده المصنف «قدس سره» هنا من كراهة الزيادة على سبعة أشواط عمدا في طواف النافلة الا ان يكون مراده من الزيادة في طواف النافلة هو خصوص القران بمعنى عدم الفصل بين الطوافين مثلا بالصّلاة

في طواف النافلة و قد صرح بكراهة ذلك غير واحد من الأصحاب، بل في محكي التنقيح نفى الخلاف.

تحقيق الكلام في هذا المقام يتم في ضمن أمور: الأول- ان مقتضى إطلاق بعض الاخبار هو عدم جواز القران بين الطوافين مطلقا- و هو:

1- ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام «في حديث» قال: و لا قران بين أسبوعين في فريضة و نافلة «1».

2- ما رواه علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يطوف و يقرن بين أسبوعين؟ فقال: ان شئت رويت لك عن أهل مكة، قال: فقلت:

لا و اللّه مالي في ذلك من حاجة جعلت فداك، و لكن ارونى ما أدين اللّه عز و جل به، فقال: لا تقرن بين أسبوعين، كلما «و لكن خ ل» طفت أسبوعا فصل ركعتين، و أما أنا فربما قرنت الثلاثة و الأربعة فنظرت اليه، فقال: انى مع هؤلاء «2».

3- ما رواه البزنطي قال: سأل رجل أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يطوف الأسباع جميعا فيقرن؟ فقال: لا، إلا أسبوع و ركعتان، و انما قرن أبو الحسن عليه السّلام، لأنه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 14

(2) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 341

..........

كان يطوف مع محمد بن إبراهيم لحال التقية «1» الا انه ترفع اليد عن إطلاقها بما دل على جوازه في النافلة- و هو:

1- ما رواه زرارة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: انما يكره ان يجمع الرجل بين الأسبوعين و الطوافين في الفريضة، و أما في النافلة فلا بأس «2».

2- خبر عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد اللّه

عليه السّلام يقول: انما يكره القران في الفريضة، فاما النافلة فلا، و اللّه ما به بأس «3» بناء على إرادة الحرمة من الكراهة المزبورة ليتجه نفي البأس عنه في النافلة الظاهر في عدمها فيها بقرينة المقابلة، فيختص المنع عن القران بالفريضتين و الفريضة و النافلة. مضافا الى النصوص المتقدمة في صدر المبحث فتدبر.

الثاني- ان مقتضى ظاهر قوله عليه السّلام في حديث زرارة المتقدم: (لا قران بين أسبوعين في فريضة و نافلة) هو الحرمة في النافلة أيضا، لكن يحمل على الكراهة جمعا بينه و بين خبر عمر بن يزيد و زرارة المتقدم المصرح فيه بالجواز.

مضافا الى خبر علي بن جعفر انه سئل أخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرجل يطوف الأسبوع و الأسبوعين فلا يصلى ركعتين حتى يبدو له ان يطوف أسبوعا آخر هل يصلح ذلك؟ قال: لا يصلح ذلك حتى يصلي ركعتي الأسبوع الأول ثم ليطوف ما أحب «4» و اما ما دل على جوازه فهو محمول على النافلة كخبر زرارة انه قال: ربما طفت مع ابي جعفر عليه السّلام و هو ممسك بيدي الطوافين و الثلاثة، ثم ينصرف و يصلي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 342

..........

الركعات ستا «1» و خبره الآخر قال: طفت مع ابي جعفر عليه السّلام ثلاثة عشر أسبوعا قرنها جميعا و هو آخذ بيدي، ثم خرج فتنحى ناحية فصلى ستا و عشرين ركعة و صليت معه «2» و خبر

علي بن جعفر عن أخيه قال: و سألته عن الرجل هل يصلح له ان يطوف الطوافين و الثلاثة و لا يفرق بينهما بالصلاة حتى يصلي بها جميعا؟ قال: لا بأس غير انه يسلم في كل ركعتين «3» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام الثالث- انه هل الزائد هو الطواف الثاني و به يتحقق القران المنهي عنه الموجب للبطلان أو الأول أو كلاهما؟؟

يمكن الاستدلال على الأول- و هو بطلان الطواف الثاني- بوجهين:

الأول- ان الأمر بالشي ء يقتضي النّهي عن ضدّه، و هو مأمور بعد الطّواف الأول بالصلاة فورا، فإذا خالف و اتى بالطواف يكون باطلا، لكونه منهيا عنه، و فيه: ما لا يخفى.

الثاني- ان القران انما يتحقّق بالطّواف الثّاني فهو المنهي عنه و النّهي تعلق بذات العبادة فيوجب الفساد.

يمكن الاستدلال على الثّاني- و هو بطلان الطواف الأول- بوجهين:

الأول- النّواهي المتقدّمة، و قد ذكرنا غير مرّة ان النهي عن شي ء في شي ء يفيد المانعيّة و فيه ان هذا العنوان غير منطبق على المقام، لانه ليس نهيا عن شي ء في شي ء لعدم كون الطّواف الثّاني في الطّواف الأوّل بل بعده، إلا إذا قلنا بأن الصّلاة جزء له

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب من أبواب الطواف الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب من أبواب الطواف الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 343

الثانية

[و الثانية: الطهارة شرط في الواجب دون الندب]

و الثانية: الطهارة شرط في الواجب دون الندب حتى انه يجوز ابتداء المندوب مع عدم الطهارة و ان كانت الطهارة أفضل (1)

الثالثة

[الثالثة: يجب ان يصلي ركعتي الطواف في المقام حيث هو الآن]

الثالثة: يجب ان يصلي ركعتي الطواف في المقام حيث هو الآن و لا يجوز في غيره (2)

أو ادعى فهم التعميم، فتدبر.

الثاني- ان الطواف الثاني زيادة، لعدم الفصل بالصلاة، فقد زاد سبعة أشواط و فيه انه بناء على كون الطواف الثاني زيادة فليس زيادة في الطواف، بل زيادة عليه.

يمكن الاستدلال على الثالث- و هو بطلان كلا الطوافين- بدعوى ظهور مثل هذا النهي و هو مثل قوله عليه السّلام: (لا قران بين أسبوعين) في بطلان العمل من رأس سواء قلنا بأن الثاني زيادة أم لا فتأمل.

(بقي هنا شي ء) قيل: ان المراد من القران هو ان ينوي من أول الأمر أربعة عشر شوطا طوافا واحدا فيبطل تمام العمل، لعدم نيته للمأمور به و فيه انه خلاف ظاهر الاخبار، لكونها في غير هذه الصورة.

(1) ما افاده المصنف «قدّس سرّه» هو الصواب، و قد تقدم الكلام عن ذلك بصورة مفصّلة في أول الطّواف، فراجعه.

(2) أما وجوب صلاة الطواف في المقام فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لثبوت

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 344

..........

الاتفاق عليه قديما و حديثا مضافا الى ما افاده صاحب الجواهر عند شرح قول الماتن بقوله: (للتأسي، و الآية، و المستفيض من النصوص، أو المتواتر، أو المقطوع بمضمونه).

و أما كون المراد به حيث هو الآن لا حيث كان على عهد إبراهيم عليه السّلام ثم على عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله على ما في بعض الاخبار فلصحيح إبراهيم بن ابي محمود قال: قلت للرضا عليه السّلام: أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة،

أو حيث كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ قال: حيث هو السّاعة «1» و يدل عليه- مضافا الى ما تقدم- مفهوم غيره من الاخبار المتضمنة للصلاة- منها:

1- مرسل صفوان [1] بن يحيى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: ليس لأحد ان يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام، لقول اللّه عز و جل «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى» فان صليتها فعليك إعادة الصّلاة «2».

2- خبر عبد اللّه بن مسكان الأبزاري قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل نسي فصلّى ركعتي طواف الفريضة في الحجر؟ قال يعيدهما خلف المقام، لان اللّه يقول:

«وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى» «3».

3- صحيح محمد بن مسلم المتقدم المشتمل على قوله عليه السّلام: «يرجع الى المقام

______________________________

[1] و هو من أصحاب الإجماع.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 72 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 72 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 345

..........

فيصلي ركعتين) «1».

4- حسن معاوية بن عمار المتقدم ايضا قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (إذا فرغت عن طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السّلام فصل ركعتين و اجعله اماما. إلخ «2».

الى غير ذلك من الاخبار الدالة على عدم جواز صلاة الطواف في غيره.

و من هنا ظهر ضعف ما هو المحكي عن الخلاف من جواز فعلهما في غيره، و ما هو المحكي عن الصّدوق «قدّس سرّه» من جواز فعلهما في خصوص طواف النساء في سائر مواضع المسجد.

أما وجه ضعف الأول: فواضح. و أما الثاني: فلانا لم نعثر على ما يدل على الفرق بينه و بين غيره، كما اعترف

به في كشف اللثام، قال: «الا رواية عن الرضا عليه السّلام» و الظاهر- كما افاده صاحب الجواهر «قدس سره»- إرادته ما عن الفقه المنسوب الى الرّضا عليه السّلام حيث قال بعد ذكر المواضع التي يستحب الصلاة فيها و ترتيبها في الفضل ما صورته: «و ما قرب من البيت فهو أفضل، الا انه لا يجوز ان يصلي ركعتي طواف الحج و العمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة و لا بأس ان تصلي ركعتين لطواف النساء و غيره، حيث شئت من المسجد الحرام» و لكن ذلك لا يقاوم الأخبار المتقدّمة و غيرها الدّالة على عدم جواز فعلهما في غير المقام.

أما أولا: فلعدم ثبوت نسبته عندنا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 346

..........

و أما ثانيا: فلعدم صلاحيّته لان يكون مخصّصا للاخبار المزبورة بعد عمل المشهور على طبقها، فتدبر.

قال في الجواهر: (نعم قد يستدل للأول بالأصل بعد عدم نصوصيّة الآية فيه لأنها ان كانت من قبيل اتخاذ الخاتم من الفضة- كما هو الظّاهر- أو كانت: «من» فيها بمعنى: «في» لزم ان يراد بالمقام المسجد أو الحرم، و الا وجب فعل الصلاة على الحجر نفسه، و ان أريد الاتصال و القرب، و بالمقام الصخرة فالمسجد كله بقربه، و ان وجب الأقرب فالأقرب لزم ان يكون الواجب في عهده صلّى اللّه عليه و آله عند الكعبة، لكون المقام عندها، و كذا عند ظهور القائم عليه السّلام، و كذا كلما نقل الى مكان وجبت الصلاة فيه، و لعله لا قائل به. و فيه: انه بعد تسليمه لا ينافي الظهور الذي عليه المدار

في إثبات المطلوب خصوصا بعد ما ورد من نزول الآية عند فعلهما الذي هو كالتفسير لها و ما ورد من الاستدلال بها في النّصوص. مضافا الى قاعدة الانتقال إلى أقرب المجازات مع تعذّر الحقيقة، و إمكان منع عدم القائل به، بعد عدم تعرض أحد له و غير ذلك، و إطلاق بعض النصوص السابقة: فعلهما في مكانه الذي قد عرفت المراد به مع اختصاصه بالناسي، و حمل غيره عليه قياس يقتضي جواز فعلهما حينئذ اختيارا في غير المسجد، و لا يقول به الخصم، و اشعار لفظ: «لا ينبغي» في خبر زرارة الآتي الذي يراد منه الحرمة و لو بقرينة ما سمعته من النصوص و الفتاوى، كما ترى و نفى الخلاف في الخلاف عن الاجزاء مع كونه موهونا بما سمعت: معارض بهما ايضا مع رجحانهما عليه من وجوه، و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور بعد ما سمعت من النّصوص

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 347

فان منعه زحام صلّى ورائه أو الى أحد جانبيه (1)

و الفتاوى، انتهى».

(1) ما افاده المصنف «قدس سره» هنا- من وجوب ركعتي صلاة الطواف في المقام و ان منعه الزحام صلّى ورائه أو الى أحد جانبيه- مخالف لظاهر الأخبار الواردة في المقام، لان الموجود فيها الصلاة عند المقام و خلفه و جعله اماما، و قد صرح به جماعة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

بل يمكن ان يقال بتعيين كون الصّلاة خلفه، و أما ما في جملة من الاخبار من الأمر بالصلاة عنده محمول على الخلف حملا للمطلق على المقيّد، فما افاده المصنّف (قدس سره) هنا دليله غير ظاهر.

ينبغي هنا بيان أمور الأول- انه لو أريد من المقام نفس الحجر

فلا يقع خلفه الا شخص واحد و خلف ذلك الشخص شخص آخر و هكذا بمقدار لا يخرج عن صدق كونه خلف المقام و لو أريد منه الحجر مع البناء فيمكن ان يقف خلفه ثلاثة، و كيف كان فاللّازم ان يقف في مكان يصدق عليه عنوان انه خلف المقام: عرفا، فلو طال الصّف بمقدار يصدق كونهم خلفه صحّ و كذا تصح الصّلاة خلف من هو خلف المقام، لصدق هذا العنوان فلا يصح إذا كان البعد بحيث كان مانعا عن صدقه.

الثاني- انه لو لم يتمكن من الصّلاة خلف المقام، لكثرة الناس فقد ذكر غير واحد من الأصحاب انه يراعى الأقرب فالأقرب من جهة الخلف، و كأنه لقاعدة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 348

..........

الميسور، لكن ذلك لا يخلو من المناقشة و الاشكال، و لذا حكى عن بعض جواز الصلاة في أي موضع من المسجد إذا لم يتمكن من الصلاة خلفه و لا عنده.

الثالث- ان ما ذهب اليه المصنف «قدس سره» من انه صلّى الى أحد جانبيه فكأنه احتفاظا على ميسور العندية، و لكن لا دليل على توسعة المكان في صورة عدم التمكن من تحصيل صدق عنوان الخلف.

نعم ورد عن الحسين بن عثمان، قال: رأيت أبا الحسن عليه السّلام يصلي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريبا من الظلال لكثرة الناس «1».

و لكن يمكن ان يقال ان ما ذكره الراوي من كون صلاته هناك لأجل كثرة الناس: اشتباه منه في اجتهاده، لصدق عنوان الخلفيّة في ذلك المكان، لعدم كون بعد الظّلال حين ذاك مانعا عن صدق هذا العنوان. ثم بعد تسليم ذلك لا يدل هذا الحديث على صحّة الصّلاة عند الضّرورة في أحد الجانبين.

و كيف كان ففي مفروض المقام احتمالات-

و هي:

1- سقوط شرطيّة الصّلاة للسّعي.

2- جواز تأخير السعي الى ان يتّمكن من الصّلاة خلف المقام.

3- ان تكون شرطية الصّلاة للسّعي باقية على حالها و كذا شرطيّة كون السّعي و الطّواف في يوم واحد فهو حينئذ غير متمكّن من السّعي و يبطل طوافه ايضا للفصل بينه و بين السّعي، فعليه الإتيان بعد يومه الذي لم يتمكّن من الصّلاة خلف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 75 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 349

..........

المقام بالطواف و الصلاة و السعي.

4- سقوط اشتراط الخلفية و جواز الإتيان بها في أي موضع شاء من المسجد 5- سقوط التكليف بالصلاة، فلا بد من الجمع بين الاحتمالات المتقدمة، فيصلي في ذلك الوقت في غير خلف المقام مراعيا للأقرب فالأقرب، و يسعى و يأتي بالصلاة خلف المقام بعد ذلك عند التمكن، و يعيد بعد ذلك عند التمكن الطواف و السعي و الصلاة في يوم واحد، و له الاكتفاء بالأخير.

(صلاة النّافلة) هذا كله في صلاة طواف الفريضة، و أما النافلة فيجوز إيقاعهما- أي ركعتي الصلاة- في المسجد حيث شاء- كما صرح به غير واحد- للأصل و النصوص- منها:

1- خبر زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا ينبغي ان تصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند مقام إبراهيم عليه السّلام و أما التطوع فحيث شئت من المسجد «1».

2- خبر إسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أبي يقول: من طاف بهذا البيت أسبوعا و صلّى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب اللّه له ستة آلاف حسنة «2» المراد به النافلة.

و لكن لا يجوز إيقاعها في خارج المسجد و ان كان قد يظهر من رواية قرب الاسناد جواز

إيقاعها خارج المسجد بمكة و هي ما عن عبد اللّه بن جعفر عن عبد اللّه بن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 350

الرابعة

[الرابعة: من طاف في ثوب نجس مع العلم لم يصح طوافه]

الرابعة: من طاف في ثوب نجس مع العلم لم يصح طوافه (1) و ان لم يعلم ثم علم في أثناء الطواف أزاله و تمم (2)

الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلي الركعتين خارجا من المسجد؟ قال: يصلى بمكة لا يخرج منها إلا ان ينسى فيصلي إذا رجع في المسجد أي ساعة أحب ركعتي ذلك الطواف «1».

و لكن لا يخفى ما فيه، أما أولا: فلضعف سنده، و أما ثانيا: فعلى فرض التسليم قصوره عن معارضة الأخبار المتقدمة لأن إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» مانع عن الاعتماد عليه فتدبر.

(1) و الظاهر انه المتسالم عليه بين القائلين بالشّرطيّة، و قد نفى عنه الخلاف و الاشكال في الجواهر لما قد حقق في محله: اقتضاء النّهي في العبادة الفساد، فيعيد الطواف حينئذ بعد إزالة النّجاسة كالصّلاة المشبه بها الطواف، فتدبر.

(2) هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قال في الجواهر: «و لعله لإطلاق مرسل البزنطي المتقدم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه؟ فقال: أجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلى في ثوب طاهر «2» و خبر يونس بن يعقوب المتقدم قال: سألت أبا عبد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 73 من أبواب الطواف الحديث 4

(2)

الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 351

..........

اللّه عليه السّلام عن رجل يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف؟ قال: ينظر الموضع الذي يرى فيه الدم فيعرفه، ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتم طوافه «1» المؤيد بخبر حبيب بن مظاهر قال: ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلت ثم جئت فابتدأت الطواف، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: بئس ما صنعت كان ينبغي لك ان تبنى على ما طفت اما انه ليس عليك شي ء. إلخ) «2».

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- ان خبر حبيب بن مظاهر- بعد الإغماض عن سنده- و ان لم يكن مورده الجاهل بها إلا انه مثله في اختصاص التكليف بحال العلم بناء على ما سيأتي، و بقاعدة الإجزاء فيما وقع حال عدم العلم بعد عدم ثبوت الشرطية في أزيد من حال العلم كعدم ثبوت البطلان بالفصل المزبور، بل مقتضى الإطلاقات الصحّة، مضافا الى الخبرين المزبورين، كما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره).

الثاني- ان مقتضى مرسل البزنطي عدم الفرق بين ما لو علم بالنّجاسة قبل الشروع فيه ثم نسيها أو لا، ضاق الوقت أو لا.

الثالث- ان مقتضى إطلاق الخبرين، كما في الرّياض عدم الفرق بين ما لو توقفت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 352

..........

الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف و عدمه و لا بين ان يقع العلم بعد تجاوز النصف أو قبله. الى ان قال: خلافا للشهيدين فجزما بوجوب الاستيناف ان توقفت الإزالة على

فعل يستدعي قطع الطواف و لما يكمل أربعة أشواط قيل نظرا الى ثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف و الحكم في المسئلتين واحد و فيه نظر و الأجود الاستدلال لهما بعموم ما دل على ان قطع الطواف قبل التجاوز «من الأربعة» يوجب الاستيناف- كما يأتي- و لا معارض له صريحا سوى الخبر الأخير «و هو خبر حبيب بن مظاهر» و هو قاصر سندا يشكل تخصيصه به، و كذا الخبران الأولان. مضافا الى عدم صراحتهما و احتمالهما التقييد بصورة التجاوز كما يمكن تقييد ذلك العموم بغير موردهما الى ان قال: و بالجملة: فإن التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه يمكن تقييد كل منهما بالآخر و الأقوى تقييد هذين بذلك لقصور السّند، لكن يمكن جبر القصور بعد الجبر بعمل المشهور بالموافقة للأصل، فان الأصل بقاء صحة ما فعل و عدم وجوب الاستيناف مع تأمل ما في ذلك العموم، فإنما غايته الإطلاق الغير المتبادر منه محل النزاع، و لعل هذا أظهر سيما مع اعتضاده بصريح ما مر من الخبر المعتبر فتدبر.

قال في الجواهر بعد نقل كلام الرياض: (قلت: لا يخفى عليك ان الخبرين المزبورين لم يدلا الا على عدم قدح تخلّل مقدار زوال النّجاسة ثم العود للطواف في فوات الموالاة، بل لا دلالة في شي ء منهما على عدم البأس حتى لو كان في أيام فضلا عن وقوع الحدث أو نحوه- مما ستعرفه «ان شاء اللّه تعالى» في مسألة التجاوز- و لذا أطلق المصنف و غيره الحكم هنا من غير إشارة إلى تلك المسألة. «الى ان قال»:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 353

و لو لم يعلم «بالنجاسة» حتى فرغ كان طوافه ماضيا (1)

و من الغريب دعوى

ان عمل المشهور كذلك. فالتحقيق الاقتصار فيما نحن فيه على عدم قدح تخلل إزالة النجاسة أو نزع الثوب النجس و نحو ذلك على حسب ما هو متعارف و معتاد في نحو ذلك، أما إذا احتيج مع ذلك الى حال ينقطع به الطواف خارج عن المعتاد، فحكمه ما تسمعه «ان شاء اللّه تعالى» من التفصيل الآتي، و من جميع ما ذكرنا يعلم النظر فيما في الدروس، قال: «و لو طاف في ثوب نجس أو على بدنه نجاسة أعاد مع التعمد أو النسيان و لو لم يعلم حتى فرغ صح، و لو علم في الأثناء أزالها و أتم ان بلغ الأربعة و الا استأنف».

إيقاظ قد تقدم الكلام عن مدلول الخبرين بصورة مفصلة عند شرح كلام المصنف:

«و ازالة النجاسة عن الثوب و البدن» ابتداء من (ص- 292) و من أراد الاطلاع عليه فليراجعه.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما حديثا. بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل و لا اشكال، لما سمعته من قاعدة، مضافا الى كونه كالصلاة التي قد عرفت ان حكمها كذلك على الأصح. إلخ) يمكن الاستدلال لذلك بوجوه: الأول- عموم التنزيل في قوله: «الطواف بالبيت صلاة» بعد الغضّ عن سنده الثاني- خبر يونس بن يعقوب المتقدم بناء على تمامية إلحاق صورة الالتفات

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 354

الخامسة

[الخامسة: يجوز ان يصلي ركعتي طواف الفريضة و لو في الأوقات التي تكره ابتداء النوافل]

الخامسة: يجوز ان يصلي ركعتي طواف الفريضة و لو في الأوقات التي تكره ابتداء النوافل (1)

بعد الفراغ بصورة الالتفات في الأثناء. و قد تقدم الكلام عنه بصورة مفصلة في صفحة (292) فراجعه.

الثالث- مرسل البزنطي المتقدم ايضا بناء على حمله على صورة الجهل و قد تقدم الكلام عنه أيضا في صفحة (293)

فراجعه.

الرابع- انه لو كان ناسيا فالأحوط الاستيناف- كما جزم به في الدروس- لاقتضائه عموم التنزيل بناء على بطلان الصلاة مع نسيان النجاسة.

نعم مقتضى مرسل البزنطي الصحة بمقتضى إطلاقه و بينه و بين إطلاق النبوي عموم من وجه، فالمرجع أصل البراءة لو تمت حجيته.

(1) بلا خلاف و لا اشكال- كما في الجواهر- و يدل عليه مضافا الى الإطلاقات جملة من النّصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السّلام فصل ركعتين «الى ان قال»: و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك ان تصليهما في أي الساعات «أي ساعة خ ل» شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها، و لا تؤخر ساعة تطوف و تفرغ فصلهما «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 355

..........

2- حسن رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر أ يصلي الركعتين حين يفرغ من طوافه؟ فقال: نعم، اما بلغك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف «1».

3- صحيح زرارة- على ما في الجواهر-: (اربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة صلاة فاتتك متى ذكرتها أديتها، و صلاة ركعتي طواف الفريضة، و صلاة الكسوف، و الصلاة على الميت).

و لا يعارض ما تقدم صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن ركعتي طواف الفريضة؟ فقال: وقتهما إذا فرغت من طوافك، و أكرهه عند اصفرار الشمس و عند طلوعها «2» و صحيحة الآخر قال:

سئل عن أحدهما عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر؟ قال: يطوف و يصلي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها «3» لانه حمله الشيخ «قدس سره» على التقية لكونه؟؟؟

موافقا للعامة.

و أما خبر علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الذي يطوف بعد الغداة و بعد العصر و هو في وقت الصلاة أ يصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة قال: لا «4» ففي الجواهر: (يمكن ان يكون الوجه فيه: ان المفروض فيه حضور وقت الفريضة التي هي أولى بالتقديم، بل يجب تقديمها على ركعتي طواف النافلة بناء

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 7

(3) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 8

(4) الوسائل ج 2 الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 356

السادسة

[السادسة: من نقص من طوافه فان جاوز النصف رجع فأتم]

السادسة: من نقص من طوافه فان جاوز النصف رجع فأتم، و لو عاد إلى أهله أمر من يطوف عنه و ان كان دون ذلك استأنف (1)

على عدم جواز التطوع وقت الفريضة، بل يمكن حمل الصحيح المزبور على ضيق وقت الحاضرة، بل عن الشيخ ان الوجه فيه ما تضمنه من انه كان وقت صلاة فريضة فلم يجز له ان يصلي ركعتي الطواف إلا بعد ان يفرغ من الفريضة الحاضرة. و ظاهره وجوب تقديم الفريضة الحاضرة على ركعتي الطواف و لو مع اتساع الوقت. و فيه منع ضرورة ان الأصل يقتضي التخيير بينهما- كما عن الفاضل التصريح به- لأنهما واجبان موسعان فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر، بل ان قلنا بفورية صلاة الطواف- كما

يشعر به بعض النصوص- اتجه حينئذ تقديمها على الفريضة كما هو واضح).

(1) قال في الجواهر: من نقص من طوافه في فريضة شوطا أو أقل أو أزيد أتمه لصدق الامتثال ان كان في المطاف و لم يفعل المنافي الذي منه طول الفصل المفوت للموالاة بناء على اعتبارها كما هو المشهور، بل في الرياض نسبته الى ظاهر الأصحاب للانسياق و لانه المتيقن في البراءة و المعهود من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة و الصحابة و التابعين و غيرهم و لأنه كالصلاة المعلوم اعتبار ذلك فيها و ان انصرف عن المطاف أو حصل المنافي- من حدث و نحوه- و كان النقصان سهوا فان تجاوز النصف- اي طاف أربعة أشواط، كما فسره به في المسالك و حاشية الكركي بل جعلا المراد بالمجاوزة ذلك و ربما يشهد له ما تسمعه من النصوص من خبر إسحاق بن عمار الذي يقيد إطلاق غيره و على كل حال فمتى كان كذلك رجع فأتم و لو عاد إلى أهله أمر من يطوف عنه ما بقي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 357

..........

عليه و ان كان أدون- أي من النصف أو قبل تمام الأربع- استأنف مع الإمكان و الا استناب- كما في النافع و القواعد و غيرهما و محكي المقنعة و المراسم و المبسوط و الكافي و الغنية و النهاية و الوسيلة و السرائر و الجامع. نعم ليس في الأول- كالمتن- التصريح بالنسيان كما انه ليس فيهما ايضا اعتبار أربعة أشواط بل اقتصرا على الأكثر من النصف و الأقل بخلاف الأربعة المتأخرة التي صرح فيها بذلك بل يمكن إرجاع غيرها إليها و صرح فيها ايضا كالمتن و محكي المبسوط بالاستنابة إذا

رجع الى اهله و على كل حال فالتفصيل المزبور هو المشهور. إلخ).

اعلم ان مفاد اخبار المقام مختلف لكن غالبها ليست واردة في مورد واحد بل واردة في موارد مختلفة فورد في الحيض و المرض و من أحدث في الأثناء ما يدل على التفصيل بين تجاوز النصف و عدمه و لم يرد دليل دل بالعموم على ذلك، و لكن المشهور ذهبوا الى التفصيل المزبور و لو كان قطع طوافه لحاجة أخرى غير موارد النصوص و ستعرف «ان شاء اللّه تعالى» ما يمكن الاستدلال به عليه. مع ان ظاهر ما ورد في الاستراحة في أثناء الطواف و في القطع لصلاة الوتر أو صلاة فريضة و كثير من اخبار الذهاب في الأثناء لقضاء حاجة المؤمن بمقتضى الإطلاق عدم الفرق في صحة الطواف بين تجاوز النصف و عدمه، و مع ان مقتضى إطلاق أخبار دخول الكعبة البطلان و لو بعد التّجاوز عن النّصف، فعلى ذلك يتوقف تحقيق الكلام في هذا المقام على ذكر الأخبار المروية عنهم عليهم السّلام في هذا المقام فنقول: انها على طوائف:

الأولى- ما دل على صحة الطواف لو قطعه لقضاء حاجة المؤمن و أتمه سواء كان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 358

..........

ذلك قبل تجاوز النصف أو بعده- منها:

1- ما رواه صفوان الجمال قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يأتي أخاه و هو في الطواف؟ فقال: يخرج معه في حاجته ثم يرجع و يبنى على طوافه «1».

2- ما رواه إسماعيل بن بزيع، عن أبي إسماعيل السراج، عن سكين بن «عن خ ل» عمار عن رجل من أصحابنا يكنى أبا أحمد قال: كنت مع ابي عبد اللّه عليه السّلام في الطواف و يده في يدي

إذا عرض لي رجل حاجة أومأت إليه بيدي، فقلت له: كما أنت حتى افرغ من طوافي، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما هذا؟! فقلت: أصلحك اللّه رجل جائني في حاجة فقال لي: أ مسلم هو؟ قلت: نعم فقال لي: اذهب معه في حاجته فقلت له: أصلحك اللّه فاقطع الطواف؟ قال: نعم، قلت و ان كنت في المفروض؟ قال نعم و ان كنت في المفروض. إلخ «2».

3- ما رواه ابان بن تغلب قال: كنت مع ابي عبد اللّه عليه السّلام في الطواف فجاء رجل من إخواني فسألني ان امشي معه في حاجة ففطن أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال: يا أبان من هذا الرجل؟ قلت: رجل من مواليك سألني ان أذهب معه في حاجة، قال: يا أبان اقطع طوافك، و انطلق معه في حاجته فاقضها له، فقلت: انى لم أتم طوافي؟ قال:

أحص ما طفت و انطلق معه في حاجته، فقلت: و ان كان طواف فريضة؟ فقال: نعم و ان كان طواف فريضة «الى ان قال»: لقضاء حاجة مؤمن خير من طواف و طواف حتى عد عشرة أسابيع. فقلت له: جعلت فداك فريضة أم نافلة؟ فقال: يا أبان إنما يسأل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 42 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 359

..........

اللّه العباد عن الفرائض لا عن النوافل «1» و نحوها غيرها من الاخبار.

الثانية- ما دل على صحة طوافه لو قطعه لصلاة فريضة تضيق وقتها سواء كان ذلك قبل تجاوز النصف أو بعده- منها:

1- ما في حديث هشام عن ابى عبد اللّه عليه السّلام انه قال في رجل كان في طواف

الفريضة فأدركته صلاة فريضة؟ قال: يقطع الطواف و يصلي الفريضة ثم يعود فيتم ما بقي عليه من طوافه «2».

2- ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كان في طواف النساء «الفريضة خ ل» فأقيمت الصلاة؟ قال: يصلي معهم الفريضة فإذا فرغ بنى من حيث قطع «3».

الثالثة- ما دل على جواز قطع الطواف لصلاة الوتر مع ضيق وقتها حتى يصليها ثم يتم طوافه من دون فرق بين تجاوزه النصف و عدمه- منها:

1- ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعضه و بقي عليه بعضه، فطلع الفجر فيخرج من الطواف الى الحجر الى بعض المسجد إذا كان لم يوتر فيوتر، ثم يرجع فيتم طوافه، أ فترى ذلك أفضل أم يتم الطواف ثم يوتر و ان أسفر بعض الاسفار؟؟ قال: ابدء

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 43 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 360

..........

بالوتر و اقطع الطواف إذا خفت ذلك، ثم أتم الطواف بعد «1». و رواه الصدوق بإسناده عن عبد الرحمن بن الحجاج إلا انه ترك قوله: «فطلع الفجر» و ترك لفظ:

«ذلك» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب و كيف كان فهذا الحديث- كما ترى- ظاهره الوجوب، الا انه ترفع اليد عنه لأجل تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافه.

الرابعة- ما دل على جواز قطع الطواف للاستراحة لمن أعيى ثم يبنى على طوافه من دون فرق بين ان تجاوز

عن النصف أم لا- منها:

1- ما في حديث علي بن رئاب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يعيي في الطواف إله أن يستريح؟ قال: نعم يستريح، ثم يقوم فيبني على طوافه في فريضة أو غيرها، و يفعل ذلك في سعيه و جميع مناسكه «2».

2- ما رواه حماد بن عثمان عن ابن ابي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه سئل عن الرّجل يستريح في طوافه؟ فقال: نعم، أنا قد كانت توضع لي مرفقة فأجلس عليها «3».

الخامسة- ما دل على بطلان الطواف إذا دخل الكعبة في أثنائه مطلقا سواء تجاوز عن النّصف أم لا- و هو:

1- خبر حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام فيمن كان يطوف بالبيت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 361

..........

فيعرض له دخول الكعبة فدخلها؟ قال: يستقبل طوافه «1».

السادسة- ما دل على بطلان طوافه ما إذا دخل البيت بعد ثلاثة أشواط- منها:

1- صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوة فدخله، كيف يصنع؟ قال: يعيد طوافه و خالف السنة «2».

2- ما رواه ابن مسكان قال: و حدثني من سأله عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة ثلاثة أشواط، ثم وجد خلوة من البيت فدخله؟ قال: نقض «يقضي خ ل» طوافه و خالف السنة فليعد «3» و نحوهما غيرهما من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام.

السابعة- ما دل على التفصيل فيمن أحدث في طواف الفريضة قبل تجاوز

النصف وجب عليه الإعادة و بعد تجاوزه يتطهر و يبنى و يتم- و هو:

مرسل جميل عن أحدهما عليهما السّلام في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه، قال: يخرج و يتوضأ فإن كان جاز النصف بنى على طوافه، و ان كان أقل من النصف أعاد الطواف «4».

الثامنة- ما دل على التفصيل فيمن مرض قبل تجاوز النصف و قطع طوافه لزمه الاستيناف إذا برأ، و ان كان بعده جاز له البناء فان ضاق الوقت طيف عنه و صلّى هو- منها:

1- ما رواه إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه السّلام في رجل طواف الفريضة ثم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 362

..........

اعتل علة لا يقدر معها على إتمام الطواف؟ فقال: ان كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تم طوافه، و ان كان طاف ثلاثة أشواط و لا يقدر على الطواف فان هذا مما غلبه اللّه عليه، فلا بأس بأن يؤخر الطواف يوما و يومين، فان خلته العلة عاد فطاف أسبوعا، و ان طالت علته أمر من يطوف عنه أسبوعا، و يصلى هو ركعتين و يسعى عنه، و قد خرج من إحرامه، و كذلك يفعل في السعي و في رمي الجمار «1» محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم، عن اللؤلؤي، عن الحسن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمار نحوه إلا انه قال: «و يصلي عنه» و ترك لفظ:

«في

السعي» ثم قال: (و في رواية محمد بن يعقوب: و يصلي هو) و قد حمل جماعة من الأصحاب قوله: «و يصلي عنه» على عدم تمكنه من الطهارة- كالمبطون- و كذا قوله: «فيطاف عنه» و استشهد له بخبر يونس بن عبد الرحمن البجليّ قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام أو كتبت اليه عن سعيد بن يسار انه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه أطوف عنه و أسعى؟ قال: لا، و لكن دعه، فإن برء قضى هو، و إلا فاقض أنت عنه «2».

2- حماد بن عثمان عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا طاف الرجل بالبيت ثلاثة أشواط ثم اشتكى أعاد الطواف يعني الفريضة «3».

التاسعة- ما دل على التفصيل فيما إذا حاضت المرأة في أثناء الطواف بين قبل تجاوز النصف وجب عليها قطعه و الاستئناف إذا طهرت، و بعد تجاوزه يجزيها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 363

..........

الإتمام- و هو:

1- ما رواه أبو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته، فإن هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله «1».

2- ما رواه احمد بن عمر الحلال عن ابي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت؟ قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو

بالصفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله «2».

3- ما رواه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عمن سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة، و لها ان تطوف بين الصفا و المروة، لأنها زادت على النصف و قد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج و ان هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو الى التنعيم فليعتمر «3».

4- ما رواه ابن مسكان عن أبي إسحاق «صاحب اللؤلؤ» قال: حدثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة، و تقضى ما فاتها من الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة و تخرج

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 364

..........

إلى منى قبل ان تطوف الطواف الآخر «1» و رواه الكليني عن ابى علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن إسحاق بياع اللؤلؤ نحوه الى قوله: «فمتعتها تامة».

5- ما رواه سعيد الأعرج قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تتم طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة فلها ان تطوف

بين الصفا و المروة، و ذلك لأنها زادت على النصف و قد مضت متعتها و لتستأنف بعد الحج «2».

6- ما رواه فضيل بن يسار عن ابى جعفر عليه السّلام قال: إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أكثر من النصف فحاضت نفرت ان شاء «3».

و لكن في هذه الاخبار ما يدل على خلافها، و هو صحيح محمد بن مسلم قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك، ثم رأت دما؟ قال: تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت و اعتدّت بما مضى «4» هذا الحديث و ان كان دالّا على عدم التّفصيل و مخالفا لما تقدّم الّا انّه ليس صريحا في طواف الفريضة بل مطلق فيقيّد بما تقدّم فيكون المراد النافلة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 90 من أبواب الطواف الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 365

..........

(تفصيل الكلام) قد أشرنا في صدر المبحث ذهاب المشهور الى التفصيل بين صورة التجاوز عن النصف و عدمه في الحكم بالبناء على ما بقي من الطواف على الأول دون الثاني بلا فرق بين الاعذار.

لكن قد يناقش فيه بعدم دليل على نحو العموم على التفصيل و انما الدليل عليه في الموارد الخاصة، و لا معارضة بين ما تقدم من الروايات لان بعض الطوائف منها وارد في عذر خاص، فنقول بهذا التفصيل في خصوص المرض و الحيض و الحدث لما تقدم و اما ما دل بإطلاقه على عدم التفصيل- كما في مسألة قطع الطواف لصلاة الوتر أو

الفريضة و غيرها- فنلتزم به هناك لعدم المعارضة بينه و بين الاخبار الدالة على التفصيل فعليه يتعيّن الاقتصار على الموارد الخاصة في التفصيل و لا يمكن التعدي عنها لإثبات التفصيل بقول مطلق، لمكان احتمال الخصوصيّة للأعذار المشتملة عليها بعض الاخبار المتقدمة، و التعدي محتاج الى التنقيح المناط القطعي، و هو غير حاصل في الشرعيات لأن غاية ما يحصل منه هو الظن و هو لا يغني من الحقّ شيئا، فالتّعدي عن موردها الى الى غيره قياس باطل عندنا. نعم يتمّ ما ذهب اليه المشهور من التّفصيل إذا تم ما سنذكره من الوجهين أو أحدهما.

ثم انه يمكن إثبات ما ذهب اليه المشهور من التّفصيل بين تجاوز النّصف و عدمه بوجهين:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 366

..........

الأول- قوله عليه السّلام في روايتي ابن مسكان و سعيد الأعرج المتقدمتين في الطائفة التاسعة من الاخبار: (لأنها زادت على النصف) في مقام تعليل صحة الطواف مع طرو القاطع بان يقال: ان العبرة بعموم التعليل لا خصوصية المورد. و من هنا يتجه هذا التفصيل في صورة العمد ايضا فنقول بأنه لو قطع الطواف بعد الأشواط الأربعة لم يبطل و لو كان عمدا.

و بالجملة: مقتضى الأخذ بعموم التعليل صحة التفصيل مطلقا حتى في صورة العمد و نقيد بذلك ما ورد في قطع الطواف لصلاة الوتر، المتقدم ذكره في الطائفة الثالثة من الاخبار أو الفريضة المتقدم ذكره في الطائفة الثانية منها- المقتضي بإطلاقه صحة الطواف و لو لم يجاوز النصف، كما يقيد بذلك إطلاق ما دل على بطلان الطواف إذا دخل الكعبة في أثناء الطواف المتقدم ذكره في الطائفة الخامسة منها- المقتضي لعدم الفرق بين التجاوز و عدمه.

و لكن يعارض ذلك ما مر من

حديث «حبيب بن مظاهر» و هو ما عنه قال:

ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا واحدا، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلته، ثم جئت فابتدأت الطواف، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام؟

فقال: بئس ما صنعت، كان ينبغي لك ان تبني على ما طفت، ثم قال: اما انه ليس عليك شي ء «1». و قد رواه الصدوق «رحمه اللّه تعالى» بإسناده عن حماد بن عثمان عن حبيب بن مظاهر و هو صريح في صحة الطواف مع قطعه لغسل أنفه عن الدم مع

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 367

..........

انه لم يكن آتيا إلا بشوط واحد لكنه ضعيف سندا، فإنه مع قطع النظر عن أصل اسناد الصدوق (رحمه اللّه تعالى) الى حماد نقول: انه ضعيف بحبيب بن مظاهر، فإنه لو كان المراد منه الشهيد بالطف فلا إشكال في وثاقته، لكنه لم يكن في زمان ابي عبد اللّه عليه السّلام و هذا الحديث مروي عنه مع ان الراوي عنه هو حماد و هو كان في زمان ابي عبد اللّه عليه السّلام فلا نعرف ان حبيبا هذا من هو؟؟

الا ان يقال ان المراد من أبي عبد اللّه هذا هو الحسين بن علي عليهما السّلام و المراد من حبيب بن مظاهر هو الشهيد بالطف، و ان حماد بن عثمان في ذلك الزمان كان موجودا و بقي إلى زمان الصادق عليه السّلام فهو من المعمرين، و لكن مع ذلك كله هذا صرف احتمال لا يوجب تصحيح الخبر، فيتعين طرحه لضعف سنده.

هذا كله مع قطع النظر عن الراوي عنه، و اما مع النظر اليه فنقول: ان الراوي عنه و هو حماد

بن عثمان و ان كان من أصحاب الإجماع و قد أجمعوا على عدم احتياج النظر في حال من قبله في السند، و لكن مع ذلك فإن الأصحاب لم يعملوا بمفاده، و كلما ازداد صحة ازداد و هنا، فإعراض الأصحاب عن العمل بمضمونه مانع عن الاعتماد عليه فليس معارضا لعموم التعليل، حتى يخصص به.

هذا و لكن الأخذ بعموم التعليل الوارد في حديثي ابن مسكان و سعيد الأعرج المتقدمين: إشكالان- و هما:

1- ان التعليل الوارد فيهما يكون بالتعبير بقوله عليه السّلام: «لأنها زادت على النصف» و قد بين في محله ان خبر «ان» المفتوحة يؤول إلى المصدر فيكون نظير قولنا: (أكرم زيدا لعلمه) لا نظير قولنا (أكرمه فإنه عالم) فيكون ملاكا لا علة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 368

..........

ان قلت: كما ان العلة أعني بها الموضوع يؤخذ بعمومها، لان الحكم دائر مدارها وجودا و عدما كذلك الملاك الذي هو أم الموضوع، و من الواضح ان موضوعية الموضوع بالملاك و لا يمكن ان يكون الحكم ذا ملاك في بعض افراد الموضوع و بلا ملاك في البعض الآخر.

قلت: نعم لا يمكن كون الحكم بلا ملاك؛ و لكن من الممكن ان يكون الملاك موجودا و الحكم غير موجود، لوجود مانع عنه نظير ان الصلاة لم تكن واجبة في صدر الإسلام مع كون الملاك ثابتا فيها و ذلك لوجود المانع، و هذا بخلاف العلة التي هي الموضوع فلا يمكن انفكاك الحكم عنها وجودا و عدما.

و الوجه في قولنا بتنجّس الماء القليل مع قوله عليه السّلام في حديث عدم انفعال غسالة البول: (أ تدري لم صار: لا بأس، ان الماء أكثر) هو ان قوله عليه السّلام: «لم صار لا بأس» دليل على

ان قوله عليه السّلام: «ان الماء أكثر» بيان للم الحكم و ملاكه فليس هنا مورد الأخذ بعموم التعليل حتى يعارض لما دل على انفعال الماء القليل من مفهوم اخبار عدم تنجس الكر و المرجع حينئذ أصالة الطهارة.

2- انه بعد تسليم عموم التعليل تكون النسبة بينه و بين ما ورد من قطع الطواف لصلاة الوتر أو الفريضة ثم البناء على ما أتى به من الأشواط هي العموم و الخصوص من وجه لكون ذلك مما قبل تجاوز النّصف و بعده، و التعليل أعمّ من كون القطع لمكان درك صلاة الوتر أو خصوص الفريضة أو لعذر آخر، و مادّة الاجتماع هو ما إذا قطع الطّواف قبل التّجاوز عن النصف لصلاة الوتر و الفريضة، و بعد التّساقط يكون المرجع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 369

..........

أصالة البراءة عن اشتراط الموالاة أو أصالة الاحتياط أو الاخبار العلاجيّة ان قلنا بشمولها للمعارضة بالعموم و الخصوص من وجه فكل على مبناه.

الثاني- انه يمكن تصحيح مرام المشهور بوجه آخر و هو انه قد ورد في اخبار دخول الكعبة في أثناء الطواف- المتقدم ذكره في الطائفة الخامسة من الاخبار:

(خالف السنة فليعد اي طوافه) معناه انه خالف السنّة في عدم إتيانه بشرط صحّة الطّواف- و هو الموالاة- فطوافها باطل، و هذا الإطلاق مقيّد بخصوص صورة التّجاوز عن النصف من جهة الاخبار الواردة في الموارد الخاصة، و لكن قوله عليه السّلام في حديث إسحاق بن عمار الوارد فيمن مرض في أثناء الطّواف المتقدّم ذكره في الطّائفة الثامنة من الأخبار: «و ان كان طاف ثلاثة أشواط و لا يقدر على الطّواف فان هذا من غلب اللّه عليه. إلخ» ليس تعليلا لعدم بطلان طوافه بالقطع، كيف و هو

عليه السّلام يصرح بعد ذلك بلزوم الإعادة، لكونه تعليلا لعدم البأس في قطعه للطواف، فقطع الطواف كان حراما تكليفا ارتفع بطرو المرض، لكونه مما غلب اللّه عليه، و على هذا فمن المحتمل ان يكون ما في اخبار قطع الطواف لدخول الكعبة المتقدمة في الطّائفة الخامسة من قوله عليه السّلام: (خالف السنّة) انه خالف السنّة في انه فعل حراما تكليفيا- و هو قطع الطّواف- فليس قوله عليه السّلام: (خالف السنة) علة للحكم الوضعي بأن يكون معناه:

انه لما خالف السنّة في ترك الشرط- و هو الموالاة- بطل طوافه بل المراد منه مخالفة حكم تكليفي.

و لكن التحقيق خلاف ذلك. لانه قد ذكر في اخبار دخول الكعبة حكمه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 370

..........

عليه السّلام بلزوم اعادة الطواف، و فرعه في بعضها على انه خالف السنة، فالمراد من مخالفة السنة انه لما خالف السنة بترك الشرط- و هو الموالاة- بطل طوافه فهو دليل على اشتراط الموالاة في الطواف. و اما قوله عليه السّلام في حديث إسحاق: (هذا مما غلب اللّه عليه) فيعني به انه جاز له النيابة لأنه مما غلب اللّه عليه، أو يقال جاز له التأخير لكونه مما غلب اللّه عليه فعلى ذلك تدل الأخبار المشتملة على قوله عليه السّلام: «خالف السنة» على اشتراط الموالاة.

و اما اخبار دخول الكعبة- المتقدمة في الطائفة الخامسة من الاخبار و ان كان موردها خصوص من طاف ثلاثة أشواط إلا انه أحد أحاديثه مطلق و لم يقيد بها و لكنه غير معلل بالتعليل المزبور و الاخبار المعللة كلها واردة في خصوص دخول الكعبة بعد الشوط الثالث لا أزيد و قد تقدم ذكرها في الطائفة السادسة من الاخبار لكن لا عبرة بخصوصية المورد

بل العبرة بعمومية التعليل، فالمتجه بمقتضى هذه الاخبار اشتراط الموالاة في جميع الأشواط و عدم خصوصية للاشواط الثلاثة الاولى، و لا لعنوان دخول الكعبة، فعلى ذلك ترك الموالاة- بأي منشأ كان- يبطل الطواف، لكن قد عرفت انه ورد في موارد خاصة الأمر بالبناء على ما اتى به من الأشواط في فرض التجاوز عن النصف و بها نستكشف اعتبار الموالاة في الأشواط الأربعة الأولى دون غيرها فإنه لو كانت الموالاة شرطا لكان قطعه و لو بتلك الأعذار الخاصة مبطلا غاية الأمر ان يرفع ذلك العذر الحرمة التكليفية للقطع بناء على كونه حراما فتنتفي حرمته للمزاحمة مع تكليف أعم.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 371

..........

اللهم الا ان يقال: ان الموالاة شرط من جهة القطع للعذر الكذائي و غير شرط من جهة القطع للعذر الآخر الكذائي، لكن قد يقال ان هذا بعيد عن ذوق الفقاهة و عن فهم العرف.

و بالجملة: مهما رأينا دليلا على عدم مبطلية القطع في مورد خاص دل ذلك على عدم مبطليته مطلقا بلا خصوصية لذلك العذر، و مهما رأينا دليلا على مبطلية القطع في مورد عذر خاص دل ذلك على مبطليته مطلقا بلا خصوصية لذلك العذر.

إذا عرفت ذلك فنقول: ان قوله عليه السّلام: «خالف السنة» في الأخبار الواردة في قطع الطواف لدخول الكعبة و ان كان دالا على اشتراط الموالاة في جميع الأشواط لأن العبرة بعموم التعليل لا خصوصية المورد، لكن يقيّد إطلاقه بالأخبار الواردة في الموارد الخاصة الدالة على عدم اشتراط الموالاة بعد التّجاوز عن النّصف.

و لكن تقع المعارضة بين الاخبار المشتملة على قوله عليه السّلام: «خالف السنة» و الاخبار الدالة بظاهرها على لزوم قطع الطواف لصلاة الوتر أو الفريضة، لعدم اختصاصها بما

بعد تجاوز النصف، لدلالتها بإطلاقها على عدم بطلانه و لو كان بعد تجاوز النصف.

لكن يمكن الجمع بينها بتقريب: ان يقال ان الاخبار المشتملة على قوله عليه السّلام:

«خالف السنة» بعد تخصيصها بالأخبار الواردة في الموارد الخاصة الدالة على عدم اشتراط الموالاة بعد التجاوز عن النصف تختص الحكم فيها بما قبل تجاوز النصف، فتقدم تلك الاخبار على الاخبار الدالة على لزوم قطع الطواف لصلاة الوتر أو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 372

..........

العريضة بالأخصية.

و لكن هذا جمع بين الاخبار من باب انقلاب النسبة، و الظاهر عدم تماميتها بهذا الشكل، لعدم تمامية شرائط انقلاب النسبة في ما نحن فيه، على ما قرر في محله.

و لكن يمكن الجمع بين الاخبار المزبورة بوجه آخر خال عن هذا الاشكال بتقريب: ان يقال: انه لا حاجة الى ان يخصص الأخبار المتضمنة لقوله عليه السّلام (خالف السنة)، ثم تخصيص الاخبار الواردة في قطع الطواف لصلاة الوتر أو الفريضة بها، بل نقول: ان الاخبار المفصّلة بين تجاوز النصف و عدمه بنفسها تقيّد الأخبار المتضمنة قوله عليه السّالم (خالف السنّة) الدالّة على اشتراط الموالاة في جميع الأشواط مطلقا بلا خصوصية لبعضها بعد ان تم عموم التعليل أو بالبيان الذي تقدم، كما انه تقيد بها الأخبار الدالة على عدم اشتراط الموالاة مطلقا.

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا ان الدليل على ما افاده المشهور من التفصيل بين تجاوز النّصف و عدمه في الحكم بالبناء على الأول دون الثّاني، هو نفس الاخبار الواردة المفصّلة في موارد خاصة فيصح التفصيل بين صورة تجاوز النصف و عدمه لأي عذر قطع الطواف.

و لكن مع ذلك كله لا تخلو المسألة من تأمل، لاحتمال الخصوصية في الموارد الخاصة، إلا إذا تم عموم

التعليل المزبور أو دليل معتبر على جواز التعدي.

قد يقال: انه يؤخذ في كل مورد من الموارد الخاصة باخباره و الجمع بينها لو كان هناك معارضة، و الظاهر انه لا معارضة بينها إلا في موردين:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 373

..........

1- الأخبار الدالة على جواز قطع الطواف لقضاء حاجة المؤمن- و قد تقدم ذكرها في صدر المبحث في الطائفة الأولى- لأنه يعارضها ما رواه ابان بن تغلب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة؟ قال:

ان كان طواف نافلة بنى عليه، و ان كان طواف فريضة لم يبن «1» و مقتضى الجمع بينه و بين الاخبار المتقدمة: هو انه لو قطع طوافه بعد تجاوز الشوطين لم يبطل، و لو قطع قبله يبطل، هذا في الفريضة، و أما في النافلة فلا يشترط فيها ذلك.

2- الأخبار الواردة في الحيض- و قد تقدم ذكرها في الطّائفة التّاسعة- و قد ذكرنا ان الحديث الدّال على عدم اشتراط الموالاة و لو قبل تجاوز النصف مطلق من حيث كون الطواف فريضة أو نافلة فيقيد. هذا و لكن الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لم يلتزموا به، فلاحظ و تأمل و اللّه الهادي إلى الصواب.

بقي الكلام في أمور: الأول- انه ذهب بعض الى ان عدم بطلان طواف الفريضة بالقطع في أثناء الطواف إذا تجاوز النّصف انما يختصّ بصورة الضّرورة، و لا يتأتى في مطلق العذر، تمسكا بما تقدم عن أبان بن تغلب الذي يفصل فيه بين طواف النّافلة و الفريضة- فمن تفصيله عليه السّلام بين طواف النافلة و الفريضة علم ان صحّة البناء مع القطع لا لضرورة تختصّ بطواف النافلة دون الفريضة و لا

خصوصيّة للشّوط و الشّوطين الّذي تضمّنه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 374

..........

حديث ابان بن تغلب.

لكن التحقيق خلافه، لورود هذا الحديث فيما قبل تجاوز النصف و التفصيل فيه بين النافلة و الفريضة في الحكم بالبناء على الأول دون الثاني صحيح، و انما نقول بعدم اشتراط الموالاة في الثلاثة الأخيرة في الفريضة فلا ينافي ما تقدم، و لا دلالة له على خلاف ذلك، و احتمال الخصوصية موجود.

الثاني- هل يكون إبطال الطواف حراما أو لا؟؟ يمكن الاستدلال للأول بوجهين:

الأول- قوله: (الطواف بالبيت صلاة)، بناء على تمامية انجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم».

الثاني- ما دل على حرمة قطع الصلاة، و هو قوله تعالى لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ لأنه من الأعمال الطواف، ان لم نقل بلزوم تخصيص الأكثر منه لخروج التوصليات و المستحبات و بعض العبادات الواجبة عنه.

و اما ما ورد عن ابن ابي عمير عن محمد بن أبي حمزة عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: دع الطواف و أنت تشتهيه «1» فلا عبرة به لإرساله، فعليه لا يمكن إثبات عدم حرمة الإبطال به.

الثالث- انه هل تصح اعادة الطواف في الموارد التي حكم فيها بالبناء على ما اتى به من الأشواط قبل القطع أو لا؟ و يمكن تقريب صحتها بان الأمر بالبناء وارد في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 46 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 375

..........

مقام نفى توهم الحذر، لمكان احتمال مبطلية القطع فلا يدل على الوجوب.

و أما ما ورد في بعض الاخبار المتقدمة من لزوم حفظ المكان إذا وقع القطع في أثناء الشوط ليشرع بعده من ذلك المكان، فلا

يدل على الوجوب ايضا، لاحتمال ان لا يكون ذلك لوجوبه بل لئلا يعسر عليه الأمر بالاحتياط بالشروع من مكان يعلم به حصول تمام الشوط، أو لعله بيان لأحد طرفي التخيير فتأمل.

ان قلت: انه لو أعاد حصلت الزيادة لدخول ما اتى به قبل القطع في الحساب.

قلت: هذا انما يتم بناء على القول بان البناء عزيمة، و اما بناء على القول بأنه رخصة فلا، لكونه مرخصا بين ان يحسب أول طوافه ما مضى من الأشواط فيتمه، أو يحسب من أول الشروع فيه بعد القطع و لا يحسب ما مضى فيأتي بسبعة أشواط، فلا زيادة في البين فعليه ما ذكر: (بأنه لو أعاد حصلت الزيادة) أول الكلام.

إلا ان يقال: ان ظاهر الأدلة هو وجوب البناء لا الإعادة فالمأمور به هو البناء من مكان القطع، فلو خالف ذلك بالإعادة لم يأت بالمأمور به على وجهه فلم يعلم انطباق المأتي به على المأمور به فلا يحصل القطع بفراغ الذمة، فعليه يكون البناء على مكان القطع عزيميا لا ترخيصيا من حيث النتيجة.

الرابع- انه لو نسي مكان القطع فيما إذا قطع الطواف في أثناء الشوط فيمكن ان يقال: ان أمر الاحتياط يدور بين محذورين لمكان احتمال الزيادة و احتمال النقيصة و كلاهما مضران بالطواف.

اللهم الا ان يقال: ان احتمال الزيادة لا بأس به في الطواف؛ كما ان ذلك لا بأس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 376

و كذا من قطع طواف الفريضة لدخول البيت أو بالسعي في حاجته و كذا لو مرض في أثناء طوافه و لو استمر مرضه بحيث لا يمكن ان يطاف به طيف عنه و كذا لو أحدث في طواف الفريضة (1)

به في الصلاة- كما لو شك في المحل

في الركوع، و من الواضح ان عليه الإتيان به مع ان هناك ايضا يحصل احتمال الزيادة كما يحصل بتركه احتمال النقيصة، و زيادة الركوع و نقيصته كلاهما يبطلان الصلاة، و لكن مع ذلك لا يعتنى باحتمال الزيادة هناك فكذلك فيما نحن فيه.

و لكن ظاهر ما دل على وجوب حفظ مكان القطع خلافه، لانه لو كان الأمر كذلك، فلما ذا أمر الإمام عليه السّلام بحفظ مكان القطع فإنه لو لم يكن احتمال الزيادة مضرا لكان له ان لا يحفظ مكان القطع ثم يبدأ من مكان يقطع بعدم النقيصة و لكنه لا يخلو من تأمل.

(1) ما افاده المصنف «قدّس سرّه» من ثبوت التفصيل المتقدم و هو تجاوز النصف و عدمه في الحكم بالبناء و التتميم على الأول دون الثاني فيما إذا قطع طوافه الفريضة لدخول البيت أو بالسعي في حاجته أو للمرض و الحدث مما هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و قد تقدم ذكر الأخبار الواردة في خصوص ما إذا دخل البيت في أثناء طوافه و ما إذا قطعه للسعي في حاجته و للحدث و مقتضى الجمع بين الاخبار و دليل المشهور في صدر المبحث فراجعه.

و أما ما أفاده «قدّس سرّه» بقوله: (و لو استمر مرضه بحيث لا يمكن ان يطاف به طيف عنه) فهو المعروف بين الأصحاب فإذا لا يمكن ان يطاف به طيف عنه كلا أو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 377

..........

بعضا على التفصيل المزبور.

و استدل لذلك في الجواهر بخبر يونس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: انه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه أطوف عنه و أسعى؟ قال: لا و لكن دعه فإن ترى؟؟؟ قضى هو و الا فاقض

أنت عنه «1» و صحيح يحيى الخثعمي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يطاف عن المبطون و الكسير «الكبير خ ل» «2».

و أما غير المتمكن من المباشرة- للمرض و الكبر- فهل يطاف به، أو عنه، أو التخيير أو يجب الاحتياط بالجمع؟؟

و قد اختلفت الاخبار في ذلك فبعضها صريح في انه لا يطاف عنه، بل يطاف به و هو: ما رواه حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: المريض المغمى عليه يرمى عنه و يطاف به «3» و ما رواه حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يطاف به و يرمى عنه؟ قال: فقال: نعم إذا كان لا يستطيع «4» و ما عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام «في حديث» قال: قلت: المريض المغلوب يطاف عنه؟ قال: لا، و لكن يطاف به «5» و ما رواه إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن المريض يطاف عنه بالكعبة؟ قال: لا، و لكن يطاف به «6». و ما رواه الربيع بن خيثم قال: شهدت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو يطاف به حول الكعبة في محمل و هو شديد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الطواف الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 3

(5) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 5

(6) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 378

..........

المرض، فكان كل ما بلغ الركن اليماني أمرهم فوضعوه بالأرض فأخرج «فأدخل خ ل» يده من «في» كوة المحمل حتى يجرها على الأرض، ثم يقول: ارفعوني فلما فعل ذلك مرارا في كل شوط قلت له: جعلت فداك يا بن رسول اللّه: ان هذا يشق عليك فقال: اني سمعت اللّه عز و جل يقول لِيَشْهَدُوا مَنٰافِعَ لَهُمْ، فقلت: منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال: الكل «1».

و بعضها الآخر ظاهر في انه يطاف عنه كحديث معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: و الكسير يطاف عنهما و يرمى عنهما «2» و عن حبيب الخثعمي عن ابى عبد اللّه قال:

أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يطاف عن المبطون و الكسير «الكبير خ ل» «3» و ما رواه معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: الكسير يحمل فيطاف به و المبطون يرمى و يطاف عنه و يصلى عنه «4» و ما في خبر يونس المتقدم الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام فيقع التعارض بينهما دلالة الاولى من الاخبار على انه لا يطاف عنه بل يطاف به و دلالة الثانية على انه يطاف عنه، و لا يمكن الجمع بينهما بتقييد إطلاق كل منهما بالآخر لينتج التّخيير، لان قوله عليه السّلام في بعض أخبار الطائفة الأولى:

«لا و لكن يطاف به» صريح في عدم جواز الطواف عنه، فلا بد من تقييد إطلاق الطّائفة الثّانية الدّالة على انه يطاف عنه، بان يقال: انه مع التمكن يطاف به، و الا- كما إذا كان مرضه بحيث لا يمكن ان يطاف به- يطاف عنه.

هذا كله مع الغضّ عما رواه حريز انه روى عن

ابى عبد اللّه عليه السّلام: رخصة في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الطواف الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الطواف الحديث 5

(4) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الطواف الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 379

..........

ان يطاف عن المريض و عن المغمى عليه و يرمى عنه «1» و مع الإغماض أيضا عن سنده نعم إذا كان مرضه بحيث لا يعقل يحكم فيه بالتخيير، و استدل لذلك بحديث معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كانت المرأة مريضة لا تعقل فليحرم عنها و يبقى عليها ما تبقى على المحرم و يطاف بها أو يطاف عنها أو يرمي عنها «2».

و لكن لا يمكن جعل هذا الحديث شاهدا للجمع بينهما بالقول بالتخيير مطلقا.

ثم انه قد يقال بوجوب خط الأرض برجليه إذا كان يطاف به، و يمكن الاستدلال له بما رواه صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المريض يقدم مكة، فلا يستطيع ان يطوف بالبيت و لا بين الصفا و المروة؟ قال: يطاف به محمولا يخط الأرض برجليه حتى تمسّ الأرض قدميه في الطواف، ثم يوقف به في أصل الصفا و المروة إذا كان معتلّا «3» و ما رواه أبو بصير ان أبا عبد اللّه عليه السّلام مرض فأمر غلمانه ان يحملوه و يطوفوا به، فأمرهم أن يخطوا برجليه الأرض حتى تمس الأرض قدماه في الطواف «4».

لكن التحقيق: انه غير واجب مع التّمكن، لكونه مستحبا كيف و يكون ذلك واجبا مع عدم وجوب ذلك على الصحيح، لجواز الركوب له في حال الطواف.

مضافا

الى ان أعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عن العمل بظاهره مانع عن الاعتماد عليه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 49 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 380

و لو دخل في السعي فذكر انه لم يتم طوافه رجع فأتم طوافه ان كان تجاوز النصف ثم تمم السعي (1)

ثم انه لا يخفى ان غير المتمكن من المباشرة هل يجوز له المبادرة إلى النيابة أو يتعين عليه الصبر الى زمان اليأس أو ضيق الوقت الذي هو عبارة عن ذي الحجة؟؟.

مقتضى القاعدة هو الثاني، لما حقّق في محلّه ان الواجب هو صرف الوجود من العمل في الخارج، و الموضوع هو صرف الوجود من الوقت.

و أما ما في حديث إسحاق بن عمار المتقدم من الصبر يوما و يومين فإنما هو من باب المثال، لكي يعلم الحال به و ليس له موضوعية.

(1) قال في الجواهر عند شرح كلام المصنف: (تجاوز نصفه أولا.)

تحقيق الكلام ان التّفصيل بين صورة تجاوز النّصف و عدمه انما يتم في الطّواف فان كان جاوز النصف صح طوافه و سعيه و أتم الأول ثم الثاني، و إلا استأنفهما، و أما بالنسبة إلى السعي فلا تفصيل في البين. و يمكن ان يقال ان مقتضى إطلاق موثقة إسحاق بن عمار عدم التفصيل المزبور بالنسبة إلى الطواف في مفروض المقام ايضا، و لا بأس بذكره، و هو ما عنه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل طاف بالبيت ثم خرج الى الصفا فطاف به، ثم

ذكر انه قد بقي عليه من طوافه شي ء، فأمره ان يرجع الى البيت فيتم ما بقي من طوافه ثم يرجع الى الصفا فيتم ما بقي، قال: فإنه طاف بالصفا و ترك البيت؟ قال: يرجع الى البيت فيطوف به ثم يستقبل طواف الصفا قال:

فما الفرق بين هذين؟ فقال: لانه دخل في شي ء من الطواف، و هذا لم يدخل في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 381

..........

شي ء منه «1».

هذا و يمكن ان يقال انه لا يدل على خلاف التفصيل من حيث الطواف و ذلك باعتبار ما تضمنه السؤال من قوله: «بقي عليه من طوافه شي ء» بتقريب: ان لفظ «شي ء» ظاهر في مقدار قليل فالمستفاد منه هو ما بعد النصف ان لم نقل انه ينافي ذلك كلمة «شي ء» الموجود في الجواب ايضا و لكنه ينافيه.

و لا يصح ان يقال: ان المراد من كلمة «شي ء» السدس بان يكون المعنى بقي السدس من الطواف، و ان ورد في الوصية بإعطاء شي ء في الخير: انه يعطي السدس لكنه تعبد في مورد خاص و لا مجال للتعدي عن المورد.

و لكن نسخ هذا الحديث مختلفة، ففي بعض النسخ- كالجواهر و التهذيب- كلمة «شي ء» موجودة في السؤال و لكن في بعض النسخ- كالمكافي و الوسائل- فلا.

هذا و مقتضى إطلاق الجواب بل ظهور كلمة «شي ء» في القليل كفاية الدخول في شي ء قليل من الطواف في صحة السعي عدم لزوم اعادة الطواف و لا إعادة السعي بناء على النسخة الأولى.

اللّهم إلا ان يقال: ان تخيل تماميّة الطواف مع عدم إتيانه إلا بمقدار قليل منه بعيد جدا، فالمراد انه اتى بمقدار كثير منه حتى يقع الاشتباه و يتخيل تمامية هذا.

و لكن التحقيق: انه لا عبرة بهذا الاستبعاد،

فان لقوله عليه السّلام: «دخل في شي ء

______________________________

(1) ذكر في الجواهر في مبحث الطواف و في الوسائل بتغيير يسير في الجزء الثاني في الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 382

..........

من الطواف» ظهور في مقدار قليل.

هذا و يمكن ان يقال: ان الاخبار الدالة على التفصيل في صحة الطواف و بطلانه مع وصول القطع بين تجاوز النصف و عدمه حاكمة على هذا الحديث بتقريب: انه دال على انه لو أتى من الطواف ثم دخل في السعي قبل تمامه نسيانا صح سعيه، و لكن الأخبار السابقة تنفي صحة الطواف مع حصول القطع قبل تجاوزه عن النصف فهي تحكم بأنه لم يأت بشي ء من الطواف فهي رافعة لموضوع هذا الحديث حتى على القول بان الطواف و نحوه أسامي للأعم دون الصحيح فإن الأثر ليس إلا للصحيح و الطواف الباطل ليس له أثر.

ثم لو سلم إطلاقه فالأخبار المتقدمة مقيدة له بصورة التجاوز.

هذا و لكن التحقيق: انه لا بد من الأخذ بظاهره و ظاهر قوله: عليه السّلام: «دخل في شي ء من الطواف» هو الشي ء القليل، فلا بد من القول بكفايته في صحة السعي و لا يبطل طوافه بهذا القطع.

و أما الاخبار المتقدمة- الدّالة على التّفصيل بين تجاوز النّصف و عدمه- فيمكن ان يقال: انه لم يكن في شي ء منها واردا في صورة النّسيان فإنما الثّابت هو اشتراط الموالاة في الأربعة الأولى في صورة العمد و كثير ما يكون بعض الشروط ذكريا، فعليه لا معارضة بينه و بينها.

و الحاصل: انه يمكن ان يقال: انما دلّ الدليل على مبطليّة قطع الطواف مع عدم تجاوزه عن النّصف في صورة العمد و أما في صورة النّسيان فلا دليل على

اشتراطها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 383

..........

فيها. مضافا الى حديث: (رفع النّسيان) بناء على عدم اختصاصه بالتكليفيّات و القول بشموله للوضعيّات بان يقال: انه يرفع مثل الشرطيّة و الجزئيّة أيضا برفع منشأه.

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- انه كما يقال باختصاص اشتراط الموالاة بالأربعة الاولى من الأشواط بصورة العمد، دون النسيان، كذلك نقول: ان قوله عليه السّلام: (خالف السنة) يختص بصورة العمد و لا يشمل النسيان لعدم صدق عنوان (خالفها) فيه.

الثاني- ان الاخبار الدّالة على عدم اشتراط الموالاة بعد تجاوزه النّصف انما وردت في موارد قطع الطواف لعذر، فعليه إذا قطعه لعذر يحكم بصحة طوافه، و أما إذا قطعه بلا عذر فلا، لكونه داخلا في إطلاق قوله عليه السّلام: (خالف السنة) و لا مقيّد له و يحكم ببطلانه حتى لو قطعه بلا عذر في الثّلاثة الأخيرة هذا مع الغضّ عما تقدّم:

الثالث- ان مطلق طرو العذر مسقط لاشتراط الموالاة في الثّلاثة الأخيرة بلا تخصيص فيه.

(بقي هنا شي ء) انه قد عرفت التّفصيل بين التّجاوز عن النّصف و عدمه في الحكم بالبناء على الأول دون الثاني، انما الكلام في ان العبرة هي الإتيان بثلاثة أشواط و نصف بحيث لو أتى بها لم يشترط بعد الموالاة، أو العبرة بتماميّة أربعة أشواط؟؟ و قد وقع الخلاف في ذلك بين الاخبار.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 384

[و النّدب]

و النّدب خمسة عشر الوقوف عند الحجر، و حمد اللّه و الثّناء عليه، و الصلاة على النّبي و آله، و رفع اليدين بالدعاء، و استلام الحجر [1] على الأصح و تقبيله، فان لم يقدر فبيده، و لو كانت مقطوعة استلم بموضع القطع، و لو لم يكن له يد اقتصر على الإشارة، و ان يقول:

هذه أمانتي أديتها، و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللّهم تصديقا بكتابك.

الى آخر الدعاء (1)

يمكن اجمع بينها بان يقال: ان المراد بالتجاوز عن النصف هو وصوله في طوافه الى قريب من الأربعة، و يطلق عليه حينئذ الأربعة، للإتيان بمعظمها، فيصدق عليه انه اتى بأربعة أشواط، و فيه: ما لا يخفى، لعدم الشاهد له فلا يصار اليه.

و التحقيق: ان مقتضى الجمع بينها ان يقال: ان ما دل على التّجاوز عن النّصف مطلق يشمل صورة التجاوز عنه بنصف شوط فيتم الأربعة أو أقل منه و ما دل على اعتبار تمامية الأربعة- بناء على تماميّتها- مقيد به. فلا معارضة بين الاخبار.

مندوبات الطواف

(1) أما مندوبات الطواف فكثير مستفاد من الاخبار الآتية، و لكن ذكر

______________________________

[1] استلام الحجر- كما عن العين و غيره- تناوله باليد أو القبلة قال الجوهري:

(و لا يهمز، لأنه مأخوذ من السلم و هو الحجر، كما تقول: استنوق الجمل و بعضهم يهمزه. و عن الزمخشري و نظيره استهم القوم إذا أجالوا السهام، و اهتجم الحالب إذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 385

..........

المصنف «قدس سره» منها خمسة عشر و قد عرفت بعضها عند كلام المصنف المتقدم و ستعرف بعض الآخر منها عند كلامه الآتي، و كيف كان فيدل على ما ذكر صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك و احمد اللّه تعالى و أثن عليه، و صل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و اسأل اللّه ان يتقبل منك ثم

______________________________

حلب في الهجم و هو القدح الضخم قيل و أقرب من ذلك اكتحلت و ادهنت إذا تناول الكحل و الدهن و أصاب منهما. و لكن فيه

انه لا يوافق ما في النّص و الفتوى من التعبير باستلام الحجر و نحوه مما يقتضي عدم ارادة السّلام منه بمعنى الحجر و ربما يعطى كلام بعض ان التمسح بالوجه و الصدر و البطن و غيرها استلام. و عن الخلاص: انه التقبيل و عن ابن سيدة: استلم الحجر و استلمه قبله أو اعتنقه و ليس أصله الهمزة و عن ابن السكيت: همزته العرب على غير قياس، لانه من السّلام و هي الحجارة. و عن تغلب أنه بالهمزة من اللامة اي الدرع بمعنى اتخاذه جنة و سلاحا و عن ابن الأعرابي: ان الأصل الهمز و انه من الملئمة و هي الاجتماع. و عن الأزهري: أنه افتعال من السّلام و هو التحية و استلأمه لمسه باليد تحريا، لقبول السّلام منه تبركا به قال و هذا كما يقال اقترأت منه السّلام قال: و قد املى على أعرابي كتابا الى بعض أهاليه فقال في آخره اقترئ منّي السّلام قال: و مما يدلك على صحة هذا القول ان أهل اليمن يسمّون الرّكن الأسود المحيى معناه ان الناس يحيّونه بالسّلم و عن بعض: انه مأخوذ من السّلام بمعنى أنه يحيّي نفسه عن الحجر إذ ليس الحجر ممن يحيّئه كما يقال اختدم إذا لم يكن له خادم و انما خدم نفسه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 386

..........

استلم الحجر و قبله، فان لم تستطع ان تقبله فاستلمه بيدك فان لم تستطع ان تستلمه بيدك فأشر اليه و قل: «اللّهم أمانتي أديتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللّهم تصديقا بكتابك، و على سنّة نبيك، اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و ان محمدا عبده و رسوله، آمنت باللّه و

كفرت بالجبت و الطّاغوت و باللّات و العزّى، و عبادة الشيطان، و عبادة كل ندّ يدعي من دون اللّه»، فان لم تستطع ان تقول هذا كله فبعضه و قل: «اللّهم إليك بسطت يدي و فيما عندك عظمت رغبتي فاقبل مسحتي «مسبحتي خ ل» و اغفر لي و ارحمني، اللّهم إني أعوذ بك من الكفر و الفقر و مواقف الخزي في الدّنيا و الآخرة «1».

و لكن لا يخفى ان ظاهر إطلاق الأوامر الواردة فيه هو كونه بداعي الجدّ، إلا ان تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن هذا الظّهور و اما الاستحباب فلا وجه لرفع اليد عنه.

ينبغي هنا بيان ان من المستحبات: تقبيل الحجر و استلامه على ما قال به الأصحاب، و تبعهم المصنّف «قدّس سرّه» خلافا لسلّار، قيل: و هو الّذي أشار إليه المصنّف بقوله: «على الأصح» فأوجبه في المراسم، و لكن الموجود في المراسم- على ما أفاده صاحب الجواهر- وجوب لثم الحجر، و كيف كان فظاهر الأمر الوارد بالنسبة إليه هو الوجوب. مضافا الى ما في صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حجّ و لم يستلم الحجر؟ فقال: هو من السّنة فان لم يقدر: «عليه»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 387

و ان يكون في طوافه داعيا ذاكر اللّه سبحانه و تعالى (1)

فاللّه أولى بالعذر «1» بناء على ارادة التّقبيل من الاستلام. و أما قوله عليه السّلام: (هو من السنة) فليس معناه انه مستحب، بل المراد منه انه ثبت بالسنة، و قوله عليه السّلام: (فان لم يقدر فاللّه اولى بالعذر)

دليل على الوجوب ايضا، و لا ينبغي عد هذا الحديث دليلا على الاستحباب و قرينة لصرف ظاهر الأمر المتقدم في الوجوب فإنه ان لم يكن شاهدا عليهم لم يكن شاهدا لهم و لكن مع ذلك كله ان تسالم الأصحاب على خلافه مانع عن الاعتماد عليه، فتدبر.

(1) ما افاده المصنّف «قدس سره» من استحباب كونه في طوافه داعيا ذاكرا للّه سبحانه و تعالى فمما لا ينبغي الإشكال فيه و استدل عليه بجملة من النصوص- منها:

1- صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: طف بالبيت سبعة أشواط، و تقول في الطواف: «اللهم إني أسألك باسمك الّذي يمشى به على ظلل الماء كما يمشى به على جدد الأرض، و أسئلك باسمك الذي يهتز له عرشك، و أسئلك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك، و أسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له و ألقيت عليه محبّة منك، و أسئلك باسمك الذي غفرت به لمحمد صلّى اللّه عليه و آله ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، و أتممت عليه نعمتك ان تفعل بي كذا و كذا ما أجبت من الدعاء» و كلما انتهيت الى باب الكعبة فصل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و تقول فيما بين الرّكن اليماني و الحجر الأسود «رَبَّنٰا آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَ قِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ» و قل في الطواف: «اللّهم إني إليك فقير و انى خائف مستجير، فلا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 388

..........

تغير جسمي و لا تبدل اسمي» «1».

2- ما رواه عبد اللّه بن مسكان عن أيوب أخي

أديم عن الشّيخ يعنى موسى ابن جعفر عليه السّلام قال: قال لي: كان ابى إذا استقبل الميزاب، قال: «اللّهم أعتق رقبتي من النّار، و أوسع عليّ من رزقك الحلال، و ادرأ عنّي شرّ فسقة الجنّ و الانس و أدخلني الجنّة برحمتك «2».

3- خبر ابى مريم قال: كنت مع ابى جعفر عليه السّلام أطوف و كان لا يمر في طواف من طوافه بالركن اليماني إلا استلمه، ثم يقول: «اللهم تب علي حتى أتوب «لا أعصيك خ ل» و اعصمني حتى لا أعود» «3».

4- خبر عمرو بن عاصم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: كان علي بن الحسين إذا بلغ الحجر قبل ان يبلغ الميزاب يرفع رأسه، يقول: «اللهم أدخلني الجنة برحمتك و هو ينظر الى الميزاب و أجرني برحمتك، و عافني من السّقم و أوسع علي من الرّزق الحلال، و ادرأ عنّي شر فسفة الجنّ و الانس و شرّ فسقة العرب و العجم «4» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام، و لكن لا دلالة في شي ء منها على ما افاده المصنف «قدّس سرّه» من استحباب كونه في تمام الطواف واجبه و مندوبة ذاكرا للّه سبحانه و ان كان يشهد له الاعتبار و العمومات و كون الطواف كالصلاة.

و اما خبر محمد بن فضيل عن محمد بن علي الرضا عليه السّلام قال: طواف الفريضة لا ينبغي ان يتكلم فيه إلا بالدعاء و ذكر اللّه تعالى و تلاوة القرآن و النافلة يلقي الرجل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 4

(4) الوسائل

ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 389

على سكينة و وقار مقتصدا في مشيه (1)

أخاه فيسلم عليه و يحدثه بالشي ء من أمر الدنيا و الآخرة لا بأس به «1» و ما رواه أيوب أخي أديم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: القراءة و انا أطوف أفضل أو اذكر اللّه تبارك و تعالى؟ قال: القراءة. إلخ «2» فقال في الجواهر و فيه رد على مالك المحكي عنه القول بكراهة القراءة، و في مرسل حماد بن عيسى عن العبد الصالح قال: دخلت عليه يوما و انا أريد أن أسأله عن مسائل كثيرة، فلما رأيته عظم علي كلامه، فقلت له:

ناولني يدك أو رجلك أقبلها فناولني يده فقبلتها، فذكرت قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فدمعت عيناي فلما رآني مطأطأ رأسي قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه حافيا يقارب بين خطاه و يغض بصره و يستلم الحجر في كل طواف من غير ان يؤذي أحدا، و لا يقطع ذكر اللّه عن لسانه إلا كتب اللّه له بكل خطوة سبعين ألف حسنة، و محي عنه سبعين ألف سيئة، و رفع له سبعين ألف درجة، و أعتق عنه سبعين ألف رقبة ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم، و شفع في سبعين الف من أهل بيته و قضيت له سبعون ألف حاجة ان شاء فعاجله و ان شاء فآجله «3» و فيه ما لا يخفى و لكن الأمر فيه سهل، لان ذكر اللّه تعالى حسن على كل حال خصوصا في هذا الحال.

(1) استحباب كونه في حال الطواف

على سكينة و وقار مقتصدا في مشيه تمام

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 54 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 55 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 390

و قيل يرمل [1] ثلاثا و يمشي أربعا (1)

الطواف لا مسرعا فقد ذهب إليه جماعة من الأصحاب «رضوان ان تعالى عليهم» بل في المدارك نسبته الى أكثر الأصحاب، و في غيرها الى المشهور لمناسبة الخضوع و الخشوع، و يدل عليه خبر عبد الرحمن بن سيابة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف فقلت: أسرع و أكثر أو أبطئ قال: امش بين مشيين «1» و في المرسل قال:

رأيت علي بن الحسين عليهما السّلام يمشي و لا يرمل «2».

(1) و القائل ابن حمزة- على ما حكى عنه- و خاصة في طواف الزيارة و حكى عن الشيخ في المبسوط ذلك أيضا في طواف القدوم خاصة قال اقتداء بالنبي صلّى اللّه عليه و آله لانه

______________________________

[1] و المراد بالرمل: الهرولة- على ما في القاموس- و اليه يرجع ما عن المفصل من انه العدو، و ما عن الديوان من انه ضرب منه.

و عن الأزهري: «يقال: رمل الرجل يرمل رملانا: إذا أسرع في مشيه و هو في ذلك يتروا» و عن النووي: «الرمل- بفتح الراء و الميم- إسراع المشي مع تقارب الخطاء و لا يثب و ثوبا».

و في الدروس: «انه الإسراع في المشي مع تقارب الخطاء دون الوثوب و العدو يسمى الخبب و الجميع متقارب».

لكن في الصحاح و عن العين و غيرهما: انه بين المشي و العدو» و هو مناف لما سمعت حتى النصوص».

______________________________

(1) الوسائل

ج 2 الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 391

..........

كذلك فعل رواه جعفر بن محمد عن جابر، و عن التحرير و القواعد اختياره و لعل الوجه فيه خبر ثعلبة عن زرارة أو محمد الطيّار «بن مسلم خ ل» قال: سئلت أبا جعفر عليه السّلام عن الطواف أ يرمل فيه الرّجل؟ فقال: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما ان قدم مكة و كان بينه و بين المشركين الكتاب الذي قد علمتم: أمر الناس ان يتجلّدوا و قال:

أخرجوا أعضادكم، و اخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثم رمل بالبيت ليريهم انهم لم يصبهم جهد، فمن أجل ذلك يرمل الناس و اني لا مشي مشيا، و قد كان علي بن الحسين عليهما السّلام يمشى مشيا «1» و خبر يعقوب الأحمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لما كان غزاة الحديبية و ادع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أهل مكة ثلاثة سنين، ثم دخل فقضى نسكه، فمرّ رسول صلّى اللّه عليه و آله بنفر من أصحابه جلوس في فناء الكعبة، فقال: هو ذا قومكم على رؤوس الجبال لا يرونكم فيروا فيكم ضعفا، قال: فقاموا فشدّوا أزرهم و شدّوا أيديهم على أوساطهم ثم رملوا «2».

و لكن لا دلالة لهما لما نحن بصدده، بل في المحكي عن نوادر ابن عيسى عن أبيه- على ما ذكره في الجواهر- انه سئل ابن عباس فقيل له: ان قوما يرون ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر بالرمل حول الكعبة؟ فقال: كذبوا و صدقوا، فقلت، و كيف ذلك؟ فقال: ان

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دخل مكة في عمرة القضا و أهلها مشركون و بلغهم ان أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله مجهودون، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: رحم اللّه امرء أراهم من نفسه جلدا. فأمرهم فخسروا عن أعضادهم، و رملوا بالبيت ثلاثة أشواط و رسول اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 392

..........

صلّى اللّه عليه و آله على ناقته و عبد اللّه بن رواحة أخذ بزمامها و المشركون بحيال الميزاب ينظرون إليهم ثم حج رسول اللّه بعد ذلك فلم يرمل و لم يأمرهم بذلك فصدقوا في ذلك و كذبوا في هذه «1».

كل ذلك مضافا الى ما عن المنتهى من نسبته الى اتفاق العامّة الذين جعل الرّشد في خلافهم خصوصا هنا، لأنهم استندوا في ذلك الى ما رووه من ان النّبي صلّى اللّه عليه و آله لما قدم مكة قال المشركون انه يقدم عليكم قوم نهكتهم الحمى و لقوا منها شرّا فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يرملوا الأشواط الثّلاثة و ان يمشوا بين الركنين فلما رأوهم قالوا:

ما فريهم الا كالغزلان و أنت ترى انه لا دلالة فيه على الاستحباب مطلقا، و على كل حال فلا خلاف في عدم لزوم شي ء من الطريقين، للأصل و خبر سعيد الأعرج انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المسرع و المبطئ في الطواف؟ فقال: كل واسع ما لم يؤذ أحدا.

ينبغي هنا الإشارة إلى أمور: الأول- ان الرمل على تقدير استحبابه فهو مختص للرجال، و أما النساء فلا يستحب

ذلك في حقّهن، كما عن المنتهى.

الثاني- ان الظاهر من طواف القدوم- في عبارة الشيخ- هو الذي يفعل الإنسان أول ما يقدم مكة واجبا أو ندبا في نسك أو لا كان عليه سعى أو لا، فلا رمل في طواف النساء و الوداع و طواف الحج ان كان قدم مكة قبل الوقوف الا ان يقدمه عليه.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 392

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 393

و ان يقول: «اللّهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على ظلل الماء الى آخر الدعاء. (1) و ان يلتزم المستجار في الشوط السابع و يبسط يديه على الحائط و يلصق به بطنه و خده و يدعو بالدعاء المأثور (2)

الثالث- انه لا فرق بين أركان البيت و ما بينها في استحباب الرمل و عدمه، لعدم دليل على تخصيص.

الرابع- ان المشهور استحباب المشي في الطواف، و لعله لأنه أنسب بالخضوع و الاستكانة و أبعد من إيذاء الناس، و لانه المعهود من النبي صلّى اللّه عليه و آله و الصحابة و التابعين و ليس بواجب للأصل و ثبوت ركوبه صلّى اللّه عليه و آله من دون عذر خلافا لما هو المحكي عن ابن زهرة فأوجبه اختيارا حاكيا عليه الإجماع و يمكن الاستدلال عليه بتشبيه الطواف بالصلاة التي لا يجوز الركوب اختيارا في الواجب منها و لكن فيه و في دعوى الإجماع ما لا يخفى، نعم عن الخلاف: (لا خلاف عندنا في كراهة الركوب اختيارا). و فيه ايضا ما لا يخفى بعد فعل النبي صلّى

اللّه عليه و آله به.

(1) لصحيح معاوية بن عمار المتقدم في صدر المبحث.

(2) استدل بخبر معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثم تطوف بالبيت سبعة أشواط. الى ان قال: فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة و هو المستجار دون الركن اليماني بقليل في الشوط السابع فابسط يديك على الأرض و ألصق خدك و بطنك بالبيت، ثم قل: «البيت بيتك، و العبد عبدك، و هذا مكان العائذ بك من النار» ثم أقر لربك بما عملت من الذنوب، فإنه ليس عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 394

و لو جاوز المستجار الى الركن اليماني لم يرجع (1) و ان يلتزم الأركان كلها (2)

المكان الا غفر له ان شاء اللّه، فإن أبا عبد اللّه عليه السّلام قال لغلمانه: أميطوا عني حتى أقر لربي بما عملت، و يقول: «اللهم من قبلك الروح و الفرج و العافية. اللهم ان عملي ضعيف فضاعفه لي، و اغفر لي ما اطلعت عليه منى و خفي على خلقك» و تستجير من النار، و تتخير لنفسك من الدعاء، ثم استقبل الركن اليماني و الركن الذي فيه الحجر الأسود و اختم به، فان لم تستطع فلا يضرك، و تقول: «اللهم متعني بما رزقتني و بارك لي فيما أتيتني» «1» و لعله اليه يرجع خبره الآخر عنه أيضا إذا فرغت من طوافك و بلغت مؤخر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يدك على البيت و ألصق بدنك «بطنك خ ل» و خدك بالبيت و قل: «اللهم.» «2»

الى آخر الدعاء المزبور بناء على ارادة القرب من الفراغ من قوله: «فرغت و هو في الشوط السابع»

و على ارادة المستجار نفسه من الحذاء به.

(1) و استدل له بان فيه محذور زيادة الطواف و لصحيح ابن يقطين عن ابي الحسن عليه السّلام قال: سألته عمن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني أ يصلح ان يلتزم بين الركن اليماني و بين الحجر أو يدع ذلك؟ قال: يترك اللزوم «الملتزم خ ل» و يمضي و عمن قرن عشرة أسباع أو أكثر أو أقل إله أن يلتزم في آخرها التزاما واحدا؟ قال: لا أحب ذلك «3».

(2) و استدل لذلك بصحيح جميل بن صالح «في حديث» انه رأى أبا عبد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 9

(2) الوسائل ج 2 الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 27 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 395

و آكدها الركن الذي فيه الحجر و اليماني (1)

اللّه عليه السّلام يستلم الأركان كلها «1». و خبر إبراهيم بن ابى محمود قال: قلت الرضا عليه السّلام: استلم اليماني و الشامي و العراقي و الغربي؟ قال: نعم «2» و لكن لا يخفى ان موردهما هو الاستلام لا الالتزام و لكن يمكن ان يكون هو المراد من الالتزام أو نظرا الى صحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن استلام الركن؟.

فقال: استلامه ان تلصق بطنك به و المسح ان تمسحه بيدك «3».

(1) في صحيح جميل بن صالح عن ابي عبد عليه السّلام قال: كنت أطوف بالبيت فإذا رجل يقول: ما بال هذين الركنين يستلمان و لا يستلم هذان؟ فقلت: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استلم هذين و لم يعرض لهذين، فلا

تعرض لهما إذ لم يعرض «يتعرض خ ل» لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «4» و المراد من الإشارة فيه الركن اليماني و الذي فيه الحجر، و لو بقرينة خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يستلم الا الركن الأسود و اليماني ثم يقبلهما و يضع خده عليهما و رأيت أبي يفعله «5» و خبر يزيد بن معاوية العجلي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف صار الناس يستلمون الحجر و الركن اليماني و لا يستلمون الركنين الآخرين؟ فقال:

قد سألني عن ذلك عباد بن صهيب البصري، فقلت: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استلم هذين و لم يستلم هذين، و انما على الناس ان يفعلوا ما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سأخبرك بغير ما أخبرت به عباد، ان الحجر الأسود و الركن اليماني على يمين العرش و انما أمر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الطواف الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 1

(5) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 396

و يستحب ان يطوف ثلاثمأة و ستين طوافا فان لم يتمكن فثلاثمأة و ستون شوطا و يلحق الزيادة بالطواف الأخير و يسقط الكراهية هنا بهذا الاعتبار (1).

اللّه ان يستلم ما عن يمين عرشه «1» و خبر زيد الشحام عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

كنت أطوف مع ابى

و كان إذا انتهى الى الحجر مسحه بيده و قبله، و إذا انتهى الى الركن اليماني التزمه، فقلت: جعلت فداك تمسح الحجر بيدك، و تلزم «تلتزم خ ل» اليماني، فقال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما أتيت الركن اليماني إلا وجدت جبرئيل قد سبقني إليه يلتزمه «2» يستفاد منه التأكد في خصوص اليماني.

(1) لصحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: يستحب ان يطوف ثلاثمأة و ستين أسبوعا على عدد أيام السنة، فان لم يستطع فثلاثمأة و ستين شوطا فان لم يستطع فما قدرت عليه من الطواف «3».

ينبغي هنا الإشارة إلى أمور: الأول- ان ثلاثمائة و ستين طوافا تكون ألفين و خمس مأة و عشرين شوطا، لكون كل طواف سبعة أشواط.

الثاني- ان ظاهر ما سمعته في النص و الفتوى من استحباب ثلاثة مأة و ستين شوطا انه يكون واحد منها عشرة أشواط، و ذلك لأنها حينئذ أحد و خمسون أسبوعا و ثلاثة أشواط و الطواف ليس إلا سبعة أشواط، فإن عد الثلاثة طوافا واحدا لزم النقص

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 12

(2) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 397

و ان يقرأ في ركعتي الطواف في الاولى مع الحمد قل هو اللّه أحد، و في الثانية معه قل ايها الكافرون (1)

و ان عد جزء للطواف الأخير لزم الزيادة، و ان قلنا بتتميم الثلاثة بإضافة أربعة أشواط عليه لم يكن ذلك عملا بما في الحديث من الإتيان بثلاثمائة و ستين شوطا، و كيف كان فقد ألحقها المصنف

بالطواف الأخير و حكم بسقوط الكراهة بهذا الاعتبار، للنص و الفتوى، أو ان استحبابها لا ينفي الزائد، فيزداد على الثلاثة أربعة، كما عساه يشهد له ما في الغنية من انه قد روى: انه يستحب ان يطوف مدة مقامه بمكة ثلاثمأة و ستين أسبوعا، أو ثلاثمأة و أربعة و ستين شوطا، بل حكاه غير واحد عن ابن زهرة و عن المختلف نفي البأس عنه. و في الدروس: «و زاد ابن زهرة أربعة أشواط حذرا من الكراهة و ليوافق عدد أيام السنة الشمسية).

الثالث- يمكن ان يكون مراد المصنّف «قدّس سرّه» من إلحاق الزيادة بالطواف الأخير، و الحكم بسقوط الكراهة كونه تعبدا باعتبار إتيانه بثلاثمائة و ستين شوطا، لانه أمرنا الشارع به، فتأمل.

و اما احتمال مشروعية الثّلاثة طوافا منفردا فهو بعيد جدا.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا لقول الصادق عليه السّلام في حسن معاوية بن عمار: (إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السّلام فصل ركعتين و اجعله اماما، و اقرء في الأولى منهما سورة التوحيد قل هو اللّه أحد، و في الثانية قل أيّها الكافرون). إلخ «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 398

و من زاد على السبعة سهوا أكملها أسبوعين و صلّى الفريضة أو لا؟ و ركعتي النافلة بعد الفراغ من السعي (1) و ان يتدانى من البيت (2) و يكره الكلام في الطواف بغير الدعاء و القراءة (3)

(1) أما الأول- و هو لزوم تكميل السبعة باسبوعين فيما إذا زاد على السبعة شوطا واحدا، فيدل عليه صحيح أبي أيوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل طاف بالبيت

ثمانية أشواط طواف الفريضة؟ قال: فليضف إليها ستا ثم يصلي أربع ركعات «1» و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في كتاب علي عليه السّلام إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة و استيقن ثمانية أضاف إليها ستا. «2» و خبر على ابن أبي حمزة قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط؟

فقال: نافلة أو فريضة؟ فقال: فريضة، فقال: يضيف إليها ستة. إلخ «3». الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام، و قد تقدم تفصيل الكلام عن هذه المسألة في صدر المبحث ابتداء من صفحة (337) و من أراد الاطلاع عليه فليراجعه.

(2) و قد صرح به غير واحد، معلّلا بأنه المقصود، فالدنوّ منه أولى.

(3) لخبر محمد بن فضيل عن محمد بن علي الرضا عليه السّلام: (في حديث) قال:

طواف الفريضة لا ينبغي ان يتكلم فيه إلا بالدعاء و ذكر اللّه و تلاوة القرآن قال: و النّافلة يلقي الرّجل أخاه فيسلّم عليه و يحدّثه بالشّي ء من أمر الآخرة و الدنيا لا بأس به «4» لكن هذا الحديث- كما ترى- يختص بالفريضة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 13

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 10

(3) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 15

(4) الوسائل ج 2 الباب 54 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 399

[أحكام الطواف]
اشارة

أحكام الطواف الثالث: في أحكام الطواف، و فيه اثنا عشر مسألة:

[الأولى الطواف ركن من تركه عمدا بطل حجه]

الأولى الطواف: ركن من تركه عمدا بطل حجه (1)

و لكن في الجواهر: (يمكن القطع بمساواة النافلة لها في أصل الكراهة و ان كانت أخف خصوصا بعد معروفية المرجوحية في المسجد بكلام الدنيا، و لعله لذا أطلق المصنف و غيره الكراهة، بل زاد الشهيد كراهية الأكل و الشرب و النتاب و النمطي و الفرقعة و العبث و مدافعة الأخبثين و كل ما يكره في الصلاة غالبا و لا بأس به.) و على كل حال فلا ينبغي الإشكال في جواز الأمور المزبورة في الطواف، و يدل عليه ما عن علي ابن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الكلام في الطواف و إنشاد الشعر و الضحك في الفريضة أو غير الفريضة أ يستقيم ذلك؟ قال: لا بأس به و الشعر ما كان لا بأس به منه «مثله خ ل» «1». نعم ورد النهي عن إنشاده في المسجد إلا ما كان منه دعاء أو حمدا أو مدحا للنبي صلّى اللّه عليه و آله أو إمام أو موعظة.

(أحكام الطّواف)

(1) ما افاده المصنّف «قدّس سرّه» من بطلان حجّه فيما إذا ترك الطواف عمدا مما لا ينبغي الكلام فيه من حيث الفتوى، انما الكلام في دليله و مدركه و استدل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 54 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 400

..........

لذلك- مضافا الى عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، و قاعدة انتفاء المركب بانتفاء جزئه- بفحوى صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل ان يطوف طواف الفريضة؟ قال: ان كان على وجه جهالة في الحج أعاد و

عليه بدنة «1» و خبر علي بن أبي حمزة قال: سئل عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتى رجع الى أهله قال: ان كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة «2» لأولوية العالم من الجاهل بالإعادة و بما في رسالة المحكم و المتشابه في حديث قال: و أما حدود الحج فأربعة، و هي:

الإحرام، و الطواف بالبيت، و السعي بين الصفا و المروة، و الوقوف في الموقفين و ما يتبعهما و يتصل بهما، فمن ترك هذه الحدود وجب عليه الكفارة و الإعادة «3».

تحقيق الكلام في هذه المسألة يتوقّف على ذكر جهات إحداها: ما إذا ترك الطواف عمدا. و ثانيتها: ما إذا تركه جهلا. و ثالثتها:

ما إذا تركه نسيانا اما الكلام في الجهة الثالثة فسيجي ء عند تعرّض المصنّف له (ان شاء اللّه تعالى) أما الكلام في الجهة الأولى فمحصّله انه لا ينبغي إشكال في وجوب الإعادة عليه، و لكن لا لأجل ما ذكر و هو ان لزوم الإعادة مع الترك عمدا أولى من الإعادة مع الترك جهلا- الّذي هو مورد صحيح علي بن يقطين المتقدم- فيلحق العمد بالجهل، بل لأجل ان الالتزام بعدم البطلان مع الترك عمدا مع الالتزام بكونه جزء مما لا يجتمعان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 56 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 56 من أبواب الطواف الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 401

..........

مضافا الى انه يمكن ان يقال عدم ثبوت المفهوم، لصحيح علي بن يقطين و نحوه مما دل على وجوب اعادة الحج إذا ترك الطواف جهلا، بدعوى: ان المقصود منه هو انه لا يتخيّل اختصاص

لزوم الإعادة بصورة العلم بل يحكم بلزوم الإعادة و ان كان جاهلا.

و يمكن ان يقال بثبوت المفهوم له لخصوص إخراج الناسي دون العامد.

و يمكن ان يقال بثبوت المفهوم له لنفى خصوص الكفارة عن غير الجاهل من العامد و الناسي، فعليه لا ينبغي القول بان العلم كالجهل في لزوم الإعادة، بل ينبغي القول بان الجهل كالعلم في لزوم الإعادة هذا كله بالنسبة إلى الإعادة.

و اما الكفّارة فهل تثبت على من ترك الطواف عمدا أو لا، يمكن الاستدلال على ثبوتها عليه بوجهين:

الأول- قوله عليه السّلام في صحيح علي بن يقطين و خبر علي بن أبي حمزة المتقدمين ففي صدر المبحث: (ان كان على وجه الجهالة أعاد «الحج» و عليه بدنة) و هو و ان كان واردا في صورة الجهل، الا انه يحكم بثبوتها في صورة العمد عليه بالأولوية، ففي المقام يقال: العمد كالجهل عكس سائر الموارد التي يقال فيها: ان الجهل كالعمد.

و لكن فيه ما ذكرناه غير مرّة من ان التعدي محتاج الى تنقيح المناط القطعي و هو غير حاصل في الشّرعيّات، فلا بد من الاقتصار على مورد الدّليل- و هو صورة الجهل- لأن التّعدي عن مورده الى ما نحن بصدده- و هو صورة العمد- قياس غير مشروع عندنا، لاحتمال الخصوصيّة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 402

..........

الثاني- قوله عليه السّلام أيضا في رسالة المحكم و المتشابه: (فمن ترك هذه الحدود وجب عليه الكفارة و الإعادة)- و يدل ذلك ايضا على ثبوت الكفارة على من ترك توابع هذه الحدود فخرج ما خرج و بقي الباقي- و فيه: انه ضعيف سندا، فلا يمكن الاعتماد عليه، فظهر انه مع الترك- اي ترك الطواف- عمدا عليه الإعادة دون الكفارة.

و أما الكلام

في الجهة الثانية- و هي ما إذا ترك الطواف جهلا- فنقول: ان مقتضى القاعدة هو وجوب الإعادة، لأن الأصل في الجزئية- كما ذكرناه غير مرة- الركنية المطلقة ما دام لم يرد دليل تعبدي على الخلاف، و في المقام لم يرد ذلك، بل قد عرفت ان مقتضى الدليل هو الإعادة.

و أما الكفارة فهل تثبت في حقه أو لا؟ لا ينبغي الإشكال في ثبوتها عليه لقوله عليه السّلام في صحيح علي بن يقطين: (ان كان وجه جهالة أعاد و عليه بدنة).

ينبغي هنا التّنبيه على أمرين: الأول- ان في صحيح علي بن يقطين المتقدم لم يذكر اعادة الحج لقوله عليه السّلام فيه: «أعاد» فلعل المراد منه إعادة الطواف لا اعادة الحج، و لكن يمكن ان يقال: انه و ان لم يذكر فيه ذلك الا ان خبر علي بن أبي حمزة المصرح بإعادة الحجّ بقوله: (أعاد الحج) مفسر له بان المراد منه اعادة الحج، و لكن يناقش فيه بأنه ضعيف سندا.

و لكن التحقيق: دلالة صحيح علي بن يقطين على المدعى، و ذلك لعدم كون المراد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 403

..........

من قوله عليه السّلام فيه «أعاد» إعادة الطواف، لانه لم يصدر منه طواف حتى يحكم بلزوم إعادته عليه، فالمراد منه اعادة الحج.

الثاني- انه لو ترك الطواف عمدا أو جهلا يبطل حجه هذا مما لا كلام و لا اشكال فيه انما الكلام في انه هل يبطل إحرامه أيضا أو لا؟ قال في الجواهر: «ان الظاهر عدم الاحتياج الى المحلل بعد فساد النسك بتعمد ترك الطواف المعتبر فيه، ضرورة بطلان الإحرام الذي هو جزء من النسك ببطلانه، مضافا الى خلو اخبار البيان عنه، لكن في المدارك و غيرها: احتمال بقاؤه

على إحرامه الى أن يأتي بالفعل الفائت في محله، و يكون إطلاق اسم البطلان عليه مجازا- كما عن الشهيد في الحج الفاسد، بناء على ان الأول هو الفرض، و احتمال توقفه على أفعال العمرة. بل عن الكركي في شرح القواعد الجزم بالأخير، لكن قال: على هذا لا يكاد يتحقق معنى الترك المقتضي للبطلان في العمرة المفردة، لأنها هي المحللة من الإحرام عند بطلان نسك آخر غيرها، فلو بطلت احتيج في التحلّل من إحرامها إلى أفعال العمرة و هو معلوم البطلان. و في المدارك: و هو غير واضح المأخذ، فان التحلل بأفعال العمرة انما يثبت مع فوات الحج لا مع بطلان النسك مطلقا، و دعوى استصحاب حكم الإحرام الى ان يعلم حصول المحلل و انما يعلم بإتيان أفعال العمرة يدفعها ما عرفت من ان بطلان النسك يقتضي بطلان الإحرام الذي هو جزء منه و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه خصوصا على القول بكون الإحرام نسكا مستقلا يعتبر وقوع الأفعال معه نحو الطهارة للصلاة، و لا أقل من ان يكون له جهتان، كما عساه يشهد لذلك ما تسمعه في المحصور و المصدود

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 404

..........

فحينئذ يتجه توقف التحليل على فعل الفائت و لو في السنة الآتية، لأصالة عدم التحلل بغير أداء النسك الذي وقع الإحرام له، و لكن فيه ما لا يخفى، و لعله لذا قال الكركي بالتحلل بأفعال العمرة و ان كان لا يتم إلا بدعوى الاستفادة من الأدلة: ان أفعالها يحصل بها التحليل من الإحرام مطلقا من غير فرق بين فوات الحج بفوات وقته و بين بطلانه بفوات ركنه، و لم يحضرني الآن ما يدل على ذلك، و ان

كان ظاهر سيد المدارك المفروغية منه حيث انه بعد ان ذكر ما سمعته سابقا قال: «و المسألة قوية الإشكال من حيث استصحاب حكم الإحرام الى ان يعلم حصول المحلل و انما يعلم بالإتيان بأفعال العمرة، و من أصالة عدم توقفه على ذلك مع خلو الأخبار الواردة في مقام البيان منه» و لعل المصير الى ما ذكره أحوط، و لكن قد عرفت ان الأحوط منه ايضا فعل الفائت مع ذلك و اللّه العالم).

تفصيل الكلام فيه هو انه يمكن ان يقال: ان بقاء الإحرام و عدمه في ما نحن فيه موقوف على إثبات كون الإحرام جزء أو شرطا، فان ثبت كونه جزء يحكم ببطلانه بمجرد بطلان الحج لان كل جزء جزء في نفسه و شرط لغيره من الاجزاء فبانتفاء جزء من العمل الارتباطي يبطل باقي الأجزاء من السابق و اللاحق، و ان ثبت كونه شرطا لا يمكن الحكم ببطلانه ببطلان الحج- كما لا يبطل الوضوء ببطلان الصلاة، قد تقدم ما يمكن الاستدلال به على إثبات الجزئية و الشرطية في الجزء الثاني من هذا الكتاب في ص (418) فإذا ثبت جزئيته أو شرطيته بما تقدم في المحل المزبور أو بصحيح على بن جعفر الآتي في ص 11 فهو و اما إذا شك فيمكن ان يقال بثبوت الإحرام عليه بالأصل- و هو الاستصحاب- و ذلك لتحقق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 405

..........

أركانه من اليقين السابق و الشك اللاحق، أما الأول: فللعلم بتحقق الإحرام منه.

و أما الثاني: فللشك في بقاؤه، لاحتمال كونه جزء فارتفع ببطلان الحج فعليه ببركة الاستصحاب يحكم بثبوت الإحرام عليه و يترتب عليه آثاره.

نعم، يمكن ان يقال بعدم ترتب جميع آثار الإحرام في ما نحن فيه،

لإتيانه على الفرض ببعض ما يوجب تحلل المحرم منه و انما يحرم عليه الطيب و النساء لعدم إتيانه بمحلله و هو طواف الحج و النساء إذا لم يأت ايضا بطواف النساء.

ان قلت: ان الإحرام أمر بسيط لا يقبل التجزئة، قلت: نعم و لكن حكم المحرم هو حرمة أمور مخصوصة عليه و يحكم بارتفاع بعضها عنه لإتيانه بموجبه و يحكم ببقاء بعضها، لعدم إتيانه بما يوجب الرفع.

و لكن التحقيق انه بعد فرض بطلان الحج بترك جزء منه يكون جميع أجزاءه باطلا و منها اعمال منى، فلا تكون محللة لبطلانها، فعليه يحكم ببقائه على إحرامه بكله ثم انه يمكن ان يقال عدم جريان استصحاب بقاء الإحرام في ما نحن فيه مع الشك في جزئية الإحرام و شرطيته، ذلك لانه لو كان جزء لانكشف بطلان الجزء السابق من أول الأمر بتركه الجزء اللاحق كشفا قطعيا، لان صحته بناء عليه كانت متوقفة على الإتيان بجميع الأجزاء اللاحقة، لما ذكرناه غير مرة ان كل جزء جزء في نفسه و شرط لباقي الاجزاء، فعليه يقال برجوع الشك في مفروض المقام الى الشك في أصل وجود الإحرام فلا يبقى مجال للقول بجريان استصحاب الإحرام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 406

..........

(إيقاظ) ان ما ذكرنا انما يتم بناء على كون اعمال الحج ارتباطية، و أما بناء على القول بكونها أعمالا مستقلة مرتبة بحسب الوجود فبترك بعضها لا يمكن الحكم ببطلان الجزء الآخر فيقع الكلام في انه هل تكون اعمال الحج ارتباطية أو لا؟؟ يمكن الاستدلال للارتباطية بما تقدم من النصوص- في صدر المبحث- الدالة على لزوم الإعادة لو ترك الطواف جهلا، لانه لو لم تكن ارتباطية لما كان تركه للطواف جهلا موجبا لإعادة أصل

الحج، و فيه: انه قد يقال ان حكمه عليه السّلام في تلك النصوص بوجوب الإعادة عند ترك الطواف جهلا أعم من ذلك، لانه كما يمكن ان يكون ذلك لأجل ارتباطية اعمال الحج، كذلك يمكن ان يكون لأجل لزوم كون جميع أعمال الحج في سنة واحدة، فهي بنفسها اعمال مستقلة و لكنها مرتبطة بهذا المعنى لا بالمعنى الأول، و ذلك نظير حج التمتع و عمرته، فإنهما عملان مستقلان، فلو بطلت عمرته صارت حجته مبولة و لا يحكم ببطلان حجه، و كذا لو لم يحج صحيحا لا يحكم ببطلان عمرته و لكن كل من عمرة التمتع و حجه مرتبطة بالآخر بمعنى لزوم الإتيان بهما في سنة واحدة حتى يجزى، فلعل اعمال الحج ايضا كذلك و ان كانت هي أعمال مستقلة، فلو كان كذلك فلا يحرم على تارك الطواف الا الطيب و النساء إذا لم يأت بطواف النساء لأن إعمال منى أحلت له باقي المحرمات بالإحرام، و كيف كان فما تقدم من استصحاب بقاء الإحرام بعد عدم ثبوت ارتباطية اعمال الحج في مفروض البحث صحيح.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 407

..........

اللهم إلا ان يقال انه لما لم يعلم ان نظر النصوص المتقدمة الواردة في اعادة من ترك الطواف جهلا هل هو الى ارتباطية الأعمال أو الى لزوم كونها في سنة واحدة و احتملنا الارتباطية، فلا محالة يقع الشك في أصل الوجود، و لا يجرى استصحاب بقاء الإحرام فتأمل.

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- انه يمكن ان يقال انه بناء على كون بطلان الحج من أصله لا تكون اعمال منى محللة فيحكم ببقاء جميع آثار الإحرام، و اما بناء على كون بطلانه من حينه تكون اعمال منى محللة لغير

الطيب و النساء فان حال اعمال منى حينئذ تكون كحال البيع المفسوخ من حينه، فان النماءات المنفصلة قبل الفسخ تكون للمشتري، بل يمكن ان يقال بمحللية اعمال منى حتى بناء على البطلان من أصله، و ذلك نظير انه لو مات الإمام في الركعة الثالثة مثلا قدم المأمون شخصا آخر منهم و لم يكن على المأمومين إعادة الصلاة لفوات القراءة، لأن الإمام تحمل عنهم القراءة فهذا الأثر باق مع ان موت الامام كاشف عن بطلان صلاته من أصله.

و لكن لا يخفى ما فيه من المناقشة و الاشكال أما أولا- فلان الحكم المذكور في الصلاة انما يكون من جهة الاقتصار على مورد الدليل و أما ثانيا- فلان عدم الإعادة في مثال الصلاة انما يكون على طبق القاعدة، لعدم ركنية القراءة، و لكن هذا بخلاف ما نحن فيه لعدم كونه كذلك لان مقتضى القاعدة هنا انه بعد بطلان اعمال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 408

..........

منى من أصلها لا تكون محللة هذا و لا يمكن ان تكون باطلة من حينها، فإنه بعد فرض الارتباطية لا محالة يكشف عن البطلان من أصله.

الثاني- ان علي بن يقطين و خبر علي بن أبي حمزة المتقدمين في صدر المبحث الواردين في ترك الطواف جهلا يشملان الجهل الحكمي و الموضوعي للإطلاق، لتصور الجهل الموضوعي في ذلك كان يتخيل مثلا دخول الحجر في الطواف فيمشي فيه في طوافه.

الثالث- انه يمكن ان يقال انه يتحلل في ما نحن فيه بعمرة مفردة بدعوى انه و ان فوت الحج بنفسه لكن مع ذلك يصدق عليه عنوان انه فاته الحج، فيشمله ما دل على ان من فاته الحج يتحلل بعمرة مفردة الا ان يدعي انصرافه الى ما إذا

فات منه الحج على وجه غير العمد بان ضاق الوقت و اما فيما نحن فيه فهو تفويت، مضافا الى انه في المثال فاته الحج بتمامه و هذا بخلاف ما نحن فيه، لكونه اتى بكثير من الأعمال فلا يشمله ذلك الدليل فتأمل.

الرابع- ان مقتضى الاحتياط بالنسبة الى من ترك الطواف عمدا أو جهلا أن يأتي في السنة اللاحقة بما ترك من الطواف و ما بعده، لاحتمال عدم دخول فيمن فاته الحج ثم يأتي بالعمرة المفردة، لاحتمال دخوله فيه، ثم يعيد الحج.

الخامس- ان تركه للطواف تارة: يكون في الحج و اخرى: في العمرة المفردة و ثالثة: في عمرة التمتع أما في الأول فقد عرفت انه يتحلل بعمرة مفردة بناء على شمول دليل من فاته الحج للمقام و الا فيحتاط بالإتيان أو لا بباقي الأعمال في العام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 409

..........

القابل في ذي الحجة ثم بالعمرة ثم اعادة الحجّ و أما في الثاني: فلا يتصور فيه الفوت لتوسعة وقت العمرة إلى آخر العمر، و أما في الثالث: فينقلب حجه الى الافراد و يحجّ بذلك الإحرام و يخرج به عن الإحرام، ثم يعتمر عمرة مفردة، و هل يجزى ذلك عن حجة الإسلام أو لا؟ فيه كلام موكول الى محله.

الخامس- بقي الكلام فيما يتحقّق به التّرك قال في الجواهر: (نفي المسالك و في وقت تحقّق البطلان بتركه خفاء، فان مقتضى قوله عليه السّلام: «من تركه ناسيا قضاه و لو بعد المناسك» ان العامد يبطل حجّه متى فعل المناسك بعده، و قد ذكر جماعة من الأصحاب: انه لو قدم السّعي على الطّواف عمدا بطل السعي و وجب عليه الطواف ثم السّعى، فدل على عدم بطلان الحج بمجرد تأخر

الطّواف عمدا، و يقوى توقف البطلان على خروج وقت الحج و هو ذو الحجة لأنه وقت لوقوع الأفعال في الجملة خصوصا الطواف و السعي، فإنه لو أخرهما عمدا طول ذي الحجة صح، و غاية ما يقال: انه يأثم و قد تقدم، و في حكم خروج الشهر انتقال الحاجّ الى مكان «محل خ ل» يتعذر عليه العود في الشهر، فإنه يتحقق البطلان و ان لم يخرج هذا في الحج، و أما العمرة فإن كانت عمرة تمتع كان بطلانها بفواته عمدا متحققا بحضور الموقفين بحيث يضيق الوقت إلا عن التلبّس بالحج و لما يفعله و ان كانت مفردة فبخروج السنة ان كانت المجامعة لحج القران أو الافراد، و لو كانت مجردة عنه فإشكال، إذ يحتمل حينئذ بطلانها بخروجه عن مكة و لما يفعله، و يحتمل ان يتحقق في الجميع بتركه بنيّة الإعراض عنه و ان يرجع فيه الى ما يعدّ تركا عرفا، و المسألة موضع اشكال، و قد سبقه الكركي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 410

و من تركه ناسيا قضاه و لو بعد المناسك (1)

الى ذلك في حاشية الكتاب قال: مما يشكل تحقيق ما به يتحقق ترك الطّواف، فإنه لو سعى قبل ان يطوف لم يعتد به. و ان أحرم بنسك آخر بطل فعله- صرح به في الدروس- و يمكن ان يحكم في ذلك العرف، فإذا شرع في نسك آخر عازما على ترك الطواف بحيث يصدق الترك عرفا حكم ببطلان الحجّ، أو يراد خروجه من مكة بنية عدم فعله ناقش في ما ذكر صاحب الجواهر «قدّس سرّه» بقوله قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا من جواز تأخير طواف حج

التمتع و سعيه اختيارا طول ذي الحجة على كراهية شديدة، و دونها تأخر طواف حج الافراد و القران و سعيه- كما سمعت الكلام في ذلك مفصلا- بل الظاهر من القائل بعدم الجواز إرادة الإثم دون البطلان، فحينئذ يراد بالترك في حج التمتع و القران و الافراد عدم الفعل في تمام ذي الحجة، و في عمرة التمتع عدمه الى ضيق وقت الوقوف بعرفة و في العمرة المفردة المجردة إلى تمام العمر، بل و كذا المجامعة في حج الافراد و القران بناء على عدم وجوبها في سنتهما، و الا فالمدار على تركها في تلك السنة فهو ركن في هذه المناسك جميعها تبطل بتركه فيها على الوجه المزبور مع العلم و العمد).

السادس- ان الظاهر- كما أفاده صاحب الجواهر «قدس سره»- خروج طواف النساء عن ذلك، و ان أوهمه ظاهر العبارة لكن هو غير ركن فلا يبطل النسك بتركه حينئذ من غير خلاف كما عن السرائر لخروجه عن حقيقة الحج.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا، بل في الجواهر: (بلا خلاف معتدّ به أجده فيه، بل عن الخلاف و الغنية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 411

..........

الإجماع عليه. إلخ» و استدل لذلك بأمور:

الأول- رفع الخطأ و النسيان.

الثاني- صحيح هشام بن سالم سئل الصادق عليه السّلام عمن نسي طواف زيارة البيت حتى رجع الى أهله؟ فقال: لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه «1» و صحيح علي ابن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام سأله عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي ان كان تركه في حج يبعث به في حج و ان كان تركه

في عمرة بعث به في عمرة، و يوكل من يطوف عنه ما تركه من طواف الحج «2».

الثالث- الإجماع، و لكن لا يخفى ما في الوجه الأول و الثاني و كيف كان فما عن الشيخ من البطلان في غير محله فلا وجه لما حكى عنه من حمل الطواف في صحيح هشام ابن سالم على طواف الوداع و في صحيح علي بن جعفر على طواف النساء مستشهدا له بخبر معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل نسي طواف النساء حتى دخل اهله؟ قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، و قال: يأمر من يقضي عنه ان لم يحج فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره «3» و ذلك أما أوّلا: فلأنه- كما ترى- لا دلالة فيه على ذلك ضرورة: اختصاص السؤال و الجواب فيه بطواف النساء من غير تعرض لغيره، و أما ثانيا: فلانه لا معارضة بين الاخبار حتى نحتاج الى حمل حديث الأول على طواف الوداع و الثّاني على طواف النساء، و كون خبر معاوية بن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 412

..........

عمار واردا في نسيان طواف النساء لا يمكن جعله شاهدا لورود صحيح علي بن جعفر في ذلك ايضا. و أما ثالثا: فلكونه ضعيفا من حيث السّند، فلا عبرة به، فعليه لا يبقي مجال لجعله شاهدا للجمع بين الاخبار.

ثم انه أغرب من ذلك ما وقع له في محكي الاستبصار فإنه قال: باب من نسي طواف

الحج حتى رجع الى أهله، ثم أورد حديثي علي بن أبي حمزة و علي بن يقطين المتضمنين اعادة تارك الطّواف جهلا و نحوه ما وقع له في التهذيب من الاستدلال على حكم الناسي بالحديثين المتقدمين و ذلك لورودهما في مورد الجهل، و لا وجه لحملهما على النسيان، فلا تجب الإعادة إلا على الجاهل دون النّاسي، كما صرح به هو في غير الكتابين، بل عنه في الخلاف دعوى الإجماع عليه فضلا عن تصريح غيره. و ما في كشف اللثام من ان الجهالة تعمّ النّسيان و السؤال في الثاني- و هو حديث علي بن أبي حمزة- عن السهو و ظاهره النسيان فيه ما لا يخفى من المناقشة و الاشكال.

ان قلت: انه ورد في بعض النسخ متنه هكذا: «انه سئل عن رجل سهى ان يطوف بالبيت حتى رجع الى أهله؟ قال: إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة «1» فعليه يمكن ان يقال: ان ذلك مطابق لما ذهب اليه الشّيخ «رحمه اللّه تعالى» لما فيه من التعبير بالسّهو.

قلت: أولا- انه و ان كان متنه في بعض النسخ على النّحو المزبور إلا انه في بعض النّسخ الآخر خلافه، و هو: «جهل» لا: «سهى» كما تقدم سابقا.

______________________________

(1) أشار إليه في الوسائل ج 2 الباب 56 من أبواب الطواف في ذيل الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 413

..........

و ثانيا- انه و ان عبر في صدر الحديث بالسهو و لكنه عبر في ذيله بقوله عليه السّلام:

(إذا كان على وجه الجهالة).

و ثالثا- فلأنه يؤيد النسخة التي فيها «جهل» صحيح علي بن يقطين المصرح فيه بالجهل.

رابعا- انه يمكن ان يراد من السهو فيه السهو عن الحكم حتى يكون جاهلا، بعبارة

اخرى: ان المراد من النسيان ليس نسيان الموضوع بل نسيان الحكم الذي هو جهل طار، فحينئذ يتطابق صدر الحديث و ذيله.

و خامسا نقول: ان عمدة الدليل هو صحيح علي بن يقطين المصرح فيه بالجهل و هو يكفينا و لا حاجة الى خبر علي بن أبي حمزة لكونه ضعيفا سندا، فلا عبرة به.

ينبغي هنا التّنبيه على أمور: الأول- انه يمكن المناقشة في الاستدلال على مقالة المشهور بصحيحي هشام و علي بن جعفر المتقدمين، أما في صحيح هشام فلانه يمكن ان يقال بظهور قوله: (نسي طواف زيارة البيت) في طواف الوداع أو النساء، لقوله عليه السّلام فيه: (إذا كان قد قضى مناسكه) لكون طواف الحج من المناسك و المفروض قضاؤه لها، فعليه يكون الطواف الذي نسيه إما طواف الوداع، لكونه ايضا طواف زيارة البيت، و إما طواف النساء لانه كما يستفاد من بعض الاخبار خارج عن الحجّ لكن يصح إطلاق طواف زيارة البيت عليه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 414

..........

الا ان يقال ان مراده من قوله: (ان كان قد قضى مناسكه) غير هذا الطواف و كيف كان فيمكن ان يقال انه ليس في هذا الحديث ظهور في إرادة طواف الحج بل هو مجمل ان لم نقل بظهوره في الخلاف، فتأمل.

و أما صحيح علي بن جعفر فلاختلاف نسخه بحسب الذيل فذيله على ما في الجواهر هكذا: «ما تركه من طواف الحج» فهو بناء على هذه النسخة و ان كان صريحا في مقالة المشهور و لكن صحة هذه النسخة غير معلوم لاحتمال تمامية نسخة الوسائل، و ذيله على ما في الوسائل هكذا: (ما تركه من طوافه) و هذا كما يحتمل ان يكون المراد منه طواف الحج كذلك يحتمل ان

يكون المراد منه طواف النساء.

إلا ان يقال ان المراد من العمرة في قوله عليه السّلام فيه (و ان كان تركه في عمرة) هو عمرة التمتع فعليه يتعين كون المراد منه طواف الحج لا طواف النساء، لأن عمرة التمتع ليس فيها طواف النساء لكنه لم يثبت كون المراد منها عمرة التمتع إلا ان يدعي ظهوره فيه و تم ذلك، ان قلت: انه عبر في صدره بطواف الفريضة فيكون المراد منه طواف الزيارة. قلت: انه و ان كان كذلك إلا انه يطلق ذلك في الاخبار على طواف النساء.

الثاني- ان القول بان المقصود منه ترك جنس الطواف بان لم يأت بطواف أصلا فهو خلاف الظاهر، لكون الظاهر منه ترك طواف بالخصوص، فهو إما طواف الحج و اما طواف النساء.

الثالث- ان الظاهر عدم الفرق بين طواف الحج و طواف العمرة، كما سمعت به

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 415

..........

في صحيح علي بن جعفر.

الرابع- ان الأحوط ان لم يكن أقوى إعادة السعي معه- كما صرح به في الدروس- و لعله لفوات الترتيب المقتضي لفساد السعي، كما دل عليه صحيح منصور ابن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل ان يطوف بالبيت؟ قال: يطوف بالبيت، ثم يعود الى الصفا و المروة، فيطوف بينهما «1» اللهم إلا ان يدعي اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت، و قد يستدل على عدم لزوم إعادته في مفروض المقام- مضافا الى الأصل و السكوت عنه في خبر الاستنابة و غيره- بخبر منصور بن حازم قال فيه: سألته عن رجل بدء بالسعي بالصفا و المروة؟ قال: يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا، ثم يستأنف السعي، قلت: انه فاته؟ قال:

عليه دم الا ترى انك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان تعيد على شمالك «2» بدعوى: ظهوره فيه، لاقتصاره على وجوب الدم مع الفوات فيدل على عكس ما تقدم، و لعله لذا لم يتعرض الأكثر إعادة السعي.

لكن قد يقال ان الصحيح الأول ظاهر و لو بترك الاستفصال فيه في وجوبها، و اما الخبر المزبور فلا ينافيه: أما أولا- فلكونه ضعيف سندا. و أما ثانيا- فلان غايته السكوت، و الا فإيجاب الدم لا ينافي وجوبها، بل لعل سكوته عن الأمر به اتكالا على إطلاق الأمر بها في الصدر، و التشبيه بالوضوء الذي لا يختص بحال الاختيار في الذيل فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 416

و لو تعذر العود استناب فيه (1)

الخامس- انه إذا ترك الطواف نسيانا و تردد في كونه من حجه أو من عمرته التمتع فعليه أن يأتي بطواف و عمرة، و ذلك لأنه ان كان ذلك من حجه كان عليه طواف و ان كان ذلك من عمرته فقد انقلب حجه الى الافراد و خرج عن إحرامه بالحج، و عليه ان يعتمر عمرة مفردة، فيعلم إجمالا إما عليه العمرة و اما عليه طواف الحج فعليه أن يأتي بكليهما.

هذا كله إذا كان ناسيا و اما إذا كان جاهلا فليس عليه قضاء الطواف بل عليه العمرة لانه إما تركه من الحج أو من العمرة فلو تركه من الحج فقد عرفت بطلان حجه و يتحلل بعمرة مفردة بناء على شموله دليل من فاته الحج و لو تركه من العمرة فقد انقلب حجه الى الافراد، فعليه العمرة

المفردة فعلى اي حال عليه ان يأتي بالعمرة المفردة، فيحرم احتياطا. ثم يأتي بالعمرة لاحتمال كونه محلا بان كان ترك طواف العمرة فقد تحلّل بالحجة المفردة.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، و يدل عليه قوله عليه السّلام في صحيح علي بن جعفر المتقدم: (و يوكّل من يطوف عنه).

ثم لا يخفى ان مقتضى إطلاقه جواز الاستنابة للناسي إذا لم يذكر حتى قدم بلاده مطلقا كما أفاده في المدارك و لكن الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» اعتبروا العذر احتياطا. و يمكن ان يكون وجه ذلك ما ذكرناه غير من ان الأصل يقتضي المباشرية و ما قيل: ان المنساق من إطلاق الصّحيح ما هو الغالب من حصول التعذّر بعد الوصول الى بلاده و فحوى ما تقدّم من وجوب صلاة ركعتي الطواف بنفسه لو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 417

و من شكّ في عدده بعد انصرافه لم يلتفت (1) و ان كان في أثنائه فإن كان شاكّا في الزّيادة قطع و لا شي ء عليه (2) و ان كان في النّقصان استأنف في الفريضة (3)

نسيهما، بل و فحوى ما ستعرفه في طواف النّساء من اشتراطها بالتّعذر أو التعسّر ان قلنا به و لكنها لا يخلو من المناقشة و الاشكال.

(1) بلا خلاف فيه لقاعدة الفراغ، لشمول دليلها لما نحن فيه.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب، بل في الجواهر: «بلا خلاف محقق أجده فيه. إلخ» و يدل عليه- مضافا الى أصالة عدم الزيادة و البراءة من الإعادة- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أ سبعة طاف

أو ثمانية؟ فقال: أما السبعة فقد استيقن و انما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين «1» و لكن لا يخفى انه انما يتم إذا كان الشك عند الركن قبل ان ينوي الانصراف، لأنه إذا كان قبله يرجع الشك فيه الى النقصان المقتضي لتردده بين محذورين: الإكمال المحتمل للزيادة عمدا، و القطع المحتمل للنقيصة كذلك.

و قد نوقش فيه في المدارك بمنع تأثير احتمال الزيادة و ناقش فيه صاحب الجواهر بقوله: (هو مبني على مختاره و ستعرف ضعفه) و كيف كان فقد تقدم الكلام عن مضرية احتمال الزيادة و عدم مضريتها (في ص 375) و من أراد الاطلاع عليه فليراجعه.

(3) هذا هو المعروف بين الأصحاب، بل نسبه في المدارك: الى المشهور، بل في محكي الغنية: الإجماع عليه. و يدل عليه- مضافا الى ما ذكر- جملة من النصوص منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 418

..........

1- صحيح منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟ قال: فليعد طوافه، قال: ففاته؟ فقال: ما أرى عليه شيئا «1».

2- خبر ابى بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل شك في طواف الفريضة؟ قال: يعيد كل ما شك. إلخ «2».

3- خبره الآخر قال: قلت له رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية؟ قال: يعيد طوافه حتى يحفظ «3».

4- خبر احمد بن عمر المرهبي عن ابي الحسن الثاني عليه السّلام قال: قلت رجل شك في طوافه فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟ فقال: ان كان في فريضة أعاد كل ما شك فيه و

ان كان نافلة بنى على ما هو أقل «4».

5- صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طاف فلم يدر ستّة طاف أو سبعة؟ قال: يستقبل «5».

6- خبر صفوان أو حسنه قال: سألته عن ثلاثة دخلوا في الطّواف، فقال: واحد احفظوا الطواف، فلما ظنّوا انهم قد فرغوا، قال واحد منهم: معي ستة أشواط، قال: ان شكوا كلهم فليستأنفوا، و ان لم يشكوا و علم كل واحد منهم ما في يديه فليبنوه «6» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب و كذا الّذي قبله، و رواه أيضا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 12

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 11

(4) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 4

(5) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 1

(6) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 419

..........

بإسناده عن إبراهيم بن هاشم عن صفوان قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام ثم ذكر مثله الا انه قال: (قال واحد: معي سبعة أشواط، و قال الآخر: معي ستة أشواط، و قال الثالث: معي خمسة أشواط) الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام يقع الكلام في أمور: الأول- ان مقتضى اخبار المقام هو عدم صحة طواف الواجب مع الشك في أثنائه. و أما ما عن رفاعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في رجل لا يدري ستة طاف أو طاف سبعة؟ قال: يبني على يقينه «1» فلا ينافي أخبار المقام، لعدم كونه صريحا في الطواف الواجب

و هو مطلق قابل للتقييد، و أما ما عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت فلم يدر أ ستة طاف أو سبعة طواف فريضة؟

قال: فليعد طوافه، قيل: انه خرج وفاته ذلك؟ قال: ليس عليه شي ء «2». و نحوه صحيح معاوية بن عمار «3» فأيضا لا ينافي ما تقدم بناء على كون المراد من الفوت فيه هو الفراغ و هو حينئذ مطابق لما عرفته من ان مقتضى قاعدة الفراغ الصحة، و لكنه ينافيه ما سيأتي «ان شاء اللّه تعالى» في الأمر السادس، فالمتحصل من الاخبار هو ان شك بعد الفراغ لم يعتن به، و ان شك في الأثناء أعاد.

هذا و لكن يعارضها ما عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

اني طفت فلم أدر أ ستة طفت أم سبعة، فطفت طوافا آخر؟ فقال: هلا استأنفت؟

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 420

..........

قلت: طفت و ذهبت، قال: ليس عليك شي ء «1» يمكن الجمع بينه و بينها بما يلي:

1- حمل هذا الحديث على الطواف المستحب و فيه: انه لو كان كذلك لما كان مجال لقوله: «هلا استأنفت».

2- ان يقال: ان المراد من قوله عليه السّلام: «ليس عليه شي ء» نفي الكفّارة دون غيرها و فيه انه بإطلاقه ينفي كلّ شي ء و كونه في مقام بيان حكمه من الإعادة و عدمها فالإعادة ايضا منفيّة بذلك.

و لكن يمكن الجمع بينه و بينها بان يقال: انه بعد ان حصل له الشك أتى

بشوط و لذا قال عليه السّلام: «هلا استأنفت؟» فقال: اني: «طفت و ذهبت» فيكون المراد منه استيناف أصل الطواف لا الإتيان بشوط فقط، فان تم هذا الجمع فهو، و الا فلا بد من رفع اليد عنه، لمخالفته للنصوص و الفتاوي و ضرورة الفقه.

الثاني- انه هل يبطل طوافه بمجرد الشك أو لا بل له التروّي كما انه ورد في باب الصّلاة التّروي عند الشّك و عدم بطلان عمله بمجرد حصوله؟؟ قد يقال بالثاني، لأنه و ان لم يرد في اخبار المقام ما يدل على التروي، لكنه محقق للموضوع و هو الشك المستقر فيتروى لان يحصل له العلم أو يستقر له الشّك الّذي هو المنصرف إليه الإطلاق فإن استقرّ الشّك تحقق الموضوع و يحكم ببطلان عمله و الا فلا، فتأمل.

الثالث- انه هل يعتبر في كل شوط في أثناء الأشواط ان يكون عدده معلوما عنده بعد حصوله أو لا، بل اللازم ان يكون مجموع الطواف معلوما عنده بان علم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 421

..........

بإتيان سبعة أشواط؟ و المتعين هو الأول، لأن المضي على الشك مبطل في هذا المقام.

الرابع- انه إذا شك بين السّبع و الثّمان بعد الطّواف فهل يمضي على طوافه أولا؟ مقتضى صحيح الحلبي و هو: قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أ سبعة طاف أم ثمانية؟ فقال: أما السبعة فقد استيقن و انما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين «1» هو عدم الاعتناء به.

نعم إذا شك في ان ما بيده هل هو السابع أو الثامن، فقيل بوجوب الإعادة عليه، لعدم تمكنه من الإتمام، لأنه ان

رفع اليد عن هذا الشوط احتمل النّقصان، و ان أتمه احتمل الزّيادة، فالأمر دائر بين المحذورين: احتمال الزيادة العمدية و احتمال النقصان العمدية و كلاهما مضران، و قد تقدم تقريب عدم مضرية احتمال الزيادة العمدية في المقام و تقريب مضريّة احتمال الزّيادة في ص (375) فراجعه.

نعم قد عرفت دلالة بعض اخبار الباب على ان الشّك في النّقيصة في الأثناء يوجب البطلان، و لكن يمكن ان يقال بانصرافه الى الشك بالنسبة إلى شوط تمام فعليه يتجه القول بعدم وجوب الإعادة عليه في مفروض المقام لكون الشك فيما نحن فيه في جزء الشوط لإتمامه فعليه ان يتمّ شوطه هذا.

لكن الظاهر إطلاق الاخبار فليس في البين انصراف أولا، و على فرض ثبوته فبدوىّ ثانيا، فلا عبرة به في تقييد الإطلاق، فعليه يتّجه حينئذ القول ببطلان طوافه و وجوب الإعادة عليه، فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 422

..........

الخامس- انه ذهب المفيد «رحمه اللّه تعالى» الى ان الشاك في أثناء الطواف يبني على الأقل و يتم، و لعل نظره «رحمه اللّه تعالى» في ذلك الى ما مضى من حديث منصور بن حازم الذي قد عرفت ان اللازم توجيهه أو الى ان المراد مما في الاخبار من انه لو شك اتى بعد ذلك بالطواف هو الإتيان بالشوط المشكوك بان يكون المراد من الطواف الشوط، فإنه أيضا يطلق عليه الطواف تسمية الجزء باسم الكل.

لكن التحقيق: ان ما في بعض الاخبار المتقدمة من التعبير بالإعادة و الاستيناف و ما في بعض الاخبار من قوله عليه السّلام: «يستقبل» صريح في ان المراد من الطواف الأشواط السبعة لا الشوط الواحد.

السادس- قد عرفت انه ورد في

بعض الاخبار المتقدمة: (ان ذلك قد فاته) فقال عليه السّلام «ليس عليه شي ء» يقع الكلام في انه هل يكون المراد من الفوت الفراغ- كما أشرنا إليه في الأمر الأول- أو المراد منه فوت وقت طواف الحج؟ و الظاهر هو الأخير فلا يصح ان يقال ان المراد منه هو الفراغ لعدم كونه فوتا، و ذلك لانه لو فرض دخوله في صلاة الطواف مثلا لا يقال بأنه فات منه الطواف، و لذا لو تذكر عدم إتيانه بالطواف امكنه العود للإتيان به ثم الإتيان بالصلاة فالفوت انما يتحقق بذهاب وقت الطواف، و وقته- على ما قرّر في محلّه- الى آخر ذي الحجة، فتحصل: انه لو حصل له الشكّ قبل الفوت فعليه الإعادة، و لو حصل له بعد الفوت بالمعنى المزبور فلا يعتنى به، و هذا- كما ترى- مناف لقاعدة الفراغ، و ذلك لان مقتضى ما عرفت انه لو شك قبل الفوت كان عليه الإعادة، و لو حصل الفراغ و التجاوز عن المحل الشرعي بالدخول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 423

و بنى على الأقل في النافلة (1)

في المرتب الشرعي، فتأمل.

(1) ما أفاده المصنف «قدس سره» من البناء على الأقل في النافلة فيما إذا شك في عدد أشواط الطواف مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه. إلخ» و يدل عليه ما رواه احمد بن عمر المرهبي عن ابي الحسن الثاني عليه السّلام قال: قلت رجل شك في طوافه فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟ قال: ان كان في فريضة أعاد كل ما شك فيه و ان كان في نافلة بنى على ما هو أقل

«1» و خبر ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل شك في طواف الفريضة؟ قال: يعيد كلما شك، قلت: جعلت فداك شك في طواف نافلة؟ قال: يبني على الأقل «2» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام.

لكن عن الفاضل و ثاني الشهيدين جواز البناء على الأكثر، حيث لا تستلزم الزيادة، كالصلاة للتشبيه بها، و للمرسل عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة؟ قال:

طواف نافلة أو فريضة؟ قيل: أجبني فيهما جميعا، قال: ان كان طواف نافلة فابن على ما شئت، و ان كان طواف فريضة فأعد الطواف «3» لدلالته على جواز البناء على الأكثر و ما عن حنان بن سدير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل طاف فلوهم قال: طفت أربعة أو طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد اللّه: أي الطوافين كان طواف نافلة أم طواف فريضة؟ قال: ان كان طواف فريضة فليلق ما في يديه و ليستأنف و ان

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 12

(3) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 424

[الثّانية من زاد على السبع ناسيا و ذكر قبل بلوغه الركن]

الثّانية من زاد على السبع ناسيا و ذكر قبل بلوغه الركن قطع و لا شي ء عليه (1).

كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة و هو في شك من الرابع انه طاف فليبن على الثلاثة فإنه يجوز له «1».

لكن الأول: ضعيف بالإرسال. و أما الثاني: فلعدم مقاومته مع الاخبار الدالة على انه بنى على الأقل بعد معاضدتها بما تقدم.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و يدل عليه

خبر ابي كهمس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط؟

قال: ان ذكر قبل ان يأتي الركن فليقطعه «2» و بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن الحسين، عن ابن فضال مثله، و زاد (و قد أجزأ عنه، و ان لم يذكر حتى بلغه فليتم أربعة عشر شوطا و ليصل اربع ركعات «3».

ان قلت: انه ضعيف سندا، قلت: انه و ان كان كذلك الا انه منجبر بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» فعليه لا يقاوم معارضته خبر عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا، ثم ليصل ركعتين «4» فيحمل بعد قصوره عن المقاومة على إرادة إتمام الشوط من الدّخول في الثّامن أو غير ذلك.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 7.

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 425

[الثالثة من طاف و ذكر انه لم يتطّهر أعاد في الفريضة دون النّافلة]

الثالثة من طاف و ذكر انه لم يتطّهر أعاد في الفريضة دون النّافلة و يعيد صلاة الطّواف الواجب واجبا و الندب ندبا (1)

[الرابعة من نسي طواف الزيارة حتى رجع الى اهله]

الرابعة من نسي طواف الزيارة حتى رجع الى اهله و واقع قيل: عليه بدنة و الرجوع الى مكة للطّواف (2). و قيل لا كفارة عليه (3) و هو الأصح و يحمل القول الأول على من واقع بعد الذّكر (4)

ثم انه بناء على تماميّة الخبر المزبور يقيّد به ما تقدّم سابقا من ان من زاد على السبعة سهوا أكملها أسبوعين.

(1) لما تقدم في أول مبحث الطواف من اشتراط الطّهارة من الحدث في الطواف الواجب في صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما عليهما السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهور؟ قال: يتوضأ و يعيد طوافه، و ان كان تطوعا توضأ و صلّى ركعتين «1» من أراد الاطلاع على تفصيل الكلام عنه فليراجع أول هذا المبحث

(2) و القائل الشيخ «قدّس سرّه» في محكي النهاية و المبسوط و ابنا البرّاج و سعيد.

(3) و القائل الحلي و الفاضل و الشهيدان و غيرهم و حكى نسبته إلى الأكثر.

(4) يمكن الاستدلال للقول الأول- و هو لزوم البدنة- بوجوه:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 426

..........

الأول- ما مر من صحيح علي بن يقطين و خبر علي بن أبي حمزة المتقدمين الدالين على ثبوت الكفارة فيما إذا ترك الطواف جهلا، بدعوى استفادة حكم النسيان منهما و فيه أولا- ان الجهل غير النسيان فلا يمكن التعدي عن المورد الى غيره، و أما ثانيا- فلعدم ورود تلك الاخبار في خصوص صورة وقوع المواقعة بل مقتضاها كون ترك الطواف

موجبا للكفارة و ان لم يواقع.

الثاني- حسن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع وقع اهله و لم يزر البيت؟ قال: ينحر جزورا، و قد خشيت ان يكون ثلم حجه ان كان عالما، و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه. إلخ «1»، يمكن ان يقال في وجه الاستدلال به هو انه عليه السّلام اخرج العالم بقوله: (و قد خشيت ان يكون ثلم حجه ان كان عالما) و الجاهل بقوله: (ان كان جاهلا فلا بأس) المقتضي؟؟؟ لنفي الكفارة أيضا لا خصوص نفي البطلان و العقاب فبقي في البين حكم النّاسي، فيختص حكمه عليه السّلام في صدره بالكفّارة على النّاسي.

و لكن يمكن ان يقال: انه يعارضه المرسل- في من لا يحضره الفقيه- فيمن جامع و هو محرم: (و ان كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليك) و الصحيح المروي في العلل في المحرم يأتي أهله ناسيا؟ قال: لا شي ء عليه انما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناس).

لكن التحقيق: انه لا معارضة بينهما و بين حسن معاوية بن عمار السّابق.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 427

..........

اما أولا- فلان الصحيح و المرسل ظاهرهما ناسي الإحرام لا ناسي الطواف.

و اما ثانيا- فلانه على فرض تسليم ذلك نقول: انه لا ربط لحسن معاوية بن عمار بما نحن فيه- و التقريب المذكور مما لا مجال له، و ذلك لعدم كون المقصود مما فيه من العلم و الجهل هو العلم بالطواف و الجهل به، بل المقصود منه العلم بحرمة المواقعة على المحرم و الجهل به.

و اما ثالثا- فلانه يمكن الاستدلال بذيل

حسن معاوية بن عمار، بناء على نسخة الجواهر و هو قوله: «فلا بأس به»- على عدم ثبوت الكفارة بدعوى عموم نفي البأس للكفارة أيضا بعد جعل العلم قيدا لجميع ما تقدمه لا خصوص الثلم و الإثم، مضافا الى نسخة المدارك و الوسائل «لا شي ء عليه» بدل: «فلا بأس به» فلا معارضة بينه و بين الصحيح و المرسل حتى نحتاج الى الجمع بحمله على الندب، كما أفاده صاحب الجواهر «قدس سره».

الثالث- صحيح علي بن جعفر المتقدم قال: سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟ قال: يبعث الهدي ان كان تركه في حج، بعث به في حج، و ان كان تركه في عمرة، بعث به في عمرة و وكل من يطوف عنه ما تركه من طوافه «1» لانه- كما ترى- بظاهره يدل على ان من نسي طواف الحج و اتى أهله كان عليه الكفارة، و لكن يمكن المناقشة فيه بما يأتي:

1- ان هذا الشخص انما ترك طواف الحج- بناء على تمامية كون المراد من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 428

..........

قوله: (طواف الفريضة) طواف الحج- و لم يترك طواف النساء، فعليه ان قلنا بكون الترتيب بين الطوافين واقعيا صح القول بثبوت الكفارة عليه، و الا لأشكل ذلك، لحصول حلية النساء له- بناء عليه- بطواف النساء، لاختصاص اشتراط الترتيب بحال الذكر.

اللهم الا ان يقال: ان مقتضى القاعدة الأولية كون الترتيب واقعيا إلا إذا قام دليل تعبدي على خلافها، و لم يرد دليل فيما نحن فيه على كونه ذكريا فتأمل.

2- ان المستفاد من اخبار الكفارات اختصاصها بحال العمد غير الصيد فعليه يمكن

ان يقال بتقييد صحيح المزبور بصورة حصول التذكر بعد النسيان و حصول المواقعة بعد الذكر، بل ظاهر قول المصنف «قدس سره»: (بحمل القول الأول على من واقع بعد الذكر) قبول عبارة القائل لذلك، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف، و لكن لا تقبل عبارات بعض الأصحاب ذلك، و كيف كان فبعد هذه المسألة تحتاج إلى الدقة و التأمل.

تذييل ان الاخبار المتقدمة لم تشتمل على البدنة فلا دليل على كون الكفارة- بناء على ثبوتها- البدنة الا خبري علي بن يقطين، و علي بن أبي حمزة، و حسن ابن عمار المشتمل على الجزور، لكن قد عرفت الإشكال في الاستدلال بها للمقام، و أما صحيح علي بن جعفر فالمذكور فيه الهدى و حمله على البدنة غير ظاهر.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 429

و لو نسي طواف النساء جاز ان يستنيب (1)

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه).

انما الكلام في جواز ذلك اختيارا- كما نسب الى المشهور- أولا بل يختص بما إذا لم يتمكن من الإتيان به بنفسه و بمباشرته؟ يمكن الاستدلال للأول بعدة اخبار منها:

1- صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله؟ قال: يرسل فيطاف عنه. إلخ «1».

2- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى دخل اهله قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت و قال: يأمر من يقضي عنه ان لم يحج فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره «2».

3- صحيحة الآخر عنه

عليه السّلام قال: قلت له: رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله؟ قال: يأمر من يقضي عنه ان لم يحج، فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت «3» مقتضى إطلاق هذه الاخبار هو جواز الاستنابة في حال الاختيار.

و لكن يمكن ان يقال بالثاني، لصحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة؟ قال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت، قلت: فان لم يقدر؟ قال: يأمر من يطوف عنه «4» و صحيحة الآخر عنه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله؟ قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، فان هو مات و ليقض عنه وليه أو غيره، فاما ما دام حيا فلا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 11

(2) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 8

(4) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 430

..........

يصلح ان يقضى عنه، و ان نسي الجمار فليسا بسواء ان الرمي سنه و الطواف فريضة «1» و أنت ترى انه رتب الحكم- و هو جواز الاستنابة- في الحديث الأول على عدم القدرة و في الحديث الثاني صرح بنفي الصلاح من ان يقضى عنه:

مضافا الى انه قد ذكرنا غير مرة ان مقتضى القاعدة الأولية المباشرية ما دام لم يثبت بالدليل الخاص جواز الاستنابة، و ذلك لعدم كون فعل الغير فعلا للمكلف حتى يكون عدلا للفعل المباشري- كما هو واضح- و لو بنحو المسبب التوليدي، فجعل النيابة عدلا لفعل المكلف

يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا و إثباتا و بدون الدليل على تشريعها يكون مقتضى الأصل عدم صحتها و عدم فراغ ذمة المكلف بفعل الغير، كما لا يخفى. و الإطلاق في جميع الواجبات الشرعية يقتضي المباشرية، كما يقتضي العينية و التعينية و النفسية و التوصلية.

هذا مضافا الى إمكان دعوى انصراف المطلقات الى خصوص صورة عدم القدرة لأنه عليه السّلام- كما ترى- أمر في الحديث الأول لمعاوية بن عمار الّذي استدلّ به للقول الثاني- و هو عدم جواز الاستنابة في حال الاختيار- بان يطوف بنفسه، و لكن لما فرض السائل عدم القدرة على الإتيان بالطواف بنفسه قال: يأمر من يطوف عنه.

هذا و لكن التحقيق هو جواز الاستنابة حتى في حال الاختيار، لإطلاق الصّحاح المتقدمة في صدر المبحث، و اما دعوى الانصراف ففيها ما لا يخفى أما أولا فلعدم ثبوت الانصراف في البين، و اما ثانيا فلانه على فرض ثبوته فبدوى، فلا عبرة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 431

..........

به في تقييد الإطلاقات، لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو الضابط في الانصراف الصالح للتقييد.

و اما صحيح الأول لمعاوية بن عمار المتقدم هنا الذي استدل به على عدم جواز الاستنابة في حال الاختيار، فلا ينهض للدلالة على الخلاف، لان عدم القدرة فيه مفروضة في كلام السائل، و اما كونها دخيلة في جواز الاستنابة فغير معلوم.

و اما صحيحة الآخر الذي استدل به ايضا على عدم الجواز ففيه: انه لا يدل على التفصيل بين صورة الاختيار و الاضطرار، و انما غاية ما يدل عليه بناء على القول بدلالة نفي الصلاح في قوله عليه السّلام: (فلا يصلح ان يقضي عنه) على

نفي الاجزاء هو ان الطواف كالصوم في عدم قبوله النيابة في حال الحياة، و لو مع عدم القدرة على المباشرة و هذا- كما ترى- خلاف الإجماع و ضرورة الفقه، للدليل على تشريع الاستنابة في تمام الحج عند عدم القدرة كقوله عليه السّلام في بعض الاخبار المتقدمة في باب النيابة (فليجّهز رجلا) و نحوه، فكيف بخصوص الطواف، فعليه لا يمكن الأخذ بظاهره.

و اما تقييده بصورة القدرة و الاختيار فمحتاج الى ورود دليل مقيد له و لو ورد الدليل كذلك فهو بنفسه دال على عدم جواز الاستنابة مع الاختيار من دون احتياج اليه و كيف كان فلم يثبت ذلك الدليل فيتعين حمله على الكراهة فتأمل.

و لكن قد يقال: ان صحيح معاوية بن عمار المتضمن لقول السائل: (قلت:

فان لم يقدر) بناء على عدم دلالته على عدم جواز الاستنابة مع الاختيار لكون فرض

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 432

..........

عدم القدرة في كلام السائل، و لكن قد يقال بنهوضه مقيدا لصحيحة الآخر المتضمن لقوله عليه السّلام: (و اما ما دام حيا فلا يصلح ان يقضي عنه) لا خصيته منه فتأمل.

يمكن ان يقال بجواز الاستنابة إذا كان تركها حرجيا، و الا فلا و ذلك لان مورد الاخبار هو رجوعه إلى اهله و من الواضح انه حينئذ رجوعه إلى مكة لإتيان الطواف بنفسه يكون غالبا حرجيا عليه و يكون ذكر الرجوع الى أهله في الاخبار للإشارة إلى لزوم العسر و الحرج، لا ان له خصوصية، فالأخبار منصرفة إليه فمهما كان ذلك حرجيا عليه سواء وصل الى أهله أو لا جاز له الاستنابة لقاعدة نفى العسر و الحرج و إذا لم يكن كذلك فلا فعليه من قال بجواز الاستنابة مع عدم القدرة

لعله ليس المراد منه عدم القدرة عقلا، بل المراد منه هو لزوم العسر و الحرج الزائد على العسر و الحرج الموجود في طبيعة السفر الى الحج و المراد مما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم المتضمن لقول السائل (قلت:

فان لم يقدر.) ايضا ذلك فتدبر.

و لكن التحقيق: خلاف ذلك لجريان قاعدة نفى العسر و الحرج فيما إذا كان نفس الواجب حرجيا، و اما في المقام فليس كذلك، لعدم كون نفس الطواف المباشري حرجيا و انما الحرج في مقدمته و هو الرجوع و ليس وجوب المقدمة شرعيا حتى ينفى بقاعدة نفي العسر و الحرج، فالتحقيق: انه لا فرق في الحكم بجواز الاستنابة بين لزوم العسر و الحرج و عدمه و يجوز مطلقا فتأمل.

الثاني- انه هل يختص جواز الاستنابة بما إذا رجع الى أهله أو يعم ما إذا تذكر في الطريق؟؟ يمكن ان يقال بالثاني، لأن ما في الاخبار من رجوعه إلى أهله

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 433

..........

انما هو في كلام السائل فلا يمكن تقييد الحكم به لعدم الخصوصيّة له. نعم لا يمكن الحكم بجواز الاستنابة اختيارا حتى ما إذا كان في مكة أو خرج قليلا منها.

و لكن يمكن المناقشة فيه بأنه و ان كان رجوعه إلى أهله مذكورا في كلام السائل الا ان اخبار المقام وردت في خصوص هذا الفرض و لم يرد خبر مطلق حتى يقال بعدم تخصيصه الاخبار، لكون القيد في كلام السائل فالتحقيق اختصاص الحكم بالرجوع إلى أهله، لاحتمال الخصوصية، فالتّعدي من المورد الى غيره محتاج الى تنقيح المناط القطعي و هو- كما ذكرناه غير مرّة- غير حاصل في الشّرعيّات.

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- ان الظاهر اختصاص إجزاء الاستنابة بما إذا لم

يكن الترك عمدا، و أما معه فالأصل يقتضي الرجوع بنفسه، فتأمل.

الثاني- ان ظاهر ما تقدم من الاخبار هو وجوب طواف النساء في الحج و ان كان قد طاف طواف الوداع، مضافا الى ان طواف الوداع مستحب و اجزائه عن الواجب محتاج الى دليل معتبر و لم يثبت ذلك، و لكن يمكن الاستدلال لذلك بخبر إسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: لولا ما منّ اللّه به على الناس من طواف الوداع لرجعوا الى منازلهم، و لا ينبغي لهم أن يمسوا نسائهم. «1» و قد أفتى بكفايته عنه علي بن بابويه- على ما حكى عنه في الجواهر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 434

و لو مات قضاه وليه وجوبا (1)

يمكن المناقشة فيه: أما أولا- فلكونه ضعيفا سندا فلا عبرة به.

و اما ثانيا- فلعدم مقاومته للمعارضة مع الاخبار المتقدمة الدالة على لزوم الإتيان بطواف النساء بنفسه أو بنائبه.

و اما ثالثا- فلاختلاف نسخه، لأنه في نسخة الوسائل: «طواف الوداع» كما انه جاء فيها ايضا: «طواف النساء» «1» و في نسخة الكافي: «طواف النساء».

مضافا الى ما ذكره صاحب الجواهر بقوله: (مع إمكان اختصاصه بالعامّة الذين لا يعرفون وجوب طواف النساء و ارادة المنّة على المؤمنين بالنسبة إلى نسائهم غير العارفات، و كون المراد ان الاتفاق على فعل طواف الوداع سببا لتمكن الشيعة من طواف النساء، إذ لولاه لالزمتهم التقيّة بتركه غالبا) و على كل حال فلا يجزى طواف الوداع عن طواف النساء، فلا تحل له النساء بدونه حتى العقد سواء كان المكلف به رجلا أو امرأة، و يحرم حينئذ عليها تمكين الزوج، كما تقدّم ذلك كله في

أحكام الإحرام، فتدبر.

(1) ما أفاده المصنف «قدّس سرّه» من وجوب قضاء طواف النّساء على وليّه عنه لو مات مما لا ينبغي الإشكال فيه و قد نفى عنه الخلاف و يدلّ عليه الاخبار المتقدمة بل ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار: (فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره) هو اجزاء فعل الغير عنه و ان لم يكن باستنابة من الولي، فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 435

[الخامسة من طاف كان بالخيار في تأخير السعي]

الخامسة من طاف كان بالخيار في تأخير السعي إلى الغد (1) ثم لا يجوز مع القدرة (2)

(1) أما جواز تأخير السعي لرفع التعب و نحوه بل الى الليل فمما لا اشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب و استدل لذلك بصحيح محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما عن رجل طاف بالبيت فأعيا، أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة؟ قال: نعم «1».

و صحيح عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يقدم مكة و قد اشتد عليه الحر فيطوف بالكعبة و يؤخر السعي الى ان يبرد؟ فقال: لا بأس به، و ربما فعلته، و قال: و ربما رأيته يؤخر السعي إلى الليل «2» و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد اللّه بن سنان مثله الى قوله: «و ربما فعلته» الا انه قال: «يقدم مكة حاجا. إلخ».

(2) أما عدم جواز تأخير السعي إلى الغد مع القدرة فمما لا ينبغي الإشكال فيه و قد صرح به جماعة من الأصحاب و استدل له بصحيح العلاء

بن رزين قال: سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة إلى غد؟ قال: لا «3» و نحوه غيره من الاخبار و هو كما ترى ظاهر في عدم جواز تأخيره إلى الغد، كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل قد نفى عنه الخلاف الا من المصنف، و دليله غير ظاهر في قبال صحيح العلاء المانع من ذلك فيمن طاف فأعيا، سوى الأصل المقطوع، و الإطلاق المقيد بما عرفت، و يمكن ان يكون نظره بما تقدم (و ربما رأيته يؤخر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 436

[السادسة يجب على المتمتع تأخير الطواف و السعي حتى يقف بالموقفين، و يأتي مناسك يوم النحر]

السادسة يجب على المتمتع تأخير الطواف و السعي حتى يقف بالموقفين، و يأتي مناسك يوم النحر (1)

السعي إلى الليل) لكونه دالا بناء على ظهوره في دخول الغاية على جواز فعله في الليل الداخل فيه مسماه اجمع حتى يتحقق صدق اسم الغد، و كيف كان فلا عبرة به بعد الصحيح المزبور المعتضد بالشهرة.

نعم الظاهر اختصاص المنع بتأخيره إلى الغد، و اما التأخير إلى آخر الليل، فلا بأس به للأصل ان لم يكن ظاهرا لإطلاق السابق، فلو طاف قبل طلوع الفجر متصلا به و سعى بعد طلوعه صح لعدم كونه تأخيرا إلى الغد- كما هو واضح- هذا كله مع القدرة و أما مع الاضطرار: فلا ينبغي الإشكال في الجواز، كما صرح به غير واحد من الأصحاب لعدم الدليل على مشروعية الاستنابة في هذا الفرض، فتدبر.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما

و حديثا بل في الجواهر: «بلا خلاف محقق معتد به أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، بل نسبته إلى إجماع العلماء كافة. إلخ» و يدل عليه- مضافا الى ما عرفت- خبر ابي بصير قال: قلت: رجل كان متمتعا و أهل بالحج؟ قال: لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات، فان هو طاف قبل ان يأتي منى من غير علة فلا يعتد بذلك الطواف «1» و مفهوم الموثق و الصحيح الآتيين

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 5؟؟؟

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 437

و لا يجوز التعجيل الا للمريض، و المرأة التي تخاف الحيض و الشيخ العاجز (1)

و من هنا ظهر ضعف ما حكى عن بعض متأخري المتأخرين من جواز ذلك مطلقا استنادا إلى إطلاق بعض النصوص، كصحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المتمتع يهل بالحج ثم يطوف و يسعى بين الصفا و المروة قبل خروجه إلى منى؟ قال: لا بأس به «1» المقيد بما أشار إليه المصنف و غيره.

(1) لموثق أو صحيح إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل ان يأتي منى؟

قال: نعم من كان هكذا يعجل. إلخ «2» و خبر صفوان بن يحيى الأزرق عن ابى الحسن عليه السّلام قال: سألته عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة و خافت الطمث قبل يوم النفر أ يصلح لها ان تعجل طوافها طواف الحج قبل أن تأتي منى؟ قال: إذا خافت ان تضطر الى ذلك فعلت «3»، و خبر إسماعيل بن عبد الخالق قال: سمعت أبا عبد اللّه

عليه السّلام يقول: لا بأس ان يعجل الشيخ الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحج قبل ان يخرج إلى منى «4» و حسن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير و المرأة تخاف الحيض قبل ان تخرج إلى منى «5» فما عن ابن إدريس من عدم جواز التقديم مطلقا واضح الضعف نحو ما سمعته من بعض متأخري المتأخرين من الجواز مطلقا الذي هو طرف الإفراط معه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 7

(3) الوسائل ج 2 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 9

(4) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 6

(5) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 438

..........

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- انه هل يجوز تقديم الطواف و السعي في حج التمتع في صورة العذر مطلقا أو لا بد من الاقتصار على العناوين الخاصة المشتملة عليها اخبار المقام؟؟

و الأقوى في النظر هو الثاني، لاحتمال الخصوصية إلا إذا حصل القطع بالمناط أو قام الدليل على جواز التسرية.

الثاني- انه قد يقال بكفاية مطلق العذر في جواز تقديم الطواف و السعي على الوقوفين لذيل ما رواه احمد بن محمد قال: سمعت أبا الحسن الأول عليه السّلام يقول:

لا بأس بتعجيل طواف الحج و طواف النساء قبل الحج يوم التّروية قبل خروجه من منى و كذلك من خاف امرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة ان يطوف و يودع البيت، ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفا «1» و

فيه: انه بعد الإغماض عن سنده: ان ظاهر قوله عليه السّلام فيه: (ان يطوف و يودع البيت) هو طواف الوداع، و كون المراد من قوله عليه السّلام: (ثم يمر كما هو من منى) هو الذهاب إلى منى للمبيت لا الذهاب إليها للأعمال و اما صدر الحديث فهو كما ترى غير مختصّ بصورة العذر و الاضطرار لكونه مطلقا.

الثالث- انه لا تصح دعوى كون المراد مما في الاخبار من جواز تقديم الطواف و السعي هو تقديمهما على اعمال منى بعد الوقوفين، لكونها خلاف ظاهرها.

الرابع- انه يلزم الاشكال من القول بما تقدم و هو جواز تقديم الطّواف و السعي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 439

..........

في حج التمتع على الوقوفين عند تحقق العناوين الخاصة المشتملة عليها اخبار المقام:

و هو ان ما يستفاد من ظاهر اخبار المقام مناف لما ذكرناه غير مرة من توسعة وقت الطواف و السعى إلى آخر ذي الحجة، فعليه ان رفعنا اليد عن ذلك صح ما تقدم منا هنا تبعا للمشهور، و الا فلا، و ذلك لأنه إذا كان الواجب هو صرف الوجود، و موضوعه صرف الوجود من الوقت لم يتحقق الاضطرار بوجود العذر في أول الوقت بدون استيعابه الى آخره و من المعلوم ان الحيض لا يستغرق جميع الوقت من أوله إلى آخر ذي الحجة و كذلك لا يكون الكبر مانعا بواسطة ازدحام الناس لعدم دوام ازدحامهم الى آخر ذي الحجة.

ان قلت: انه يمكن ان يفرض له مانع مستوعب لتمام الوقت بان لا تتمكن من الطواف لأجل الحيض من يوم النحر الى آخر أيام التشريق و فرض انه بعد أيام التشريق لا يمهلها جمالها

حتى تطوف بالبيت إذا انقطع حيضها.

قلت: المانع على هذا ليس هو الحيض، بل المانع هو الحيض و عدم امهالها الجمال و ما أنكرنا تحقق الاضطرار على الإطلاق و انما الكلام في ما ذكر في الاخبار من الاضطرار لأجل الحيض أو الكبر و نحوهما و نقول: انه كيف يمكن ان يتصور استغراقه لجميع الوقت حتى يتم ما ذكر.

ان قلت: ان المانع مركب من الحيض مثلا و عدم إمهال الجمال و بذلك كله حصل الاضطرار.

قلت: هذا انما يصح بناء على القول بان موضوع الحكم، هو مطلق الاضطرار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 440

..........

دون خصوص العناوين الخاصة و لكن الأمر ليس كذلك لعدم كون المستفاد من الاخبار ذلك، و المشهور لا يلتزمون به و بالجملة: فرض حصول الاضطرار بواسطة الحيض أو الكبر و نحوهما الموجب لتقديم الطواف و السعي مشكل.

و التحقيق في مقام الجواب عن هذا الاشكال هو ان يقال: ان نفس الاضطرار بالحيض أو الكبر أو المرض في أول الوقت- و هو أيام التشريق- و ان لم يكن مستوعبا لجميع الوقت الا انه موضوع لجواز التقديم تعبدا، فيجوز له التقديم على ذلك الوقت و التأخير عنه الى ان يرتفع المانع مع بقاء ذي الحجة مضافا الى انه يمكن ان يقال: ان الكبر و نحوه بما هو موضوع لجواز التقديم و لا معنى لانكشاف الخلاف فيه، فتأمل.

(جواز تقديم طواف النّساء على الوقوفين و عدمه) الخامس- انه يمكن ان يقال بجواز تقديم طواف النساء على الوقوفين في حال الضرورة لما رواه احمد بن محمد (عن محمد بن عيسى خ ل) عن الحسن بن علي، عن أبيه، قال: سمعت أبا الحسن الأول عليه السّلام يقول: لا بأس بتعجيل طواف

الحج و طواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى، و كذلك من خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة: ان يطوف و يودع البيت، ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفا «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 441

..........

و لا يخفى ان قوله عليه السّلام: (لا بأس بتعجيل طواف الحج و طواف النساء قبل الحج) و ان كان دالا على جواز ذلك حتى في حال الاختيار، إلا انه يقيد: إما بدعوى جعل ذيله قرينة على عدم جواز تقديمه في حال الاختيار، أو تسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»، أو الاخبار الدالة على عدم جواز تقديم الطواف و السعي اختيارا بدعوى: كون المراد من الطواف جنس الطواف لا خصوص طواف الحج، أو ما دل من الاخبار على عدم جواز تقديم طواف النساء على الوقوفين اختيارا.

مضافا الى انه يمكن الاستدلال على جواز تقديم طواف النساء اضطرارا بما دل على جواز تقديم الطواف و السعي على الوقوفين اضطرارا بدعوى بان المراد منه جنس الطواف لا طواف الحج خاصة فتأمل.

و كيف كان فقد ذهب الحلي- رحمه اللّه تعالى- الى عدم جواز تقديم طواف النساء في حال الاضطرار، و قد ذكر لذلك وجوه:

الأول- الأصل، و فيه انه مقطوع بما عرفت.

الثاني- ان وقت طواف النساء موسع فيأتي به بعد رفع الاضطرار فلا يجوز تقديمه. و فيه: انه يمكن ان يقال انه مخالف للفرض الذي هو الضرورة الموجبة لعدم القدرة على الإتيان به مطلقا على ما هو ظاهر ذيله.

الثالث- ان طواف النساء قابل للاستنابة فيه. و فيه: انه قد عرفت مرارا أن الاستنابة على خلاف الأصل، و

لا تجوز ذلك إلا في مورد قام الدليل على جوازها و لم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 442

..........

يرد ذلك إلا في صورة النسيان خاصة و إلحاق الضرورة به قياس غير مشروع عندنا.

نعم يمكن التعدي إذا حصل القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل و انا لنا ذلك لما ذكرناه غير مرة انه لا سبيل لنا الى ذلك لقصور عقولنا عن ادراك الملاكات و موانعها فالتعدي عن المورد قياس، و هو ليس من مذهب أهل الحق.

الرابع- خبر إسحاق بن عمار عن المفرد للحج إذا طاف بالبيت و بالصفا و المروة أ يعجل طواف النساء؟ قال: نعم انما طواف النساء بعد ما يأتي منى) و فيه: أولا انه يدل على جواز تقديمه اختيارا، و اما اضطرارا فلا دلالة فيه على عدم الجواز، و ثانيا- انه خصص بما ذكر.

الخامس- خبر علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل يدخل مكة و معه نساء قد أمرهن فتمتعن قبل التّروية بيوم أو يومين أو ثلاثة، فخشي على بعضهن الحيض فقال: إذا فرغن من متعتهن و أحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل و تهلّ بالحجّ من مكانها، ثم تطوف بالبيت و بالصفا و المروة، فإن حدث بها شي ء قضت بقيّة المناسك و هي طامث فقلت: أ ليس قد بقي طواف النساء؟ قال:

بلى، قلت: فهي مرتهنة حتى تفرغ منه؟ قال: نعم، قلت: فلم لا تتركها حتى تقضي مناسكها؟ قال: يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من ان يبقي عليها المناسك كلها مخافة الحدثان، قلت: ابى الجمال ان يقيم عليها و الرفقة؟ قال: ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر و تقضي

مناسكها «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 443

..........

و فيه أولا: انه ضعيف سندا فلا عبرة به.

و ثانيا: ان أعراض الأصحاب «قدس سرهم» عنه مانع عن العمل به.

و ثالثا: ان ظاهره مخالف لما هو المتفق عليه، لظهوره بحسب المتن في قدرتها على الإتيان بطواف النساء بعد الوقوفين كما هو المستفاد منه بحسب الذيل.

و رابعا: انه ظاهر في عدم الجواز، و اما غيره فصريح في الجواز فيتعين رفع اليد عنه، لما ذكرناه غير مرة من ان حكومة النص على الظاهر من اجلى الحكومات.

مضافا الى ما ورد في الصحيح عن أبي أيوب الخزاز قال: كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه رجلا ليلا، فقال له: أصلحك اللّه امرأة معنا حاضت و لم تطف طواف النساء؟ فقال: لقد سئلت عن هذه المسألة اليوم، فقال: أصلحك اللّه أنا زوجها و قد أحببت أن أسمع ذلك منك، فأطرق كأنه يناجي نفسه و هو يقول:

لا يقيم عليها جمالها، و لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها، تمضي و قد تم حجها «1» فإذا جاز ترك طواف النساء عند الاضطرار فجاز تقديمه بطريق أولى.

و لكن مع ذلك قد يقوى في النظر عدم جواز التّقديم- اي تقديم طواف النساء اضطرارا- تبعا للحلي- «رحمه اللّه تعالى» لأدلة الترتيب، و مقتضاها كون الترتيب واقعيا.

و أما ما مرّ من حديث احمد بن محمد فصدره الشاهد على المدعي مطلق غير مقيد بصورة الاضطرار، و مفاده جواز التقديم مطلقا، كما ان مفاد أدلة الترتيب عدم جواز

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 444

..........

التقديم مطلقا فيقع بينهما التعارض، و

لم يعمل أحد بإطلاق صدر حديث احمد بن محمد الدال على جواز التقديم مطلقا، لكونه خلاف الإجماع و ضرورة الفقه، مضافا الى ضعف سند الحديث و عدم معلومية الانجبار.

و أما القول بإرادة جنس الطواف من الاخبار الدالة على جواز تقديم الطواف و السعي اضطرارا فغير معلوم، لان الظاهر منه هو طواف الحج.

و أما صحيح أبي أيوب الخزاز ففيه أولا- انه غير مربوط بالمقام، لحصول الاضطرار لها بعد الحج لعدم امهالها الجمال.

و ثانيا- انه- كما ترى- يدل على جواز ترك طواف النساء للاضطرار لا تقديمه بل دلالته عليه ممنوعة أيضا، لاحتمال إرادة التأخير، فتدبر.

و ثالثا- انه لا عبرة به و ذلك لإمكان القول بصدوره تقية لما فيه من اطراقه عليه السّلام و تفكره و مناجاة نفسه المشعر بالتقية.

مضافا الى انه يمكن الاستشهاد به لعدم جواز تقديم طواف النساء و ان وقته موسع الى آخر العمر فلا يتصور فيه الاضطرار بالحيض و الكبر و المرض، فتأمل و اللّه الهادي إلى الصواب.

السادس- انه لو قدم طواف الحج و سعيه اضطرارا و كذلك لو قدم طواف النساء فهل يحل له الطيب بطواف الحج و النساء بطواف النساء أولا؟؟ قد تقدم الكلام عن ذلك مفصلا في مبحث مواطن التحليل في ذيل صفحة (280) و قلنا هناك بعدم حصول التحلل منهما لو قدما على الوقوفين، لانصراف الأخبار الدالة على التحليل عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 445

..........

الطواف المتقدم، و من أراد الاطلاع على تفصيل الكلام فليراجع المحل المزبور.

السابع- انه إذا قدم طواف الحج و سعيه و طواف النساء- بناء على جوازه في حج التمتع في حال الاضطرار- فهل يجزيه أو لا؟ قد يقال بعدم الاجزاء لعدم إتيانه بحجج التمتع بواسطة

عذره على الكيفية المقررة و الظاهر: انه لا ينبغي الإشكال في اجزائه، لأن ما أتي به هو حج التمتع غاية الأمر ان في حج التمتع يقدم الطواف و السعي على الوقوفين عند الاختيار، و يؤخر عند الاضطرار لأجل الدليل.

الثامن- انه لو قدم طواف الحج و سعيه لأجل العذر، ثم تبين الخلاف، فيقع الكلام في انه هل يجزيه أو لا؟؟ يمكن ان يقال بعدم الاجزاء لان موضوع الحكم على ما هو ظاهر الدليل العنوان الواقعي و انكشف خلافه فلا يجزيه إلا ان يقال بان هذه العناوين بنفسها موضوعة لجواز التقديم- كما أشرنا إليه في ذيل الأمر الرابع- فحينئذ يحكم بالاجزاء، و قد يقوى في النظر هذا القول بالنسبة إلى الحيض لاشتمال اخباره على خوف الحيض الظاهر في كونه موضوعا، فتأمل.

التاسع- انه تقدم في صفحة (410) أن طواف النساء خارج عن حقيقة الحج و لا يكون جزء له، و لا بأس بتفصيل الكلام عن ذلك، فنقول: انه يمكن الاستدلال على عدم كونه جزء للحج بصحيح أبي أيوب الخزاز المتقدم لانه ورد فيه سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة حاضت و لم تطف طواف النساء، قال الامام فيه: لا يقيم عليها جمالها، و لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها تمضي و قد تم حجها «1»، و بما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 446

..........

ورد عن معاوية عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في القارن: لا يكون قران الا بسياق الهدي و عليه طواف بالبيت، و ركعتان عند مقام إبراهيم، و سعى بين الصفا و المروة و طواف بعد الحج و هو طواف النساء، و

أما المتمتع بالعمرة إلى الحج فعليه ثلاثة أطواف بالبيت و سعيان بين الصفا و المروة «1».

يمكن الاستدلال على كونه جزء للحج بما مر في حديث علي بن أبي حمزة من قوله عليه السّلام يبقى عليه منسك واحد أهون عليها من ان يبقى عليها المناسك مخافة الحدثان «2» و ما مر من قوله في صحيح معاوية بن عمار- بعد بيان الإتيان بطواف النساء- (ثم قد أحللت من كل شي ء و فرغت من حجك كله.) «3».

و لكن يمكن المناقشة فيهما: أما (في الأول) و هو حديث علي بن أبي حمزة ان إطلاق المنسك على طواف النساء لا يدل على كونه جزء، لكونه بمعنى العبادة، و لا شك في ان طواف النساء منسك- أي عبادة- فلا يدل ذلك على كونه من مناسك الحج.

و أما في الثاني- و هو صحيح معاوية بن عمار-، فلاحتمال كون المراد منه ان ان طواف النساء مخرج عن الحج، لا انه جزء للحج و يكون نظير السّلام على القول بعدم كونه جزء للصلاة، و اما الحديثان المتقدمان فهما صريحان في عدم كونه جزء

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 447

و يجوز التقديم للقارن و المفرد (1) على كراهية (2)

للحج فلا يقبلان الأخيران للمعارضة معهما، فلاحظ و تأمل.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا، بل في صريح الغنية الإجماع عليه، و يدل عليه صحيح حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مفرد الحج أ يعجل طوافه أو

يؤخره؟ قال: هو و اللّه سواء عجله أو أخره «1» و موثق زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المفرد للحج يدخل مكة يقدم طوافه أو يؤخره؟

فقال: سواء «2».

(2) لما قيل من خبر زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مفرد الحج يقدم طوافه أو يؤخره؟ فقال: يقدمه، فقال رجل الى جنبه: لكن شيخي لم يفعل ذلك كان إذا قدم أقام بفخ حتى إذا رجع الناس الى منى راح معهم، فقلت له: من شيخك؟ فقال علي بن الحسين عليهما السّلام، فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علي بن الحسين لأمه «3» إلا انه كما ترى- مضافا الى ضعفه- دلالته على عدم الكراهة أوجه، و أما اخبار التسامح فلا يمكن إثبات الكراهة بها، لما ذكرناه غير مرة من اختصاصها بالمستحبات و التعدي عن موردها الى المكروهات فمحتاج الى الدليل و هو مفقود.

مضافا الى ما تقدم منّا غير مرّة من عدم تماميّة الاستدلال بها حتى في المستحبات لعدم إمكان إثبات الحكم بها، لأن غاية دلالتها هي ترتب الثواب الموعود على العمل لا الحكم.

فقد ظهر مما تقدم ضعف ما ذهب اليه ابن إدريس من عدم جواز تقديم الطواف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب أقسام الحج الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب أقسام الحج الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب أقسام الحج الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 448

[السابعة لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي لمتمتع و لا لغيره اختيارا]

السابعة لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي لمتمتع و لا لغيره اختيارا (1)

على الوقوف للقارن و المفرد.

و اما استدلاله على ذلك بالأصل و الاحتياط للإجماع على الصحة مع التأخير بخلاف التقديم ففيه ما لا يخفى، أما في

الأول: فلكونه مقطوعا بما عرفت، و أما في الثاني: فلمنع الخلاف فيه من غيره.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا، بل في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه.»

مضافا الى جملة من النصوص- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، في حديث قال «. ثم اخرج الى الصفا، فاصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت، ثم ائت المروة فاصعد عليها و طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه الا النساء، ثم ارجع الى البيت و طف به أسبوعا آخر، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام ثم قد أحللت من كل شي ء و فرغت من حجك كله و كل شي ء أحرمت منه «1» و ثم للترتيب قطعا.

2- مرسل احمد بن محمد قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: جعلت فداك متمتع زار البيت، فطاف طواف الحج، ثم طاف طواف النساء، ثم سعى؟ قال: لا يكون

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 449

و يجوز مع الضرورة و الخوف من الحيض (1)

[الثامنة من قدم طواف النساء على السعي ساهيا أجزأه و لو كان عامدا لم يجزه]

الثامنة من قدم طواف النساء على السعي ساهيا أجزأه و لو كان عامدا لم يجزه (2)

السعي الا من قبل طواف النساء، فقلت: أ فعليه شي ء؟ فقال: لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء «1» و نحوهما غيرهما من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام.

(1) قد نفى عنه الخلاف، بل في المدارك: (انه مقطوع به في كلام الأصحاب) و استدل لذلك- مضافا الى نفي الحرج و فحوى

ما تقدم من نظائره- بموثق سماعة بن مهران عن ابي الحسن الماضي عليه السّلام قال: سألته عن رجل طاف طواف الحج و طواف النساء قبل ان يسعى بين الصفا و المروة؟ فقال: لا يضره يطوف بين الصفا و المروة و قد فرغ من حجه «2» بعد حمله على حال الضرورة جمعا بينه و بين غيره، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط في ذلك و لو بالاستنابة، لأنه يحتمل عدم الجواز، لأصالة عدم الاجزاء مع مخالفة الترتيب و بقائه في الذمة و بقائهن على الحرمة، فتدبر.

(2) أما عدم اجزاء طواف النساء لو قدم على السّعي مع العمد فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لانه لولا ذلك لم يصح القول باشتراط الترتيب، و أما اجزائه لو قدم عليه مع الجهل و النسيان، فاستدل له بموثق إسحاق بن مهران المتقدم.

لكن يمكن ان يقال بالمعارضة بين الموثق و ما دل على التّرتيب، و يمكن الجمع بينهما بحمل دليل الترتيب على الاستحباب، و يمكن الجمع الموضوعي بالتفصيل بين

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 65 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 65 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 450

[التاسعة قيل لا يجوز الطواف و على الطائف برطلة]

التاسعة قيل (1) لا يجوز الطواف و على الطائف برطلة [1] (2)

العامد و غيره.

و لكن التحقيق: انه لا معارضة بينهما حتى نحتاج الى الجمع، لعدم شموله العامد من أول الأمر لأنه منصرف الى غيره، و العامد لا يفعل ذلك، لعدم حصول التعبد و التقرب له به، كما افاده صاحب الجواهر.

(1) و القائل الشيخ في محكي النهاية.

(2) لخبر يحيى الحنظلي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تطوفن بالبيت و عليك برطلة «1» و

خبر يزيد بن خليفة قال: رآني أبو عبد اللّه عليه السّلام أطوف حول الكعبة

______________________________

[1] و البرطلة «بضم الباء و التاء و إسكان الراء و تشديد اللام المفتوحة» قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما» هذا على ما في المدارك.

و عن العين و المحيط و القاموس: «أنها المظلة الصيفية».

و عن الجوالقي: «انها كلمة نبطية و ليست من كلام العرب.

و عن ابى حاتم عن الأصمعي: «أن البربر و النبط يجعلون الظاء المعجمة طاء مهملة فيقولون: «الناطور» و هو الناظور بالمعجمة، فكأنهم أرادوا ابن الظل.

و عن ابن جنى في سر الصّناعة: «ان النبط يجعلون الظّاء طاء» و لذا قال:

البرطلة و انما هو ابن الظّل. و عن الأزهري «انها في قول ابن الظّلة» و لكن الجميع كما ترى و الأول هو المعروف «على ما في الجواهر».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 451

و منهم من خص ذلك بطواف العمرة نظرا الى تحريم تغطية الرأس (1).

و على برطلة، فقال لي بعد ذلك: قد رأيتك تطوف حول الكعبة و عليك برطلة لا تلبسها حول الكعبة، فإنها من ذي اليهود «1» و رواه الصدوق «رحمه اللّه تعالى» بإسناده عن صفوان، الا انه ترك قوله: «قد رأيتك».

تفصيل الكلام فيه انه هل يحرم لبس البرطلة على الطائف، أو يكره له، للتعليل في ذيل الخبر الثاني: «انه من ذي اليهود» و على فرض الحرمة هل هي حكم تكليفي أو وضعي.

و التحقيق: انه لا مجال لهذه الأبحاث، و ذلك لورود هذا الحديث بالنسبة إلى نفس لبس برطلة، و لا ربط له بالطواف و اما الحرمة فلا يستفاد منه للتعليل المشتمل عليه الخبر المزبور بل لا يمكن الحكم بالكراهة

أيضا به، لعدم ثبوت سند معتبر له و انجباره بعمل الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) غير معلوم، و لا يصح ان يقال أيضا بالكراهة، تمسكا بدعوى: التّسامح، لما عرفت ما فيه غير مرة.

(1) إذا كان في طواف العمرة لا الحج أو كان في طوافه و لكن قدم الطواف حرم عليه حينئذ لبس البرطلة، و ذلك لعدم تحلله بعد عن حرمة تغطية الرأس، و لكن لا يخفى عدم اختصاص ذلك بها بل يحرم تغطية رأسها بغيرها ايضا، و لكن لا يبطل طوافه به كما هو واضح.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 67 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 452

[العاشرة من نذر ان يطوف على اربع]

العاشرة من نذر ان يطوف على اربع قيل (1) يجب عليه طوافان و قيل (2) لا ينعقد النذر، و ربما قيل بالأول إذا كان الناذر امرأة اقتصارا على مورد النقل (3).

(1) و القائل الشيخ في التهذيب، و محكي النهاية و المبسوط، و القاضي في محكي المهذب، و ابن سعيد في محكي الجامع، و اختاره الشهيد في اللمعة، و نسبه ثانيهما إلى الشهرة.

(2) و القائل ابن إدريس و تبعه غيره.

(3) قال في الجواهر (. لم أجده لمن تقدم على المصنف نعم في المنتهى: «و مع سلامة هذين الحديثين- يعني خبر السكوني و خبر أبي الجهم الآتيين- عن الطعن في السند ينبغي الاقتصار على موردهما و هو المرأة و لا يتعدى الى الرجل) تفصيل الكلام في ذلك هو انه (تارة): يتكلم في هذه المسألة بالنسبة إلى أصل صحة الطواف على اربع- أي يديه و رجليه- و (أخرى): في صحة نذره كذلك.

أما الكلام على الأول فمحصله: انه قد يقال بعدم إمكان الحكم ببطلانه و ذلك لانه كما

يحتاج القول بصحّته الى الدّليل كذلك يحتاج القول ببطلانه اليه و أما دعوى كون المتعارف في جميع الأعصار و ما صدر عن الأئمة عليهم السّلام و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله هو الطواف على الرجلين لا على اليدين و لا على يد واحدة و لا على أربع، فلا يدل على عدم مشروعيّة غيره فان كون الطواف على الرجلين أمر جار على طبق الطبع الاولى في كل انسان ففعلهم بهذا النّحو لا يدل على وجوب الطواف كذلك، نعم ورد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 453

..........

الدليل على عدم جواز الطواف جالسا و هو ما عن يحيى الأزرق عن ابي الحسن عليه السّلام قال: قلت له: اني طفت أربع أسابيع و أعييت، أ فأصلي ركعاتها و أنا جالس؟ قال:

لا، قلت: فكيف يصلي الرجل صلاة الليل إذا أعيى أو وجد فترة و هو جالس؟ قال:

فقال: تستقيم ان تطوف و أنت جالس؟ قلت: لا، قال: فتصليهما و أنت قائم «1».

و لا يخفى ان هذا الحكم مختص بمورد الفرض- و هو الطواف جالسا- فلا يمكن التعدي إلى غيره، و أما القول بإمكان التعدي بتنقيح المناط، فلا يمكن المساعدة عليه لانه غير قطعي، و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم، و لا دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا غير مشروع عندنا، لاحتمال خصوصية في الطواف جالسا.

مضافا الى انه يمكن ان يقال: ان مقتضى إطلاق أدلة الطواف جوازه و لو على اليدين أو على أربع، لعدم الاستفادة من لفظ: (الطواف) سوى الدور في حول البيت بأي نحو كان، و لا دليل على اشتراط كونه على الرّجلين.

و لكن الإنصاف انصراف الاخبار الى الطواف على الرجلين، و

القدر المتيقّن هو مشروعيّة هذه الكيفيّة من الطّواف دون غيره، و قد ذكرناه غير مرّة من ان العبادات توقيفية و لا بد من ثبوت مشرعيّتها من جانب الشّارع، و كيف كان فيكفي نفس الشّك في المشروعيّة في القول بعدمها، و لم يرد دليل على مشروعية الطواف على اربع أو على اليدين أو على يد واحدة فعليه يتعين صحة الطواف ان يكون على الرحلين

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 79 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 454

..........

و أما الكلام على الثاني- و هو صحة نذره كذلك- فنقول: انه (تارة):

يتكلم فيه على ما يقتضيه القاعدة و (أخرى): على ما تقتضيه الاخبار.

أما على الأول فمحصله: انه لا ينبغي الإشكال في بطلان نذره كذلك، لتعلقه بهيئة غير مشروعة، و هل الباطل حينئذ الهيئة الخاصة أو الطواف رأسا؟ و في كشف اللثام: «تحتملهما عبارة السرائر و القواعد و غيرهما، و الأول هو المحكي عن المنتهى فعليه طواف واحد على رجليه، إلا ان ينوي عند النذر انه لا يطوف إلا على هذه الهيئة فيبطل رأسا».

و لكن التحقيق: انه لا يصح القول في مفروض المقام بصحة نذره بالنسبة إلى أصل الطواف و بطلانه بالنسبة إلى الكيفية، لتعلق النذر بالطواف- كما هو المفروض- بهذه الكيفية و المنذور أمر مقيد، و لم يثبت مشروعية الطواف بهذه الكيفية، إذ هو كمن نذر الصلاة على هيئة غير مشروعة.

و أما على الثاني فنقول: ان مقتضى اخبار المقام هو عدم انعقاد نذرها بالنسبة إلى الهيئة الخاصة و انعقاده بالنسبة إلى أصل الطواف، و لا بأس بذكرها، فنقول منها:

خبر السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: في امرأة نذرت

ان تطوف على اربع؟ قال: تطوف أسبوعا ليديها، و أسبوعا لرجليها «1» و منها خبر ابي الجهم عنه ايضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السّلام انه قال: في امرأة نذرت ان تطوف على اربع؟ قال: تطوف أسبوعا ليديها، و أسبوعا لرجليها «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 70 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 70 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 455

..........

ينبغي هنا التنبيه على أمور: الأول- لا يخفى انه ليس المراد من قوله عليه السّلام في الخبرين: (تطوف أسبوعا ليديها و أسبوعا لرجليها) هو انها تطوف أسبوعين أسبوعا على رجليه و أسبوعا على يديه لانه لم يأت بلفظ «على» بل اتى باللام، فالمعنى بناء عليه انها تطوف أسبوعين على رجليه بنحو المتعارف (أحدهما): لرجليها و (ثانيهما): ليديها.

الثاني- ان هذين الحديثين و ان كانا دالّين على خلاف ما تقتضيه القاعدة لاقتضائها بطلان النذر، لكونه تقييديا و متعلقا بهيئة غير مشروعة و على فرض صحّته ليس الإتيان باسبوعين على رجليه وفاء له بذلك النّذر، لما عرفت من كونه تقييديّا، لكن مع ذلك لا بد من الأخذ بهما من باب التعبّد.

الثالث- ان لزوم الأخذ بالخبرين من باب التعبد انما يتم إذا صح سندهما أو انجبار ضعفهما بالعمل، كما نسب الى المشهور الإفتاء بمضمونهما.

و اما القول بان مستندهم مقتضى القاعدة بدعوى تحليل النذر الى نذر أصل الطواف و نذر الهيئة الخاصة ففيه ما لا يخفى.

الرابع- انه إذا ثبت صحة سندهما أو تحقق الانجبار بالاستناد نلتزم بمفادهما تعبّدا في خصوص المرأة لاحتمال الخصوصيّة فيها و التعدّي عن موردهما- و هو المرأة- إلى غيره- و هو الرّجل- قياس و الأولويّة القطعيّة غير

ثابتة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 456

[الحادية عشر لا بأس ان يعول الرجل على غيره في تعداد الطواف]

الحادية عشر لا بأس ان يعول الرجل على غيره في تعداد الطواف، لأنه كالامارة (1).

(1) و استدل لذلك بخبر سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف أ يكتفي الرجل بإحصاء صاحبه؟ فقال: نعم «1». و خبر الهذيل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتكل على عدد صاحبه في الطواف أ يجزيه عنهما و عن الصبي؟ فقال: نعم ألا ترى أنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله «2».

ينبغي هنا بيان أمور: الأول- ان مقتضى إطلاق الحديثين جواز الاكتفاء بإحصاء الغير و لو كان فاسقا و سواء كان أمره بالحفظ أو لا.

الثاني- انه ذهب المصنف «قدس سره» الى ان إحصاء الغير كالامارة و فهم منه صاحب الجواهر ان المصنّف فهم من الحديث عدم الموضوعيّة لإحصاء الغير لكونه من باب الامارة و لو بإفادة الظّن فيكفي في عدد الأشواط الظّن كعدد ركعات الصلاة للحديثين المتقدّمين لا بقوله: «الطّواف بالبيت صلاة» و ذلك لان صاحب الجواهر قال بعد ذكر الخبرين: (و لعل مبنى الخبرين ما أشار إليه المصنّف «قدّس سرّه» من غلبة حصول الظّن باخبار المخبر الذي هو امارة غالبا. نعم لو لم يحصل منه ظنّ لم يكن به عبرة و عمل على حكم الشّك الّذي قد عرفته سابقا و حينئذ فلا يعتبر فيه التعدّد و لا الذّكورة و لا غير ذلك إذ المدار على ما عرفت.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 457

و لو شكا جميعا عولا على أحكام المتقدمة «للشك» (1)

لكن في المدارك- بعد

ان ذكر: ان إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الحافظ بين الذكر و الأنثى، و لا بين من طلب منه الطائف الحفظ و غيره- قال: «و هو كذلك. نعم، شرط فيه البلوغ و العقل، إذ لا اعتداد بخبر الصبي و المجنون، و لا يبعد اعتبار عدالته للأمر بالتثبت عند خبر الفاسق» و فيه: ان خبر المميز و الفاسق قد يفيدان الظن، بل الخبران ظاهران في عدم اعتبار العدالة).

الثالث- انه لا ينافي ما ذكرنا ما تقدم في بعض النصوص من قوله عليه السّلام: (حتى تثبته- أو حتى تحفظه) لإمكان القول بان الظن إثبات له و حفظ خصوصا بعد الخبرين المزبورين اللذين قد يقوى اعتبار حكم الصلاة هنا بملاحظة الثاني منهما- و هو خبر هذيل المذكور- فيه الائتمام المشعر باتحاد حال الصلاة مع الطواف.

الرابع- ان ما ذكرنا انما يتم بناء على انجبار الحديثين بعمل الأصحاب و الا فلا مجال لما ذكر، فيتعين حينئذ الرجوع الى ما تقتضيه القاعدة من عدم كفاية إحصاء الغير بل لا بد من الاطمئنان.

(1) من البناء أو الاستيناف، و ان شك أحدهما دون الآخر كان لكل حكم نفسه، كما يرشد اليه خبر صفوان المتقدم: (عن ثلاثة دخلوا في الطواف، فقال واحد منهم: «احفظوا الطواف» فلما ظنوا انهم قد فرغوا قال واحد منهم: «معي سبعة أشواط» و قال الآخر: «معي ستة أشواط» و قال الثالث: «معي خمسة أشواط» فقال: «ان شكوا كلهم فليستأنفوا و ان لم يشكوا و علم كل واحد منهم ما في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 458

..........

يديه فليبنوا» «1».

و ربما احتمل ان المراد البناء على الأمر المشترك، كما إذا شك أحدهما بين خمسة و ستة و الآخر

بين ستة و سبعة فيبنوا على الستة نحو ما يقال في شك الامام و المأموم فيما إذا كان بينهما رابطة و قدر مشترك تفصيله على ما ورد في الوسيلة في صفحة (105) طبع الحديث في طهران (إذا عرض الشك لكل من الامام و المأموم، فإن اتحد شكهما عمل كل منهما عمل ذلك الشك، كما انه لو اختلف شكهما و لم يكن بين شكيهما رابطة- كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين و الثلاث، و الآخر بين الأربع و الخمس ينفرد المأموم و يعمل كل منهما عمل شكه- و اما إذا كان بينهما رابطة و قدر مشترك، كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين و الثلاث و الآخر بين الثلاث و الأربع، فإن الثّلاث طرف شك كل منهما يبنيان على ذلك القدر المشترك، لان ذلك قضية رجوع الشّاك منهما الى الحافظ حيث ان الشاك بين الاثنتين و الثلاث معتقد بعدم الأربع و شاك في الثلاث، و الشاك بين الثلاث و الأربع معتقد بوجود الثّلاث و شاك في الأربع، فالأول يرجع الى الثاني في تحقق الثّلاث، و الثّاني يرجع الى الأول في نفي الأربع، فينتج بنائهما على الثلاث، و الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة. إلخ) فيمكن ان يقال بذلك فيما نحن فيه وجه التنظير انه يمكن ان يقال: ان من يقول: «معي خمسة» قاطع بنفي السبعة و انما الشّك بين الخمس و الست، فيرجع اليه الآخران في نفي السّابع، و من قال: «معي سبعة» قاطع بان ما في يده ليس الخامس فيرجع اليه الآخران في ذلك فيثبت البناء

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 66 من أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 459

[الثانية عشرة طواف النساء واجب في الحج]

الثانية عشرة طواف النساء

واجب في الحج (1)

على الستة و فيه ما لا يخفى لكون الحكم في المقيس عليه ثبت بالتعبد برجوع كل من الامام و المأموم إلى الآخر و لم يثبت ذلك في مفروض المقام فالتعدي عن المورد الى غيره قياس مع الفارق البين، فتدبر.

و في كشف اللثام- على ما أفاده في الجواهر: (لو صح خبر هذيل أمكن القول بان لا يعتبر شكه إذا حفظ الآخر- كصلاة الجماعة- و قد عرفت ان المدار على حصول الظن بالعدد، فان كان أخذ به، و الا عمل على مقتضى حكم الشك السابق).

(1) يدل عليه جملة من النصوص المأثورة عنهم عليهم السّلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: علي المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت، و سعيان بين الصفا و المروة، و عليه إذا قدم مكة طواف بالبيت، و ركعتان عند مقام إبراهيم عليه السّلام، و سعى بين الصفا و المروة، ثم يقصر و قد أحل هذا للعمرة و عليه للحج طوافان، و سعى بين الصفا و المروة، و يصلي عند كل طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام «1».

2- صحيح منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت و يصلي لكل طواف ركعتين، و سعيان بين الصفا و المروة «2».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 460

و العمرة المفردة (1)

3- صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: انما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل

منه الا بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت، و صلاة ركعتين خلف المقام، و سعي واحد بين الصفا و المروة و طواف بالبيت بعد الحج «1».

4- حسن معاوية عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: المفرد عليه طواف بالبيت، و ركعتان عند مقام إبراهيم، و سعى بين الصفا و المروة و طواف الزيارة و هو طواف النساء و ليس عليه هدى و لا أضحية. «2» الى غير ذلك من النصوص المأثورة عنهم عليهم السّلام.

(1) ما أفاده المصنف «قدّس سرّه» من وجوب طواف النساء في العمرة المفردة- المسماة بالمبتولة- مما هو المعروف بين الأصحاب بل في الجواهر: (بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن المنتهى و التذكرة و الإجماع عليه.) و يدل عليه خبر إسماعيل بن رياح قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال:

نعم «3» و صحيح محمد بن عيسى قال: كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي الى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء العمرة التي يتمتّع بها الى الحج؟ فكتب: أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و أما التي يتمتع بها الى الحجّ فليس على صاحبها طواف النساء «4».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 13

(3) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 8

(4) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 461

..........

و اما خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن عمر أو غيره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

(المعتمر يطوف و يسعى و يحلق؟ قال: و لا

بد له بعد الحلق من طواف آخر «1» و ان عم المتمتع بها أيضا الا انه مخصص بما عرفت و ما ستعرفه «ان شاء اللّه تعالى».

و لكن يعارضها عدة اخبار- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع و طاف بالكعبة و صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام و سعى بين الصفا و المروة فليلحق بأهله ان شاء «2».

2- و صحيح صفوان بن يحيى قال: سأله أبو حارث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج و طاف و سعى و قصر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا انما طواف النساء بعد الرجوع من منى «3».

3- مرسل يونس رواه قال: ليس طواف النساء إلا على الحاج «4».

4- خبر ابي خالد مولى علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن مفرد العمرة، عليه طواف النساء؟ قال: ليس عليه طواف النساء «5».

و لكن التحقيق: ان هذه الاخبار لا تنهض للمعارضة مع الاخبار المتقدّمة الدّالة على وجوب طواف النّساء في العمرة المفردة.

اما الأول- و هو صحيح معاوية بن عمار- فلانه يمكن ان يقال: انه غير

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب العمرة الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 6

(4) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 10

(5) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 462

دون المتمتع بها (1)

صريح في وحدة الطواف، إذ يحتمل انه طاف ما يجب عليه و صلّى لكل واحد ركعتين بل ربما قيل ان ظاهر ذلك-

على ما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- هذا أولا.

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 4، ص: 462

و ثانيا: قد يقال انه وارد في مقام بيان ان المعتمر عمرة مفردة ليس مرتهنا بالحج و له الخروج من مكة، فليس له إطلاق من جهة ما نحن فيه لكنه بعيد. و ثالثا: فلان تسالم الأصحاب على خلافه مانع عن الاعتماد عليه.

و أما الثاني- و هو صحيح صفوان بن يحيى- فلاحتمال ارادة قوله الأخير و هو: (انما طواف النساء عليه) لا الأول مضافا الى تسالم الأصحاب على خلافه الموجب لخروجه عن حيز دليل الاعتبار.

و اما الثالث- و هو مرسل- فلانه ضعيف سندا و غير منجبر بعمل الأصحاب (قدس سرهم) مضافا الى انه مخصص بما عرفت.

و اما الرابع- و هو خبر ابى خالد- فلما ذكر في الثالث. و من هنا ظهر ضعف ما ذهب إليه الجعفي من عدم وجوبه فيه فتدبر.

(1) أما عدم وجوب طواف النساء في العمرة المتمتع بها فمما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب، بل في الجواهر: (بلا خلاف محقق أجده فيه و ان حكاه في اللمعة عن بعض الأصحاب، و أسنده في الدروس الى النقل، لكن لم يعين القائل، و لا ظفرنا به و لا أحد ادّعاه سواه، بل في المنتهى لا اعرف به خلافا، بل عن بعض الإجماع على عدم الوجوب، و لعله كذلك، فإنه قد استقر المذهب عليه الآن و قبل الآن.

إلخ) و يدل عليه- مضافا الى النصوص المتقدمة- جملة من الاخبار- منها:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 463

..........

1- صحيح زرارة بن أعين قال: قلت

لأبي جعفر عليه السّلام: كيف أتمتع؟ قال:

تأتي الوقت فتلبي بالحج، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت، و صليت ركعتين خلف المقام، و سعيت بين الصفا و المروة و قصرت و أحللت من كل شي ء و ليس لك ان تخرج من مكة حتى تحج «1».

2- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام إذا فرغت من سعيك و أنت متمتع فقصر من شعرك من جوانبه و لحيتك، و خذ من شواربك و قلم أظفارك و أبق منهما لحجك، فإذا فعلت ذلك أحللت من كل شي ء يحل منه المحرم و أحرمت منه، و طف بالبيت تطوعا ما شئت «2».

3- خبر عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: طواف المتمتع ان يطوف بالكعبة و يسعى بين الصّفا و المروة و يقصر من شعره فإذا فعل ذلك فقد أحل «3» الى غير ذلك من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السّلام.

و لا يعارضها خبر سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السّلام قال: إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السّلام و سعى بين الصفا و المروة و قصر فقد حل له كل شي ء ما خلا النساء لانه عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة النساء «4» لكونه ضعيفا سندا فلا عبرة به، و لا يخفى أنه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 22 من أبواب الإحرام الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الطواف الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الطواف الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 464

و هو لازم للرجال

و النساء (1)

لا يقبل حمله على ارادة حج التمتع لما فيه من وقوع التقصير من المتمتع بعد الطواف و السعى و ليس ذلك إلا في العمرة، إذ لا تقصير بعدهما في الحج، على ان قوله:

«فدخل مكة متمتعا. إلخ» كالصريح في ان المراد منه هو القدوم الأول دون الرجوع إليها من منى فتدبر.

(1) ما أفاده المصنف «قدس سره» من لزوم طواف النساء للرجال و النساء مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل في الجواهر: «بلا خلاف معتد به أجده فيه بل عن المنتهى و التذكرة الإجماع عليه في الجملة و يدل عليه- مضافا الى الأصل و إطلاق قوله تعالى (فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ) و الرفث هو الجماع بالنص الصحيح الوارد في تفسيره و ما دل على حرمة الرجال عليها بالإحرام، و قاعدة الاشتراك الا فيما استثنى- ذيل حديث إسحاق بن عمار المتقدم (. لا تحل لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا آخر بعد ما سعى بين الصفا و المروة و ذلك على النساء و الرجال واجب) «1» و الظاهر ان هذا الذيل جزء للحديث و يدل على ما أفاده المصنف ايضا صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الخصيان و المرأة الكبيرة أ عليهم طواف النساء؟ قال: نعم عليهم الطّواف كلهم «2» و ما رواه حفص بن البختري عن العلاء بن صبيح و عبد الرّحمن بن الحجّاج و علي بن رئاب و عبد اللّه بن صالح كلهم يروونه عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة، ثم حاضت تقيم ما بينها و بين

التّروية، فإن طهرت طافت بالبيت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 465

و الصبيان (1)

و سعت بين الصفا و المروة، و ان لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت و احتشت، ثم سعت بين الصفا و المروة، ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك و زارت بالبيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم إلا فراش زوجها فإذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها «1».

(1) ما أفاده المصنف «قدس سره» من لزوم طواف النساء للصبيان مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لشمولهم الإطلاق كشموله للبالغين- على ما قرر في محله-، بل عن المنتهى و غيره الإجماع على وجوبه على الصبيان.

و لا يخفى ان الحكم لا يختص بالصبي المميز بل يعم ما إذا كان الصبي غير مميز إذا أحرم به وليه، و الا لم يصح إحرامه فلا يفيد الحرمة، فيطوف الولي بالصبي غير المميز و يستنيب في الصلاة عنه لانه يفهم من الاخبار الواردة في حج الصبي- قد تقدم ذكرها في الجزء الأول من هذا الكتاب عند ذكر حج الصبي- انه يقوم بما يمكن قيامه- كالطواف و السعي و الوقوف و نحوها- و يفعل الولي عنه بما لا يمكن ان يقوم به- كالتلبية- و من أراد الاطلاع على اخبار الباب فليراجع المبحث المذكور.

و أما الصبي المميز فيطوف و يصلي مباشرة بنفسه، و كيف كان فلو تركه و لم يطف الولي بغير المميز أو تركه

المميز بقي على حكم إحرامه الى ان يطوف بعد بلوغه أو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 466

و الخناثى (1)

يستنيب حيث يجوز له ذلك- كما صرح به غير واحد- لإطلاق أدلة التحلل به و احتمال ان إحرامه لا يقتضي حرمة النساء، لأنه تمريني لا تشريعي في غير محله، لظهور الأدلة في كونه بحكم إحرام البالغ كظهوره في كونه كذلك بالنسبة إلى سائر المحرمات.

(1) ما أفاده المصنف «قدس سره» من لزوم طواف النساء على الخناثى مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» أما الخنثى المشكل فلم يرد دليل خاص بالنسبة إليها في طواف النساء لكنها بناء على عدم كونها طبيعة ثالثة فلا إشكال في البين، و أما بناء على كونها طبيعة ثالثة فيكفي في وجوبه عليها إطلاق مثل قوله تعالى «وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» المفسر في بعض الاخبار بطواف النساء و هو ما رواه احمد بن محمد قال: قال أبو الحسن عليه السّلام: في قول اللّه عز و جل:

«وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» قال: طواف الفريضة طواف النّساء «1» و ما رواه حماد ابن عثمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل «وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» قال طواف النساء «2».

(بقي هنا شي ء) و هو انه هل يكون وقت طواف النساء وقت طواف الحجّ أولا بل هو موسع و قد وقع الخلاف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في ذلك، قال في كشف اللثام: (لم ينصّ أكثر الأصحاب على آخر وقته و ظاهرهم انه كطواف الحج) و في

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب

2 من أبواب الطواف الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 467

..........

الكافي- على ما هو المحكي عنه- (ان آخر وقته آخر أيام التشريق) و في المبسوط:

(يطوف للنساء متى شاء من مقامه بمكة و يجوز ان يريد مقامه بها قبل العود إلى منى) قد يقوى في النظر جواز الإتيان بطواف النساء بعد ذي الحجة لاقتضائه إطلاق روايات المقام لان الروايات المأثورة عنهم في المقام غير متعرضة لتحديد آخر وقته.

ان قلت: ان قوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ) يمنع عنه. قلت: انه لا يمنع عنه، لعدم كون طواف النساء جزء للحج، و لذا لا يحكم بفساد الحج بتركه- على ما أشرنا إليه في المباحث السابقة. في صفحة (410- 445).

ان قلت: ان مقتضى اخبار البيان كونه من واجبات الحج و ان لم يكن تركه موجبا لفساد الحج، فعليه إذا كان من واجباته و أفعاله تعين الإتيان به في أشهر الحج لظاهر الآية المتقدم على إطلاق الاخبار قلت: انه و ان كان كذلك الا ان مقتضى ظاهر بعض الاخبار المتقدم على ظاهر الاخبار البيانية عدم كونه من أفعال الحج- و قد تقدم ذكره في الأمر التاسع في صفحة (445)- و على ذلك لا يمكن الالتزام بتوقيت وقت طواف النساء بذي الحجة، لعدم كونه خاليا عن الإشكال فتأمل.

(إيقاظ) ان الطواف ركن في الحج بمعنى ان تركه عمدا موجب لبطلانه- كما أشرنا إليه في أول مبحث الطواف- و لكن لا يخفى: انه يغاير الركن في باب الصلاة الذي تبطل الصلاة بتركه و زيادته و لو سهوا، و هنا لا يبطل الا بالترك العمدي، لأن معنى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 4، ص: 468

..........

الركن

في الحج هو ان تركه عمدا موجب لبطلانه دون غيره، و أما ترك بعض اعمال الحج فلا يوجب للبطلان حتى لو كان عن عمد و اختيار فهو في الحقيقة ليس جزءا للحج بل واجب في واجب، لأن الجزئية تنافي القول بعدم البطلان مع تعمد تركه.

انتهى «و للّه الحمد و الشكر» ما أردت إيراده في هذا الجزء و أسأله تعالى التوفيق لإتمام الجزء الخامس من هذا الكتاب، قد وقع الفراغ منه على يد مؤلفه العبد الفاني:

محمّد إبراهيم الجنّاتي في [20- شهر ربيع الثاني- من سنة 1388 هج] و يتلوه الجزء الخامس من أول مبحث السعي ان شاء اللّه تعالى و الحمد للّه أولا و آخرا و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

الجزء الخامس

[تتمة شرح كتاب الحج من شرائع الإسلام]

[تتمة الركن الثاني في أفعال الحج]

[القول في السعي]
اشارة

القول في السعي

[و مقدماته عشرة]

و مقدماته عشرة (1) كلها مندوبة الطهارة (2)

كتاب الحج

(1) و في الدروس أربعة عشر و لكن المستفاد من الاخبار المأثورة عنهم عليهم السلام أكثر منها و سيظهر لك ذلك في المباحث الآتية في ضمن ذكر الاخبار اللهم الّا أن يناقش في بعضها بعدم كونه من مقدمات السعي و مستحباته لورود الأمر به بعد الفراغ من صلاة الطواف فيحتمل كونه مستحبا برأسه كما أفاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه).

(2) ما أفاده المصنف (قدس سره) من استحباب الطهارة من الأحداث في السعي مما هو المعروف بين الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم بل في الجواهر: (وفاقا للمشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا و في محكي المنتهى نسبته إلى علمائنا مشعرا به، بل هي كذلك إذ لم يحك الخلاف فيه إلا عن العمّاني) و كيف كان فقد استدل لذلك بأمرين:

الأول- الإجماع. و فيه ما ذكرناه غير مرة في المباحث السابقة من ان المعتبر منه هو التعبدي الموجب للعلم بصدور الحكم عن المعصوم عليه السلام دون المدركي، و في المقام يحتمل أنّ يكون مدركه الأمر الآتي، فالعبرة بالمدرك ان تم دونه.

الثاني- خبر يحيى الأزرق قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: رجل سعى بين الصفا و المروة فسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم بال ثم أتم سعيه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 10

..........

بغير وضوء؟ فقال: لا بأس و لو أتم مناسكه بوضوء لكان أحبّ إليّ «1» ينبغي هنا التنبيه على أمرين:

الأول- انّه قد يقال بوقوع المعارضة بين خبر يحيى الأزرق و خبر محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن بن فضال.

قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): لا تطوف و لا تسعى الا بوضوء «2» و صحيح

الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المرأة تطوف بين الصفا و المروة و هي حائض؟ قال: لا كان اللّه تعالى يقول إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ «3»، و ذلك لدلالتهما على عدم جواز السّعي بين الصّفا و المروة إلا مع الوضوء و هذا بخلاف خبر يحيى الأزرق، لدلالته على جوازه بدونه و لكن التحقيق: انه لا معارضة بينهما، و ذلك لان الجمع العرفي يقتضي حمل صحيح محمد بن مسلم و خبر ابن فضّال الظّاهر في وجوب الوضوء للسعي على الاستحباب بقرينة قوله (عليه السلام) في خبر يحيى الازق: (لا بأس) لكونه نصا في الجواز، و قد ذكرنا غير مرّة في المباحث التي تقدم ذكرها إن حكومة النّص على الظاهر من أجلى الحكومات، كما انه ترفع اليد عن ظهور: (لا بأس) في الإباحة بقرينة قوله (عليه السّلام) في ذيل خبر يحيى الأزرق: (و لو أتم مناسكه بوضوء لكان أحبّ إلي) و قوله (عليه السلام) في خبر ابن فضّال: (لا يطوف و لا يسعى الا على وضوء) لكونه نصّا في رجحان السّعي مع الوضوء، و من المعلوم ان الجواز مع الرجحان هو الاستحباب، فتدبر

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب السعي الحديث 6.

(2) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب السعي الحديث 7.

(3) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب السعي الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 11

و استلام الحجر (1) و الشرب من زمزم (2) و الصب على الجسد من مائها من

الثاني- انه قد صرح جماعة من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) باستحباب الطهارة من الخبث في السّعي و لكن الظّاهر: انه لا دليل عليه سوى مناسبة التّعظيم.

(1)

لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا فرقت من الركعتين فأت الحجر الأسود فقبله و استلمه و أشر إليه، فإنه لا بد من ذلك. إلخ «1» ينبغي هنا الإشارة إلى أمرين الأول- ان ظاهر الصحيح- كما ترى- الجمع بين الإشارة و الاستلام الثاني- ان ظاهره وجوب الاستلام و الإشارة، و لكن تسالم الأصحاب على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن هذا الظّهور، و أما الاستحباب فلا وجه لرفع اليد عنه، فتدبر:

(2) لقوله (عليه السلام) في الصحيح المتقدم: ان قدرت ان تشرب من ماء زمزم قبل ان تخرج إلى الصفا فافعل و نقول حين تشرب، اللّهم اجعله علما نافعا و رزقا واسعا و شفاء من كل داء و سقم، قال: و بلغنا ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قال: حين نظر إلى زمزم لو لا ان أشقّ على أمّتي لأخذت منه ذنوبا أو ذنوبين «2» و لذيل حسن الحلبي الآني.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب السعي الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب السعي الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 12

الدلو المقابل للحجر (1) و ان يخرج من الباب المحاذي للحجر (2) و ان

(1) لقوله: عليه السلام في صحيح عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: يستحب ان يستقى من ماء زمزم دلوا أو دلوين فتشرب منه و تصب على رأسك و جسدك و ليكن ذلك من الدّلو الّذي بحذاء الحجر «1».

و لقوله عليه السلام في حسن الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا فرغ الرجل من طوافه و صلى ركعتين فليأت زمزم و يستق منه

ذنوبا أو ذنوبين فليشرب منه و ليصبّ على رأسه و ظهره و بطنه. إلخ «2» لا يخفى: ان ظاهر إطلاق الأمر في جميع ما تضمنته الأخبار المتقدّمة هو كونه بداعي الجدّ و لا قرينة في البين على النّدب إلا بالنّسبة إلا الاستقاء لان قوله (صلّى اللّه عليه و آله) في الصحيح المتقدم (لو لا ان أشقّ على أمّتي لأخذت منه ذنوبا أو ذنوبين) قرينة على النّدب كما هو واضح.

و اما بالنسبة إلى الباقي فترفع اليد. عن ظاهر إطلاق الأوامر لأجل تسالم الأصحاب على الخلاف:

(2) ما افاده المصنف من استحباب خروجه من الباب المحاذي للحجر مما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه كما عن المنتهى و التذكرة الاعتراف به أيضا تأسّيا بالنّبي (صلى اللّه عليه و آله).).

و يدل عليه قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمّار: ان رسول اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب السعي الحديث 4.

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب السعي الحديث 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 13

يصعد الصفا (1) و يستقبل الركن العراقي و يحمد اللّه و يثنى عليه و ان يطيل الوقوف على الصفا و يكبر اللّه سبعا و يهلله سبعا و يقول لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو حي لا يموت بيده الخير

(صلى اللّه عليه و آله) حين فرغ من طوافه و ركعتيه قال: ابدأوا بما بدء اللّه عزّ و جلّ به من إتيان الصّفا ان اللّه عزّ و جلّ يقول (إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ) قال أبو عبد اللّه (عليه

السلام) ثم اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و هو الباب الّذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي و عليك السّكينة و الوقار «1» و لا قرينة على استحباب الخروج من الباب المحاذي للحجر إلا الإجماع، فتدبر.

(1) استحباب الصّعود على الصفا مما لا اشكال فيه، لقول الصادق (عليه السّلام) في حسن معاوية بن عمّار الآتي: (فاصعد على الصّفا حتى تنظر إلى البيت. إلخ) «2».

ينبغي هنا الإشارة إلى أمر و هو ان ظاهر المصنّف و غيره إطلاق استحباب الصّعود على الصفاء و يشمل ذلك الرّجل و المرأة إلا ان الفاضل على ما حكى في الجواهر خص الحكم بالرّجل، و لعل وجه ذلك هو صحيح ابن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن النّساء يطفن على الإبل و الدّواب أ يجزيهنّ ان يقفن تحت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب السعي الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب السعي الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 14

و هو على كل شي ء قدير ثلاثا و يدعو بالدعاء المأثور (1)

الصفا و المروة؟ فقال: نعم بحيث يرين البيت «1» فتأمل.

(1) يدل على جميع ما افاده المصنّف هنا حسن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث، قال: فاصعد على الصّفا حتى تنظر إلى البيت، و تستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فاحمد اللّه (عز و جل) و أثن عليه، ثم اذكر من آلائه و بلائه، و حسن ما صنع إليك، ما قدرت على ذكره، ثم كبر اللّه سبعا، و هلله سبعا، و قل لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك

و له الحمد، يحيى و يميت، و هو حيّ لا يموت، و هو على كل شي ء قدير ثلاث مرات، ثم صلّ على النبي (صلى اللّه عليه و آله) و قل اللّه أكبر الحمد للّه على ما هدانا، و الحمد للّه على ما أولانا، و الحمد للّه الحي القيوم و الحمد للّه الحي الدائم ثلاث مرات و قل اشهد ان لا إله إلا اللّه و اشهد ان محمدا عبده و رسوله لا نعبد إلا إيّاه مخلصين له الدّين و لو كره المشركون ثلاث مرات، اللّهم إني أسألك العفو و العافية و اليقين في الدّنيا و الآخرة ثلاث مرات، اللّهم آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ ثلاث مرات، ثم كبر اللّه مأة مرة، و هلل مأة مرة، و أحمد اللّه مأة مرة، و سبح اللّه تعالى مأة مرة و تقول: لا إله إلا اللّه وحده (و) أنجز وعده، و نصر عبده و غلب الأحزاب وحده، فله الملك و له الحمد وحده وحده، اللّهم بارك لي في الموت و فيما بعد الموت، اللهم إلا أني أعوذ بك من ظلمة القبر، و وحشته، اللّهم أظلني في ظلّ عرشك يوم لا ظلّ إلا ظلّك، و أكثر من ان تستودع ربك دينك و نفسك و أهلك، ثم نقول: استودع اللّه الرّحمن الرّحيم الّذي لا تضيع ودائعه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب السعي الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 15

..........

ديني و نفسي و أهلي اللهم استعملني على كتابك و سنة نبيك و توقني على ملته و أعذني من الفتن ثم تكبر ثلاثا ثم تعيدها مرتين ثم تكبر واحدة ثم تعيدها فان لم

تستطع هذا فبعضه «1» و روي غير ذلك و أنه ليس فيه شي ء موقت «2» و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) كان يقف على الصفا بقدر ما يقرء سورة البقرة مترتلا (سلا خ ل. إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ما افاده المصنف في المقام.

استحباب اطالة الوقوف على الصفا و يدل على استحباب اطالة الوقوف علي الصفا مضافا إلى ذيل خبر المتقدم خبر حماد المنقري قال: قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام): ان أردت أن يكثر مالك فأكثر الوقوف على الصفا «3» و نحوه من الاخبار.

و اما خبر عمر بن يزيد قال كنت في ظهر أبي الحسن موسى عليه السلام على الصفا و على المروة و هو لا يزيد على حرفين اللهم أني أسئلك حسن الظّن بك في كل حال و صدق النية في التوكل عليك «4» فلا ينافي خبر المتقدم:

أما أولا: فلا رسالة.

و اما ثانيا: فلكونه محمولا على الجواز فلا ينافي الاستحباب و اما

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب السعي الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب السعي الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب السعي الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب السعي الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 16

..........

[في واجبات السعي]

(في واجبات السعي) و الواجب فيه أربعة (1) النية (2)

ثالثا فلا مكان حمله على تكرار هذا الدعاء أو الاقتصار عليه مع اطالة الوقوف، فتأمل:

ينبغي هنا الإشارة إلى أمر و هو أنه هل ورود دعاء مخصوص على الصفا أو لا؟ يمكن ان يقال باعتبار الدعاء الوارد في حديث جميل قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه

السلام) أهل من دعاء موقت أقوله على الصفا و المروة؟ فقال: تقول إذا وقفت (صعدت خ ل) على الصفا لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد يحيى و يميت و هو على كل شي ء قدير «1» و لكن ينفي ذلك خبر عمر بن يزيد المتقدم و يحمل على الاستحباب المؤكد

(1) و في الدروس عشرة ضاما لها بعض ما تسمعه من الأحكام و المقارنة و نحو ذلك على ما افاده صاحب الجواهر.

(2) بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه، كما في الجواهر، لكونه من العبادات المتوقفة على النية فيجب ان تكون النية مقارنة لأول السعي كغيره من الأعمال.

و اما قصد الوجه و غيره عدي القربة فلا يعتبر فيها و يستديم حكمها إلى آخره مع الاتصال، و اما مع الانفصال فذهب بعض إلى أنه يجددها ثانيا

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب السعي الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 17

و البدئة بالصفا و الختم بالمروة (1)

فيما بعده) و لكنه لا دليل عليه بل مقتضى إطلاق الأدلة خلافه فيكفي العود بنية إتمام العمل السابق بل قد يقال بكفاية إتمامه و ان غفل عن الاولى حين الشروع ثم تنبه بعد ذلك- كما افاده صاحب الجواهر- و اما الاحتياط فهو مطلب آخر.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم قديمه و حديثا بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه. إلخ) و يشهد له جملة من النصوص الآمرة بها- منها:

1- ما في (ذيل حديث معاوية بن عمار و هو قوله (عليه السلام): (. ثم طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة ثم قصر «1»

2- ما رواه سماعة قال سألته عن السعي بين الصفا و المروة قال إذا انتهيت إلى الدار التي على يمينك عند أول الوادي فاسع حتى تنتهي إلى أول زقاق عن يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة فإذا انتهيت اليه فكف عن السعي و امش مشيا و إذا جئت عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي و صفت لك فإذا انتهيت إلى الباب الذي قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف عن السعي و امش مشيا و انما السعي على الرجال فليس على النساء سعى «2».

3- حديث معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) حين فرغ من طوافه و ركعتيه قال: ابدؤا بما بدأ اللّه به من إتيان الصفا ان اللّه عز و جل يقول إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب السعي الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب السعي الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب السعي الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 18

..........

و نحوهما غيرها من الاخبار.

و يشهد أيضا لذلك الأخبار الآمرة بالإعادة للمبتدئ بالمروة و في بعضها كما لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء- منها:

1- خبر علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا؟ قال: يعيد، الا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد ان يعيد الوضوء «1».

2- خبر على الصائغ قال: سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) و انا حاضر عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا؟ قال: يعيد الا ترى أنه لو بدأ بشماله

كان عليه ان يبدأ بيمينه ثم يعيد على شماله «2».

3- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا قبل المروة «3».

4- ما عنه أيضا قال (عليه السلام) و ان بدأ بالمروة فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا «4».

ينبغي هنا التّنبيه على أمور الأول- ان البدأة بالصفا انما يتحقق بإلصاق عقبه به، و حكي عليه الاتفاق، بل قيل أنه مقتضى إطلاق الأدلة.

و لكن هذا الحكم مما لا يخلو من الاشكال، و ذلك بعد ملاحظة الروايات

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب السعي الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب السعي الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب السعي الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب السعي الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 19

..........

الدالة على جواز السعي راكبا.

و اما مقتضى إطلاق الأدلة فيمكن ان يقال بخلافه لأنه ليس فيها إلا السعي بينهما الذي يتحقق بالوصول اليه و بالانتهاء إلى ما يحاذي الابتداء من دون احتياج إلى إلصاق عقبه أو عقبيه به و من دون احتياج إلى إلصاق أصابعه بموضع العقب فيما إذا عاد لكي يحصل الاستيعاب، فعليه لا يبقى مجال للقول بان مقتضى المقدمة العلميّة هو الصّعود قليلا للعلم بأنه سعى بينهما كغسل جزء من الرأس في الوضوء و صيام جزء من الليل في صوم اليوم فتدبّر.

(الثاني) أنه على فرض لزوم الاحتياط فاللازم للصادق البدن بالصفا و لا يكفي مجرد إلصاق العقب به لنسبة السعي إلى البدن لا اليه كما لا يخفى فتدبر.

الثالث ان مقتضى إطلاق الأدلة عدم وجود كون السّعي في الخطّ المستقيم،

و لا في خط واحد و لو لم يكن مستقيما، لصدق السعي بينهما به و بغيره، بل ما دل على جواز السّعي راكبا كالصريح بخلافه، كحديث الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن السّعي بين الصفا و المروة على الدّابة؟ قال: نعم و على المحمل «1» و في حديث معاوية عنه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يسعى بين الصّفا و المروة راكبا؟ قال: لا بأس و المشي أفضل «2» و المفهوم من الأخبار أن الأمر أوسع من ذلك، فإن السّعي على الإبل الذي دلّت عليه الاخبار و ان النبي (صلى اللّه عليه و آله) كان يسعى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب السعي الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب السعي الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 20

..........

على ناقته لا ينفق فيه هذه المداقة و التّضييق بل يكفي الأمر العرفي مضافا إلى أنه لو قلنا بلزوم ذلك وجب اتحاد جميع نقاط الخطّ و الضّرورة على خلافه فتحصّل عدم احتياج إلصاق أصابع قدميه بموضع عقبه أولا.

الرابع- ان عرض جبل المروة يكون أزيد من جبل الصّفا و لكن يجب ان يكون في جميع سيره بحيث يكون أحد طرفيه جبل مروة و الطرف الآخر جبل الصّفا و لا يكفي أحد طرفيه جبل مروة و ذلك لان الواجب السعي بينهما.

الخامس- أنه يجزى السعي في الطبقة الفوقانية التي بنوها في زماننا لعدم كونها أرفع من الجبل فيصدق السعي بين الصفا و المروة فيها و كذلك يجزي في الطبقة التحتانية لعدم كون الجبل على الأرض فقط، لكونه داخلا في الأرض، و لعل الداخل منه فيها أزيد من الخارج بكثير هذا بناء على

عدم انصراف الاخبار عنه فتدبر.

السادس- أنه لو بدأ بالمروة و لو سهوا فذهب بعض إلى أنه يستأنف و لا يجزيه ان يجعل الرجوع من الصفا أول السعي بعد ان لم يكن هو ابتداء سعيه.

تفصيل الكلام في ذلك هو أنه (تارة) يتكلم فيه على ما تقتضيه القاعدة و (اخرى) على ما تقتضيه الأخبار.

اما (على الأول): فلا مانع من ان يجعل الرجوع من الصفا أول سعيه لعدم اشتراط كونه قاصدا لعنوان الابتداء من الصفا لعدم الدليل عليه فيقع أولا قهرا بعنوانه بعد بطلان الشوط الأول من المروة إلى الصفا.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 21

..........

و أما (على الثاني) فإن قلنا بظهور الأخبار المتقدمة في صدر البحث بطرح جميع ما مضى اتّجه الحكم بلزوم الاستيناف خلافا لمقتضى القاعدة و ان قلنا بالإجمال فمقتضى الاحتياط التتميم أو لا مع عدم طرح غير الشوط الأول ثم الاستيناف، لا ان مقتضى الاحتياط طرح جميع ما مضى لمكان احتمال حصول الزّيادة العمدية و لا يشترط الموالاة في أثناء السعي حتى يقال بقطعه لما مضى ثم الاستيناف.

و كيف كان فقد صرّح غير واحد الى لزوم الاستيناف، لظاهر النصوص المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام): (يعيد) و يبدء بالصفا قبل المروة و قوله: (فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا) بل يقتضيه ما تضمن اعتبار البدأة بالصفا لفواتها.

و قد يظهر من الجواهر الميل الى الاجزاء، لظاهر التّشبيه بالوضوء حيث قال بعد ذكر اخبار المقام: (قلت و مقتضى التّشبيه المزبور الاجتزاء بالاحتساب من الصفا إذا كان قد بدأ بالمروة، ثم بالصفا و لا يحتاج إلى إعادة السعي بالصفا جديدا، كما صرح به بعض الناس و ان كان هو أحوط بل ربما أمكن دعوى ظهور النصوص السابقة

فيه.)

و قد أشكل عليه اما (على الأول): فلقصور التشبيه عن التعرض لهذه الجهة و أما (على الثاني): فلظهور النّصوص فيما ذكر.

السابع- انه يجب ان يبتدأ من الصفا و يختم بالمروة فلا يكفي السعي في جنب الجبلين نعم لو بدأ بالصفا و ختم بالمروة و لكن خرج في أثناء السعي بمقدار قليل عن الخط المستقيم المتصل رأساه بالجبلين أجزاء لصدق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 22

و ان يسعى سبعا يحتسب ذهابه شوطا و عوده آخر (1)

عنوان البين من باب المسامحة العرفيّة و المسامحة في المفهوم لا في التطبيق.

الثامن- قال في الجواهر حكى جماعة من المؤرخين حصول التغيير في المسعى في أيام المهدى العباسي على وجه يقتضي دخول المسعى في المسجد الحرام و ان هذا الموجود الآن مسعى مسجد و من هنا أشكل الحال على بعض باعتبار عدم إجزاء السعي في غير واد الذي سعى فيه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) كما أنه أشكل عليه إلحاق أحكام المسجد لما دخل منه فيه و لكن العمل المستمر من سائر الناس في جميع هذه الأعصار يقتضي خلافه و يمكن أن يكون المسعى كان عريضا قد ادخلوا بعضه و ألقوا بعضا كما أشار إليه في الدروس و روى ان المسعى اختصر «1».

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا، بل في الجواهر:

بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه.) و يدل عليه- مضافا الى ما ذكر- ذيل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ثم طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصّفا و تختم بالمروة «2» فما افاده المصنف- قدّس سرّه- متين فيحصل بالذّهاب أربعا من الصّفا إلى المروة و بالإياب ثلاثا منها

إليه سبعة أشواط

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب السعي الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب السعي الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 23

..........

ينبغي هنا ذكر أمور الأول- انه قد صرح غير واحد من الأصحاب وجوب السعي ذهابا و إيابا في الطريق المتعارف، لانه المعهود.

الثاني- قد صرّح ايضا غير واحد بوجوب استقبال المقصد في ذهابه و إيابه بوجهه فلو اقتحم المسجد الحرام و خرج من باب آخر أو سلك سوق الليل لم يجز و كذا لو اعرض عن المقصد بوجهه أو مشى القهقرى و قد استدل على وجوب استقبال المقصد بوجوه الأول- ما دل «1» على ان من سهى عن السعي حتى يصير من المسعى على بعضه أو كله ثم ذكر فلا يصرف وجهه منصرفا و لكن يرجع الى القهقري الى المكان الذي يجب فيه السعي، و فيه انه مضافا الى ضعف سنده يحتمل ان يكون لزوم الرجوع الى القهقري حكما نفسيا.

الثاني- انه المتعارف في زمان الأئمة (عليهم السلام) دون كيفيّة أخرى لأنه المتعارف عند العرف. و (فيه): انه لعله من جهة كون المشي العرفي كذلك، و قد ذكرنا غير مرة ان الفعل إذا كان جاريا على طبق ما هو المتعارف المعتاد عند العرف لم يدل على المطلوبيّة أصلا و لو استحبابا و ذلك نظير ما ورد في الوضوء في بيان فعله (صلى اللّه عليه و آله) من انه غسل من الأعلى فإن المتعارف من غسل الوجه هو الغسل من الأعلى دون العكس ففعله لا يدل على شي ء، و ما نحن فيه من هذا القبيل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب السعي الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص:

24

..........

[في مستحبات السّعي]

(في مستحبات السّعي) و المستحب أربعة ان يكون ماشيا (1) و لو كان راكبا جاز (2)

الثالث ان القدر المتيقن من الاجزاء هو السعي في حال استقبال نحو المقصود دون غيره، فلا بد من الاحتياط، و فيه: انه انما تصل النوبة إلى الاحتياط إذا لم يكن المورد مجرى للبراءة، أو أصل آخر، و من المعلوم ان المرجع فيما نحن فيه هو البراءة، للشك في قيد زائد و هو وجوب استقبال المقصود، و لكنه مع ذلك كله لا تخلو المسألة من تأمل.

الثالث من الأمور- انه لا بأس بالالتفات بالوجه مع بقاء مقاديم البدن على حالة الاستقبال، و ذلك للإطلاق بل لو رجع القهقرى في الأثناء ثم عاد لا بقصد الجزئية للسعي لم يقدح في الصحّة و سيجي ء تفصيل الكلام عند ذكر المصنف حكم الزّيادة

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) و استدل له في الجواهر: بأنه أحمز و أدخل في الخضوع و قد ورد «1» ان المسعى أحبّ الأراضي الى اللّه، لانه تذلّ فيه الجبابرة)

(2) أما جواز السعي راكبا فمها لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع بقسميه و قد استدل له بجملة من النصوص المروية عنهم (عليهم السلام)- منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب السعي الحديث 14 مع اختلاف في اللفظ رواه أبو بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

ما من بقعة أحب الى اللّه من المسعى، لانه يذل فيه كل جبار

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 25

و المشي على طرفيه (1) و الهرولة ما بين المنارة و زقاق العطارين ماشيا

كان أو راكبا (2)

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن المرأة تسعى بين الصفا و المروة على دابة أو على بعير؟ قال: لا بأس بذلك قال:

و سألته عن الرجل يفعل ذلك؟ فقال: لا بأس «1» 2- ما عنه ايضا قال: سألته عن الرجل يسعى بين الصّفا و المروة راكبا؟ قال: لا بأس و المشي أفضل «2» 3- حسن الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن السعي بين الصّفا و المروة على الدّابة؟ قال: نعم و على المحمل «3» 4- ما رواه محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول احدثني أبي ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) طاف على راحلته و استلم الحجر بمحجنه و سعى عليها بين الصفا و المروة «4» الى غير ذلك من الاخبار المروية عنهم (عليهم السلام).

(1) ما افاده المصنف (قدّس سرّه) من استحباب المشي على طرفي المسعى أي أول السعي و آخره أو طرفي المسعى مما هو المعروف بين الأصحاب و يدل عليه ما يأتي من الاخبار.

(2) ما أفاده قدّس سره من استحباب الهرولة في السعي مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب السعي الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب السعي الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب السعي الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب السعي الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 26

..........

و حديثا، بل قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه، و استدل له بحسن معاوية بن عمار عن أبي

عبد اللّه (عليه السلام) قال: ثم انحدر ماشيا و عليك السّكينة و الوقار حتى تأتي المنارة و هي طرف المسعى، فاسع مل ء فروجك [1] و قل بسم اللّه و اللّه أكبر و صلّى اللّه على محمد و آله و قل: اللّهم اغفر، و ارحم و اعف عما تعلم، انك أنت الأعز الأكرم حتى تبلغ المنارة الأخرى قال: و كان المسعى أوسع مما هو اليوم، و لكن الناس ضيّقوه، ثم امش و عليك السكينة و الوقار، فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت فاصنع عليها كما صنعت على الصفا، ثم طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة ثم قصر «1» و نحوه غيره من الاخبار الآتية ينبغي هنا الإشارة إلى أمرين الأول- ان الهرولة تختص بالرجال لجملة من الاخبار- منها:

______________________________

[1] الفروج جمع فرج، و هو ما بين الرجلين يقال: (الفرس ملأ فروجه و ملأ فروجه) إذا عد أو أسرع، و منه سمى فرج الرجل و المرأة، لأنه ما بين الرجلين، فالسعي ملاء الفروج أزيد من الهرولة، بناء على ما أفاده بعض في تفسيرها بما بين العدو و المشي، و قد فسرها بعض آخر بأن الهرولة ضرب من العدو. و تردد الجوهري بينهما و ربما احتمل كون المعنى واحدا كما يرشد اليه ما عن نظام الغريب من أنه نوع من العد و السهل و كيف كان فالأمر سهل بعد ان كانت الهرولة مستحبة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب السعي الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 27

..........

1- ما رواه أبو سعيد المكاري عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ان اللّه وضع عن النساء أربعا وعد منهن السعي بين الصفا و المروة يعني الهرولة «1»

2- ما رواه انس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام) في وصيّة النّبي (صلى اللّه عليه و آله) لعلي (عليه السلام) قال:

يا علي ليس على النساء جمعة الى أن قال: و لا هرولة بين الصفا و المروة «2» 3- ما رواه سماعة (في حديث الهرولة) الى ان قال: فاكفف عن السعي و امش مشيا و انما السعي على الرجال و ليس على النساء سعى «3» و المراد من السعي فيه الهرولة.

4- خبر أبي بصير ليس على النساء جهر بالتلبية و لا استلام الحجر و لا دخول البيت و لا سعى بين الصفا و المروة يعني الهرولة «4» و من هنا ظهر ضعف ما حكى عن الشيخ المفيد (قدّس سرّه) (من انه لو خلى موضع السعي للنساء فسعين فيه لم يكن به بأس) و ذلك لاحتياج الحكم باستحباب ذلك عليهن الى دليل و هو مفقود بل ورد الدليل على خلافه فتدبر.

الثاني- ان ظاهر بعض الاخبار المتقدمة و ان كان وجوب الهرولة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب السعي الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب السعي الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب السعي الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب الطواف الحديث 1 و ذيله في باب 21 من أبواب السعي الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 28

و لو نسي الهرولة رجع القهقري (1) و هرول من موضعها (2) و الدعاء في سعيه ماشيا و مهرولا (3) و لا بأس ان يجلس في خلال السعي

عليه للأمر بها، إلا انه بقرينة خبر سعيد الأعرج يحمل على الاستحباب و هو قال:

سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا و المروة؟ قال: لا شي ء عليه «1»

(1) ماشيا الى الخلف من غير التفات بالوجه

(2) قد صرح بذلك جماعة بل في المسالك نسبته إلى الأصحاب، و استدل له بقول الصادقين فيما أرسلا عنهما الصدوق و الشيخ: (من سهى عن السعى حتى يصير من المسعى عليه بعضه أو كله ثم ذكر فلا يصرف وجهه منصرفا و لكن يرجع الى القهقرى الى المكان الذي يجب فيه السعي «2» ان قلت: ان فيه قصور من حيث السند قلت: انه و ان كان ضعيفا من حيث السند الا ان ضعفه منجبر بعمل الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بمضمونه فلا يصغى الى المناقشة فيه بضعف السند بعد الانجبار فتأمل.

ان قلت: انه بناء على انجبار ضعفه فظاهره الوجوب، قلت: انه ترفع اليد عنه لأجل تسالم الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) على خلافه

(3) اما استحباب الدعاء في حال سعيه ماشيا و مهرولا فمما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب و استدل له بحسن معاوية بن عمار المتقدم و غيره من الاخبار.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب السعي الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب السعي الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 29

للراحة (1)

(1) اما جواز الجلوس على الصفا و المروة في أثناء السعي مطلقا حتى بدون التّعب فمما لا ينبغي الكلام فيه، و ذلك لما سيأتي من الأخبار.

انما الكلام في الجلوس بين الصفا و المروة فقد استدل على الجواز بصحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة أ يستريح؟

قال: نعم، ان شاء جلس على الصفا و المروة و بينهما فليجلس «1» و لا يخفى ان قوله: (أ يستريح قال: نعم) ليس قرينة على كون المراد منه جواز الجلوس بين الصفا و المروة لأجل التعب الخارج عن المتعارف دون غيره، و ذلك لإمكان دعوى: ظهور ان إطلاق الاستراحة فيما نحن فيه انما يكون نظير إطلاقها على جلسة الاستراحة في باب الصلاة و هي الجلسة بعد السجدتين مع عدم كونها لأجل التّعب الخارج عن المتعارف وجه إطلاق ذلك عليه هو انه من المعلوم ان كل عبادة لها مقدار من التعب فيكون الجلوس في ضمنها أو بعدها يعد استراحة، فعليه مقتضى هذا الصحيح هو جواز الجلوس بين الصفا و المروة مطلقا حتى بدون التعب كما هو المعروف بين الأصحاب قدس اللّه تعالى أسرارهم.

و لكن قد ذهب بعض من الفقهاء الى عدم جواز الجلوس بين الصفا و المروة إلا في صورة التعب الخارج عن المتعارف الذي يطلق عليه الجهد و استدل لذلك بصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (عليه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب السعي الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 30

..........

السلام قال: لا يجلس بين الصفا و المروة الا من جهد «1» و من الواضح ان الجهد لا يطلق الا على التعب الخارج عن المتعارف دون غيره، فعليه تقع المعارضة بينه و بين صحيح الحلبي المتقدم الدال على جواز الجلوس بين الصفا و المروة حتى بدون الجهد.

و مقتضى الجمع بينهما هو تخصيص صحيح الحلبي الدال على جواز الجلوس بين الصفا و المروة بصحيح عبد الرّحمن الدّال على عدم جواز الجلوس بينهما الا عن جهد، و لا تصل

النوبة إلى الجمع الحكمي، و هو حمل النّهي في صحيح عبد الرّحمن على الكراهة، لما قد ذكرناه مرارا و كرارا انه ما دام يمكن الجمع الموضوعي بين الاخبار لا تصل النوبة إلى الجمع الحكمي و نتيجة الجمع الموضوعي بين صحيح الحلبي و صحيح عبد الرّحمن هو جواز الجلوس بين الصّفا و المروة إذا كان عن تعب خارج عن حد المتعارف بحيث يطلق عليه الجهد دون غيره.

ثم أنه يتمّ الكلام هنا في ضمن أمور:

1- انه يمكن ان يقال بحمل صحيح عبد الرّحمن المتقدم الدّال على حرمة الجلوس بين الصّفا و المروة على كراهة الجلوس بينهما إذا كان من غير تعب خارج عن المتعارف و ذلك بقرينة صحيح معاوية بن عمّار الدال على جواز الجلوس بينهما بناء على تماميّة دلالته على ذلك، و لا بأس بذكر الحديث و هو انه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يدخل في السعي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب السعي الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 31

..........

بين الصفا و المروة يجلس عليهما؟ قال: نعم أو ليس هو ذا يسعى على الدواب «1».

لإمكان دعوى دلالته على جواز الجلوس بين الصفا و المروة فبناء عليه ترفع اليد عن ظاهر صحيح عبد الرحمن الدال على حرمة الجلوس بدون الجهد و يحمل على الكراهة لصحيح معاوية الذي يكون نصّا في جواز الجلوس بدون الجهد فيكون رفع اليد عن الظّاهر بواسطة النّص.

ان قلت: ان مورد السؤال في حديث معاوية عن الجلوس على الصّفا و المروة دون الجلوس بينهما.

قلت يمكن أن يقال: أن مورد السؤال و ان كان ذلك الا أن المستفاد من الجواب التعميم في الحكم لا مكان دعوى ان الجواب

بالجلوس بين الصفا و المروة أنسب من الجلوس على الصّفا و المروة.

و لذا يمكن المناقشة فيه بعدم مناسبة التعليل المذكور فيه في مقام الجواب لسؤاله، لكونه عن الجلوس على الصّفا و المروة و التعليل و هو قوله (عليه السلام): (أو ليس هو ذا يسعى على الدواب) يناسب الجلوس بينهما الثاني- انه يمكن أن يقال- بعد الغض عما ذكر- ان المستفاد من التّعليل المذكور في حديث معاوية هو جواز الجلوس بين الصّفا و المروة مطلقا فيخصّص بما دل على عدم جواز الجلوس بينهما بدون تعب خارج عن المتعارف الذي يطلق عليه الجهد و هذا جمع موضوعي مقدّم على الجمع الحكمي.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب السعي الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 32

..........

[و يلحق بهذا الباب مسائل]
[الأولى السعي ركن]

(و يلحق بهذا الباب مسائل) الأولى السعي ركن من تركه عامدا بطل حجة (1)

إلا أن يقال ان التعليل آب عن التخصيص فإنه شبهه بالركوب على الدواب الذي هو جائز مطلقا حتى من دون تعب.

و لا يخفى ان الأمر الأول و الثاني بعد يحتاج إلى الملاحظة و التأمل.

الثالث- انه يمكن ان يقال بجواز الجلوس بين الصفا و المروة مطلقا و يستدل لذلك بالأخبار الدالة على جواز السعي راكبا الذي هو ملازم للجلوس. و لكن فيه ما لا يخفى.

أما أولا- فلان الراكب و ان كان جالسا على المركوب لكنه كما يسند المشي إلى المركوب كذلك يسند الى الراكب و هذا بخلاف الجالس و أما ثانيا- فلان الدليل انما ورد في خصوصا الراكب فلا يمكن التعدي عن مورده الى مفروض المقام، لانه قياس و القياس باطل عندنا مضافا الى انه مع الفارق فان الراكب الجالس مشغول بالسعي و هذا بخلاف الجالس على الأرض

لكونه تاركا له كما لا يخفى.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا بل قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع و يدل عليه- مضافا الى قاعدة عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل ترك السعي متعمدا؟ قال: عليه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 33

و لو كان ناسيا وجب عليه الإتيان به فان خرج عاد ليأتي به فان تعذر استناب فيه (1)

الحج من قابل «1» و صحيحة الآخر انه قال: في رجل ترك السعى متعمدا؟

قال: لا حج له «2» و من هنا يظهر ضعف ما حكى عن بعض انه واجب غير ركن فإذا تركه كان عليه دم و ما حكى عن بعض آخر من انه مستحب على رواية.

ينبغي هنا الإشارة إلى ما يلي:

1- مقتضى إطلاق الباب عدم الفرق في وجوب إعادة حجة عليه بتركه السعي بين العمرة و الحج.

2- مقتضى إطلاق أخبار الباب ايضا عدم الفرق بين تركه رأسا و بين ما إذا اتى به و لكن ناقصا حتى خرج وقت التدارك لاتحاد الملاك.

(1) قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع، و يدل عليه جملة من النصوص- منها:

1- حسن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له رجل نسي السعي بين الصفا و المروة؟ قال يعيد السعي، قلت: فإنه خرج «فإنه ذلك حتى خرج خ ل» قال: يرجع فيعيد السعي ان هذا ليس كرمي الجمار ان الرمي سنة و السعي بين الصفا و المروة فريضة «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 7 من أبواب السعي الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 7 من

أبواب السعي الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب السعي الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 34

..........

2- خبر الشحام عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة حتى يرجع الى أهله فقال: يطاف عنه «1» 3- صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصّفا و المروة؟ قال: يطاف عنه «2» ينبغي هنا التنبيه على أمور:

الأول- ان مقتضى الجمع بين حسن معاوية بن عمار الدّال على لزوم الرجوع لمن نسي السعي و بين خبر الشّحام و صحيح محمد بن مسلم الدال على انه يطاف عنه بعد تقييد إطلاق كل واحد منهما بالاخر هو التفصيل بين تمكنه من الرجوع من غير مشقة.

فيتعين عليه ذلك و لا يجزيه الاستنابة و بين عدم تمكنه منه بدونها كما إذا رجع الى اهله و بلده فيجوز له الاستنابة حينئذ و يجزيه.

الثاني- انه قد ظهر مما ذكرناه ان عدم بطلان حجه بنسيانه السعي انما يكون من جهة النّصوص المتقدمة و لا يكون ذلك لحديث الرفع فإنه رافع للتكليف عن المنسي لا مثبت فلا يصحح الباقي.

و لا لقاعدة نفي العسر و الحرج فإنها أيضا كذلك الثالث- ان مقتضى إطلاق صحيح معاوية بن عمار صحة إعادة السعي و لو مضى الوقت و هو ذي الحجة أو أيام التشريق خصوصا على

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب السعي الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 8 من أبواب السعي الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 35

..........

ما في بعض النسخ: (فاته ذلك حتى خرج) لعدم صدق الفوت مع بقاء الوقت.

الرابع- الظاهر ان من أخل

بالسعي لا يحل له مما يتوقف عليه من المحرمات كالنساء حتى يأتي به بنفسه أو بنائبه بل الظاهر لزوم الكفارة لو واقع زوجته بعد ذكره.

الخامس- قال في الجواهر: (و في إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسي وجهان أحوطهما ان لم يكن أقواهما الأول، كما اختاره في المسالك و غيرها خصوصا مع ملاحظة إطلاق الأصحاب العامد الشامل للجاهل و العالم مضافا الى الأصل الذي لم يثبت انقطاعه بثبوت قاعدة معذورية الجاهل في الحج و ان تضمنها بعض النصوص المعتبرة الا انّ ظاهر الأصحاب الإعراض عنها) يمكن ان يقال ببطلان حجه فيما إذا ترك السعي جهلا، لإطلاق الأخبار الدالة على بطلان الحج بترك السعى عمدا، لشموله للجاهل.

الا ان يناقش فيه: بأنه و ان كان عنوان الاختيار صادقا عليه و لكن لا يصدق عليه عنوان العمد لانه يعتبر في صدق عنوانه مضافا الى كونه إراديا: القصد، فمن قتل شخصا بخيال انه كافر حربي، فظهر كونه رجلا مؤمنا هذا القتل و ان كان فعلا اختياريا له، لكنه لا ينطبق عليه عنوان العمد، لعدم كونه قاصدا للعنوان من جهة جهله، و مفروض المقام يكون من هذا القبيل السادس- قد يقال: انه لا نحتاج في الحكم ببطلان حجه بالأخبار التي دلت على بطلان الحجّ بترك السعي عمدا لان الحكم بذلك انما يكون على وفق القاعدة، لأنه ليس معنى البطلان بناء عليها الا عدم انطباق المأتي به

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 36

[الثانية: لا يجوز الزيادة على سبع]

الثانية: لا يجوز الزيادة على سبع و لو زاد عمدا بطل (1)

على المأمور به و مفروض المقام كذلك لكون المأمور به هو الحج مع السعي لا بدونه فلا ينطبق ما أتى به على ما أمر به، لعدم إتيانه به

جهلا كما هو المفروض و لا يقصد من البطلان بناء عليها الا ذلك.

السابع- انه قد حقق في محله اختصاص من الكفارات بصورة العمد فلا تثبت في صورة الجهل الا ان يقوم دليل تعبدي على ثبوتها في صورة الجهل ايضا كما قام ذلك في الصيد و غيره.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم و قد نفى عنه الخلاف و يدل عليه جملة من النصوص المروية عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- خبر عبد اللّه بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام قال: الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة فإذا زدت عليها فعليك الإعادة و كذلك السعي «1» 2- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:

ان طاف الرجل بين الصفا و المروة تسعة أشواط فليسع على واحد و ليطرح ثمانية و ان طاف بين الصفا و المروة ثمانية أشواط فليطرحها و ليستأنف السعي «2» قال في الجواهر: (بناء على ما قيل من كونه في العمد و ان البناء على الواحد في الأول باعتبار البطلان بالثمانية فيبقى الواحد ابتداء سعي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب السعي الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب السعي الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 37

و لا يبطل بالزيادة سهوا (1)

اما إذا كان ثمانية فليس الا البطلان باعتبار كون الثامن ابتداءه عن المروة فلا يصلح البناء عليه و ان كان هو لا يخلو عن إشكال أو منع كما ستعرف) و سيظهر لك تحقيق ذلك في الفرع الآتي.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في بطلان السعي بتعمد الزيادة سواء قلنا باختصاص خبر عبد اللّه بن محمد الدال على بطلان السعي بالزيادة بصورة

العمد أو لم نقل ذلك لدخول مفروض المسألة فيه فيحكم ببطلانه بها مطلقا.

و لكن مقتضى الجمع بينه و بين الاخبار الآتية هو القول باختصاصه.

بصورة العمد على ما سيظهر لك ذلك (ان شاء اللّه تعالى)

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل قد نفى عنه الخلاف و ادعى الإجماع بقسميه عليه.

تفصيل الكلام فيه هو ان من زاد في سعيه شوطا واحدا أو أكثر (فتارة) يكون عن عمد و (اخرى) عن سهو و (ثالثة) عن جهل فيقع الكلام هنا في مقامات ثلاث.

اما الكلام في المقام الأول فقد تقدم انه يوجب البطلان للأخبار المتقدمة بما تقدم ذكره.

و أما الكلام في المقام الثاني فنقول انه قد وقع الخلاف بين الاخبار الواردة فيه في انه هل يتعين عليه طرح الشوط الزائد أو يتعين عليه تتميمه بسبعة أخرى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 38

..........

يمكن الاستدلال على الثاني بما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما (في حديث الطواف) قال: إذا استيقن انه سعى ثمانية أضاف إليها ستا «1» و اما الإشكال على التتميم بهذا النحو بلزوم ابتداء كون السعي الثاني من المروة مع لزوم كون ابتدائه من الصفا في غير محله كيف و هو اجتهاد في مقابل النص و لا مانع من تخصيص ما دل على لزوم البدأة بالصفا به.

و كذلك لا مجال للإشكال عليه بعدم كونه حين شروعه في السعي الثاني ناويا له و ذلك لعدم اعتبار نية عنوانه بل يكفي كونه ناويا للسعي و المفروض انه يكون ناويا كذلك.

كما انه لا مجال للإيراد عليه بعدم كون السعي كالطواف حتى يقع مستحبا نفسيا و ذلك لإمكان ثبوت ذلك في خصوص مفروض المقام بدليل التعبد.

فقد ظهر مما ذكرنا هو

لزوم التتميم الشوط الزائد لا إهداره في خصوص زيادة الشوط الواحد سهوا.

و لكن يعارض رواية محمد بن مسلم ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في رجل سعي بين الصفا و المروة ثمانية أشواط ما عليه؟ فقال: ان كان خطأ أطرح واحدا و اعتد بسبعة «2» و ما رواه معاوية قال من طاف بين الصفا و المروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية و اعتد بسبعة «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب السعي الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب السعي الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب السعي الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 39

..........

و لكن قد يقال أن هذا وارد في مورد خاص و هو صورة زيادة ثمانية أشواط فلا مورد للتتميم.

و كيف كان فيقع المعارضة بين رواية محمد بن مسلم الدّال على وجوب تتميم الشّوط الزائد و بين رواية عبد الرّحمن بن الحجّاج الدّال على لزوم طرح الشوط الزائد.

و لكن قد ذكرنا غير مرّة ان المعارضة انما تتحقق إذا لم يمكن الجمع العرفي بين الاخبار المتعارضة فعليه في مفروض المقام لا معارضة بينهما لا مكان الجمع العرفي بينهما و هو ان مقتضى قوله (عليه السلام) في رواية معاوية بن عمار: (إذا استيقن انه سعى ثمانية أضاف إليها ستّا) هو وجوب تتميم الشوط الزّائد عليه ظاهرا و هذا بخلاف قوله (عليه السلام) في رواية عبد الرّحمن بن الحجّاج: (ان كان خطأ اطرح واحدا و اعتد بسبعة) لكونه صريحا في عدم وجوب التتميم فترفع اليد عن ظاهر رواية معاوية بن عمار بنص الآخر و قد تقدم منا مرارا: أن حكومة النصّ على الظّاهر من

أجلى الحكومات فعليه يحمل الأمر بالتتميم في رواية محمد بن مسلم على الاستحباب فتدبر.

و يمكن الجمع بينهما بتقريب آخر و يعبر عنه بالتّخيير في المسألة الفقهية و هو ان إطلاق الأوى في كل واحد منهما يقتضي التعيينية فيقيد إطلاق كل واحد منهما بنصّ الآخر، و كيف كان فلا تصل النوبة إلى الجمع بينهما بالتخيير في المسألة الأصولية و هو الأخذ بأحد الحجّتين بعد تعارضهما فيكون الحكم معيّنا.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 40

..........

ثم ان تحقيق الكلام يتوقف على ذكر أمرين:

الأول- انه لو أتم الشّوط الزائد بمقتضى الأمر الوجوبي أو الندبي فيقع الكلام في ان سعيه للحج هل يكون هو الأول أو الثّاني أو هو مخير بين ان يجعل سعيه الأول جزء للحج أو سعيه الثاني.

يمكن ان يقال ان المتعين هو جعل السعي الأول جزء للحج، لحصول امتثال المأمور به بوجود الطبيعة في ضمن الفرد الأول فانطباق المأتي به على المأمور به قهري و الاجزاء عقلي.

و لكن التحقيق انه ان قلنا بأن الثاني مستحب فالواجب هو الأول من دون ريب و ان قلنا بان كلا السعيين واجب فيمكن ان يقال: بأن حجه في هذه الصورة ذو سعيين لوجوب كليهما في خصوص هذا المورد.

و يحتمل أن يكون الواجب هو الأول و يكون وجوب الثاني لتتميم النقص الحاصل من الزيادة فتأمل.

الثاني- انه يعارض ما تقدم من الاخبار ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: ان طاف الرجل بين الصفا و المروة تسعة أشواط فليسع على واحد و ليطرح ثمانية و ان طاف بين الصفا و المروة ثمانية أشواط فليطرحها و ليستأنف السعي «1» تقريب المعارضة: هو انه لو حمل على صورة النسيان كان

ذيله معارضا لصحيح محمد بن مسلم المتقدم الدال على لزوم تتميم الشّوط الزّائد لا طرحه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب السعي الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 41

..........

و صحيح عبد الرحمن المتقدم الدال على لزوم طرح الشوط الزائد و الاعتداد بسبعة و ذلك لدلالة ذيل هذا الحديث على لزوم طرح ثمانية أشواط و استئناف السعي من رأس.

و لو حمل على صورة العمد لا يستقيم أيضا لأن الزيادة العمدية موجبة للبطلان و صدره يدل على الخلاف و ذلك لحكمه فيه بصحة شوط واحد فيعارض مع ما تقدم من حديث عبد اللّه بن محمد بناء على كونه واردا في العمد و يمكن حمل ذيله على صوره العمد فعليه يتم الحكم ببطلان سعيه للزيادة العمدية و أما صدره مخيل على صورة النسيان.

و لكن هذا مضافا الى انه مناف لوحدة السياق مخالف للاخبار السابقة لدلالة بعضها على تتميم الزائد و دلالة بعضها على طرح الزائد و لم يكن فيها ما يدل على طرح الثمانية.

ثم انه يمكن حمله صدرا و ذيلا على صورة العمد فعليه لا ينافي الاخبار و أما الحكم في صدره بصحة سعيه التاسع بعد بطلان سعيه السابع بإتيانه بالثامن انما يكون لأجل أنه سعيه الأول بحسب هو التاسع فينطبق على الاخبار الدالة على لزوم البدأة من الصفاء.

و لكن مع ذلك كله فالذي يسهل الخطب ان الحديث معرض عنه فلا اعتبار به لخروجه بإعراضهم عنه عن حيز دليل الاعتبار فتدبر.

و أما الكلام في المقام الثالث فنقول ان مقتضى إطلاق رواية معاوية ابن عمار (قال: من طاف بين الصفا و المروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية و اعتد بسبعة) الدال على عدم بطلان السعي بالزيادة

و لزوم طرح

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 42

و من تيقن عدد الأشواط و شك فيما به بدأ فإن كان في المزدوج على الصفا فقد صح سعيه لانه بدء به و ان كان على المروة أعاد و ينعكس الحكم مع الغطاس الغرض (1)

الشوط الزائد شموله لصورة العمد و الجهل و النسيان.

و لكن قد خرج عن تحت إطلاقه صورة العمد لما مضى من رواية عبد اللّه بن محمد الدالة على بطلان السعي بالزيادة بناء على كونها في العمد لما ذكر.

و خرج عن تحت إطلاقه ايضا صورة النسيان، لما تقدم من رواية عبد الرحمن بن الحجاج الدال على لزوم طرح الشوط الزائد عليه بل ذكر انه يستحب له التتميم بحكم الجمع الذي نقدم ذكره فبقي تحت إطلاقه صورة الجهل فقط.

ثم انه قد ورد في خصوص صورة الجهل ما رواه جميل بن دراج قال حججنا و نحن صرورة فسعينا بين الصفا و المروة أربعة عشر شوطا فسألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن ذلك؟ فقال: لا بأس سبعة لك و سبعة تطرح «1» و هذا كما ترى يدل.

(1) تفصيل الكلام في هذه المسألة هو انه (تارة) يحصل للطائف بين الصفا و المروة الشك في عدد الأشواط و يقع الكلام في انه هل يكون شكه موجبا للإعادة أولا و (اخرى): يحصل له ذلك في مبدأ سعيه مع علمه بعدد الأشواط.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب السعي الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 43

[الثالثة من لم يحصل عدد سعيه أعاده]

الثالثة من لم يحصل عدد سعيه أعاده (1)

أما الصورة الأولى فيأتي حكمها في الفرع الآتي و أما الصورة الثانية و هي ما إذا علم بعد الأشواط و لكن شك في انه هل

بدأ بالسعي من الصفا أو المروة فعليه النظر في انه هل هو على الصفا أو المروة أو في الأثناء. فإن كان على الصفا و كان ما بيده زوجا كشف عن انه بدأ بالصفا و يحكم بصحة سعيه، و ان كان فردا كشف عن انه بدأ من المرة و يحكم ببطلان سعيه.

و ان كان على المروة انعكس الأمر فإن كان ما بيده زوجا كشف عن انه بدأ من المروة و يحكم ببطلان سعيه و ان كان ما بيده فردا كشف عن انه بدأ من الصفا و يحكم بصحة سعيه و ان كان في الأثناء فأيضا يمكن استعلام حاله بأنه يرى انه هل هو متوجه الى الصفا أو الى المروة.

هذا كله إذا رفع شكه به و اما إذا بقي على شكه فعليه الإعادة لرجوع الشك فيه الى الشك في تحقق المأمور به فتدبر.

(1) ما افاده المصنف من وجوب إعادة السعي لو شك في عدد سعيه مما لا ينبغي الإشكال فيه و عليه الأصحاب كما في النافع و القواعد و حكى الاقتصار و الوسيلة و الجامع و المهذب و غيرها على ما في الجواهر و لكن لا مطلقا بل فيما إذا شك فيه و هو في أثناء السعي و أما إذا شك فيه بعد الفراغ فلا عبرة به و يحكم بصحة السعي لما سنشير إليه في ذيل المبحث.

و كيف كان تفصيل الكلام فيه هو انه (تارة): يتكلم فيه بحسب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 44

..........

ما تقتضيه القاعدة و (اخرى): بحسب ما يقتضيه الاخبار.

أما الكلام فيه بناء على الأول فيمكن ان يقال ان مقتضى القاعدة هو لزوم الإعادة- كما ذهب اليه المشهور- و ذلك لتردده بين محذورى الزيادة

و النقيصة لأنه لو أخذ بالأقل و أنى بشوط آخر احتمل الزيادة و لو أخذ بالأكثر احتمل النقيصة و كلاهما موجب للبطلان.

و أما أصالة عدم الزيادة فيمكن ان يقال بعدم جريانها فيه لانه تعويل على الأصل المثبت الذي لا نقول به و حينئذ فيتعين عليه الإعادة تحصيلا للفراغ اليقيني.

ثم انه انه قد يقع الإشكال في إعادة السعي في المحل المفروض لانه لو أعاد السعي صار لا محالة ما يأتي به من الأشواط بعنوان الإعادة منضما الى ما أتي به أولا من الأشواط فيحكم ببطلانه لحصول الزيادة.

و ذلك لعدم بطلان ما أتي به من السعي أولا، لعدم اعتبار الموالاة فيه حتى يحكم ببطلان ما أتى به من الأشواط لحصول الفصل بين ما أتى أولا من الأشواط و بين ما أتى به ثانيا منها.

و أما الإعراض فلم يثبت لكونه مبطلا و لكن يمكنه بطلانه بالزيادة العمدية.

ثم لا يخفى انه يمكنه من انمام سعيه في مفروض المقام بدون لزوم محذور الزيادة أو النقيصة و ذلك كما لو فرضنا مثلا انه شك بين ست أشواط و سبع فيأتي بشوط آخر بعنوان الرجاء فعليه ان كان ما أتى به في الواقع ستا فما يأتي به بعنوان الرجاء يكون مكملا له و ان كان في الواقع سبعا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 45

..........

فما أتى به لا يوجب البطلان لعدم إتيانه به بعنوان الجزئية بل بعنوان الرجاء هذا كله بحسب ما تقتضيه القاعدة و لكنه لا يخلو من تأمل.

و أما بناء على الثاني و هو ما تقتضيه الاخبار فنقول: ان مقتضى الاخبار هو بطلان السعي في مفروض المقام و هو ما لو شك في عدد أشواط السعي.

و يدل عليه صحيح سعيد

بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) الرجل متمتع سعي بين الصفا و المروة ستة أشواط ثم رجع الى منزله و هو يرى انه قد فرغ منه و قلم أظافيره و أحل ثم ذكر انه سعى ستة أشواط؟

فقال لي: يحفظ انه قد سعى ستة أشواط، فإن كان يحفظ انه قد سعى ستة أشواط فليعد و ليتم شوطا و ليرق دما، فقلت: دم ما ذا؟ قال:

بقرة، قال: و ان لم يكن حفظ انه قد سعى ستة فليعد فليبتدء السعي حتى يكمل سبعة أشواط ثم ليرق دم بقرة «1» ثم انه ينبغي هنا الإشارة إلى أمرين:

الأول- انه لو شك في عدد الأشواط يجب عليه الإعادة لو شك قبل حصول عنوان الفراغ و أما إذا شك فيه بعد الأشواط فيتجرى قاعدة الفراغ و يحكم بعدم لزوم إعادته لان من القواعد المسلمة عدم العبرة بالعبرة بالشك بعد الفراغ للاخبار «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14- من أبواب السعي الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الوضوء و الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 1 و 3 و الباب 27 من هذه الأبواب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 46

و من تيقن النقيصة اتى بها (1)

و أما ذيل صحيح سعيد بن يسار فليس مفروضه احتمال الإتيان بالسبعة حتى يكون شكا بعد الفراغ بل مفروضه القطع بعدم الإتيان السبعة و الشك في الإتيان بالستة.

الثاني- انه لو شك في عدد الأشواط بعد الفراغ فلا يلتفت اليه سواء كان بعد انصرافه عن المسعى أولا الثالث- انه يقع الإشكال في صحيح سعيد بن يسار و هو انه حكم الامام (عليه السلام) بإراقة دم بقرة لتقليم اظافيري مع ان

كفارة تقليم الأظفار حسب الأخبار هي دم شاة لا بقرة و لكن لا يضر ذلك به لاحتمال خصوصية فيه فبه يخصص ما دل مطلقا على ان كفارة تقليم الأظافير هي دم شاة لا دم بقر.

2- ان هذا الحديث وارد في خصوص العمرة لا في الحج لانه لو قلنا بوروده فيه لا يمكننا القول بحرمة تقليم الأظفار عليه، لصيرورته محلا بإتيانه باعمال منى.

(1) قال في الجواهر: (سواء كانت شوطا أو أقل أو أكثر، و سواء ذكرها قبل فوات الموالاة أو بعدها، لعدم وجوبها فيه إجماعا، كما عن التّذكرة، و لا نعرف فيه خلافا، كما عن المنتهى، بل مقتضى إطلاق المتن و القواعد و الشيخ في كتبه و بنى حمزة و إدريس و البرّاج و سعيد على ما حكى عن بعضهم عدم الفرق بين تجاوز النّصف و عدمه، و لعله للأصل و ما يأتي من القطع للصلاة بعد شوط و للحاجة بعد ثلاثة أشواط خلافا لما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 47

..........

عن المفيد و سلار و ابي الصلاح و ابن زهرة من اعتبار مجاوزة النصف في البناء نحو ما سمعته في الطواف بل عن الغنية الإجماع عليه. إلخ) و يمكن الاستدلال لما أفاده ابن زهرة من اعتبار مجاوزة النّصف في البناء بما رواه احمد بن عمر الحلال عن أبى الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلّت؟ قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطّواف بالبيت أو بالصفا و المروة و جاوزت النّصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النّصف فعليها أن تستأنف الطّواف من أوّل «1» و ما رواه أبا بصير عن أبي عبد اللّه

(عليه السلام) قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة فجاوزت النّصف فعلمت ذلك الموضع فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته، فإن هي قطعت طوافها في أقل من النّصف فعليها أن تستأنف الطّواف من اوّله «2» لكنهما ضعيفان سندا فلا يصلحان لمعارضة ما دل على جواز القطع قبل تجاوز النصف و بعده و لم يثبت انجبار ضعفهما يعمل الأصحاب بمضمونهما.

و أما الإجماع الذي ادعاه في الغنية على اعتبار مجاوزة النصف في البناء فلا عبرة به.

اما أولا- فلأنه موهون بالشهرة المتحققة على خلافه.

و اما ثانيا- فلما ذكرناه غير مرّة من ان الإجماع المعتبر هو التعبدي

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 3 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 48

و لو كان متمتعا بالعمرة و ظن أنه أتم فأحل و واقع النساء ثم ذكر ما نقص كان عليه دم بقرة على رواية و يتم النقصان (1) و كذا قيل (2) لو قلم أظفاره أو قص شعره (3)

منه دون المدركى، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه ما تقدم من الخبرين فلا عبرة به و العبرة بالمدرك، و قد عرفت انه غير قابل للاعتماد عليه من جهة ضعفه سندا.

مراده قدّس سرّه من الرّواية رواية عبد اللّه مسكان قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل طاف بين الصفا و المروة ستة أشواط و هو يظن أنها سبعة فذكر بعد ما حل و واقع النساء أنه إنما طاف ستة أشواط؟

قال: عليه بقرة يذبحها و يطوف شوطا آخر «1» هذه الرواية ضعيفة سندا.

ان قلت: انها و

ان كانت ضعيفة من حيث السند الا انها منجبرة بعمل الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بمضمونها، قلت: انه لم يثبت عمل جميع الأصحاب بمضمونها، نعم حكى عن جماعة العمل بها.

(2) و القائل الشيخ و جماعة من الأصحاب على ما في المدارك.

(3) لصحيح ابن يسار السّابق الذي ليس فيه الا تقليم الأظفار، و لذا اقتصر عليه في محكي التذكرة، و قد تقدم ذكره عند ذكر المصنف (قده) حكم ما إذا شك في عدد الأشواط، و من أراد الاطلاع عليه فليراجعه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب السعي الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 49

[الرابعة لو دخل وقت فريضة و هو في السعي قطعه]

الرابعة لو دخل وقت فريضة و هو في السعي قطعه و صلى ثم أتمه (1) و كذا لو قطعه لحاجة له أو لغيره (2)

(1) هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) بل عن المنتهى و التذكرة انه لا يعرف في جواز القطع للصلاة خلافا و يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيدخل وقت الصلاة أ يخفف أو يقطع و يصلي ثم يعود أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ؟ قال: لإبل يصلى ثم يعود أو ليس عليهما مسجد «1» اي موضع صلاة.

2- ما رواه علي بن فضال قال: سأل محمد بن علي أبا الحسن (عليهما السلام) فقال له: سعيت شوطا واحدا ثم طلع الفجر؟ فقال: صل، ثم عد، فأتم سعيك «2» 3- ما رواه محمد بن فضيل انه سأل محمد بن علي الرضا (عليه السلام) فقال له: سعيت شوطا، ثم طلع الفجر قال: صلّ ثم

عد فأتم سعيك «3»

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب (قدس اللّه تعالى أسرارهم) و استدل بما رواه يحيى بن عبد الرحمن الأزرق قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام): عن الرجل يدخل في السّعي بين الصفا و المروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه الصّديق له فيدعوه إلى الحاجة أو الى الطّعام؟

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب السعي الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب السعي الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب السعي الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 50

[الخامسة لا يجوز تقديم السعي على الطواف]

الخامسة لا يجوز تقديم السعي على الطواف (1)

قال: ان أجابه فلا بأس «1» و رواه الصّدوق بإسناده عن علي بن النعمان و صفوان جميعا عن يحيى الأزرق نحوه و زاد: (و لكن يقضي حق اللّه عز و جل أحبّ الى من ان يقضي حق صاحبه).

و رواه الشيخ أيضا بإسناده عن صفوان عن يحيى الأزرق مثله مع الزّيادة.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (قدس اللّه تعالى أسرارهم) فلا يجوز تقديمه على الطواف لا في العمرة و لا في الحج و في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، بل الإجماع بقسميه عليه، بل يمكن دعوى القطع به بملاحظة النّصوص المشتملة على بيان الحجّ قولا و فعلا. إلخ) و استدل له- مضافا الى دعوى الاتفاق المذكور- بصحيح منصور ابن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل ان يطوف بالبيت؟ فقال: يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا و المروة فيطوف بينهما «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب السعي الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 63 من

أبواب الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 51

كما لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي (1) فإن قدمه طاف ثم أعاد السعي (2)

ينبغي هنا الإشارة الى الأمر و هو انه مقتضى إطلاق الصحيح انه لو خالف الترتيب يجب عليه اعادة سعيه سواء كان عن عمد أو جهل أو سهو و قد صرح بذلك الفاضل و الشهيد و غيرهما فإذا قام دليل على خلافه فيأخذ به و الا فلا

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب، بل قد نفى عنه الخلاف و استدل عليه- مضافا الى النّصوص المتضمنة للترتيب بينه و بين السّعي بما رواه احمد بن محمد عمن ذكره قال: قلت: لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك متمتّع زار البيت فطاف طواف الحج ثم طاف طواف النّساء ثم سعى؟ فقال: لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء فقلت: فعليه شي ء فقال: لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء «1» و نحو غير من الاخبار الذي تقدّم ذكره في آخر الجزء الرابع من هذا الكتاب في الصفحة 448

(2) حتى يكون آتيا بالمأمور به على وجهه هذا في صورة العمد و أما اجزائه لو كان سهوا فاستدل له ببعض الأخبار، و من أراد الاطلاع على هذا المبحث فليراجع الجزء المزبور من هذا الكتاب و كذا يجوز تقديمه عليه للضرورة و الخوف من الحيض و قد تقدم الكلام عن ذلك في محله

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 65 من أبواب الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 52

و لو ذكر في أثناء السعي نقصانا من طوافه قطع السعي و أتم الطواف ثم أتم السعي (1)

(1) لو ذكر في أثناء السعي بين الصفا و المروة نقصانا

من طوافه فان كان قد تجاوز النصف في الطواف بالبيت قطعه و أتم الطواف ثم أتم السعي من المكان الذي قطع سعيه مطلقا و الا فعليه استئناف الطواف من رأس ثم استئناف السعى و لعل إطلاق كلامه كما افاده صاحب الجواهر منزل على كلامه السابق قال في الجواهر: (و من هنا فسره به في المسالك على وجه يظهر منه المفروغية من ذلك و قد عرفت سابقا ما يشهد له فلا وجه لوسوسة بعض الناس فيه قائلا ان ظاهر النافع و الشرائع و التهذيب و النهاية و السرائر و التحرير و التذكرة البناء على الطواف بالبيت و ان لم يكن متجاوز النصف بل لعل التفصيل:

في الموثق السابق كالصريح فيه أيضا و لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا و هو التفصيل المزبور المنسوب الى المشهور، بل لعله كذلك بل يمكن دعوى عدم الخلاف المحقق لإمكان تنزيل الإطلاق في بعض العبارات على ما يفهم منهم في غير المقام من كون المدار على التفصيل) مراده من الموثق موثق إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا و المروة فبينما هو يطوف إذ ذكر انه قد ترك من طوافه بالبيت؟ قال يرجع الى البيت

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 53

[القول في أحكام المتعلقة بمنى بعد العود]
اشارة

(القول في أحكام المتعلقة بمنى بعد العود) إذا قضى الحاج مناسكه بمكة من طواف الزيارة و السعي و طواف النساء فالواجب العود إلى منى للمبيت بها فيجب عليه ان يبيت بها ليلتي الحادي عشر و الثاني عشر (1)

فيتم طوافه، ثم يرجع الى الصفا و المروة فيتم ما بقي قلت: فإنه بدأ بالصفا

و المروة قبل ان يبدأ بالبيت؟ فقال: يأتي بالبيت فيطوف به، ثم يستأنف طوافه بين الصفا و المروة. قلت: فما فرق بين هذين؟ قال: لان هذا قد دخل في شي ء من الطواف و هذا لم يدخل في شي ء منه «1».

(1) لا ينبغي الإشكال في وجوب المبيت عليه بمنى في الليلة الحادي عشر و الثاني عشر و اما الليلة الثالث عشر فسيأتي الكلام عنها عند تعرض المصنف قدس سره له (ان شاء اللّه تعالى).

إنما الكلام في انه هل يجب عليه المبيت بمنى في ليالي التشريق تمام الليل أو نصفه الأول، أو الأخير، أو هو مخير بينهما، أو يكفي المسمى؟

مقتضى إطلاق الأدلة الدال على وجوب المبيت بمنى في ليالي التشريق هو وجوبه فيها تمام الليل.، و لكن ترفع اليد عنه بالنسبة إلى النصف الأخير من الليل و يحكم بعدم وجوب المبيت فيه في لياليها، و ذلك لجملة من النصوص الواردة عنهم عليهم السلام- منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 54

..........

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا فرغت من طوافك للحج و طواف النساء فلا تبيت الا بمنى الا أن يكون شغلك في نسكك و ان خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك ان تبيت في غير منى «1» 2- ما رواه صفوان عن العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الزيارة من منى؟ قال: ان زار بالنّهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح الا و هو بمنى و ان زار بعد ان انتصف الليل أو السحر (و يسحر خ ل) فلا بأس عليه ان ينفجر الصبح و هو بمكة

«2» 3- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لا تبت ليالي (أيام خ ل) التشريق الا بمنى فان بتّ في غيرها فعليك دم فان خرجت أول الليل و لا ينتصف الليل الا و أنت في منى الا ان يكون شغلك نسكك أو خرجت من مكّة، و ان خرجت بعد نصف اللّيل فلا يضرك ان تصبح في غيرها «3» و روى بسند آخر عن معاوية بن عمار مثله و زاد: (و سألته عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه و دعائه و السّعي و الدّعاء حتى طلع الفجر؟

فقال: ليس عليه شي ء كان في طاعة اللّه عزّ و جلّ «4» 4- ما رواه نضر بن شعيب عن عبد الغفّار الجازي قال: سألت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 8

(4) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 55

..........

أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل خرج من منى يريد البيت قبل نصف الليل فأصبح بمكة؟ قال: لا يصلح له حتى يتصدق بها صدقة أو يهريق دما فان خرج من منى بعد نصف الليل لم يضره شي ء «1» و المستفاد من هذه الاخبار- كما ترى- هو ان المبيت الواجب بمنى هو في النصف الأول من الليل لا الأخير منه.

و أما خبر جعفر بن ناجية عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا خرج الرجل من منى أول الليل فلا ينتصف له الليل الا و

هو بمنى و إذا خرج بعد نصف الليل فلا بأس ان يصبح بغيرها «2» و نحوه و ان كان دالا ظاهرا على جواز الخروج من منى من أوّل اللّيل إذا كان يرجع إليها قبل النصف، فيستفاد منها الاجتزاء بأحد النصفين الأول أو الأخير، الا انه يمكن ان يقال بعدم دلالته على جواز الخروج منها قبل انتصاف اللّيل، بل انما يدل على حكم من خالف و خرج منها أوّل اللّيل.

مضافا الى أن أعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنه مانع عن البناء عليه.

فقد ظهر مما ذكرنا ان الخروج من منى في أول اللّيل حرام.

و أما الخروج منها نهارا فلا ينبغي الإشكال في عدم حرمته عليه، لعدم الدليل على وجوب بقائه فيها و لكن يجب عليه أن يصبح و هو بمنى فقط و كذلك من خرج منها في أول اللّيل، لان خروجه منها و ان كان حراما

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى من الحديث 14

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى من الحديث 20

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 56

..........

عليه إلا انه لا يجب عليه بعد خروجه منها العود فورا و إنما يجب عليه أيضا أن يصبح و هو بمنى.

و استدل للأول بما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه انه قال إذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح الا بها «1» و استدل للثاني بما رواه صفوان عن العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الزّيارة من منى؟ قال: ان زار بالنّهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح الا و هو بمنى و ان زار بعد ان انتصف الليل أو

السحر (و يسحر خ ل) فلا بأس عليه ان ينفجر الصبح و هو بمكة «2» و لا ينافيه قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (فان خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل الا و أنت في منى) الدال على وجوب الرجوع إليها قبل ان ينتصف الليل، و ذلك لان المستفاد من الاستثناء فيه ان خروجه لم يكن لأجل النسك، و لذا استثنى منه فيه، و هذا بخلاف صحيح العيص، لكونه دالا على ان الخروج كان لأجل الزّيارة و النسك، و لا أقل من كونه مقتضى الجمع بينه و بين ما تقدم فتأمل.

ثم انه قد استدل على وجوب المبيت بمنى في ليالي التشريق بما روى من طرق العاّمة عن ابن عباس: (انه لم يرخص النّبي (صلّى اللّه عليه و آله) لأحد ان يبيت بمكة إلا للعباس من أجل سقايته «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 19

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 4

(3) سنن البيهقي ج 5 ص 153.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 57

فلو بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة شاة (1)

و نحوه المروي عن العلل بسنده عن مالك بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) ان العباس استأذن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) ان يبيت بمكة ليالي منى فأذن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أجل سقاية الحاج «1» و مما ذكرنا ظهر ضعف ما حكى عن تبيان الشيخ من القول باستحباب المبيت في منى و ما حكى عن الطبرسي من القول باستحباب جميع مناسك منى السابقة و اللاحقة.

اللّهم الا يقال بما في الجواهر و

هو (انه يمكن ان يكون نحو المحكي عن بعض الكتب من جعله المبيت من السّنة، أو حصر واجبات الحج في غيره، أو الحكم بأنه إذا طاف للنساء تمت مناسكه، أو حجه، أو نحو ذلك مما لا ينافي الوجوب و لو من جهة السنة و كونه خارجا عن الحج، و ان حكى عن الحلبي التصريح بكونه من مناسكه قيل: و لذا اتفقوا على وجوب الفداء لو أخل به و ان كان فيه ان ذلك لا ينافي خروجه عن الحج.)

(1) ما أفاده المصنّف (قدّس سرّه) من وجوب الشاة عن كل ليلة لمن بات بغير منى في ليالي التشريق مما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل ظاهر المنتهى و غيره: الإجماع عليه.

تفصيل الكلام في هذه المسألة هو انه (تارة): يتكلم فيها في جنس الكفّارة و (اخرى): في تعدّدها بتعدّد الليالي و عدمه، أو عدم الكفارة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 21

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 58

..........

الا بترك الجميع.

و (ثالثة): في ثبوت الكفارة مطلقا حتى في صورة العذر و عدمه فهنا مقامات ثلاث.

(المقام الأول) أما الكلام في المقام الأول فنقول: ان مقتضى صحيح صفوان هو الشاة قال: قال أبو الحسن عليه السلام: سألني بعضهم عن رجل بات ليالي منى بمكة؟ فقلت: لا أدرى، فقلت له: جعلت فداك ما تقول فيها؟ فقال (عليه السلام): عليه دم شاة إذا بات، فقلت: ان كان انما حبسه شأنه الذي كان فيه من طوافه و سعيه لم يكن لنوم و لا لذّة أ عليه مثل ما على هذا؟ قال: ما هذا بمنزلة هذا و ما أحبّ ان ينشقّ له الفجر الا و هو

بمنى «1» و عليه يحمل الأخبار المتقدمة الدّالة على ثبوت مطلق الدم عليه بدون تعيين جنسه.

و لكن يمكن ان يقال بمعارضة ما رواه عبد الغفار الجازي لما دل على ثبوت دم شاة على من ترك المبيت بمنى و هو قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل خرج من منى يريد البيت قبل نصف الليل فأصبح بمكة؟ قال:

لا يصلح له حتى يتصدق بها صدقة أو يهريق دما. إلخ «2» وجه المعارضة انه كما ترى يدل على التخيير لمن خرج من منى قبل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 59

..........

نصف الليل و ترك المبيت فيها و أصبح و هو بمكة بين اهراق الدم أو التصدق بصدقة، و هذا بخلاف صحيح صفوان لدلالته على وجوب دم الشاة عليه معينا.

يمكن الجمع بينهما برفع اليد عن الإطلاق الأوى الثابت لصحيح صفوان برواية عبد الغفاري الجازي الدال على التخيير بين الدم و التصدق بصدقة.

و لكن و الذي يسهّل الخطب ان هذا الحديث ضعيف سندا و لم ينجبر ضعفه بعمل الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) الموجب لخروجه عن حيّز دليل الحجّية و الاعتبار فظهر انه لو ترك المبيت بمنى فعليه دم شاة.

(المقام الثاني) و أما الكلام في المقام الثاني فنقول انه قد يقال بأن الكفارة تتعدد بتعدد الليالي لما رواه جعفر بن ناجية قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عمّن بات ليالي منى بمكة؟ فقال. عليه ثلاثة من الغنم يذبحهن «1» و أما ضعف سنده فمنجبر بعمل الأصحاب بمضمونه الموجب للوثوق بصدوره عن المعصوم (عليه

السلام) الذي هو مناط اندراج الخبر تحت دليل الاعتبار فلا يصغى الى المناقشة فيه من ناحية السّند فتأمل.

و لكن يمكن ان يقال بمعارضته الأخبار الكثيرة الدالة على اراقة دم على من ترك المبيت في ليالي منى- منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 60

..........

1- ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن رجل بات بمكة في ليالي منى حتى أصبح؟ قال: ان كان أتاها نهارا فبات فيها حتى أصبح فعليه دم يهريقه «1» و لكن قد يقال بعدم ظهوره في ترك البيتوتة في جميع اللّيالي الثّلاث بمنى لمكان كلمة (في) فيه.

2- ما في صحيح معاوية بن عمار قال: (عليه السلام) لا تبت ليالي التشريق الا بمنى فان بت في غيرها فعليك دم. «2»

3- ما رواه عبد اللّه بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل بات بمكة حتى أصبح في ليالي منى؟ فقال: ان كان أتاها نهارا فبات حتى أصبح فعليه دم شاة يهريقه، و إن كان قد خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس عليه شي ء «3» و كيف كان فالتحقيق عدم صلاحيّة هذه الأخبار لمعارضة ما دل على لزوم الدّم لكل ليلة من ليالي منى إذا ترك الميت فيها لإعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنها الموجب لخروجها عن حيّز دليل الاعتبار فلا مجال للعمل بها فيمكن الجمع بينها و بين ما تقدم من الاخبار بالحمل على ارادة الجنس حذرا من الطرح.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 2.

(2) الوسائل ج 2

الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 8.

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 23.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 61

..........

ينبغي هنا الإشارة الى ما يلي 1- انه لا يعارض ما دل على لزوم دم شاة لكل ليلة ما رواه العيص ابن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى؟ قال: ليس عليه شي ء و قد أساء «1» و ذلك فلان هذا الحديث ضعيف سندا و لم يثبت جبر ضعف سنده بعمل الأصحاب، بل ثبت خلافه، لكونه معرض عنه عندهم الموجب ذلك لخروجه عن حيز دليل الاعتبار فلا مجال للبناء عليه و لذا حمله الشيخ (قدس سره) على من بات بمكة مشتغلا بالعبادة و جوّز حمله على من خرج من منى بعد نصف الليل الذي لا كفارة فيه.

ثم انه يحتمل أن يكون تركه المبيت في ليلة من ليالي منى من جهة العذر.

بل قد يدعى ظهوره فيه بقرينة قوله: (فاتته ليلة).

و أما قوله (عليه السلام): (أساء) فلصدقه فيما لو كان مقصرا في جهة العذر.

و أما قوله (عليه السلام): (أساء) فلصدقه فيما لو كان مقصرا في منشأ الفوت فتأمل.

2- انه لا يعارض ما دل على لزوم دم شاة في كل ليلة من ليالي منى إذا تركها ما رواه سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) فاتتني ليلة المبيت بمنى من شغل؟ فقال: لا بأس «2» و ذلك لان المراد من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 12

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 62

..........

قوله

(من شغل) هو شغل العبادة بقرينة الأخبار الآتية:

3- ان مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام): (عليه ثلاثة من الغنم يذبحهن) في رواية جعفر بن ناجية المتقدمة في جواب السائل عمن ترك المبيت في ليالي منى بان أصبح في مكة: هو لزوم ذلك على من ترك المبيت فيها في جميع ليالي التشريق الثلاث و لكنه يقيد بما سيجي ء مما دل على عدم لزوم المبيت فيها في الليلة الثالثة على الجميع بل على بعض الأشخاص فبعد تقييد إطلاقه به يقال بلزوم ثلاثة غنم على من ترك المبيت فيها الليلتين و هما الليلة الحادي عشر و الثاني عشر فتأمل.

المقام الثالث و أما الكلام في المقام الثالث فنقول ان تركه المبيت في منى (تارة) يكون عمدا و بلا عذر سواء كان عالما أو جاهلا مقصرا و (اخرى): عن عذر كالنسيان أو الاضطرار أو الحرج أو المزاحمة بما هو أهم- كالعرض أو تلف المال الكثير- أو الجهل القصورى بالحكم بناء على إمكان تحققه في هذا الزمان أو بالموضوعي كمن بات بعيدا عن الناس بخيال ان ذلك المكان ايضا من منى بناء على إمكان تصوره و وقوعه في زماننا.

اما من ترك المبيت فيها عمدا و بلا عذر فلا ينبغي الإشكال في ثبوت الكفارة عليه.

و أما من تركه لعذر فيمكن ان يقال بسقوط الكفّارة عنه، لأنها فرع العصيان المفقود هنا.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 63

..........

اللهم الا ان يقال انه كما يحتمل ان تكون الكفارة جزاء للعصيان كذلك يحتمل أن تكون جابرة للنقصان الوارد في الواجب و من المعلوم ان احتمال الثاني غير متفرع على العصيان.

ان قلت: انه يمكن ان يقال بسقوط الكفارة عنه بدليل حديث الرفع.

قلت: ان دليل الرفع انما دل على

ارتفاع الحكم التكليفي دونها فهي ثابتة في ذمته نظير من ارتكب بعض محرمات الإحرام اضطرارا فكما يقال بثبوت الكفارة فيه فكذلك في المقام.

فتحصل مما ذكرنا ثبوت الكفارة على من ترك المبيت بمنى. سواء كان ذلك بلا عذر أو معه، بل لولا الدليل على نفي الكفارة لمن خرج من منى بعد نصف الليل لقلنا بثبوت الكفارة عليه، لدعوى ان مقتضى إطلاق الأدلة الدال على وجوب المبيت هو وجوبه في تمام الليل و مقتضى دليلها هو ثبوتها على تارك المبيت مطلقا و بما انه قام الدليل على جواز ترك المبيت بعد نصف الليل فترفع اليد عن الحكم التكليفي اما الكفارة فلا.

و قد عرفت ان الكفارة كما يحتمل ان تكون جزاء للعصيان كذلك يحتمل ان يكون جابرة للنقصان و كذلك لو لا الدليل على نفي الكفارة لمن ترك المبيت بمنى لاشتغاله بالعبادة في مكة، لقلنا بثبوتها عليه، (لما ذكر و هو ان الساقط منه هو الحكم التكليفي دون الكفارة.

الا ان يقال: انه و ان ترك المبيت بها و لكنه اتى ببدله و هو العبادة في مكة فتأمل.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 64

..........

ينبغي هنا ذكر أمور الأول- انه قد يقال إذا ترك المبيت في منى في أول الليل و لكن اتى بها قبل الصباح كان عليه الكفارة لكونه تاركا للمبيت الواجب و أما كونه في منى قبل الصباح فهو واجب على حدة ثبت بالدليل و ليس رافعا للكفارة و لكن قد يقوى في النظر عدم وجوبها الا بالمبيت في تمام الليل في غير منى لدعوى ظهور اخبار وجوب الكفارة بصورة المبيت في تمام الليل بغيرها و يومي اليه صحيح ابن مسلم و جميل «1» و نحوهما فتدبر.

الثاني- الظاهر

عدم ثبوت الكفارة لمن خرج من منى بعد منتصف الليل و لو دخل مكة قبل الصباح حتى على القول بحرمة دخوله فيها قبله و ذلك لعدم قيام دليل تعبدي على ذلك و أما المبيت الواجب فقد تحقق منه الثالث- انه قد يفصل فيما إذا ترك المبيت بمنى بغير عمد بين ان يبيت في مكة أو يبيت في غيرها في الحكم بثبوت الكفارة في الأول دون الثاني خلافا لمقتضى القاعدة، لأن مقتضاها ثبوتها عليهما، و ذلك لما رواه جميل ابن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من زار فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم، و ان كان قد خرج منها فليس عليه شي ء و ان أصبح دون منى «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 3 و 19

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 16

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 65

..........

و مما يمكن الاستدلال به على التفصيل المذكور صحيح هشام بن الحكم عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل ان يأتي منى فلا شي ء عليه «1» فيقيد بحديث جميل ما دل على ثبوت الكفارة لمن ترك المبيت بمنى مطلقا كقوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار: (فان بت في غيرها فعليك دم) «2» كما انه يقيد به أيضا إطلاق قوله (عليه السلام): (لا بأس) «3» في حديث سعيد بن يسار الدال على عدم ثبوت الكفارة مطلقا بعد الغض عما فيه كما انه يقيد به أيضا إطلاق رواية العيص بن القاسم (عن رجل فاتته ليلة من ليالي

منى قال ليس عليه شي ء) «4» و لكن قد أشرنا سابقا الى كونه ظاهرا في غير العمد لقوله: (فاتته) و لا ينافيه قوله: (و قد أسائه) لصدق ذلك فيما لو كان مقصّرا في منشأ الفوت هذا بناء على عدم ثبوتها في غير العمد.

(ينبغي هنا الإشارة إلى ما يلي) 1- انه لا يعارضه اى حديثه جميل الدال على التفصيل بين ما إذا بات في مكة أو في غيرها في الحكم بثبوت الكفارة في الأول دون الثاني ما رواه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 17

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 8

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 12

(4) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 66

الا ان يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة (1)

علي عن أبي إبراهيم قال: سألته عن رجل زار البيت فطاف بالبيت و بالصفا و المروة ثم رجع فغلبته عينه في الطريق فنام حتى أصبح؟ قال:

عليه دم شاة «1» لتقييده بحديث جميل الدّال على عدم ثبوت الكفارة إذا نام في غير طريق مكة.

2- انه لا يعارضه ايضا ما رواه محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن (عليه السلام) في الرجل يزور فينام دون منى؟ فقال. إذا جاوز عقبة المدنيين فلا بأس ان ينام «2» لدلالته على عدم جواز نومه عمدا قبل جوازه عن عقبة المدنيين لا انه إذا نام قبل ذلك كان عليه الكفارة

(1) ما افاده المصنف (قدّس سرّه) من عدم ثبوت الكفارة فيما إذا ترك المبيت بمنى و لكن بات في مكة مشتغلا بالعبادة مما هو المعروف

بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و استدل له بجملة من النصوص- منها.

1- قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار: (إذا فرغت من طوافك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 10

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 15

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 67

..........

للحج و طواف النساء فلا تبيت الا بمنى الا أن يكون شغلك في نسكك.

إلخ «1» 2- قوله (عليه السلام) في حديثه الآخر فان خرجت أوّل اللّيل فلا ينتصف الليل الا و أنت في منى الا ان يكون شغلك لنسكك. «2»

3- ما في حديث معاوية و سألته عن الرجل زار فلم يزل في طوافه و دعائه و في السعي بين الصفا و المروة حتى يطلع الفجر؟ قال: ليس عليه شي ء كان في طاعة اللّه «3» (ينبغي هنا الإشارة إلى أمور) الأول- ان الأفضل لمن بات في مكة لأجل العبادة و النسك ان لا ينشق له الفجر الا و هو بمنى فيقدم ذلك على المقدار من العبادة المزاحم لذلك، لما في صحيح صفوان قال: قال أبو الحسن: سألني بعضهم عن رجل بات ليالي منى بمكة، فقلت: لا أدري، فقلت له: جعلت فداك ما تقول فيها؟ قال (عليه السلام): عليه دم شاة، إذا بات، فقلت: ان كان انما حبسه شأنه الّذي كان فيه من طوافه و سعيه لم يكن لنوم و لا لذّة أ عليه مثل ما على هذا؟ قال:

ما هذا بمنزلة هذا و ما أحبّ ان ينشق له الفجر الا و هو بمنى «4»، نحوه غيره من الاخبار.

الثاني- انه قد ذهب بعض الى ان الأفضل لمن يأت في مكة مشتغلا

______________________________

(1) الوسائل

ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 8

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 9

(4) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 68

..........

بالعبادة الرجوع إليها قبل ان ينتصف الليل و لكن الحكم بذلك يحتاج الى دليل و لم يثبت.

و أما قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار (فان خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل الا و أنت في منى) «1» و نحوه فهو مختص بغير المشغول بالعبادة و لذا استثنى منه فيه.

الثالث- ان المسقط لوجوب المبيت في منى هل هو العبادة في مكة المكرمة في تمام الليل أو في خصوص النصف الأول منه؟

يمكن ان يقال بالثاني بدعوى دلالة الاخبار على وجوبه فيه و انما جعل بدله العبادة في مكة في زمان وجوبه.

و يمكن أن يقال بالأول لوجهين:

الأول- ما تقدم من عدم اختصاص المبيت بالنصف الأول فمن زار البيت أول الليل أو نهارا كان عليه أن يصبح و هو بمنى الثاني- قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار: (إذا فرغت من طوافك. فلا تبيت الا بمنى الا ان يكون شغلك نسكك) «2» فان المراد من البيتوتة في الحديث الأول ليس الا الكون بمنى ليلا و لو قبيل الصبح لا في خصوص النصف الأول من الليل كيف و المفروض فيه خروجه للزيارة نهارا أو في أول الليل و الاخبار مصرحة بعدم وجوب رجوعه إلى منى في النصف الأول من الليل و من المعلوم ان المسقط للمبيت ليست هي العبادة بما هي بل العبادة المانعة له

عن المبيت بمنى كما هو واضح.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 69

..........

الرابع- من كان تكليفه الرجوع الى منى لعدم اشتغاله بالعبادة في تمام نصف الليل من اوله بل اشتغال بها بعد مضي مقدار منه فيقع الكلام في ان عباداته هل تقع صحيحة أولا و الظاهر انه لا مانع من الحكم بصحة عباداته اما لمسألة الترتب و أما للقول بكفاية الملاك على ما حقق في محله الخامس- انه هل يعتبر في المبيت بمنى النيّة، التي هي الأصل في كل مأمور به أولا؟ فنقول: ان النية لها ركنان:

(الأول)- الإرادة و هي ثابتة في كل واجب لاعتبار كونه فعلا إراديا و على ذلك فلو نام في مكة مثلا و حملوه إلى منى لم يكف ذلك لعدم كونه ناويا المبيت بمنى و يحكم بثبوت الكفّارة عليه و لو قلنا بعدم كون المبيت امرا عباديا.

(الثاني)- قصد القربة و هذا مختص بالأمور العبادية فعليه بناء على كون المبيت بمنى من الأمور العبادية فلو بات بمنى بدون قصد القربة يحكم بعدم صحته و أما بناء على كونه توصليا يحكم بصحته و لو أتى به رياء و لم يدل دليل في خصوص المبيت بمنى على كونه قريبا.

و أما قوله: تعالى (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) فلا يدل على اشتراط القربة فيه، فان معنى: (للّه) انه واجب من واجبات اللّه على الناس.

مضافا الى إمكان القول بخروج الرّمي عن واجبات الحج و أجزائه و لذا لو تركه عمدا فلا يحكم ببطلان حجه فتأمل.

و أما الإجماع ففيه

مالا يخفى لعدم كونه من الإجماع المعتبر و هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 70

..........

التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم (عليه السلام):

فعليه تنقيح هذا يبتني على ان الأصل في الواجبات التعبدية أو التوصلية فإن قلنا بإمكان أخذ قصد القربة في ضمن الأمر بناء على عدم انحصار قصد القربة في قصد الأمر كان مقتضى إطلاق الدليل عدم اشتراط قصد القربة، و ان قلنا بعدم إمكان أخذه فيه بناء على انه منحصر فيه فالدليل الاولى لا يدل على اشتراط قصد القربة فيرجع الى الأصل العملي- و مقتضاه عدم اشتراطها فتحقيق الكلام و تفصيله موكول الى محله:

و كيف كان فقد نص غير واحد على اعتبار النية في المبيت بمنى لأنه عبادة نحو ما تقدم في سائر المناسك و انه لو أخل بها عمدا اثم.

ينبغي هنا الإشارة إلى أمر و هو انه لو أخل بالنية هل يثبت عليه الكفارة أولا؟ مال صاحب الجواهر (قدس سره) الى عدم ثبوت الفدية عليه للأصل، و انصراف ما دل على ثبوت الفدية بترك المبيت الى تركه رأسا.

و لكن يمكن المناقشة فيما استدل به صاحب الجواهر (قدّس سرّه) على عدم ثبوت الكفّارة فيما لو أخل بالنيّة.

اما في الأصل فلانقطاعه بإطلاق ما دل على لزوم الفدية بترك المبيت الشّامل لما نحن فيه و هو تركه حكما لا حقيقة.

و أما في دعوى انصرافه الى ترك المبيت رأسا فيمكن المناقشة فيه بعدم كونه من الانصراف المعتبر الذي قد ذكرنا غير مرّة ان المعتبر منه هو ما إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرّح بخروج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 71

أو يخرج من منى بعد نصف الليل (1)

المنصرف عنه عن تحت الإطلاق

كان توضيحا للواضح و كونه في المقام كذلك غير معلوم، فلا انصراف في البين أولا، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا، فلا عبرة به، فتأمل

(1) ما افاده المصنف (قدس سره) من جواز الخروج من منى بعد نصف الليل ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

لقوله عليه السلام في خبر عبد الغفار الجازي (فإن خرج من منى بعد نصف الليل لم يضره شي ء) «1» و قوله (عليه السلام) في خبر جعفر ابن ناجية: (إذا خرج الرجل من منى أول الليل فلا ينتصف له الليل الا و هو بمنى و إذا خرج بعد نصف الليل فلا بأس ان يصبح بغيرها «2» و قوله (عليه السلام) في صحيح العيص (ان زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح الا و هو بمنى و ان زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح و هو بمكة «3» و ظاهر هذه النصوص جواز دخوله في مكّة قبل الفجر خلافا للمحكي عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و الجامع من انه إذا خرج من منى بعد الانتصاف فلا يدخل مكة قبل الفجر و لكنه لم نرى له دليلا قابلا للاعتماد عليه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 14

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 20

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 72

و قيل يشترط ان لا يدخل مكة إلا بعد طلوع الفجر (1) قيل (2) لو بات الليالي الثلاث بغير منى لزمه ثلاث شياه و هو محمول على من غربت الشمس في الليلة الثالثة و هو

بمنى أو من لم يتق الصيد و النساء (3)

ينبغي هنا الإشارة إلى أمر و هو ان الخروج من منى بعد نصف الليل و ان كان جائزا الا انه مكروه، لما رواه ابى الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الدلجة إلى مكّة أيام منى و انا أريد أزور البيت؟ فقال: لا حتى ينشقّ الفجر كراهية ان يبيت الرجل بغير منى «1»

(1) القول للشيخ و غيره و لكن لا نعلم مأخذه فإن الروايات مطلقة في جواز الخروج بعد نصف الليل.

(2) القائل في محكي النهاية و ابن إدريس بل في المدارك نسبته الى جمع من الأصحاب.

(3) لا ينبغي الإشكال فيه لاختصاص وجوب المبيت في الليلة الثالثة في منى بها دون غيرها.

اما وجه اختصاص وجوب المبيت في الليلة الثالثة بمن لم يتق النساء و الصيد فلما سيأتي عند ذكره المصنف (ان شاء اللّه تعالى):

و أما وجه اختصاص الليلة الثالثة لمن غربت عليه الشمس و هو بمنى فمما هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب العود إلى منى الحديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 73

..........

المشهور بين الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا بل عن المنتهى و ظاهر التذكرة: الإجماع عليه، و يدل عليه جملة من النصوص المروية (عنهم عليهم السلام)- منها:

1- حسن الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: من تعجل في يومين فلا ينفر حتى تزول الشمس، فإن أدركه المساء بات و لم ينفر «1» 2- خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا نفرت في النفر الأول فإن شئت ان تقيم بمكة و تبيت بها فلا بأس بذلك قال و قال: إذا جاء الليل بعد النفر

الأول فبت بمنى فليس لك ان تخرج منها حتى تصبح «2» 3- خبر أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل ينفر في النفر الأول؟ قال: له ان ينفر ما بينه و بين ان تسفر الشمس فان هو لم ينفر حتى يكون عند غروبها فلا ينفر و ليبت بمنى حتى إذا أصبح و طلعت الشمس فلينفر متى شاء «3» ينبغي هنا بيان أمور الأول- هل يجب المبيت في الليلة الثالثة بمجرد غروب الشمس و هو بمنى أولا يجب الا بعد دخول المغرب الشرعي الذي لا يتحقق الا بزوال الحمرة المشرقية في حال كونه بمنى و لكن لا يفرق بين هذين القولين

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب العود إلى منى الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب العود إلى منى الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 74

..........

لما ذكر في محله من ان ذهاب الحمرة امارة على غروب للشمس من جميع الآفاق.

و على فرض الاختلاف فقد عرفت دلالة الاخبار على وجوب المبيت فيها بمجرد غروب الشمس فتدبر.

الثاني- انه لو رحل فغربت الشمس قبل خروجه من منى فعن المنتهى، لا يلزم المبيت على اشكال و عن التذكرة الأقرب ذلك مستندا فيها إلى المشقة في الحط و الرحال.

و لكن التحقيق انه يجب عليه المبيت فيها إذا غربت الشمس عليه و هو في منى لان العبرة حسب المستفاد من ظاهر الاخبار هو تحقق غروب الشمس و هو في منى و المفروض انه حصل ذلك و لو كان ذلك في الجزء الأخير منه و لا يصدق عليه انه خرج من

منى قبل الغروب و ان قطع معظمه طريقه.

و لذا قال في الدروس (الأشبه: المقام) و تبعه في المسالك و غيرها و هو خيرة صاحب الجواهر ايضا حيث قال: (ضرورة كون المراد بغروب الشمس هنا هو الغروب المعتبر في حل الصلاة و الإفطار من غير فرق بين من تأهب للخروج و غربت عليه قبل ان يخرج و غيره و بين من نفر و لم يتجاوز حدود منى و غيره لصدق الغروب عليه بمنى فإن أجزائها متساوية في وجوب المبيت بها) الثالث- انه لو خرج من منى قبل غروب الشمس ثم رجع بعد خروجه لأخذ شي ء نسيه مثلا أو لتدارك واجب عليه بها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 75

و يجب ان يرمى كل يوم من أيام التشريق الجمار الثلاث كل جمرة بسبع حصيات (1).

فان عاد بعد الغروب لم يجب عليه المبيت، و أما لو رجع قبل الغروب فغربت الشمس عليه بها: ففي المسالك في وجوب الإقامة عليه وجهان، و قرب العلامة الوجوب، و الوجهان آتيان في وجوب الرمي.

و التحقيق: انه يجب عليه المبيت بها، لصدق عنوان غروب الشمس عليه و هو بمنى كما قلنا بذلك لو غربت في أثناء خروجه من منى.

و اما خبر علي عن أحدهما عليهما السلام انه قال: في رجل بعث بثقله يوم النفر الأول و اقام هو الى الأخير؟ قال: هو ممن تعجل في يومين «1» فلا دلالة فيه على عدم وجوب المبيت لمن خرج و غربت عليه الشمس قبل خروجه من حدود منى فضلا عن غيره فتأمل.

الرابع- انه لو أخل بالمبيت بعد وجوبه عليه في الليلة الثالثة تجب الفدية عليه و هو دم شاة على ما تقدم تفصيله.

(1) ما أفاده المصنف من

وجوب الرّمي في كل يوم من أيام التشريق اى اليوم الحادي عشر و الثاني عشر الجمار الثلاث كل جمرة سبع حصيات مما هو المعروف بين الأصحاب (قدس اللّه تعالى أسرارهم) بل في الجواهر:

بلا خلاف متحقق أجده فيه كما اعترف به بعضهم، قال في محكي السرائر:

«لا خلاف بين أصحابنا في كونه واجبا و لا أظن أحدا من المسلمين يخالف فيه و ان الاخبار به متواترة.).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب العود إلى منى الحديث 12.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 76

..........

و استدل له بما رواه عمر بن أذينة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (في حديث) قال: سألته عن قول اللّه تعالى (الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)؟ قال:

الحج الأكبر الوقوف بعرفة و رمى الجمار «1».

و خبر عبد اللّه بن جبلة عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: من ترك رمى الجمار متعمدا لم تحل له النساء و عليه الحج من قابل «2».

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 5، ص: 76

و لكن لم نجد قائلا بمضمون هذا الخبر كما اعترف به في محكي التذكرة بعد ان نسبه الى شذوذ.

ينبغي هنا التّنبيه على أمر و هو انه هل يجب الرمي في اليوم الثالث عشر ان أقام ليلته في منى أولا؟ المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) وجوبه عليه بل في كشف اللثام لعله لا خلاف فيه.

و لكن قد عقد في الوسائل بابا بعنوان (من أمسى بمنى ليلة الثالث عشر وجب عليه المبيت بها و ان نفر قبل الغروب سقط عنه) و قد ذكر فيه ما دل من الاخبار على ذلك و

لكن لم يذكر فيها الرمي في يومها و لا بأس بذكر بعض منها و هو:

1- ما رواه عبد اللّه بن مسكان عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل ينفر في النفر الأول؟ قال: له ان ينفر ما بينه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب العود إلى منى الحديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب العود إلى منى الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 77

..........

و بين ان تسفر الشمس فان هو لم ينفر حتى يكون عند غروبها فلا ينفر و ليبت بمنى حتى إذا أصبح و طلعت الشمس فلينفر منى شاء «1».

2- ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:

إذا نفرت في النفر الأول فإن شئت ان تقيم بمكة و تبيت بها فلا بأس بذلك، قال: و قال: إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبعت بمنى فليس لك ان تخرج منها حتى تصبح «2».

3- ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: من تعجل في يومين فلا ينفر حتى تزول الشمس فإن أدركه المساء بات و لم ينفر «3» و لكن في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)- على ما رواه الصدوق و الشيخ- قدس سرهما-: (و ان تأخرت إلى آخر أيام التشريق و هو النفر الأخير فلا عليك أي ساعة نفرت و رميت قبل الزوال أو بعده «4» و في رواية دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) انه قال: لما اقبل رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) من المزدلفة مرّ على جمرة العقبة يوم النحر فرماها يسبع حصيات ثم أتى منى و

كذلك السنة ثم رمى أيام التشريق الثّلاث جمرات كل يوم عند زوال الشمس و هو أفضل «5»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب العود إلى منى الحديث 4.

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب العود إلى منى الحديث 2.

(3) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب العود إلى منى الحديث 1.

(4) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب العود إلى منى الحديث 3.

(5) المستدرك ج 2 الباب 12 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 78

..........

ينبغي هنا الإشارة إلى أمور 1- انه ينبغي لمن اقام بمنى في هذه الأيام أي أيام التشريق ان يصلي فرائضه و نوافله في مسجد الخيف و أفضلها مصلى رسول اللّه و هو من المنارة إلى نحو من ثلاثين ذراعا من جهة القبلة و عن يمينها و يسارها و خلفها:

و استدل لذلك بصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:

صل في مسجد الخيف و هو مسجد منى و كان مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد و فوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا و عن يمينها و عن يسارها و خلفها نحوا من ذلك. فان استطعت ان يكون مصلاك فيه فافعل فإنه قد صلى فيه ألف نبي و انما سمى الخيف لانه مرتفع عن الوادي و ما ارتفع عن الوادي سمي خيفا «1» لا يخفى ان ظاهر قوله عليه السلام (صل في مسجد الخيف) و ان كان هو الوجوب الا انه يتعين رفع اليد عنه لتسالم الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) على الخلاف.

2- انه يستحب التسبيح و التهليل و التحميد مأة

مأة، و صلاة مأة ركعة فيه، و استدل لذلك برواية أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: من صلى في مسجد الخيف بمنى مأة ركعة قبل أن يخرج منه:

عدلت عبادة سبعين عاما، و من سبح اللّه فيه مأة تسبيحة كتب له كأجر عتق رقبة، و من هلل اللّه فيه مأة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة، و من

______________________________

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 79

و يجب هنا زيادة على ما تضمنه شروط الرمي الترتيب يبدأ بالأولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة (1)

حمد اللّه فيه مأة تحميد عدلت أجر خراج العراقين يتصدق به في سبيل اللّه عز و جل «1» 3- انه يستحب الصلاة ست ركعات في أصل الصومعة و استدل له بخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: صل ست ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة «2» و الاولى ان تكون هذا الست عند ارادة الرجوع الى مكة مودعا لها إذا ابيضت الشمس من اليوم الثالث عشر لكن الرواية مطلقة.

نعم يمكن دعوى الانصراف في رواية الثمالي في المأة ركعة كما يظهر ذلك بأدنى تأمل.

(1) اما وجوب الترتيب بين رمي الجمرات الثلاث فهو المعروف بين الأصحاب (قدس سرهم) بل في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منه صريحا و ظاهرا مستفيض) و استدل له بخبر معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال:

ارم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة فابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل، و قل كما قلت يوم النحر، ثم قم

عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد اللّه و أثن عليه و صلى على النبي (صلى اللّه عليه و آله) ثم تقدم قليلا فتدعو و تسئله ان

______________________________

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1

(2) الوسائل الباب 51 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 80

و لو رماها منكوسة أعاد على الوسطى و جمرة العقبة (1)

يتقبل منك ثم تقدم ايضا ثم افعل ذلك عند الثانية و اصنع كما صنعت بالأولى و تقف و تدعوا اللّه، كما دعوت، ثم تمضى إلى الثالثة و عليك السّكينة و الوقار فارم و لا تقف عندها «1» تقريب دلالته على الترتيب: هو أن أمر الإمام (عليه السلام) بالبدأة بالأول و العطف بثم في الباقي ظاهر في الترتيب، و نحوه غيره من الاخبار

(1) اما وجوب إعادة الرّمي على الوسطى و جمرة العقبة لو رماها منكوسة سواء كان ذلك عن عمد أو جهل أو سهو فمما هو المعروف بين الأصحاب بل في الجواهر: (بلا خلاف و لا اشكال بل الإجماع بقسميه عليه تحصيلا لإيقاع المأمور به على وجهه. إلخ) استدل لذلك بجملة من النصوص المروية عنهم عليهم السلام- منها:

1- ما رواه معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) (في حديث) قال: قلت له: الرّجل يرمى الجمار منكوسة؟ قال: يعيدها على الوسطى و جمرة العقبة «2» 2- ما رواه مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل نسي رمى الجمار يوم الثاني فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى يؤخر ما رمى بما رمى فيرمى الوسطى ثم جمرة العقبة «3» اي يؤخر ما قدم رميه نسيانا و لو

______________________________

(1) صدره في الوسائل في

الباب 12 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 1 و ذيله في الباب 10 منها الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب العود إلى منى الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 81

و وقت الرمي ما بين طلوع الشمس الى غروبها (1)

بقرينة رواية معاوية بن عمار المتقدمة:

3- ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت الرجل ينكس في رمى الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى؟

قال: يعود: فيرمى الوسطى ثم يرمى جمرة العقبة و ان كان من الغد «1»

(1) اما وقت الرمي للمختار ما بين طلوع الشمس الى غروبها فمما هو المشهور بين الأصحاب، و لعله اليه يرجع ما في محكي الوسيلة ان وقت الرمي طول النهار، و ما عن الإشارة: انه من أول النهار خصوصا بعد ما عن بعض كتب أهل اللغة من كون النهار من طلوع الشمس الى الغروب على ما في الجواهر.

و استدل لذلك بجملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

رمى الجمار من طلوع الشمس الى غروبها «2» 2- صحيح صفوان بن مهران قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: ارم الجمار ما بين طلوع الشمس الى غروبها «3» 3- صحيح زرارة أو حسنه عن أبي جعفر (عليه السلام) انه قال للحكم ابن عيينة: ما حد رمى الجمار؟ فقال: الحكم: عند زوال الشمس فقال أبو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب العود إلى منى الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب رمي الجمرة العقبة الحديث 4

(3)

الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب رمي الجمرة العقبة الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 82

..........

جعفر يا حكم أ رأيت لو انهما كانا اثنين. فقال أحدهما لصاحبه: احفظ علينا متاعنا حق ارجع أ كان يفوته الرمي هو و اللّه ما بين طلوع الشمس الى غروبها «1» يمكن أن يقال بمعارضتها صحيح جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (في حديث) قلت له: متى يكون رمى الجمار؟ فقال من ارتفاع النهار الى غروب الشمس «2» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ارم في كل يوم عند زوال الشمس و قل كما قلت عند رمي الجمرة العقبة «3» يمكن الجمع بينها بوجهين:

الأول- حملها على مراتب الفضل بان يقال: انه من طلوع الشمس الى ارتفاع النهار وقت الاجزاء و من حين ارتفاع النهار الى الزّوال وقت الفضيلة و عند الزوال وقت الأفضل: و (فيه): انه جمع بلا شاهد فلا يصار اليه.

الثاني- يمكن ان يقال في وجه الجمع بينهما بان المراد من النهار في قوله (عليه السلام) في حديث جميل هو يوم الصوم، فيكون المراد من الارتفاع هو طلوع الشمس فلا ينافي مع ما تقدم من الاخبار المتقدمة الدالة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 13 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 83

..........

على ان وقت الرّمي من طلوع الشمس الى غروبها.

و اما أمره (عليه السلام) بقوله (ارم عند الزوال) في حديث معاوية و ان كان ظاهرا في الوجوب، الا انه

ترفع اليد عنه بقرينة ما دل على ان وقت الرمي من طلوع الشمس الى الغروب فيحمل على الاستحباب بقانون حمل الظّاهر على النّص، و قد ذكرنا غير مرّة ان حكومة النّص على الظاهر من اجلى الحكومات، و نتيجة ذلك هو ان وقت الرمي موسع من أول طلوع الشمس الى غروبها، و لكن الأفضل الإتيان به وقت الزوال لما عرفت.

و مما ذكرنا يعلم الوجه فيما ذكره غير واحد من الأصحاب من كون الأفضل وقوعه عند الزوال و في هذا الجمع بين الاخبار المتقدمة في صدر المبحث و بين صحيح جميل ما لا يخفى، و لكن التحقيق: ان صحيح جميل و معاوية لا يصلحان لمعارضتهما للأخبار المتقدمة الدالة على ان وقت رمي الجمار من طلوع الشمس الى غروبها اما صحيح جميل فلانه و ان كان صريحا في تحديد وقته من ارتفاع النهار الى الغروب و لكن الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) أعرضوا عنه، فخرج بذلك عن حيّز دليل الحجّية و الاعتبار.

و اما حديث معاوية فليس صريحا في مقام التّحديد بزوال الشمس و أما الأمر بالرّمي فيه عند زوال الشمس فلا يدل على التحديد. نعم له ظهور إطلاقي في ذلك و هو ينهدم بالأخبار المتقدمة في صدر المبحث الصريحة في كون وقت الرمي من طلوع الشمس الى غروبها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 84

..........

فعليه يقال ان وقت الرمي من طلوع الشمس الى غروبها و لكن الأفضل الإتيان به عند الزوال فتأمل.

و لكن حكى عن الغنية و الإصباح و الجواهر: ان وقته بعد الزوال و في الخلاف: لا يجوز الرمي أيام التشريق الا بعد الزوال، و قد روى رخصة قبل الزوال في الأيام كلها، و بالأول قال الشافعي و

أبو حنيفة، إلا أن أبا حنيفة قال: و ان رمى يوم الثالث قبل الزوال جاز استحسانا و قال طاوس: يجوز قبل الزوال في الكل. دليلنا: إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط، فان من فعل ما قلناه لا خلاف انه يجزيه و إذا خالفه ففيه الخلاف.

و لكن قال صاحب الجواهر بعد ذكر الأخبار المتقدمة: (و هي مع اعتبار أسانيدها و عمل الطائفة بها قديما و حديثا لا محيص عن العمل بها خصوصا بعد سلامتها عن معارضة ما عدا الإجماع المحكي الموهون بمصير معظم من تقدمه- كابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد و الصدوقين و المرتضى و جميع من تأخر عنه- الى خلافه بل هو قد رجع عنه في مبسوطه و نهايته و لذا قال في المختلف: انه شاذ لم يعمل به أحد من علمائنا، حتى ان الشيخ المخالف و أفق أصحابه فيكون إجماعا، لأن الخلاف ان وقع منه قبل الوفاق فقد حصل الإجماع و ان وقع بعده لم يعتد به إذ لا اعتبار بخلاف من يخالف الإجماع» و ان كان لا يخلو من نظر.

و اما الاحتياط فهو معارض بالنصوص المعتبرة المعمول بها بين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 85

و لا يجوز أن يرمي ليلا الا لعذر كالخائف و المريض و الرعاة و العبيد (1)

الطائفة على ان التحقيق العمل بأصل البراءة مع فرض الشك في أمثال ذلك إلخ).

و كيف كان فلا يبقى مجال بناء على ما ذكرنا القول بأنه كلما قرب الى الزوال كان أفضل و لا القول بامتداد الفضل من حين الزوال الى الغروب كما أفاده بعض، و لكن مع ذلك كله لا تخلو المسألة من تأمّل.

(1) اما عدم جواز رمي الجمرات في الليل

في حال الاختيار فلا ينبغي الإشكال فيه و ذلك لما عرفت من الاخبار الدالة على ان وقت رمي الجمرات من طلوع الشمس الى غروبها.

أما جواز الرمي ليلا للمعذور كالخائف و المريض و الراعي و الحطاب و نحوها فهو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و يدل عليه جملة من النصوص- منها:

1- صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لا بأس ان يرمى الخائف بالليل و يضحى و يفيض بالليل «1» 2- موثق سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: رخص للعبد و الخائف و الراعي في الرمي ليلا «2» 3- حسن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) انه قال في الخائف لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل، و يضحى بالليل، و يفيض بالليل «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 86

و من حصل له رمي اربع حصيات ثم رمى على الجمرة الأخرى حصل بالترتيب (1)

4- ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الذي ينبغي له ان يرمى بليل من هو؟ قال: الحاطبة و المملوك الذي لا يملك من أمره شيئا، و الخائف، و المدين، و المريض الذي لا يستطيع ان يرمي يحمل الى الجمار، فان قدر على ان يرمي و الا فارم عنه و هو حاضر «1» 5- خبره الآخر قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): رخص رسول اللّه صلى

اللّه عليه و آله لرعاة الإبل إذا جاؤا بالليل أن يرموا «2» ثم ان مقتضى إطلاق هذه الاخبار عدم الفرق في الليل بين المتقدم و المتأخر كما اعترف به في كشف اللثام.

و لكن في المدارك «و الظاهر ان المراد بالرمي ليلا رمى جمرات كل يوم في ليلته و لو لم يتمكن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة لأنه أولى من الترك أو التأخر و ربما كان في إطلاق بعض الروايات المتقدمة دلالة عليه» مراده (قدس سره) من بعض الروايات المتقدمة هو الحديث الخامس قال في الجواهر بعد نقل كلام المدارك (قلت هو العمدة و الا فسابقه مجرد اعتبار بل ظاهر النصوص المزبورة ذلك و ان لم يعلم حاله فيما يأتي من الليالي.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 7

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 87

..........

نفى عنه الخلاف، كما اعترف به في الرياض، بل عن التذكرة و المنتهى الإجماع عليه و يدل عليه جملة من النصوص المروية عنهم عليهم السلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (في حديث) قال و قال في رجل رمي الجمار فرمى الأولى بأربع و الأخيرتين بسبع سبع، قال: يعود: فيرمي الأولى بثلاث و قد فرغ و ان كان رمى الاولى بثلاث و رمى الأخيرتين بسبع سبع فليعد فليرمهن جميعا بسبع سبع و ان كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع و ان كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث «1» 2-

صحيحة الآخر عنه (عليه السلام) في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع و الثالثة بسبع؟ قال: يعيد يرمهن جميعا بسبع سبع، قلت:

فان رمى الاولى بأربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع؟ قال: يرمي الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع و يرمى جمرة العقبة بسبع، قلت: فان رمى الجمرة الأولى بأربع و الثانية بأربع و الثالثة بسبع؟ قال: يعيد فيرمي الأولى بثلاث و الثانية بثلاث و لا يعيد الثالثة «2» 3- خبر علي بن أسباط قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): إذا رمى الرجل الجمار أقل من اربع لم يجزيه أعاد عليها و أعاد على ما بعدها و ان كان قد أتم ما بعدها و إذا رمى شيئا منها أربعا بنى عليها و أعاد على ما بعدها ان كان قد أتم رميه «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب العود إلى منى الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب العود إلى منى الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 88

..........

ينبغي هنا التنبيه على أمور الأول- ان ظاهر الاخبار المتقدمة هو البناء مع الإتيان بالأربع و الاستئناف بدونه فإذا رمى الجمرة الأولى أربعا ثم رمى التي بعدها سبعا فيكفيه ان يكمل النقص الاولى و لا يجب عليه الاستئناف.

و اما إذا رماها أقل من أربع فلا يكفي إكمالها مع اعادة ما بعدها في الجمرة الأولى أو الثانية، و ذلك لفوات الترتيب، فإذا رماها أقل من أربعة (أي ثلاثة فما دون) فعليه الإعادة على الجمرات الثلاث بالترتيب فلا يكفيه إكمال الناقص فقط و إذا رمى الاولى سبعا ثم الثانية ثلاثا ثم الثالثة

سبعا فعليه الاستئناف من الثانية ثم الثالثة سبعا سبعا و لا يجب عليه استئناف الأولى اما إذا رمى الثانية أربعا و الاولى و الثالثة سبعا سبعا يكفيه إتمام الثانية فقط.

و لكن في القواعد و التحرير و المنتهى و محكي السرائر على ما حكى في الجواهر هو الاكتفاء بالإكمال و استئناف اللاحقة و استدل لذلك بالأصل.

و لكن التحقيق: انه لا عبرة بالأصل، لكونه مقطوعا بالأخبار الدّالة على لزوم الاستئناف فيما إذا رماها أقل من أربعة و المعتضدة بفتوى كثير من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم).

اما دعوى إرادة الإكمال من الإعادة لأن كل رمية لاحقة اعادة للرمي كما ترى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 89

..........

و لكن يمكن ان يقال انه لو كان نقصه في الجمرة الثالثة (العقبة) أكملها و اكتفى به من دون فرق بين الأربع و غيرها، كما نص عليه صاحب الجواهر (قدس سره) لعدم ترتيب عليه بعدها.

و أما فوات الموالاة غير قادح كما عرفت قال في الجواهر: (لعله لا خلاف فيه الا ما سمعته من ابن بابويه بناء على اعتبار الموالاة الذي لم يجد دليلا بالخصوص بل ظاهر الأدلة خلافه، و كونه المعهود في العمل للعادة لا يقتضي الاعتبار خصوصا بعد ما سمعته من النصوص).

و لكن فيما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) (من انه إذا كان نقصه في الجمرة الثالثة أكمل ذلك النقص فقط و لا يجب عليه الرجوع الى الثانية و الاولى) كلام يأتي في الأمر الثاني.

الثاني- ان المستفاد من الاخبار هو اعتبار الموالاة بالنسبة الى كل من الجمرات الثلاث في أربع حصيات الاولى، لما دل على انه لو رمى جمرة بثلاث حصيات ثم رمى الجمرة المتأخرة عن تلك الجمرة كان عليه اعادة تلك

الحصيات الثلاث أيضا.

و يمكن دعوى كشف ذلك عن مفروغية اشتراط الموالاة في أربع حصيات الأوليات مطلقا، و لذا يمكن ان يقال بعدم الفرق في اعتبارها في ذلك بين الجمرة الاولى و الثانية و جمرة العقبة و ان كان مورد النص هو الجمرة الاولى و الثانية لعدم العبرة بخصوصية المورد فتأمل.

الثالث- ان ظاهر الاخبار المتقدمة عدم الفرق في عدم وجوب الاستيناف إذا أتى بالأربع بين العامد و الجاهل و الناسي، و لا بأس بذكر ما في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 90

..........

الجواهر هنا لكونه جامعا للأقوال (بل قيل هو ظاهر المتن و النافع و المحكي عن المبسوط و الخلاف و السرائر و الجامع و التحرير و التلخيص و اللمعة، خلافا للفاضل في القواعد و التذكرة و المنتهى و الشهيدين في الدروس و الروضة، و ربما عزى الى الشيخ و الأكثر، و ربما جعل أشهر، فقيدوه بالناسي، بل في الحدائق: نسبة تقييده به و بالجاهل إلى الأصحاب، و ان كنا لم نتحققه في الثاني. نعم، الحقه الشهيدان منهم. بالناسي الى ان قال: و على كل حال فعن الفاضل الاستدلال له بأن الأكثر انما يقوم مفام الكل مع النسيان، ورد: بأنه إعادة للمدعى، و (فيه): ان المراد الإشارة الى ما سمعته في الطواف بمعنى ان الأصل عدم قيام غير ذلك مقامه بالنسبة إلى الترتيب، و لذا استدل له في الروضة بأنه منهي عن رمى اللاحقة قبل إكمال السابقة فيفسد و ان ضعف أيضا بأن المعلوم انما هو النهى عنه قبل الأربع لا مطلقا، و لو سلم فهو اجتهاد في مقابلة إطلاق النص، و لكنه كما ترى، ضرورة: عدم شموله للعامد لندرته فلا ينصرف إليه السؤال المعلق عليه

الجواب. مضافا الى حمل فعل المسلم على الصحة، و الى إطلاق ما دل على وجوب الترتيب المقتضى لفساد اللاحق قبل إتمام السابق المعتضد بما سمعته من فتوى الأصحاب).

تحقيق الكلام في هذه المسألة هو انه قد عرفت دلالة النصوص على صحة رميه فيما لو شرع في رمي الجمرة المتأخرة بعد الفراغ عن أربع حصيات بالنسبة إلى الجمرة السابقة قبل إتمام للسبع.

هذا مما لا كلام فيه انما الكلام في انه هل يختص الحكم بصورة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 91

..........

النسيان و الجهل أو يشمل صورة العمد.

يمكن دعوى انصراف الأخبار الواردة في المقام عن صورة العمد كما انه قد يدعى انصرافها عن صورة الجهل أيضا.

و لكن فيه أنه قد ذكرنا غير مرة ان الانصراف المعتبر منه فيما إذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام بحيث لو صرح بخروج المنصرف عنه عن تحت الإطلاق كان توضيحا و تأكيدا و كونه كذلك فيما نحن فيه أول الكلام.

ثم لا يخفى ان الانصراف قد يتحقق في باب التشكيك في الماهية لا في باب ندرة الفرد فندرة صدور ذلك عن عمد لا يفيد في نفي الإطلاق و إثبات الانصراف الحقيقي، فعليه بمقتضى إطلاق الاخبار المتقدمة يقال:

ان الترتيب شرط بالنسبة إلى أربع حصيات الأوليات دون غيرها فبعد تماميتها يجوز اختيارا ان يؤخر رمى الجمرة السابقة عن رمي الجمرة اللاحقة فتأمل.

الرابع- لو فاتته جمرة و لا يعلم انها الاولى أم الثانية أم العقبة فعليه اعادة رمي الجمار الثلاث احتياطا، للعلم الإجمالي و هذا مما لا ينبغي الكلام فيه.

انما الكلام في انه هل يجب عليه ان يعيده مرتبا أولا؟ و الظاهر انه يجب عليه مرتبا من الاولى ثم الثانية ثم العقبة، لأن اشتغال اليقيني يستدعي

الفراغ اليقيني و لا يحصل ذلك الا به إذا مع عدم الترتيب يحتمل البطلان، لاحتمال كون الأولى هي الفائتة فيجب فيه مراعاة الترتيب.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 92

..........

الخامس- لو علم إجمالا انه فاته اربع حصيات من جمرة و لا يعلم انها من الأولى أو الثانية أم العقبة فهل يجب عليه اعادة جميعها أولا؟ و الظاهر ذلك، لأنه بمنزلة فوات الجميع.

و لكن يمكن ان يقال بوجوب إعادة الأخيرة دون الأولتين و ذلك لجريان قاعدة الفراغ بالنسبة إليهما، و أما العلم الإجمالي فينحل بالشك بالنسبة إليهما للعلم التفصيلي ببطلان الأخيرة إما لفقد شرط الموالاة بناء على اعتبارها، و أما من جهة بطلان سابقتها فيحكم ببطلانها لفقده شرط الترتيب.

و لكن التحقيق: عدم جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى شي ء منها، و ذلك لعدم خروجه من مجموع العمل و هو الرمي حتى يجدى إجرائها فيه للعلم ببطلان الأخيرة منها.

و أما قاعدة التجاوز فلم يثبت اجراؤها في غير اجزاء الصّلاة فعليه يجب عليه ان يعيده على الثلاث تحصيلا للفراغ اليقيني.

السادس- أنه لو فاته دون الأربع من جمرة و لا يعلم انها من الأولى أم الثّانية أم العقبة كرّره على الثّلاث، للاحتياط.

و أما مراعاة الترتيب فلا يجب عليه، لأن الفائت من واحدة.

و أما وجوب الباقي فكان من باب المقدّمة- كوجوب ثلاث فرائض عن واحدة مشتبهة بين صلاة الصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء و هذا بخلاف مما لو فاته من كل جمرة واحدة و اثنتان أو ثلاث، لانه يجب مراعاة الترتيب فيه لتعدد الفائت المرتب.

و أما إذا رمى أربعا و فاته ثلاثا ثم شك في كونها من واحدة أو أكثر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 93

و لو

نسي رمى يوم قضاه من الغد مرتبا يبدأ بالفائت و يعقب بالحاضر (1)

فيتعين عليه ان يرمى كل واحد منها ثلاث حصيات مرتبا يبدأ بالأولى ثم الوسطى ثم العقبة، لقاعدة الاشتغال بالنسبة الى كل واحدة في ثلاث.

(1) اما وجوب قضاء أصل الرمي لو نسيه فمما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل في الجواهر: بلا خلاف أجده بيننا بل الإجماع بقسميه عليه).

و استدل لذلك بصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (في حديث) قال: قلت الرجل ينكس في رمى الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى؟ قال: يعود فيرمى الوسطى ثم يرمى جمرة العقبة و ان كان من الغد «1» و حسن معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) قلت: رجل نسي ان يرمى الجمار حتى أتى مكة؟ قال: يرجع فيفصل بين كل رميتين بساعة «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار و اما وجوب مراعاة الترتيب فلا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل قد نفى عنه الخلاف بل في المدارك هو مقطوع به في كلام الأصحاب بل عن الخلاف الإجماع عليه فلا كلام لنا فيه من حيث الفتوى انما الكلام فيه من حيث المدرك فنقول انه (تارة): يتكلم فيه بالنسبة إلى اشتراط الترتيب بين الرمي الادائى و القضائي بتقديم الثاني على الأول و (اخرى): بالنسبة إلى اشتراط

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب العود إلى منى الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب العود إلى منى الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 94

..........

الترتيب بين الجمرات الثلاث في انه هل يشترط الترتيب بينها قضاء كما يعتبر أداء أولا فهنا

يقع الكلام في مقامين:

أما الكلام في المقام الأول فنقول: انه قد استدل له بوجوه:

الأول- صحيح عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى الى منى فعرض له عارض فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس؟ قال: يرمى إذا أصبح مرتين (إحداهما) بكرة و هي للأمس و (الأخرى): عند زوال الشمس «1» و رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار مثله و الشيخ في الصحيح عنه أيضا الا انه قال: (يرمى إذا أصبح مرتين مرة لما فاته و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه و ليفرق بينهما يكون إحداهما بكرة و هي للأمس).

و أما اشتمال صحيح ابن سنان على المستحب لا يقدح لإمكان التفكيك في الحجية على ما تقدم في غير واحد من المقامات.

الثاني- تقدمه سببا الموجب ذلك لتقدم مسببه.

و (فيه): انه قد حقق في الأصول ان ذلك صرف استحسان فلا عبرة به.

الثالث- الإجماع. و (فيه): انه يكفي في وهنه صرف احتمال كونه مدركيا فضلا عن العلم، فالعبرة بالمدرك و هو صحيح عبد اللّه بن سنان لا الإجماع، فتدبر.

ينبغي هنا ذكر كلام صاحب الجواهر (قدس سره)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 1 و 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 95

..........

و هو انه (قدس سره) بعد ان استدل على الترتيب بين الرمي الادائى و القضائي بصحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم في صدر المبحث قال: (بل في كشف اللثام الاستدلال عليه بالاخبار و ان كان لم يحضرنا الآن الا ما سمعت بل في الرياض: «لم نجد الأخبار المفيدة لوجوب التقديم لأنها ما بين مطلقة للأمر بالقضاء و بين مصرحة بالتقديم

لكنه مقيد بقيد هو للاستحباب الى ان قال: و ظاهرهم عدم الخلاف في الاستحباب و ان أشعر بوجوده عبارة الدروس حيث جعله أظهر، و هو كذلك جمعا بينه و بين الصحيح المتقدم الآخر بالفصل بينهما بساعة المنافي لما في هذا الصحيح قطعا و الجمع بالحمل على تفاوت مراتب الاستحباب فأدناها ما سبق و أعلاها ما هنا لكن ظاهر الأصحاب الاعراض عن الحديث السابق فيلحق بالشواذ، و يتوجه حينئذ وجوب ما في هذا الصحيح ان لم ينعقد الإجماع على جواز الإتيان بهما في وقت واحد و أن انعقد، كما صرح به بعض الأصحاب حيث قال بعد الحكم بجوازه: بلا خلاف بشرط الترتيب، فالوجه الاستحباب و مما ذكرنا ظهر انه لا مستند لوجوب الترتيب سوى الإجماع» و لكن فيما افاده من عدم دلالة الصحيح المزبور على وجوب تقديم الرمي القضائى على الادائى اشكال واضح.

و اما اشتماله على استحباب القيد فهو لا يضره كما أشرنا إليه عند ذيل ذكر الوجه الأول و ذلك لما عرفت في غير واحد من نظائره من إمكان التفكيك في الحجية و في الجواهر: (يمكن دعوى ظهوره فيه و لو بملاحظة الشهرة و الإجماع).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 96

..........

و كيف كان فقد ظهر بما ذكرنا ضعف ما ذهب اليه بعض من عدم وجوب تقديم الفائت على الحاضر فلاحظ و تأمل و اللّه الهادي إلى الصواب.

أما الكلام في المقام الثاني فنقول: انه يمكن ان يقال ان دليل الترتيب ورد في خصوص الأداء دون القضاء فوجوب مراعاة الترتيب فيه يحتاج الى دليل تعبدي فإن قام فيحكم بلزوم مراعاته و الا فيتعين الرجوع الى الأصل:

فيقع الكلام حينئذ في ان مقتضاه هو الاحتياط، لرجوع الشك فيه الى

الشك في حصول الامتثال بالمأمور به لو أتى بها بدون الترتيب دون ما أتى بها معه فيتعين عليه ذلك، لان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، أو يكون مقتضاه هو البراءة لرجوع الشك فيه الى الشك في أصل التكليف لكون الترتيب قيدا زائدا و هو ينفي بالأصل ان لم نقل بأنه مثبت.

تنقيح هذا مبيّن على ان التّقابل بين الإطلاق و التّقييد من تقابل العدم و الملكة أو السلب و الإيجاب أو التقابل بينهما من تقابل التضاد:

فان قلنا بان التّقابل بينهما من قبيل تقابل العدم و الملكة أو السلب و الإيجاب فيجوز له الرجوع الى البراءة عند الشك في لزوم مراعاة الترتيب و أما إذا قلنا بان التقابل بينهما هو تقابل التّضاد فلا يجوز الرجوع إليه، لأن إثبات الإطلاق بالبراءة عن القيد تعويل على أصل المثبت الذي لا نقول به.

و بما انه قد حقّق في الأصول بأن التقابل بين الإطلاق و التقييد هو تقابل العدم و الملكة فيجري البراءة عن القيد و لا يلزم من جريانها محذور

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 97

و يستحب ان يكون ما يرميه لأمسه غدوة و ما يرميه ليومه عند الزوال (1)

و لكن قد يقال انه لا تصل النوبة الى الأصل و هو البراءة و ذلك لدعوى ظهور الأمر بقضاء الأمور المترتبة في زمانه: قضائها كما كانت، إلا إذا قام دليل على الخلاف فلاحظ و تأمل.

(1) ما أفاده المصنف (قدس سره) من استحباب كون رميه لأمسه غدوة و ما يرميه ليومه عند الزوال مما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم).

و لكن في المدارك: (ينبغي إيقاع الفائت بعد طلوع الشمس و ان كان الظاهر جواز الإتيان به قبل طلوعها، لإطلاق

الخبر) مراده منه صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم لقوله (عليه السلام) فيه: (يرمي إذا أصبح مرتين إحداهما بكرة و هي للأمس و الأخرى عند زوال الشمس) و ناقش صاحب الجواهر (قدس سره) في كلام صاحب المدارك بان المراد من قوله: (بكرة) في الخبر: هو طلوع الشمس كما اعترف به في كشف اللثام و محكي السرائر لا طلوع الفجر، و لو لما عرفت من تحديد الرمي بما بين طلوع الشمس الى غروبها الشامل للأداء و القضاء و ان الرمي في غيره لذوي الأعذار، بل عن المنتهى التصريح بمساواة القضاء للأداء في ذلك فلا ريب في ان الأحوط ان لم يكن الأقوى مراعاته و في المسالك في بعض الأخبار دلالة عليه.

لا يخفى ان ظاهر قوله (عليه السلام): (يرمي إذا أصبح مرتين إحداهما بكرة و هي للأمس و الأخرى عند زوال الشمس).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 98

و لو نسي رمى الجمار حتى دخل مكة رجع و رمى (1)

و ان كان هو الوجوب الا انه ترفع اليد عنه لأجل تسالم الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) على الخلاف. فتدبر

(1) اما وجوب الرجوع من مكة لرمي الجمار في أيام التشريق إذا نسيه مما لا ينبغي الإشكال فيه و هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل قد نفى عنه الخلاف، و استدل له بجملة من النصوص المروية عنهم عليهم السلام- منها:

1- حسن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت رجل نسي (رمى) الجمار حتى اتى مكة؟ قال: يرجع فيرمها يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت فاته ذلك و خرج؟ قال: ليس عليه شي ء «1» 2- صحيحة الآخر قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه

السلام) ما تقول في امرأة جهلت ان ترمى الجمار حتى نفرت إلى مكة؟ قال: فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمى و الرجل كذلك «2» 3- صحيحة الآخر ايضا قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل نسي رمى الجمار؟ قال: يرجع فيرميها، قلت: فإنه نسيها حتى اتى مكة؟ قال: يرجع فيرمى متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فإنه نسي أو جهل حتى فإنه و خرج؟ قال: ليس عليه ان يعيد «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب العود إلى منى الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 99

..........

تحقيق الكلام في هذه المسألة يتمّ في ضمن أمور الأول- ان مقتضى قوله (عليه السلام) في الحديث الأول من الأحاديث المتقدمة: (ليس عليه شي ء) في جواب السؤال عما إذا فاته ذلك و خرج هو عدم ثبوت القضاء عليه إذا مضى أيام التشريق كما هو صريح الحديث الثالث لقوله (عليه السلام) فيه: (ليس عليه ان يعيد).

و لكن يعارضهما ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: من أغفل رمى الجمار أو بعضها حتى تمضى أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فان لم يحجّ رمى عنه وليّه، فان لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمى عنه (و خ) فإنه لا يكون رمي الجمار إلا أيام التشريق «1».

ان قلت: انه ضعيف سندا، لأن في طريقه محمد بن عمر بن يزيد و لم يرد فيه توثيق و لا مدح يعتد به فلا عبرة به.

قلت: نعم لكنه منجبر بعمل الأصحاب

(رضوان اللّه تعالى عليهم) بمضمونه الموجب تكوينا للوثوق بصدوره فلا يصغى إلى المناقشة فيه بضعف السند.

و كيف كان فمقتضى الجمع بينها ان يقال ان الحديث الأول و الثالث لمعاوية بن عمار و ان كانا دالين على نفي القضاء عنه فيما إذا فاته الوقت

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب العود إلى منى الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 100

..........

بمضي أيام التشريق لكنهما مطلقان من حيث عدم القصاء عليه أصلا أو في عامه قبل أيام التشريق و هذا بخلاف رواية عمر بن يزيد، لدلالته على اختصاص رمى الجمار بأيام التشريق فليس عليه القضاء قبلها، بل يقضى بها فيها في العام القابل، فيقيد إطلاقهما بها فيحكم بلزوم القضاء في أيام التشريق في السّنة القادمة.

الثاني- ان صاحب المدارك بعد ان ذكر الحديث الأول و الثالث من الأحاديث المتقدمة في صدر المبحث قال: (و إطلاق هاتين الروايتين يقتضي وجوب الرجوع من مكة و الرمي و ان كان بعد انقضاء أيام التشريق.

و لكن صرح الشيخ و غيره ان الرجوع انما يجب مع بقاء أيام التشريق و مع خروجها تقضى في القابل، لخبر عمر بن يزيد المتقدم و هو المختار و سيأتي تفصيل ذلك عند تعرض المصنف (قدس سره) ذلك.

الثالث- ان قوله السلام: (يرجع فيرمى متفرقا يفصّل بين كل و ميتين بساعة) في حديث الثالث من الأحاديث المتقدمة في صدر المبحث هو وجوب الفصل بساعتين، و لكن ترفع اليد عنه لأجل تسالم الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) على الخلاف.

الرابع- انه لو نسي الرمي و رجع الى أهله لا تحرم عليه النساء و لو تعمد ترك الرمي، و هو المعروف بين الأصحاب (قدّس اللّه تعالى أسرارهم) و قد نفى

عنه الخلاف، الا عن أبي على، و يشهد له خبر عبد اللّه بن جبلة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) انه قال: من ترك رمى الجمار متعمّدا لم تحلّ له النّساء و عليه الحجّ من قابل «1».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب العود إلى منى الحديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 101

فان خرج من مكة لم يكن عليه شي ء إذا انقضى زمان الرمي (1)

و لكن لا يخفى ما فيه من المناقشة و الاشكال:

أما أولا- فلكونه ضعيفا سندا فلا يصار اليه، لعدم العبرة به.

و اما ثانيا- فلذهاب المشهور الى خلافه الموجب لخروجه عن حيّز دليل الاعتبار، و لذا حمله غير واحد على الندب.

و اما ثالثا- فلمعارضته بما دل على حلية النساء بطواف النساء.

و اما رابعا- فلدلالته على وجوب الحجّ عليه من قابل و لا يمكن الالتزام به و لكن قيل يحتمل ان يكون إيجاب الحج عليه من قابل لقضاء الرمي فيه فيكون بمعنى ما في خبر عمر بن يزيد «1» من ان عليه الرمي من قابل ان اراده بنفسه و إذا جاء بنفسه فلا بد من ان يحرم بحج أو عمرة) و كيف كان فلا عبرة بهذا الخبر، لما عرفته.

الخامس- انه هل تثبت الكفارة في مفروض المسألة أولا؟ و الظاهر عدم ثبوتها، للأصل.

و اما ما حكى عن بعض من ثبوت الهدى عليه فلا دليل عليه.

(1) كما هو المعروف بين الأصحاب و يدل عليه الاخبار الدالة على انه ان فاته فليس عليه شي ء المحمولة على صورة خروج الوقت بانقضاء أيام التشريق، لخبر عمر بن يزيد المتقدم لقوله (عليه السلام) فيه: (من أغفل رمي الجمار أو بعضها حي تمضي أيام التّشريق فعليه ان يرميها من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب العود إلى منى الحديث 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 102

فان عاد في القابل رمى و ان استناب فيه جاز (1)

قابل. «1».

و اما ضعفه من حيث السند فقد ذكرنا انه منجبر بالعمل.

(1) قال في الجواهر: (استظهر في المدارك ان العود في القابل لقضاء الرمي أو الاستنابة على الاستحباب كما صرح به في النافع قال (و لو حج في القابل استحب له القضاء و لو استناب جاز) و مال اليه صاحب المدارك (للأصل بعد ضعف الخبر المزبور المعارض بنفي الشي ء و الإعادة في الصحيحين «2» السابقين الشامل للقضاء).

و لكن لا يخفى ما فيه من المناقشة و الاشكال.

أما في الأصل فلانقطاعه بخبر عمر بن يزيد المتقدم الدال على وجوب قضاء الرمي في العام القابل.

و أما فيما افاده من ضعف الخبر فقد عرفت انجباره بعمل الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) به على ما أشرنا الى ذلك عند ذكره في الأمر الأول من الأمور الثلاثة المتقدمة و لم يصرح أحد بالاستحباب غير المصنف في النافع و الفاضل في محكي التبصرة على ما حكى عنهم.

و أما غيرهم فبين مصرح بالوجوب كالشيخ في التهذيبين و الخلاف، و الشهيدين في الدروس و المسالك و الروضة، و باللزوم كالحلبي، و آمر به كالشيخ في النهاية و الحلي في السرائر و الفاضل في التحرير و القواعد و ابن

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب العود إلى منى الحديث 4.

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب العود إلى منى الحديث 2 و 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 103

و يجوز ان يرمي عن المعذور كالمريض (1)

زهرة في الفنية مدعيا عليه الإجماع و ان كان

فيه ان المحكي عن الخلاف في كشف اللثام نه قال: (ان فاته دون اربع حصيات حتى مضت أيام التشريق فلا شي ء عليه و ان أتى به في القابل كان أحوط) و على كل حال ما عرفته يكفي في القول بانجبار سند الخبر المتقدم.

و أما كلام المصنف هنا فلا ظهور فيه في الاستحباب بل قوله:

(رمى) ظاهر في الوجوب كما في المسالك بل فيها قوله: (و ان استناب فيه جاز) وجوبه ايضا على إجمال فيه الى ان قال: (و الأقوى وجوب القضاء في القابل في أيامه لكن إذا اتفق حضوره وجبت عليه المباشرة و إلا جازت الاستنابة و ان أمكن العود) و الظاهر ان مراد المصنف ذلك و لكن العبارة مجملة و نفي الشي ء بفوات زمانه يحتمل ارادة غير القضاء) (تذييل): و هو انه لا ينافي القول بوجوب قضاء الرمي عليه في العام القابل ما تضمن من الاخبار على انه (ان فاته و خرج ليس عليه شي ء).

اما أولا فلا مكان حمله على نفي الرجوع إليه في تلك العام.

و اما ثانيا فلما عرفت من تقييد إطلاقها بخبر عمر بن يزيد المتقدم و كيف كان فيما ذكرنا ظهر ضعف القول بالندب المحكي عن المختصر النافع و التبصرة.

(1) اما جواز الرمي عن المعذور كالمريض و نحوه مما لا يستطيع الرمي بنفسه في وقت الرمي فمما لا ينبغي الإشكال فيه، و قد ادعى الإجماع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 104

..........

بقسميه عليه، و يدل عليه جملة من النصوص المروية عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: الكسير و المبطون يرمي عنهما قال: و الصبيان يرمي عنهم «1» 2- موثقة إسحاق بن

عمار، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن المريض ترمي عنه الجمار؟ قال: نعم يحمل إلى الجمرة و يرمي عنه «2» 3- خبره الآخر انه سأل أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن المريض ترمي عنه الجمار؟ قال: نعم يحمل إلى الجمرة و يرمى عنه، قلت:

لا يطيق (ذلك)؟ قال: يترك في منزله و يرمي عنه «3».

4- عن رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أغمي عليه؟ فقال: يرمى عنه الجمار «4».

5- ما رواه يحيى بن سعيد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:

سألته عن امرأة سقطت عن المحمل فانكسرت و لم نقدر على رمي الجمار؟

فقال: يرمى عنها و عن المبطون «5» الى غير ذلك من الاخبار المروية عنهم (عليهم السلام).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 3.

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 4.

(3) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2.

(4) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 5.

(5) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 105

..........

ينبغي هنا التّنبيه على أمور 1- ان مقتضى إطلاق الاخبار المتقدمة عدم الفرق في جواز الرّمي عن المعذور بين ما إذا كان مأيوسا من برئه أو لم يكن كذلك.

2- يقع الكلام في انه هل يجزيه رمي النائب حتى فيما ارتفع عذره في الوقت أولا؟ مقتضى قاعدة الإجزاء ذلك، و عن المنتهى و التحرير القطع به، و قرّبه في محكي التذكرة، لإطلاق الأخبار الظاهر في الاجزاء، لكنه مشكل كما عن بعض، بل لعلّه ظاهر القواعد.

أما أولا-

فلعدم ثبوت البدار لذوي الاعذار و اما ثانيا- فلما ذكرناه غير مرّة من ان الموضوع هو صرف الوجود من الوقت لصرف الوجود من العمل و هو المأمور به لا مطلق الوجود، و المفروض انه باق فيحكم بوجوب الرّمي عليه بعد ارتفاع عذره في الوقت فتدبر.

3- ان مقتضى إطلاق النصوص و الفتاوى عدم بطلان النيابة هنا بإغماء المنوب عنه، مضافا الى الأصل فما ذهب إليه بعض من البطلان قياسا على الوكالة واضح المنع، بل عن المدارك منع ثبوت الحكم في الأصل ان لم يكن إجماعا على وجه لا تجوز مخالفته، لانتفاء الدليل عليه.

و كيف كان فالعمدة عدم توقف النيابة هنا على الاذن، لان مقتضى إطلاق الاخبار هو جواز النيابة فيه و ان لم يكن باذنه، خلافا لما عن المبسوط من انه لا بد من اذنه إذا كان عقله ثابتا، بل ينبغي القطع بعدم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 106

..........

اعتبار اذن المنوب عنه مع فرض عدم قابليته لذلك بإغماء و نحوه و في صحيح رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أغمي عليه؟ فقال: يرمي عنه الجمار «1».

4- انه قد يقوى في النظر اجزاء التبرع عنه من دون الاستنابة منه و ان وجبت مع قابليته لها للخروج عن عهدة التكليف بالرمي، بل ينبغي القطع به في مثل المغمى عليه، لصحيحة رفاعة المتقدمة و صحيح حريز عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف به «2» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في المرأة المريضة التي لا تعقل انه يرمى عنها «3».

5- قد ذهب بعض الى ان الأولى

للولي أن يباشر العمل بعنوان المريض، و استدل له بأن بولايته عليه اولى من غيره و في محكي الدروس:

(لو أغمي عليه قبل الاستنابة و خيف فوات الرمي فالأقرب رمي الولي عنه فان تعذر فبعض المؤمنين) كما انه قد ذهب الى ان الاولى حمله الى الجمار مع الإمكان و وضع الحصاة في يده و الرمي بيد المنوب عنه، و حكي عن التذكرة استحباب ذلك هذا مع الإمكان و الا رمى بها و هي في يده و الا أخذها منه و رماها كما عن المبسوط و غيره.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 5.

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 9.

(3) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 11.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 107

و يستحب ان يقيم الإنسان بمنى أيام التشريق (1)

(1) اما استحباب المقام بمنى أيام التشريق بعد انقضاء زمن الرمي فمما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل قد نفى عنه الخلاف.

و استدل لذلك بعدة اخبار- منها:

1- صحيح العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الزيارة بعد زيارة الحج في أيام التشريق؟ فقال: لا «1».

2- خبر ليث المرادي انه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يأتي مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت تطوّعا؟

فقال: المقام بمنى أحب الى «2» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن ليث المرادي مثله، محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن أبي فضال عن المفضل ابن صالح عن ليث المرادي

مثله الا انه قال: (أفضل و أحبّ إليّ):

ينبغي هنا الإشارة إلى أمور 1- انه لا ينافي ما تقدم صحيح جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لا بأس ان يأتي الرّجل مكة فيطوف بها في أيام منى و لا يبيت بها «3» و صحيح رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب العود إلى منى الحديث 6.

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب العود إلى منى الحديث 5.

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب العود إلى منى الحديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 108

..........

عن الرجل يزور البيت في أيام التشريق؟ قال: نعم ان شاء «1» لدلالته على الجواز الذي لا ينافي الاستحباب.

2- ان قوله (عليه السلام): (لا) في صحيح العيص بن القاسم و ان كان ظاهرا في عدم جواز الزيارة بعد زيارة الحج في أيام التشريق الا انه ترفع اليد بنص الأخبار المتقدمة الدالة على الجواز ان يبقى في مكة إلى الليل لما ذكرناه غير مرة ان حكومة النص على الظاهر من اجلى الحكومات فيراد منه الكراهة و لكن لا بمعناها المصطلح بل بمعنى ان البقاء في منى أحس له من الذهاب إلى مكة لزيارة البيت بقرينة قوله عليه السلام: (المقام بمنى أحب الى) في خبر ليث المتقدم خصوصا بملاحظة صحيح شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن زيارة البيت أيام التشريق؟ فقال حسن «2» فتأمل.

4- أما الكلام فيما افاده المصنف (قدس سره) من استحباب إقامة الإنسان بمنى في أيام التشريق مع انك قد عرفت في صدر المبحث وجوب الإقامة بمني ليلا و كذلك وجوب الإقامة بها في النهار في

زمان الرمي و هو من جملة الأيام فاستحباب الإقامة في الأيام اما محمول على ما زاد على زمن الرمي الذي يكون واجبا- كما أفاده صاحب الجواهر و الشهيد الثاني بتقدير المضاف أي بقية أيام التشريق أو بالحمل على إطلاق اسم الجزء على الكل فإن الإقامة في باقي الأجزاء مستحبة أو يكون الاستحباب متعلقا بالمجموع من حيث هو مجموع فلا ينافي وجوب بعض اجزاء المجموع المغايرة له من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب العود إلى منى الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب العود إلى منى الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 109

و ان يرمى الجمرة الاولى من يمينه (1)

تلك الحيثية و في المسالك: (و يمكن إخراج الليالي من رأس بحمل الأيام على النهار فان في شمولها الليالي بحثا بل ظاهر اللغة عدمه) و لكن صاحب الجواهر (قدس سره) ادعى ظهور ارادة النهار من الأيام هنا حتى على القول بشمولها الليالي الا ان يكون على أحد الوجوه السابقة ايضا.

(1) اما استحباب رمى الجمرة الأولى التي هي أبعد الجمرات من مكة عن يمين الرامي و يسار الجمرة مما هو المعروف بين الأصحاب (قدس اللّه تعالى أسرارهم).

و يدل عليه ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (في حديث) قال: و ابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها من بطن المسبل. إلخ «1» إذا المراد من يسارها جانبها اليسار بالإضافة إلى المتوجه إلى القبلة فيجعلها حينئذ عن يمينه فيكون ببطن المسيل لأنها عن يسارها و يرميها منه كما افاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه).

و الى ما ذكر يرجع قول الامام الرضا عليه السلام (في حديث):

(ترمى الجمار من بطن الوادي و تجعل

كل جمرة عن يمينك ثم تنفتل في الشق الآخر إذا رميت جمرة العقبة) «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 110

و يقف و يدعوا و كذا الثانية و يرمى الثالثة مستدبر القبلة مقابلا لها و لا يقف عندها (1) و التكبير بمنى مستحب (2)

(1) لا ينبغي الكلام فيه و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: ارم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة و ابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها من بطن المسيل، و قل كما قلت يوم النحر، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد اللّه، و اثن عليه، و صلّ على النّبي و آله، ثم تقدم قليلا فتدعو، و تسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم ايضا، ثم افعل ذلك عند الثالثة و اصنع كما صنعت بالأولى و تقف و تدعوا اللّه كما دعوت، ثم تمضي إلى الثالثة و عليك السكينة و الوقار فارم و لا تقف عندها «1»

(2) اما استحباب التكبير بمنى فهو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم)، و يدل عليه صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن التكبير أيام التشريق أ واجب أو لا؟ قال:

مستحّب و ان نسي فلا شي ء عليه «2».

و أما ما يكون ظاهره الوجوب فترفع اليد عنه للصحيح المزبور الذي نص فيه على استحبابه حملا للظّاهر على النصّ، فيراد الاستحباب من

______________________________

(1) ذكر صدره في الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب رمى

جمرة العقبة الحديث 1 و ذيله في الباب 10 منها الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 21 من أبواب صلاة العيد الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 111

و قيل واجب (1)

الأمر بالتكبير و بالذكر في أيام معدودات في القرآن المجيد «1» بناء على ان المراد بها منى كما يدل على ذلك صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه عز و جل (وَ اذْكُرُوا اللّٰهَ فِي أَيّٰامٍ مَعْدُودٰاتٍ)؟ قال: التكبير في أيام التشريق صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث و في الأمصار عشرة صلوات فإذا نفر الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار و من أقام بمنى فصل الظهر و العصر فليكبر «2» و صحيح منصور بن حازم عنه (عليه السلام) أيضا في قول اللّه عز و جل (وَ اذْكُرُوا اللّٰهَ فِي أَيّٰامٍ مَعْدُودٰاتٍ)؟ قال: هي أيام التشريق كانوا إذا أقاموا بمنى بعد النحر تفاخروا، فقال الرجل منهم: كان أبي يفعل كذا و كذا فقال اللّه عز و جل (فَإِذٰا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفٰاتٍ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ.

كَذِكْرِكُمْ آبٰاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً.) «3».

(1) و القائل المرتضى و ابن حمزة و يمكن الاستدلال لوجوب التكبير في منى بوجهين:

الأول الإجماع و فيه مالا يخفى من الإشكال أما أولا فلمنعه للشهرة المتحققة على خلافه

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 199

(2) الباب 21 من أبواب صلاة العيد الحديث 1 و الباب 8 من أبواب العود إلى منى الحديث 4

(3) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 112

و صورته اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر اللّه أكبر على ما هدانا و الحمد

للّه على ما أولانا و رزقنا من بهيمة الانعام (1)

و اما ثانيا فلما ذكرنا في غير واحد من المقامات بان المعتبر منه هو التعبدي لا المدركى و في المقام يحتمل ان يكون مدركه الأمر بالتكبير و بالذكر في أيام معدودات في الكتاب العزيز فالعبرة به لا بالإجماع.

الثاني- الأمر بالتكبير و بالذكر في أيام معدودات في القرآن الكريم و الظاهر منه على ما حقق في محله هو الوجوب.

و لكن لا يخفى ان ظاهر إطلاق الأمر و ان كان بداعي الجد انه ترفع اليد عنه لصحيح علي بن جعفر عنه أخيه موسى عليهما السلام قال:

سألته عن التكبير أيام التشريق أ واجب أو لا؟ قال: مستحب و ان نسي فلا شي ء عليه «1» فيراد منه الاستحباب كما ذكرناه في صدر المبحث

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (قدس اللّه تعالى أسرارهم) و لكن يخالف ذلك ما ورد في ذيل صحيح منصور بن حازم قال:

و التكبير: اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه، و اللّه أكبر، اللّه أكبر، و للّه الحمد اللّه أكبر على ما هدانا، اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام «2» و ما ورد في صحيح معاوية بن عمار انما يكون مثل ما ورد في صحيح منصور بن حازم الا انه في آخره (و الحمد للّه على ما أبلانا «3» و في خبر علي بن

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة العيد الحديث 10.

(2) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة العيد الحديث 3

(3) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة العيد الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 113

و يجوز النفر في الأول و هو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة لمن اجتنب النساء

و الصيد في إحرامه (1)

جعفر عليه السلام «1» إسقاط التحميد الأخير في صحيح معاوية مع إسقاط التكبير الثاني بعد التهليل و في خبره الأخر «2» غير ذلك و في المرسل في خطبة علي عليه السلام صورة أخرى قال: (خطب أمير المؤمنين عليه السلام في الأضحى فقال: اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر اللّه أكبر و للّه الحمد اللّه أكبر على ما هدانا و له الشكر فيما أبلانا و الحمد للّه على ما رزقنا من بهيمة الأنعام «3».

قال في الجواهر: (و لعل هذا الاختلاف يومي الى الاستحباب بل في صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام سألته عن التكبير بعد كل صلاة؟ فقال: كم شئت انه ليس شي ء موقت) «4» و كيف كان فلا تنافي بين الأخبار لكون ما فيها من قبيل تعدد المطلوب لا وحدة المطلوب.

نعم إذا قام دليل على كونه من وحدة المطلوب فيتحقق ذلك إلا انه لم يثبت.

و اما استحباب التكبير فقد عرفت وجهه.

(1) كما هو المشهور بل ادعى عليه الإجماع بقسميه، بل في محكي المنتهى نسبته الى العلماء كافة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة العيد الحديث 15

(2) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة العيد الحديث 11

(3) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة العيد الحديث 5

(4) الوسائل الباب 24 من أبواب صلاة العيد الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 114

..........

و استدل لذلك بأمور الأول- الإجماع، و فيه: ما لا يخفى لعدم كونه من الإجماع التعبدي الموجب للقطع بالحكم فلا عبرة به.

الثاني- قوله تعالى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقىٰ) «1» بناء على كون المراد منه اتقاء الصيد

و النساء كما في النافع و محكي النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذب على ما في الجواهر.

الثالث- الاخبار- منها:

1- خبر حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عز و جل (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ) لمن اتقى الصيد يعني في إحرامه فإن أصابه لم يكن له ان ينفر في النفر الأول «2» 2- خبر الآخر عنه (عليه السلام) قال: إذا أصاب المحرم الصيد فليس له ان ينفر في النفر الأول، و من نفر في النفر الأول فليس له ان يصيب الصيد حتى ينفر الناس و هو قول اللّه عز و جل (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ. لِمَنِ اتَّقىٰ)؟ فقال: اتقى الصيد «3» 3- خبر جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (في حديث)

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 199

(2) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب العود إلى منى الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب العود إلى منى الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 115

..........

قال: و من أصاب الصيد فليس له ان ينفر في النفر الأول «1» 4- خبر محمد بن المستنير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: من أتى النساء في إحرامه لم يكن له ان ينفر في النفر الأول «2» و به يقيد إطلاق غيره مضافا الى الإجماع.

ينبغي هنا ذكر أمور الأول- ان ظاهر قوله (عليه السلام) في خبر محمد بن المستنير (من أتى النساء في إحرامه.) هو اختصاص الحكم بالوطي و أما إلحاق باقي المحرمات المتعلقة بها- كالتقبيل و اللمس و العقد و الشهادة- فهو مورد للكلام و الخلاف و عن المدارك: «و فيه وجهان» و عن

المسالك: «و فيه نظر».

لكن مقتضى الاقتصار على المتيقن في الخروج عن عموم جواز النفر الأول هو اختصاص الحكم بالوطي دون غيره فتأمل.

الثاني- ان مقتضى قوله عليه السلام في حديث جميل: (فإن أصاب الصيد لم يكن له ان ينفر في النّفر الأول) و نحوه في الحديث الأول و الثاني من الأحاديث المتقدمة هو اختصاص الحكم بالاصطياد، لظهور قوله (عليه السلام) (فإن أصابه) في الاصطياد دون سائر ما يحرم من الصّيد من الدلالة عليه و غيرها.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب العود إلى منى الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 116

و النفر الثاني و هو اليوم الثالث عشر (1) فمن نفر في الأول لم يجز الا بعد الزوال (2)

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا و قد نفى عنه الخلاف.

(2) و استدل لذلك بعدة اخبار- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك ان تنفر حتى نزول الشمس، و ان تأخرت إلى آخر أيام التشريق و هو يوم النفر الأخير فلا شي ء عليك أي ساعة نفرت قبل الزوال أو بعده «1» 2- صحيح الحلبي انه سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل ان تزول الشمس؟ فقال: لا و لكن يخرج ثقله إنشاء و لا يخرج هو حتى تزول الشمس «2» 3- صحيح أبي أيوب قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): انّا نريد ان نتعجل السير و كانت ليلة النفر حين سألته فأي ساعة تنفر؟ فقال:

لي أما اليوم

الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس و كانت ليلة النفر، و اما اليوم الثالث فإذا ابيضت الشمس فانفر على كتاب اللّٰه فان اللّٰه عز و جل يقول «3»: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ.

إلخ «4»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب العود إلى منى الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب العود إلى منى الحديث 6

(3) سورة البقرة الآية 199

(4) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب العود إلى منى الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 117

و في الثاني يجوز قبله (1)

و أما خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا بأس ان ينفر الرجل في النفر الأول قبل الزوال «1» فقد حمله الشيخ قدس سره على صورة الضرورة و كيف كان فهذا الخبر لا عبرة به، لكونه ضعيفا سندا.

مضافا الى ان أعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنه مانع من البناء عليه، فتأمل.

(1) اما جواز النّفر قبل الزّوال في النّفر الثّاني فهو ايضا مما هو المعروف بين الأصحاب (قدّس اللّه تعالى أسرارهم) بل قد نفى عنه الخلاف كما في محكي المنتهى، و غيره، بل ادعى عليه الإجماع كما في محكيّ التّذكرة و الغنية مع انه في الأخير لا يجوز الرمي إلّا بعد الزّوال كالمحكي عن الإصباح فيعلم من ذلك كلّه كما أفاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه) اتفاق الجميع هنا على القول المزبور.

مضافا الى صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- (عليه السلام)- على ما رواه الصّدوق و الشّيخ (قدّس سرّهما): (و ان تأخرت إلى آخر أيام التشريق و هو النفر الأخير فلا عليك أي ساعة نفرت و رميت قبل الزوال أو

بعده «2» و في المرسل: (و من أخر النّفر الى اليوم الثالث فله ان ينفر من أول النهار الى آخره متى شاء بعد ان يصلى الفجر و يرمى الجمار «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب العود إلى منى الحديث 11

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب العود إلى منى الحديث 3

(3) المستدرك ج 2 الباب 9 من أبواب العود إلى منى الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 118

..........

(تذييل) و هو انه هل يختص الحكم بالإمام أولا؟ ظاهر المصنف (قدس سره) و غيره عدم الفرق في ذلك بين الامام و غيره.

لكن عن التهذيب و النهاية و المبسوط و المهذب و السرائر و الفنية و الإصباح انه يجوز يوم النفر الثاني المقام الى الزوال و بعده إلا للإمام خاصة فعليه ان يصلي الظهر بمكة و قال في الجواهر: (لعلهم يريدون الندب كما محكي التحرير و التذكرة): و استدل لذلك بحديث حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: يصلى الامام الظّهر يوم النّفر بمكة «1» لا يخفى: انه و ان كان ظاهرا في الوجوب الا انه ترفع اليد عنه لأجل خبر أيّوب بن نوح قال: كتبت اليه ان أصحابنا قد اختلفوا علينا: فقال بعضهم: ان النّفر يوم الأخير بعد الزّوال أفضل، و قال بعضهم قبل الزّوال، فكتب أما علمت ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) صلّى الظهر و العصر بمكة فلا يكون ذلك إلا و قد نفر قبل الزّوال «2» (إيقاظ) و هو ان ظاهر قوله (عليه السلام): (أما علمت ان رسول اللّه صلّى الظهر و العصر بمكّة فلا يكون ذلك الّا و قد نفر قبل

______________________________

(1) الوسائل ج

2 الباب 12 من أبواب العود إلى منى الحديث 1.

و كذلك في الكافي في الجزء الرابع في الصفحة 520 الطبعة الحديثة.

و لكن الشيخ رواه عن الكليني بالإسناد عن معاوية بن عمار بدل (حماد عن الحلبي) في التهذيب في الجزء الخامس في الصفحة 273 الرقم 934 و ذكره صاحب الجواهر عنه.

(2) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب العود إلى منى الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 119

و يستحب للإمام أن يخطب و يعلم الناس ذلك (1) و من كان قضى مناسكه بمكة جاز ان ينصرف حيث شاء (2)

الزوال) هو استحباب النّفر قبل الزّوال لغير الإمام أيضا.

(تذييل): و هو انه يسقط الرّمي في اليوم الثّالث عمن نفر في النّفر الأول، و هو المعروف بين الفقهاء (قدّس سرّهم) بل في محكي المنتهى نفى الخلاف عنه، لكن حكم باستحباب دفن الحصى المختصّة بذلك اليوم فيها و لكن لم نجد دليلا على ذلك.

نعم في الدعائم عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) انه قال: (من تعجل النفر في يومين ترك ما يبقى عنده من الجمار بمني) «1» و لكن لا دلالة فيه على الدّفن بعد الغض عمّا ما فيه من حيث السّند فتدبر.

(1) أما استحباب الخطبة و اعلام الناس بالنّفر الأول و الثاني فمما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم).

و في الدروس و غيرها: (و ينبغي أن يعلمهم ايضا كيفية النفر و التوديع و يحثهم على طاعة اللّه تعالى و على ان يختموا حجهم بالاستقامة و الثبات على طاعة اللّه تعالى و ان يكون بعد الحج خيرا منهم قبله و ان يذكروا ما عاهدوا اللّه عليه من خير) و قد نفى عن ذلك كله البأس صاحب الجواهر

(قدّس سرّه)

(2) ما أفاده المصنف (قدّس سرّه) من جواز انصراف الحاج إذا قضى مناسكه بمكة بعد فراغه من المناسك في منى حيث شاء مما هو المعروف بين الأصحاب بل في الجواهر: (بلا خلاف و لا اشكال بل الظاهر الإجماع

______________________________

(1) المستدرك ج 10 الباب 7 من أبواب العود إلى منى الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 120

و من بقي عليه شي ء من المناسك عاد وجوبا (1)

[مسائل]
[الاولى من أحدث ما يوجب حدا أو تعزيرا أو قصاصا و لجأ إلى الحرم]

(مسائل) الاولى من أحدث ما يوجب حدا أو تعزيرا أو قصاصا و لجأ إلى الحرم ضيق عليه في المطعم و المشرب حتى يخرج (2)

عليه و استدل لذلك بخبر الحسين بن علي السري قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): اما يرى في المقام بمنى بعد ما ينفر الناس؟ فقال: إذا كان قد قضى نسكه فليقم ما شاء و ليذهب حيث شاء «1» و خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان أبي يقول: أو كان لي طريق إلى منزلي من منى ما دخلت مكة «2»

(1) وجوب العود على من بقي عليه شي ء من المناسك- كالطواف و نحوه- لتداركه مما لا ينبغي الارتياب فيه.

(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب (قدس اللّه تعالى أسرارهم).

بل قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه، و يدل عليه جملة من النصوص المروية عنهم عليهم السلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قتل رجلا في الحل ثم دخل في الحرم فقال: لا يقتل و لا يطعم و لا يسقى و لا يبايع و لا يؤوى حتى يخرج من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 13 من

أبواب العود إلى منى الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 121

..........

الحرم فيقام عليه الحد. إلخ «1» 2- حسن الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن قول اللّه عز و جل (وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً) «2» قال: إذا أحدث العبد جناية في غير الحرم ثم فر الى الحرم لم يسع لأحد ان يأخذه في الحرم، و لكن يمنع من السوق، و لا يبايع و لا يطعم و لا يسقى و لا يكلم، فإنه إذا فعل ذلك به يوشك ان يخرج فيؤخذ. «3»

3- خبر علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن قول اللّه عز و جل (وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً) قال: ان سرق سارق بغير مكة، أو منى جناية على نفس، ففر إلى مكّة، لم يؤخذ ما دام في الحرم حتى يخرج منه، و لكن يمنع من السوق فلا يبايع، و لا يجالس حتى يخرج منه، فيؤخذ، و إذا أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه «4» (تذييل) ان المراد من قول المصنف (ضيق عليه في المطعم و المشرب) هو انه لا يمكن من ماله بان يطعم و يسقى مالا يحتمله مثله عادة أو ما يسد به الرّمق كما عن بعض.

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1

(2) سورة آل عمران الآية 91

(3) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2

(4) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 122

و لو أحدث في الحرم قوبل بما يقتضيه جنايته فيه (1)

و لكن ظاهر قوله (عليه

السلام) في الأحاديث المتقدمة (لا يطعم و لا يسقى) خلافه، و النصوص المتقدمة لم تكن مشتملة على التضييق المذكور اللهم إلا ان يقال بإرادته منها لبعض العمومات و لو بمعونة الفتاوى فتأمل.

(1) لذيل صحيح معاوية بن عمار المتقدم (قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال: يقام عليه الحد في الحرم صاغرا لانه لم ير للحرم حرمة «1» و قد قال اللّه تعالى (فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ) «2» فقال: هذا في الحرم و قال (فَلٰا عُدْوٰانَ إِلّٰا عَلَى الظّٰالِمِينَ) «3» و قوله (عليه السلام) في حسن الحلبي: (و إذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه عليه الحد في الحرم، لانه لم ير للحرم حرمة «4» و قوله (عليه السلام) في ذيل خبر علي بن أبي حمزة (و إذا أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه) «5»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1

(2) سورة البقرة الآية 190

(3) سورة البقرة الآية 189

(4) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2

(5) الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 123

[الثانية: يكره أن يمنع أحد من سكنى دور مكة]

الثانية: يكره أن يمنع أحد من سكنى دور مكة (1)

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و استدل لذلك بجملة من النصوص- منها:

1- خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال:

و ليس ينبغي لأهل مكة ان يمنعوا الحاج شيئا من الدور ينزلونها «1» 2- صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:

ليس ينبغي لأهل مكة ان يجعلوا على دورهم أبوابا و ذلك ان الحاج ينزلون معهم

في ساحة الدار حتى يقضوا حجهم «2» 3- صحيح الحلبي المروي في العلل بعد أن سأله عن قول اللّه عز و جل (سَوٰاءً الْعٰاكِفُ فِيهِ وَ الْبٰادِ) قال: لم يكن ينبغي ان يوضع على دور مكة أبواب، لأن للحاج ان ينزلوا معهم في دورهم في ساحة الدار حتى يقضوا مناسكهم و ان أول من جعل لدور مكة أبوابا معاوية. «3»

4- خبر الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) انه نهى أهل مكة ان يؤاجروا دورهم و ان يعلقوا عليها أبوابا و قال:

سواء العاكف فيه و الباد. «4»

5- حسن الحسين بن أبى العلاء قال: ذكر أبو عبد اللّه (عليه السلام) هذه الآية: (سواء العاكف فيه و الباد) قال: كانت مكة ليس على شي ء منها باب و كان أول من علق على بابه المصراعين معاوية بن أبي سفيان، و ليس لأحد ان يمنع الحاج شيئا من الدور منازلها «5»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 8

(2) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 6

(5) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 124

و قيل يحرم (1)

(1) و القائل الشيخ (قدس سره) فيما حكى عنه و استدل لهذا القول بأن مكة كلها مسجد لقوله تعالى (سُبْحٰانَ الَّذِي أَسْرىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) «1» و كان الإسراء به من دار أم هاني و لكن لا يخفى ما فيه أما أولا- فلمنافاته للإجماع بقسميه على

عدم كونها مسجدا.

و أما ثانيا فلمنع كونه في الدار المزبورة.

مضافا الى انه يمكن القول بكون الإسراء به منها الى المسجد الحرام ثم منه الى المسجد الأقصى كما افاده صاحب الجواهر (قدس سره) ثم انه يمكن الاستدلال لهذا القول بوجهين:

الأول- الإجماع كما هو المحكي عن ابن إدريس و (و فيه): ما لا يخفى أما أولا- فلعدم ثبوته للشهرة على خلافه.

و أما ثانيا- فقد ذكرنا غير مرّة ان الإجماع المعتبر هو التعبدي لا المدركى و في المقام يكفي في مناقشته صرف احتمال كونه مدركيا فضلا عن العلم به فلا عبرة به و العبرة بالمدرك ان تم.

الثاني- الاخبار كما هو المحكي عنه ايضا و قال: (ان الاخبار و ان لم تكن متواترة الا انها متلقاة بالقبول) و (فيه): ان الاخبار لا تدل على الحرمة و أما ما تكون ظاهرة فيها فيتعين رفع اليد عنه، لما تكون نصا

______________________________

(1) سورة الإسراء الآية 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 125

و الأول أصح (1)

في عدم الحرمة، لقاعدة حكومة النصّ على الظّاهر.

و قال صاحب الجواهر الاولى: الاستدلال بظاهر قوله تعالى (سَوٰاءً الْعٰاكِفُ فِيهِ وَ الْبٰادِ) «1» بما تسمعه من النصوص المفسرة له بذلك الى ان يقول في آخر المبحث: (ان شهرة الأصحاب و التعبير بلفظ: «لا ينبغي» و نحوه رجّح الكراهة.

(1) ما افاده المصنّف (قدّس سرّه) من كراهة منع الحاج و المعتمر من سكنى دور مكة مما لا ينبغي الإشكال فيه، لما عرفت من الاخبار الدالة على ذلك في صدر المبحث.

انما الكلام في جواز أخذ الأجرة و عدمه، فذهب أبو علي الى حرمة ذلك، و لعله لما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري في (قرب الاسناد) عن الحسين بن ظريف عن الحسين

بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) انه نهى أهل مكة ان يؤاجروا دورهم و ان يعلّقوا عليها أبوابا. «2» و لكن هذا الخبر ضعيف سندا فلا عبرة به.

و اما انجبار ضعفه بعمل الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) فلم يثبت و قد حمله صاحب الجواهر (قدس سره) على الكراهة.

و يمكن أن يكون وجه ذلك هو ان الكراهة مما يتسامح فيها.

و لكن قد ذكرنا غير مرّة ان قاعدة التّسامح على فرض فرض تماميّتها

______________________________

(1) سورة الحج الآية 25

(2) الوسائل ج 2 الباب 32 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 126

[الثالثة: يحرم أن يرفع أحد بناء فوق الكعبة]

الثالثة: يحرم أن يرفع أحد بناء فوق الكعبة (1) و قيل يكره و هو الأشبه (2)

فهي تختص بالمستحبات و لا يمكن التعدي عن موردها إلى الكراهة، فإذا كان دليل الكراهة ضعيفا فلا يمكن الحكم بها، لخروجه به عن حيز دليل الاعتبار، فتدبر.

(1) قال به الشيخ قدّس سرّه و جماعة على ما في المدارك لاستلزامه الإهانة لها قال في الجواهر: (و في كشف اللثام حكاه عن الشيخ و ابن إدريس ثم قال: و لم أره في كلاهما، نعم نهى عنه القاضي و هو يحتمل الحرمة).

(2) القائل بالكراهة المشهور- كما في كشف اللثام- و اختاره المصنّف (قدّس سرّه) لكونه أشبه بأصول المذهب و قواعده.

و يمكن الاستدلال لذلك بصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (في حديث) قال: و لا ينبغي لأحد أن يرفع بناء فوق الكعبة «1».

ينبغي هنا الإشارة إلى أمرين.

الأول- انه كما يشمل البناء الدّار كذلك يشمل غيرها.

الثاني- ان ظاهر رفع البناء هو كون ارتفاعه أكثر من ارتفاع الكعبة فلا يكره البناء على الجبال حولها قال في

الجواهر (مع احتماله خصوصا مع التسامح في الكراهة) فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 127

[الرابعة: لا تحل لقطة الحرم]

الرابعة: لا تحل لقطة الحرم قليلة كانت أو كثيرة و تعرف سنة ثم ان شاء تصدق بها و لا ضمان عليه و ان شاء جعلها في يده امانة (1)

(1) قال في المسالك اختلف الأصحاب في لقطة الحرم على أقوال:

فالمصنف في هذا الكتاب حرم قليلها و كثيرها، و في النافع: كرهها مطلقا و ذهب بعضهم إلى جواز ما نقص عن الدرهم و تحريم الزائد. ثم على تقدير الجواز لا يجوز تملك ما زاد على الدّرهم إجماعا، بل يجب تعريفه حولا، ثم يتخيّر بعده ان لم يجد مالكه بين إبقائه في يده امانة و بين الصدقة به، و في الضّمان حينئذ لو ظهر المالك و في التّذكرة؟ وجهان:

و في المختلف: أطلق دعوى الإجماع على تحريم تملك لقطة الحرم، مع انه نقل بعد ذلك عن جماعه: جواز تملك ما نقص عن الدرهم، و القول بالكراهة مطلقا أقوى، لضعف تمسك و القول بجواز تملك ما نقص عن الدرهم منها، لا بأس به، و هي خيرة الدروس، و كذا القول بضمان ما زاد لو تصدّق به فكره المالك كغيرها).

و كيف كان فتحقيق الكلام و تفصيله موكول الى محله و على نحو الإجمال و الاختصار حسب مقتضى الأخيار: (ان اللقطة ان كانت قيمتها أقل من الدّرهم جاز تملّكها في الحال من دون احتياج الى تعريف و فحص عن مالكها و لكن لا يملكها قهرا و بدون قصد التملك فتملكها يحتاج إلى القصد فان جاء مالكها بعد ما التقطها دفعها اليه مع بقائها و ان تملكها

و ان كانت تالفة لا يحكم بضمان الملتقط و ليس عليه عوضها ان كان بعد التملك.

هذا كله، إذا كانت قيمة اللقطة أقل من الدرهم و أما إذا كانت

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 128

[الخامسة: إذا ترك الناس زيارة النبي صلى اللّه عليه و آله أجبروا عليها]

الخامسة: إذا ترك الناس زيارة النبي صلى اللّه عليه و آله أجبروا عليها (1)

قيمتها درهما أو أكثر وجب عليه تعريفها و الفحص عن صاحبها إلى سنة كاملة فان لم يظفر به فان كانت لقطة الحرم تخير بين أمرين التصديق بها أو إبقائها عنده و حفظها لمالكها و ليس له تملكها و ان كانت لقطة غير الحرم تخير بين أمور ثلاثة تملكها، و التصدق بها مع الضمان فيهما و إبقائها أمانة بيده من غير ضمان).

(1) ما أفاده المصنف (قدس سره) مما لا ينبغي الإشكال فيه، و ذلك لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لو ان الناس تركوا الحج لكان على الوالي ان يجبرهم على ذلك و على المقام عنده و لو تركوا زيارة النبي (صلى اللّه عليه و آله) لكان على الوالي ان يجبرهم على ذلك و على المقام عنده فان لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين «1».

و لا يخفى ان ظاهره هو وجوب إجبار الناس على الوالي لزيارة النبي (صلى اللّه عليه و آله) لو تركوها و على الحج لو تركوه و لكن بمقدار الكفاية.

و اما ما في المسالك «2» من عدم دلالته على الوجوب الشرعي الذي عقابه أخروي لو ترك و هذا بخلاف زيارة النبي (صلى اللّه عليه و آله)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) يذكر ما في المسالك بصورة مفصلة عند

ذيل المبحث.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 129

لما يتضمن من الجفاء المحرم (1)

فان عقاب تركها و هو الإجبار أمر دنيوي فلا يمكن المساعدة عليه، لعدم مشروعية الإجبار على ترك غير الواجب.

اللهم الا ان يقال بعدم البعد في جبر الناس على المندوب لو أجمعوا على تركه بعد ورود النّص الصّحيح عليه فيكون كالجبر على الأذان لو أجمعوا على تركه، و قد ذكره الشهيد الثاني (قدس سره) حيث قال: قد اتفقوا على إجبار أهل البلد على الأذان بل على قتالهم إذا أطبقوا على تركه) كما ورد ذلك بالنسبة إلى حضور الجماعة لو أجمعوا على تركها.

(1) استدل المصنف (قدس سره) و غيره لاجبار الناس على زيارة النبي لو تركوها بان ترك زيارة النبي جفاء و في النبوي: (من أتى مكة حاجا و لم يزرني إلى المدينة جفاني) و في خبر أبي حجر الأسلمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله):

من أتى مكة حاجا و لم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة و من أتاني زائرا أوجبت له شفاعتي و من أوجبت له شفاعتي وجبت له الجنة و من مات في أحد الحرمين مكة و المدينة لم يعترض و لم يحاسب و من مات مهاجرا الى اللّه عز و جل حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر «1».

و لكن يمكن المناقشة فيه- مضافا الى عدم دلالته على المطلوب- اما أولا فلا مكان دعوى عدم تحقق الجفاء المحرم بترك الزيارة المندوبة و اما ثانيا- فعلى فرض تماميتها فنقول: ان لازمه هو وجوب إجبار كل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب المزار الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 130

..........

واحد عليها و

هو مناف لكونها مندوبة على الآحاد، كما أفاده صاحب الجواهر (قدّس سرّه).

اللهم الا ان يقال: انها و ان كانت مندوبة على الآحاد الا انه إذا اتفق الجميع على تركها كان جفاء له فيكون حراما كما أفاده في الرياض يجب على الوالي إجبارهم على ترك هذا الجفاء و لكنه أيضا لا يخلو من منع، على انه يأتي ذلك في جميع زيارات الأئمة (عليهم السلام) و العمدة في المسألة هو صحيح معاوية بن عمار المتقدم «1» الذي قلنا بدلا على وجوب ذلك كفاية فيجبرون عليه لو تركوه فبما ذكرنا ظهر ما في المسالك عند شرح عبارة المصنف: (لما يتضمن من الجفاء المحرم و إليك نص عبارتها: (أشار بالتعليل الى ما ورد عنه: (انه قال من حج و لم يزرني فقد جفاني) و لا شك ان جفاه محرم فيكون ترك زيارته و ان كانت في الأصل مستحبا مؤديا بالتحريم بسبب استلزامه الجفاء، هكذا ذكره الشيخ (رحمه اللّه تعالى) و تبعه عليه أكثر المتأخرين، و أنكر ابن إدريس الإجبار هنا، محتجّا: (بأن الزيارة مندوبة و ليس من المندوب يجبر على فعله) و كلية الكبرى: ممنوعة فإن المندوب إذا أدى تركه بالاستهانة يجبر على فعله، و قد اتفق على إجبار أهل البلد على الأذان بل على قتالهم إذا أطبقوا على تركه، نعم يبقى في استدلال الجماعة بحث من حيث انّ ترك زيارته إذا كان يتضمن الجفاء يقتضي التحريم، فيجب الزيارة من حيث انها دافعة للجفاء، فيتحقق الإجبار على تركها بغير

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 131

[و يستحب]

و يستحب العود إلى مكة لمن قضى مناسكه لوداع البيت

(1)

إشكال، الا ان ذلك يستلزم القول بوجوبها و هم لا يقولون به، فاللازم حينئذ أحد الأمرين: أما القول بوجوبها، أو ترك التعليل بالجفاء، و أيضا فالعمل ظاهر الحديث يقتضي إجبار كل حاج يترك زيارة النبي، لان (من) من صيغ العموم فيشمل كل فرد من افراد الحاج و مدعاهم هو إجبار الجميع لو تركوها لا إجبار مطلق التارك مع قيام غيره بها، و على تقدير خروج بعض الافراد بدليل خارجي- كمن تعذر عليه زيارته- يبقى العام حجة على الباقي، و بهذا يندفع ما ذكره بعضهم من ان قوله (من حج) ليس كليا، بل هو مهملة في قوة الجزئية، فلا يصدق كل من ترك زيارته فقد جفاه، فان خروج بعض الافراد لعارض لا يمنع الكلية كغيرها من صيغ العموم الواردة في الأحكام الشرعيّة، فإنه كما اشتهر: (ما من عامّ الا و قد خصّ) الّا ما استثنى، و مع ذلك لا يمنع عمومه و دلالته على حكم الباقي و الاولى في الجواب ما تقدم من استلزام ترك الجميع زيارته التهاون بأعظم السّنن و أجلها فيجبرون عليها الا ان يقوموا بما يدفع ذلك و الجبر و ان كان عقابا: لا يدل على الوجوب، لأنه دنيوي و انما يتحقق بترك الواجب: العقاب الأخروى على وجه).

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب قديما و حديثا، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى النّصوص الواردة في توديع البيت و منها صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا أردت ان تخرج من مكة فتاتي أهلك فودّع البيت و طف أسبوعا و أن استطعت ان تستلم الحجر الأسود

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 132

و يستحب امام ذلك صلاة ست ركعات

مسجد الخيف (1) و آكده استحبابا عند المنارة (2) التي في وسطه و فوقها إلى جهة القبلة بنحو ثلاثين ذراعا عن يمينها و يسارها كذلك (3)

و الركن اليماني في كل شوط فافعل و الا فافتح به و اختم، فان لم تستطع ذلك فموسع عليك، ثم تأتى المستجار فتصنع عنده مثل ما صنعت يوم قدمت مكة، ثم تخير لنفسك من الدعاء، ثم استلم الحجر الأسود، ثم ألصق بطنك بالبيت و احمد اللّه و أثن عليه وصل على محمد و آله، ثم قل اللهم صل على محمد عبدك و رسولك و نبيك و أمينك و حبيبك و نجيبك و خيرتك من خلقك اللهم كما بلغ رسالتك و جاهد في سبيلك و صدع بأمرك و أو ذي فيك و في جنبك و عبدك حتى أتاه اليقين، اللهم اقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به أحد من و فدك من المغفرة و البركة و الرضوان و العافية مما يسعى أن أطلب أن تعطيني مثل الذي أعطيته أفضل من عبدك تزيدني عليه. إلخ «1» و نحوه غيره من الاخبار.

(1) لخبر أبي بصير المتقدم «2» و لكن لا دلالة فيه على استحباب صلاة ست ركعات في مسجد الخيف امام عوده في يومه أو قبله لكونه ظاهرا في استحباب ذلك في المكان المزبور لشرفه.

(2) المعبر عنها في خبر أبي حمزة الثمالي «3» المتقدم بالصومعة

(3) بل و خلفها كما دل عليه خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 51 من أبواب

أحكام المساجد الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 133

و يستحب التحصيب لمن نفر في الأخير و ان يستلقي فيه (1).

(عليه السلام) قال: صل في مسجد الخيف و هو مسجد منى و كان مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد و فوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا و عن يمينها و عن يسارها و خلفها نحوا من ذلك قال: فتحر ذلك فان استطعت أن يكون مصلاك فيه فافعل فإنه قد صلى فيه ألف نبي و انما سمى الخيف لانه مرتفع عن الوادي و ما ارتفع عن الوادي سمي خيفا «1»

(1) ما أفاده المصنف (قدس سره) من النزول في وادي المحصب و الاستلقاء فيه مما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و استدل له بعدة اخبار- منها.

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (في حديث) قال فإذا نفرت و انتهيت الى الحصباء و هي البطحاء فشئت أن تنزل قليلا، فإن أبا عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان أبي ينزلها، ثم يحمل فيدخل مكة من غير ان ينام بها «2» و رواه مثله عنه عليه السلام و زاد:

(و قال: ان رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» انما نزلها حيث بعث بعائشة مع أخيها عبد الرحمن الى التنعيم فاعتمرت لمكان العلة التي أصابتها فطافت بالبيت، ثم سعت، ثم رجعت فارتحل من يومه) «3».

2- خبر ابان عن أبي مريم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) انه

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 50 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

(3) الوسائل ج

2 الباب 15 من أبواب العود إلى منى الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 134

..........

سئل عن الحصبة؟ فقال: كان أبي ينزل الأبطح قليلا، ثم يجي ء فيدخل البيوت من غير ان ينام بالأبطح، فقلت له: أ رأيت ان تعجل في يومين ان كان من أهل اليمن عليه ان يحصب؟ قال: لا «1» و رواه الصدوق بإسناده عن أبان الا انه أسقط قوله (ان كان من أهل اليمين) و زاد:

(و قال كان أبي عليه السلام ينزل الحصبة قليلا ثم يرتحل و هو دون خبط و حرمان «2» 3- في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال:

يستحب لمن نفر من منى ان ينزل بالمحصب و هي البطحاء فيمكث بها قليلا ثم يرتحل إلى مكة، فإن رسول اللّه كذا فعل و كذلك كان أبو جعفر (عليه السلام) كان يفعله «3» ينبغي هنا الإشارة إلى أمور الأول- ان هذه الاخبار لأدلة فيها على اختصاص التحصيب بالنفر الأخير الثاني- انه لم يذكر فيها الاستلقاء نعم عن الفقه المنسوب الى الرضا «عليه آلاف التحية و الثناء»: فإذا رميت الجمار يوم الرابع ارتفاع النهار فامض منها إلى مكة فإذا بلغت مسجد الحصبة دخلته و استلقيت فيه على قفاك على قدر ما تستريح) «4» و لكن لم يثبت نسبته عندنا، فتدبر الثالث- ذكر الشيخ و غيره ان التحصيب النزول في مسجد الحصبة و هذا المسجد غير معروف الآن.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب العود إلى منى الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب العود إلى منى الحديث 4

(3) المستدرك الباب 13 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

(4) فقه الرضا ص 29

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص:

135

..........

قال في الدروس: (و يستحب للنافر في الأخير التحصيب تأسيا بالرسول صلى اللّه عليه و آله و هو النزول بمسجد الحصبة بالأبطح الذي نزل به رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و يستريح فيه قليلا و يستلقي على قفاه و روى «1» ان النبي (صلى اللّه عليه و آله) يصلى فيه الظهرين و العشاءين و هجع هجعة ثم دخل مكة و ليس التحصيب من سنن الحج و مناسكه و انما هو فعل مستحب اقتداء برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله) و قال ابن إدريس: (ليس للمسجد أثر الآن فتتأدى هذه السنة بالنزول بالمحصب من الأبطح و هو ما بين العقبة و بين مكة و قيل هو ما بين الجبل الذي عند مقابر مكة و الجبل الذي يقابله مصعدا في الشق الأيمن لقاصد مكة و ليست المقبرة فيه و اشتقاقه من الحصباء و هو الحصى المحمول بالسيل) و قد اعترف غير واحد بأنه ليس لهذا المسجد أثر الا انه قبل ظاهر كلام الصدوق و الشيخين وجوده في زمنهم.

و قال ابن الفاخر على ما حكي في الجواهر: (ما شاهدت أحدا يعلمني به في زماني و انما أوقفني أحد على اثر مسجد قرب منى على يمين قاصد مكة في مسيل- واد- قال و ذكر آخرون انه عند مخرج الأبطح إلى مكة و كيف كان فلم يذكر في أخبارنا ان التحصيب هو النزول في مسجد الحصبة بل دلت على استحباب النزول في المحصب الذي هو الوادي.

و أما الفقه المنسوب الى الامام الرضا (عليه السلام) و ان كان مشتملا

______________________________

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 160

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 136

و إذا عاد إلى مكة فمن

السنة ان يدخل الكعبة (1)

على المسجد الا أنه لم يثبت نسبته عندنا.

و في مجمع البحرين (أن الأبطح في الحديث انه صلى بالأبطح يعنى مسيل وادي مكة و هو مسيل واسع فيه دقائق حصى اوله عند منقطع الشعب بين وادي منى و آخره متصل بالمقبرة التي تسمى بالمصلي عند أهل مكة و يجمع على الأباطح و البطاح بالكسر على غير القياس و البطحاء مثل الأبطح و منه بطحا مكة.

الخامس- ان ظاهر قوله عليه السلام (دون خبط و حرمان) انهما اسمان ثم زالا و زال اسمهما و في المدارك: (لم أقف في كلام أهل اللغة على شي ء يعتد به في ضبط هذين اللفظين و تفسيرهما) و في الوافي على ما في الجواهر: (لعل المراد بما دون ضبط و حرمان ان لا ينام فيه مطمئنا و لا يجاوزه محروما من الاستراحة فيه فان الخبط بالمعجمة و الموحدة طرح النفس حيث كان النوم و في بعض النسخ: (ذو خبط) يعني يرتحل و هو طارح نفسه للنوم و محروم من النوم).

و لكن ما حكى عن الأزرقي في الجواهر: (حد المحصب من الحجون متصعدا في الشق الأيسر و أنت ذاهب إلى منى الى حائط حرمان مرتفعا عن بطن الوادي) يدل على ما ذكرناه.

(1) ما افاده المصنف (قدس سره) من استحباب دخول الكعبة الشريفة (زادها اللّه تعالى شرفا) مما لا ينبغي الإشكال فيه، و استدل لذلك بالاخبار المروية عنهم عليهم السلام- منها:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 137

و يتأكد في حق الصرورة (1)

1- صحيح معاوية بن عمار قال: رأيت العبد الصالح عليه السلام دخل الكعبة فصلى فيها ركعتين على الرّخامة الحمراء، ثم قام، فاستقبل الحائط بين الركن اليماني و الغربي فرفع يده

عليه و لصق به و دعا، ثم تحول الى الركن اليماني فلصق به و دعا، ثم أتى الركن الغربي، ثم خرج «1» 2- خبر أبي القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: سألته عن دخول الكعبة فقال الدخول فيها دخول في رحمة اللّه تعالى، و الخروج منها خروج من الذنوب معصوم فيما بقي من عمره، مغفور له ما سلف من ذنوبه «2».

3- مرسل علي بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان يقول: الداخل في الكعبة يدخل و اللّه راض عنه، و يخرج عطلا من الذنوب «3».

4- مرسل الصدوق من دخل الكعبة بسكينة و وقار و هو ان يدخلها غير متكبّر و لا متجبر غفر له «4».

(1) اما تأكد استحباب دخول الصرورة في الكعبة فقد استدل له بعدة أخبار- منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 36- أبواب مقدمات الطواف الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1.

(3) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2.

(4) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 138

..........

1- خبر سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لا بد للصرورة أن يدخل البيت قبل ان يرجع فإذا دخلته فأدخل بسكينة و وقار ثم أنت كل زاوية من زواياه «1».

2- مرسل ابان بن عثمان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:

يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام و ان يدخل البيت «2».

3- خبر حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن دخول البيت؟ فقال: اما الصّرورة فيدخله، و أما من قد حج فلا «3» 4- خبر سليمان بن مهران عن

جعفر بن محمد (عليهما السلام) (في حديث) قال: قلت له: و كيف صار الصّرورة يستحب له دخول الكعبة دون من قد حج؟ قال: لأن الصّرورة قاضي فرض مدعو الى حج بيت اللّه تعالى فيجب أن يدخل البيت الذي دعى اليه ليكرم فيه «4» 5- خبر على بن جعفر قال: سألت أخي موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن دخول الكعبة أ واجب هو على كلّ من قد حجّ؟ قال: هو واجب أوّل حجة ثم ان شاء فعل و ان شاء ترك «5» الى غير ذلك من الاخبار و ليس المراد من قوله (عليه السلام): (هو واجب أوّل حجة) معناه المصطلح بل بمعنى ثابت بقرينة باقي الأخبار.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 4

(5) الوسائل ج 2 الباب 35 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 139

و أن يغتسل و يدعو عند دخولها (1) و ان يصلى بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين يقرء في الأولى الحمد و حم السجدة و في الثانية عدد آيها (2) و يصلي في زوايا البيت (3)

(1) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل ان تدخل و لا تدخل بحذاء و تقول إذا دخلت اللهم انك قلت و من دخله كان آمنا فآمين من عذاب النار. «1»

و قوله (عليه السلام): (فاغتسل) و ان كان ظاهرا في الوجوب الا انه ترفع اليد

عنه لأجل تسالم الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) على الخلاف و أما الاستحباب فلا وجه لرفع اليد عنه، فتدبر.

(2) لقوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم (ثم تصلى ركعتين بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء [1] تقرأ في الركعة الأولى حم السجدة و في الثانية عدد آيها من القرآن. إلخ) و نحوه غيره من الأخبار.

(3) لقوله عليه السلام في ذيل صحيح معاوية بن عمار المتقدم:

(و تصلى في زواياه) و خبر محمد بن إسماعيل بن همام قال أبو الحسن عليه

______________________________

[1] في الحديث يصلي على الرخامة الحمراء يعني في الكعبة المشرفة و الرخام حجر معروف (مجمع البحرين)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 140

ثم يدعو بالدعاء المرسوم (1) و يستلم الأركان و يتأكد في اليماني (2)

السلام) دخل النبي الكعبة فصلى في زواياها الأربع و صلّى في كل زاوية ركعتين «1»

(1) و هو ما ورد في خبر سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لا بد للصّرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع فإذا دخلته فادخله بسكينة و وقار ثم ائت كل زاوية من زواياه ثم قل اللهم انك قلت فمن دخله كان آمنا فآمني من عذابك «ب» يوم القيامة. «2» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل ان تدخلها و لا تدخلها بحذاء و تقول: إذا دخلت: اللّهم انّك قلت: و من دخله كان آمنا فآمني من عذاب النار «3»

(2) لصحيح معاوية بن عمار المتقدم «4» لقول (عليه السّلام) فيه: (ثم تحوّل الى الرّكن اليماني. إلخ) و خبر الحسين بن أبي العلاء

قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) و ذكرت الصلاة في الكعبة؟ قال: بين العمودين تقوم على البلاطة الحمراء، فان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) صل عليها، ثم اقبل على أركان البيت و كبّر الى كل ركن منه «5» و نحوهما غيرهما من الأخبار ينبغي هنا ذكر أمور:

الأول- قد صرح بعض الأصحاب باستحباب البكاء في الكعبة

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 5، ص: 140

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 4

(5) الوسائل ج 2 الباب 36 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 141

..........

و حولها من خشية اللّه و في خبر العزرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

انما سميت مكة بكة، لأن الناس يتباكون فيها «1» و في خبر عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام لم سميت الكعبة بكة؟ فقال.

لبكاء النّاس حولها و فيها «2» الثاني- انه قد عرفت في صحيح معاوية بن عمّار من الأمر بالغسل لدخول الكعبة و هذا لا يختص بالرّجال بل يحكم به للنساء ايضا.

و يمكن الاستدلال له- مضافا الى قاعدة الاشتراك- بما رواه عبيد اللّه ابن على الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) أ يغتسلن النساء إذا أتين البيت؟ قال: نعم، ان اللّه عزّ و جلّ يقول (طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ

وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ) «3» فينبغي للعبد ان لا يدخل الا و هو طاهر قد غسل عنه العرق و الأذى و يتطّهر «4» الثالث- انه يستحب التكبير ثلاثا في خارج الكعبة، لخبر عبد اللّه ابن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) و هو خارج من الكعبة و هو يقول: اللّه أكبر اللّه أكبر، حتى قالها ثلاثا، ثم قال: اللّهم لا تجهد بلائنا ربنا، و لا تشمت بنا أعدائنا، فإنك أنت الضّار النّافع ثم هبط فصلى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2

(3) سورة البقرة الآية 152

(4) الوسائل ج 2 الباب 39 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 142

ثم يطوف بالبيت أسبوعا ثم يستلم الأركان و المستجار و يتخير من الدعاء ما أحبه (1)

إلى جانب الدرجة جعل الدرجة عن يساره مستقبل الكعبة ليس بينه و بينها أحد ثم خرج الى منزله «1» الرابع- قد ذهب بعض الى عدم تأكد دخول الكعبة للنساء و ان كن صرورة، لما دل على وضع ذلك عنهن، و لكن مع ذلك ان دخلنه كان أفضل.

و استدل لذلك بخبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال سئل عن دخول النساء الكعبة؟ فقال: ليس عليهن و ان فعلن فهو أفضل «2» و أما ما دل على وضع ذلك عنهن و هو:

1- مرسل فضالة بن أيوب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال ان اللّه وضع عن النساء أربعا وعد منهن دخول الكعبة «3» 2- ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: ليس على

النساء جهر بالتلبية و لا دخول البيت «4» و نحوهما و غيرهما من الاخبار.

(1) ما افاده المصنف (قدس سره) من استحباب طواف الوداع بالبيت أسبوعا و استلام الأركان و المستجار و الدعاء بما أحبه مما لا ينبغي الإشكال فيه لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 40 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 41 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 143

ثم يأتي زمزم فيشرب منها ثم يخرج (1) و هو يدعو (2)

إذا أردت ان تخرج من مكة فتأتي أهلك فودع البيت و طف أسبوعا، و ان استطعت ان تستلم الحجر الأسود و الركن اليماني في كل شوط فافعل، و الا فافتح به و اختم و ان لم تستطع ذلك فموسع عليك، ثم تأتي المستجار فتصنع عنده مثل ما صنعت يوم قدمت مكة، ثم تخير لنفسك من الدعاء، ثم استلم الحجر الأسود ثم ألصق بطنك بالبيت و احمد اللّه و أثن عليه و صل على محمد و آله، ثم قل: «اللّهم صلّ على محمّد عبدك و رسولك (نبيّك و أمينك و حبيبك و نجيبك و خيرتك من خلقك» اللّهم كما بلغ رسالتك و جاهد في سبيلك و صدع بأمرك و أوذي فيك و في جنبك «و عندك» حتى أتاه اليقين اللهم اقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة و البركة و الرضوان و العافية مما يسعني أن اطلب. الى آخر

«1»

(1) لخبر أبي إسماعيل قال: قلت لأبي عبد اللّه: هو ذا اخرج جعلت فداك فمن أين أودع البيت؟ قال: تأتي المستجار بين الحجر و الباب فتودعه من ثم تخرج فتشرب من زمزم ثم تمضى فقلت: أصب على رأسي؟ فقال لا تقرب الصب «2» و قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار المتقدم.

(ثم أنت زمزم فاشرب منها ثم اخرج.) «3»

(2) لقوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم (. ثم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب العود إلى منى الحديث 5

(3) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 144

و يستحب خروجه من باب الحناطين (1) و يخر ساجدا و يستقبل القبلة و يدعو (2)

ائت زمزم فاشرب منها ثم اخرج فقل آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون الى ربنا راغبون الى ربنا راجعون.

(1) لما عن الحسن بن علي الكوفي قال رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) في سنة خمس عشرة (و عشرين خ ل) و مأتين ودع البيت بعد ارتفاع الشمس و طاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط فلما كان الشوط السابع استلمه و استلم الحجر و مسح بيده ثم مسح وجهه بيده ثم اتى المقام. الى أن يقول ثم خرج من باب الحناطين [1] «1»

(2) لما رواه إبراهيم بن أبي محمود قال رأيت أبا الحسين (عليه السلام) ودع البيت فلما أراد أن يخرج من باب المسجد خر ساجدا ثم قام فاستقبل الكعبة فقال اللهم انى انقلب على ان لا إله إلا اللّه «2» و رواه الصدوق في عيون الاخبار

عن محمد بن الحسن بن أحمد بن

______________________________

[1] في الحديث: (لا تسلم ولدك حناطا فإنه يحتكر الطعام على أمتي) الحناط: بفتح الحاء و التشديد بياع الحنطة بالكسر و هي: القمح و البر بضم الباء، و الجمع حنط، و منه فخرج من باب الحناطين لبيعهم الحنطة هناك، و قيل لبيعهم الحنوط، و الحنوط: كرسول، و الحناط ككتاب طيب يضع للميت خاصة (مجمع البحرين).

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب العود إلى منى الحديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب العود إلى منى الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 145

و يشتري بدرهم تمر و يتصدق به (1)

الوليد عن سعد بن عبد اللّه عن إبراهيم بن هاشم عن إبراهيم ابن أبي محمود قال: رأيت الرضا (عليه السلام) و ذكر مثله.

و قوله عليه في صحيح معاوية بن عمار المتقدم، فإن أبا عبد اللّه (عليه السلام) لما أن ودعها و أراد ان يخرج من المسجد خر ساجدا عند باب المسجد طويلا ثم قام فخرج.).

(1) ما افاده المصنف (قدس سره) من استحباب شراء درهم تمر و التصدق به مما لا اشكال فيه و ذلك للأخبار المروية عنهم عليهم السلام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: يستحب للرجل و المرأة أن لا يخرجا من مكة حتى يشتريا بدرهم تمرا فيتصدقا به لما كان منهما في إحرامهما و لما كان منهما في حرم اللّه عز و جل «1» 2- صحيح معاوية بن عمار و حفص بن البختري جميعا عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: ينبغي للحاج إذا قضى مناسكه و أراد ان يخرج ان يبتاع بدرهم تمرا يتصدق به فيكون كفارة لما

لعله دخل عليه في حجه من حك أو قملة سقطت أو نحو ذلك «2» 3- ما رواه ابان عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) إذا أردت ان تخرج من مكة فاشتر بدرهم تمرا فتصّدق به قبضة قبضة، فيكون لكل ما كان حصل في إحرامك و ما كان منك في مكة «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب العود إلى منى الحديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 20 من أبواب العود إلى منى الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 146

[و يكره]

و يكره الحج على الإبل الجلالة (1) و يستحب لمن حج ان يعزم على العود (2)

تذييل و هو انه يستحب التطوع بطواف بعد الحج عن سائر أرحامه و أهل بلده، لخبر علي بن إبراهيم الحضرمي عن أبيه قال: رجعت من مكة فأتيت أبا الحسن موسى عليه السلام في المسجد و هو قاعد فيما بين القبر و المنبر فقلت له: يا بن رسول اللّه انى إذا خرجت إلى مكة ربما قال لي الرجل: طف عني أسبوعا و صلى عنى ركعتين فربما شغلت عن ذلك فإذا رجعت لم أدر ما أقول؟ قال: إذا أتيت مكة فقضيت نسكك فطف أسبوعا و صل ركعتين و قل: اللهم ان هذا الطواف و هاتين الركعتين عن أبي و أمي و عن زوجتي و عن ولدي و عن خاصتي و عن جميع أهل بلدي حرهم و عبدهم و أبيضهم و أسودهم فلا بأس ان تقول للرجل: اني قد طفت عنك و صليت عنك ركعتين الا كنت صادقا «1»

(1) لخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن

أبيه (عليهما السلام) ان عليها عليه السلام كان يكره الحج و العمرة على الإبل الجلالات «2»

(2) لا ينبغي الإشكال فيه و ذلك للنصوص المرويّة عنهم (عليهم السلام)- منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب العود إلى منى الحديث 1

(2) الوسائل الباب 57 من أبواب آداب السفر الحديث 1 من كتاب الحج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 147

و الطواف أفضل للمجاور من الصلاة و للمقيم بالعكس (1)

1- خبر عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: من رجع من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره «1».

2- ما رواه الحسين الأحمسي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: من خرج من مكة و هو لا يريد العود إليها فقد اقترب اجله و دنى عذابه «2» 3- خبر الحسن بن علي بن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: ان يزيد ابن معاوية قد حج فلما انصرف قال:

«إذا جعلنا ثافلا يمينا فلا نعود بعدها سنينا»

«للحجّ و العمرة ما بقينا»

فنقص اللّه من عمره و أماته قبل اجله «3» مضافا الى ما في اخبار الدعاء بان لا يجعله آخر العهد به.

ثم انه يستفاد من الحديث الثاني كراهة عدم ارادة العود إليها.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و استدل لذلك بعدة اخبار- منها:

1- خبر حريز أو صحيحة قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الطواف لغير أهل مكة ممن جاور بها أفضل أو الصلاة؟ قال: الطواف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 57 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 57 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(3) الوسائل ج 2

الباب 57 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 148

..........

للمجاورين أفضل، و الصلاة لأهل مكة و القاطنين بها أفضل من الطواف «1» 2- صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من اقام بمكة سنة فالطواف أفضل من الصلاة، و من اقام سنتين خلط من ذا و من ذا و من اقام ثلاث سنين كانت للصلاة له أفضل من الطواف «2» 3- ما رواه احمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن المقيم بمكة الطواف أفضل له أو الصلاة؟ قال الصلاة «3» ينبغي هنا الإشارة إلى ما يلي 1- ان قوله عليه السلام في صحيح هشام بن الحكم المتقدم: (إذا أقام الرجل بمكة سنة فالطواف أفضل و إذا أقام سنتين خلط من هذا و هذا و إذا أقام ثلاث سنين فالصلاة أفضل) ظاهر في تحديد الإقامة بسنة و هذا مناف لإطلاق كلام المصنف (قدس سره) و غيره.

2- انه يمكن أن يقال ان المراد من أفضلية الطواف للمجاور عن الصلاة النافلة هو أفضليته عن غير الرواتب من الصلاة، لما دل من الأخبار على الحث و التأكيد عليها.

مضافا الى ما دل من الأخبار على قطع الطواف لخوف فوات الوتر و هو ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: سألته

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الطواف الحديث 4

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب الطواف الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 149

و يكره المجاورة بمكة (1)

عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعضه

و بقي عليه بعضه فطلع الفجر فيخرج من الطواف الى الحجر أو إلى بعض المسجد إذا كان لم يوتر فيوتر ثم يرجع فيتم طوافه أ فترى ذلك أفضل أم يتم الطواف ثم يوتر و ان أسفر بعض الاسفار؟ قال: ابدأ بالوتر و اقطع الطواف إذا خفت ذلك ثم أتم الطواف بعد «1» و رواه الصدوق بإسناده عن عبد الرحمن بن الحجاج الا انه ترك قوله: (فطلع الفجر) و ترك لفظ: (ذلك) و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب فعليه يقال: ان المراد أفضلية الطواف من النوافل المبتدأة لا الراتبة، و كيف كان فالأمر سهل بعد كون الأمر مستحبا.

(1) بمعنى الإقامة بها بعد قضاء المناسك و قد علل ذلك بوجوه الأول- ان المقام بمكة يقسي القلب، و روى ذلك في المرسل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا قضى أحدكم نسكه فليركب راحلته و ليلحق بأهله، فإن المقام بمكة يقسي القلب «2» الثاني- مضاعفة العذاب بسبب ملابسته الذنب فيها، فقد روى عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل (وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحٰادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ) «3» فقال: كل الظلم فيه إلحاد حتى لو ضربت خادمك ظلما خشيت ان يكون إلحادا فلذلك كان الفقهاء

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 44 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 9

(3) سورة الحج الآية 26

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 150

..........

يكرهون بسكنى مكة «1» و روى عن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه تعالى (وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحٰادٍ

بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ) فقال: كل ظلم يظلمه الرجل على نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد أو شي ء من الظلم فإني أراه إلحادا و لذلك كان يتقي ان يسكن الحرم «2» و رواه الصدوق (رحمه اللّه تعالى) بإسناده عن أبي الصباح الكناني مثله الا انه قال: (و لذا كان يتقى الفقهاء ان يسكنوا مكة) و رواه في العلل عن أبيه عن احمد بن إدريس عن احمد بن محمد ابن عيسى عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل مثله الا انه قال:

(و لذلك كان ينهى أن يسكن الحرم) الثالث- خروج النبي (صلى اللّه عليه و آله) منها قهرا و عدم عوده إليها إلا للنسك و اسراعه الخروج منها حين عاد.

روى ذلك عنه و عن الأئمة عليهم السلام انه يكره المقام بمكة، لأن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) خرج منها و المقيم بها يقسو قلبه حتى يأتي فيها ما يأتي في غيرها «3» و رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: و لا ينبغي للرجل ان يقيم بمكة سنة قلت كيف يصنع؟ قال: يتحول عنها و لا

______________________________

(1) الوسائل ج 3 الباب 16 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1

(2) الوسائل ج 3 الباب 16 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3

(3) الوسائل ج 3 الباب 16 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 151

..........

ينبغي لأحد ان يرفع بناء فوق الكعبة «1» الرابع- خوف الملالة و قلة الاحترام و ليدوم شوقه إليها، و روى ذلك في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا فرغت من نسكك فارجع فإنه أشوق لك الى الرجوع «2»

و لكن قال في المدارك ان هذه التعليلات كلها مروية لكن أكثرها غير واضحة الاسناد.

و قال في الجواهر بعد نقل كلام المدارك: (قلت: قد عرفت مكررا التسامح في أدلة الكراهة).

و لكن لا يخفى ما فيه من المناقشة و الاشكال، لما ذكرناه في غير واحد من المقامات ان غاية دلالة قاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من اخبار: (من بلغ) بعد الغض عن الاحتمالات المتطرقة في مفادها هي ترتب الثواب على العمل الموعود عليه ذلك لا ان مفادها هو الحكم الشرعي.

مضافا الى انه على فرض تسليم دلالتها على ذلك فإنها تختص بالمستحبات و لا يمكن التعدي عن موردها و هو المستحبات الى المقام و هو المكروهات فالتعدي عن موردها الى مفروض المقام يحتاج الى دليل تعبدي و هو لم يثبت ظاهرا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 5

(2) الوسائل الباب 16 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 152

..........

ينبغي هنا بيان أمر و هو أنه يمكن ان يقال بمعارضة ما تقدم من الاخبار ما رواه علي بن مهزيار قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) المقام بمكة أفضل أو الخروج الى بعض الأمصار؟ فكتب: المقام عند بيت اللّه أفضل «1» و ما رواه خالد بن ماد القلانسي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام: تسبيحة بمكة أفضل من خراج العراقين ينفق في سبيل اللّه، و قال: من ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و يرى منزله من الجنة «2» و بما رواه الصدوق مرسلا و زاد: (من صلى بمكة سبعين ركعة فقرأ في كل ركعة بقل هو

اللّه و انا أنزلنا و آية السخرة و آية الكرسي لم يمت الا شهيدا و الطاعم بمكة كالصائم فيما سواها و صيام يوم بمكة يعدل صيام سنة فيما سواها و الماشي بمكة في عبادة اللّه «3» و هذه الأخبار- كما ترى- تدل على استحباب الإقامة في مكة المكرمة فتعارض الأخبار المتقدمة في صدر المبحث ظاهرا و يمكن الجمع بينها و بين الاخبار المتقدمة بما يأتي 1- حملها على الكراهة على مالا يأمن من وقوع المحذورات منه و الاستحباب للواثق من نفسه بعدمها و هذا الجمع اختاره الشهيد (قدس سره) و جماعة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 16 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 45 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 153

..........

2- حمل الأخبار الأخيرة على المجاورة لأجل العبادة و الاخبار المتقدمة في صدر المبحث على المجاورة لا لها بل للتجارة و نحوها و اختاره جماعة، و استحسن هذا الجمع الشهيد الثاني في المسالك و لكن لا مطلقا بل مع الوثوق بعدم الملل و الاحترام و ملابسة الذنب و نحوه. و قال في آخر كلامه: (و ان كان المشهور الكراهة مطلقا).

لا بأس هنا بذكر كلام صاحب الجواهر (قدس سره) بعد ذكر الخبرين المتقدمين و إليك نص عبارته: (الى غير ذلك من النصوص التي لا تنافي عند التأمل كراهة المجاورة خصوصا بعد احتمال كون الطاعم فيها كالصائم و الماشي كالعباد خصوص من نويا بكونهما التقرب الى اللّه تعالى بأداء المناسك أو غيرها من العبادات الى ان قال: على انه غير مناف لكون الخارج منها لتشويق نفسه إليها و

التحرز من الإلحاد و القسوة و الاندراج في الحاج و الوافدين على اللّه تعالى و نحو ذلك مما لا يحصل للمقيم كذلك أيضا أو أفضل منه الى قال قال أبو جعفر (عليه السلام) في المرسل «1» من جاور بمكة سنة غفر اللّه له ذنوبه و لأهل بيته و لكل من استغفر له و لعشيرته و لجيرته تسع سنين قد مضت و عصموا من كل سوء أربعين و مأة سنة» و قال بعد ذلك: «و الانصراف و الرجوع أفضل من المجاورة» و ان احتمل كون ذلك من الصدوق.

و جمع الشهيد بين الخبرين باستحباب المجاورة لمن يثق من نفسه بعدم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 15 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 154

يستحب النزول بالمعرس على طريق المدينة المنورة و صلاة ركعتين به (1)

المحذورات المذكورة و حكى قولا باستحبابها للعبادة و كراهيتها للتجارة و لم يستوضحه في المدارك قال: إذ مقتضى الروايتين كراهة المجاورة على ذينك الوجهين و تبعه بعض من تأخر عنه و يمكن منعه عليه كما انه يمكن كون كون مراد القائل استحباب الجوار من حيث كونه جوارا لا من حيث العبادات الأخر- من طواف و نحوه-، و بذلك يظهر لك عدم تنافي النصوص و لعل صحيح ابن مهزيار محمول على خصوص القادم للحج و العبادة فإن مقامه بالبيت أفضل له من مقامه في غير مكان.

(تذييل): و هو انه استنبط صاحب الحدائق من الرّوايات المتقدمة كراهة سكنى الأماكن المشرفة و المشاهد المعظمة على ما حكى عنه، و لكن فيه مالا يخفى.

ثم انه قد وقع الخلاف في المراد من المجاورة بمكة قيل و المراد به هو المسافر بعد

نيته إقامة عشرة أيام و قال في الجواهر: (و في المسالك في شرح العبارة (أي عبارة المصنف) يعني الإقامة بها بعد انقضاء المناسك و ان لم يكن سنة و يمكن أن يريد به سنة و كلاهما مروي في الصحيح و مع الثاني انه المتعارف.

(1) اما استحباب النزول بالمعرس [1] و هو المكان الذي نزل الرسول

______________________________

[1] في المسالك: المعرس بضم الميم و فتح العين و تشديد الراء المفتوحة اسم مفعول من التعريس و هو النزول في آخر الليل للاستراحة إذا كان سائرا ليلا، و يقال بفتح الميم و سكون العين و تخفيف الراء المعرس بذي الحليفة-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 155

..........

الأعظم محمد (صلى اللّه عليه و آله) عند الهجرة و يقال انه الآن مسجد بإزاء مسجد الشجرة) فمما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل في الجواهر: (بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك) و استدل لذلك بعدة اخبار- منها:

1- حسن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) إذا انصرفت من مكة إلى المدينة و انتهيت إلى ذي الحليفة و أنت راجع الى المدينة من مكة فائت معرس النبي (صلى اللّه عليه و آله) فان كنت في وقت صلاة مكتوبة أو نافلة فصل فيه و ان كان (كنت خ) في غير وقت صلاة مكتوبة فانزل فيه قليلا، فان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) كان يعرس فيه و يصلي فيه «1»

______________________________

مسجد بقرب مسجد الشجرة بإزائه مما يلي القبلة فيستحب النزول به و الصلاة فيه و الاضطجاع تأسيا بالنبي (صلى اللّه عليه و آله) و لا فرق فيه ليلا و نهارا و عن أبي عبد اللّه الأسدي: (بذي الحليفة

مسجد ان لرسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فالكبير الذي يحرم الناس منه و الآخر مسجد المعرس و هو دون مصعد البيداء بناحية عن هذا المسجد) و في الدروس: (انه بإزاء مسجد الشجرة إلى ما يلي القبلة) و في الجواهر: (المعرس بضم الميم و فتح العين و تشديد الراء المفتوحة و يقال بفتح الميم و سكون العين و تخفيف الراء لمن رجع على طريق المدينة ليلا أو نهارا و ان كان أصل التعريس في آخر الليل للاستراحة كما نص عليه أهل اللغة)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 19 من أبواب المزار الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 156

..........

2- في الموثق قال علي بن أسباط لأبي الحسن (عليه السلام) و نحن نسمع انا لم نكن عرسنا، فأخبرنا أبو القاسم بن الفضيل انه لم يكن عرس و انه سألك فأمرته بالعود الى المعرس ليعرس فيه؟ فقال له: نعم، فقال له: فإذا انصرفنا فعرسنا فأي شي ء نصنع؟ قال: تصلي فيه و تضطجع و كان أبو الحسن عليه السلام يصلي بعد العتمة فيه، فقال محمد فان مر به في غير وقت صلاة مكتوبة؟ قال: بعد العصر، قال: سئل أبو الحسن (عليه السلام) عن ذا؟ فقال: ما رخص في هذا الا في ركعتي الطواف، فان الحسن بن علي (عليهما السلام) فعله، فقال: يقيم حتى يدخل وقت الصلاة، قال: فقلت له جعلت فداك فمن مر به بليل أو نهار يعرس فيه و انما التعريس بالليل؟ فقال: ان مر به بليل أو نهار فليعرس فيه «1» 3- خبر عيسى بن القاسم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) انه سئل عن الغسل في المعرس فقال ليس عليك غسل و التعريس هو ان

تصلى فيه و تضطجع فيه ليلا أو نهارا «2» 4- خبر علي بن أسباط قلت لعلي بن موسى (عليه السلام): ان الفضيل بن يسار روى عنك و أخبرنا عنك بالرجوع الى المعرس و لم نكن عرسنا فرجعنا إليه فأي شي ء نصنع؟ قال: تصلي فيه و تضطجع قليلا،

______________________________

(1) الكافي ج 4 ص 66؟ و فيه أخبرنا ابن القاسم بن الفضيل و الوسائل الباب 19 من أبواب المزار الحديث 4

(2) الوسائل الباب 19 من أبواب المزار الحديث 2 عن العيص بن القاسم و هو الصحيح كما في الفقيه ج 2 ص 336 الرقم 1561

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 157

..........

و قد كان أبو الحسن عليه السلام يصلي فيه و يقعد، فقال محمد بن علي ابن فضال ان «قد» مررت في غير وقت الصلاة بعد العصر فقال:

سئل أبو الحسن عليه السلام عن ذلك؟ فقال: صل، فقال له الحسن ابن علي بن فضال ان مررت به ليلا أو نهارا نعرس و انما التعريس بالليل؟ فقال: نعم ان مررت به ليلا أو نهارا فعرس فيه، لان رسول اللّه كان يفعل ذلك «1» 5- خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال لي في المعرس معرس النبي (صلى اللّه عليه و آله) إذا رجعت الى المدينة فمر به و انزل و أنخ فيه و صل فيه، ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فعل ذلك قلت: فان لم يكن وقت صلاة؟ قال: فأقم، قلت: لا يقيمون أصحابي؟

قال: فصل ركعتين و امض، و قال: انما المعرس إذا رجعت الى المدينة ليس إذا بدأت «2» ينبغي هنا الإشارة الى ما يلي 1- انه يستحب لمن يرجع من مكة

عن طريق المدينة الصلاة في مسجد (غدير خم) و الإكثار من الابتهال و الدعاء فيه، لخبر عبد الرحمن ابن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الصلاة في مسجد

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب المزار الحديث 4 و أسقط في الوسائل جملة و ذكر تمام الحديث في التهذيب ج 6 ص 16 الرقم 37

(2) الوسائل الباب 19 من أبواب المزار الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 158

..........

غدير خم بالنهار و أنا مسافر؟ فقال: صل فيه فان فيه فضلا و قد كان أبي يأمر بذلك «1» و ما رواه أبان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: انه يستحب الصلاة في مسجد الغدير لأن النبي (صلى اللّه عليه و آله) أقام فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو موضع أظهر اللّه عز و جل فيه الحق «2» 2- ان غدير خم هو الموضع الذي نص فيه النبي الكريم على امامة علي بن أبي طالب (عليه السلام) و ولايته و عقد فيه البيعة له حينما نزل قوله تعالى (يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّٰاسِ إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكٰافِرِينَ «3» و في رواية حسان بن الجمال قال: حملت أبا عبد اللّه (عليه السلام) من المدينة إلى مكة؟ قال: فلما انتهينا الى مسجد الغدير نظر الى ميسرة المسجد فقال: ذاك موضع قدم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه «4» و فيه نزل قوله عز و جل بعد ما تمت البيعة لعلي (عليه السلام)

بالولاية:

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلٰامَ دِيناً.) «5» فقال النبي الكريم: (اللّه أكبر و للّه الحمد على إكمال الدين و إتمام النّعمة و رضى الرّب و الولاية لعلي بن أبي طالب) 3- قيل بان جدران المسجد باق الى الآن

______________________________

(1) الوسائل ج 1 الباب 61 من أبواب أحكام المساجد 2

(2) الوسائل ج 1 الباب 61 من أبواب أحكام المساجد 3

(3) سورة المائدة الآية 71

(4) الوسائل ج 1 الباب 61 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1

(5) سورة المائدة الآية 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 159

[مسائل ثلاث]
[الأولى للمدينة حرم]
اشارة

مسائل ثلاث الأولى للمدينة حرم (1) و حده من عائر الى و عير (2)

(1) بلا خلاف فيه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين كذا في الجواهر

(2) في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال:

رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): ان مكة حرم اللّه (تعالى جل شأنه) حرمها إبراهيم عليه السلام و ان المدينة حرمي ما بين لابيتها حرمي لا يعضد شجرها و هو ما بين ظل عائر إلى ظل و عير [1] و ليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا و لا يؤكل ذاك و هو بريد «1» و في خبر الحسن الصيقل قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): كنت عند زياد بن عبد اللّه و عند ربيعة الرأي فقال زياد: ما الذي حرم رسول اللّه من المدينة؟ فقال: له بريد في بريد، فقال أبو عبد اللّه الربيعة و كان على عهد رسول اللّه أميال فسكت و لم يجبه، فاقبل على زياد، فقال يا أبا عبد اللّه: ما تقول أنت؟ فقلت: حرم رسول اللّه من المدينة ما بين

لابتيها، قال: و ما بين لابتيها «2»

______________________________

[1] في الدروس «و عير» بفتح الواو، و لكن في حاشية الكركي أنه وجدها في مواضع معتمدة بضم الواو و فتح العين، و كيف كان ففي المسالك و غيرها: (هما جبلان يكتنفان المدينة من المشرق و المغرب) و عن خلاصة الوفاء: «عير و يقال عائر جبل مشهور في قبلة المدينة قرب ذي الحليفة»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب المزار الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب المزار الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 160

و لا يعضد شجره (1)

قلت ما أحاطت به الحرار (حرتان خ ل) قال و ما حرم من الشجر قلت من عير الى و عير «1» و في خبر معاوية بن عمار قال:

سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول ما بين لابتي المدينة ظل عائر إلى ظل و عير حرم قلت طائره كطائر مكة؟ قال لا و لا يعضد شجرها «2»

(1) قد وقع الخلاف في تحريم قطع شجره على قولين: أحدهما التحريم و هو اختيار الشيخ و العلامة على ما في المسالك استنادا الى خبر زرارة الآتي و نحوه و ثانيهما الكراهة و قد نسبه في المسالك الى المشهور.

قال في الجواهر عند شرح قول المصنف (قدس سره): كما هو ظاهر الأكثر بل عن التذكرة انه المشهور، بل عن المنتهى انه لا يجوز عند علمائنا، بل لم أجد من نص على الكراهة قبل الفاضل في القواعد و ان جعله في المسالك من معقد الشهرة على الكراهة لكن لم نتحققه بل هو حكى فيها عن بعض الأصحاب القطع بتحريم قطع الشجر و جعل الخلاف في الصيد قال فيها بعد ان حكى ذلك: (و ظاهر

الاخبار يدل عليه و ان لم يرد خبر بجواز قطع الشجر و انما تعارضت في الصيد الا ان الأصحاب نقلوا الكراهة في الجميع و اختاروها) و هو غريب نعم عن التذكرة و المنتهى و التحرير استثناء ما يحتاج اليه من الحشيش لخبر عامي و للحرج لان بقرب المدينة أشجارا و زروعا كثيرة فلو منع من الاحتشاش للحاجة لزم الحرج المنفي بخلاف حرم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب المزار الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب المزار الحديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 161

فلا بأس بصيده (1)

مكة و هو كما ترى بعد ما سمعت من النصوص المفسر ما فيها من الخلا بالرطب من النبات و اختلاؤه قطعه و عن ابن سعيد استثناه ما سمعته في خبر زرارة من عودي الناضح و لا بأس به بل لا يبعد استثناء ما سمعته سابقا في الحرم للمساواة و لأولوينه و اللّه العالم) مراده (قدس سره) بخبر زرارة هو ما عن أبي جعفر عليه السلام قال حرم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) المدينة ما بين لابتيها صيدها و حرم حولها بريدا في بريد ان يختلى خلاها أو يعضد شجرها إلا عودي الناضح «1» لا يخفى ان ظاهر قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم و خبره: (و لا يعضد شجرها) هو عدم جواز قطع شجرها فان ثبت ذهاب المشهور الى خلافه فترفع اليد عنه و الا فلا

(1) و استدل له- مضافا الى الأصل- بقوله عليه السلام في خبر معاوية (ليس صيدها «اي المدينة» كصيد مكة يؤكل هذا و لا يؤكل ذاك) «2» و ما رواه ابى العباس يعنى الفضل

بن عبد الملك قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام حرم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) المدينة؟ فقال:

نعم حرم بريدا في بريد غضاها قال: قلت: صيدها؟ قال: لا يكذب الناس «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب المزار الحديث 5

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب المزار الحديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب المزار الحديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 162

الا ما صيد بين الحرتين و هذا على الكراهة المؤكد (1)

و خبر معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول ما بين لابتي المدينة ظل عائر إلى ظل و عير حرم قلت طائره كطائر مكة؟ قال:

لا و لا يعضد شجرها «1» و خبر يونس بن يعقوب انه قال لأبي عبد اللّه (عليه السلام) يحرم على في حرم رسول اللّه ما يحرم على في حرم اللّه؟ قال: لا «2»

(1) ما أفاده المصنف (قدّس سرّه) من كراهة المؤكدة للصيد من بين الحرتين [1] مما لا يخلو من اشكال قال في الجواهر بعد ذكر الاخبار:

(الا انها بعد الإغضاء عن السند و لا جابر و احتمال خبر ابن العباس منها نفى الكذب عن الناس أي العامة في روايتهم ذلك كظهور خبر يونس في إرادة نفي الكلية لا خصوص الأمرين و احتمال خبر ابن عمار نفى حرمة الأكل لا الاصطياد قاصرة عن معارضة غيرها ممّا دل على الحرمة فيما بين

______________________________

[1] الحرّة بفتح الحاء المهملة و تشديد الراء الأرض التي فيها حجارة سود و كيف كان فالمراد منهما حرة و أقم و هي شرقية المدينة و تسمى حرة بني قريظة، و واقم اسم صنم لبني عبد الأشهل بنى عليها،

أو اسم رجل من العماليق نزل بها، و حرة ليلى و هي غريبتها، و هي حرة العقيق و لها حرتان أخريان جنوبا و شمالا يتصلان بهما فكأن الأربع حرتان و هما حرة قبا و حرة الرجلى ككسرى و يمد بترجل فيها لكثرة حجارتها.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب المزار الحديث 10

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب المزار الحديث 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 163

[الثانية: يستحب زيارة النبي للحاج استحبابا مؤكدا]

الثانية: يستحب زيارة النبي للحاج استحبابا مؤكدا (1)

الحرتين سندا دلالة «1» فإن المحكي عن الأكثر الحرمة بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليها كظهور المنتهى و من هنا جمع بين النصوص بالفرق بين ما صيد ما بين الحرتين و بين صيد غيره فيحرم الأول دون الثاني و لعله لا يخرج من قوة مع انه أحوط الى ان قال فما في المتن من الكراهة غير واضح و ان نسبه في المسالك إلى الشهرة أيضا إلا انا لم نتحققه بل لعل المتحقق خلافه بل رجح المصنف عنها في النافع إلى الحرمة نعم ظاهر النافع عدم الكراهة في غير ذلك من الحرم الذي سمعت انه بريد في بريد و لا بأس به لظاهر النصوص و ان كان لو قيل به لكان وجها للتسامح فيها).

تذييل 1- انه لا تجب الكفّارة في صيد الحرم المذكور و لا في قطع شجره لعدم الدليل عليه.

2- انه لا يجب لدخول حرم مدينة الإحرام، كحرم مكة، للأصل و غيره.

(1) هذا هو المعروف بين الأصحاب بل ادعى الإجماع و ضرورة الدين فيه و لذا يجبر الامام الناس عليها لو تركوها كما دل عليه صحيح معاوية بن عمّار

______________________________

(1) و قد ذكر بعض ما دل على المذكور

في الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب المزار.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 164

..........

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لو ان الناس تركوا الحج لكان على الوالي ان يجبرهم على ذلك و على المقام عنده و لو تركوا زيارة النبي لكان على الوالي ان يجبرهم على ذلك و على المقام عنده فان لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين «1» و خبر الشحام قلت: ما لمن زار رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قال: لمن زار اللّه فوق عرشه «2» و رواية الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر الى في حياتي فان لم تستطيعوا فابعثوا الى السلام فإنه يبلغني «3» و نحوها غيرها من الاخبار المروية في الوسائل في الباب الثاني من أبواب المزار و ما يناسبه و من أراد الاطلاع عليها فليراجعه ينبغي هنا الإشارة إلى أمور 1- افتى الفاضل في القواعد على ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره) باستحباب البدأة بزيارته و تقديمها على إتيان مكة و يدل على ذلك خبر العيص بن القاسم.

قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الحاج من الكوفة يبدأ بالمدينة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 5 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 3 من أبواب المزار الحديث 6

(3) الوسائل ج 2 الباب 4 من أبواب المزار الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 165

..........

أفضل أو بمكة؟ قال: بالمدينة «1» و لكنه يعارضه خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن

أبيه (عليهما السلام) قال سألت أبا جعفر عليه السلام أبدأ بالمدينة أو بمكة؟ قال: أبدأ بمكة و اختم بالمدينة فإنه أفضل «2» و نحوه خبر احمد بن أبي عبد اللّه «3» عن أبيه عنه (عليه السلام) ايضا و في خبر إسماعيل بن مهران (إذا حج أحدكم فليختم بزيارتنا لان ذلك من تمام الحج) «4» و نحوها غيرها من الاخبار.

2- قد صرح بعض برجحان زيارة النبي (صلى اللّه عليه و آله) على إتيان مكة مجردا عنها ففي المروي عن جعفر بن محمد بن قولويه في (المزار) عن الحسين بن محمد بن عامر، عن معلى بن محمد، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أيهما أفضل رجل يأتي مكة و لا يأتي بالمدينة، أو رجل يأتي النبي و لا يأتي مكة قال: فقال لي: أي شي ء تقولون أنتم؟ فقلت نحن نقول في الحسين (عليه السلام) فكيف في النبي (صلى اللّه عليه و آله)، فقال: اما لئن قلت ذلك لقد شهد أبو عبد اللّه عليه السلام عيدا بالمدينة فدخل على النبي (صلى اللّه عليه و آله) فدخل فسلم عليه ثم قال لمن حضره لقد فضلنا أهل البلدان كلهم مكة فما دونها لسلامنا على رسول اللّه صلى عليه و آله «5»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب المزار الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب المزار الحديث 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب المزار الحديث 4

(4) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب المزار الحديث 7

(5) الوسائل ج 2 الباب 10 من أبواب المزار الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 166

..........

3- كيفية زيارته (صلى اللّه

عليه و آله) على ما رواه معاوية بن عمار في الحسن عن الصادق عليه السلام قال:

إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل ان تدخلها أو حين تدخلها، ثم تأتي قبر النبي (صلى اللّه عليه و آله) فتسلم على رسول اللّه، ثم تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر و أنت مستقبل القبلة و منكبك الأيسر إلى جانب القبر و منكبك الأيمن مما بلي المنبر فإنه موضع رأس رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و تقول:

اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و اشهد ان محمدا عبده و رسوله و أشهد أنك رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله)، و أشهد أنك محمد بن عبد اللّه و أشهد انك قد بلغت رسالات ربك و نصحت لأمتك و جاهدت في سبيل اللّه و عبدك اللّه حتى أتاك اللّه اليقين بالحكمة و الموعظة الحسنة، و أديت الذي عليك من الحق و انك قد رؤفت بالمؤمنين و غلظت على الكافرين فبلغ اللّه بك أفضل شرف محل المكرمين، الحمد للّه الذي استنقذنا من الشرك و الضلالة اللهم فاجعل صلواتك و صلوات ملائكة المقربين و عبادك الصالحين و أنبيائك المرسلين و أهل السماوات و الأرضين و من سبح لك يا رب العالمين من الأولين و الآخرين على محمد عبدك و رسولك و نبيك و أمينك و نجيك و حبيبك و صفيك و خاصتك و صفوتك و خيرتك من خلقك، اللهم أعطه الدرجة و الوسيلة من الجنة، و ابعثه مقاما محمدا يغبطه به الأولون و الآخرون، اللهم انك قلت: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جٰاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّٰهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا

اللّٰهَ تَوّٰاباً رَحِيماً، و اني أتيت نبيك مستغفرا تائبا من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 167

[الثالثة: يستحب ان تزار فاطمة عليها السلام من عند الروضة]

الثالثة: يستحب ان تزار فاطمة عليها السلام (1) من عند الروضة (2)

ذنوبي، إني أتوجه بك الى اللّه ربي و ربك ليغفر ذنوبي و ان كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي خلف كتفيك و استقبل القبلة و ارفع يديك و سل حاجتك فإنك أحرى ان تقضى إنشاء اللّه «1» و قد عقد في الوسائل بابا بعنوان كيفية زيارة النبي (صلى اللّه عليه و آله) و آدابها، و الدعاء عند قبره، و قد ذكر فيه الأخبار الكثيرة بكيفيات مختلفة و من أراد الاطلاع عليها فليراجع الباب 6 من أبواب المزار و ما يناسبه، و لا تنافي بينها، لكونها من قبيل تعدد المطلوب لا وحدة المطلوب فتدبر.

(1) لا ينبغي الارتياب فيه لأن زيارة فاطمة (عليها السلام) من المستحبات الأكيدة و لها فضل عظيم و ثوابها جسيم، و في خبر يزيد بن عبد الملك عن أبيه عن جده قال: دخلت على فاطمة فبدأتني بالسّلام، ثم قالت:

ما غدا بك؟ قلت: طلبت البركة، قالت: أخبرني ابي و هو ذا انه من سلم عليه و على ثلاثة أيام أوجب اللّه له الجنة قلت: في حياته و حياتك؟

قالت: نعم و بعد موتنا «2»

(2) لقول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن عمير قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): ما بين قبري و منبري روضة [1] من رياض الجنة

______________________________

[1] حد الروضة طولا من القبر الشريف الى المنبر، و عرضا من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب المزار و ما يناسبه الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب المزار الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 5، ص: 168

..........

و منبري على ترعة [1] من ترع الجنة، لأن فاطمة عليها السلام بين قبره و منبره، و قبرها روضة من رياض الجنة و اليه ترعة من ترعة الجنة «1»

______________________________

المنبر إلى الأسطوانة الرابعة و هي الآن معلمة بعلامات تمتاز على غيرها من بقاع المسجد، لان اسطواناتها مغطاة بالمرمر الأبيض دون سائر الأسطوانات.

[1] قال في مجمع البحرين: (في حديث آدم: «و انصب الخيمة على الترعة» هي بالضم الروضة في مكان مرتفع و في حديث النبي (صلى اللّه عليه و آله) (ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنّة و منبري على ترع من ترع الجنّة) الترعة بالضم: الباب الصغير و هي في الأصل الروضة على المكان المرتفع خاصة فإذا كانت في الموضع المطمئن فروضة و الجمع ترع و ترعات كغرف و غرفات فمعنى (و منبري على ترعة من ترع الجنة) ان الصلاة و الذكر في هذا الموضع يؤدّيان إلى الجنّة فكأنه قطعة منها و قوله: (ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة) لأن قبر فاطمة بين قبره و منبره و قبرها روضة من رياض الجنّة و يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة في المنبر و الروضة بأن تكون حقيقتهما كذلك و ان لم يظهرا في الصّورة بذلك في الدنيا لأن الحقائق تظهر بالصورة المختلفة كذا ذكره بعض شرّاح الحديث و هو جيّد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب المزار حديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 169

..........

ينبغي هنا بيان أمرين الأول- انه قد وقع الخلاف بين العلماء في تعيين قبر فاطمة عليها السلام على أقوال 1- انها دفنت في الروضة الشريفة بين القبر و المنبر و هو حيرة المصنف (قدس

سره) لان ظاهر اقتصاره على استحباب زيارتها من عند الروضة ذلك و يدل على هذا القول المرسل المذكور.

2- انه دفنت في البقيع مع الأئمة الأربعة عليهم السلام و روى على هذا القول أيضا.

3- انها دفنت في بيتها و اختاره الصّدوق (قدس سره) و بيتها متصل بحجرة الرسول التي دفن فيها و لما زيد في المسجد و توسع دخلت الحجرة في المسجد.

و كيف كان فهذا القول أصح، لصحيح البزنطي قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن قبر فاطمة (عليها السّلام)؟ فقال: دفنت في بيتها فلما زادت بنو أميّة في المسجد صارت في المسجد «1» و قال في الجواهر: (فاما من قال انها دفنت في البقيع فبعيد عن الصواب و كذلك استبعده ابنا سعيد و إدريس و الفاضل في التحرير و غيره و في المسالك أبعد الاحتمالات كونها في الروضة، و الاولى زيارتها في المواضع الثلاثة الى ان قال: و كيف كان ففيها (اى المسالك) و في المدارك: و الروضة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب المزار الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 170

و الأئمة عليهم السلام بالبقيع (1)

جزء من مسجد النبي و هي ما بين قبره و منبره الى طرف الظل و لعل ذلك يكون وجه الجمع بين الخبرين) ينبغي هنا الإشارة إلى أمر و هو ان سبب خفاء قبر فاطمة (عليها السلام) هو دفن علي (عليه السلام) لها ليلا من غير ان يشعر بذلك أحد، و كيف كان فينبغي زيانها في المواضع الثلاثة المذكورة.

الثاني- كيفيّة زيارتها على ما رواه إبراهيم بن محمد بن عيسى العريضي قال: حدثنا أبو جعفر (عليه السلام) ذات يوم قال: إذا صرت الى قبر جدتك (عليها السلام)

فقل: يا ممتحنة امتنحك الذي خلقك قبل ان يخلقك فوجدك كما امتحنك صابرة و زعمنا انا لك أولياء و مصدقون و صابرون لكل ما آتانا به أبوك (صلى اللّه عليه و آله) و أتى به وصيّه (عليه السلام) فإنا نسألك إن كنّا صدقناك إلا ألحقنا بتصديقنا لها لنبشر أنفسنا بأنا قد طهّرنا بولايتك «1»

(1) ما افاده المصنّف (قدس سره) من استحباب زيارة الأئمة (عليهم السلام) بالبقيع مما لا ينبغي الارتياب فيه، و ادعى عليه الإجماع، بل انه من ضرورة المذهب أو الدين، مضافا الى الاخبار الكثيرة الدّالة على ذلك- منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 18 من أبواب المزار و ما يناسبه الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 171

..........

1- خبر زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ما لمن زار أحدا منكم؟ قال: كمن زار رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) «1» 2- ما رواه هارون بن مسلم عن أبي عبد اللّه الحراني قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ما لمن زار الحسين (عليه السلام)؟ قال: من أتاه و زاره و صلّى عنده ركعتين كتبت له حجّة مبرورة فإن صلّى عنده اربع ركعات كتبت له حجّة و عمرة قلت جعلت فداك و كذلك كل من زار إماما مفترضة طاعته؟ قال: و كذلك كل من زار إماما مفترضة طاعته «2» 3- ما رواه على الوشاء عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: ان لكل اماما عهدا في عتق أوليائه و شيعته و ان من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم و تصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعائهم يوم القيامة «3» الى غير ذلك من الأخبار المرويّة عنهم

(عليهم السلام).

ائمة البقيع الأربعة من أئمة أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا، و هم 1- الامام الحسن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

2- الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام).

3- الامام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب المزار و ما يناسبه الحديث 15

(2) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب المزار و ما يناسبه الحديث 20

(3) الوسائل ج 2 الباب 2 من أبواب المزار و ما يناسبه الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 172

[خاتمة]
[يستحب]

خاتمة يستحب المجاورة بها (1)

4- الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) و يستحب زيارة فاطمة بنت أسد والدة الامام علي (عليه السلام) و هي معهم في البقيع بمكان واحد.

(1) لا ينبغي الخلاف و الاشكال في استحباب المجاورة بالمدينة و هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل في الدّروس الإجماع عليه، و قد استدل له- مضافا الى ما ذكر- بوجهين:

الأول- التأسي الثاني- الأخبار منها:

1- ما رواه الحسن بن الجهم قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام): أيهما أفضل المقام بمكة أو بالمدينة فقال: أيّ شي ء تقول أنت؟ قال: فقلت و ما قولي مع قولك قال: ان قولك بردّ إلى قولي، قال: فقلت له: اما انا نازعكم ان المقام بالمدينة أفضل من الإقامة بمكة؟ فقال: اما لئن قلت ذلك، لقد قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): ذلك يوم فطر جاء الى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فسلم عليه، ثم قال: لقد فضّلنا النّاس اليوم بسلامنا على رسول اللّه «1» 2- خبر مرازم قال: دخلت انا و عمار و جماعة على أبي عبد اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج

2 الباب 9 من أبواب المزار و ما يناسبه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 173

و الغسل عند دخولها (1)

عليه السلام بالمدينة فقال: ما مقامكم؟ فقال: عمار قد سرحنا ظهرنا و أمرنا أن تؤتي به الى خمسة عشر يوما، فقال: أصبتم المقام في بلد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و الصلاة في مسجده و احملوا لآخرتكم و أكثروا لأنفسكم ان الرجل قد يكون كيسا في الدنيا فيقال (ما أكيس فلانا) و انما الكيس كيس الآخرة «1» 3- ما رواه محمد بن عمر الزيات عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:

من مات في المدينة بعثه اللّه في الآمنين يوم القيامة. «2»

4- في النبوي: (لا يصبر على لأوّاه المدينة و شدتها أحد من أمتي الا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا «3» 5- قوله صلى اللّه عليه و آله للجماعة الذين أرادوا الخروج منها الى أحد الأمصار: (المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون «4»

(1) لقوله عليه السلام في خبر معاوية بن عمار: (إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها ثم تأتي قبر النّبي (صلى اللّه عليه و آله) فتسلم على رسول اللّه) «5»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب المزار و ما يناسبه الحديث 2

(2) الوسائل ج 2 الباب 9 من أبواب المزار و ما يناسبه الحديث 3

(3) المستدرك الباب 12 من أبواب المزار الحديث 18

(4) صحيح ابن مسلم ج 4 ص 122

(5) الوسائل ج 2 الباب 6 من أبواب المزار و ما يناسبه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 174

و تستحب الصلاة بين القبر و المنبر و هو الروضة (1)

ينبغي هنا الإشارة إلى ما يلي 1- ان

ظاهر إطلاق الأمر و ان كان بداعي الجد، الا ان تسالم الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) على عدم وجوب الغسل قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور، و أما الاستحباب فلا وجه لرفع اليد عنه 2- ان مقتضى ظاهره هو الاكتفاء بهذا الغسل لدخول المدينة و المسجد و الزيارة.

(1) اما الصلاة في مسجد رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فإنها تعدل ألف صلاة في غيره الا المسجد الحرام لما روى عنه (صلى اللّه عليه و آله) قال: الصلاة في مسجدي كألف صلاة في غيره الا المسجد الحرام فإن الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي «1» و اما تأكد استحباب الصلاة فيما بين القبر و المنبر و هو الروضة كما هو ظاهر كلام المصنف (قدّس سرّه) و غيره فلم نقف فيه على نص بالخصوص و لكن قال جميل بن دراج لأبي عبد اللّه (عليه السلام) الصلاة في بيت فاطمة (عليها السلام) مثل الصلاة في الروضة؟ قال: و أفضل «2» و قال

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 52 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 175

و ان يصوم الإنسان بالمدينة ثلاثة أيام للحاجة و ان يصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة و في ليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلي مقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله (1)

يونس بن يعقوب قلت له: الصلاة في بيت فاطمة أفضل أو في الروضة؟

قال: في بيت فاطمة (عليها السلام) «1» و اما استحباب الصلاة بين القبر و المنبر فلقوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي: (إذا دخلت المسجد فان استطعت ان تقيم

ثلاثة أيام الأربعاء و الخميس و الجمعة فنصلي بين القبر و المنبر.) «2» و نحوه غيره من الاخبار المروية عنهم عليهم السلام.

(1) اما استحباب صوم ثلاثة أيام بالمدينة المنورة فمما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و يدل عليه و على باقي ما افاده المصنف (قدس سره) هنا صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام: صمت أول يوم الأربعاء و تصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة و هي أسطوانة التوبة التي كان ربط نفسه إليها حتى نزل عذره من السماء و تقعد عندها يوم الأربعاء، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها مما يلي مقام النبي (صلى اللّه عليه و آله) ليلتك و يومك، و تصوم يوم الخميس، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى اللّه عليه و آله و مصلاه ليلة الجمعة فتصلي عندها ليلتك و يومك

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 59 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب المزار الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 176

..........

و تصوم يوم الجمعة فإن استطعت ان لا تتكلم بشي ء في هذه الأيام فافعل، الا ما لا بد لك منه و لا تخرج من المسجد إلا لحاجة و لا تنام في ليل و نهار فافعل، فان ذلك مما يعد فيه الفضل، ثم احمد اللّه في يوم الجمعة، و أثن عليه، و صلى على النبي (صلى اللّه عليه و آله) و سل حاجتك و ليكن فيما تقول: اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت انا في طلبها و التماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها

فإني أتوجه إليك بنبيك محمد صلى اللّه عليه و آله نبي الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها و كبيرها فإنك حرى ان تقضي حاجتك ان شاء اللّه تعالى «1» و صحيحة الآخر قال قال أبو عبد اللّه عليه السلام: صم الأربعاء و الخميس و الجمعة. إلخ «2» و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا دخلت المسجد فان استطعت ان تقيم ثلاثة أيام الأربعاء و الخميس و الجمعة فتصلي بين القبر و المنبر يوم الأربعاء عند الأسطوانة التي عند القبر فتدعو اللّه عندها و تسأله كل حاجة تريدها من آخرة أو دنيا و اليوم الثاني عند أسطوانة التوبة و يوم الجمعة عند مقام النبي مقابل الأسطوانة الكثيرة الخلوق فتدعو اللّه عندهن بكل حاجة و تصوم تلك الثلاثة الأيام «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب المزار الحديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب المزار الحديث 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 11 من أبواب المزار الحديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 177

..........

أبو لبابة ينبغي هنا تعريف أبي لبابة على نحو الإيجاز و الاختصار فنقول: أن أبا لبابة صحابي اسمه بشير بن عبد المنذر، قيل انه تخلف عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) في غزوة تبوك و هي الغزوة التي سار فيها الرسول بنفسه و أمر عليا على المدينة و قال فيه قوله المشهور (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) ثم ندم أبو لبابه على تخلفه و تاب و ربط نفسه بسارية من المسجد و حلف أن لا يذوق طعاما و لا شرابا حتى يتوب اللّه عليه أو يموت، فمكث سبعة أيام على هذا الحال حتى غشي عليه، ثم

تاب اللّه عليه و نزلت الآية بقبول توبته (وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صٰالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) «1» فجاء النبي الكريم فحله من تلك الأسطوانة و سميت الأسطوانة باسمه فعرفت بأسطوانة أبي لبابة و عرفت أيضا بأسطوانة التوبة لقبول توبته.

ينبغي هنا الإشارة إلى ما يلي 1- يستحب الصوم في المدينة المنورة ثلاثة أيام و ان كان الإنسان مسافرا و ذلك للدليل الخاص و ان لم نقل بجواز صوم المندوب في السفر 2- انه يستحب ذلك سواء كان لأجل الحاجة أو غيرها 3- ينبغي ان يكون الصوم يوم الأربعاء و الخميس و الجمعة لما عرفت

______________________________

(1) سورة التوبة الآية 103

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 178

أن يأتي المساجد بالمدينة كمسجد الأحزاب و مسجد الفتح و مسجد الفضيخ و قبور الشهداء بأحد خصوصا قبر حمزة عليه السلام (1)

(1) لصحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): لا تدع إتيان المشاهد كلها مسجد قبا، فإنه المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، و مشربة أم إبراهيم، و مسجد الفضيخ، و قبور الشهداء، و مسجد الأحزاب و هو مسجد الفتح، قال و بلغنا ان النبي (صلى اللّه عليه و آله) كان إذا أتى قبور الشهداء قال: السّلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، و ليكن فيما تقول عند مسجد الفتح:

«يا صريخ المكروبين، و يا مجيب دعوة المضطرّين اكشف همّي و غمّي و كربى» كما كشف عن نبيّك همّه و غمّه و كربه و كفيته هول عدوّه في هذا المكان» «1» و ما رواه محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عبد اللّه

بن هلال عن عقبة بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): انا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيها أبدأ؟ فقال: أبدا بقبا فصلّ فيه و أكثر فإنه أول مسجد صلى فيه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) في هذه العرصة ثم ائت مشربة أم إبراهيم فصل فيها، فإنها مسكن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و مصلاه، ثم تأتي مسجد الفضيخ فتصلي فيه فقد صلى فيه نبيّك، فإذا قضيت هذا الجانب أتيت جانب أحد فبدأت بالمسجد الذي دون الحيرة فصليت فيه، ثم مررت بقبر حمزة بن عبد المطلب فسلمت عليه، ثم مررت بقبور الشهداء فقمت عندهم فقلت: (السّلام عليكم يا أهل الدّيار أنتم لنا فرط و انا بكم لا حقون)، ثم تأتي المسجد الّذي في المكان الواسع الى

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب المزار ما يناسبه الحديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 179

..........

جنب الجبل عن يمينك حتى تأتي أحدا فتصلي فيه فعنده خرج النبي الى أحد حين لقي المشركين فلم يبرحوا حتى حضرت الصلاة فصلى فيه ثم مرّ ايضا حتى ترجع فتصلي عند قبور الشهداء ما كتب اللّه لك ثم امض على وجهك حتى تأتى مسجد الأحزاب فتصلي فيه و تدعوا اللّه فان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) دعا فيه يوم الأحزاب و قال يا صريخ المكروبين و يا مجيب دعوة المضطرين و يا مغيث المهمومين اكشف همّي و كربى و غمّي فقد ترى حالي و حال أصحابي «1» الى غير ذلك من الاخبار المروية عنهم (عليهم السلام) تفصيل الكلام حول ما تضمنته الاخبار فنقول: ان ظاهر اخبار المقام هو استحباب إتيان المساجد المعظمة و

المشاهد المشرّفة حول المدينة المنورة مبتدأ بمسجد قبا:

مسجد قبا مسجد قبا و هو المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم حين ما هاجر النبي الكريم (صلى اللّه عليه و آله) من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة و نزل في قبا و قام فيها بضعا و عشرين ليلة يصلّى بالقصر و كان ينتظر قدوم علي (عليه السلام):

ينبغي هنا الإشارة إلى أمور 1- مسجد قبا أسس قبل أى مسجد بالمدينة المنورة، و فيه نزل قوله تعالى: (. لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب المزار الحديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 180

..........

فِيهِ رِجٰالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَ اللّٰهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) «1» 2- ان يبعد هذا المسجد عن المدينة المنورة مسافة ثلاثة كيلو مترات و نصف.

3- انه كان امام هذا المسجد بئرا و كان ماؤها عذبا غزيرا لكنها عطلت الآن، و يقال: ان خاتم النبي الكريم سقط فيها فسميت بئر الخاتم، و تسمى ايضا بئر (التفلة) لما يقال من انه (صلى اللّه عليه و آله) تفل فصار ماؤها عذبا و كان ملحا أجاجا.

4- انه يستحب الصلاة في هذا المسجد و روى عن النبي (صلى اللّه عليه و آله) انه قال: من تطهر في بيته و أتى مسجد قبا و صلى فيه ركعتين كان له كأجر عمرة «2» مشربة أم إبراهيم ثم توجه إلى مشربة أم إبراهيم زوجة النبي الكريم و اسمها: (مارية القبطية) فتصلي فيها فإنها مسكن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم) و مصلاه و يقال انه ولدت إبراهيم فيها فمشربة أم إبراهيم اى غرفتها التي كانت فيها.

______________________________

(1) سورة التوبة الآية 109

(2)

الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب المزار الحديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 181

..........

مسجد الفضيخ (بالضاد و الخاء المعجمتين) ثم تأتي مسجد الفضيخ فتصلي فيه و تدعوا فيه ما شاء من الدعاء ينبغي هنا ذكر وجه تسميته به فنقول: انه قد ذكروا في وجه تسميته به ما يلي:

1- وجود نخل هناك كان يسمى بالفضيخ، و لذلك أطلق عليه هذا الاسم و روى ذلك ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن مسجد الفضيخ، لم سمى الفضيخ؟ قال: نخل يسمى بالفضيخ «1» 2- انه قبل الإسلام كانوا يفضخون فيه التمر (اى يشدخونه) لقول الجوهري (فضخت رأسه شدخته) و كذلك فضخت البسر و الفضيخ شراب يتخذ من البسر وحده من غير ان تمسه النار 3- انه حينما حاصر بنى النضير ضربت قبة قريبا منه و كان يصلى هناك ست ليال و حرمت الخمر هناك و جماعة من الأنصار كانوا يشربون فضيخا فحلوا وكاء السقاء فهرقوه فيه.

ينبغي هنا بيان أمر و هو ان هذا المسجد هو الذي ردت فيه الشمس لعلي (عليه السلام) حتى صلى صلاة العصر

______________________________

(1) التهذيب ج 6 ص 18 الرقم 40 الطبعة الحديثة و الكافي ج 4 ص 561 الطبعة الحديثة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 182

..........

حينما فاته الوقت بسبب نوم النبي (صلى اللّه عليه و آله) في حجره فلما فرغ من الصلاة انقضت انقضاض الكواكب، كما صرح به في الدروس بل رواه عمار بن موسى قال: دخلت انا و أبو عبد اللّه عليه السلام مسجد الفضيخ فقال يا عمار ترى هذه الوهدة [1] قلت: نعم قالت كانت امرأة جعفر [2] التي خلف عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) قاعدة في

هذا الموضع، و معها ابناها من جعفر، فبكت فقال لها ابناها: ما يبكيك يا امه قالت: بكيت لأمير المؤمنين عليه السلام، فقالا لها تبكين لأمير المؤمنين و لا تبكين لأبينا؟ قالت: ليس هذا هكذا و لكن ذكرت حديثا حدثني به أمير المؤمنين في هذا الموضع فابكاني، قالا و ما هو؟ قالت كنت انا و أمير المؤمنين في هذا المسجد، فقال لي ترين هذه الوهدة؟ قلت: نعم قال: كنت انا و رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قاعدين فيها إذ وضع رأسه في حجري ثم خفق حتى غط [3] و حضرت صلاة العصر فكرهت ان أحرك رأسه عن فخذي فأكون قد آذيت رسول اللّه حتى ذهب الوقت و فاتت فانتبه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فقال يا علي: صليت؟

قلت: لا [4] قال: و لم ذلك قلت: كرهت أن اؤذيك؟ قال: فقام و استقبل

______________________________

[1] الوهدة الأرض المنخفضة و الهوة من الأرض

[2] يعني بها أسماء بنت عميس التي خلف عليها بعد موت زوجها أمير المؤمنين عليه السلام

[3] خفق اى نام و غط يغط غطيطا النائم: نخر في نومه

[4] تركه عليه السلام الصلاة يمكن ان يكون لعلمه برجوع الشمس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 183

..........

القبلة و مد يديه كلتيهما، و قال: اللّهم رد الشمس الى وقتها حتى يصلى على فرجعت الشّمس الى وقت الصلاة حتى صليت العصر ثم انقضت [1] انقضاض الكوكب «1» مساجد و مشاهد أحد فإذا فرغت من هذا الجانب توجه الى جانب أحد و ابدأ بالمسجد الأول و هو المعروف بمسجد الحرة فصل فيه و ادع اللّه سبحانه و تعالى، ثم توجه الى أحد لزيارة الحمزة بن عبد المطلب عمّ رسول و

قم عند قبره [2] و اقرأ زيارته: (السّلام عليك يا عمّ رسول اللّه. إلخ) ثم توجه الى قبور الشهداء (رحمهم اللّه تعالى) فقم على قبورهم و أقرأ

______________________________

له أو يقال بأنه صلى إيماء حذرا من إيذاء رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) كما قيل أو يقال انه أراد بذهاب الوقت ذهاب وقت الفضيلة و كذا المراد بفوت الصلاة فوت وقت فضيلتها، أو يقال انه عليه السلام اختار ذلك من باب أهمية استراحته (صلى اللّه عليه و آله) على ترك الصلاة أو يقال انه كان مأمورا به و لذا لم يعترض عليه النبي الكريم حين ما قال له (كرهت ان أوذيك)

[1] انقض الحائط أو الجدار سقط و يقال انقضاض الكوكب انقض الطائر من طيرانه اى هوى و منه انقضاض الكوكب

[2] يبعد قبر الحمزة عن المدينة المنورة أربعة كيلو مترات تقريبا

______________________________

(1) الكافي ج 4 ص 562 الطبعة الحديثة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 184

..........

زيارتهم (السلام عليكم يا أهل الديار. إلخ).

ثم تأتي الى المسجد الذي في المكان الواسع الى جنب الجبل عن يمينك حتى تأتي أحدا فتصلي فيه فان من هذا المسجد خرج النبي حين لقي المشركين و نصره اللّه عليهم.

مسجد الأحزاب ثم توجه الى مسجد الأحزاب فصل فيه و ادع اللّه سبحانه و تعالى و اما وجه تسميته به فلان النبي (صلى اللّه عليه و آله) دعا فيه يوم الأحزاب و قال: يا صريخ المكروبين و يا مجيب دعوة المضطرين، و يا مغيث الملهوفين، اكشف همّي و كربى و غمّي فقد ترى حالي و حال أصحابي) فاستجاب اللّه تعالى بالفتح على يد أمير المؤمنين و سيد الوصيين بقتله عمر ابن عبد ود العامري و انهزام الأحزاب

(وَ رَدَّ اللّٰهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنٰالُوا خَيْراً وَ كَفَى اللّٰهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتٰالَ. «1» بواسطة أمير المؤمنين علي الذي قتل عمرا و أباد جيثهم و هزم جمعهم.

و كيف كان فهذا المسجد هو مسجد الفتح كما عن العلامة القطع به في جملة من كتبه، و الشهيد في الدروس، و يدل عليه قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (و مسجد الأحزاب و هو مسجد الفتح) فعليه يكون العطف في عبارة المصنف على الأحزاب دون المسجد

______________________________

(1) سورة الأحزاب الآية 25

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 185

[و يكره]

و يكره النوم في المساجد (1) و يتأكد الكراهة في مسجد النبي (صلى اللّه عليه و آله) (2)

بقية المساجد ثم تأتي إلى مسجد القبلتين و مسجد علي عليه السلام و مسجد سلمان و هذه المساجد على يمين الذاهب الى أحد و الأخيران يكونان تحت الجبل إلى جهة القبلة فيستحب الصلاة فيها.

(1) كراهة النوم في المساجد مما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب و استدل لذلك بأنه مناف لتوقير المسجد و تعظيمه و انها بيوت اللّه في الأرض كما في خبر أبي بصير و بالمرسل قال عليه السلام: (من نام في المسجد بغير عذر ابتلاه اللّه بداء لا دواء له) «1»

(2) قد صرح الشيخ في النهاية و ابن إدريس في السرائر على شدة كراهة النوم في المسجد الحرام و مسجد النبي (صلى اللّه عليه و آله) و استدل لذلك- مضافا الى زيادة احترامهما و شدة تعظيمهما- بصحيح زيارة بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في النوم في المساجد قال: لا بأس

به، الا في المسجدين مسجد النبي و المسجد الحرام، قال:

كان يأخذ بيدي في بعض الليل و يتنحى ناحية، ثم يجلس و نتحدث في المسجد الحرام فربما نام، فقلت له: الكراهة في ذلك؟ فقال: انما يكره

______________________________

(1) جامع الاخبار في الفصل الثاني و الثلاثين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 186

..........

ان ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فأما الذي في هذا الموضع فليس به بأس «1» و خبر محمد بن حمران الوارد في خصوص مسجد النبي (صلى اللّه عليه و آله) و هو ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام (في حديث) قال: روى بعض أصحابنا ان رسول اللّه قال:

لا ينام في مسجدي أحد «2» و يمكن القول بأشدية كراهة النوم في مسجد النبي (صلى اللّه عليه و آله) من المسجد الحرام، لظاهر خبر علي بن جعفر قال: سألته عن النوم في المسجد الحرام؟ فقال: لا بأس، و سألته عن النوم في مسجد رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله)؟ قال (عليه السّلام): لا يصلح «3» و يومي الى ذلك اقتصار المصنّف (قدّس سرّه).

ينبغي هنا ذكر أمرين الأول- ان ظاهر صحيح زرارة بن أعين عدم كراهة النوم في غير المسجدين بل كاد يكون صريح الاستثناء فيه فضلا عما في ذيله من الصراحة و من هنا استجود في المدارك قصر الكراهة على النّوم فيهما، و تبعه غير واحد من الأصحاب مؤيّدا له مع ذلك بضعف سند دليل إطلاقها و دلالته، قال في الجواهر: (و هو جيد لو لا ان الكراهة مما يتسامح فيها)

______________________________

(1) الوسائل ج 1 الباب 18 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2

(2) الوسائل ج 1 الباب 18 من

أبواب أحكام المساجد الحديث 3

(3) الوسائل ج 1 الباب 18 من أبواب أحكام المساجد الحديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 5، ص: 187

..........

و لكن فيه ما ذكرناه غير مرة من ان قاعدة التسامح في أدلة السنن المستفادة من اخبار من بلغ على فرض تماميتها انما تختص بالمستحبات، و لا يمكن التعدي عن موردها إلى الكراهة فإذا كان دليل الكراهة ضعيفا يسقط عن الاعتبار رأسا.

الثاني- انه لا يبعد عدم تأكد كراهة النوم في المسجد الحرام و مسجد النبي صلى اللّه عليه و آله لصحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن النوم في المسجد الحرام و مسجد الرسول (صلى اللّه عليه و آله) قال: نعم اين ينام الناس «1» و خبر أبي البختري أن المساكين كانوا يبيتون في المسجد على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) «2» انتهى للّه الحمد و الشكر و قد وقع الفراغ من طبع هذا الجزء في جوار مرقد الامام علي (عليه السلام) في 15 شعبان المعظم من سنة 1393 بقلم مؤلفه العبد الفاني.

محمد إبراهيم الجناتي و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلّى اللّه على محمد و آله الطّاهرين

______________________________

(1) الوسائل ج 1 الباب 18 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1

(2) الوسائل ج 1 الباب 18 من أبواب أحكام المساجد الحديث 5

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.